تبيان الصلاة

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

الجزء الأول

اشارة

تبيان الصّلاة تقرير البحث

فخر الشّيعة و مفخر الشّريعة

آية اللّه العظمى

الحاجّ السّيّد حسين الطّباطبائي البروجرديّ قدس سره الشّريف

لمقرّرّه

سماحة آية اللّه العظمى

الحاجّ آقا علي الصّافيّ الكلبايكاني

المجلّد الأوّل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 3

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 5

مقدمة الناشر

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على سيد الأنبياء و المرسلين محمد و على آله الطاهرين و لا سيّما على بقيّة اللّه فى الارضين و اللّعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدّين

و بعد أيّها القارى العزيز هذا الّذي بين يديك هو الكنز العلمي الّذي لا ينفد و الراوية لظمآن التحقيق الّذي لا يظمأ بعده و القلّة الّتي يصعد إليها كلّ من يطلب العلى ممّا ألّفه بطل العلم و التدبّر آية اللّه العظمى الحاج آقا علي الصّافى الگلپايگاني دامت بركاته من محاضرات أبحاث الفقه الّتي القاها سيد الفقهاء و المجتهدين آية اللّه العظمى السيد آقا حسين الطباطبائى البروجردي رحمه اللّه في احكام الصّلاة الّتي هي اكثر من ساير ابواب الفقه من حيث الاصول و الفروع و نحمد اللّه و نشكره على ان يوفّقنا بطبعه و نشره.

و فى الختام يجب علينا كمال التقدير من جناب المؤلّف دام عزّه لا جازته لنا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 6

بطبعه و نشره و من كل من ساعدنا في تحقيقه و تصحيحه

و تنظيمه، خصوصا من نجله الشريف الحاج آقا مصطفى الصافي الّذي بذل جهده لاحيائه و لا سيّما من الفاضلين المحترمين، آيتين السيّد محمد الصمدي البهبهاني و الشيخ محمّد رضا الكميلي الموحّد، الّذين سعيا في تصحيحه و تنقيحه.

و السّلام على من التبع الهدى

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 7

[المقدمة]

بسم اللّه الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله اجمعين و لا سيما على بقية اللّه فى الارضين و لعنة اللّه على أعدائهم من الآن الى قيام يوم الدين.

و لا يخفى عليك أيّها الاخ الأعز أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق الانسان عبثا و لم يتركه سدى، كما قال في كتابه الكريم أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لٰا تُرْجَعُونَ «1» و أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً «2» بل هو مكلف و مأمور بتكاليف واجبة و منهية لا بدّ له من الفراغ منها بحكم العقل، و لا يحصل الفراغ منها ألا بالتعلم ممّن جعله اللّه واسطة بينه و بين خلقه من الأنبياء و المرسلين من الآدم الى الخاتم محمد بن عبد اللّه صلوات اللّه عليهم اجمعين.

و الشيعة تعتقد بأن المرجع الوحيد للرجوع إليه و التمسك به للفراغ من هذه التكاليف هو إطاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة و السّلام الّذين فرض اللّه علينا طاعتهم و وجب علينا معرفتهم، و هم النعمة الّتي ذكرها اللّه

______________________________

(1) سورة المؤمنون، الآية 115.

(2) سورة القيامة، الآية 36.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 8

تعالى في كتابه، و هم الذين لا تخلو الارض من أحدهم، و هم أمان لاهل الارض و لو لا أحدهم في زمان

لساخت الارض. «1»

كما نطق بذلك الآيات و هي مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «2» و إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ «3» و أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «4».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في جواب الجابر بن عبد اللّه الانصاري رحمه اللّه السائل عن المقصود من اولى الأمر في الآية الشريفة هم خلفائي و أئمة المسلمين بعدي و الحديث هكذا.

و باسناده الى جابر بن عبد اللّه الانصاري قال لما أنزل اللّه عزّ و جل على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله فمن أولو الامر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي اولهم على بن ابى طالب الحسن ثمّ الحسين ثمّ على بن الحسين ثمّ محمد بن على المعروف فى التوراة بالباقر و ستدركه يا جابر فاذا لقيته فاقرأه منّى السّلام ثمّ الصادق جعفر بن محمد موسى بن جعفر ثمّ على بن موسى ثمّ محمد بن على ثمّ على بن محمد ثمّ الحسن بن على ثمّ سميّي و كنيّي حجة اللّه في أرضه و بقيته فى عباده ابن الحسن بن على، ذاك الّذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الارض و مغربها، ذاك الّذي يغيب عن

______________________________

(1)- اصول كافى، ج 1، كتاب الحجة، ص 334 الى 438.

(2)- سورة الحشر، الآية 7.

(3)- سورة آل عمران، الآية 31.

(4)- سورة النساء، الآية 59.

تبيان الصلاة، ج 1، ص:

9

شيعته و اوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بامامته ألّا من امتحن اللّه قلبه للايمان، قال جابر فقلت له يا رسول اللّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم أى و الّذي بعثني بالنبوة أنهم ينتفعون به و يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و ان تجلاها السحاب، يا جابر هذا من مكنون سر اللّه و مخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله «1».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم فى حديث الثقلين أنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما فلن تضلّوا أبدا.

و نصه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فى حديث الغدير من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد بلّغ الرسالة و أدّى الأمانة كما هى حقها و بيّن ما يحتاج إليه الناس من احكام معاشهم و معادهم و ما يحتاجون إليه في أمر دينهم و عقباهم الى يوم القيامة و لم يخف فى اللّه لومة لائم مع ما وقع عليه من الاذى كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما اوذى نبيّ مثل ما أوذيت.

و لما قضى نحبه قام من نصبه لهذا المقام بأمر اللّه تعالى و هو وصيه بلا فصل و صهره أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السّلام و هو أيضا مع ما وقع له من المصائب كما قال عليه السّلام (صبرت و فى العين قذى و في الحلق شجى).

قد ادّعى ما عليه كما هو حقه ثمّ قام الحسن ثمّ الحسين ثمّ على بن الحسين عليهم السّلام، و جرى

ما جرى و مضى ما مضى الى ان بلغ الامر الى الصادقين عليهما السّلام و حصل لهما بفضل اللّه تعالى مناسبة لبيان الاحكام و فرصة لم يحصل لغيرهما عليهم السّلام و قد

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 499، ح 331.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 10

استفادا من هذه المناسبة و الفرصة كمال الاستفادة لبيان الاحكام و تربية رجال العلم و قد جمع حولهما رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ و قد بذلوا جهدهم لفهم العلوم و نشرها و قد عدّوا عددهم أربعة آلاف رجل فيهم الفقيه و المحدث و الفلسفى و الحكمى، و استفادوا من علومهما و صنفوا في كل علم رسالة و سمّيت باصول أربعة مائة و هم عليهما السّلام يكرمون اصحابهم و يعظّمونهم و يرجعون الناس إليهم للبحث و قد ملأ الكتب من المدح منهم عليهما السّلام لاصحابهم «قال ابو عبد اللّه رحم اللّه زرارة لو لا زرارة و نظراؤه لاندرست أحاديث أبي» «1».

قال الباقر عليه السّلام لأبان «اجلس فى (مسجد) مجلس المدينة فأفت الناس فانى أحب ان يرى في شيعتى مثلك» «2». ان أبا عبد اللّه قال لأبان بن عثمان «ان أبان بن تغلب قد روى عنّى رواية كثيرة فما رواه لك عنّى فأروه عنّي» «3».

و اذا مات أبان قال الصادق عليه السّلام (موت أبان أوجع قلبى) و كذلك ديدنهم عليهم السّلام الى زمان العسكرى عليه السّلام من بيان الاحكام فى كل فرصة حصلت لهم و ارجاع الناس الى اصحابهم (احمد بن اسحاق عن ابي الحسن عليه السّلام قال سألته و قلت من أعامل و عمّن آخذ و قول من أقبل فقال العمرى ثقتى فما أدّى أليك

عنّى فعنّى يؤدّى و ما قال لك عنّى فعنّى قال فاسمع له و أطع فانّه الثقة المأمون قال و سألت أبا محمد عن مثل ذلك فقال العمرى و ابنه ثقتان فما أدّيا أليك عنّى فعنّى يؤدّيان و ما قالا لك فعنّى

______________________________

(1) الوسائل، ج 18، ص 104، ح 20.

(2) رجال النجاشى، ص 7- 8.

(3) الوسائل، ج 18، ص 101، ح 8.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 11

يقولان فاسمع لهما و أطعهما فانّهما الثقتان المأمونان «1».

و لما استشهد العسكرى عليه السّلام و وصلت الامامة الى صاحب العصر روحى له الفداء انقطعت السيرة المستمرة من ملاقاة الناس مع الامام عليه السّلام و شرعت الغيبة الصغرى و قد عين عليه السّلام اشخاصا لرجوع الناس إليهم و هم الرابط بينه و بينهم و هم أربعة رجال اولهم عثمان بن سعيد و ثانيهم محمد بن عثمان بن سعيد و ثالثهم حسين بن روح و رابعهم السمرى.

و لما حان سفر السمرى من الدنيا خرج إليه توقيع من الناحية المقدسة (بسم اللّه الرحمن الرحيم يا على بن محمد السمرى اعظم اللّه أجر اخوانك فيك فانّك ميّت ما بينك و بين ستة أيام فأجمع أمرك فلا توص الى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت التامة) «2».

و بعد موته تمت الغيبة الصغرى و شرعت الغيبة الكبرى و لم يعين روحى له الفداء شخصا معينا لرجوع الناس إليه بل بعد ورد التوقيع بخطه الشريف على يد محمد بن عثمان العمرى (أما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبتك الى ان قال و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه عليهم) «3».

فانّه عليه السّلام أرجع الناس الى رواة

حديثهم و هم رضوان اللّه تعالى عليهم قد شدّوا رحالهم و بذلوا جدهم فى بيان الاحكام و ارشاد الناس و ابطال البدع و الدفاع

______________________________

(1)- الوسائل، ج 18، ص 100، ح 4.

(2)- بحار الانوار، ج 51، ص 361.

(3)- الوسائل، ج 18، ص 101، ح 9، بحار الانوار، ج 53، ص 181.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 12

عن حوزة الدين و احكام سيد المرسلين كمال البذل و الجهد، و قد استشهد بعضهم فى هذا الطريق و صار بعضهم مسجونا و قد ابتلى بعضهم بالنواصب و أهل البدع و قد أحرقوا كتبهم فجزاهم اللّه عن الاسلام خير الجزاء و لم يمنعهم عن هذه المجاهدة شي ء و لم يخافوا في طريق الهدى لقلة أهله و قد أخذ الخلف عن السّلف هذه الطريقة و خذوا خذوهم.

و كلّما آل سوق الدين الى الكساد لجور الظلمة و شياطين الانس و الجن أخرج اللّه بقدرته رجلا لاحياء الدين و إطفاء سنن الجبارين كالكلينى فى المائة الثالثة و المجلسى و الوحيد البهبهاني و المجدد الشيرازي و غيرهم الذين أحيوا الدين و جدّدوا المذهب في رأس كل مائة و لم يستثن أمر الحوزة المقدسة بقم من هذا النوائب و المصائب و المحن في هذا الازمان خصوصا في زمان مؤسس الحوزة العلمية مرحوم آية اللّه العظمى الحاج الشّيخ عبد الكريم الحائرى رحمه اللّه.

و بعد ارتحاله صار أمر الحوزة الى الزوال و لم تبق على حالته السابقة لكثرة البلاء و المحن على الحوزة و العلماء من الظلمة و دخالتهم في امر الحوزة و تشتت بال العلماء و الطلاب من جهة هذا الأمر حتّى لم يتمكّنوا لإقامة مجلس العزى له رحمه اللّه و قد بذل المراجع الثلاثة آية

اللّه العظمى السيّد محمد الحجة و آية اللّه العظمى السيّد محمد التقى الخوانساري و آية اللّه العظمى السيّد صدر الدين الصدر قدس اسرارهم فى هذا الزمان جهدهم لحفظ الحوزة و كيانها و تحملوا المصائب و المشاق فجزاهم اللّه خير الجزاء و حشرهم اللّه تعالى مع النبي و آله عليهم السّلام حتّى منّ اللّه تعالى على المسلمين عموما و الحوزة المقدسة خصوصا بورد بطل من ابطال العلم بقم و هو شمس سماء الفقاهة زعيم الحوزة و نائب الحجة آية اللّه العظمى الحاج آقا السيّد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 13

حسين الطباطبائى البروجردي قدس اللّه نفسه الشريفة.

و كونه طباطبائيا باعتبار انتسابه الى جده السابع و العشرين ابراهيم طباطبا و سلسلة اجداده الامجاد على ما كتب على لوح قبره الشريف هكذا آية اللّه العظمى السيّد حسين بن على بن احمد بن على النقى بن الجواد بن المرتضى بن محمد بن عبد الكريم بن المراد بن شاه اسد اللّه بن جلال الدين الامير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن اسماعيل بن عباد بن ابى المكارم بن عباد بن ابى المجد بن عباد بن على بن حمزة بن طاهر بن على بن محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن ابراهيم طباطبا بن اسماعيل ديباج بن ابراهيم الغمر ابن الحسن المثنى.

و بعد أقامته بقم شرع فى التدريس و تربية الطلاب و أحيى العلم و العلماء بذكر اقوالهم و طبع كتبهم و نشرها و لو لا احتمامه رحمه اللّه لم يكن اليوم منها عين و لا أثر، و بعد انتشار وروده بقم المقدسة جمع حوله للاستفادة من جنابه جمع كثير من العلماء و الفضلاء و صار مجلس درسه

حينئذ مجلسا خطيرا ثمينا قيّما محل جولان الابطال يحضره كل من صار مرجعا للمسلمين بعد ارتحاله و بعد اجابة دعوة ربه المرجع الدينى الاعلى المغفور له آية اللّه العظمى السيّد ابى الحسن الاصفهانى رحمه اللّه انتهت إليه الرئاسة العامة للمسلمين و نشر لواء الاسلام من الشرق الى الغرب و لاجل خلوص نيته هيأ اللّه له الفرصة و المناسبة لترويج الدين فجزاه اللّه خير الجزاء و حشره مع أجداده الطاهرين.

لا يخفى عليك أيّها القارى الكريم هذا الّذي بين يديك هو السفر العلمي الجليل من تقريرات دروسه القيّمة الّذي القاه رحمه اللّه فى محاضرات الثمينة في أحكام الصّلاة الّتي هي من أعظم مباحث الفقه من حيث كثرة الفروع و الانواع في مجمع

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 14

عظيم من جهة الكميّة و الكيفيّة الّذي جمع فيه رجال العلم و الدّين و ورد في البحث فيه مع النشاط العلمي و صعد فيها قللها الرفيعة و فتح أقفال فصورها العظيمة بعبارات كافية شافية وافية سهل التناول لكل من حضره مع كون مطالبها بديعة في فنها صعبة من حيث استنباطها من مصادرها.

و قد جمع رحمه اللّه بين المتناقضات فى مقام التدريس لانّها مع كونها مطالب مهمّة جديدة مشكلة من حيث البناء و المبنى و إقامة الدليل و الاشكال فيها و إلقائها بانواع مختلفة و بقوله رحمه اللّه (أنا في كل يوم رجل) لكن لاجل كونه رحمه اللّه ذي بيان بليغ و تسلّط قوى على ردّ الفروع على الاصول و ذكر المتشابهات و الشواهد المناسبة للموارد كل من حضر فى مجلس درسه يقدر على الاستفادة من جنابه و اقتفائه من هذه الشجرة الطيّبة المثمرة بقدر استعداده.

الّذي قرّره العلّامة آية اللّه العظمى

الحاج آقا على الصّافي الكلبايكاني دامت بركاته من بحوثه الشريفة الّذي حضر مجلس درسه رحمه اللّه من أوّل وروده بقم و شروعه فى التدريس حضور تعمّق و تدبر و هو رحمه اللّه يعتقد بجودة ذهنه و دقّة نظره و جولان فكره و لهذا يسمع كل ايراد منه و أجاب مع أنّ التّكلّم في مجلس درسه مشكل يحتاج الى الجسارة من جهة مهابته و تسلّطه على الاقوال من العامّة و الخاصّة و كتبهم و لم تكن مسئلة او فرع قابلة للبحث الّا و له كلام و ايراد عليهما و لو نظرت الى هامش الكتاب تصدّق ادعائنا و تعرف مآل الدّرس الى ميدان جولان العلم و الدّقة و النّظر و الايراد و خرج عن صرف التدريس الى المباحثة و لو أشكل شخص آخر قال رحمه اللّه «الكلام كل الكلام ما قاله الصافي» و ليس بعده شي ء قابلا للبحث.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 15

و لا يخفى عليك انّ الكتاب طبع فى ثمان مجلّدات و لم يكن على منوال لكتب الّتي صنفت في الصّلاة من حيث الترتيب و ذلك لانّه رحمه اللّه شرع أوّلا فى البحث عن صلاة الجمعة و ثانيا في الصّلاة المسافر ثمّ شرع فى البحث عن أصل الصّلاة و آخر بحثه فى الصّلاة البحث عن صلاة الجماعة.

و لم يرض المقرّر دام عزّه العالى التّخلّف عن سيرته الشريفة و أمر بطبعه كذلك و سمّاه به (تبيان الصّلاة) لانّ التبيان على ما في مجمع البحرين «1» معناه (جعل الشي ء مبنيّا مع الحجّة) و حيث كان بناء الكتاب على ذكر احكام الصّلاة مع الدليل و البرهان و تبين مسائلها و فروعها بالدّليل و البرهان سمّى به.

و لاجل بصيرة الناظر

فى هذه الكتب الثمانية نذكر فهرسة ما يشتمل عليه كل مجلد من المطالب.

فمجلّد الاوّل: مشتمل على المقدّمة و البحث عن الصّلاة الجمعة و المسافر الى حكم قواطع السفر.

و المجلّد الثّاني: مشتمل على البحث عن قواطع السفر الى آخر احكام صلاة المسافر من التخيير في أماكن الاربعة.

و المجلّد الثالث: فى المقدمة الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة للصّلاة، أعنى فى اعداد الفرائض و النوافل و المواقيت و القبلة و الستر و الساتر.

و المجلّد الرابع: في حكم لباس المصلّى و فى المقدمة الخامسة أعنى مكان المصلّى و فى المقدّمة السادسة أعنى الاذان و الاقامة.

______________________________

(1)- مجمع البحرين، ص 500.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 16

و المجلّد الخامس: في افعال الصّلاة من النيّة و القيام و تكبيرة الاحرام و القراءة.

و المجلّد السادس: في بقيّة افعال الصّلاة من الركوع و السجود و التشهّد و التّسليم و قواطعها.

و المجلّد السابع: فى الخلل و الشكوك و قضاء الصّلوات و متابعة المأموم للإمام.

و المجلّد الثامن: في صلاة الجماعة و صلاة الاحتياط و سجدة السّهو.

قبض عليه الرحمة فى يوم الخميس من شهر شوال المكرم سنة 1380 و دفن فى مدخل المسجد الاعظم الّذي بناها في جوار قبر كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة بنت موسى بن جعفر عليهما السّلام و صارت مدينة قم يومئذ ضجة واحدة لفقده عاش سعيدا و مات سعيدا.

السيد محمد الصّمدى البهبهاني

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 17

كتاب الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 19

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و اللعنة على اعدائهم من الآن الى يوم الدّين

و بعد فاعلم انّه لما فرغ سيدنا الأستاذ آية اللّه العظمى رحمه اللّه

الّذي انتهت إليه الرئاسة الدينية الحاج آقا حسين البروجردي الطباطبائى مد ظله العالي على رءوس المسلمين من مباحث الوصايا و كتبت تقريراته مع ما خطر ببالي القاصر، شرع في المباحث المتعلقة بالصلاة و تحقيق مهمات مسائلها في اليوم الثامن من شهر جمادى الثّانية من شهور سنة 1367 من الهجرة فاريد ان أكتب ما استفدت من افاداته الشريفة في حدود التمكن و الاستطاعة مع ما وصل إليه فكري القاصر إن شاء اللّه تعالى، فنقول و منه التوفيق و عليه التوكل و به استعين.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 21

كتاب الصّلاة لا اشكال في أن الصّلاة من اهم العبادات و اقدمها و لا شي ء بعد المعرفة افضل منها.

و الكلام في كون لفظها من الحقائق الشرعية أو باقية على معناها اللغوي قد تحقق في الاصول.

و قلنا: بأن ماهية الصّلاة ليست من الأمور الّتي اخترعت في شرع الاسلام بحيث لم يكن قبل دين الاسلام منها عين و لا أثر.

بل قلنا: بأن الصّلاة هي عبارة عن عبادة مخصوصة، و خضوع خاص، و توجه مخصوص الى الرب، و غاية خشوع العبد لمولاه و كانت قبل الإسلام ثابتة في ساير الشرائع كما ينادى بذلك الكتاب الكريم مثل قوله تعالى نقلا عن المسيح على نبينا و آله و عليه السّلام وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا «1» و يكون عند الاعراب أيضا عبادة خاصة مسماة بالصّلاة و لو لم تكن عبادة حقيقة، و لذا

______________________________

(1)- سورة المريم، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 22

قال اللّه تعالى وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً «1» فصلواتهم و ان كانت باللهو اشبه، و ما كان فيها روح العبادة و لكن المقصود

ان عندهم شيئا متداولا باسم العبادة مسمّاة بالصّلاة.

[الصّلاة بعنوان كونها عباده ليست مخترعة فى الاسلام]

فالصّلاة بعنوان كونها عبادة مخصوصة ليست من الأمور المخترعة في الاسلام، بل كانت قبل الاسلام، غاية الأمر صورتها قد اختلفت بحسب الشرائع و شرع الاسلام أيضا تصرّف في خصوصياتها، لا أن الاسلام جاء بما لم يكن في الشرائع السالفة، ففرق الصّلاة الّتي أمر في الاسلام بادائها مع الصّلاة الّتي كانت في الامم السالفة ليست الا باعتبار الخصوصيات، فعلى هذا من اوّل الاسلام كانت الصلاة عبارة عن العبادة المخصوصة و تصرف الشرع فيها من قبيل التخطئة في المصداق.

[في حمل الاطلاقات على ما هو مراد الشارع]

و ما قلنا من كون الصّلاة عبادة خاصة غير مخصوصة بشرعنا لا يصير سببا لانّ يقال: بأنّه على هذا لو شككنا في اعتبار شي ء في الصّلاة و عدم اعتباره يصح التمسك بالإطلاقات الواردة بلفظ الصّلاة في الباب، و الالتزام بعدم دخل ما شك في اعتباره و دخله فيها، و الحكم بأن المسلم هو ما اعتبر في الصّلاة قبل الشرع و ما صار دخله فيها من ناحية الشارع مسلما لعدم الاجمال على ما بينت في مفهوم لفظ الصلاة، لأنه لو كان نظر الشارع الى اعتبار أمر آخر في الصّلاة وجودا او عدما كان اللازم عليه البيان بمقتضى الحكمة، و حيث لم يبين ذلك فنكشف كون المعتبر عنده ما هو المعتبر في ساير الشرائع.

______________________________

(1)- سورة الانفال، الآية 35.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 23

لانّا نقول: بأنّه بعد ما بين الشارع قولا و عملا ما هو المعتبر في الصلاة، و ما هو دخيل فيها وجودا او عدما، حتى نقل من طرق العامة قريب من هذه المضامين «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاء المسجد فصعد المنبر و صلّى و قال: صلوا كما رايتموني اصلي» فبين ما هي الصّلاة عنده،

فكل ما ورد في القرآن و في لسانه و لسان الائمة صلوات اللّه عليه و عليهم من الاطلاقات الواردة في الصّلاة منزلة على ما هو مراده و بيّنه للناس، فلا يمكن حمل الاطلاقات إلّا على ذلك لا على ما هي الصّلاة عند ساير الشرائع، فافهم.

ثمّ انّه بعد ما عرفت من كون الصّلاة حقيقة في عبادة مخصوصة، و ليست اخترعها الشارع، بل كانت قبل شرعنا أيضا لا ثمرة في تطويل الكلام في ما هو معناها في اللغة.

كما لا ثمرة في التكلم في أن الصّلاة المصطلحة مأخوذة من اى معنى من معانيها اللغوية، و هل هي مأخوذة من مادة (صلو) أو من مادة (صلى) أو انّها في اللغة كانت بمعنى الدعاء، و الصلاة المصطلحة مأخوذة منها، كما لا يبعد كونها مأخوذة من الصلاة بمعنى الدعاء.

إذا عرفت ذلك فلنشرع في ما هو المهم في المقام و نقول: إن الكلام في باب الصلاة و العلم باحكامها يستدعى بيان اركان.

الركن الاول: في بيان الأمور الّتي ينبغي التكلم فيها قبل التكلم في أصل ماهية الصّلاة و الاحكام المتعلقة بها و هي امور:

الأمر الاول: في اعداد الصلاة: و هي إمّا فرض و إمّا نفل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 24

[في ذكر الصلوات المفروضة]

و الفرض منها تسعة على ما قاله العلّامة رحمه اللّه في القواعد و بعض آخر.

أوّلها: الصلوات اليومية.

ثانيها: صلاة الجمعة.

ثالثها: صلاة العيدين.

رابعها: صلاة الكسوفين.

خامسها: صلاة الزلزلة.

سادسها: صلاة الآيات.

سابعها: صلاة الطواف.

ثامنها: صلاة الاموات.

تاسعها: ما يلتزمه الانسان بنذر و شبهه.

و بعضهم عدوها سبعة بعدم عد صلاة الاموات من الصلوات و ان كان عدها من اقسام الصّلاة ممكننا بناء على ما قلنا من كون الصّلاة عبادة مخصوصة و حضورا خاصا عند المعبود، لأنّ صلاة الميت أيضا مثل

ساير الصلوات و ان لم يكن لها ركوع و لا سجود، لانها أيضا حضور خاص عند المعبود و توجه العبد الى مولاه و عبادة مخصوصة

و جعل الجمعة مندرجة في اليومية لكونها واحدة منها.

أو خمسة بجعل صلاة الزلزلة و الكسوفين و الآيات كلها واحده و هي الآيات.

أو أربعة بجعل ما وجب بالنذر و شبهه خارجا عن التقسيم، لأنّ هذا التقسيم

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 25

يكون باعتبار ما فرض على الناس بالاصالة لا ما يصير واجبا بالعرض مثل ما وجب على الشخص بالنذر و شبهه.

ثمّ إن وجوب الصلوات اليومية من الضروريات في الاسلام بحيث لا يرتاب في ذلك كل من دخل في ربقة الاسلام.

و مسلم أيضا بأنها عبارة عن الصلوات الخمس المتعلقة بكل يوم و ليلة، و هي أربع ركعات للظهر، و أربع للعصر، و ثلاث للمغرب، و أربع للعشاء، و ركعتان للصبح و ليست زائدة منها عند الخاصّة و العامة، و لم يحك مخالف في ذلك لا عندنا و لا عند العامة إلّا ما نسب الى ابي الحنيفة، فانّه قال بوجوب صلاة الوتر و هي ثلاث ركعات بادخاله الشفع فيها، و لا يعتنى بكلامه و مخالفته لوضوح بطلان كلامه.

و أمّا وجوب صلاة الاموات أيضا من الضروريات و لا خلاف في ذلك بين الخاصة و العامة في مورده و هو ما كان الميت مسلما.

و أمّا صلاة الآيات فوجوبها من متفردات الامامية و لم ينقل وجوبها من العامة، فهم متفقون في عدم وجوبها و ان اختلفوا في استحبابها فبعضهم قالوا باستحباب خصوص صلاة الكسوف. و بعضهم باستحبابه مع استحباب صلاة الخوف. و بعضهم بزيادة استحباب صلاة الزلزلة و لم يقل أحد منهم باستحباب الصلاة لآيات أخر

كالريح السوداء و غيره.

و أمّا صلاة العيدين فالامامية متفقون على وجوبهما مع حصول شرط وجوب صلاة الجمعة، و انه إذا ذهب امام واجب الطاعة أو من نصبه الامام لذلك الى الصحراء، وجب على كل من وجب عليه صلاة الجمعة السعى و المشي الى صلاة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 26

العيد بالوجوب العينى لا بالوجوب الكفائى.

[في نقل اقوال العامّة فى الواجب و الاستحباب]

و أمّا العامة فاختلفوا في ذلك.

فبعضهم و هو ابو حنيفة فكان قائلا بمقالتنا و انه وجب السعي عينا على كل أحد ممّن اجتمعت فيه شرائط الوجوب.

و بعضهم قائل بوجوبها بالوجوب الكفائى بمعنى انّه بعد حضور الامام لا قامتها، يجب على الواجدين لشرط الوجوب الحضور للصلاة وجوبا كفائيا بالمقدار الّذي يحفظ حشمة الامام، فبعد حضور هذا المقدار لا يجب على غيرهم.

و بعضهم قالوا باستحباب الحضور للصلاة و عدم وجوب ذلك أصلا لا بالواجب العينى و لا الكفائي.

و أمّا صلاة الجمعة فوقع الكلام في أنها هل تكون صلاة مستقلة، أو تكون من الصلوات اليومية، فبعض قال بكونها من جملة الصلوات اليومية و عدم كونها صلاة مستقلة، و إنّ في يوم الجمعة يكون الواجب ركعتين و في غير الجمعة أربع ركعات، فصلاة الجمعة ظهر مقصور، و قال بعض آخر: بكونها صلاة مستقلة غير مندرجة في الصلوات اليومية، و لكن بعد اتيان صلاة الجمعة في يوم الجمعة لا يجب الاتيان بصلاة الظهر.

[في وجوب صلاة الجمعة فى الجملة من المسلّمات]

و امّا الكلام في وجوب صلاة الجمعة فنقول: إن وجوبها في الجملة من المسلمات و لكن الكلام في جهة اخرى.

و هي انّها واجبة مطلقا بلا اشتراط وجوبها بحضور الامام عليه السّلام أو من نصبه لذلك، أو أن وجوبها مشروط بذلك، و حيث إن هذه الجهة من المطالب المهمة في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 27

الفقه و من المواقع الّتي فيها الخلاف، فنتعرض لمسألة صلاة الجمعة بنحو رسالة مستقلة إن شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على نبينا محمد و آله و سلّم و اللعنة على اعداء اللّه و اعدائهم.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 29

فصل في صلاة الجمعة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 31

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسول اللّه و على آله آل اللّه و اللعن على اعدائهم من الآن الى يوم لقاء اللّه.

أما بعد فهذه رسالة في صلاة الجمعة مشتملة على تقريرات سيدنا الأستاد آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائى البروجردي مد ظله و جملة من افاداته الشريفة مع بعض ما خطر ببالي القاصر و نظري الفاتر، و نشرع في الكلام بعون اللّه تعالى.

[في بيان كيفيّة وجوب صلاة الجمعة]

فنقول: ان وجوب صلاة الجمعة في الجملة من المسلمات و لا ينبغى الاشكال في هذه الجهة، و انما الكلام في كيفية وجوبها و الجهة المهمة في هذه المسألة تكون هذه الجهة، و قد وقع الخلاف بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم فيها.

فهم مع اتفاقهم على وجوب حضور صلاة الجمعة إن اقامها الامام عليه السّلام أو من نصبه لذلك، اختلفوا في وجوب صلاة الجمعة و عدم وجوبها بل و حرمتها مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك مثل زماننا هذا على اقوال، و حيث إن فهم ما هو مذهب الحق في المقام موقوف على ما يستفاد من الآيات و الأخبار الواردة في باب

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 32

صلاة الجمعة و مقدار دلالتها، فلا بدّ من التعرض لهما و ذكر الكلام فيهما.

[في ذكر الآيات، فالعمدة الآيات 9 و 10 و 11 من سورة الجمعة]

أما الآيات: فالعمدة فيها قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1»

فَإِذٰا قُضِيَتِ الصَّلٰاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «2»

وَ إِذٰا رَأَوْا تِجٰارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهٰا وَ تَرَكُوكَ قٰائِماً قُلْ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجٰارَةِ وَ اللّٰهُ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ «3».

و استدلّ بها لوجوب صلاة الجمعة مطلقا حتى مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك، و انها واجبة بالوجوب التعيينى بلا دخالة هذا الشرط.

فنقول مقدمة لدفع هذا التوهّم بأنّ اوّل صلاة جمعة اقامها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هي الصلاة الّتي اقامها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في «بطن وادي لبنى سالم بن عوف» و هو محل بين مسجد قباء و

المدينة، فانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ما هاجر من مكّة و نزل قرب المدينة توقف أياما في المحل الّذي يكون فعلا مسجد القباء، ثمّ خرج و توجه نحو المدينة فلما بلغ «بطن وادي لبني سالم بن عوف» كان وقت الظهر من يوم الجمعة، فرسم خطّا بيده الشريفة لأن يصير مسجدا، و صلّى صلاة الجمعة في هذه المحل، و هذه الصّلاة كانت اوّل صلاة اتى بها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو اقام صلاة الجمعة قبل دخوله بالمدينة في المحل المذكور، و لما بلغ الى المدينة و توقف فيها أقام في كل جمعة صلاة الجمعة أيضا.

______________________________

(1)- سورة الجمعة، الآية 9.

(2)- سورة الجمعة، الآية 10.

(3)- سورة الجمعة، الآية 11.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 33

و لا اشكال في أن احدى سور المدنيّة سورة الجمعة نزلت الآيات المتقدمة أيضا في المدينة، لانها من جملة آيات سورة الجمعة، فالآيات الشريفة نزلت في المدينة بعد انعقاد صلاة الجمعة مدة كما بينا.

[في بيان شأن نزول آية (و اذا رأوا تجارة)]
اشارة

و كان شان نزول قوله تعالى (و اذا رأوا تجارة الخ) هو أن بعد ما نزل النبي بالمدينة، و انعقدت الجمعة من ناحيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في يوم الجمعة وقت الظهر مشتغلا بخطبة صلاة الجمعة، أو مشتغلا باصل الصّلاة- على اختلاف التفاسير- فورد دحية الكلبي- و كان ذلك قبل اسلامه- بالمدينة و هو أحد تجار المدينة و جاء بمال التجارة و اخبر الناس بوروده بضرب الطبل و الطنبور كما هو رسمه لاعلام الناس بوروده ليسارعون إليه للاشتراء، فالحاضرون في المسجد لما سمعوا صوت الطبل تركوا النبي صلّى اللّه عليه و

آله و سلّم و انفضوا إليه إما لاشتراء مال التجارة، أو لاستماع صوت اللهو، و لم يبق في المسجد عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا عدة قليلة، فانزل اللّه تعالى الآية الثالثة المتقدمة و هي قوله تعالى «و اذا رأوا الخ» توبيخا لهم.

فظهر لك من هذه المقدمة أن قوله تعالى (إذا نودي) الى آخر الآيات نزل بعد تشريع صلاة الجمعة، و بعد انعقاد الجمعة في المدينة من ناحية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكون الآيات مدنية.

اذا عرفت ذلك فنقول: تارة يتوهم دلالة الآية على وجوب تشكيل صلاة الجمعة، و انعقادها، و تحصيل شرائطها من العدد و غيره حتى مع عدم حضور الامام بتوهم دلالة الآية على وجوب السعي لانعقاد صلاة الجمعة و وجوب تشكيلها.

و تارة يتوهم أن الآية و لو لم تدلّ على ذلك، و لكن تدلّ على انّه لو انعقدت الجمعة و اجتمعت الشرائط من العدد و غيره، يجب الحضور، فلو لم يجب الانعقاد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 34

و تهيئة الشرائط و تحصيلها فلا محالة يجب الحضور بعد الانعقاد اقلا و لم يعتبر أن يكون انعقادها بيد الامام عليه السّلام أو من نصبه لذلك، فلا بدّ من البحث في هذين الجهتين:

[عدم دلالة الآية على وجوب اجتماع الناس لانعقاد صلاة الجمعة]

أمّا الجهة الاولى: فنقول: انّه لا دلالة للآية الشريفة على وجوب اجتماع الناس من الخمسة أو السبعة و ازيد لانعقاد صلاة الجمعة، بمعنى انّه لا يجب الحضور مقدمة حتى تنعقد الجمعة، فلا يجب على الناس تشكيل صلاة الجمعة لا بالوجوب العيني و لا بالوجوب الكفائي، لأنّ المستفاد من الآية هو وجوب السعي و الحضور لصلاة الجمعة بعد البناء و الاعلام بانعقاد الصّلاة، لا انّه يجب

على الناس أصل انعقاد الصلاة و تشكيلها حتى يجب عليهم الاجتماع في أول ظهر الجمعة و تهيئة العدد يمكن انعقاد صلاة الجمعة معه، بل الآية تدلّ على أن صلاة الجمعة الّتي صارت قائمة و نادى المنادى اعني: المؤذن، و اعلن و اخبر بانعقادها، و يقول (حي على الصلاة) يجب على الناس السعي إليها، و لا يناد المنادي الا بعد حصول مقدمات انعقاد الصلاة و هو ينادى لأنّ يحضر الناس حتى يصلّون بالامام.

فالآية متعرضة لوجوب السعي الى الصّلاة المتهيئة الجامعة للشرائط، لا في مقام بيان وجوب الحضور لتحصيل شرائط الصّلاة من تحصيل الامام و العدد.

و الشاهد على ذلك مع قطع النظر عن نفس سياق الآية و انها دالة على وجوب السعى الى الصلاة، مامّر من أن الآية الشريفة نزلت بعد تشريع صلاة الجمعة، و بعد انعقادها من قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالآية تكون في مقام بيان وجوب السعي و الحضور للصلاة الّتي شرّعت قبلا، و كانت واجبة قبل نزول الآية.

و الحاصل انّه لا يستفاد منها وجوب اقامة صلاة الجمعة و وجوب تحصيل مقدمات انعقاد هذه الصّلاة على الناس و تشكيلها، بل يستفاد منها لزوم

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 35

الحضور عند انعقادها و تشكيلها، و أنه إذا انعقدت و أقيمت يجب على الناس الحضور، فليست الآية في مقام وجوب ما توهم أصلا حتى في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل غاية ما يستفاد منها وجوب الحضور عند الصّلاة الّتي أقامها رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

[في ان هل تدلّ الآية على وجوب السعي إليها]

و أمّا الجهة الثانية: فهو أن يقال: و لو لم تفد الآية وجوب تشكيل صلاة الجمعة و تحصيل

مقدمات انعقادها، و لكن تدلّ الآية على وجوب السعي بعد النداء، و بعبارة اخرى لو لم يكن وجوب صلاة الجمعة مطلقا بحيث كان تحصيل مقدماتها الوجودية واجبة، بل كان وجوبها مشروطا، فلا أقل من أن يقال: اذا حصل الشرط يكون الحضور واجبا يعنى إذا حصلت المقدمات قهرا من وجود العدد و الامام المتمكن من اداء الخطبة و غير ذلك، وجب على كل من يسمع نداء صلاة الجمعة مع كونه واجدا للشرائط، السعي إليها و الدخول في الصّلاة.

فعلى هذا نستفيد من الآية انّه إذا نودي للصلاة يجب الحضور سواء كان اقامها النبي و الامام أو من نصبه لذلك أو غيرهم، بل يجب الحضور لو كان مثل زماننا هذا يعني زمان الغيبة المفروض عدم حضور الامام و عدم وجود من نصبه بالخصوص لذلك.

اذ المفروض بمقتضى ظاهر الآية وجوب السعي الى الصّلاة بعد النداء بدون اشتراط كون النداء من قبل الامام أو من نصبه لذلك بالخصوص.

و لو قيل باشتراط كون النداء هو النداء الّذي كان من قبل النبي أو الامام صلوات اللّه عليهما أو من نصبه لذلك.

فيدفعه الاطلاق، لأنّ الآية ظاهرها مطلق و لم يقيد الوجوب على ما هو ظاهر الآية بهذا القيد، فلو شككنا في دخل هذا القيد في وجوب السعي نتمسك

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 36

بإطلاق الأمر بالسعي بمجرد النداء، و نحكم بعدم اعتبار ذلك في الوجوب، لأنه لو كان هذا القيد معتبرا في الوجوب كان اللازم على الحكيم بيانه، فمن عدم البيان نحكم بعدم الاعتبار.

[في ان بعد وجود العهد فى الكلام لا يمكن التمسك بالإطلاق]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في الجهة الثانية و لكن ما يقتضيه التحقيق هو عدم دلالة الآية الشريفة على ذلك أيضا، لأنه بعد ما ثبت في الاصول ان

(الألف و اللام) للجنس حيث لا عهد، فاذا كان العهد في البين فلا يحمل على الجنس، و كان حملها على الجنس مع عدم العهد في البين ببركة مقدمات الحكمة، فاذا كان عهد في البين فلا مجال لجريان مقدمات الحكمة و لا يمكن الحمل على الجنس، و هذا أمر أوضحناه في محله.

و بعد ما تحقّق ذلك نقول: انّه كما بينّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة الجمعة قبل وروده بالمدينة في «بطن وادي لبنى سالم بن عوف» و كان اوّل صلاة جمعة صلاها هذه الصلاة، ثمّ بعد ما دخل في المدينة و أقام الجمعة في ايامها، نزلت الآية المتقدمة في المدينة، فكانت صلاة الجمعة معهودة عند الناس خارجا، و هي صلاة جمعة اقامها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ جمعة، و ليس ما كان معهودا عندهم من صلاة الجمعة إلّا ما اقامها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لانها المعهودة عندهم، فاذا قيل (اسعوا الى صلاة الجمعة) فلا يأتى بالنظر إلا انّه دعى الى هذه الصّلاة الّتي منعقدة في الخارج.

فقوله تعالى (و إذا نودي) لو لم يدلّ مع هذه المعهودية في الخارج على الأمر بوجوب السعي و الحضور بخصوص صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم نقل بقرينة العهد ظهور الآية في ذلك. فلا مجال لأنّ يقال بدلالة الآية على وجوب السعي الى كل صلاة الجمعة.

و لا مجال لهذا التمسك بالإطلاق أو العموم بأن يقال: إن ظاهر الآية دال على

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 37

وجوب السعي إذا نودى للصّلاة، بلا اشتراط كون النداء من قبل النّبي أو الامام صلوات

اللّه عليهما.

لانّنا قلنا من عدم امكان حمل (الألف و اللام) على الجنس مع كون العهد في البين و المقام من هذا القبيل، لأنه بعد كون صلاة الجمعة الواقعة خارجا هي التي أقامها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان المعهود عند الناس من صلاة الجمعة هو هذه الصلاة، فلا بدّ من حمل (الألف و اللام) على العهد لا على الجنس، فلا دلالة للآية على وجوب الحضور و السعي الى كل صلاة جمعة حتى يتم الاستدلال، فظهر لك ممّا مرّ عدم امكان الاستدلال بالآية لكلتا الجهتين المتقدمتين.

بل على ما قلنا يمكن أن يقال: بعدم دلالة الآية على وجوب الحضور لصلاة الجمعة المتشكلة من قبل امام الأصل، و ان كان الحضور واجبا مسلما بدليل آخر، لانّه مع كون (الألف و اللام) في الصّلاة الواردة في الآية للعهد، و كان المعهود صلاة جمعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالآية لا تدلّ إلّا على وجوب الحضور عند هذه المعهودة فقط لا الى غيرها. «1»

هذا تمام الكلام في الآية الشريفة و بيان عدم دلالتها على الوجوب العيني مطلقا، يعني لا دلالة لها على الوجوب في غير الصّلاة الّتي أقامها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

[في ان اقامة صلاة الجمعة بيد السلطان حقا او باطلا]

و أمّا الكلام في الأخبار الواردة في صلاة الجمعة فلنقدم مقدمة، ثمّ نشرع في

______________________________

(1)- (اقول: هذا كله مع الاغماض عما ورد في بعض التفاسير من كون المراد بالذكر هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لانه على هذا تدلّ الآية على وجوب الحضور عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا دلالة لها على وجوب الحضور في غير صلاة النبي،

لأنه على هذا يجب الحضور عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للصّلاة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 38

ذكر الأخبار و مقدار دلالتها و الكلام فيها.

أمّا المقدمة و هي انّه كما قلنا اوّل صلاة جمعة اقامها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في «بطن وادي لبني سالم بن عوف» و بعد ذلك أقامها في المدينة الى آخر أيّام حياته، و بعد وفاته اقامها الخلفاء الغاصبين الى زمان نهضة المسلمين على عثمان و محاصرتهم إياه في بيته، و بعد ما صار محصورا اجتمع الناس على علي عليه السّلام فأقامها علي عليه السّلام و من هذا نشأ الاختلاف بين العامة.

فبعضهم التزموا بعدم اشتراط السلطان تمسكا بأن عليا عليه السّلام لم يكن سلطانا بل عثمان كان سلطانا و مع ذلك اقام علي عليه السّلام صلاة الجمعة، و بعضهم التزموا باعتبار السلطان و قالوا بأن عليا عليه السّلام هو السلطان لاجتماع الناس عليه، و عزلهم عثمان عن الخلافة.

و أمّا نحن معاشر الشيعة نقول: بأن عليا عليه السّلام هو خليفة رسول اللّه و الامام المفترض الطاعة حقا من اوّل الامر، فاقام صلاة الجمعة في هذا الحال، لأنّ ذلك حقه، و لم يكن مانع من قيامه بما هو حقه و لم يقمها قبل ذلك، و جلس في بيته حتى لا يقع الاختلاف، و يثلم في الاسلام الثلمة لاجل الاختلاف.

و على كل حال كان الغرض أن صلاة الجمعة تكون في الخارج بنحو ما قلنا من انّه كان في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الّذي انعقدها بنفسه الشريفة، و بعده الخلفاء الثلاثة و بعدهم امير المؤمنين عليه السّلام، و بعده كل

من اشغل مقام السلطنة و الخلافة الاسلامية، فاقام هذه الصّلاة كل من بيده زمام أمور المسلمين حقا كرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام أو غصبا كالخلفاء الغاصبين كما ترى أن المرسوم كان هذا النحو، حتى في هذه الاواخر يعني الى زمان خلافة الخلفاء العثمانيين حتى زمان عبد الحميد، و كذلك

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 39

في زماننا في بعض الممالك الاسلامية كمصر و الحجاز و اليمن الّذي تنعقد فيه صلاة الجمعة يكون الأمر بهذه الطريقة، فإما أن يقيمها السلطان أو المنصوب من قبله لذلك فتحصّل لك من بيان هذه المقدمة أن ما نرى خارجا من وضع انعقاد صلاة الجمعة ليس إلّا بهذه الكيفية.

و كذلك الأمر كان عند سلاطين الشيعة، فإنه لما أسّس في ايران دولة الشيعة و عمدة اساس ذلك كان في عهد الصفوية، فكان أمر صلاة الجمعة كذلك، يعنى كان من الأمور الّتي أمرها بيد السلطان، و لذا كان تعيين امام الجمعة من قبل السلطان حتى في زمان القاجارية، فما نشاهد في الخارج من صلاة الجمعة ليس الا هذا، و ليس أمرها بحيث يكون بيد كلّ أحد من المسلمين كما نشاهده اخيرا في بعض الامصار و القرى.

فعلى هذا نستكشف من كل ذلك أن أمر صلاة الجمعة في الخارج كان بيد السلطان او من يحوّل الأمر من قبله إليه، و أن صلاة الجمعة كانت مشهدا عاما، و لها محلا مخصوصا يسمى عند العامة بالجامع، و عند العجم مسجد الجمعة، و هو محل يصلى فيه هذه الصّلاة، و يكون مشهدا عظيما يتوجهون الناس مع كثرتهم نحو هذا المحل، لأنه لا تقيم إلا في محل سكونة السلطان أو في كل

مصر يكون شخص من قبله موظفا باقامتها، و لا بدّ للناس من الاجتماع من الاطراف من الفرسخ أو الفرسخين في هذا المحل، و لذا ترى ان كل محل يكون مصرا أو بلدا يكون فيه مسجد جامع، و هذا من الشواهد على كون محل صلاة الجمعة محلا مخصوصا و مشهدا عاما معلوما، فظهر لك ان أمرها خارجا كان بيد السلطان أو المنصوب لذلك من قبله.

[في ذكر بعض الاخبار المتمسكة بها لوجوبها العينى]

اذا عرفت هذا نتكلم في أخبار الباب، و ما يستفاد منها مع كون هذه المقدمة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 40

على ذكر منا و منك، فنقول بعونه تعالى: ان ما استدل به من الأخبار على الوجوب العينى فيها مطلقا حتى مع عدم حضور الامام و ان كان كثيرا، و لكن من الواضح عدم ربط بعضها بالمقصود، فنحن نتعرض لبعض ما يحتمل دلالته، أو ما توهم دلالته على الوجوب فنقول:

الرواية الأولى: ما رواها زرارة بن اعين عن ابي جعفر الباقر عليه السّلام قال: «انما فرض اللّه عزّ و جلّ على الناس من الجمعة الى الجمعة خمسا و ثلثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عزّ و جلّ في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة، عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الاعمى و من كان على رأس فرسخين». «1»

و هذه الرواية متحدة الدلالة مع الرواية 2 و الرواية 14 من الباب المذكور، فلا حاجة الى التعرض لهما مستقلا و ان كان الاختلاف بينهما في بعض العبارات و المضامين.

أمّا وجه الاستدلال بها: فقيل بأن الرواية تدلّ على أن صلاة الجمعة من الفرائض الواجبة على الناس إلا على جماعة الّتي وضع اللّه عنهم بمقتضى

الرواية، فيجب انعقادها على جميع المسلمين إلا ما استثني منهم.

و فيه أن الرواية تدلّ على أن صلاة الجمعة من جملة الصلوات افترضها اللّه تعالى على الناس، فان كنا نحن و صدر الرواية فقط- بدون ما ذكر فيها من الطوائف الموضوعة عنهم- فلم يكن مجال لهذا التوهّم أصلا، لعدم كون الرواية الا في مقام بيان

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 41

أصل ما فرضه اللّه تعالى، و لم تكن في مقام بيان كيفية ما فرضه اللّه، و ما هو شرط في وجوبها، و الخصوصيات المعتبرة في هذه الصلوات المفترضة من كل جمعة الى جمعة.

و أمّا الكلام فيها مع ذيلها:

فان قيل: بأن الاستثناء شاهد على انّها واجبة على غيرهم، و انّ صلاة الجمعة موضوعة عنهم فقط، و واجب على غيرهم، فالرواية تكون في مقام بيان من وجبت عليه صلاة الجمعة و من وضع عنه هذه الصّلاة، و لم يعتبر قيدا زائدا في وجوبها على من وجب عليه من الناس، فنحكم بالإطلاق بعدم اعتبار شرطية حضور الامام الأصل.

نقول: لا شك في أن من الطوائف المستثناة ممّن وجبت الجمعة عليه، هو من كان على رأس فرسخين، و معنى الاستثناء هو عدم الوجوب على من كان على رأس فرسخين، يعنى: من كان بعده من موضع تقام فيه الجمعة بفرسخين لا يجب عليه حضور الجمعة، فيستكشف من ذلك ان فرض المعصوم عليه السّلام هو صلاة الجمعة المخصوصة المعهودة الّتي لها محل معيّن، و ان ممّن لا يجب عليه الحضور هو من كان بعيدا بفرسخين من الصّلاة المعهودة خارجا، و إلّا لو لم يكن النظر الى الجمعة المفروض الوجود المتداولة المقررة، فما معنى استثناء من كان

على رأس فرسخين، لأنّ الاستثناء يكون ممّن وجبت عليهم هذه الصّلاة، فوجبت على الناس إلا عليهم.

فلو فرض عدم كون نظر المعصوم عليه السّلام الى الجمعة المفروض وجودها على وضع معين و في مكان معين المعهود انعقادها في هذا المكان، فكيف يستثني من المكلفين بالوجوب كل من كان على رأس فرسخين، لأنّه على هذا لا صلاة في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 42

الخارج و في محل خاص حتى يكون بعض من الناس بعيدا منها بفرسخين.

فنفهم أن المراد الصّلاة المعهودة حتى يصح أن يستثنى منها كل من كان بعيدا منها بفرسخين، فالرواية لا تدلّ على وجوب الحضور عند كل صلاة جمعة، بل على وجوب الحضور على من وجب عليه الحضور الى الجمعة المعهودة المفروض وجودها في الخارج، و هذه الصّلاة هي الصّلاة الّتي لا يقيمها إلّا من بيده زمام أمر المسلمين، فأفهم. «1»

الرواية الثانية: و هي رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منها قبل الركوع). «2»

و نقل صاحب الوسائل هذه الرواية أيضا «3»، و لا يبعد كونهما رواية واحدة و ان كان نقلها مرّتين.

و توهّم أن هذه الرواية تدلّ على وجوب صلاة الجمعة إذا كانوا سبعة بدون الاشتراط بامر آخر من حضور الامام و نحوه.

______________________________

(1)- (أقول: على أن غاية الدلالة انّه لا يجب على المريض و غيره أصلا حتى مع وجود الامام و انعقاده لها، و أنها تجب على غيرهم و امّا مع الإمام أو مطلقا فلا إذ ليس في

مقام بيان ذلك، بل في مقام الفرق بين الاشخاص من الوجوب و تشريعه في حق بعضهم و عدم تشريع الوجوب في حق بعضهم. (المقرّر).

(2)- الرواية 5 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 24 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 43

و لكن غاية ما يستفاد منها- بعد حمل لفظ «الجماعة» الواردة في الرواية على الجمعة بقرينة ذيلها من لبس البرد و العمامة و أن يقعد قعدة بين الخطبتين، و الجهر بالقراءة- بأن المراد من قوله (فليصلوا في جماعة) هو الأمر بأن يصلوا صلاة الجمعة، و هذا المقدار لا ينفع للمتوهم، لعدم معلومية ما هو صدر الرواية، و عدم معلومية ما هو مرجع في قوله (إذا كانوا) لعدم معلومية اى أشخاص إذا كانوا.

فلا يستفاد من الرواية إلا انّه إذا كانوا سبعة نفر فليصلوا في جماعة، و امّا أن المراد أى أشخاص، و التكليف متوجه الى اى طائفة من الناس، فلا يفهم منها، فلا دلالة للرواية بانّها واجبة على كل احد، أو واجبة علي اشخاص مخصوصة، مثل من كان منهم في زمن حضور الامام عليه السّلام فالرواية من هذه الجهة مجملة، فلا يمكن الاستشهاد بها لمّا توهّمه المتوهّم.

الرواية الثالثة: ما رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام «قال صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الامام، فان ترك رجل من غير علّة ثلث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، و لا يدع ثلاث فرائض من غير علّة الا منافق» «1».

و ترى بهذا المضمون الرواية 8 من هذا الباب و لعلهما تكونان رواية واحدة و هذه الرواية أيضا لا تدلّ على وجوب صلاة الجمعة بالوجوب العينى مطلقا

أمّا

أولا فلان الجمعة الّتي هي فريضة كما صرح بها في هذه الرواية بأن «صلاة الجمعة فريضة و الاجتماع إليها فريضة مع الامام» هي الجمعة الّتي خارجيتها كانت بنحو الّذي قلنا، و لا اقل من احتمال كون المراد هو صلاة الجمعة المعهودة،

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 44

فلا ظهور للرواية في كون صلاة الجمعة مطلقا واجبة.

و ثانيا قال المعصوم عليه السّلام على ما في هذه الرواية «و الاجتماع إليها فريضة مع الامام» و الاشتراط بالامام أيضا شاهد على عدم دلالة الرواية على المطلوب، لأنّ المراد ان لم يكن من قوله «فريضة مع الامام» و ان الاجتماع مع الامام فريضة، هو امام الأصل بقرينة عدم انعقادها إلا مع من بيده زمام أمور المسلمين و هو الامام، فلا اقل من كونه محتمل الوجهين، فقابل لأنّ يكون المراد من الرواية وجوب الاجتماع في خصوص الجمعة الّتي أقامها امام الأصل، و قابل لأنّ يكون المراد منها وجوب الاجتماع مع كل من يقيمها و ان لم يكن امام الأصل بناء اعلى كون المراد من الامام في الرواية هو مطلق من يصير إماما، فمع كون الاحتمالين في الرواية فلا وجه لحمل الرواية على الاحتمال الثاني، بل غاية الأمر أن الرواية تكون مجملة.

[لا ظهور للروايات فى الوجوب مطلقا اصل وجوب صلاة الجمعة]

و نظير هذه الرواية الروايات 10 و 13 و 14 و 15 و 18 و 19 في عدم الدلالة، لأنّ كل هذه الروايات، أولا تكون واردة لبيان أصل وجوب صلاة الجمعة، و التحذير في بعضها على تركها، و ثانيا بعد كون وضع صلاة الجمعة خارجا كما قلنا هو انعقادها من ناحية من بيده زمام أمور المسلمين، فالامر بصلوة الجمعة و

التحذير من تركها راجع الى الجمعة المعهودة الواقعة خارجا، فلا دلالة لها على الوجوب مطلقا حتى يستدل بها.

و مثل هذه الطائفة النبويات الّتي نقلت من المعتبر و من رسالة الشهيد الثاني في الجمعة الّتي نقلها في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة و هي الرواية 10 الى 27، و هذه الأخبار من النبويات الواردة في طرق العامة، و مع قطع النظر عن ذلك لا دلالة لها على المقصود، لأنه مع كون العهد في البين لما فهمت من خارجية

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 45

وقوع صلاة الجمعة من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى هذه الاواخر، فالامر بالجمعة و الترغيب إليها و التحذير على تركها منزل على المعهود و الخارج، لأنّ الألف و اللام في «الجمعة» لا بد من أن يحمل على العهد لا على الجنس، أولا يمكن حمله على الجنس اقلا.

و الاولى بعدم الدلالة على الوجوب العينى الروايات 3 و 4 و 8 و 9 و 16 و 17 من الباب الأوّل الّذي قال صاحب الوسائل رحمه اللّه في عنوانه باب وجوبها عينا على كل مكلف إلّا الهمّ و المسافر الخ، و الرواية 3 و 4 و 5 و 6 من الباب 4، و الرواية 1 و 3 و 4 و 7 و 9 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة.

الرواية الرابعة: من الأخبار المتوهّمة دلالتها على الوجوب العينى مطلقا الروايتان المذكورتان فى الباب 1 و هما أيضا لو فرض كونهما في مقام بيان وجوب صلاة الجمعة و في مقام بيان من وجبت عليهما هذه الصّلاة. «1»

فنقول: بأن غاية ما يستفاد منهما هو وجوب صلاة الجمعة و وجوب الاجتماع

عندها، و نظر هما الى الجمعة المعهودة، فلا تدلّان على وجوب الحضور في كل صلاة جمعة.

الرواية الخامسة: بعض الروايات الدالة على اقل عدد تجزى معه صلاة الجمعة و تكون مشروعة مع هذا العدد.

و هو أيضا على قسمين:

قسم منه لا يدل إلّا على اقل عدد تكون صلاة الجمعة مشروعة مع هذا العدد

______________________________

(1)- الرواية 5 و 18 من الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 46

مثل الرواية 1 من الباب 2.

و قسم منه ممّا يتوهم دلالته على وجوب صلاة الجمعة على الناس إذا كانوا سبعة بالمفهوم، أو بالمنطوق مثل الرواية 2 و 3 و 7 و 8 و 11 من هذا الباب بنقل الوسائل.

[كون الروايات فى بيان أقل عدد تنعقد معه صلاة الجمعة]

و الذي ينبغي أن يقال في هذه الأخبار:

أمّا أولا فبان هذه الأخبار تكون في مقام بيان حكم آخر و هو اقل عدد تنعقد معه صلاة الجمعة لا أمر آخر.

و ثانيا لو فرض كونها في مقام بيان وجوب صلاة الجمعة على الناس إذا كانوا سبعة، و لكن لا دلالة لها بأن وجوبها مطلق أو مشروط بامام خاص، لأنّ في هذه الروايات ليس المعصوم عليه السّلام الا في مقام بيان عدد من تجب الجمعة عليهم لا الخصوصيات الاخرى، و خصوصا مع ما وقع التصريح في بعضها باشتراط الامام مثل الرواية 11، و المراد من الامام يحتمل ان يكون امام الأصل المفترض طاعته لا كل أحد، «بل يمكن دعوى انصراف الامام الى امام الاصل، و مثل ذلك الرواية 1 من الباب 4 و 2 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة في الوسائل.

[في ذكر اقوى رواية دلّت على الوجوب العيني]

الرواية السادسة: الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لاقل من خمسة من المسلمين، احدهم الامام، فاذا اجتمعت سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم. «1»

______________________________

(1)- الرواية الّتي نقلها صاحب الوسائل مرّتين: الاولى: الرواية 4 من الباب 2 و الثانية:

الرواية 4 من الباب 4 من ابواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 47

و هذه الرواية من اقوى ادلة القائلين بالوجوب العينى.

وجه الاستدلال: هو أن أبا جعفر عليه السّلام أمر بصلوة الجمعة في صورة اجتماع السبعة إن لم يخافوا أن يأمّهم بعضهم، يعنى: يجعلون هذه السبعة من قبل انفسهم إماما منهم، فتدل الرواية على وجوبها، و عدم الحاجة الى الامام الخاص، لأنه أمر بأن يجعلوا الامام واحدا منهم، يعنى: واحدا

من السبعة أيّ شخص كان.

و لكن نقول: بأنّ هذه الرواية أيضا غير قابلة لأنّ تصير شاهدا و دليلا على الوجوب المطلق، و على كل أحد سواء كان معهم الامام عليه السّلام أم لا، لأنّ راوي هذه الرواية هو الصّدوق رحمه اللّه يعنى: هو ناقل الرواية، و قد نقل هذه الرواية في الفقيه، و بعد ما نرى مرارا بان الصّدوق ادخل فتواه في الروايات، يعنى: ذكر فتواه بعد ذكر الروايات في تلو الرواية بحيث صار عمله هذا سببا للشك في بعض الموارد في أن ما ذكره هل هو من ذيل الرواية أو من نفسه بعنوان الفتوى كما في بعض الموارد حصل الاطمينان لنا بأن الذيل ليس جزء للرواية، بل يكون فتواه رحمه اللّه، و حيث أن هذه الرواية أيضا من الروايات الّتي نقلها الصّدوق رحمه اللّه في الفقيه، فيحتمل أن يكون ذيل الرواية أعنى: جملة «فاذا اجتمعت سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» من فتواه رحمه اللّه.

و نحن و ان لم نقل بتسلّم ذلك، و لكن نقول: بعد وجود هذا الاحتمال لم يبق لنا الاطمينان بكون هذه الفقرة من كلام الامام عليه السّلام، و من ذيل الرواية حتى نأخذ بمدلوله، هذا حال ذيل الرواية.

و امّا صدرها بدون هذا الذيل فيدل على أن الجمعة تجب على سبعة نفر، و يجوز اتيانها للخمسة أيضا، لكن لا بنحو الوجوب في ما كان العدد خمسة، و أمّا إذا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 48

كانوا سبعة فيجب انعقادها مع الامام.

و لا وجه لأنّ يحمل الامام الوارد في الرواية المعتبر وجوده و حضوره على مطلق من يكون عادلا، و يتمكن من اداء اقل الواجب من الخطبة، بل يحتمل أن يكون

المراد الامام الأصل، فلا يجب مع عدم حضور امام الأصل، فافهم «1».

______________________________

(1)- أقول: ما استفدت من بيان سيدنا الأستاد- مد ظله- هو أن الاشكال في هذه الرواية انما تكون من هذه الجهة و لم يتعرض لاشكال آخر، و لكن خطر ببالي القاصر احتمال آخر و عرضت عليه- مد ظله-

و هو أن الرواية تكون في مقام بيان ذكر اقل عدد تنعقد معه الجمعة، فقال: السبعة احدهم الامام، ثمّ قال: فاذا اجتمعت سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم) يعني إذا اجتمعت السبعة، و لم يكن لهم خوف بحيث لا يلتفت الاعداء بانهم اقاموا صلاة الجمعة، أولا يكون اطلاعهم بحالهم باعثا للاضرار بهم، فيقيمون صلاة الجمعة، و يكفى في وجوب انعقادها السبعة، و لا حاجة الى الازيد من ذلك إماما و مأموما و كان ذلك لدفع توهّم اعتبار ازيد من ذلك العدد حتى لا يتخيل السائل أو غيره بلزوم كون السبعة معتبرا فيها غير الامام، فالرواية متعرضة لحيث عدم اعتبار ازيد من ذلك العدد في وجوب انعقادها من الامام و المأموم.

و بعد كون الأمر كذلك، و كون صدر الرواية فقط متعرضا لكفاية السبعة في وجوب الجمعة احدهما الامام، فالذيل و لو فرض كونه جزء الرواية، دال على انّها تنعقد مع عدم الخوف بالسبعة، و أمّ بعض من السبعة بعضا أخر، يعني: واحدا منهم يئم على الستة الباقية، و لا يلزم أن يكون الامام غير السبعة حتّى يكونوا ثمانية

و بعد كون الامام محتملا لكونه هو امام الاصل، فالذيل غير متعرض لغير ما تعرض له الصدر، و أن هذه السبعة الّتي يدلّ الصدر على وجوب الجمعة عليهم اذا اجتمعوا، و لم يكن خوف في البين، تنعقد الجمعة بمجرد ذلك بحيث

يكون الامام واحدا من السبعة بلا احتياج الى الأزيد من ذلك فالسبعة الواجبة عليهم مع عدم الخوف، و الحال أن يكون احدهم الامام تجب الجمعة عليهم، فالرواية غير دالة الا على هذا، فالرواية لا تدلّ على الوجوب مطلقا على كل سبعة، اذ يمكن أن يكون المراد السبعة مع الامام الأصل كما عرفت، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 49

[في ان المراد فى الامام فى روايات سماعة هو السلطان]
اشارة

الرواية السابعة: الروايات الّتي رواها سماعة و هى أربعة على نقل الوسائل «1» و هى الرواية 3 من الباب 5 و الروايات 2 و 6 و 8 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة، و هذه الروايات كلها مشتركه في عدم الدلالة على المقصود، للتصريح في كلها بوجوب صلاة الجمعة مع الامام بتعابير مختلفة.

و المراد بالامام، إن لم نقل بكونه هو السلطان الّذي بيده زمام الأمور كما قدمنا فى المقدمة، فلا اقل من عدم امكان حمله على مطلق من يتمكن من أن يصير امام الجماعة و ان لم يكن الامام. عليه السّلام

و لو لم نقل بكون هذه الروايات كلّها دالة على اشتراط الوجوب بحضور السلطان أعني: الامام عليه السّلام، و لكن لا ريب في أن الرواية سماعة تدلّ على الاشتراط و هى هذه «عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة يوم الجمعة، فقال: أما مع الامام فركعتان، و امّا لمن صلّى وحده فهى أربع ركعات و ان صلّوا جماعة». «2»

لان هذه الرواية تدلّ على أن في يوم الجمعة تكون الصّلاة ركعتين مع الامام، و أما لو لم يكن الامام و صلّى وحده يعنى: لا مع الامام، فلا بدّ من أن يصلّى أربع ركعات و إن اتى بصلاته جماعة، ففرض بانّه مع

الامام لو صلى و لو بالجماعة فصلاته أربع ركعات، فان تمكن كل شخص عادل على أن يصير إماما في صلاة الجمعة مثل صلاة الجماعة، فلا معنى لأنّ يقول عليه السّلام «و امّا لمن صلى وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة».

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل؛ و الرواية 2 و 6 و 8 من الباب 6 من ابواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 50

[المقصود من الامام فى الرواية هو الامام الأصل]

فهذه العبارة دليل على أن المقصود بالامام في الرواية هو الامام الأصل و المعصوم عليه السّلام، فمع فرض التمكن من اتيان الصّلاة جماعة أمر بالصّلاة أربع ركعات لعدم وصول اليد بالامام الاصل.

و ان كان الامام الوارد في الرواية اعم من الامام الأصل و غيره، فكان اللازم أن يقول «تجب صلاة الجمعة مع تمكن الشخص من اتيان صلاته بالجماعة» لأنّ الشخص لا يتمكن من اتيان صلاة الجماعة أيضا إلّا مع وجود امام عادل، و هو على هذا الفرض كاف لأنّ يصير إماما في صلاة الجمعة، فمن عدم أمره عليه السّلام بصلوة الجمعة مع تمكن الشخص من اتيان صلاته جماعة، نستكشف كون الامام المعتبر في صلاة الجمعة هو امام الأصل، لا الامام الّذي يكتفى به في صلاة الجماعة.

فهذه الرواية تصير دليلا على اشتراط وجود السلطان اعنى: الامام أو من نصبه لذلك، في وجوب صلاة الجمعة. «1»

الرواية الثامنة: الرواية الّتي نقلها في الوسائل مرتين و هى ما رواها فضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان القوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من

يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، و انما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين). «2»

______________________________

(1)- أقول: و ممّا تفطن به سيدنا الأستاذ مدّ ظلّه من أن المراد من الامام في هذه الرواية هو الامام الأصل يمكن أن يقال: بأن هذه الرواية تصير مؤيدا لكون الامام في سائر روايات الباب أيضا هو الامام الأصل، و ببركة هذه الرواية يقوّى الاحتمال الّذي قلناه في بعض الروايات المتقدمة: من كون المراد من الامام هو الامام المفترض الطاعة، لا الاعم منه و من غيره. (المقرّر)

(2)- الرواية 6 من الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل؛ و الرواية 2 من الباب 3 من ابواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 51

و هذه الرواية و ان توهّم دلالتها على وجوب الجمعة بمجرّد اجتماع خمس نفر.

و لكن فيه أيضا ما قلنا مكررا من أن الوجوب مشروط بوجود من يخطب، و هو كما يحتمل لأن يكون كل من يتمكن من اداء اقل الواجب من الخطبة، كذلك يحتمل لأنّ يكون اشارة الى خصوص من يخطب بحسب المتعارف من صلاة الجمعة، و وضعها الخارجى، و ما هو المعهود عند المسلمين، و هو السلطان. «1»

[في توضيح رواية زرارة]

الرواية التاسعة: رواية زرارة (قال: حدثنا ابو عبد اللّه عليه السّلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: فنغدو عليك؟ فقال: لا، إنّما عنيت عندكم). «2»

وجه الاستدلال بها: أن أبا عبد اللّه عليه السّلام أمر زرارة باداء صلاة الجمعة و اتيانها، لأنّ المستفاد من كلامه عليه السّلام هو الأمر بأنكم تقيمون هذه الصّلاة عندكم بلا حاجة و اشتراطها بالامام الأصل، لانه بعد ما سأل (بأنا نغدوا عليك) قال: لا يلزم ذلك، بل انتم بانفسكم تقيمون صلاة

الجمعة، فتدل الرواية على عدم اشتراط صلاة الجمعة بالامام الأصل.

و فيه أن المستفاد من الرواية هو انّه بعد ما حث عليه السّلام بصلوة الجمعة و ظهر منه

______________________________

(1)- أقول: لو كان من يخطب اعم من السلطان و غيره، فنوع الاعراب بل كلهم قادرين على اداء اقل الواجب من الخطبة، فكيف لا يكون في القرية شخص يأتي باقل الواجب منها، فهذا شاهد على قوة الاحتمال الثاني من أن المراد بمن يخطب هو المعهود ممّن يخطب.

و ان قيل: بان قرى الاعراب ليست مهمة و مركز الجمعية، فيمكن أن يكون جمع قليل تحت خيمة في موضع و لم يتمكنوا من اداء مقدار الواجب في الخطبة.

فنقول: انّه مع بعد ذلك يكون لازم هذا حمل الرواية على مورد نادر، و هو حمل بعيد، فتأمل.

(المقرّر)

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 52

التحريض و الترغيب بها، تخيل زرارة بأنّه عليه السّلام أراد ابداء المخالفة و الخروج على خليفة الجور و بنى على الحرب و الجدال، و لهذا قال زرارة (نغدوا عليك) يعنى نحضر عندك في الصبح.

و منشأ هذا الخيال ليس إلا مما يرى و يدرى من خارجية صلاة الجمعة و وضعها، و انها من المناصب المخصوصة للسلطان، و من بيده زمام الأمور، فمن تحريص الامام، مع ما يعلم من وضعها، تخيل انّه عليه السّلام أراد الخروج على سلطان الجور، لأنه لو حضر لانعقاد صلاة الجمعة، فلا يعد عمله الا خروجا على السلطان، و بناء المخالفة معه، و انه عليه السّلام حيث يعد نفسه الخليفة و السلطان بنى على انعقاد ما هو وظيفته و منصبه، فمجرد ترغيب ابى عبد اللّه عليه السلام بالجمعة صار

سببا لأنّ يخطر ببال زرارة هو انّه عليه السّلام اراد الخروج، و ابداء المخالفة مع سلطان الجور، و لهذا سأل عنه و قال (نغدوا عليك) فقال عليه السّلام: لا، انما عنيت عندكم».

فمعلوم من فهم زرارة أن صلاة الجمعة من شئون الخلافة و السلطنة بحيث يعد انعقادها في قبال سلطان الجور مخالفة معه، و على تقدير ذلك تشتعل نائرة الحرب و الجدال، فاراد أن يحضر في الصبح عنده للخروج و سأل عنه عليه السّلام عن ذلك، و اجاب عليه السّلام بأنّه لا، يعني: لا تحضروا عندي لصلاة الجمعة، بل تقيمونها عند انفسكم.

فقوله «إنما عنيت عندكم». يحتمل أن يكون المراد من أمره بأنّكم تتعقدونها بانفسكم، و لا حاجة الى حضوري، هو أنّكم تقيمونها في أوطانكم، و لازمه هو انكم إن كنتم قادرين على انعقادها رسما بمرأى و منظر من المخالفين، فتقيمونها بهذا النحو، و إلّا ان خفتم من المخالفين فتقيمونها خفية، و الحاصل الّذي يستفاد من الرواية التحريض و الترغيب بها بلا حاجة الى حضور السلطان.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 53

و متحمل لأنّ يكون المراد من قوله «انما عنيت عندكم» هو أنكم تحضرون صلاة الجمعة الّتي يقيمها سلطان الجور أو من نصبه لذلك، فالحاصل على هذا الاحتمال هو حث ابو عبد اللّه عليه السّلام زرارة و ساير الشيعة على الحضور في صلاة جمعة خلفاء الجور و ولاتهم المنصوبين من قبلهم، حتى يحقن بذلك دماء الشيعة، و يصيروا محفوظين، فعلى هذا وجه تحريصه هو التقية و حفظ مواليهم من الهلكة.

و على هذا الاحتمال ليست الرواية دالة على كون صلاة الجمعة واجبة بلا اشتراطها بالامام الأصل، بل الأمر على هذا من الامام صدر لجهة اخرى، و هو الحضور في

جمعة المخالفين تقية، و امّا ما هو مورد وجوب صلاة الجمعة و كون وجوبها مطلقا أو مشروطا فالرواية غير متعرضة له.

و يبعد احتمال الأوّل انّه لو كانت الرواية صادرة على وفق هذا الاحتمال فلازمه وجوب صلاة الجمعة بلا اشتراطها على السلطان من رأس، و الحال أن الاشتراط به في الجملة مسلّم. «1»

______________________________

(1)- أقول: و الشاهد على أقوائية الاحتمال الثاني في الرواية في النظر، هو انّه لو كان حث ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرواية دالّا على أن زرارة و غيره من الشيعة قادرين على انعقادها في أنفسهم، و كان الأمر بهم بذلك بدون حاجة الى حضور الامام عليه السّلام:

فإما أن يكون الأمر بانهم يقيمونها في قبال المخالفين علنا فهم غير متمكنين على ذلك، و لو انعقدت بهذا النحو لانجر الأمر الى قتلهم و هلاكهم، لأنّ عملهم هذا يعد مخالفة لسلطان الجور، و لذا ما اقامها أحد من الائمة عليهم السّلام مع ابتلائهم بخلفاء الجور، فلا يأمر ابو عبد اللّه عليه السّلام باتيانها بهذا النحو.

و إما أن يكون المراد من الرواية الأمر باقامة جمعات كثيرة مثلا في الكوفة، بعد كون جماعة الشيعة كثيرة و لم يتمكنوا من اقامة جمعة عامة، فيقيمون جمعات متشتتة في بلد واحد حتى-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 54

الرواية العاشرة: رواية عبد الملك عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: قال: مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلّوا جماعة يعني:

صلّوا الجمعة). «1»

وجه الاستدلال بها: أن المستفاد من الرواية كون ترك صلاة الجمعة سببا للهلاك، و انه يجب الاتيان بصلوة الجمعة بلا اشتراطها الى السلطان كما هو ظاهر

______________________________

لا يصل خبرهم الى المخالفين، مثلا صلوا الجمعة باقل

العدد المعتبر فيها في بيت واحد من الشيعة، و صلوا صلاة اخرى في بيت آخر، و هكذا.

و هذا أيضا لا يمكن الالتزام به، لأنّ لازم ذلك انعقاد جمعات كثيرة مع عدم فصل الفرسخ بينها.

و إما أن يكون حثه و ترغيبه عليه السّلام جماعة الشيعة كلهم بصلوة الجمعة بأنكم تقيمونها، و حيث لستم متمكنين من انعقاد صلاة جمعة عامة، و لا يمكن انعقاد جمعات كثيرة، فتقيمونها و لو بقدر حصول مسماها، مثلا سبعة منكم أو عشرة منكم أو اكثر بالمقدار الّذي لا يبلغ أمركم الى المخالفين، فعلى هذا يكون الحث بجماعة الشيعة لا بخصوص زرارة لأنه قال: حثنا، و الأمر بقوله (انما عنيت عندكم) هو الأمر و التحريض مع هذا التأكيد بالشيعة، على مسمى صلاة الجمعة.

و هذا أيضا ممّا يشكل الالتزام به، لأنه كيف يمكن حمل الخبر- مع هذا التأكيد بالعموم- على كون الأمر و الحث و الترغيب على صرف مسمى صلاة الجمعة، و ان كان نظره الى هذا فلا يلزم ان يعبر بهذا النحو بأن يأمر كلهم، و الحال أن الكل غير متمكنين منها، لأنه لا يمكن انعقادها إلا مع عدة قليلة بمقدار حصول مسماها.

فبعد بعد محتملات:

الاحتمال الاول، فان لم نقل بقوة.

الاحتمال الثاني، و هو كون مدلول الرواية هو الأمر بحضور صلاة جمعة المخالفين لاجل التقية، فلا اقل من عدم الجزم باحتمال و عدم ظهور الرواية فيه، فتأمل. (المقرّر)

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 55

اطلاق الرواية.

[في ردّ التمسك برواية عبد الملك بن اعين]

و فيه أن عبد الملك الراوي للرواية هو عبد الملك بن اعين، و كان أولاد ذكور اعين ثمانية، احدهم زرارة و واحد منهم هذا الراوي يعني: عبد الملك، و

لم يكونوا أولا من الفرقة الناجية، و استبصر بعض منهم مثل زرارة، و لكن استبصار عبد الملك غير معلوم و مورد الخلاف في الرجال.

و على كل حال إما يكون عبد الملك غير مستبصر، و باق على طريقة التسنن، فهو بعد ما كان في طريقته من العباد و الزهاد، يمكن أن يكون وجه كلام الامام عليه السّلام هو أن مثلك مع دأبك كيف تركت صلاة الجمعة، لانها على مذهبه- و هي طريقة العامة على فرض عدم استبصاره- واجبة، فمراد الامام عليه السّلام هو انك لما ذا تركت الجمعة مع كونها واجبة عندك.

فعلى هذا لا يمكن الاستدلال بالرواية، لانها كلام صادر منه خطابا على من ليس على طريق الحق و على وفق مذهبه، لاجل بعض المصالح الّتي يكون الامام عالما بها.

و ان صار مستبصرا و خرج عن طريق الباطل و نهج طريق الحق كما أن يكون قوله عليه السّلام «مثلك يهلك» مشعرا بذلك، فيحتمل أن يكون هذا الخطاب به و الأمر بعد ذلك بأن صلوا الجمعة، هو الأمر بحضوره في جمعة المخالفين تقية، لاجل أنه مع زهده يفرّ من الحضور في اجتماعاتهم، و لا يحضر في صلاة جمعة المخالفين، و ذلك ربما يصير سببا للفساد فامر عليه السّلام إيّاه بالحضور في جمعتهم تقيّة. «1»

______________________________

(1)- أقول: و لو كان المراد، على فرض كون عبد الملك مستبصرا، غير أمره بالحضور في-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 56

[الكلام حول رواية محمد بن مسلم]

الرواية الحادية عشرة: الرواية الّتي رواها الكلينى رحمه اللّه «1» في الكافي في باب تهيئة الامام للجمعة و خطبته و الانصات عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام،

______________________________

صلاة جمعة المخالفين، فلا بدّ و أن يكون الأمر بصلوة جمعة اخرى و الصّلاة

الاخرى إما أن تكون صلاة تقيم من قبل الشيعة و أهل الحق و هو لم يحضر عندها على احتمال، أو يكون الأمر بأن تقيموا صلاة الجمعة، كان الأمر بتأسيسها بعد ما لم تكن مرسومة على احتمال.

و كلا الاحتمالين بعيد و لا يناسب مع سياق الرواية، لانّ مثل عبد الملك مع كونه من العباد و الزهاد، و مع كونه من الشيعة على هذا الاحتمال، كيف لا يحضر في صلاة الجمعة الّتي تنعقد من ناحية الشيعة، إن كان لهم صلاة جمعة خارجا مرتبا في كل جمعة و لو كانت في السر، و إن كانت صلاة الجمعة ممّا يجب عليهم انعقادها و يتمكنون منها، فكيف تركوها هؤلاء الاشخاص مع جلالتهم حتى بلغ الأمر الى أن يقول الإمام عليه السّلام مثلك يهلك.

و ان لم يتمكنوا منها أو لا يجب عليهم انعقاد صلاة الجمعة، فأيضا ما معنى قوله (مثلك يهلك) فهذا مؤيد لكون الأمر و التشدد على تقدير كونه من أهل الحق على الحضور في جماعة خلفاء الجور أو من نصب لذلك من قبلهم.

مع أن كون الوارد من المعصوم هو صلاة الجمعة غير معلوم، لأنه كما ترى كانت عبارة الرواية (صلوا جماعة يعني صلوا الجمعة) و جملة (يعنى صلوا الجمعة) يمكن أن لا تكون جزء الخبر و من كلام الامام، و يؤيده انّه قال يعني: صلوا الجمعة، فقوله (يعنى) بصيغة المضارع لا يناسب أن يكون كلام الامام عليه السّلام لأنه لو كانت هذه الفقرة منه عليه السّلام كان اللازم أن يقول (اعني) بصيغة المتكلم، فجملة (يعنى صلوا الجمعة) يحتمل أن يكون من اضافات راوى الاول، أو من واحد ممّن يكون في طريق الرواية.

فعلى هذا لو لم تكن جملة (يعني صلوا

الجمعة) من جزء الرواية، فالصدر لا يدل إلا على الترغيب و الامر و التشدد بالحضور في الجماعة، و أن التشدد شاهد على كون الأمر بالحضور تقية في صلاة جماعة المخالفين. (المقرّر).

(1)- الكافي، ج 3، ص 422، ح 6.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 57

و نقلها صاحب الوسائل رحمه اللّه «1» لكن لا في مورد واحد، بل نقلها متفرقا، و هي رواية مفصلة، و فيها الأمر بالخطبتين.

وجه الاستدلال: أن ما ورد في ضمن ذكر الخطبة و الأمر فيها، بصورة الخطاب، مثلا و تقول كذلك، شاهد على كون صلاة الجمعة واجبة و هم يقيمونها و هو عليه السّلام في هذه الرواية يكون في مقام تعليم الخطبتين، و بيان ما يجب من الخطبة في هذه الصّلاة الواجبة، فيستفاد من ذلك كون أصل الصّلاة واجبة، و لهذا أمر عليه السّلام السائل بأن يؤدي الخطبة بنحو ما بيّنه.

و فيه انه، مع قطع النظر عن اضطراب متن الحديث- لأنّ بعض جملاته تكون بصورة الخطاب، و مع ذلك في بعض جملاته ادّى الكلام في الفعل أو الضمير بصيغة الغائب او الضمير الغائب، مثلا قال: و يدعوا- ان غاية ما يستفاد من الرواية، هو الأمر بالراوي يعني: بمحمد بن مسلم، بأن يقول كذلك في الخطبة، و انه كانت صلاة جمعة في البين.

و لكن بعد كون هذه القضية قضية فى واقعة، فقابل لأنّ يكون هذا الشخص من قبل الإمام عليه السّلام منصوبا لاقامة صلاة الجمعة، و بعد ما يكون منصوبا علّمه الامام الخطبة، فعلى هذا لا ظهور للرواية في كون هذه الصّلاة واجبة مطلقا بدون اشتراطها بالسلطان العادل أو من نصبه لذلك، و لا يستفاد منها اذن عام في جواز اتيانها لكل أحد، لأنّ الرواية

قابلة للحمل على مورد الاذن الخاص، و لا مانع من أن يكون الراوي و هو محمد بن مسلم مع جلالة شأنه ممّن نصبه الامام عليه السّلام لذلك.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 58

هذا تمام الكلام في الآية و الأخبار الّتي يمكن أن يستدل بها على وجوب صلاة الجمعة بالوجوب العينى مطلقا يعنى بدون اشتراطه بالامام عليه السّلام او من نصبه لذلك.

[ذكر الاقوال فى صلاة الجمعة و لوازمها]

فاذا بلغ الكلام الى هنا نقول: بأن في المسألة اقوالا:

أولها: هو وجوب صلاة الجمعة بالوجوب العينى على كل أحد، مع اجتماع الشرائط، بدون كون الوجوب فيها مشروطا بحضور السلطان او من نصبه لذلك

ثانيها: كونها من المناصب الخاصّة بحيث لا تجب مع عدم السلطان العادل أو من نصبه لذلك، بل لم تكن مشروعة مع عدم وجود هذا الشرط

ثالثها: انّها و إن كانت من مناصب الامام، و لكن اجاز الامام عليه السّلام باقامتها إمّا بالفقهاء على قول من باب ادلة ولاية الحاكم، أو بمطلق الشيعة على قول، فيكون انعقادها مشروعا في مثل زماننا، و يجب انعقادها، لأنه بعد وجوبها في الجملة و حصول الشرط، و هو اذن من يكون زمام أمرها بيده و هو الإمام، فيجب انعقادها.

و هنا بعض اقوال أخر أيضا مثل الوجوب التخييري بمعنى كون المكلف مخيرا، مع وجود ساير الشرائط المعتبرة في صلاة الجمعة، بين أن يصلى في يوم الجمعة صلاة الجمعة و بين أن يصلي الظهر.

اذا عرفت هذه الاقوال نقول: بأن لازم القول الأوّل- و هو كون وجوب صلاة الجمعة وجوبا مطلقا غير مشترط بالسلطان العادل أو من نصبه لذلك، بل تكون أمرها مثل ساير الصلوات اليومية من هذا الحيث،

بمعنى عدم كونها مشترطة الّا بالسبعة احدهم امام عادل مثل امام صلاة الجماعة، غاية الأمر كان متمكنا من

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 59

اداء الخطبة و عدم كون الشخص من جملة المستثنيات- هو أن تنعقد صلاة الجمعة في جميع الاعصار، من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى يومنا هذا، في كل من الامصار و القرى بفاصلة الفرسخين «يعنى في يوم الجمعة بفاصلة الفرسخين بين صلاة جمعة مع صلاة جمعة» اخرى تنعقد في جميع البلدان و القرى صلاة الجمعة، و جميع الناس الا ما استثنى يتوجّهون نحو هذه الصّلاة من بعد الفرسخين أو فرسخ.

و لازم ذلك أيضا انّه لا يرى اجتماع مثل اجتماعها لأنه على هذا لا صلاة غيرها، و فرض اللّه الاجتماع فيها، فلا بدّ من صيرورتها مشهدا عاما لحضور رجال عندها، و تكون على هذا، أمرها من الأمور الواضحة لدى كل مسلم و مؤمن، بل تصير من الأمور المعروفة عند غير المسلمين، كما يكون اجتماع النصارى في يوم الاحد، و اليهود في يوم السبت في كنائسهم معروفا.

فلا بدّ و أن يكون هذا الاجتماع أيضا معروفا مشهورا و يتخطه الناس نحوه، فلا بدّ و أن تكون هذه الفريضة بهذه الكيفية مغروسة في اذهان المتشرعة من الى الخلف.

فعلى هذا القول لا بدّ و أن تكون بهذه الانحاء أمر صلاة الجمعة، بل و على هذا القول لا بدّ على المكلفين تحصيل الشرائط من العدد، و تهيئة شخص عادل متمكن من اداء الخطبة للامامة، بل و يجب تعليم الخطبة و تعلمها مثل قراءة الصّلاة، بل و يجب كفاية تحصيل العدالة مع عدم وجود شخص عادل للامامة، بل و يجب على كل من كان مكلفا

التفحص من كل جانب من جوانبه فرسخين لتحصيل صلاة الجمعة، أو عدد تنعقد معها صلاة الجمعة، و إن كان الأمر كذلك فكيف يخفى على احد من المسلمين، بل لا بد و أن يكون عندهم من الضروريات، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 60

و لازم القول الثاني هو كون صلاة الجمعة صلاة تنعقد مع السلطان العادل أو من نصبه لذلك، فاذا وجد الشرط يجب انعقادها و الا فلا.

[من الاوّل كان امر صلاة الجمعة بيد من كان بيده زمام الأمور حقا أو باطلا]

اذا عرفت ذلك نقول: انّ ما نرى و تجري السيرة على وفقه من زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى هذه الاواخر، هو كون أمر صلاة الجمعة من شئون السلطنة و الخلافة بحيث نرى ان انعقادها كان بيد من بيده زمام أمور المسلمين حقا أم باطلا، ففي زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان امرها بيده و هو أقامها، و بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اخذ أمرها من غصب الخلافة، و بعد عهد غاصبين الخلافة و بعد ما حوصر عثمان أقامها علي عليه السّلام لانها حقه، و بعد ذلك كل من اخذ مسند الخلافة من خلفاء الجور من بني امية و بني العباس اقامها.

و ليس الأمر بحيث اقامها كل من كان، و ليس الأمر بحيث تمكن من اتيانها و انعقادها بكل سبع، و ليس أمرها مثل ساير الصلوات اليومية الّتي تقيمها الناس جماعة، و لكل احد أن يصير إماما إذا كان عادلا، و لكل احد الاقتداء به و الحضور في جماعته.

بل أمرها كان بنحو خاص، و له شأن مخصوص، و كان من شئون الخلافة و الرئاسة، و هذا ما نرى من خارجيّة هذه الصّلاة و لا نرى عملا على

خلافه، و كان الأمر كذلك عند العامة، لانهم يعدون أمر صلاة الجمعة من الأمور المتعلقة بالسلطان، و حيث يكون الأمر كذلك، و لا يفهم الا كون صلاة الجمعة من مناصب السلطان.

فلو كان أمر صلاة الجمعة عند ائمتنا صلوات اللّه و سلامه عليهم على خلاف ذلك، و كانت صلاة الجمعة حالها من هذا الحيث كسائر الصلوات اليومية، و كان

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 61

يجوز لكل سبعة يكون العادل فيهم انعقادها و وجب عليهم، فكيف لم يبينوا ذلك، و كيف لم يقولوا لأحد من اصحابهم، و الحال انهم بينوا كل ما كان من قول او فعل من الناس على خلاف طريقتهم الحقة، و ما بقى أمر مخفيا من الأمور الحقة و إن كان اظهار الحق مخالفا لفتاوى العامة و لاقوالها.

و لو كانت التقية في البين، لكن في مواقع الفرصة أظهروا الحق و أبدوها كما نرى من بياناتهم في ما كان حكم اللّه على خلاف ما التزمت به العامة، حتى نرى في باب قنوت هذه الصّلاة أن من متفردات الإمامية أنّ لهذه الصّلاة قنوتين في الركعة الاولى و الثانية، و العامة لا يجبون إلّا قنوتا واحدا، فهم عليهم السّلام بيّنوا الحق، و أن لها قنوتين مع كون بيان هذا الحكم على خلافهم.

فلو كانت هذه الفريضة المهمة واجبة مطلقا بالمعنى الّذي قدمناه، و كان حكم اللّه تعالى هكذا، و الحال ان المخالفين جعلوها من مناصب السلطان، فكيف لم يصدر من الائمة عليهم السّلام بيان على ذلك.

فعلى هذا لو كنا نحن و الامر كذلك من الوضع الخارجي من هذه الصّلاة، و ما هو مرتكز عند المسلمين من الخاصّة و العامة، فلم يبق لنا مجال بأن أمر صلاة الجمعة من

الأمور الّتي تكون من شئون الخلافة مسلما.

إذا فهمت ما تلوناه عليك من كون أمر صلاة الجمعة بنحو ما قلنا خارجا.

فلو لم يقم دليل على خلاف ذلك ممّا يستفاد منه إما عدم كون هذه مشروطة بالسلطان العادل أو من نصبه لذلك أصلا على خلاف ما نرى من وضعها في الخارج، أو يستفاد منه انّه مع فرض كونها من وظائف السلطان، و من بيده أمرها، و هو الامام عليه السّلام، لكن اذن باقامتها و انعقادها إما لخصوص الفقهاء، أو لمطلق المؤمنين.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 62

نقول: إن ما يستفاد من الادلة، و اقوال القدماء من العلماء رضوان اللّه عليهم- و هو الحق- كون وجوب صلاة الجمعة مشروطا بالسلطان العادل.

[في وجوب صلاة الجمعة مشروطا بالسلطان العادل امور]
اشارة

و الشاهد على ذلك، مع قطع النظر من كون المراد من الامام في أخبار الباب الامام الأصل الّذي نعبر عنه بالسلطان العادل أمور:

[الامر الاوّل: دعاء على بن الحسين عليه السّلام فى كون هذا الامر بيد السلطان]

الامر الاول: ما ورد في دعاء علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام المنقول في الصحيفة السجادية المعتبرة من حيث السند- و ان كانت الخدشة في النظر في سندها المتداول المنقول في الصحيفة- لانّ لها بعض الأسانيد المعتبرة، و نفس مضامين الصحيفة أيضا شاهد على كونها منه عليه السّلام، لأنّ هذه المضامين العالية لا يمكن صدورها إلا عن مقام الولاية.

و هذا الدعاء صريح في كون صلاة الجمعة من مناصب الامام عليه السّلام حيث قال عليه السّلام في هذا الدعاء «اللهم هذا المقام لخلفائك و اصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة الّتي اختصصتهم بها قد ابتزّوها و انت المقدر لذلك الى أن قال عليه السّلام- حتى عاد صفوتك و خلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدّلا- الخ» «1» فيستفاد بالصراحة ان هذا المقام و انعقادها من شئون الامام المفترض طاعته.

[الامر الثاني: كون صلاة الجمعة مشروطة بالامام الاصل]

الامر الثاني: ما قلنا في الرواية السابقة الّتي رواها سماعة «2» حيث أن الظاهر منها، على ما بينّا وجهه، كون صلاة الجمعة مشروطة بالامام الاصل.

______________________________

(1)- صحيفة سجادية الدعاء 48.

(2)- الرواية 8 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 63

[الامر الثالث و الرابع من الامور المربوطة بالمقام]

الامر الثالث: ما يستفاد من الرواية الّتي رواها محمّد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام (قال تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين المؤمنين و لا تجب على الأقل منهم: الامام، و قاضيه، و المدعى حقّا، و المدعي عليه، و الشاهدان و الذي يضرب الحدود بين يدي الامام). «1»

و من الواضح القاضي للامام، و المدعي، و المدعى عليه، و الشاهدان، و ضارب الحدود لا يجتمعون عند مطلق من يكون عادلا و قابلا لصيرورته امام الجماعة.

إذا المراد بالامام ان كان مطلق من يكون عادلا و متمكنا من قراءة الخطبة، مثل من يصير امام الجماعة في ساير الصلوات، فليس له القاضى و المدعي و المدعى عليه و الشاهد ان و ضارب الحدود، و ما هي من شئونه و خصائصه، إذ كثيرا ما ليس الامام بهذا النحو بعالم و لا مجتهد أصلا، فمن بيان هذه الاشخاص في الرواية يستفاد أن المراد من الإمام هو إمام الأصل الّذي من شئونه حضور هؤلاء الاشخاص عنده و لو غالبا.

الامر الرابع: الرواية الواردة في صلاة العيدين و هي رواية عبد اللّه بن ذبيان عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: يا عبد اللّه ما من يوم عيد للمسلمين اضحى و لا فطر إلا و هو يجدد اللّه لآل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه حزنا، قال: قلت: و لم؟ قال: انهم يرون حقهم في

ايدي غيرهم). «2»

و هذه الرواية تدلّ على تجديد حزن آل محمد صلوات اللّه عليهم في كل عيد

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب صلاة العيدين في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 64

اضحى و فطر، لانهم يرون حقهم في أيدي غيرهم، و من المعلوم أن المراد من حقهم ليس إلّا صلاة العيد، لأنّ يوم العيد يوم بروز جلالة الرئاسة و الخلافة، لأنّ الخليفة يخرج مع الجلال و الجبروت لأداء صلاة العيد، و الناس يجتمعون حوله، فاهل البيت عليهم السّلام يرون هذا المقام الّذي هو حق لهم، في ايدى الغاصبين، فمن هنا نستكشف كون صلاة العيد من شئون الامامة و الخلافة، و إلّا لا وجه لحزن أهل البيت عليهم السّلام لذلك.

و الرواية و إن وردت في صلاة العيد و لكن بعد كون أمر صلاة الجمعة مثل صلاة العيد من حيث شرطية امام الأصل فيها و عدمها، فنفهم من كون صلاة العيد من مناصب الامام عليه السّلام أنّ اقامة صلاة الجمعة أيضا بيده و من مناصبه عليه السّلام.

[الامر الخامس و نقل اقول العلماء]

الامر الخامس: ما نقل في العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام. «1»

و المستفاد منه أيضا كون صلاة الجمعة من مناصب السلطان، مضافا الى بعض الروايات الأخرى الدالة على كون صلاة الجمعة من المناصب المخصوصة بالامام عليه السّلام، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، هذا كله حال الروايات.

و امّا اقوال العلماء فنقول: إن المستفاد من كلام السيّد المرتضى رحمه اللّه في الميافارقيات و سلّار رحمه اللّه في المراسم و ابن إدريس رحمه اللّه «2» هو كون شرط انعقاد الجمعة بالإمام العادل أو من نصبه

الإمام لذلك، بل ربما يقال: يحتمل أن يكون هذا هو المترائى من كلام المفيد رحمه اللّه بقرينة كلام تلميذه يعنى سلار رحمه اللّه ذلك.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 25 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل؛ علل الشرائع، ص 264.

(2)- السرائر، ج 1، ص 303.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 65

و ما يظهر من الشّيخ رحمه اللّه من كلامه في النهاية «1» و المبسوط «2» و الخلاف «3» أيضا هذا يعني: كونها مشروطة بالامام أو من نصبه الامام لذلك.

لكنّه قال في النهاية «4» في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كلاما يظهر منه أنّه يجوز للفقهاء انعقاد الجمعة، فعدّ انعقاد الجمعة من جملة ما يكون أمره بيد الفقهاء في حال الغيبة.

و قال في الخلاف، بعد ما بين اشتراط انعقاد صلاة الجمعة بالامام الأصل أو من نصبه لذلك، كلاما بصورة الاشكال و الجواب، و كان حاصل كلامه هو انّه بعد ما قلت من أنّ انعقادها مشروط بالامام أو من نصبه لذلك، فما منشأ تجويز صلاة الجمعة مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك

ثمّ قال: لانا نقول: إن ذلك لما ورد من النص، و ذكر الرواية و أنه يستفاد منها الجواز عند عدم وجود المعصوم عليه السّلام.

[في بيان التعارض في كلمات الشيخ ره]
اشارة

فمن كلامه رحمه اللّه من اشتراط انعقاد الجمعة بالامام أو من نصبه لذلك في النهاية و المبسوط و الخلاف، و من كلامه رحمه اللّه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من كتاب النهاية و من ذيل كلامه في الخلاف يظهر التعارض بين كلماته في جهتين:

الجهة الاولى: التعارض بين كلامه في النهاية في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بأن للفقهاء انعقاد الجمعة، و بين ذيل كلامه في الخلاف بعد

ما قال من اشتراطها

______________________________

(1)- النهاية، باب الجمعة، ص 103 و 107.

(2)- المبسوط، ج 1، كتاب صلاة الجمعة، ص 143.

(3)- خلاف، ج 1، ص 626.

(4)- النهاية، ص 302.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 66

بالامام أو من نصبه لذلك، بأنّه يجوز انعقادها للناس و لو لم يكونوا فقهاء.

الجهة الثانية: التنافي بين كلامه في المبسوط و النهاية و صدر كلامه في الخلاف من اشتراط انعقاد صلاة الجمعة بالامام أو من نصبه لذلك مع ذيل كلامه في الخلاف بأنه يجوز انعقادها و لو مع عدم الامام و عدم من نصبه لذلك.

فكيف يمكن الجمع بين كلماته.

و وجه توجّهنا لكلامه و الدقة في فهمه، و فرض توجيه للتهافت الظاهر بين كلماته، هو ان من قبل عصر الشّيخ رحمه اللّه لا نجد كلاما من الفقهاء يمكن أن يقال: بأن هذا الكلام دال على أن الأئمة عليهم السّلام أذنوا للناس بانعقاد صلاة الجمعة و لو مع عدم حضورهم و حضور من نصبوه بالخصوص لذلك فلم يظهر ذلك إلا من ذيل كلام الشيخ رحمه اللّه في الخلاف، و الا فقد أدعي الاجماع قولا و عملا على كونها مشروطة بالامام أو من نصبه لذلك ممّن كان قبل الشّيخ من السيّد و السلّار و ابن إدريس و المفيد على احتمال، و كذلك الشّيخ مع قطع النظر عن هذا الكلام الّذي قاله في الخلاف في ذيل كلامه، نعم يظهر من الصّدوق رحمه اللّه انّه تنعقد صلاة الجمعة و لو بدون الامام أو من نصبه لذلك.

و لكن العمدة في ابداء الجواز، و ما ذهب إليه المتأخرين من الفقهاء من جواز انعقاد الجمعة مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك، هو فتوى الشّيخ رحمه اللّه في هذا المقام،

و إلا فمع قطع النظر عن ذلك، فالاجماع المدعى محفوظ بحاله، و لازمه هو عدم جواز انعقادها إلّا بالشرط المتقدم.

فما نقول في المقام: هو انّه هل يمكن رفع التنافي بين كلمات الشّيخ رحمه اللّه أو لا يمكن هذا؟ و هل نأخذ بالاجماع إن وجدنا توجيها لذيل كلامه، أو نأخذ بالذيل، و لا بدّ

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 67

على هذا من توجيه الاجماع بنحو لا يتنافى مع الذيل، أو نقول بأنّه لا يجي ء بالنظر توجيه لرفع التنافي.

و على كل حال لا بدّ لنا من النظر بعد ذلك ثانيا في أخبار الباب حتى نرى يوجد فيها ما يكون شاهدا على ورود الاذن من ناحيتهم عليهم السّلام في انعقاد الجمعة و لو مع عدم الامام عليه السّلام او من نصبه لذلك، و نتصرف في الاجماع المتقدم على هذا، أولا يوجد شاهد على الاذن أصلا.

[ما يمكن ان يقال في رفع التعارض وجوه:]
اشارة

فنقول ما يمكن أن يقال في رفع التنافي بين كلمات الشيخ رحمه اللّه وجوه:

الوجه الاول [الاذن]

: هو أن يكون المراد ممّا قاله من جواز انعقاد صلاة الجمعة للناس و لو مع عدم السلطان أو من نصبه لذلك هو الاذن يعني: جواز انعقادها يكون بمقتضى الاذن الّذي يستفاد من الرواية «1» المتقدمة في نظره، فهم عليهم السّلام اذنوا بذلك، فيرفع التنافى، لأنّ صلاة الجمعة و لو كانت مشروطة بالامام العادل، و لكن يجوز انعقادها باذن الامام الّذي بيده زمام أمرها، فكما ينصب الامام شخصا خاصا لذلك، كذلك له أن يأذن بانعقادها بنحو مطلق للناس.

و يرتفع التنافي بهذا البيان بين كلامه في النهاية بأن للفقهاء انعقادها و أن ذلك من مناصبهم، و بين جواز انعقادها لسبعة انفار من المسلمين و لو لم يكن بينهم الفقيه، لأنّ من بيده أمرها و هو الامام الاصل تارة ينصب شخصا خاصا لذلك، و تارة اشخاصا مخصوصين الذين هم واردون تحت عنوان خاص كالفقهاء من باب كونهم فقهاء، و تارة يأذن لكل احد من الناس، و فيهم من يكون عادلا و قادرا على إنشاء

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 68

الخطبتين إذا كانوا سبعة نفر، فيرتفع تنافي الاولى و الثانية.

و فيه أن هذا التوجيه لا يناسب مع ما ادعى الشيخ رحمه اللّه من الاجماع القولي على كون انعقاد صلاة الجمعة مشروطا بالامام أو من نصبه لذلك، فان ظاهر هذا الكلام هو كون نفس الانعقاد مشروطا بذلك، فعلى هذا لا يصح انعقادها بدون ذلك و ليس المراد انّه بيد الامام زمام الأمر حتى يعطى أمره بيد من شاء و يجوّز لمن شاء.

و ثانيا ظاهر

كلامه هو الفتوى بالجواز، لا أن المستفاد من الرواية هو الاذن، بل مراده انّه يقول بجواز الانعقاد في صورة عدم السلطان أو من نصبه لذلك بمقتضى الرواية، و بعد كون هذا الكلام هو الفتوى منه، فيبقى التنافي بين كلامه، و انه لو كان الاجماع على الاشتراط فلا معنى للجواز مع عدم الشرط، و ان كان الحكم هو الجواز و لو مع عدم الشرط فلا معنى لدعوى الاجماع على الاشتراط.

[الوجه الثاني: في صورة بسط اليد أمرها بيد الامام]

الوجه الثاني: هو أن يقال بأن مراده رحمه اللّه من اشتراطها بالامام أو من نصبه لذلك هو اشتراطها بذلك في حال التمكن و بسط يده، و امّا مع عدمه فيجوز الانعقاد و لو مع عدم الامام و عدم من نصبه لذلك، فيرتفع التنافي لأنّ الشرط الّذي اعتبره رحمه اللّه اعتبره في صورة التمكن و بسط يد الامام، و الجواز الّذي قال به مع عدم الشرط كان في زمان عدم حضور الامام.

و فيه أن هذا التوجيه أيضا لا يناسب مع ما قاله رحمه اللّه في مقام عدّ شرائط صلاة الجمعة من أنها مشروطة بالامام أو من نصبه لذلك و العدد الخ، فالعدد شرط في حالتي التمكن و عدمه، فعلى هذا لم يكن هو في مقام بيان ما هو شرط في خصوص حال التمكن، بل هو كان في مقام ما هو شرط فيها مطلقا، و عدّ من شرائطها المطلقة الامام أو من نصبه لذلك، و العدد أيضا من الشرائط المطلقة.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 69

[الوجه الثالث و الرابع]
اشارة

الوجه الثالث: هو أن يقال: كما يظهر من المحقق الثاني في جامع المقاصد بأن شرطية الامام أو من نصبه لذلك معتبرة في وجوبها التعييني، و أمّا وجوبها التخييرى فغير مشروط بهذا الشرط، نقول هكذا في كلام الشيخ، و بذلك يرتفع التنافي بين كلماته.

بأن يقال: إن صلاة الجمعة لا تجب بالوجوب التعييني الا مع امام الأصل أو من نصبه لذلك، و امّا مع عدم هذا الشرط، فتجب صلاة الجمعة لكن بالوجوب التخييري.

فيحمل كلامه الظاهر في الاشتراط بكون الشرط شرطا في الوجوب التعييني، و يحمل كلامه الظاهر في الجواز حتى مع عدم حصول الشرط على انّه تجب صلاة الجمعة مع عدم الشرط بالوجوب التخييري.

و

فيه ما قلنا من الاشكال الوارد على التوجيه الثاني، فان ما عدّه من الشرائط- كالعدد و غيره- شرط مطلقا، و لا يمكن أن يقال بأن العدد شرط في وجوبها التعييني فقط لا في وجوبها التخييري، فمن سياق عبارته و بيان الشرائط يستفاد بأنه رحمه اللّه يكون في مقام ما هو شرط فيها مطلقا.

الوجه الرابع: أن يقال: كما قلنا من انّه يتراءى من بعض العبائر، و ما هو محتمل في بعض الكلمات، إنه كان خارجا صلاة جمعة كبيرة، و صلاة جمعة اخرى صغيرة، فالكبيرة منها هي الّتي كانت مشهدا عاما، و الناس يجتمعون عندها، و هذه الصّلاة يكون أمرها بيد السلطان، و تنعقد من ناحيته، كذلك كانت صلاة جمعة صغيرة و هي تحصل بمجرد مسماها و هي سبعة أنفار و هذه الصّلاة ليست موقوفة بالسلطان أو من نصبه السلطان، بل لكل سبعة أن ينعقدونها مع كون عادل متمكن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 70

من اداء الخطبة بينهم.

[في وجود صلاة الجمعة صغيرة و صلاة الجمعة كبيرة]

فيقال: إن بهذا النحو يرتفع التنافي من كلام الشّيخ رحمه اللّه بأن يقال: كان مراده أن شرط صلاة الجمعة الكبيرة هو السلطان العادل أو من نصبه لذلك، و امّا الصغيرة فتجوز و لو مع عدم حضور السلطان العادل، فكلامه الظاهر في الاشتراط ناظر الى الجمعة الكبيرة، و كلامه الظاهر في الجواز ناظر الى الصغيرة.

و فيه أولا أن استكشاف مشروعية الجمعتين: جمعة كبيرة و جمعة صغيرة في الاسلام مشكل و لا دليل عليه.

و ثانيا كون مراد الشّيخ من بيان الاشتراط في النهاية و المبسوط و صدر كلامه في الخلاف، هو كون الشرط شرطا في صلاة الجمعة الكبيرة، و كون مراده من جواز انعقادها بدون الشرط كما يظهر من ذيل كلامه

في الخلاف، هو الجواز في صلاة الجمعة الصغيرة، بعيد و لا دليل عليه، بل سياق كلامه شاهد على الخلاف قلنا في الوجه الثاني و الثالث.

فلا يمكن توجيه كلام الشّيخ رحمه اللّه بحيث يرتفع التنافي بهذه الوجوه.

فاذا نقول- بعد ما قلنا من كون اشتراط السلطان او من نصبه لذلك مسلما في صلاة الجمعة كما يظهر ذلك من ظهور كلمات عدة من القدماء و دعواهم الاجماع على ذلك لا- يمكن الالتزام بكون صلاة الجمعة واجبة بدون اشتراطها بالامام أصلا، بحيث تجب بمجرد وجود سبعة أنفار، لما قلنا من الاجماع و ما نرى من وضعها الخارجي، و السيرة المستمرة من الصدر الأوّل الى هذه الاواخر، فاشتراطها بالسلطان العادل معلوم.

فمن ادعى الوجوب مع عدم هذا الشرط، فلا بدّ من أن يدعي ورود الاذن من

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 71

ناحية من يكون أمرها بيده يعني: النبي و الائمة عليهم السّلام، فان ثبت هذا الاذن فنقول بجواز انعقادها أو وجوبها في حال الغيبة مثل هذا الزمان، و الّا فلا يمكن الالتزام بذلك.

[في ذكر بعض الاخبار الدالّة على الاذن من الائمة]
اشارة

فاذا نعطف الكلام الى ذكر بعض الاخبار الّتي قيل بكونها دالة على ورود الاذن منهم عليهم السّلام.

و نحن و إن قدّمنا الكلام في بعض هذه الأخبار عند ما كنا في مقام فهم أصل كيفية الوجوب، و أن وجوبها هل هو مطلق أو مشروط، و قلنا بعدم وجود رواية دالة على وجوبها المطلق بلا اشتراطها بالامام، بل قلنا بدلالة بعض الأخبار و الاجماع و السيرة على اعتبار هذا الشرط، و فرغنا عن ذلك، و لكن نتكلم فيها مرة اخرى كي يتضح المطلب لمن اراد البصيرة، و انه بعد الفراغ من الاشتراط و كون الامر بيد الامام هل ورد الاذن

منه عليه السّلام أولا.

فنقول بعونه تعالى: إن ما يظهر من ذيل كلام الشيخ رحمه اللّه في الخلاف كما قلنا تمسك للجواز مع عدم حضور السلطان أو من نصبه لذلك باحدى الروايات الواردة في أهل القرى، فنقول: إن هذه الروايات تكون ثلاثة.

الرواية الاولى: رواية عبد اللّه بن بكير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أ يصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم اذا لم يخافو). «1»

وجه الاستدلال بها انّه سأل عن تكليف قوم ساكنين في قرية، و فرض عدم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 12 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 72

وجود الشخص الّذي يمكن أن يجمع به يعنى السلطان، فهل لهم أن يقيمون صلاة الجمعة بانفسهم مع عدم من يجمع بهم، و اجاب الامام عليه السّلام بأنّه يجوز لهم أما إذا لم يخافوا، فاذن عليه السّلام بانعقاد الجمعة و لو مع عدم حضور السلطان أو من نصبه لذلك.

[في الاشكال بان السؤال عن صلاة الظهر فى الرواية لا عن صلاة الجمعة و جوابه]

فان قيل: إن ظاهر الرواية هو السؤال عن الظهر، و انه مع عدم من يجمع بهم هل يصلون صلاة الظهر بالجماعة أم لا، لظهور قول السائل «أ يصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة» في ذلك، و اجاب عليه السّلام بجواز ذلك مع فرض عدم التمكن من صلاة الجمعة لعدم وجود من يجمع بهم، فالسؤال و الجواب يكون عن صلاة الظهر فلا ربط للرواية بصلوة الجمعة.

فانه يقال: و لو كان ظاهر كلام السائل هو السؤال عن الظهر، و لكن قوله عليه السّلام «اذا لم يخافوا» قرينة على كون المراد من الظهر هو صلاة الجمعة، لأنّ اتيان الظهر بالجماعة مع عدم التمكن من صلاة

الجمعة لا خوف فيه و لا تقية فيه، بل الخوف يكون في انعقاد صلاة الجمعة بدون حضور السلطان أو من نصبه لذلك، لانّهم يعدّون أمر هذه الصّلاة من شئون السلطان، فانعقادها على خلاف ما عند المخالفين ربّما يكون مورد الخوف، فلهذا قال عليه السّلام «نعم اذا لم يخافوا».

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بالرواية.

و فيه أن مفاد الرواية أمر آخر، و نقول مقدمة: اختلفت العامة في انّه إذا لم تنعقد صلاة الجمعة لعدم حصول شرطها فهل يصح اتيان صلاة الظهر بالجماعة في يوم الجمعة أم لا، فبعضهم قال بالجواز مع الكراهة، و أبو حنيفة قال بعدم الجواز.

إذا عرفت ذلك نقول: إن سؤال السائل عن جواز اتيان الظهر جماعة في يوم الجمعة و عدمه، مع عدم التمكن من اتيان صلاة الجمعة، و جواب الامام عليه السّلام بجواز

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 73

ذلك لكن في صورة عدم الخوف، يكون من باب أن السائل كوفي، و حيث كانت الفتوى المتداولة في الكوفة و نواحيها في عصر السؤال هي فتوى أبي حنيفة، فقيّد الجواز بعدم الخوف، لأنّ اتيان صلاة الظهر جماعة يوم الجمعة مخالف لفتوى ابي حنيفة، فجوز الامام عليه السّلام لهم ذلك مع عدم الخوف من المخالفين، فالسائل سأل حتى يعلم بأنّه يجوز اتيان الظهر جماعة يوم الجمعة، أو يكون الأمر كما افتى به ابو حنيفة، فقال عليه السّلام بجواز ذلك مع التقييد بعدم الخوف لاجل التقية عن المخالفين التابعين لابي حنيفة. «1»

[في ان رواية محمد بن مسلم لا تدلّ على الاذن]

الرواية الثانية: رواية محمد بن مسلم عن احدهما قال: «سألته عن اناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم، و يصلون اربعا إذا لم يكن من يخطب» «2».

وجه التمسك بكون

الرواية دالة على الاذن في انعقاد صلاة الجمعة حتى مع عدم حضور الامام هو مفهوم قوله «اذا لم يكن من يخطب» لأنّ مفهومه هو انّه إذا كان من يخطب يجب اتيان صلاة الجمعة.

و فيه أن مفاد الرواية ليس إلا السؤال عن اناس يكونون في قرية، و انهم هل

______________________________

(1)- أقول: و لو اغمضنا عما قاله سيدنا الأستاد- مد ظله- فأيضا لا يمكن استفادة ظهور للرواية في كون المراد صلاة الجمعة بقرينة قوله «إذا لم يخافوا» فانّه كما لا يمكن اقامة صلاة الجمعة في قبال المخالفين، كذلك لا يمكن انعقاد صلاة الجماعة علنا في قبال جماعتهم، لكونه أمرا مستنكرا عندهم، و حتى الآن يكون كذلك، بل لا بد من الحضور في جماعتهم، و كيف يمكن انعقاد جماعة في قبال جماعتهم، فانهم يعدون ذلك شق عصا المسلمين، فعلى هذا بعد كون الظاهر من صدر الرواية هو كون السؤال عن الظهر، فجواب الامام عليه السّلام بجواز ذلك مع عدم الخوف يكون مناسبا للسؤال. (المقرّر).

(2)- الرواية 1 من الباب 3 من أبواب صلاة الجمعة في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 74

يصلون الجمعة بالجماعة و على هذا إمّا أن يكون المراد من الجمعة صلاة الجمعة على احتمال، فيكون سؤال السائل عن جواز صلاة الجمعة بالجماعة، و انه يصح اتيانها جماعة، فأجاب عليه السّلام نعم، يصلون جماعة لكن أربع ركعات إذا لم يكن من يخطب يعني: مع عدم من يخطب بهم لا بدّ من أن يصلّوا الظهر، و لكن هذا الاحتمال لا يناسب سياق الرواية.

و إما أن يكون السؤال من اتيان صلاة الظاهر جماعة، و لا ينافي ذلك تعبير السائل عن الظهر بالجمعة، لأنّ اطلاق الجمعة و ارادة الظهر منها ورد

مكررا في الروايات مثل رواية فضل بن عبد الملك الّتي يأتى الكلام فيها إن شاء اللّه، فسأل السائل بأنّه هل يجوز اتيان الظهر جماعة، فقال عليه السّلام: نعم، يجوز لهم و يصلون أربع ركعات إذا لم يكن من يخطب بهم، و على كلا الاحتمالين يكون فرض السائل هو القرية.

فنقول:

أولا: بأن المفروض عند السائل هو عدم انعقاد صلاة الجمعة من ناحية السلطان أو من نصبه لذلك، لعدم كون السلطان في القرية، و لهذا سأل عن جواز انعقاد أهل القرية الصّلاة الجمعة بلا حضور السلطان أو من نصبه لذلك على الاحتمال الاول، أو الظهر على الاحتمال الثاني، فاجاب عليه السّلام بجواز الجماعة، و لكن يصلون أربع ركعات، فيكون ذكر قوله (إذا لم يكن من يخطب) قيدا غالبيا لعدم السلطان أو من نصبه لذلك في القرية غالبا، فبعد كون قيد (من يخطب) قيدا غالبيا مثل (و ربائبكم اللاتي في حجوركم) فلا مفهوم لهذا الكلام يعني: لقوله (إذا لم يكن من يخطب) فلا وجه لأن يقال بأن المستفاد من الجملة الشرطية هو الوجوب إذا كان من يخطب.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 75

و ثانيا: لو فرض كون المفهوم لقوله (إذا لم يكن من يخطب) و كون مفهومه يجوز أو يجب انعقاد صلاة الجمعة مع وجود من يخطب في القرية.

فنقول: إن من يخطب قابل بحسب الاحتمال لأنّ يكون من يخطب المعهود يعني السلطان أو المنصوب من قبله و قابل لأنّ يكون المراد ممّن يخطب كل من يقدر على اداء الخطبة.

فان لم نقل بكون أقوى الاحتمالين الاحتمال الاول، فلا وجه لترجيح الاحتمال الثاني أما أولا فلما قلنا من أن المعهود هو كون انعقاد صلاة الجمعة بيد السلطان أو المنصوب من قبله.

و ثانيا:

سياق العبارة حاك عن كون الفرض عند السائل هو عدم التمكن من الجمعة المعهودة، و لهذا سأل عن اتيان الظهر جماعة، فاجاب عليه السّلام بجواز ذلك، و انهم يصلون أربع ركعات، و لكن لرفع توهّم عدم كون القرية مانعة من انعقاد الجمعة، قيد حكمه بما (إذا لم يكن من يخطب) يعني: لو وجد من يخطب المعهود و لو في القرية يجب عليهم اتيان صلاة الجمعة.

و ثالثا: أن الامام عليه السّلام كان حكمه مشروطا بعدم وجود من يخطب، و من يخطب إن كان من يخطب المعهود فهو، و ان كان من يخطب كل من يقدر على اداء الخطبة، فلازمه حمل الحكم على المورد النّادر لأنّ في القرى خصوصا مع كون اهلها من الاعراب، لا توجد الصورة الّتي لم يكن بين ساكني القرية من لا يقدر على اداء أقل الواجب من الخطبة، و هو الحمد و الصلوات مثلا، لانهم عالمون بذلك، لانهم يؤدون صلواتهم و الصلوات اليومية مشتملة على ذلك، فكيف لا يتمكنون من قراءة الخطبة، و لو فرض مورد فيكون موردا نادرا، فعلى هذا يلزم كون حكم الامام عليه السّلام

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 76

باتيان أربع ركعات محمولا على مورد نادر أو غير واقع، و هذا أمر بعيد، فعلى هذا يكون الاقوى بالنظر هو كون المراد ممّن يخطب هو المعهود منه. «1»

[الكلام فى رواية فضل بن عبد الملك]

الرواية الثالثة: رواية فضل بن عبد الملك (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

إذا كان القوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر). «2»

و فيه- مع انّه لو اخذ بإطلاق قوله «فان كان لهم من يخطب لهم جمعوا» فلازمه وجوب انعقاد صلاة

الجمعة بمجرد وجود كل من يتمكن من اداء الخطبة، و لازم ذلك الالتزام بعدم الاشتراط بوجود السلطان أصلا، و لا يمكن الالتزام به.

انّ غاية ما يستفاد من الرواية هو وجوب صلاة الجمعة مع من يخطب، و من يخطب قابل لأنّ يكون من يخطب المعهود يعني: السلطان أو من نصبه لذلك، و قابل يكون اعم منه و من غيره، و الاحتمال الاول لو لم يكن اقوى للوجوه الّتي قدمناها في الرواية السابقة، فلا اقل من تساوي الاحتمالين، و اثره عدم ظهور للرواية في ما

______________________________

(1)- أقول: و ان قلت: بأن المراد بقوله (من يخطب) كل من يقدر على إنشاء اقل واجب الخطبتين، فالمستفاد من الرواية وجوب الجمعة بمجرد وجود ذلك، و ان لازمه هو كون وجوبها غير مشروط بالسلطان من رأس، لا انّه مشروط به، و لكن قد ورد الاذن لنا بذلك.

نقول: فان كان هذا مدلول الرواية فهو ممّا لا يمكن الالتزام به لما قدمنا من الاجماع على الاشتراط، فتأمل و مع قطع النظر عن ذلك فغاية ما يستفاد من الرواية وجوب الجمعة مع وجود من يخطب، فالرواية تكون في مقام بيان أصل الوجوب مع هذا الشرط، و ليست في مقام ذكر من هو الخطيب، و ان المعتبر فيه اي صفة من الصفات، و انه هل هو السلطان فقط أو كل من يقدر على اداء الخطبة. (المقرّر).

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من أبواب صلاة الجمعة في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 77

ادعى القائل بالوجوب من استفادة الاذن من الرواية.

[في ذكر اشكال و دفعه]

و لقائل أن يقول: بأن ما رايناه في بعض الروايات في المسألة هو الأمر بصلوة الجمعة، أو اخبر بوجوبها مع الإمام، أو مع امام عادل فعبر

بلفظ الامام.

و ما نرى في هذه الروايات الثلاثة هو الأمر بهذه الصّلاة مع وجود من يخطب، فعدل فيها عن التعبير بالامام و عبر بمن يخطب، فنكشف من ذلك بأن المراد من التعبير بمن يخطب، هو أن كل من يتمكن من اداء الخطبة لو وجد، تجب هذه الصّلاة و لو لم يكن الامام أو من نصبه لذلك:

و فيه أن التعبير في هذه الروايات الثلاثة بهذا اللفظ يعني (من يخطب) يمكن أن يكون لاجل ما ورد في بعض الروايات، و من جملة هذه الروايات الرواية الثالثة.

بأن وجه كون صلاة الجمعة ركعتين هو كون الخطبتين مقام الركعتين، ففي هذه الروايات حيث أمر بصلوة الظهر و اتيان أربع ركعات، و لهذا قال يجب الاتيان بأربع ركعات في ما لا يكون من يخطب، لأنه اذا كان من يخطب فيقرأ الخطبتين، و هما تكونان مقام الركعتين، فالتعبير (بمن يخطب) في هذه الروايات يمكن أن يكون وجهه ما قلنا.

هذا تمام الكلام في الروايات الثلاثة الواردة في القرية و كانت واحدة منها منشأ فتوى الشّيخ رحمه اللّه على ما يظهر من ذيل كلامه في الخلاف، و قد يتوهم من بعض الاخبار الاخر ثبوت الاذن بانعقاد صلاة الجمعة مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك:

منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكأ على قوس أو عصا،

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 78

و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع). «1»

و قد تعرضنا لها قبلا أيضا، و قلنا بأن الأمر بلبس البرد و العمامة، و التوكؤ على القوس

و العصا الى الآخر، قرينة على كون المراد صلاة الجمعة لا صلاة الجماعة.

وجه الاستدلال بها: على الاذن بانعقاد صلاة الجمعة، هو أن المعصوم عليه السّلام قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة، يعني: يقيمون صلاة الجمعة، فاذن بها مع وجود السبعة.

[الرواية غير دالة على المدعى]

و فيه: أنّ الرواية غير دالة على ذلك، اذ مرجع ضمير قوله في الرواية «اذا كانوا» غير معلوم، فهل المراد منه كل من كان، أن يكون المراد سبعة مخصوصة، فحيث إن ذلك غير معلوم، فلا يمكن استفادة اذن المطلق منها، بل يستكشف من الرواية بحسب سياقها ان ما نقل منها ليس تمامها، بل الرواية تكون مشتملة على زيادة و لم تنقل تلك الزيادة، خصوصا مع ما في ذيلها من قوله «و ليلبس البرد و العمامة» الخ فالمرجع في كل الافعال يعني (و ليلبس و ليقعد و يجهر و يقنت) غير معلوم، و لم يدر بان المراد من المرجع هو الامام الخاص يعني: امام الأصل، أو يكون المراد هو كل من يقدر على الامامة و اداء الخطبة، فلا يمكن دعوى الظهور للرواية في الاذن بانعقاد صلاة الجمعة لكل شخص.

و منها: ما رواه «2» في الكافي عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام الّتي قدمنا الكلام فيها المشتملة على بيان الخطبتين، و فيها ما يدل على أن أبا جعفر عليه السّلام أمر محمد

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(2)- الكافى، ج 3، ص 422، ح 6.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 79

بن مسلم بأن يقول كذا و كذا، و كان كلامه بصورة الخطاب مثلا و تقول.

فيمكن أن يقال: بأن هذه الرواية تدلّ على وجوب صلاة الجمعة بلا

تقييد بحضور الامام أو من نصبه بالخصوص لذلك، و ان الامام عليه السّلام كما في الرواية أمر الراوي بقراءة الخطبتين قبل صلاة الجمعة بكيفية خاصة، فيستفاد من ذلك مشروعية صلاة الجمعة حتى مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك.

و فيه مع ما قلنا سابقا و مع قطع النظر عن اضطراب متن الحديث، لما ورد في بعض مواضعه بصورة الخطاب، ثمّ في بعض مواضعه بعنوان الغائب مثلا في موضع قال (و تقول) و في موضع آخر قال (و يدعو اللّه).

نقول بأن غاية ما يستفاد من الرواية هو أنّه عليه السّلام أمر محمد بن مسلم بقراءة الخطبتين بنحو مخصوص، فهو كما يمكن أن يكون قابلا للاذن العام للناس و منهم الراوي، كما هو ادعاء من يدعي الاذن، كذلك يكون قابلا لكون أمره السائل من باب جعل النيابة للراوي بالخصوص، فكان هو ممّن نصبه لذلك، و لا يبعد ذلك مع جلالة محمد بن مسلم، و إن أبيت عن ذلك، و ادعيت عدم كون الرواية ظاهرة في الاحتمال الثاني، فلا مجال لدعوى ظهورها في الاحتمال الاول.

و منها: الرواية «1» الّتي قد منا ذكرها أيضا و هي رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لاقل من خمسة احدهم الامام، فاذا اجتمعت سبعة، و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم».

بتوهم أن المستفاد من الرواية الاذن في انعقاد صلاة الجمعة إذا اجتمعت

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 80

سبعة نفر و لم يخافوا، فبمجرد عدم الخوف مع وجود سبعة نفر يقيمون صلاة الجمعة، و يجعلون إماما باختيارهم من افرادهم، و

يجمعون به، فواحد منهم يصير إماما و الآخرون يقتدون به، و يقيمون صلاة الجمعة.

و فيه كما قلنا سابقا لا ندري الذيل اعني «فاذا اجتمعت سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» جزء للرواية، اذ بعد ما نرى بأن الصدوق رحمه اللّه يضمّ فتواه بالرواية، يعني: يذكرها متصلة بالرواية في بعض الموارد، كذلك يحتمل أن يكون هذا الذيل أيضا فتواه و ذكرها بعد الرواية، فان الصّدوق رحمه اللّه ذكر الرواية في الفقيه بهذا النحو.

[الكلام فى نقل كلام الصدوق فى كتابه المسمى بالهداية]

و يؤيد هذا الاحتمال اعني كون الذيل من الصّدوق رحمه اللّه:

أوّلا: ما ذكره في كتابه المسمّى بالهداية في باب فضل الجماعة، فان ظاهر كلامه و إن كان باب فضل الجماعة، و لكن ما ذكر في هذا الباب ليس مربوطا الا بصلوة الجمعة، و هو بعد ذكر بعض ما يكون مربوطا بصلوة الجمعة قال «فاذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» فانك ترى أن ما ذكر هنا في مقام الفتوى، هو عين ما نقل في ذيل هذه الرواية المبحوث عنها، ثمّ قال بعد ذلك: و الخطبة بعد الصّلاة لانها بدل الاخيرتين، و قدمهما عثمان، ثمّ قال «و السبعة الذين ذكرناهم الإمام و المؤذن و القاضي و المدعى عليه و المدعي حقا و الشاهدان» فانت ترى بأن كلامه هنا في مقام الفتوى هو عين كلامه الّذي نقل في ذيل الرواية، فهذا يؤيد كون الذيل أيضا فتواه، و ما قاله: بأن الخطبة في صلاة الجمعة بعدها و انما قدمهما عثمان اشتباه محض لأنّ المسلم خلاف ذلك.

و ما قاله في ذيل كلامه يستفاد منه أن مراده من الامام في السبعة الذين أحدهم الإمام هو امام الأصل، لأنّ ما قال بأن (السبعة الذين

ذكرناهم الامام و ...)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 81

هو عين مدلول رواية محمد بن مسلم، و هي الرواية 9 من الباب الثاني من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل المتقدم ذكرها عند ذكر الأخبار الدالة على اشتراط الامام الأصل في مشروعية صلاة الجمعة، غاية الأمر عد واحدا من السبعة في رواية محمد بن مسلم (الذي يضرب الحدود) و الصدوق عد بدله (المؤذّن).

و وجه كون مراده من الامام هو امام أصل ما قلناه في ذيل رواية محمد بن مسلم المتقدمة من أنّ ما يعد من السبعة مع الامام لا يناسب وجودهم إلا مع إمام الأصل، لأنه هو الّذي عنده القاضي و المدعي و المدعى عليه و الشاهدان، و ان كان الامام أعم من الامام الأصل و غيره يعني: كل من يمكن الاقتداء به في الجماعة، فليس غالبا فقيها و مجتهدا حتى يكون عنده هؤلاء الاشخاص، و كان حضور هؤلاء الاشخاص عنده من شئونه.

و ثانيا: ترى أن المحقق في المعتبر، و العلّامة في المختلف، و الشهيد الثاني رحمه اللّه في غاية المراد لم ينقلوا هذه الرواية في مقام التعرض لهذه المسألة و نقلوا أخبارها مع كون الرواية على فرض كون الذيل جزء منها، من اوضح ما في الباب من الروايات على المطلب، و كذا الفاضل المقداد شارح الفقيه قال بعدم كون تلك الفقرة جزء للرواية، فيحتمل أن يكون عدم ذكر المحقق و العلّامة و الشهيد الرواية، من باب وجود مدرك عندهم على عدم كون الذيل جزء الرواية، بل ترى أن في كتاب الفقيه المطبوع في الهند ذكر بعدم كون الذيل اعني «و لا جمعة لاقل من خمسة الخ» من الرواية.

و بعد ما تلونا عليك لم يبق الوثوق بكون

الرواية مشتملة على الذيل بل من المحتمل أن يكون من فتاوى الصّدوق رحمه اللّه، فلا يمكن عدها جزء الرواية، لأنّ بناء

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 82

العقلاء لم يكن في مثل هذه الموارد على الاخذ، فلا يمكن الحكم بمقتضى اصالة عدم الزيادة بأن الذيل جزء الرواية، لأنّ منشأ هذا الأصل هو بناء العقلاء و لم يكن هنا بناء العقلاء مع ما ذكرنا على ذلك.

هذا كله مع قطع النظر من أن الرواية ان كانت كذلك، فلازمها هو وجوب صلاة الجمعة بمجرد وجود السبعة بلا اشتراطه بالامام، فالرواية تصير معارضة قدمناه من الأخبار و الاجماع و السيرة على الاشتراط، فعلى هذا أيضا لا يمكن الاخذ بها. «1»

[ذكر رواية زرارة ثانيا و الكلام فيها]
اشارة

و منها رواية زرارة المتقدم ذكرها أيضا قال: حثنا ابو عبد اللّه عليه السّلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، أنما عنيت عندكم. «2»

وجه الاستدلال بها: انّه عليه السّلام حثّ على صلاة الجمعة و كان شدة حثه بمرتبة توهم السائل بأنّه عليه السّلام اراد أن يقيمها، فقال: نغدو عليك؟ فقال: لا، انما عنيت عندكم، يعني: يكون المقصود ان تقيموها عند انفسكم، و لا يلزم حضور الامام، فتدل الرواية على الاذن بانعقاد الجمعة و لو مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك.

و فيه أن في الرواية احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون الحث و الترغيب لحضور صلاة العامة، فالرواية

______________________________

(1)- أقول: و لقد تقدم منى توجيه آخر للرواية عند تعرضنا لها سابقا، و مع هذا الوجه لا يمكن الاستشهاد بها لكلا الدعويين أعني نفي الاشتراط و ثبوت الاذن فراجع. (المقرّر).

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص:

83

على هذا الاحتمال تدلّ على الحث على حضور صلاة جمعة العامة لرعاية التقية، و وقاية الشيعة من خطر مخالفيهم، فان كان المراد من الرواية هذا فلا ربط لها بالاذن على انعقاد صلاة الجمعة.

الاحتمال الثاني: انّه بعد كون صلاة الجمعة ممّا يتقوّم أمرها بصنفين: صنف يكون وظيفتهم الامامة في هذه الصّلاة، لانها لا تنعقد إلا بالامام حتى يقتدى به، و صنف يكون شأنهم المامومية لتقوّم انعقادها بوجود المأموم أيضا، و إلا لم تتحقق الجماعة فيها، لانّ الجماعة لم تتحقق إلّا بالامام و المأموم.

نقول: بأن الرواية تدلّ على الحث و الترغيب من حيث الثاني، يعني: حيث المامومية يعني يرغبهم الامام عليه السّلام، و يحثهم على أن يصيروا مأمومين في صلاة الجمعة، و يشتغلون بحفظ هذه الجهة، و ظن زرارة بأنّه عليه السّلام حثهم بالاقدام على ما هو وظيفتهم من المامومية من باب انّه عليه السّلام اراد أن يحضر لاقامة الجهة الاخرى يعني:

حيث الامامة و أن يقوم بالامر، فقال (نغدو عليك) فاجاب عليه السّلام لا اعنى: لا اريد أن تحضروا في صلاتي، انما عنيت عندكم.

فبعد كون الصدر على هذا تحريصا على حيث الماموميّة، فيكون المراد من الذيل بتناسب الصدر، هو انكم تصيرون مأمومين عندكم لا عندي، فالرواية غير متعرضة الا لحيث المامومية، و انجام هذه الوظيفة، و لا تعرض لها لحيث إمامة صلاة الجمعة و أن أمرها على أي كيفية كانت، فالحث على أن يصيروا مأمومين، و امّا صيرورتهم مأمومين في أي جمعة، و مع اي امام فالرواية غير متعرضة لذلك، فلا يستفاد على هذا الاحتمال الاذن من الرواية.

الاحتمال الثالث: أن يكون الحث و الترغيب في الرواية على أصل صلاة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 84

الجمعة، فبعد

كون صدرها تحريصا على أصل صلاة الجمعة، فالذيل أيضا ليس إلا ما حث عليه السّلام عليه في الصدر، فالمراد من قوله (انما عنيت عندكم) هو أن المقصود الحث على انعقاد صلاة الجمعة عند انفسكم بلا احتياج الى حضوري، و على هذا الاحتمال فلهم أن يقيموا هذه الصّلاة إما وجوبا أو جوازا بدون اشتراط حضور الامام، و على هذا لا يلزم أن يقال بوجوب صلاة الجمعة عليهم، بل لا مانع من أن يكون بنحو الجواز و صرف المشروعية حتى يناسب مع كون صلاة الجمعة احد فردي الواجب التخييري، و يكون فرده الآخر صلاة الظهر، و يقال: إن مع الامام يجب صلاة الجمعة معينا، فالامام شرط للوجوب و مع عدم حضور الامام يجوز انعقادها و لو انعقدت تسقط صلاة الظهر، و على هذا الاحتمال كان الامام عليه السّلام في مقام الافتاء، و افتى بمشروعية صلاة الجمعة او وجوبها حتى مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك.

[مع عدم ظهور الرواية للاحتمال الاول و الثانى فلا ظهور له فى الاحتمال الثالث أيضا]

إذا عرفت هذه الاحتمالات، فان لم يكن ظاهر الرواية مساعدا للاحتمال الاول أو الثاني، فلا اقل من عدم ظهورها في الاحتمال الثالث، مضافا الى أن الرواية لو كانت دالة على الافتاء- على الاحتمال الثالث- يستفاد منها مشروعية الجمعة و لو مع عدم الامام أو من نصبه لذلك، و الحال أن ظاهر كلام المجمعين هو الاجماع على كون أصل المشروعية مشروطا بالامام أو من نصبه لذلك، فمع هذا الاجماع كيف يمكن الالتزام بمشروعية صلاة الجمعة من رأس بدون حضور الامام أو من نصبه لذلك. «1»

______________________________

(1)- اقول: ان قلنا بان المستفاد من الرواية هو الاحتمال الثالث، و قدمنا الرواية على ما دل-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 85

و منها: ما رواه عبد الملك

عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: قال: مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللّه، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة). «1»

و قد تعرضنا لها سابقا أيضا.

وجه الاستدلال: انّه بعد ما قال عليه السّلام: مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه و قال عبد الملك: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة، أمره عليه السّلام بانعقاد الجمعة، فيستفاد الأذن منها بأن تنعقد صلاة الجمعة حتى مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 1، ص: 85

[لا يمكن ان ما ذكر فى رواية عبد الملك تمام الرواية و لم يسقط منها شي ء]

و فيه أولا: أن سياق الرواية حاك عن عدم كون كلام الامام عليه السّلام بدوا ما نقله الراوي بدون زيادة و نقيصة، أو بدون سبق كلام، أو بدون تناسب خارجي، بل متن الحديث يشهد بأن ما نقل مسبوق بكلام أو واقعة خارجية غير منقولة، لا انّه عليه السّلام

______________________________

على اشتراط صلاة الجمعة بالامام او من نصبه لذلك، فلا بد من أن يقال بالوجوب التعييني مطلقا، لأنّ الحثّ كان على الجمعة المشروعة، و وجوب صلاة الجمعة المشروعة مسلم في الجملة، و انما الكلام كان في اشتراط وجوبها بالامام و عدمه، و بعد عدم الاشتراط بناء على الاخذ بالاحتمال الثالث في الرواية، فلا بد من ان يكون انعقادها واجبا بالوجوب التعييني، و لا معنى للوجوب التخييري، و قوله (حثنا) و ان كان بمادته قابل للحمل على الاستحباب و الترغيب على الامور المستحبة، لكن المورد غير قابل لذلك، لأنّ الحث على صلاة الجمعة و هي واجبة ضرورة في الجملة، و بعد عدم الاشتراط بالامام على

فرض تقديم هذه الرواية فلم يبق الا وجوب اصل صلاة الجمعة، و الحث على هذا لا يكون الا عليها فتامل، و لا يبعد كون اقوى الاحتمالات هو الاحتمال الاول. (المقرّر).

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب صلاة الجمعة في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 86

تلكم بهذا الكلام بدوا بمجرد رؤية عبد الملك، بأنّه قال له بمجرد أن راه (مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها اللّه).

و كيف يكون عبد الملك- مع جلالته المشار به بقوله (مثلك يهلك) يعني: أنت مع شأنك و مقامك تهلك- تاركا لفريضة فرضها اللّه، و ما كان آتيا بها أصلا، فهذا مؤيد على أن هذا الكلام مسبوق بسابقة غير منقولة، و لا ندري ما هي السابقة كانت في البين.

فبعد هذا الاحتمال المؤيد بسياق الرواية، لم يحصل لنا الجزم بكون ما نقل من الرواية تمام الكلام الواقع بين الامام عليه السّلام و بين السائل بلا سبق أمر خارجي، أو كلام آخر، بل يمكن أن يكون هذا الكلام مسبوقا بامر آخر لو وصل إلينا نستكشف أمرا آخرا من الرواية.

و ثانيا: ما قلنا سابقا من كون الرواية قابلة لكونها صادرة لأنّ يراعي الراوي التقية يعنى: يحضر في جماعة العامة، و لا يترك ذلك كلية حتى يصير سببا للفساد و هلاكته، كما أن ما قلنا في الوجه الأوّل من احتمال سبق أمر خارجي في البين، و هو صار منشأ تشدّد الامام عليه السّلام، و أن يقول (مثلك يهلك) هو هذا اعني: إما علمه عليه السّلام بأن عبد الملك لا يحضر في جماعة العامة، أو كان في المجلس واحد منهم و عنده قال عليه السّلام بعبد الملك ما قاله حتى يرى الشخص المخالف الحاضر بأنّه

عليه السّلام يأمر مواليه بالحضور في جماعتهم و جمعتهم.

و ثالثا: هذا على تقدير استبصار عبد الملك و وروده في منهج الحق، و امّا على تقدير عدمه، فقال ذلك بشخص من العامة، و تكلم معه، و أمره موافقا لمذهبه رعاية لبعض المصالح.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 87

[خطاب الامام عليه السّلام بعبد الملك لمراعاته التقية لا الاذن]

و رابعا: أن ما في ذيل الرواية «يعني صلوا الجمعة» بعد قوله «صلوا جماعة» ليس من كلام الامام، لأنّه لو كان كلامه عليه السّلام فمقتضى القواعد الادبية أن يقول «اعني صلاة الجمعة» لا أن يقول «يعني صلاة الجمعة» لأنّ المتكلم لو قصد بصلوة الجماعة صلاة الجمعة، كان اللازم أن يقول «اعني» لا «يعني»، فالذيل قابل لأنّ يكون من عبد الملك راوي الرواية، و قابل لأنّ يكون من كلام واحد من رواة الرواية غير عبد الملك، فبعد عدم كون ذلك من كلام الامام، بل عدم معلومية كونه من كلام عبد الملك، فلا يمكن أن يقال بكون الذيل أمر بصلوة الجمعة، بل نبقى نحن و ما بقى من الرواية، و غاية مدلولها، مع قطع النظر عما قلنا، هو الأمر بصلوة الجماعة، و هذا الأمر محتمل لأنّ يكون الأمر بالحضور في جماعة العامة، و كان المراد من الفريضة في الرواية الفريضة الّتي يفعلها تقية، و انك لم لم تراع التقية، و هذا الوجه و ان كان بعيدا، و لا يبعد أن يكون المراد من الأمر بالصّلاة الأمر بصلوة الجمعة و لو مع عدم ذيل الرواية، و لكن هذا الاحتمال أيضا من محتملات الرواية، و لا ظهور لها في الاذن بصلوة الجمعة و لو مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك.

هذا تمام الكلام في الأخبار الّتي يمكن أن يتمسّك بها للاذن على

انعقاد الجمعة في حال عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك، و قد ثبت لك ممّا بينا لك في هذا المقام عدم ظهور للروايات في الاذن المطلق للجميع بحيث كان لكل سبعة إقامتها، و نحن تابع لدليل ظاهر في المدعى و لم نجد ذلك بين الاخبار اصلا.

و بعد ما تبين لك عدم ثبوت الوجوب التعييني لصلاة الجمعة مطلقا حتى بدون حضور الامام أو من نصبه لذلك من الادلة، بل أوضحنا خلافه و بينا لك كون الاشتراط مسلم بالأدلّة، و اثبتنا بعد ذلك عدم ورود الاذن العام من ناحية من بيده

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 88

أمر صلاة الجمعة اعني: الامام باقامتها للناس بطريق العموم، لعدم قيام دليل على ذلك.

هل يمكن أن يقال: بأن المستفاد اجمالا من بعض الأخبار المذكورة، هو تمكن الشيعة من صلاة الجمعة الصغيرة في زمان عدم تمكنهم من انعقاد صلاة الجمعة الكبيرة، لاجل عدم بسط يد الأئمة عليهم السّلام و ان لم ندر بكون تمكنهم الشرعي على انعقاد صلاة الجمعة باي نحو كان إمّا من باب كون واحد منهم منصوبا من قبلهم عليهم السّلام في الخفاء، أو اذن لجمع مخصوص في ذلك، أو اذن لمطلق الشيعة، فان لم نعلم هذه الخصوصيات من أخبار الباب، لكن أجماله معلوم كما يشعر بذلك رواية محمد بن مسلم «1» المشتملة على بيان الخطبتين، لما ورد من الأمر لمحمد بن مسلم بأن (تقول كذا) و ما صدرت الرواية تقية للامر فيها بالدعاء لائمتك حتى تنتهي الى صاحبك، و رواية عمر بن حنظلة «2» الّتي يستفاد منها أن المعصوم عليه السّلام جعله رسولا لأنّ يبلغ كون صلاة الجمعة مشتملة على القنوتين: قنوت في الركعة الأولى و قنوت في

الركعة الثانية، و هذه الرواية أيضا لم تكن صادرة على وجه التقية لأنّ اعتبار القنوت في الركعة الأولى مضافا الى القنوت المعتبر في الركعة الثانية للصّلاة الجمعة من متفردات الامامية، و روايات القرى فانّه هل يمكن استشعار كون صلاة الجمعة مشروعة لهم منها.

[لا يمكن الجزم بورود الاذن من المعصومين عليهم السّلام]

و لكن بعد هذه البيانات، كما قلنا سابقا، لا يمكن الجزم بورود الاذن من قبلهم عليهم السّلام و عدم معلومية ذلك، فاذا نقول: لم نجد دليلا يمكن الاتكال عليه على ورود

______________________________

(1)- الكافي، ج 3، ص 422، ح 6.

(2)- الرواية 5 من الباب 5 من أبواب استحباب القنوت فى الركعة الاولى من الجمعة.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 89

الاذن منهم عليهم السّلام باقامتها و لو مع عدم حضور الامام أو من نصبه لذلك. «1»

______________________________

(1)- أقول: إن ما افاده- مد ظله- من امكان استفادة مشروعية صلاة جمعة صغيرة على الشيعة فى الجملة من بعض الأخبار، ممّا لا دليل عليه، كما أنّه لم يجزم بذلك، و أشرنا به في ذيل الكلام، لأنّ ما استظهر منه- مد ظله- ذلك لم يمكن خاليا عن الإشكال.

أما رواية محمد بن مسلم المشتملة على الخطبتين، فلما قلنا من اضطراب متن الحديث، و انه عليه السّلام يمكن أن يكون، في هذا الكلام، في مقام بيان الحكم، و لا مانع من أن يقول بصورة الأمر و الخطاب، و صرف بيان الأحكام ليس شاهدا على انّها وقعت مورد العمل، كما أفاده- مد ظله- و ايده بذكر رواية الواردة فيمن يمنعه الزحام من أن يصل بسجود الامام في صلاة الجمعة، و انّه مع عدم اتفاق صلاة الجمعة للشيعة مع قلة عددهم بنحو يمنع كثرة الجمعية من وصول الماموم بسجود الامام، و لكن مع ذلك

بيّن حكمه.

فلا مجال لأنّ يقال: بأنّه لو لم يكن في البين صلاة جمعة فما معنى تعليم خطبتها.

و امّا رواية عمر بن حنظلة فنقول: أما ما افاده (مد ظله) من عدم جريان احتمال كون الرواية صادرة على وجه التقية، لاشتمالها على القنوتين فنقول: إن ذلك أيضا قابل للدفع، فان القنوت حيث لا يعتبر فيه رفع اليد، فيمكن اتيانه و لو عند المخالفين بحيث لا يلتفتون به، بأن يأتى بذكر القنوت و لا ترفع اليد عندهم، فهم مع كونهم مأمورين بحضور جمعة العامة للتقية، فيعلون هذا الحكم الواقعي اعني: القنوت في ركعتها الأولى، و يأتون به لعدم مانع لهم من العمل بهذا الحكم، فالرواية ليست مشعرة على كون صلاة الجمعة مشروعة لهم غير ما لا بد لهم دائما أو بعضا من الحضور عندها اعني: صلاة جمعة المخالفين.

مضافا الى أن هذه الرواية لا تدلّ الا على بيان حكم آخر، و هو القنوت، و امّا كون هذا الحكم من باب كون جمعة لهم خارجا، و بيان آداب عملهم الخارجي، فلا دلالة لها، و مع قطع النظر عن ذلك نقول: بأن الرواية لو لم تكن شاهدا على الخلاف لم تكن دليلا للمطلب، لأنّ المعصوم عليه السّلام اخذ رسولا لأنّ ينبه الشيعة بحكم من احكام صلاة الجمعة يكون على خلاف العامة، فلو كانت صلاة الجمعة غير مشروطة بالامام، أو اذن لشيعتهم و الحال أن وضعها الخارجى على ذلك، فكيف لم ينبه الشيعة و لم يبينوا لهم، فهذا شاهد على عدم كون الأمر كذلك.-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 90

فظهر لك ممّا مرّ عدم ثبوت ما ادعاء الشّيخ رحمه اللّه في ذيل كلامه في الخلاف من ورود الاذن بانعقاد صلاة الجمعة مع عدم

حضور الإمام أو من نصبه لذلك تمسكا بالرواية الواردة في القرية.

[هل يجوز انعقادها للفقيه بالخصوص أولا؟]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في جهة اخرى، و هي انّه هل يجوز انعقاد صلاة الجمعة للفقيه بالخصوص أولا؟ و بعبارة اخرى هل ثبت اذن للفقيه أو هل نصب لذلك أم لا؟ و قد قلنا: بأن الشّيخ رحمه اللّه في النهاية في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قال- في ضمن ما يجوز للفقهاء- بجواز انعقاد صلاة الجمعة لهم.

و يظهر ذلك من الشهيد رحمه اللّه في الدروس بعنوان الاستحباب اعني: يستحبّ لهم انعقادها، لكن من كلام المفيد رحمه اللّه في المقنعة، و من كلام تلميذه- اعنى: سلار بن عبد

______________________________

و امّا روايات القرى فقد مضى الكلام فيها و عدم دلالتها على ذلك، و يبعّد كون صلاة الجمعة صغيرة خارجا بين الشيعة أمران.

الأول: انّه لو كانت صلاة الجمعة مشروعة للشيعة بهذه الكيفية، فيقيمونها البتة مع ما ورد من الحث و الترغيب عليها، فمع وجود الجواسيس من ناحية خلفاء الجور و المفسدين، و عمالهم في كل بلد و قرية بحيث يكشفون خصوصيات الائمة عليهم السّلام و مواليهم و وضعهم، حتى لو أعطي بهم درهما أو دينارا، لأخبار به خلفاء الجور، كيف لا يلتفتون الى صلاة جمعتهم، و انهم اقاموا صلاة في قبال صلاتهم و لو كانت صلاتهم مخفية، و لو التفتوا لذلك لعابتهم و شددوا عليهم الأمر، و يذكرون في مقام ايذائهم من جملة اعمالهم المخالفة لهم، فهذا دليل على عدم كون الأمر كذلك.

الثاني: انّه لو أمرت الشيعة باقامة صلاة جمعة صغيرة من قبلهم، و يقيمونها فكيف صارت مخفية، و لم يبلغ الأمر إلينا مع كون مقتضى القاعدة بلوغ ذلك بنا يدا بيد و إن

كانت مخفية، و الحال انّه لا عين و لا اثر من ذلك بين الشيعة، فهذا أيضا شاهد على عدم مشروعية هذا بهذا النحو، و بعد ما قلت و عرضت بمحضره الشريف ما قلت من الايراد، قبل منى تقريبا و قال (مد ظله) بأن ذلك كان من باب الاحتمال. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 91

العزيز الديلمى رحمه اللّه- في المراسم لا يظهر ذلك، لانّهما بعد ما عدّا ما هو من شئون الفقهاء حتى عدّا صلاة العيد منه لم يعدّا صلاة الجمعة من ذلك.

فكون انعقادها للفقهاء و من شئونهم بنحو الجواز أو الاستحباب لم يظهر الا من الشيخ رحمه اللّه و من الشهيد رحمه اللّه، فنرجع الكلام على كل حال في هذا.

و نقول مقدمة: بأن الكلام في باب ولاية الحاكم اعني: الفقيه يقع في مقامين:

الاوّل: في الكبرى.

و الثاني: في الصغرى، و قد خلط كثيرا ما كل واحد من المقامين بالآخر.

المقام الاول: يقع الكلام في انّه من الأمور أمور ليس أمرها راجعا الى الاشخاص، و لا يكونون صالحين للاقدام بها و رتقها و فتقها، و لم يكن أمرها بيدهم حتى يصنعون فيها ما شاءوا، و هذه الأمور راجعة الى كل من يكون قيّما بأمر الناس بحيث لو لم تكن دخالة قيم الأمر، و وضعها في موضعها، تعوق هذه الأمور، و يساق أمرها الى التعطيل نظير أمر القصّر و الغيّب، و رفع التخاصم بين الناس، و الدفاع عن الملة و غير ذلك، و لو لا دخالة للسائس بالامر و القيم و زعيم الامة لساق أمر الامة و الرعية الى النكال، و الاختلال.

و ليس هذا الأمر مخصوصا بدين الاسلام، بل و لا مخصوصا بذوي الاديان، بل نرى أن هذه الأمور

في كل ملة من الملل ليست من شان كل واحد من الناس الدخالة فيها، بل يكون أمرها راجعا الى من بيده زمام امورهم، و من هو قيم عندهم، أو رئيسهم، أو سلطانهم، أو سائسهم، و هو يقيم هذه الأمور و امثالها.

[من وضع تشريع الاحكام و عدم جواز تعطيلها يمكن ان يقال بعدم رضى الشارع بتركها و يجب على الفقيه اقامتها]

فبعد كون الأمر كذلك عند كل ملة من الملل سواء كانوا من ذوي

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 92

الاديان أولا:

نقول: بأن شرع الاسلام حيث تكون شريعة تامة و روعي فيه كل الجهات بحيث لم يبق شي ء من الأمور الدنيوية و الاخروية، سياسية و غير سياسية إلا و بيّن ما يحتاج إليه البشر و لم يعطّل أمرهم من الأمور الدنيوية و الاخروية في شأن من الشئون.

و ليس شرع الاسلام مثل ساير الشرائع الّتي لم يكن فيها ما يرفع احتياج البشر من كل الجهات، كما ترى من شرع المسيح فليس فيه، كما ترى، في أنا جيلهم إلّا بعض الأمور الاخلاقية مع ما فيها من الخرافات، بحيث ليس لهم قوانين في جهاتهم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و غير ذلك.

بل إن مذهبنا جاء بجميع ما هو طريق سعادة البشر في الدنيا و الآخرة، و هو دين امتزجت السياسية بالعبادة، و العبادة بالسياسة، و لذا ترى أن بعض احكامها في عين السياسة عبادة، و في عين العبادة سياسة كما ترى في فريضة الحج، فهي من افضل القربات، و وسيلة الانقطاع من الخلق الى الخالق، و طريق القرب إليه، و في عين هذا الحال من أعظم السياسات لاجتماع المسلمين في محل مخصوص بنظم مخصوص و ترتيب مخصوص، و يظهر بذلك عظمة الاسلام، و فرط توجه المسلمين الى اللّه فشرّع الاسلام أمورا مخصوصة، مع قطع النظر عما كان في ساير

الامم، مربوطة بالسياسة و العبادة كالحج و العيدين.

و بعد كون شرع الاسلام ناظرا الى كل الأمور من جهات الإمارة و القضاوة و أمور القصّر و الغيّب و حتى إمارة الحاج و ساير الأمور، و كل هذه الأمور من الأمور الّتي ليست ادارتها و القيام بها شأن كل شخص من الاشخاص، و ليست من

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 93

وظائفهم، فلا بدّ من أن يجعل لهذه الأمور من يقوم بها، و يجرى هذه الأمور مجراها مع كثرة العناية بها، و احتياج الاجتماع الديني إليها، و لذا ترى أن بناء المسلمين كان من الأوّل بانهم إذا فتحوا قارة، فبمجرد ورودهم بنوا مسجدا و دار الإمارة، و كانا هما معا حتى يقيمون الصّلاة في المسجد و تقام هذه الأمور في دار الامارة بيد من هو الامير و القيّم بالامر، كما ترى أن قائد جوهر بمجرد فتحه المصر بنى مسجدا و دار الإمارة في القاهرة، و هذا البلد من بنائه و محل المسجد فعلا يكون جامع الازهر.

و الغرض أنّ الاسلام ناظر الى هذه الجهات، و جعل في الشرع لها شخصية مناسبة لها، و لذا كان في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من يقوم بهذه الأمور في غير المدينة من قبله صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و امّا بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فبعد القاء المنافقين الخلاف في الدين و صار المسلمون فرقتين: فرقة على الضلالة، و فرقة على طريق السعادة، فالطائفة الاولى اعني: العامة قالوا: بأنّ أمر هذه الأمور يكون بيد الخليفة، و من هو قيّم الأمور، و الفرقة الحقة قالوا: بأنّ الأمور لا بد و أن تكون بيد

خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فالاختلاف في الصغرى، لانا نقول: بأن الخليفة هو علي ابن أبي طالب عليه السّلام و اولاده المعصومين عليهم السّلام، و هم مخالفون في ذلك، و على كل حال فهم يقولون: بأن اقامة هذه الأمور العامّة و وضعها في موضعها بيد الخليفة، و كل من ينصبه الخليفة لذلك، و امّا نحن جماعة الشيعة فحيث أن ائمتنا غير امير المؤمنين عليه السّلام في مدة قليلة لم يكونوا

مبسوطي اليد، ففي زمانهم مهما امكن لهم التصرف في هذه الجهات و وضعها في موضعها عملوا بوظيفتهم، و تصرفوا فيها، و قاموا بشئونها.

و امّا في زمان الغيبة، فبعد ما قلنا من احتياج الامّة، و حفظ جهاتهم برعاية هذه الأمور، و عدم جواز تعطيلها، لانها من شئون الدين و قوام أمر المسلمين، و عدم

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 94

كونها وظيفة كل احد من الآحاد، فكيف يمكن أن لا يصدر من المعصومين عليهم السّلام ما هو الموقف، و أن الأمر في هذه الأمور بيد أي شخص كان، و من هو الصالح لتصديها.

فهل يمكن أنهم لم يعينوا للقضاوة و الحكومة بين الناس لرفع التخاصم أحدا؟

و هل سكتوا عن ذكر شخصية صالحة للقيام بأمور الغيّب و القصّر؟ و هل تركوا تكليف الشيعة في انّه إذا توجه إليهم الخصم، فالى من يكون أمر الدفاع و التجهيز و غير ذلك؟ كلا، فنكشف انهم بينوا من هو المرجع في كل جهة محتاجة إليها، لا في كل جهة و لو لم تكن الشيعة محتاجة لها، أولا يمكن لهم من باب الخوف أو ضعفهم في قبال المخالفين اقامتها، بل لا بد لهم من تعيين مرجع يحتاج إليه مواليهم

و جماعة الشيعة بحيث لو لم يكن مرجع فيهم لاختلّ أمورهم، فلا بدّ من أن يصدر من ناحيتهم من هو المرجع و القيّم لهذه الأمور.

[فبعد لزوم قيم لها فالقيم هو الفقيه]

إذا عرفت في هذا المقام لزوم وجود قيّم لاقامة هذه الأمور بطور المسلم و المقطوع، فثبت الكبرى و هو أن الأمر في هذه الأمور بيد قيّم الأمر، فنتكلم بعد ذلك في المقام الثاني اعني: من هو القيم و المرجع، و الذي بيده اقامة هذه الأمور فنقول:

المقام الثاني: بعد ما ثبت أن أمر هذه الأمور يكون بيد قيم المسلمين، فمن هو القيّم عند الشيعة، فنقول: بأنّه من المسلم عدم جعل منصب لغير الفقهاء من قبلهم عليهم السّلام، لانا بعد المراجعة في الآثار و الأخبار لم نر أنهم عليه السّلام فوضوا أمر هذه الأمور في مورد الى غير الفقهاء، مثلا في القصّر بعد عدم وجود الولي لم يوكل، أمر الصغار الى شخص أو طائفة غير الفقهاء، فنرى عدم جعل منصب، و ايكال أمر من هذه الأمور العامة الى أحد غير الفقهاء، و الحال أنهم عليه السّلام لو فوضوا الأمر الى غير الفقهاء لوصل إلينا، و لم يصر محجوبا عنا، ثمّ نرى الارجاع من قبلهم عليه السّلام الى الفقهاء

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 95

في بعض الموارد مثل القضاء و الفتوى و أمر الصغار.

فنقول: بعد ما ثبت لك من لزوم قيّم لهذه الأمور العامة في المقام الأوّل.

فإمّا أن يقال بعدم تعيين قيم لاقامة هذه الأمور من ناحيتهم عليه السّلام، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به، لأنّهم كيف يعطّلون أمر الناس.

و إمّا أن يعيّنوا عليهم السّلام لهذه الأمور مرجعا صالحا و شخصية مخصوصة و في هذه الصورة.

فإمّا أن يقال: بأنّهم فوضوا الامر الى شخص

أو أشخاص غير الفقيه فهو مقطوع العدم، لعدم عين، و لا اثر من ذلك في الآثار و الأخبار.

فلم يبق إلّا كون المرجع و قيّم الأمر في هذه الأمور من قبلهم عليهم السّلام الفقيه، فالمتيقن ممّن له اهلية الدخالة في هذه الأمور هو الفقيه، لأنه المتعين من قبلهم للقيام لهذه الجهات و المنصوب من ناحيتهم لوضع هذه الأمور في موضعها.

فعلى هذا لو لم يقم دليل خاص على نصب الفقيه في مورد و أن أمره بيده، نقول: بكون الأمر بيده لما استفدنا بنحو الكلي من كون أمر هذه الأمور العامة في زمان غيبة الامام عليه السّلام بيد الفقيه.

فلو لم تكن مقبولة عمر بن حنظلة «1» و لا رواية أبي خديجة «2» و لا غيرهما نقول: بكون أمر مثل القضاء و أمر الغيّب و القصّر، و كل ما لا يمكن تركه، و يلزم القيام بامره، راجعا الى الفقيه.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 1 من أبواب صفات القاضى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 96

اذا عرفت ذلك فهل يمكن أن يقال بأن أمر صلاة الجمعة أيضا من الأمور أمرها راجع الى الفقيه، و انه يجب عليه اقامتها و لا يختل بامرها أولا؟

[القول بان ولايته تقتضى الدخالة حتى فى مثل صلاة الجمعة مشكل]

فنقول: إنه و ان ذكرنا وجها لطيفا لاثبات ولاية الفقيه، و لكن الالتزام بأن ولايته تقتضي الدخالة حتى في مثل صلاة الجمعة، مشكل فانها ليست من الأمور الّتي لا يجوز تركها، و يضر الاخلال بامرها، و لم يقع اخلال في الجهات الدينية من عدم انعقادها، فعلى هذا كون اقامة صلاة الجمعة من مناصب الفقيه بحيث يكون الفقيه، من نصبه الامام عليه السّلام لذلك بالاذن العام، مشكل

و لم نقل به.

ثمّ إن مع قطع النظر عما قلنا في وجه ولاية الفقيه نقول: بأن مقبولة عمر بن حنظلة و ان وردت في مورد سؤال السائل عن الدين و الميراث، إلا أن المستفاد منها بعد جعل الفقيه بمقتضى الرواية حاكما على الناس، و اعطاء هذا المنصب له، فله شئون الحكومة، و ما يكون أمره راجعا الى الحاكم خصوصا مع التصريح في الرواية بذلك بقوله «و قد جعلته حاكما عليكم»، فالمستفاد من ذلك هو جعل الحكومة المطلقة، لأنّه لم يقل (جعلته حاكما عليكم في مورد رفع الخصومة).

و لا مجال لأنّ يقال: بأنّ الامام عليه السّلام جعل الفقيه حاكما في خصوص رفع الخصومات، فكيف يتعدى الى غير هذا المورد لانّا نقول:

أمّا أولا: لأنّ البناء إن كان على الجمود و بخصوص المورد، فلازمه هو كون الفقيه في خصوص رفع الخصومة في خصوص الدين و الميراث، و لا يمكن الالتزام بذلك، و إن تتعدى عن المورد و قيل بعدم الفرق بين الدين و الميراث و بين غيرهما من حيث رفع التخاصم، و جعل الحكومة، فكذلك يقال بعدم الفرق بين رفع التخاصم و غيره خصوصا مع ما قلنا من أن جعل الحكومة مقتضيا لكون أمور الحكومة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 97

راجعا الى من نصب للحكومة.

و ثانيا: ما ورد في الرواية في تعيين الولاية لعدول المؤمنين، يستفاد منها أن السائل فرض موردا لم يكن القاضي في البين، و أرجع المعصوم عليه السّلام في فرض عدم القاضي أمر الصغير الى أحد من الناس كان موثوقا به، فمن هذا يستفاد أن هذه الأمور الّتي لا يمكن الاخلال بها، و لا بدّ من القيام بها أمرها أولا راجع الى الفقيه من قبلهم

عليهم السّلام، فهذه الرواية أيضا دليل مستقل على ولاية الفقيه.

[لا دليل على كون اقامتها من وظائف الفقيه]

ثمّ بعد ذلك هل يمكن استفادة كون أمر صلاة الجمعة أيضا من الأمور تكون راجعة الى الحاكم حتى يقال: بانّ بعد ما دلت المقبولة على كون الفقيه حاكما: فله اقامة هذه الصّلاة، أو لا؟

فنقول: بأن كون اقامتها من وظائفه ممّا لا دليل عليه:

أمّا أولا: فلانّه كما قلنا استفادة الحكومة المطلقة للفقيه، حتى في الأمور لا يوجب عدم القيام بامرها اختلال في أمور الناس، مشكل إذا غاية ما يقال: إن الفقيه منصوب لأنّ يقيم أمورا لا يمكن تركها و تعطيلها، بل لا بدّ من اقامتها و ليست صلاة الجمعة من هذا القبيل.

و ثانيا: أن بعض الأمور غير قابله لجعل أشخاص متعددة لها و القيام بأمرها، بل ان كانت العناية بأمرها فلا بدّ من ايكال أمرها الى شخص خاص، و لا يناسب جعل الولاية العامة لها.

و من هذه الأمور صلاة الجمعة، فان أمرها إن حول الى الجماعة لا الى شخص خاص، يقع الاختلاف و التنازع و التشاجر كثيرا ما، فيريد فقيه انعقادها في محلة و فقيه آخر في محلة اخرى، و يحصل الاختلاف بين الناس أيضا، و كيف

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 98

تكليفهم، فهل يذهبون الى هذا المسجد أو الى ذلك، و ربما يقع القتل و التشاح العظيم، فعلى هذا لا يمكن ايكال أمرها الى عنوان الفقيه بحيث يكون لكل واحد منهم الدخالة فيها مع كون انظارهم مختلفة، و هذا من مبعدات المطلب، و دليل على عدم شمول منصب الفقيه لامر صلاة الجمعة.

[لا يقاسى أمر القصر و الغيب بصلاة الجمعة لتكرار أمرها فى كل جمعة]

و لا يقال: ان ما قلت من الإشكال جار في بعض أمور اخرى الراجع أمرها الى الفقيه كأمر الصغار، فربما يريد فقيه أن يجعل زيدا مثلا قيما لصغير، و فقيه آخر يريد أن

ينصب عمروا قيما، فيقع التشاجر و الاختلاف.

لانا نقول: إن في أمر الصغير إذا صار أحد قيما بجعل فقيه فليس للفقيه الآخر جعل شخص آخر، و لا يتفق مورد يجعل الفقيهان شخصين قيمين عرضا، حتى يقع الخلاف بخلاف صلاة الجمعة، فان الخلاف فيها يتفق كثيرا ما لانها تقام في كل جمعة و في كل بلد، و وقتها معلوم، و يمكن ورود النظرين المخالفين فيها غالبا عرضا مع كثرة الفقهاء، و اختلاف انظارهم بحسب ما يرون من المصالح، فان اراد اللّه تعالى اقامتها فينصب لامرها من قبلهم عليهم السّلام شخصا خاصا، فكون أمرها راجعا الى الفقيه لا دليل عليه.

اذا عرفت ما بينا لك في مسئلة صلاة الجمعة ظهر لك ما هو الحق فيها لما بيناه مما يستفاد من الآية الشريفة، و الأخبار الواردة في الباب، و الاجماع و وضعها الخارجي، فقد ثبت ممّا مرّ عدم دلالة الآية الشريفة و كذا أخبار الباب على كون صلاة الجمعة واجبة بالوجوب المطلق بلا اشتراط وجوبها بالامام أو من نصبه لذلك، لأنّ الآية لم تتعرض الا لوجوب السعي الى الصّلاة الواقعة في الخارج، و الامر فيها أمر بالسعي الى الصّلاة المعهودة، و أخبار الباب بعضها ليس إلا في مقام

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 99

بيان تشريع أصل وجوب صلاة الجمعة، و بعضها يدلّ على وجوبها مع الامام.

[في ذكر حاصل المطالب في جهات ثلاث]

فنقول: إن حاصل ما بينا في المسألة واقع في جهات ثلاثة:

الجهة الاولى: في انّها واجبة بالوجوب المطلق بمعنى عدم اشتراطه بالامام الأصل أو من نصبه لذلك، او ليست كذلك، فقد قدمنا الكلام فيها، و أن الآية و الأخبار غير دالة على الوجوب المطلق، و أن لسان الآية و بعض الأخبار هو الأمر بوجوب السعي

و الحضور في فرض انعقاد صلاة الجمعة المعهودة.

و بعضها يدلّ على وجوبها مع الامام، و الامام قابل بحسب الاحتمال يكون امام الاصل، و قابل لأنّ يكون أعمّ منه و من غيره، و الاحتمال الأوّل إن لم يكن اقوى فلا اقل من عدم ترجيح للاحتمال الثاني، و ذكرنا المؤيدات و الشواهد على أقوائية الاحتمال الاول، و بعض الأخبار تدلّ بالصراحة او تلويحا على اشتراطها بالامام الأصل، و قد أمضينا الكلام فيه، مضافا الى بعض الروايات الاخرى الدالة على ذلك.

[في ذكر روايات الاشعثيات و خبر دعائم الاسلام و النبويات]

منها ما نقل في الاشعثيات «1» أن الجمعة و الحكومة لامام المسلمين» و هذه الرواية احدى الروايات من الف رواية نقلها محمد بن محمد بن الاشعث الكوفي عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و هذه الروايات تسمى بالاشعثيات تارة لأنّ راويها محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، و تسمى بالجعفريات تارة لأنّ جعفر بن محمد عليه السلام رواها عن أبيه عن آبائه عن النبي صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم، فعلى هذا ما قاله الحاج آقا

______________________________

(1)- الاشعثيات ص 42

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 100

رضا الهمداني رحمه اللّه «1» في صلاته بأن هذه الرواية مرسلة ممّا لا وجه، لما قلنا من كونها مسندة و ذكرنا سندها، و الرواية معتبرة من حيث السند لأنّ للشيخ رحمه اللّه و كذا للنجاشى رحمه اللّه طريق إليه و كذا صاحب تاريخ بغداد، فعلى هذا لا اشكال في اعتبار سندها.

و مدلولها هو كون صلاة الجمعة مثل الحكومة من مناصب امام المسلمين، فتفيد الاشتراط، و مثلها بعض الروايات الاخرى المذكورة في مصباح الفقيه «2» اعني صلاة الهمداني رحمه

اللّه أيضا.

و منها الخبر المروي عن دعائم الاسلام عن علي عليه السّلام انّه قال لا يصلح الحكم و لا الحدود، و لا الجمعة إلا للامام أو من يقيمه الامام. «3»

و منها ما نقل عن رسالة الفاضل بن عصفور مرسلا عنهم عليهم السّلام «أن الجمعة لنا و الجماعة لشيعتنا» و كذا روي عنهم «لنا الخمس و لنا الانفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال». «4»

و منها النبوي «أربع الى الولاة الفي ء و الحدود و الجمعة و الصدقات». «5»

و منها نبوي آخر «أن الجمعة و الحكومة لامام المسلمين» فيستفاد منها أن

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 438.

(2)- مصباح الفقيه، ص 438.

(3)- مصباح الفقيه، ص 438.

(4)- مصباح الفقيه، ص 438.

(5)- مصباح الفقيه، ص 438.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 101

صلاة الجمعة مشروطة بحضور الامام أو من يقيمه الامام. «1»

[في ذكر النكتة اللطيفة]

و النكتة اللطيفة الّتي تعرضنا لها في هذه المسألة، هي.

أولا: أن الآية الواردة في الباب المتوهمة دلالتها على الوجوب التعيينى مطلقا، بعد امعان النظر فيها و بسط الكلام كما ينبغي في اطرافها، ليست متعرضة إلا لوظيفة المأموم، و ان مع فرض وجود الامام و اجتماع العدد، و عدم كونه من المستثنيات، يجب السعي و الحضور في صلاة الجمعة، لما قلنا من ان الآية، و كذا الروايات ظاهرها أمر الناس بالسعي مع فرض وجود الامام و انعقاد صلاة الجمعة، أو ظاهرها وجوب الانعقاد و الحضور لذلك عليهم مع فرض وجود الإمام يصيروا مأمومين.

و لم يبين في الآية و لا في واحد من الروايات، وظيفة الامام، و انه متى يجب عليه الانعقاد، و هل هو واجب عليه اصلا أولا، فالآية و الروايات غير متعرضة هو أصل كيفية وجوب الانعقاد، و ان أصل

انعقادها واجب مشروط أو مطلق، فعلى هذا بعد عدم التعرض لذلك لا يستفاد من الأخبار بأن ما هو وضع الانعقاد و في أى صورة تنعقد هذه الصّلاة، بل غاية ما في الباب هو وجوب الحضور و السعي في فرض الانعقاد، و أمّا متى يحصل هذا الفرض، و في اى حال و على أي كيفية فلا تعرض لها في ما ذكرنا من الآية و الأخبار، لانّها لم تكن متعرضة الّا لحال الماموم.

و ثانيا: على ما اوردنا في المسألة و أمضينا البحث و خرجنا منها و تكلمنا في

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 438.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 102

اطراف الآية و الروايات، ظهر لك ان أصل وجوب صلاة الجمعة غير ثابت مع عدم الشرط، بل أصل وجوبها ما ثبت الّا مع امام الأصل أو من نصبه لذلك، و ما استظهر من الآية و لا الروايات وجوبها مطلقا حتى نحتاج في اثبات اشتراط وجوبها بالامام، الى الدليل بحيث لو لم يكن لنا دليل على اعتبار امام الأصل في وجوبها نقع في المخمصة، و يقال: بأن أصل الوجوب ثابت و عليكم باثبات الشرط، بل على ما بينّا و هو من لطائف ما حققنا، هو أن القدر المتيقّن من وجوبها هو وجوبها مع الامام أو من نصبه لذلك، و ما ثبت أزيد من ذلك، فعلى مدعي الوجوب بنحو المطلق أن يقيم الدليل على مدعاه، فنحن غير محتاجين في دعوانا و هو وجوبها المشروط الى الدليل، فلو شككنا في وجوبها في غير مورد حصول الشرط، و انها هل تكون مشروعة مع عدم الشرط أولا، فنحكم باصالة عدم المشروعية عدم مشروعيتها مع عدم الشرط، لأنّ المتيقن من مقدار مشروعيتها هو مع حضور الامام

أو من نصبه لذلك.

و لكن مع عدم احتياجنا لاقامة الدليل على عدم مشروعيتها مع عدم الشرط و كون الأصل عدم المشروعية، ذكرنا بعض الأدلة أى: الأخبار الدالة على اشتراط انعقادها بذلك و مضى الكلام فيها مفصّلا.

الجهة الثانية: في انّه بعد اشتراط انعقاد صلاة الجمعة بالامام أو من نصبه لذلك.

هل ثبت الاذن من قبل من بيده زمام أمرها يعنى امام الأصل عليه السّلام بأن يقيمها الناس و لو مع عدم حضور نفس الامام أو من نصبه بالخصوص لذلك، أولا، و قلنا ما يمكن أن يتمسّك به للاذن منهم، و قلنا بعدم استفادة الاذن للناس من الأخبار

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 103

حتى تجب في مثل هذا الزمان بالوجوب التعييني، أو بالوجوب التخييرى على الكلام في ذلك.

الجهة الثالثة: في أنها بعد كون انعقادها مشروطة بالامام أو من نصبه لذلك فهل فوض أمرها الى الفقيه من ناحية الائمة عليهم السّلام و جعل ذلك من منصب الفقيه و شئونه مثل القضاوة بين الناس و غيره أو لا.

و ظهر لك عدم كون أمر صلاة الجمعة من الأمور الراجعة إليه، فليس للفقيه انعقادها، و القيام بامرها من باب كونه حاكما، و نائبا عاما و كون الولاية له في بعض الامور. «1»

هذا تمام الكلام في ما كنّا في مقام البحث فيه في هذه المسألة. و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و على آله.

و قد فرغ سيدنا الاستاذ- مد ظله- من البحث في هذه المسألة في شهر شعبان المعظم من شهور سنة «1367 ه ق». و أنا الأقلّ علي الصافي الگلپايگاني. «2»

______________________________

(1)- أقول: إذا اعرفت ما بينا في هذه الرسالة فنقول: بأن الحق هو اشتراط وجوب صلاة الجمعة

و مشروعيتها بأن يقيمها الامام عليه السّلام أو من نصبه لذلك، بمعنى عدم جواز اتيانها و انعقادها مع فقدان هذا الشرط إلا بقصد الرجاء و الاحتمال المطلوبية، فعلى هذا في زمان غيبة الامام عليه السّلام لا يجوز الاتيان بها بقصد التشريع، و لو أتى بها برجاء المطلوبية لا تجزئ عن صلاة الظهر بل لا بد من إتيانها. (المقرّر).

(2)- اعلم أن المستفاد من كيفية ورود سيدنا الاعظم في البحث في صلاة الجمعة، و البحث في وجوبها أو حرمتها، و ما اختار منها، يظهر أن نظره الشريف هو عدم كون وزان صلاة الجمعة وزان سائر الصلوات اليومية، بل كانت صلاة الجمعة من جملة مناصب الوالى، و من له أمر-

المسلمين الّذي هو عندنا الإمام المعصوم عليه السّلام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و عند العامة من مناصب الولاية في نظرهم الباطل، و على كل حال لا يصلح إقامة الجمعة إلّا لمن له الولاية عند المسلمين على اختلاف مشربهم فيمن له الولاية، كما يظهر ذلك في جمع من الأخبار الصادرة عن طرقنا المقدم ذكرها بأنّه لا يصلح لإقامة الجمعة إلّا الوالي، و هذا حاصل ما استفدته من بحثه في صلاة الجمعة.

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في انّه بعد ثبوت ولاية الفقيه في عصر غيبة الامام- روحي له الفداء- هل يكون للفقيه الولاية على إقامتها أو لا؟ و قد تعرّضنا للمسألة في رسالتنا المكتوبة في الولاية فراجع (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 105

فصل في صلاة المسافر

اشارة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 107

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه على نعمائه، و الصّلاة و السّلام على رسول اللّه و على آله، و لعنة اللّه على أعدائهم من الآن الى يوم لقائه.

و

بعد، فيقول أقلّ العباد علي الصافي الكلبايكاني: لما فرغ سيدنا الاستاذ آية اللّه العظمى الحاج السيّد حسين الطباطبائى البروجردي- متّع اللّه المسلمين بطول بقائه- من بحث صلاة الجمعة، و جملة من المسائل الراجعة الى النوافل، شرع في مبحث صلاة المسافر في شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة «1367 ه»، فشرعت بكتابة جملة ممّا استفدت منه- دام ظلّه- في هذا المبحث مع بعض ما خطر ببالى القاصر إن شاء اللّه تذكرة لنفسي، و لمن أراد البصيرة من إخواني المشتغلين بعون اللّه تعالى و توفيقه.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 109

صلاة المسافر إن الكلام في صلاة المسافر يقع في جهات:

الجهة الاولى:
اشارة

لا إشكال في الجملة في وجوب القصر في السفر، بمعنى صيرورة كلّ من الصلوات الرباعية مقصورة على الركعتين في السفر، و هذا المقدار من المسلّمات و لا حاجة الى إطناب الكلام في هذه الجهة، و التكلّم في دلالة قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكٰافِرِينَ كٰانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً «1» على وجوب القصر في حدّ ذاتها، لانّ الآية الشريفة و لو لم تكن بنفسها و بظاهرها دالة على وجوب القصر لعدم ظهور لقوله: «لا جناح» إلّا في الجواز، لكن بضميمة ما ورد من أهل البيت عليهم السّلام في بيان الآية من أنّ المراد من «لا جناح» هو الوجوب، فتصير الآية دليلا للمطلب.

[عدم اعتبار الخوف فى القصر]

و لا يعتبر الخوف في السفر الموجب للقصر بتوهّم تقييد القصر في الآية

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 101.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 110

بالخوف بقوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، لأنّه إن كان ما نزل هو على طبق قراءة ابيّ فما كان في مصحفه «إن خفتم».

و إن كان «إن خفتم» من الآية بمقتضى قراءة عاصم فنقول: بأنّه و لو كان للقضية الشرطية مفهوم و لكن ليس لها هنا مفهوم، لكون المسلّم عدم اعتبار الخوف، فأصل القصر في الجملة في السفر ثابت لا إشكال فيه.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 111

الجهة الثانية: في شروط القصر
الشرط الأول:
اشارة

اعتبار المسافة؛ بلا خلاف في ذلك بين الفريقين، و إنّ التقصير مجعول في حدّ خاصّ، لا أنّه مجعول في الشرع بمجرّد مسمّى السفر و صدق المسافر على الشخص، كما حكي عن داود الظاهري الاصبهاني، فإنّه لم يجعل التقصير محدودا بحد، بل قال بالتقصير بمجرد صدق المسافر على الشخص قليلا كان سفره أم كثيرا، فعلى هذا اعتبار المسافة في الجملة لا اشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ المسافة الموجبة للقصر كم هي؟

[اعتبار ثمانية فراسخ فى وجوب القصر]

فقال أبو حنيفة: يثبت القصر في ثلاث مراحل.

و قال الشافعي و مالك بثبوت القصر في مرحلتين. و المراد من كلّ مرحلة مسيرة يوم، و هي ثمانية فراسخ.

و أمّا فقهاء الإمامية- رضوان اللّه عليهم- فاختلفوا في الحدّ الثابت فيه القصر للمسافر، حتى أن الاقوال الّتي نقلت منهم في المسألة تبلغ ثمانية أقوال و إن لم نجد قائلا لبعض هذه الاقوال، و المعروف منها ثلاث، و منشأ الاختلاف في المقام هو

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 112

اختلاف الأخبار،

[في ذكر طوائف الاخبار في اعتبار المسافة]

فنقول: إن أخبار الباب ثلاثة طوائف:

الطائفة الاولى: ما يستفاد منها إنّ المعتبر في وجوب القصر ثمانية فراسخ امتدادية و ان كان لسانها مختلفة، فبعضها بلفظ «البريدين» و بعضها بلفظ «مسيرة يوم» و بعضها بلفظ «بياض يوم» و بعضها بلفظ «ثمانية فراسخ»، و غير ذلك، فالمستفاد منها في حد ذاتها، هو اعتبار بعد ثمانية فراسخ من المنزل الى المقصد في وجوب القصر بحيث لو كنّا و هذه الأخبار فقط، فلا بدّ لنا من الالتزام باعتبار ثمانية فراسخ امتدادية.

و من هذه الطائفة: الرواية الّتي رواها فضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام (أنّه سمعه يقول: إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الاثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم، و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة، و ذلك لأنّ كلّ يوم بعد هذا اليوم انّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما) «1».

و المراد من ذيل الرواية من العلّة، كون التقصير باعتبار أنّ المسافر في اليوم وقع

في المشقة و شدة مرارة السفر، ففي الليل ترتفع المشقة و يستريح في الليل، فالحكمة في القصر هي هذه المسافرة الواقعة من الشخص في اليوم، و لو لم يصر ذلك السفر الواقع منه و الحركة في اليوم موجبا للقصر، فلازمه عدم القصر في ألف يوم، لأنّه في كل يوم يسافر و في ليليه يستريح من مرارة السفر، فان صارت مرارة يوم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 113

موجبا للقصر فهو، و لو لم يصر ذلك موجبا للقصر ففي ألف يوم أيضا لا موجب للقصر؛ لأنّ كلّ يوم من هذه الأيّام هو نظير اليوم الأول، فيسافر في اليوم و يستريح في الليل، فذكر العلة كان لهذه المناسبة. و على كل حال تكون الرواية دالّة على وجوب القصر في ثمانية فراسخ.

و منها: الروايات 12 و 13 و 14 من هذا الباب، «1» و لم نتعرّض لكلّ الأخبار، و من أراد النظر فيها فليراجع الكتب المعدة لذلك

الطائفة الثانية: الروايات الدالة على اعتبار مسير أربعة فراسخ باختلاف التعابير، فبعضها عبر بلفظ «بريد» و بعضها بلفظ «اثنى عشر ميلا» و بعضها بلفظ «أربعة فراسخ» بحيث لو كنّا و هذه الأخبار لقلنا بوجوب القصر في مسافة أربعة فراسخ فقط.

منها الرواية الّتي رواها ابو اسامة زيد الشحام (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يقصّر الرجل الصّلاة في مسيرة اثنى عشر ميلا). «2»

و كذا الرواية 1 من هذا الباب و غير هما المستفاد منها وجوب القصر في أربعة فراسخ.

الطائفة الثالثة: بعض الاخبار الدالّة على وجوب القصر في السفر ثمانية فراسخ، سواء كانت ذهابا، او ذهابا و ايابا، بحيث لو كنا

و هذه الاخبار لقلنا: بأنّ القصر واجب في ثمانية فراسخ، سواء كان هذا المقدار- يعنى: الثمانية فراسخ- ذهابا

______________________________

(1)- الرواية 12 و 13 و 14 من الباب 1 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 114

فقط من المنزل الى المقصد في السفر، أو كان ثمانية فراسخ ذهابا و ايابا، فيجب القصر فيما لو سافر أربعة فراسخ و يعود أربعة فراسخ، مثل رواية «1» معاوية بن وهب و غيرها.

[لسان الاخبار مختلفة من حيث كون الفراسخ امتدادية او ملفقة]

إذا عرفت حال هذه الأخبار، فنقول: إنّ لسان هذه الأخبار مختلف:

بعضها يدلّ على أن السفر الموجب للقصر يكون مورده، ما إذا سافر ثمانية فراسخ امتدادية، و بعضها يدلّ على وجوب القصر في السفر إذا كان أربعة فراسخ فقط، و بعضها يدلّ على لزوم ثمانية فراسخ، و لكن لا يجب ان يكون الذهاب من المنزل الى المقصد هذا المقدار، بل يكفي ثمانية فراسخ ملفقة أيضا بحيث إذا كان الذهاب أربعة فراسخ و الاياب أربعة فراسخ فيجب القصر.

فتكون الروايات الدالة على اعتبار ثمانية فراسخ امتدادية في وجوب القصر معارضة مع الطائفة الثانية الدالة على وجوب القصر في أربعة فراسخ، لأنّ الطائفة الاولى تعتبر ثمانية فراسخ في وجوب القصر، و معناه عدم وجوب القصر في ادني من ذلك و ان كان أربعة فراسخ، و طائفة الثانية تدلّ على وجوب القصر في خصوص أربعة فراسخ بدون اعتبار انضمام أربعة فراسخ اخر بها، فيقع التعارض بينهما.

و لكنّ الطائفة الثالثة من الأخبار ترتفع التعارض من بينهما، و نجمع بينهما بقرينة أخبار الطائفة الثالثة.

فنقول: بأنّ الطائفة الاولى من الأخبار في حد ذاتها تدلّ على اعتبار البعد من

______________________________

(1)- الرواية 2

من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 115

الوطن بمقدار ثمانية فراسخ.

و الطائفة الثانية تدلّ على اعتبار البعد بمقدار أربعة فراسخ في وجوب القصر فيقع بينهما التعارض.

و لكنّ الطائفة الثالثة بعد دلالتها بأنّ الموجب للقصر يكون أحد الامرين في السفر: إمّا المسافة الّتي كانت بمقدار ثمانية فراسخ و إمّا المسافة الّتي تكون بمقدار أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة جائيا، و بعبارة اخرى تدلّ على أنّ ما هو محقّق للسفر الموجب للقصر له فردان:

أحد هما البعد الحاصل في ثمانية فراسخ، فمن خرج من منزله و أراد المسير بهذا المقدار يجب عليه القصر.

و ثانيهما الثمانية الملفقة، بمعنى أن المسير الّذي كان ذهابا و ايابا ثمانية فراسخ فهو أيضا محقّق للقصر، فمن أراد السفر و كان من منزله الى مقصده أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا، فهو مسافر بالسفر الذي يجب فيه القصر، فتصير شاهدا للجمع بين الطائفة الاولى و الثانية.

لأنه على هذا، ما يدلّ من الأخبار على اعتبار الثمانية، و أن ذلك موجب للقصر، فهو من باب كون تلك المسافة فردا لما هو محقّق القصر.

[محقّق السفر أربعة فراسخ امتدادية او ملفقة]

و ما يدلّ على اعتبار أربعة فراسخ، و أن بذلك يحب القصر، يكون من باب كون ذلك الحد فردا آخر لما هو محقّق السفر الموجب للقصر، لأنّ من ذهب أربعة فراسخ فهو يجي ء أربعة فراسخ، فيحصل بريد ذاهبا و بريد جائيا المستفاد من الاخبار الدالة على كفاية الثمانية التلفيقية، و كان الحكم بكون أربعة فراسخ محقّقة للقصر من باب حصول الثمانية الملفقة بذلك، لأنّ من ذهب أربعة يجي ء أربعة،

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 116

فتحصل بذلك الثمانية أيضا.

فعلى هذا يرتفع التعارض بين الاخبار، و تكون نتيجة الجمع

أن المعتبر في السفر الموجب للقصر يحصل باحد الامرين:

إمّا بريدان ذاهبا أعنى: ثمانية فراسخ امتدادية، و إمّا بريد ذاهبا و بريد جائيا اعنى: ثمانية فراسخ ملفقة، فمن ذهب أربعة فراسخ فيجب عليه القصر، لانّه ذهب أربعة فراسخ و يجي ء أربعة فراسخ.

و أمّا بعض الاخبار المنقولة الدالة إمّا على أن العبرة تكون في التقصير في السفر مسيرة يوم و ليلة، مثل رواية زكريا ابن «1» آدم، أو أنّ العبرة في التقصير بثلاثة برد و هو رواية «2» أحمد بن محمّد عن بن أبى نصر، أو أن العبرة في التقصير بمسيرة يومين و هو رواية ابي بصير «3» المخالف ظاهرها مع طوائف الأخبار المتقدمة، فانّه لا يمكن تطبيقها معها، فلا بدّ من طرحها لعدم كونها معمولا بها، و كذلك لو كان خبر مخالفا لطوائف الثلاثة المتقدمة لا يمكن التعويل عليه، لعدم كونه معمولا به، فافهم.

هذا تمام الكلام في أصل المسألة.

[مسائل]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في بعض الجهات نتعرّض لها في ضمن مسائل:

[المسألة الاولى من المسائل المربوطة بالباب]
اشارة

المسألة الاولى: هل يعتبر في السفر الموجب للقصر أن يكون ذهابه أربعة فراسخ، بحيث لو ذهب ثلاثة فراسخ و جاء خمسة فراسخ- بمعنى كون ذهابه ثلاثة فراسخ و مجيئه خمسة فراسخ مثلا- لم يجب عليه القصر، بل يجب عليه التمام، لعدم

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 117

تحقّق موضوع السفر الموجب للقصر، او لا يعتبر ذلك، بل لو كان ذهابه أقل من أربعة و لكن مجيئه كان بحدّ يحصل من مجموع الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ، كان الواجب عليه القصر؟

و كذلك يقع الكلام في انّه بعد كفاية ثمانية فراسخ ملفقة في وجوب القصر، فهل يعتبر أن يكون الإياب أربعة فراسخ، سواء اعتبرنا كون الذهاب أربعة فراسخ أو لم نعتبر ذلك، او لا يلزم ذلك في الاياب، بل لو كان الاياب أقل من ذلك و كان الذهاب بمقدار يكون المجموع ثمانية فراسخ يكفي في وجوب القصر، مثلا لو أراد المسير الى مقصد يكون البعد بينه و بين وطنه خمسة فراسخ، ثمّ أراد الرجوع من طريق آخر يكون ثلاثة فراسخ، فيكون الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة فراسخ، فقد حصل ما هو المحقّق للسفر الموجب للقصر؟

فنقول: إن الحقّ هو اعتبار كون أقل الذهاب أربعة فراسخ، بحيث لو كان أقل من ذلك و لو كان الاياب بمقدار يكون المجموع من الذهاب و الاياب ثمانية فراسخ، لم يتحقق السفر الموجب للقصر، و أمّا لا

يعتبر ذلك في الاياب، فلو كان الاياب أقل من أربعة فراسخ، مثل أن يكون الذهاب من الطريق الّذي يكون البعد فيه بين المنزل و المقصد خمسة فراسخ، و يكون الإياب من الطريق الّذي يكون البعد فيه بين المنزل و المقصد ثلاثة فراسخ، فقد حصل محقّق القصر.

و وجهه ان يقال: بأن المستفاد من الروايات اعتبار مقدار البعد من منزل المسافر، و قد حدّد الشارع هذا البعد، و هو- بعد ما قلنا في مقام الجمع بين الأخبار- ثمانية فراسخ او أربعة فراسخ اقلا من باب كون البعد بمقدار أربعة فراسخ مشتمل مع العود و المجى ء، الى المنزل على ثمانية فراسخ، فلا بدّ من حصول البعد من المنزل بمقدار

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 118

أربعة فراسخ اقلا، لأنّ الروايات تكون من هذا الحيث في مقام التحديد، و بعد كون الروايات في مقام التحديد، فلا بدّ من اعتبار أربعة فراسخ ذاهبا، و عدم كفاية أقل من ذلك في الذهاب لكون المعتبر في تحقق السفر مقدارا من البعد في نظر العرف، و الشارع حدّد هذا المقدار بأربعة فراسخ، و لهذا نقول في وجوب القصر: بلزوم كون الذهاب أقلا أربعة فراسخ، و لا وجه لرفع اليد عن هذا التحديد لعدم حصول البعد المعتبر الا في هذا المقدار من البعد، هذا وجه لزوم كون الذهاب في الثمانية الملفقة أربعة فراسخ اقلا.

[في لزوم كون الإياب أربعة فراسخ من باب الغالب]

و أمّا وجه عدم اعتبار ذلك في الاياب و المجي ء فنقول: بأنّه و ان كان كلّ من الطوائف الثلاثة من الأخبار في مقام التحديد، و ليس لسانها بعد الجمع كفاية الثمانية الملفقة باي نحو كان، و لكن اعتبار البريد الجائي اعنى أربعة فراسخ ايابية، ليس له الموضوعية بنظر العرف، بل يفهم

العرف أن بيان ذلك ليس إلا من باب التغليب، حيث انّ الغالب فيمن يسافر هو العود من الطريق الّذي ذهب منه، فيكون الاياب بقدر الذهاب و لهذا عبر ببريد جائى في قبال بريد ذاهب، و بعد كون ذلك الحكم من باب الغلبة فلا دخل لخصوص أربعة فراسخ في الاياب، بل لو كان الاياب أقل من ذلك يكفي في حصول السفر الموجب للقصر إذا كان الذهاب بمقدار إذا ضم الاياب إليه يبلغ المجموع منهما ثمانية فراسخ، فمن اراد السفر و ذهب الى المقصد من طريق يكون الفصل و البعد بين منزله و المقصد خمسة فراسخ مثلا، ثمّ عاد من طريق آخر يكون البعد من هذا الطريق من منزله الى مقصده ثلاثة فراسخ، فيكفي في وجوب القصر لحصول ما هو محقّق القصر و هو ثمانية فراسخ تلفيقية.

و لو قيل باعتبار كون الاياب أربعة فراسخ مثل الذهاب فلا بدّ من الالتزام

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 119

بفرض لا يمكن الالتزام به، و هو انّه من سافر و كان ذهابه اكثر من أربعة فراسخ مثلا خمسة فراسخ، فاذا رجع الى منزله فاذا بلغ الى حدّ يكون مع الضمّ بالذهاب ثمانية فراسخ مثلا أن في المثال بلغ الى ثلاثة فراسخ، لم يكن بالغا حد السفر الشرعى و هو ثمانية فراسخ، لأنه لم يكن ايابه أربعة فراسخ، بل لا بدّ و أن يسير فرسخا آخر حتى يبلغ الى حد السفر الشرعى، و هو ثمانية فراسخ، لأنه لم يكن إيابه أربعة فراسخ، بل لا بدّ و أن يسير فرسخا آخر حتى يبلغ حد السفر الشرعى، فكان على هذا السفر الموجب للقصر في حق هذا الشخص تسعة فراسخ، لأنّه ذهب خمسة فراسخ و

جاء أربعة فراسخ، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

فعلى هذا الحقّ هو ما قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ و عدم اعتبار ذلك في الاياب؛ لأنّ البعد المعتبر لا يحصل في الذهاب الّا بأربعة فراسخ، و أمّا في الاياب فليس اعتبار البريد الجائي إلّا من باب الغلبة، لا من باب موضوعية ذلك بنظر العرف، و لا يفهم العرف منه التحديد، بخلاف اعتبار أربعة فراسخ في الذهاب، فانّهم يفهمون منه التحديد لاعتبار مقدار بعد في حصول السفر. «1»

______________________________

(1)- أقول: و إنّي بعد التأمّل و التكلّم مع سيدنا الاستاذ- مدّ ظلّه- في مجلس الدرس و في الخارج، لم أجزم بتمامية هذا المطلب بحيث يكتفى به في مقام الفتوى؛ لأنّ الروايات بعد الجمع بالنحو المتقدم إمّا أن تكون في مقام التحديد، فالظاهر منها بعد الجمع هو اعتبار ثمانية فراسخ امتدادية، أو خصوص أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا، فلم يكتف في القصر بغير ذلك في الذهاب و الإياب، و لا يكتفى لا فى الذهاب بأقلّ من أربعة فراسخ و لا فى الإياب؛ لأنّ الاخبار بعد الجمع نتيجتها التحديد بحدّ معيّن و هو ثمانية فراسخ امتدادية أو أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا.-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 120

المسألة الثانية:
اشارة

أنّه بعد ما قلنا من حصول موضوع السفر الموجب للقصر

______________________________

و إن لم تكن نتيجة الأخبار بعد الجمع هو بيان الحدّ و عدم كونها في مقام التحديد، فلازمه كفاية مسير ثمانية فراسخ في حصول السفر الموجب للقصر، سواء كانت امتدادية أو ملفقة، و في الملفقة يكفي كون السفر بهذا المقدار بأيّ نحو حصل، سواء كان أربعة ذاهبا و أربعة جائيا، أو كان خمسة فراسخ ذاهبا و ثلاثة

فراسخ جائيا، او بالعكس أو غير ذلك، فعلى هذا لا موضوعية أيضا للأربعة فراسخ لا في الذهاب و لا في الإياب.

و على كل حال سواء قلنا: بكون الروايات في مقام التحديد أو لم نقل بذلك، فلا وجه للفرق بين الذهاب و الإياب باعتبار أربعة فراسخ في الذهاب و عدم اعتبار ذلك في الإياب، بصرف أنّ في الذهاب البعد المعتبر محدود بأربعة فراسخ، و في الإياب لا يفهم العرف- من دخل أربعة فراسخ جائيا، المستفاد من الروايات الدالة على كفاية الثمانية الملفقة- أنّ للأربعة فراسخ موضوعية، بل يفهم أنّ ذلك من باب الغلبة، لأنّه كيف يمكن الجزم بذلك؟

فإنّا نقول: أولا إنّ الروايات في مقام التحديد، و لا بدّ في التلفيقية من أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا، و لازم ذلك اعتبار أربعة فراسخ في الاياب أيضا.

و ثانيا إنّ الجزم بكون الذهاب أربعة فراسخ، و كون الروايات في مقام التحديد، و عدم كون الروايات في الإياب في مقام ذلك، بل يحكم بعدم اعتبار بمقتضى ما يفهم العرف من كون ذلك من باب الغلبة، مشكل فلا يمكن الالتزام بالتفكيك بين الإياب و الذهاب، و لا أقلّ من الشكّ، فالقدر المسلّم من الأخبار الدالّة على كفاية ثمانية التلفيقية هو صورة كون الذهاب أربعة فراسخ و الاياب أيضا كذلك.

و الاستبعاد المذكور في كلام سيدنا الاستاذ- مدّ ظلّه- في ما لو سافر الى محلّ و كان ذهابه- مثلا- خمسة فراسخ، فاذا رجع و بلغ الى رأس ثلاثة فراسخ من مبدأ العود، فلا بدّ من الالتزام- بناء على اعتبار أربعة فراسخ في الإياب- أن لا يكون سفره سفر القصر إلا بعد ضمّ فرسخ آخر به حتى يكون مجموع الذهاب و الإياب

تسعة فراسخ، بأنّ السفر الموجب للقصر في مثل هذا الفرض تسعة فراسخ لا ثمانية فراسخ، غير مانع عن رفع اليد عمّا قلنا، لأنّه بعد اعتبار كون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ، لا مانع من الالتزام بأنّ في هذا الفرض لم يتحقّق السفر الموجب للقصر إلّا بتسعة فراسخ حتى يكمل أربعة فراسخ إيابية، فتأمّل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 121

بثمانية فراسخ امتدادية، و بثمانية فراسخ تلفيقية، فهل يعتبر في ثمانية فراسخ الملفّقة من الذهاب و الإياب أن يكون الرجوع ليومه، أو لا يعتبر ذلك؟

و بعبارة اخرى: من سافر و كان مقصده مثلا أربعة فراسخ فيكون ذهابه مع إيابه ثمانية فراسخ، يجب عليه القصر إذا رجع الى منزله في اليوم الّذي خرج منه، أولا يعتبر ذلك؟

بل لو سافر و لم يكن قصده الرجوع ليومه، يجب عليه القصر أيضا ما لم يتحقّق قاطع من قواطع السفر مثل قصد إقامة العشر في المقصد أو غير ذلك؟ اقوال:

أوّلها: وجوب القصر إذا اراد الرجوع ليومه كما يظهر من السيّد المرتضى رحمه اللّه و ابن إدريس على ما نقل بحر العلوم رحمه اللّه منهما، و وجوب التمام لغير مريد الرجوع ليومه، و يظهر من مراجعة أقوال العلماء اعتناؤهم بهذا القول.

ثانيها: التخيير بين القصر و الإتمام في ما لم يرد الرجوع ليومه، أو مطلقا اعنى:

و لو أراد الرجوع ليومه.

و نسب القول بالتخيير الى الشّيخ رحمه اللّه، و هو إمّا قائل بالتخيير مطلقا لو أراد أن يسير أربعة فراسخ و يعود، سواء أراد ليومه أولا، أو قائل بالتخيير في المسألة فيما لم يرد الرجوع ليومه على احتمال.

ثالثها: وجوب القصر في المسألة سواء اراد الرجوع ليومه أولا. و نسب العلّامة رحمه اللّه هذا

القول الى ابن أبي رحمه اللّه عقيل لأنّ كتابه المسمى ب «التمسك بحبل آل الرسول» كان عند العلّامة رحمه اللّه فنقل منه وجوب القصر مطلقا. و يستفاد من المنقول من كلامه أنّه لا يلزم الرجوع ليومه في ثمانية فراسخ الملفقة، فمن لم يرد الرجوع ليومه فهو مسافر إلّا إذا انقطع سفره بقاطع من إقامة العشرة، أو بقاء ثلاثين يوما متردّدة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 122

في رأس أربعة فراسخ، أو بلوغه الى وطنه.

و ما يمكن أن يكون وجها لفتواه أمران:

الأمر الأول: أنّ مقتضى الجمع بين الروايات كما قلنا، هو كون السفر الموجب للقصر له فردان: الأوّل مسافة ثمانية فراسخ امتدادية، الثانى: مسافة ثمانية فراسخ تلفيقية، فكما أنّ في الأوّل لا يعتبر أن تقع تمام الثمانية في اليوم الأول، بل لو سافر ثمانية في يومين أو ثلاثة أيّام، فلا يضرّ بسفره فكذلك في الثاني، اعني: ثمانية فراسخ الملفقة، فمن ذهب أربعة فراسخ في يوم الى محلّ و أراد الرجوع، و بات فيه ليلة أو ليا ليتين، و لم يقطع سفره بقاطع، ثمّ عاد الى منزله و كان مجيئه أيضا أربعة فراسخ، فهو مسافر، و يجب عليه القصر في هذا السفر.

الأمر الثاني: بعض ما يدلّ من الأخبار على ذلك مثل روايات عرفات و غيرها، فنقول:

أمّا الامر الأوّل: فهل تكون أخبار الدّالة على كفاية ثمانية فراسخ ملفقة دالّة على كون ثمانية فراسخ ملفقة فردا للسفر الموجب للقصر حتى يكون له فردان ثمانية امتدادية و ثمانية تلفقية، أو لا تدلّ على ذلك، بل غاية ما تدلّ عليه هو أنّ ثمانية فراسخ ملفقة موجبة للقصر، و يكون لسانها هذا المقدار فقط؟

فإن كان الأوّل فيكون لازمه عدم اعتبار حصول هذه الثمانية

الملفقة في اليوم الأول، كما لا يعتبر حصول ثمانية فراسخ امتدادية في اليوم الأول؛ لأنّ كلا منهما بوزان واحد فرد للسفر الموجب للقصر.

و أمّا إن كان بنحو الثاني فلا دلالة لها إلّا على كون ثمانية فراسخ ملفقة موجبة للقصر في السفر، و ليست الأخبار في مقام بيان كيفية سببيتها و موجبيّتها للقصر، فلا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 123

يستفاد منها الّا كون ثمانية فراسخ ملفقة موجبة للقصر في الجملة «1».

و أمّا الامر الثاني: فنقول: إنّ روايات عرفات ينتهى سند ثلاثة «2» منها الى معاوية بن عمّار، و هو من أصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام، و له كتابان في الحج و الطلاق، و لهذا يشاهد روايات كثيرة منه في الحج و الطلاق، و كان أبوه من أعاظم محدثي العامة.

و يحتمل أن يكون ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام رواية واحدة، و لكن نقلها عنه عليه السّلام ثلاث مرّات، و لهذا عدّ ثلاث روايات، و يحتمل أنّه سمعها من أبي عبد اللّه عليه السّلام ثلاث مرّات، و على كلّ حال ما نقل منه ثلاث روايات. و سند واحدة «3» منها ينتهي الى إسحاق بن عمّار إن لم نقل بكون هذه الرواية أيضا كان راويها معاوية، و اشتبه في النقل و ذكر في موضع معاوية بن عمّار، إسحاق بن عمار، و سند واحدة منها «4» ينتهي الى الحلبي. و سند واحدة منها ينتهي الى زرارة «5». و تكون مرسلة من المفيد رحمه اللّه أيضا في باب عرفات.

______________________________

(1)- أقول أولا: إنّ لسان هذه الروايات جعل الفردية، و أنّ ثمانية فراسخ ملفقة فرد في قبال ثمانية فراسخ امتدادية؛ لصراحة بعض الروايات في ذلك، و يستفاد منه أنّ

البريد الذاهب و البريد الجائي مثل البريدين الامتدادى، شاغل لليوم و أثره اثره، فكما لا يعتبر في البريدين أن يكون الذهاب تمامه في اليوم الأوّل فكذلك في البريدين الملفقة.

و ثانيا؛ إنّ الروايات غير مقيّدة بمريد الرجوع ليومه، فمقتضى الاطلاق عدم اعتبار كون المسافر مريد الرجوع ليومه. (المقرر).

(2)- الرواية 1 و 2 و 5 من الباب 3 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 3 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 3 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 124

إذا عرفت هذا فتقع الكلام في ذكر الروايات فنقول:

الرواية الاولى: و هي الرواية الّتي رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصّروا، و إذا زاروا و رجعوا الى منازلهم أتمّوا). «1»

و الظاهر أنّ المراد من أهل مكّة هم ساكنو أطراف مكة، أعنى: أهل البوادي المقيمين في أطرافها، إذ لو كان المراد خصوص أهل مكة، فلا معنى لأنّ يقول ابو عبد اللّه عليه السّلام كما في الرواية: «و إذ زاروا و رجعوا الى منازلهم أتمّوا» لأنّ الواجب هو الوقوف في عرفات، و لم يطلق به الزيارة، فعلى هذا القول فالرواية لم تكن في مقام البيان من حيث سفر عرفات، و بعبارة اخرى: ليست متعرّضة لكون سفر عرفات من مكّة الّذي يكون البعد بينهما أربعة فراسخ موجبة للقصر من حيث كون البعد بين مكة و العرفات أربعة فراسخ، بل بعد قرينة قوله: «إذا زاروا» نقول: إن قصر أهل مكة بعد كون المراد بهذه القرينة قصر أهل نواحي مكّة و أطرافها، يمكن

أن يكون من باب كون سفرهم ثمانية فراسخ من منزلهم الى مقصدهم، لا أربعة فراسخ، فلا ربط للرواية بما نحن فيه.

الرواية الثانية: و هي رواية رواها إسحاق بن عمّار (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في كم التقصير؟ فقال: في بريد، و ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول اللّه فقصّروا). «2»

و الظاهر أنّ المراد ممّن صار مورد الويح في هذه الرواية ليس احدا ممّن كان في عهد أبى عبد اللّه عليه السّلام، لأنه لم يكن في زمانه من أدرك زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و حجّ

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 125

معه حتى يقول عليه السّلام فيهم «ويحهم كانّهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم»، فيكون المراد ممّن قال: ويحهم في حقهم من كان في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

فنقول: إنّه تارة يستشكل على الرواية بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يحجّ بعد هجرته من مكّة الى مدينة إلّا مرة واحدة، و هو عبارة عن حجة الوداع، فهو كان في هذا السفر مسافرا بسفر موجب للقصر مسلّما و هو ثمانية فراسخ امتدادية، لأنه مسافر من المدينة، لا من باب كونه ذاهبا من مكّة الى عرفات، لأنه في أربعة أو خمسة أيّام بقين من شهر ذي القعدة خرج من المدينة و نزل بمكة في أربعة أيّام مضين من شهر ذي الحجة و خرج في اليوم الثالث عشر من منى الى الأبطح، و

توقّف فيه مقدارا و ذهب الى المدينة، فهو في هذا السفر كان مسافرا، و كان ذهابه أزيد من ثمانية فراسخ امتدادية، فإن كان الإشكال هذا فيمكن جوابه بوجهين:

الوجه الأوّل: إمّا إنّ يقال: إن مكّة كانت وطنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لم يعرض عنه.

و إمّا أن يقال: بأنّه و إن أعرض عنه، و لكن يجري على الوطن المعرض عنه حكم الوطن إمّا مطلقا أو في ما كان له منزل فيه، و إن لم نقل بذلك بمقتضى ظواهر الأدلّة الّا انّه يمكن أن يكون الحكم الواقعي هكذا

الوجه الثّاني: أن يقال: إن مدلول الرواية هو التمسك بقصر هم، أعنى: بقصر من كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لا قصر نفسه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لذا قال «فقصروا» و على هذا نقول: يمكن أن يقال: بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لو كان بنفسه مسافرا، لكن أمر بمن كان معه من أهل مكة بالقصر لكون سفر هم من مكّة الى عرفات بريدا ذاهبا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 126

و بريدا جائيا. «1»

و على كل حال لا إشكال في كون الرواية من شواهد كون القصر في بريد و استشهد بمورد الّذي قصروا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في بريد، و هو لا يساعد الا مع السفر من عرفات الى مكة، و لا وجه للاشكال بما قلنا من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يحج بعد الهجرة إلّا مرة واحدة و كان في هذا السفر مسافرا من المدينة و كان سفره على هذا

أكثر من ثمانية فرسخ امتدادية من المنزل الى المقصد.

امّا أولا فلإمكان كون ذلك قبل الهجرة، فانّه حج و معه عدة ممّن اسلم و إن كانوا قليلا.

و امّا ثانيا إنهم قصروا في بريد لأنّ المعصوم استشهد بذلك الحيث، فيكون مسلما نظره الى سفر يكون البعد بينه و بين المنزل بريدا، فأيضا يستفاد وجوب القصر في بريد من هذه الرواية. و هي في حد ذاتها تدلّ على كون القصر في بريد اعنى: أربعة فراسخ.

الرواية الثالثة: و هي الرواية الّتي رواها معاوية بن عمّار (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام كم اقصر الصّلاة فقال: في بريد، الا ترى أن أهل مكّة إذا خرجوا

______________________________

(1)- أقول: و يمكن أن يكون المراد ممّن قصر مع رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم في نظر ابي عبد اللّه عليه السّلام على ما في هذه الرواية: هو عثمان و امثاله ممّن كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و هم كانوا معه قبل الهجرة و يحضرون معه في مراسم اداء الحج، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل الهجرة حج و معه هذه الاشخاص، و كان سفرهم من مكّة الى عرفات أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا، و نظر المعصوم عليه السّلام الاستشهاد بفعلهم لاثبات كون التقصير في بريد، فلا بدّ و أن يكون نظره بسفر هم الّذي كان البعد بين المنزل و بين المقصد في بريد، و هو ينطبق مع السفر من مكّة الى عرفات. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 127

الى عرفة كان عليهم التقصير). «1»

و الظاهر من الرواية وجوب القصر في بريد، و استشهد بذلك بفعل أهل مكة، فإنّهم إذا خرجوا

الى عرفة يجب عليهم التقصير، و هذه الرواية أيضا تدلّ على أن القصر في بريد، و أن القصر واجب فيمن يخرج من أهل مكّة الى عرفات، الفصل بينها و بين عرفات بريد، فهذه الرواية مثل رواية السابقة في حد ذاتها من الروايات الدالة على كون القصر في بريد، اعنى: في أربعة فراسخ.

غاية الأمر بعد جمعها مع الروايات الدالة على البريدين المركب من الذهاب و الاياب، اعنى: الروايات الدالة على وجوب القصر في ثمانية فراسخ ملفقة، فتكون النتيجة هو وجوب القصر في بريدين ذاهبا و جائيا.

الرواية الرابعة: رواية اخرى عن معاوية بن عمار، و هي بنقل الشّيخ رحمه اللّه تكون هكذا: عن معاوية بن عمّار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال: أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم ثمّ رجعوا الى منى أتمّوا الصّلاة، و إن لم يدخلوا منازلهم قصّروا). «2»

و بنقل الكلينى رحمه اللّه تكون هكذا: عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إن أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا. «3»

و على كلّ حال ليست هاتان الروايتان إلّا رواية واحدة، لأنّ الراوي في كلّ

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 128

منهما عن معاوية بن عمّار، هو ابن أبي عمير و إن كانتا مختلفتين من حيث المتن.

[اختلاف متن الرواية بنقل الكلينى رحمه اللّه مع نقل الشيخ رحمه]

ثمّ اعلم أن متن الرواية إن كان هو ما نقله الكلينى رحمه اللّه، فيحتمل أن يكون المراد من أهل مكّة- كما قلنا- هو

أهل أطراف مكة، و الغرض أنّهم إذا سافروا لزيارة البيت لكون سفر هم ثمانية فراسخ يجب عليهم القصر إلّا إذا دخلوا منازلهم، و متى لم يدخلوا منازلهم يجب عليهم القصر، فظاهرها اعتبار شرط آخر في عدم وجوب القصر و وجوب التمام، و هو دخول المنازل كما أفتى به علي بن بابويه، لأنّه لم يكف في تمامية السفر و وجوب التمام للمسافر بدخول البلد، بل اعتبر دخول المنزل.

و كذلك الأمر بناء على نقل الشّيخ رحمه اللّه، لأنّه و لو كان في نقله زيادة و هي: «ثمّ رجعوا الى منى»، و لكن مع ذلك يحتمل أن يكون المراد من أهل مكّة أهل أطراف مكّة بقرينة التعبير بالزيارة، الّذين كان سفرهم سفر التقصير، أعني ثمانية فراسخ امتدادية، فعلى هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لما نحن فيه.

نعم، بناء على كون المراد من أهل مكّة هو أهل خصوص مكة، فالرواية متعرضة لسفرهم الى عرفات خصوصا بنقل الشّيخ رحمه اللّه المستفاد منها أنّهم إذا رجعوا ثانيا للبيتوتة في المنى لا يجب عليهم القصر. لأنّ زيارتهم للبيت كان في مراجعتهم من عرفات، و إنّهم متى لم يزوروا البيت و لم يدخلوا منازلهم يجب عليهم القصر؛ لأنّهم سافروا الى عرفات، و هذا السفر أربعة فراسخ، غاية الأمر اعتبار دخول المنازل في وجوب التمام مناسب مع فتوى علي بن بابويه، و هذه الجهة غير مربوطة بالجهة الّتي نحن بسدده.

الرواية الخامسة: و هي الرواية الثالثة الّتي رواها معاوية بن عمّار أنّه (قال لابى عبد اللّه عليه السّلام: إنّ أهل مكّة يتمون الصّلاة بعرفات! فقال: ويلهم، أو ويحهم و أيّ

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 129

سفر أشد منه، لا تتمّ؟!) «1»

و هذه الرواية أيضا

تدلّ على وجوب القصر في أربعة فراسخ بناء على كون المراد من أهل مكّة خصوص ساكنى مكة؛ لأنّ المستفاد من كلام الإمام عليه السّلام هو وجوب القصر في سفرهم الى العرفات، و امّا على تقدير كون المراد من أهل مكّة هو أهل اطراف مكّة كما احتملنا، فيمكن أن يكون لزوم القصر عليهم من باب كون سفرهم ثمانية فراسخ امتدادية.

الرواية السادسة: الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: من قدم قبل التروية بعشرة أيّام، وجب عليه اتمام الصّلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فاذا زار البيت اتم الصّلاة، و عليه اتمام الصّلاة إذا رجع الى منى حتّى ينفر). «2»

تدلّ هذه الرواية على أن من قصد الإقامة في مكة، وجب عليه التمام و صار بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى ليذهب الى عرفات يجب عليه القصر، لأنه قصد مسافة أربعة فراسخ، لأنّ من مكّة الى عرفات أربعة فراسخ، فاذا رجع الى مكّة و زار البيت يجب عليه اتمام الصّلاة أيضا لأنه بلغ الى محل اقامته. «3»

فاذا خرج الى منى لأنّ يبيت فيه ليلتين- ليلة احدى عشر و اثنى عشر من ذى الحجة- فيجب عليه أيضا اتمام الصّلاة، لأنّه خرج من محل إقامته الى أقل من

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- اقول «فتصير من هذا الحيث دليلا على أن العبور بمحل الإقامة و لو لم يقصد الاقامة فيه موجب لكون الواجب عليه اتمام الصّلاة».

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 130

أربعة فراسخ. «1»

و على كل حال تدلّ الرواية على وجوب القصر

في أربعة فراسخ، لأنّ البعد بين مكّة و عرفات أربعة فراسخ، فهذه الرواية أيضا في حد ذاتها من الروايات الدالة على وجوب القصر في أربعة فراسخ.

الرواية السابعة: و هي مرسلة المفيد رحمه اللّه «2»، و هذه الرواية مع قطع النظر عن الإشكال فيها بكونها مرسلة، لا يبعد دلالتها على كون الواجب في سفر عرفات هو القصر، فتدل على كون السفر في أربعة فراسخ موجبا للقصر.

[حاصل الكلام في روايات عرفات]

هذا حاصل الكلام في الروايات الواردة في عرفات.

و أمّا الرواية الّتي رواها عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، المشتملة على قصة بدعة عثمان و اتيانه صلاة الظهر في منى أربع ركعات، و ترك ما سنه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و تمارضه بعد ذلك، و دعوته عليا عليه السّلام لأنّ يصلى العصر هكذا، و عدم حضوره عليه السّلام لذلك، ثمّ بعد ذلك اشتمالها لقصة معاوية و عمله على نحو ما سنه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أعنى: اتيانه صلاة الظهر ركعتين في منى، و اعتراض الامويين عليه). «3»

فهي لا تدلّ على قول ابن ابي عقيل لأنّ وجوب القصر المستفاد منها و فعل النبي الصّلاة قصرا في منى، لعله يكون من باب كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و من كان معه مسافرين بسفر مسلم وجوب القصر فيه أعني: ثمانية فراسخ، و بدعة عثمان أيضا

______________________________

(1)- اقول «فمن هذا الحيث أيضا تدلّ على أن الخروج من المحل الإقامة الى ما دون أربعة فراسخ لا يوجب القصر و إن لم يرجع في اليوم الاول».

(2)- الرواية 12 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب

3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 131

يحتمل لأنّ يكون في ذلك اعنى: أتى بأربعة ركعات في السفر المسلم القصر فيه، لانّهم جاءوا من المدينة و كان بعدهم من المدينة الى منى ازيد من ثمانية فراسخ، لا من باب كون السفر من مكّة الى عرفات موجبا للقصر، لكون البعد بينهما أربعة فراسخ. «1»

[في دلالة بعض روايات عرفات على مذهب ابن ابى عقيل]

ثمّ اعلم: أنّ ما ذكرنا من الروايات الواردة في عرفات و إن استشكلنا في دلالة بعضها للمدّعى إلّا انّه لا اشكال في دلالة بعضها الآخر على مذهب ابن أبى عقيل، مثل الرواية الثانية و الثالثة و السادسة فيستظهر منها وجوب القصر في أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة فراسخ جائيا بعد ضم هذه الأخبار الى الروايات الدالة على وجوب القصر في ثمانية فراسخ ملفقة. «2»

______________________________

(1)- أقول: و إن قيل: إن ذكر منى في الرواية و إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان عمله إتيان الصّلاة فيه قصرا، و ذكر بدعة عثمان في خصوص منى، شاهد على خصوصية له غير خصوصية السفر المحقق بثمانية فراسخ، و ليست هذه الخصوصية إلّا انّ البعد بين مكّة و عرفات يكون أربعة فراسخ و هذا البعد موجب للقصر.

فانّه يقال: بأنّ منشأ ذكر سنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليس إلّا فعل عثمان و عثمان حيث فعل ما فعل في منى، فلهذا قال إنّ فعله مخالف لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من وجوب القصر في السفر، بحيث لو كانت بدعته في غير منى في السفر الموجب للقصر اعنى: ثمانية فراسخ فأيضا كان فعله مخالفا لسنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم. (المقرّر).

(2)- أقول:

أما ذكره سيدنا الاستاد مد ظله في بعض الروايات المتقدمة من احتمال كون المراد من أهل مكّة أهل اطراف مكة، حتى يكون المجال لأنّ يقال: بأن وجه قصرهم ليس من باب كونهم مسافرين بسفر الّذي يكون البعد بين المنزل و بين المقصد أربعة فراسخ أعنى:

عرفات، بل كان من باب كون البعد بين منزلهم و مقصدهم ثمانية فراسخ امتدادية، لا يكون تماما بنظري القاصر، لانّ وجوب القصر على أهل مكّة على ما احتمله مد ظله يكون من باب كون سفرهم ثمانية فراسخ امتدادية، فإن كان كذلك، فكيف يجب عليهم القصر، أو كان فعلهم القصر-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 132

الرواية الثامنة:

الرواية الّتي نقلها صاحب الوسائل و قال عن عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن محمد بن اسلم الجبلي، عن صباح الحذاء، عن اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عن قوم خرجوا في سفر، فلما انتهوا الى الموضع الّذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصّلاة، فلما صار و اعلى فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة، تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم الا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم، و هم لا يستقيم لهم السفر الا بمجيئه إليهم، فاقاموا على ذلك أيا ما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتموا الصّلاة أم يقيموا على تقصيرهم؟ قال: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم اقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا صاروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصّلاة قاموا أو انصرفوا، فاذا مضوا فليقصروا). «1»

و رواه الصّدوق في العلل عن أبيه عن سعد و عن محمد بن موسى المتوكل، عن السعدآبادي، عن احمد

بن أبي عبد اللّه، عن محمد بن على الكوفي، عن محمد بن اسلم نحوه و زاد قال: ثمّ قال: هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت: لا، قال: لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقل من ذلك، فاذا كانوا قد ساروا بريدا و أرادوا أن

______________________________

على الاطلاق، لأنّ منازل أهل اطراف مكّة مختلفة و ليس الأمر بحيث يكون بعد كلهم من منزلهم الى عرفات ثمانية فراسخ، بل ربما يكون بعد منازل بعضهم انقص من ذلك، فلا وجه لكون الواجب عليهم القصر و فعلهم القصر بنحو الكلي، فمن هنا نستكشف ان هذا الحكم في هذه الأخبار يكون بالنسبة الى أشخاص يكون حكمهم واحدا، لكونهم واقعين في مركز واحد و نقطه واحدة و هو مكة، لأنه يصح أن يقال: إن أهل مكة أعني: ساكني مكة يجب عليهم القصر، لانّ كلهم واقعين في محل واحد و هو مكة، و أمّا اهل اطراف مكّة فلم يكونوا كذلك. (المقرّر).

(1)- الرواية 10 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 133

ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و ان كانوا ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلّا اتمام الصّلاة، قلت: أ ليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟ قال: بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم و أن السير يجدّ بهم، فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا. «1»

و رواه البرقي في المحاسن عن محمد بن اسلم مثله مع الزيادة.

و هذه الرواية، مع قطع النظر عن ضعف سندها، تدلّ على عدم اعتبار كون الرجوع ليومه، فتصير دليلا لقول ابن أبي عقيل، فإن

كان ما صدر من موسى بن جعفر عليه السّلام بلا زيادة الّتي نقلها الصّدوق رحمه اللّه، فتدل على كفاية أربعة فراسخ بنفسه في وجوب القصر، غاية الأمر بعد الجمع مع الاخبار الدالة على اعتبار ثمانية فراسخ ملفقة في وجوب القصر، نقول- كما قلنا- بعدم كون أربعة فراسخ بنفسه موجبة للقصر، بل من باب كونها ملفقة بأربعة فراسخ إيابية.

و إن كان ما صدر منه عليه السّلام مع الزيادة، الّتي نقلت في طريق الصّدوق رحمه اللّه، فتصير الرواية مثل الروايات الدالة في وجوب القصر في ثمانية فراسخ ملفقة، لأنّ لسانها كذلك، و على كل حال تدلّ على عدم كون الرجوع ليومه شرطا فى وجوب التقصير.

هذا تمام الكلام في ما يمكن أن يكون دليلا لقول ابن ابي عقيل رحمه اللّه، فالقول بعدم كون الرجوع ليومه شرطا في ثمانية فراسخ ملفقة قوي بمقتضى الأخبار، فإن كنا نحن و هذه الأخبار نأخذ بذلك، فلا بدّ لنا بعد ذلك من التكلم في بعض جهات أخر في المسألة و ما قيل فيها حتى نختار بعد ذكره، ما هو الحق في المقام.

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 3 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 134

[في ذكر الأقوال فى المسألة]

فنقول، كما قلنا سابقا، إنّ في المسألة أقوالا:

القول الأول: ما هو المشهور بين القدماء، و هو وجوب القصر إذا اراد المسافر الرجوع ليومه، و إن لم يرد الرجوع ليومه فيكون مخيرا بين القصر و الاتمام و هو مختار المفيد رحمه اللّه و الشّيخ رحمه اللّه و المحقّق رحمه اللّه.

القول الثاني: ما يظهر من السيّد المرتضى و ابن إدريس رحمه اللّه، و هو وجوب الإتمام معينا في ما لم يرد الرجوع ليومه.

القول الثالث: ما يظهر من

ابن أبي عقيل رحمه اللّه، و هو انّه قال: كل سفر كان مبلغه بريدين و- هما ثمانية فراسخ- أو بريدا ذاهبا و بريدا جائيا- و هو أربعة فراسخ- في يوم واحد أو في ما دون عشرة أيّام، فعلى من سافره عند آل الرسول إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره و خفى صوت الأذان يصلى الصّلاة في السفر ركعتين.

و الظاهر ممّا نقل من كلامه هو عدم اعتبار كونه مريد الرجوع ليومه في وجوب القصر عليه في ما نحن فيه.

و الظاهر أن ذكر إقامة العشرة يكون من باب المثال، فلا فرق في عدم وجوب القصر عليه بينها و بين غيرها، اعني: يجب القصر عليه و إن لم يرجع ليومه إلّا إذا قطع سفره بقاطع من قصد إقامة عشرة أيّام في رأس أربعة فراسخ، أو بقاء ثلاثين يوما متردّدا فيه، أو بلوغه الى وطنه.

و اختار هذا القول السيّد بن طاوس رحمه اللّه في كتابه المسمى بالبشرى و هذا القول هو مختار الشّيخ عماد الدين حلبي رحمه اللّه، على ما يظهر من عبارته في كتابه المسمى «باشارة السبق» و هذا عين عبارته: و الذي يلزمه التقصير كل مسافر كان

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 135

سفره إمّا طاعة أو مباحا بلغ بريدين فصاعدا- و هما ثمانية فراسخ- أربعة و عشرون ميلا، لأنّ الفرسخ ثلاثة اميال، و الميل ثلاثة آلاف ذراع، أو كانت مسافته بريدا و رجع ليومه، و لا ينوي الإقامة في البلد الّذي يأتيه عشرة أيّام، و لم يكن حضره أقل من سفره» بناء على كون ما صدر منه و كتب في كتابه لفظ «أو» لا لفظ «و» قبل قوله «لا ينوي الإقامة في البلد الّذي يأتيه

عشرة ايام».

لأنّه على هذا يكون معنى كلامه أن فردا من السفر الموجب للقصر يكون بريدا إذا رجع ليومه، أو انّه و لو لم يرجع ليومه لكن لم يقصد الإقامة في المقصد، فعلى هذا يستفاد من كلامه أن الرجوع ليومه لا يعتبر في القصر في ما كان البعد بين المنزل و المقصد بريدا، بل لو لم يرجع ليومه يجب عليه القصر بشرط أن لا ينوى الاقامة في المقصد، اعنى: لا يحصل أحد قواطع السفر، لعدم خصوصية، كما قلنا، في قول ابن أبى عقيل رحمه اللّه بين قصد إقامة العشرة و ساير قواطع السفر.

و أمّا ما قلنا من أن عبارته كانت «أو» لا «و» فلانه لا معنى لأنّ يقول: أو كانت مسافته بريدا و رجع ليومه، و لا ينوى الإقامة في البلد الّذي يأتيه عشرة أيّام، لأنه من يرجع ليومه من المقصد الى المنزل كيف ينوي الإقامة في المقصد، فهذا شاهد على أن كلامه يكون «أو» لا «و».

و على كل حال قول ابن ابي عقيل رحمه اللّه القول الثالث في المسألة، و نسبة هذا القول إليه تكون من العلّامة رحمه اللّه لأنّ عنده كان كتاب ابن أبي عقيل رحمه اللّه المسمى «بالتمسك بحبل آل الرسول» و لم يكن عند غير العلّامة رحمه اللّه، لابن أبي عقيل رحمه اللّه كتابين:

الأوّل منه الكتاب المسمى «بالتمسك بجبل آل الرسول» الّذي كان عند العلّامة ره و الثاني كتاب الكر و الفر في الكلام و الامامة، و نقل النجاشي رحمه اللّه ان المفيد رحمه اللّه يكثر

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 136

الثناء على هذا الرجل، و قال النجاشي أيضا نقلا عن ابن قولويه بان ابن ابي عقيل يجيز لي كتاب المتمسك و

ساير كتبه «1».

[القائلين بالتخيير بين قولين]

و لا يخفى عليك أن القائلين بالتخيير أيضا بين قولين:

القول الأول: التخيير في غير مريد الرجوع ليومه مطلقا، اعنى: في الصّلاة و في الصوم و هو مختار المفيد رحمه اللّه.

القول الثاني: التخيير في غير مريد الرجوع ليومه في خصوص الصّلاة، و هو اختيار الشّيخ رحمه اللّه فانّه قال بالتخيير في غير مريد الرجوع ليومه في خصوص الصّلاة، و أمّا الصوم فيكلفه الافطار و أن لا يصوم في هذا الفرض.

إذا عرفت ذلك نقول، كما قلنا إنه إذا راجعنا أخبار الباب نجدها موافقة لقول ابن أبي عقيل رحمه اللّه، و لكن اختيار هذا القول مشكل مع الشهرة المخالفة معه.

و هل يكون في البين وجه يساعد مع فتوى المشهور أو لا؟

اعلم أن ما يمكن أن يكون مستند المشهور روايات نعطف الكلام فيها حتى نرى انّه يمكن التعويل عليها، و الاخذ لما هو فتواهم، أو لا يوجد ما يمكن التعويل عليه فنقول:

الرواية الأولى: الرواية المسطورة في كتاب فقه الرضا عليه السّلام المنسوب الى جنابه، فإن في هذه الرواية «نقلت عبارة هذه الرواية من الجواهر» «2» قال: فإن كان سفرك بريدا واحدا، واردت أن ترجع من ذلك قصرت، لأنّ ذهابك و مجيئك

______________________________

(1)- رجال نجاشى، ص 48.

(2)- جواهر الكلام، ج 14، ص 211.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 137

بريدان، الى أن قال: فإن لم ترد الرجوع من يومك فانت بالخيار إن شئت تممت، و إن شئت قصرت.

و دلالة هذه العبارة- التي ادعيت كونها رواية، بناء على كون فقه الرضا من الرضا عليه السّلام- على فتوى المشهور واضح، و لكن الاشكال في كون فقه الرضا من الرضا عليه السّلام، إذ كون هذا الكتاب منه عليه السّلام غير معلوم، و

إن تصدى بعض العلماء يصحح النسبة إليه عليه السّلام، و لكن ليس لنا دليل على صحة الانتساب، و لم يعلم كونه من الرضا عليه السّلام.

و إن شهد بعض بأخذ هذا الكتاب من بعض القميين في مكة، و انّه ادعى كون فتاوى علي بن بابويه القمى موافقة معه، و لكن مع ذلك لا يمكن الاعتماد عليه من باب كونه من كلام الامام عليه السّلام، بل قال السيّد حسن الصدر الكاظمي رحمه اللّه: بأن هذا الكتاب هو كتاب الشلمغانى المعروف، و لا يبعد أن يكون من تأليفات أحد من السابقين لا من كلام الرضا عليه السّلام، فبعد عدم الاعتماد على كتاب فقه الرضا لم يبق مجال للعمل بهذه الرواية المنقولة في هذا الكتاب.

الرواية الثانية: الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم أمّا الرواية بنقل الشّيخ في التهذيب فهكذا: عن محمد بن مسلم، عن ابي جعفر عليه السّلام (سألته عن التقصير، قال: في بريد، قال: قلت: بريد؟ قال: إنه ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه). «1»

و لكنه نقلها فى الوسائل هكذا: (عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن التقصير قال: في بريد، قلت: بريد؟ قال: إنه ذهب بريدا و رجع بريدا فقد

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 138

شغل يومه). «1»

[في الاستدلال بالرواية لكون الرجوع ليومه فى المسافة الملفقة]
اشارة

هذا متن الحديث، و أمّا وجه دلالتها على كون الرجوع ليومه، فهو أن يقال:

إنّ أبا جعفر عليه السّلام بعد تعجب السائل من قوله بأن التقصير في بريد قال: إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه، فاعتبر شغل اليوم في السفر الّذي الّف من ثمانية فراسخ ملفقة، و ظاهر شغل اليوم

هو شغل اليوم بالفعل، فمعنى العبارة هو أن يشغل يومه بسفر بالذهاب و الاياب، هذا بيان الاستدلال.

[في ذكر الاحتمالين للمطلب]

و نقول توضيحا للمطلب بأن في الرواية احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يقال: بأن السائل بعد ما سمع من ابي جعفر عليه السّلام بأن التقصير في بريد تعجب من ذلك، لأنّ ما كان مغروسا في ذهنه هو كون السفر الموجب للقصر في بريدين، فاجاب عليه السّلام و ارتفع تعجبه بقوله (إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه) اعني: يحصل ما هو في ذهنك في بريد أيضا، لأنه يذهب بريدا و يرجع بريدا، فيتحقّق البريدان، و قوله (فقد شغل يومه) بعد ذلك يكون مثل ذكر مسيرة يوم، أو بياض يوم الوارد في بعض الأخبار الاخر، فيكون لسان شغل اليوم مثل مسيرة يوم أو بياض يوم اعني: منشأ اعتبار جعل هذا الحد موجبا للقصر هو أنه مسيرة يوم، أو بياض يوم أو شغل يوم، فكما انّه لا عبرة بحصول مسيرة يوم، أو بياض يوم فعلا في تحقق السفر في اليوم الأوّل كذلك شغل اليوم لا يلزم حصوله فعلا في تحقّق السفر للقصر في بريد ذاهبا و بريد جائيا اعني: ثمانية فراسخ ملفقة.

و لهذا لو كان البعد بين المنزل و المقصد ثمانية فراسخ لا يعتبر أن يسيره في اليوم

______________________________

(1)- أقول: و حيث إنّ صاحب الوسائل نقلها عن الشّيخ رحمه اللّه، و نقلنا ما نقله الشّيخ فيكون متن الرواية هو ما نقله الشيخ رحمه اللّه. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 139

الأول، و لا يعتبر تحقق مسيرة يوم في اليوم الأوّل في وجوب القصر، بل يمكن أن يذهب أربعة فراسخ منها في اليوم الأول، و أربعة فراسخ منها في اليوم الثاني حتى يصل

الى المقصد.

كذلك لا يعتبر في ثمانية فراسخ ملفقة أن يكون السير بين المبدأ و المقصد و من المقصد الى المبدأ اعنى: الذهاب و الرجوع اعني: شغل اليوم، في يوم واحد، فعلى هذا الاحتمال ليست الرواية الا في مقام بيان كفاية ثمانية فراسخ ملفقة، لا في مقام اعتبار شغل اليوم بالفعل في هذا النحو من السفر، حتى يقال: بلزوم كون الرجوع ليومه حتى يحصل شغل اليوم بالفعل.

و لكن يبعد هذا الاحتمال ظهور قوله (شغل يومه) في شغل اليوم بالفعل، و لو أخذنا بهذا الاحتمال من الرواية فلا يمكن الاخذ بظهور (شغل يومه) و الحال أن هذا الكلام ظاهر في اعتبار فعلية شغل اليوم، فمع هذا الظهور لا يمكن الاخذ بهذا الاحتمال، لأنّ ظاهر الكلام هو رفع استبعاد السائل بأنّه بسبب ذهاب بريد و رجوع بريد يحصل ما هو محقّق السفر، و هو ثمانية فراسخ مع شغل اليوم بالفعل، و لا يناسب شغل اليوم بالفعل إلّا إذا كان الرجوع ليومه، لأنه إذا كان الذهاب و الاياب في يوم فقد شغل هذا اليوم بالسفر.

و أيضا يلزم أن يكون على هذا الاحتمال قوله عليه السّلام (فقد شغل يومه) غير لازم و يكون زائدا على المقدار اللازم في الجواب، لأنه إن كان وجه تعجب السائل من حيث كون المرتكز عنده من السفر الموجب للقصر البريدين فكان المناسب أن يكتفى عليه السّلام في مقام الجواب بقوله (لأنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 140

حصل البريدان). «1»

الاحتمال الثاني: و هو أن يقال: إنّ السائل بعد ما سئل عن التقصير و أنه في أي سفر يجب القصر؟ و اجاب عليه السّلام (في بريد) تعجب السائل من ذلك،

يمكن أن يكون منشأ تعجبه هو ما يرى خارجا عند المسلمين اعني: العامة من أنهم يقولون بالتقصير في يومين أو ثلاثة أيّام، أو كان في ارتكازه أن السفر إذا صار بمقدار مسيرة يوم اعنى: في المرحلة الّتي تكون متعارفا في كل يوم و ليلة للمسافرين، يجب فيه القصر و قطع البريد لا يصير بهذه المرحلة، فاجاب عليه السّلام بأنّه (إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه بالسفر) اعنى: يكون الميزان شغل اليوم، و هو حاصل في بريد ذاهبا و بريد جائيا، و لا يعتبر اليوم أو اليومين، بل المعتبر هو شغل يوم واحد، فاذا تحقق ذلك بالسفر يجب القصر، و هو يتحقّق في بريد ذاهبا و بريد جائيا، فيستفاد على هذا من الرواية لزوم شغل اليوم بالفعل في المسافة الملفقة من أربعة فراسخ ذهابية و أربعة فراسخ إيابية، و شغل اليوم بالفعل لا يتحقّق إلّا بالرجوع ليومه.

[فى المسافة الامتدادية لا يلزم شغل اليوم بالفعل]

و لا يعتبر ذلك اعنى: شغل اليوم فعلا في ثمانية فراسخ امتدادية، لعدم كون الثمانية فراسخ امتدادية في موجبيتها لوجوب القصر في السفر شغل اليوم بالفعل، و لذا لو ذهب أربعة فراسخ منها في اليوم الأول، و أربعة فراسخ اخرى منها في اليوم الثاني مثلا فبلغ بمقصده، فليس مضرا في وجوب القصر.

______________________________

(1)- اقول: إلّا أن يقال: إن الجواب كما يمكن بنفس ما هو مورد ارتكاز السائل اعني:

البريدين بأن يجاب إذا ذهب بريدا و رجع بريدا حصل البريدان، كذلك يناسب الجواب بلازم ذلك، و ما هو منشأ اعتباره و هو شغل اليوم مثل ما قال تارة ثمانية فراسخ، و تارة مسيرة يوم، فلا يرد هذا الايراد على هذا الاحتمال، لأنه ليس على هذا ذكر شغل يومه زائدا. (المقرّر)

تبيان

الصلاة، ج 1، ص: 141

بل هذا القيد على هذا الاحتمال دخيل في ثمانية فراسخ ملفقة، لأنّ المستفاد من رواية محمد بن مسلم على هذا الاحتمال هو كون وجوب القصر في السفر المؤلف من ثمانية فراسخ ملفقة مقيّدا بشغل اليوم بالفعل، و هو لا يتحقق الا فيما رجع المسافر ليومه.

و لا بأس بذلك لأنّ عدم دخل هذا القيد في ثمانية فراسخ امتدادية يكون من باب عدم الدليل على اعتباره، بخلاف ثمانية فراسخ ملفقة فإن اعتبار هذا الشرط فيها يكون من باب دلالة رواية محمد بن مسلم على هذا الاحتمال اعني: الاحتمال الثاني فثمانية فراسخ ملفقة موجبة للقصر على هذا الاحتمال بشرط كون الرجوع ليومه.

و هذا الاحتمال بعيد في هذه الرواية أيضا بل ابعد من الاحتمال الأوّل.

أما أولا فلبعد اعتبار هذا القيد في خصوص ثمانية فراسخ ملفقة دون ثمانية فراسخ امتدادية، مع أن ظاهر ادلتها هو كون ثمانية فراسخ ملفقة مثل ثمانية فراسخ امتداديه في موجبيتها للقصر و بوزان واحد، كما يستفاد من الأخبار، لدلالتها على كون أربعة فراسخ ذاهبا و أربعة جائيا مثل ثمانية فراسخ في موجبيتها للقصر.

و أمّا ثانيا فلان الظاهر من جوابه عليه السّلام هو كون التعليل (بأنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه) تعليلا بأمر ارتكازي يكون مرتكزا عند السائل، و ما هو مرتكز عنده ليس إلا ثمانية فراسخ امتدادية، أو مسيرة يوم، و هو عليه السّلام قال في جوابه (بأنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه) اعني: حصل ما هو مرتكز عندك اعني: ثمانية فراسخ، أو مسيرة يوم، فكما لا يعتبر في ثمانية فراسخ امتدادية هذا الشرط اعنى: شغل اليوم بالفعل، فكذلك في ثمانية فراسخ ملفقة «هذا حاصل

ما

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 142

افاده- مد ظله- تقريبا في بيان الاحتمالين المتقدمين في هذه الرواية».

[لسان الرواية فى أى الاحتمالين]

ثمّ بعد ذلك هل يكون لسان الرواية احتمال الاول، فتكون الرواية غير دالة على اعتبار أمر غير ما افاده ساير الروايات الواردة في كفاية ثمانية فراسخ ملفقة في وجوب القصر في السفر، فلا يعتبر كون الرجوع فيها ليومه، أو يكون لسان الرواية هو احتمال الثاني اعني اعتبار كون الرجوع ليومه، و لزوم شغل اليوم بالفعل.

و بعبارة أخرى يكون لسان الرواية مثل لسان رواية زرارة بن اعين و هي هذه: (عن زرارة بن اعين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التقصير فقال: بريد ذاهب و بريد جائي قال: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا اتى ذبابا قصر، و ذباب على بريد، و إنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ). «1»

فإن هذه الرواية تدلّ على أن القصر في بريد ذاهب و بريد جائي، ثمّ استشهد بفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في مسافرته الى ذباب، بأنّه إذا اتى ذبابا قصر، لأنّ ذباب على بريد، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا رجع صار سفره بريدين ثمانية فراسخ.

و إن قيل: بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعله كان يرجع ليومه من ذباب، فإن أبا عبد اللّه عليه السّلام استشهد بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلم و فعله غير معلوم، فيحتمل أن يكون راجعا ليومه، فمن هذه الرواية أيضا لا يمكن استفادة عدم اعتبار كون الرجوع ليومه حتى يقال: إنّ لسان رواية محمد بن مسلم مثلها في عدم

الدلالة على لزوم كون الرجوع ليومه.

نقول: بأن ظاهر رواية زرارة الاطلاق من هذا الحيث اعنى: لا يقيد فيها كون

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 143

الرجوع ليومه، و استشهاد الامام عليه السّلام بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و فعل النبي ليس شاهدا على كون رجوعه من ذباب ليومه.

أمّا أولا فلأنّه من البعيد انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كلّما ذهب الى ذباب كان يرجع ليومه، مع أن الظاهر من لسان الرواية كان يذهب الى ذباب مكررا، لدلالة قوله: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا اتى ذبابا على ذلك.

و ثانيا: استشهاد الامام عليه السّلام بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليس إلّا في ما افتى به من كون القصر في بريد ذاهب و بريد جائى، و ليس استشهاده من هذا الحيث اعني اعتبار الرجوع ليومه، و لذا قال في مقام ذكر فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم «و إنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» فهذه الرواية تدلّ بإطلاقها على عدم لزوم كون الرجوع في ثمانية فراسخ ملفقة ليومه.

فكان الغرض بعد ذلك في أن لسان رواية محمد بن مسلم مثل هذه الرواية، فلا دلالة لها على دخل الرجوع ليومه في السفر الّذي يكون مركبا من بريد ذاهب و بريد جائي، أو ليس كذلك، و على كل حال تكون ظهور رواية محمد بن مسلم في أي من الاحتمالين.

فهل نأخذ بظهور قوله (شغل يومه) و نقول، بعد كونه ظاهرا في شغل اليوم بالفعل، يجب القصر في هذه

المسافة في خصوص صورة كون الرجوع ليومه، بمعنى وقوع تلك المسافة في اليوم الأوّل فعلا لا تقديرا.

أو نقول: بأن الظاهر كون التعليل الى أمر مرتكز عند السائل، و ليس المرتكز إلا ثمانية فراسخ اعني: بريدين أو مسيرة يوم، فكان جواب الامام عليه السّلام ناظرا الى حصول ذلك بذهابه بريدا و رجوعه بريدا في ما إذا ذهب بريدا و رجع بريدا، و لا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 144

يعتبر تحقّق ذلك بالفعل، فلا يعتبر كون الرجوع ليومه.

و بعد اللتيا و التي، فالاخذ بالاحتمال الثاني، و تقويته في هذه الرواية مشكل، كما أن دعوى ظهور الرواية في الاحتمال الأوّل أيضا مشكل.

اللهم إلّا أن يقال: بأن غاية ما يمكن أن يقال: هو كون لسان الرواية، هو انّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه، و هذا اللسان لا يدل إلّا على انّه في فرض ذهاب بريد و رجوع بريد يحصل شغل اليوم بالفعل، لاقتضاء قضية الشرطية و هى إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه ذلك، و هذا غير دال على لزوم تحقق الرجوع و حصوله في يومه، لعدم دلالة هذه القضية على اعتبار شغل اليوم بالفعل في وجوب القصر، لأنّ صدق الشرطية متوقف على وجود الجزاء و حصوله على تقدير حصول الشرط، و لا يتوقف صدق الشرطية على حصول الشرط و الجزاء فعلا، فتدل هذا القضية على حصول شغل اليوم بالفعل على تقدير حصول الذهاب و الاياب، و صدق الشرطية متوقف على هذا المقدار اعني: حصول الجزاء في فرض حصول الشرط، و لا يعتبر في صدق الشرطية حصول بريد ذاهب و بريد جائي و لا شغل اليوم بالفعل، و هذا واضح، فتدل الرواية على كفاية

كون البعد بين المنزل و المقصد بريد لحصول شغل اليوم لو فرض انّه إذا ذهب بريدا يرجع بريدا، و لكن لا تدلّ على لزوم تحصيل هذا الفرض اعني: الرجوع و الذهاب، في يومه.

هذا حاصل ما أفاد سيدنا الأستاد مد ظله في هذه الرواية، و لم يرجح أحد الاحتمالين على الآخر، و لم يختر أحدهما. «1»

______________________________

(1)- أقول و اعلم أنّ هذه الرواية على تقدير دلالتها على اعتبار كون الرجوع فى ما نحن-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 145

[ممّا استدل لفتوى المشهور ما نقل من فعل امير المؤمنين ع]

الرواية الثالثة: ممّا استدل به لفتوى المشهور هو القضية المنقولة من فعل امير المؤمنين عليه السّلام من انّه لما خرج الى النّخيلة، فصلى بهم الظهر ركعتين، ثمّ رجع من يومه.

وجه الاستدلال هو انّه عليه السّلام صلّى صلاته ركعتين اعني: قصر الظهر: لأنه خرج من الكوفة الى النّخيلة، و رجع الى الكوفة من يومه، فهو قصر في ثمانية فراسخ ملفقة لكونه مريد الرجوع ليومه، فمن هنا نستكشف اعتبار كون الرجوع ليومه في ما نحن فيه.

و فيه، مع قطع النظر عن التكلم في سندها، نقول: أولا بأنها لا تدلّ الا على أن امير المؤمنين عليه السّلام في سفره الى النّخيلة رجع ليومه، و صرف رجوعه ليومه في سفر لا يدل على لزوم الرجوع في وجوب القصر، لأنّ المدعى ليس عدم جواز الرجوع حتى يستدل بفعله عليه السّلام، بل لا يلزم الرجوع في وجوب القصر، و فعله عليه السّلام ليس مخالفا مع ذلك.

______________________________

فيه ليومه فتدلّ على دخل الرجوع ليومه في وجوب القصر فقط و لا دلالة لها على التخير بين الاتمام و القصر كما هو مذهب المشهور فى غير مريد الرجوع ليومه فعلى تقدير دلالتها و حملها على احتمال الثاني تدلّ على

جهة من فتوى المشهور و هي دخل الرجوع ليومه فى وجوب القصر فى ثمانية فراسخ ملفقة و غير دالّة على جهة الاخرى من فتواويهم و هى التخير بين القصر و الاتمام لغير مريد الرجوع ليومه بل على هذا الاحتمال تكون الرواية بفتوى السيد المرتضى و ابن ادريس قدس سرهما اوفق لأنّها تدلّ على دخل كون الرجوع ليومه في وجوب القصر، فهذا الحيث من فتواهما موافق مع هذه الرواية، و حيث الآخر أعني: وجوب التمام لغير مريد الرجوع فبمقتضى القاعدة اعني: لزوم التمام، و كان بحث سيدنا الأستاد مد ظله أيضا في أن هذه الرواية هل تدلّ على اعتبار الرجوع ليومه في وجوب القصر أم لا، و لم يتكلم في حيث الآخر اعني، في وجه التخير بناء على فتوى المشهور في غير مريد الرجوع ليومه. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 146

[المورخون و الناقلين ليسوا فى مقام بيان الجهات]

و ثانيا إن ناقل هذا الفعل منه عليه السّلام هو المورّخ، و ناقل الوقائع و المورّخون ليسوا في مقام بيان هذه الجهات اعني ذكر الاحكام و الخصوصيات الدخيلة في اثبات الحكم أو نفيه، فلا يمكن التعويل بكلامهم لما نحن بصدده من استفادة الحكم الشرعى.

ثمّ إن بعض الاخبار المتعرضة في هذا المقام في بعض الألسنة فغير دالة على فتوى المشهور أيضا.

إذا عرفت حال ما يمكن الاستدلال به لتقييد الثمانية فراسخ الملفقة في موجبيتها للقصر بإرادة الرجوع ليومه.

نقول: إنه لا يبقى في المقام مخالف للاخبار الدالة بإطلاقها، أو بصراحتها على عدم اعتبار كون الرجوع ليومه في مسئلتنا إلا فتوى المشهور، لانهم أفتوا على أن خصوص مريد الرجوع ليومه عليه القصر، و أما غير مريد الرجوع ليومه فهو مخير بين القصر و الإتمام، و قال السيّد المرتضى و

ابن إدريس بالقصر فيمن اراد الرجوع ليومه و الإتمام لغير مريد الرجوع ليومه، و ادعى ابن إدريس الاجماع على ذلك.

فكلهم اعني: المشهور و السيّد المرتضى و ابن إدريس متفقون في وجوب القصر لخصوص من اراد الرجوع ليومه فقط، على خلاف ابن أبي عقيل رحمه اللّه القائل بوجوب القصر سواء اراد الرجوع ليومه أو لا، لأنهم متفقون على خلافه من هذا الحيث و إن كانوا مختلفين في غير مريد الرجوع ليومه، لأنّ المشهور قائلون بالتخيير، و هما قائلان بالاتمام.

فعلى هذا هم جميعا يختلفون مع ابن ابي عقيل رحمه اللّه في المسألة من حيث انهم

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 147

يعتبرون في وجوب القصر إرادة الرجوع ليومه بخلافه، ففي هذا الحيث اعني: اعتبار شرط إرادة الرجوع ليومه في وجوب القصر لا خلاف بين المشهور و بين السيّد و ابن إدريس لإطباقهم على ذلك، فالشهرة و فتواهم على خلاف ابن أبي عقيل رحمه اللّه.

و إنّا إذا راجعنا أخبار الباب نرى دلالة بعضها بالإطلاق و دلالة بعضها كروايات عرفات بالصراحة على مذهب ابن أبي عقيل اعني عدم اشتراط وجوب القصر بإرادة الرجوع ليومه.

و إذا راجعنا الى المشهور نرى فتواهم باعتبار هذا الشرط، و رفع اليد عن مختار المشهور و اختيار ما تدلّ عليه أخبار الباب من عدم اعتبار هذا الشرط مشكل، لأنّ المشهور مع كونهم بانين على الاقتصار بذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام كيف افتوا كذلك؟ و كيف غفلوا عن هذه الأخبار؟ و كيف افتوا بهذه الفتوى بلا وجود مدرك و مستند معتبر عندهم؟

فمن هنا نتفرس بأن هذه الفتوى منهم كانت من باب مستند لم يصل إلينا، فعلى هذا كما قلنا سابقا بالاحتياط بين القصر و الإتمام

في غير مريد الرجوع ليومه و أمّا فيمن اراد الرجوع ليومه فلا اشكال في وجوب القصر عليه.

ثمّ أنّه لو قلنا باعتبار كونه مريد الرجوع ليومه، و لزوم شغل اليوم بالفعل في السفر المؤلف من بريد ذاهب و بريد جائى، فليس المراد من اليوم هو خصوص اليوم في مقابل الليل بحيث إنّه لو وقع هذا السفر في الليل، أو ملفقا من النهار و الليل لم يحصل محقّق القصر، حتى نحتاج الى التكلم في أن ما هو المراد باليوم هل هو من طلوع الفجر الى المغرب أو ليس كذلك؟

أو نتكلم عن أن المراد باليوم هو اليوم من الأيّام الطوال مثل أيّام الصيف او

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 148

لا، حتى يقال: بأن المراد من اليوم هو اليوم المعتدل مثلا أول يوم الخريف أو الربيع.

[ليس المراد من اليوم مقابل الليل بل المراد مقدار السير]

بل نقول: بأن المراد بشغل اليوم في رواية محمد بن مسلم، أو مسيرة يوم، أو بياض يوم في بعض الروايات الاخر، لبس هو اليوم في مقابل الليل، بل المراد من ذلك هو المرحلة المتعارف فيها عند المسافرين و القوافل للسير بقدر هذه المرحلة في كل يوم و ليلة، أعني: أنّ المسافرين يكون المتعارف عندهم أن يسيروا في سفرهم في كل يوم و ليلة مرحلة و مقدارا و يتوفقون مرحلة و مقدارا للاستراحة، و هم تارة يسيرون في الليل و تارة في النهار و تارة في الملفق من الليل و النهار و ليس الأمر بحيث كان سفرهم في النهار فقط من أوله الى آخره، فهذه المرحلة الّتي يكون السير فيها متعارفا يكون المراد من (اليوم) في مسير اليوم، أو بياض اليوم، أو شغل اليوم.

فعلى هذا ما هو الظاهر من سير اليوم هو المرحلة المتعارفة

من السير في كل يوم و ليلة عند المسافرين، فعلى هذا و لو اعتبرنا شغل اليوم بالفعل في السفر الملفّق من بريد ذاهب و بريد جائى، أو قلنا بكفاية مسيرة يوم، أو بياض يوم في مقابل ثمانية فراسخ امتدادية، كما نتعرض له، فليس المراد هو شغل تمام اليوم أو سير تمام اليوم بالخصوص بحيث لا يكتفى بشغل الليل، أو المسير في الليل، بل المراد هو قطع المرحلة المتعارفة بين المسافرين في كل يوم و ليلة، سواء وقع في اليوم، أو في الليل.

ففي مسألتنا نقول: بأنّه على تقدير اعتبار شغل اليوم بالفعل يكون المراد هو قطع المرحلة المتعارفة في النهار و ليل الاول، بمعنى انّه إذا ذهب بريدا كان رجوعه في نهاره أو ليلته أعني: قطع هذين البريدين في هذا النهار و الليل، فافهم. «1»

______________________________

(1)- أقول: إذا عرفت ذلك كله في هذه المسألة نقول: إن سيدنا الاستاذ- مد ظله- و إن لم-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 149

[المراد من التحديدات فى المسافة واحد]

المسألة الثالثة: من راجع أخبار الباب يرى أن الظاهر منها جعل التحديد في السفر الموجب للقصر بامور، ففي بعضها حدّ السفر الموجب للقصر بثمانية فراسخ، و في بعضها بالبريدين، و في بعضها بأربعة و عشرين ميلا، و في بعضها بمسيرة يوم، و في بعضها ببياض يوم، و في بعضها ذكر بعض منها مع البعض الآخر مثل قوله: «في رواية سماعة في مسيرة يوم، و هي ثمانية فراسخ»، أو في رواية أبي أيوب «في بريدين أو بياض يوم»، و غير ذلك. و لا اشكال في كون المراد من ثمانية فراسخ و بريدين و أربعة و عشرين ميلا أمرا واحدا؛ لأنّ البريد عبارة عن أربعة فراسخ، و وجه اطلاق البريد هو

أنه:

إمّا من البرد بمعنى الكتابة، فسمّى البريد اعني: من حمل الكتاب من محل

______________________________

يرفع اليد عن الاحتياط في غير مريد الرجوع ليومه، و لكن بنظري القاصر فعلا هو عدم دخالة هذا الشرط، و أن قول ابن أبي عقيل رحمه اللّه اوفق بنظري، لأنّ الأخبار دالة عليه بالإطلاق و الصراحة، و رواية فقه الإمام الرضا عليه السّلام مع ضعف سندها كما قلنا غير معتبرة، و رواية محمد بن مسلم إن لم نقل بكون أقوى الاحتمالين فيها هو الاحتمال الأول، فلا أقل من اجمالها و عدم ظهورها في دخالة شرط إرادة الرجوع ليومه، فلم يبق في البين إلّا اختيار المشهور، و هم مع اختلافهم في غير مريد الرجوع ليومه لأنّ الشّيخ و بعض آخر قائلون بالتخيير و السيّد و ابن إدريس قائلان بالتمام و مع عدم وجدان مدرك لفتواهم بدخل إرادة الرجوع ليومه في وجوب القصر، فلم يمنعنا من اختيار قول المخالف لهم، و صرف انهم لا يفتون بشي ء بلا مستند صحيح لا يصير سببا لأنّ نختار قولهم عن عمى، لانهم لو أفتوا بذلك و إن كان عندهم مستند، فمن اين نعلم أن مستندهم كان بحيث إذا وصل إلينا كان حجة عندنا، و الحال أن كثيرا ما يتفق انهم عولوا على شي ء و افتوا بشي ء و الحال انّه ليس تماما عندنا، مع انّه قلنا بأنهم اختلفوا في المسألة في غير مريد الرجوع ليومه فمع ذلك كيف تبلغ دعوى الشهرة الى مرتبة صارت سببا لاختيار هذا القول؟ نعم، ينبغي الاحتياط في غير من اراد الرجوع ليومه بين القصر و الإتمام، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 150

و يوصله الى محل آخر بريدا، لأنّه يحمل الكتاب، أو كان اطلاق

البريد على البريد من البرد في مقابل الحرّ فإنّ البريد حيث كان يسير في الليل وقت البرودة فسمي بريدا، ثمّ بعد تسمية الشخص الحامل للكتاب و بالفارسية «چاپار» بريدا فسمي مقدار من المسافة اعني: أربعة فراسخ اعني: اثنا عشر ميلا بالبريد، لأنّ البريد يسافر و يتوقف في رأس هذا المقدار، و يعاوضون البرد في رأس هذا المقدار مراكبهم و بالفارسية «در سر هر چهار فرسخ مال بند بود كه اسبها يا در اواخر اسب گاريها را عوض مى كردند» فلهذا سميت هذه المسافة بريدا هذا وجه اطلاق البريد بالمسافة الّتي تكون أربعة فراسخ.

و أمّا وجه التعبير بالفرسخ، فإن عند الفرس كان لفظ «فر» بمعنى الجمع و لفظ «سنگ» أيضا معروف، و حيث إن في الطرق أجمعوا احجارا للعلامة بأن هذا رأس الحد الّذي سمي بعدا بفرسخ، فسميت المسافة بين كل مجتمع من هذه الاحجار في الفارسية «به فرسنگ» فصار هذا اللفظ معربا فبدل لفظ الگاف بخاء و اسقطت نونه فقيل له فرسخ، فهذا وجه تسمية الفرسخ.

بالفرسخ و أمّا وجه تسمية الميل فقد قسموا الناس البعد الواقع بين كل فرسخ بثلاثة اقسام، و و نصبوا في رأس كل قسم ميلا من الاحجار أو غيره، فتسمى المسافة الواقعة بين ميل الى ميل آخر أيضا ميلا لهذه المناسبة.

[ما المراد من البريد و الفرسخ و الميل]

فقد ظهر لك وجه تسمية المسافة المخصوصة بالبريد، و المسافة المخصوصة بالفرسخ، و المسافة المخصوصة بالميل، فالبريد أربعة فراسخ، و الفرسخ ثلاثة اميال، و البريدين ثمانية فراسخ، فمرجع ثمانية فراسخ و البريدين و أربعة و عشرين ميلا الى أمر واحد اعني: ليس إلا شيئا واحدا، لأنّ كل فرسخ ثلاثة اميال فصار أربعة و

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 151

عشرين ميلا، و

ثمانية فراسخ إذا ضرب ثلاثة اميال في ثمانية، و يصير البريدان أيضا ثمانية فراسخ، لأنّ كل بريد أربعة فراسخ، فصار البريدان ثمانية فراسخ.

و أمّا مسيرة يوم مع بياض اليوم الّذي عبر بهما في بعض الأخبار فهما أيضا أمر واحد، و حدّ واحد لأنّ المراد بكل منهما كما اشرنا سابقا هو مقدار من المسافة التي يسير فيها المسافرون في كل يوم و ليلة متعارفا، و بعبارة اخرى من يسافر سفرا فكان المرسوم أن يسير في كل يوم و ليلة مرحلة، و يمكث مرحلة لرفع زحمة السير و للاستراحة، و مسيرة اليوم أو بياض اليوم عبارة عن المرحلة المتعارفة للمسافر للسير في كل يوم و ليلة، سواء وقعت هذه المرحلة في النهار، أو في الليل، أو الملفق منهما لأنّ هذا هو المراد منهما بحسب ظاهر الأخبار، لا أن يكون المراد خصوص المسيرة الواقعة في اليوم، بل و لا أن يكون المراد هو السير المقدر بقدر تمام اليوم، بل المراد ما هو المتعارف من السير في كل نهار و ليلة للمسافرين، فعلى هذا يكون المراد من مسيرة اليوم أو بياض اليوم أمرا واحدا، و هذا كله ممّا لا إشكال فيه.

إنما الإشكال في جهة اخرى و هو أنّه بعد دلالة بعض الروايات- على ما هو ظاهرها- على كون ثمانية فراسخ الّتي هي عبارة عن البريدين، و عن أربعة و عشرين ميلا حدا للقصر، و دلالة بعضها الآخر على كون مسيرة يوم المعبر عنها بياض يوم في بعض الروايات حدا للقصر.

[هل الحد خصوص كل واحد منهما او كلاهما]

فهل الحد هو خصوص ثمانية فراسخ و البريدين و أربعة عشرين ميلا، أو يكون خصوص مسيرة اليوم و بياض اليوم، أو يكون كليهما حدا للمسافة الموجبة للقصر بحيث إذا

حصل احدهما، يجب القصر و إن لم يحصل الآخر منهما، أو يكون الحد ثمانية فراسخ و يكون مسيرة يوم أمارة على حصول هذا الحد، أو يكون كل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 152

منهما حدا للقصر، و متى يوجد احدهما يوجد الآخر اعنى: يكون كل منهما موجودا بوجود الاخر.

[الحق كونها أمرا واحدا اذا وجد أحدهما وجد الاخر]

الحقّ هو كونهما امرا واحدا بحيث إذا وجد احدهما يوجد الآخر فاذا حصلت ثمانية فراسخ حصلت مسيرة يوم و بالعكس، و الدليل على ذلك ما نرى في بعض أخبار الباب من جعلهما شيئا واحدا مثل رواية 8 من الباب 1 من أبواب الصّلاة المسافر من الوسائل، و هي رواية سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصر الصّلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ.

فهذه الرواية صريحة في أن مسيرة يوم عبارة عن البريدان و ثمانية فراسخ، لأنه قال (في مسيرة يوم، و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ) فقد جعل مسيرة يوم عين البريدين، كما جعل البريدين عين ثمانية فراسخ.

و ما في بعض روايات الباب من التعبير بلفظ (أو) مثل رواية أبي بصير «1» قال: قلت: لأبى عبد اللّه في كم يقصر الرجل؟ قال: في بياض يوم أو بريدين، فلا تدلّ على كون بياض يوم غير البريدين، بل الرواية تدلّ على الاكتفاء في مقام التقصير بكل منهما، و لذا قال (في بياض يوم أو بريدين) و هذا غير مناف مع كونهما أمرا واحدا بحسب الواقع في كونهما حدّا، و حيث انهما أمر واحد فاذا قصر في بياض يوم فقد قصر في الحد و حصل البريدان أيضا و بالعكس. «2»

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: و

ما يخطر ببالى هو كون الحد الماخوذ عند الشرع في مقام القصر هو ثمانية فراسخ و اخواتها، اعنى: البريدين و أربعة و عشرين ميلا، لأنّ المستفاد من بعض أخبار الباب هو-

كون مسيرة يوم هو منشأ الاعتبار للحد، لا أن يكون هو نفس الحد اعنى: منشأ جعل الحد ثمانية فراسخ هو أن هذه المسافة تكون بقدر مسيرة يوم و مسيرة يوم، هو مقدار الّذي لاجله قصر الصّلاة، من باب أن في هذا المقدار يحصل الزحمة في السفر، و الشاهد هو رواية فضل بن شاذان و هي الرواية 1 من الباب 1 بنقل الوسائل، لأنّ المستفاد منها أن العلة في جعل ثمانية فراسخ حدا للقصر، هى كون هذا المقدار بمقدار مسيرة يوم، و الثمانية حد لأنه سئل عن علّة الحكم فإن كان الحكم في مسيرة يوم أيضا هو القصر فهو أيضا حكم لا علة الحكم، و من المعلوم من وضع الرواية أن المرتكز عند السائل هو كون الحكم ثمانية فراسخ، و لهذا سئل عن علته.

و ما قال سيدنا الأستاد مد ظله من أن سؤاله كان من باب ما كان بنظره من فتوى العامة من كون القصر في يومين أو ثلاثة أيّام، و لهذا اجاب المعصوم عليه السّلام بأنّه (توجب التقصير في مسيرة يوم، و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة الف سنة، و ذلك لأنّ كل يوم بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم) فمن هذا يستفاد أن القصر يجب في مسيرة يوم أيضا

نقول: بأنّه و لو كان وجه سؤاله ما سمع من العامة، و لكن مع ذلك ما بين المعصوم عليه السّلام أولا في مقام حد القصر هو ثمانية فراسخ، و

ذكر في مقام علّة الحكم مسيرة اليوم، مضافا الى أن ظاهر الرواية هو أن الرضا عليه السّلام بين الحكم ابتداء لا انّه سئل أولا و هو عليه السّلام اجاب عنه بما اجاب.

و يؤيد ذلك الرواية 5 من الباب 1 من ابواب صلاة المسافر و هي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فهو بعد ما سئل عن القصر و جواب الامام عليه السّلام بقوله (جرت السنة ببياض يوم) و قول السائل (إن بياض يوم يختلف يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم، و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم) فقال عليه السّلام (إنه ليس الى ذلك ينظر، أمّا رأيت مسير هذه الاثقال بين مكّة و المدينة، ثمّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ) فجعل الحد أربعة و عشرين ميلا و هو ثمانية فراسخ.

مضافا الى أن مسيرة يوم بعد اختلافها باختلاف الاشخاص و المراكب، فأى منها ميزان للحد؟-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 154

[المراد من الميل ما هو]

المسألة الرابعة: بعد ما عرفت من أن المستفاد من بعض أخبار الباب جعل ثمانية فراسخ، و البريدين، و أربعة و عشرين ميلا حدا للسفر الموجب للقصر إمّا من باب كونها هي الحد، أو هي مع مسيرة يوم، أو على نحو آخر على الكلام المتقدم في المسألة السابقة، يقع الكلام في ما هو المراد من الميل الّذي تكون ثلاثة منه فرسخا و أربعة و عشرين منه ثمانية فراسخ، و البريدين.

فنقول بعونه تعالى: إنّه قال في الشرائع: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد

______________________________

و إن قلت: بأن الميزان هو مسيرة يوم بحسب المتعارف.

فنقول: مع قطع النظر عن الاختلاف في المتعارف أيضا بأن المرجع في التحديدات

و موضوعات الأحكام الشرعية هو العرف إذا لم يصل من الشرع حدّ مخصوص له، و في المقام يكون كذلك لأنّ المستفاد من بعض روايات الباب هو كون ثمانية فراسخ حدا، خصوصا مع ما في ذيل هذه الرواية من الأمر بالنظر الى سير هذه الاثقال بين مكّة و المدينة بعد سؤال السائل عن اختلاف الواقع في السير، و الايماء بعد ذلك بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ، فهو بين حد مسيرة يوم بثمانية فراسخ، فلا طريق لنا الى حصول مسيرة يوم إلّا بحصول ثمانية فراسخ.

و أيضا ممّا يدلّ على أن الميزان في القصر هو ثمانية فراسخ رواية أبي ولاد و هي الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة المسافر بنقل الوسائل، لأنّ المستفاد منها انّه مع فرض السائل بأني سرت يومي و في الليل قصدت الرجوع فهل اقصّر أم أتمّ؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام. «إن كنت سرت في يومك الّذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير، لانك كنت مسافرا الى أن تصير الى منزلك، قال: و إن كنت لم تسر في يومك الّذي خرجت فيه بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ... الي آخره» فالمستفاد منها هو أن الميزان حصول البريد و لا يكون مسير اليوم ميزانا للقصر. و على كل حال التقصير في مسيرة يوم مع عدم حصول ثمانية فراسخ امتدادية، او تلفيقية، أو مع الشّك في حصول ثمانية فراسخ مشكل و إن كان الاحوط الجمع بين القصر و الإتمام في هذا الفرض. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 155

الّذي طوله أربعة و عشرون إصبعا تعويلا على المشهور بين الناس. «1»

[المراد من الذراع ليس ذراع اليد]

و لا

يخفى عليك أنّ المراد من الذراع ليس ذراع اليد، لأنّ ذراع اليد تختلف باختلاف الاشخاص في الطول و القصر، فكيف مع اختلافه يمكن أن يجعل حدا و به يحدد الميل؟

بل يحتمل أن يكون منشأ التعبير بالذراع في كلام أهل اللغة، هو أن أول زمان بنى الناس على تحديد الاجسام، و الاملاك، و الثياب، و تعيين مقدارها في مقام الاحتياجات من المعاملات و غيرها، اخذوا هذا المحدد من الذراع أعني: هو كان منشأ الحد و المقسم في مقام كمية الاشياء، و جعلوا جسما بقدر الذراع لهذا العمل، فعبر بعدا من هذا الجسم المحدد بالذراع لا أن يكون المراد من الذراع، المجعول آلة لهذا العمل هو خصوص ذراع اليد مطلقا بحيث يكون ذراع اليد مطلقا، ميزانا و منشأ الاعتبار، لأنّ ذراع اليد كما قلنا يختلف باختلاف الاشخاص في الطول و القصر، و نرى خارجا بأن هذه الآلة مختلفة، فبعضها أطول من ذراع، فليس المراد من الذراع هو خصوص ذراع اليد.

و إن قلت: ما قلت: من أن الذراع إن كان ذراع اليد فهو يصير باختلاف الاشخاص مختلفا في الطول و القصر، فكيف يجعل حدا، ليس تامّا لأنّ الميزان هو الذراع المتعارف.

فنقول: إن المتعارف من الذراع أيضا يختلف من حيث الطول و القصر، فلا يمكن أن يكون شي ء مختلف المصاديق حدا للاشياء الّتي ربما تختلف بحسب هذا

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 14، ص 198.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 156

الاختلاف مبلغا كثيرا من حيث القيامة، مثلا في الأقمشة العالية، أو الاراضى الغالية فكيف يمكن جعل ذراع اليد محددا لكميتها، مع عدم تسامح النوع باختلافها و كونهم معتنين بهذه الاختلافات في مثل هذه الأمور.

و على كل حال الآلة الّتي يقدر بها

الكم المتصل من الاشياء، و يحدّ بها الاملاك، و الأثواب و غيرها، تختلف بحسب الكمّية في الطول و القصر، كما نرى الآن من التفاوت بين الذرع و المتر، فان الأوّل اطول من الثاني.

و يؤيد ما قلنا من عدم كون المراد من الذراع هو ذراع اليد، ما نقل عن المسعودي في كتابه المسمى بمروج الذهب فإنه قال: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الاسود، و هو الذراع الّذي وضعه المأمون لذرع الثياب، و مساحة البناء، و قسمة المنازل، و الذراع أربعة و عشرون إصبعا انتهى» فهو عبر عن المقياس الّذي وضعه المأمون لذرع الثياب و غيره بالذراع، فهذا شاهد على أن المراد من الذراع غير ذراع اليد.

ثمّ بعد ما عرفت ذلك نقول: إن ما يظهر من كلماتهم، هو أن الميل ثلاثة آلاف ذراع، و هذا منسوب الى القدماء من أهل الهيئة.

و يظهر من المتأخرين أن الميل أربعة آلاف ذراع.

[يكون الاختلاف فى الميل لفظى]

و ربما يتخيل أن ضابط الميل مختلف عندهم، لأنّ القدماء من الهيويين يقولون ثلاثة آلاف ذراع، و المحدثين منهم يقولون: بكونه أربعة آلاف ذراع، فالمأخذ قول اى منهما، و لكن كما قيل يكون النزاع لفظيا.

لأنّ منشأ اختلافهم في كون الميل ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع، بعد اتفاقهم في كون الميل ستة و تسعون الف إصبع، هو أن القدماء حيث يقولون: بكون الذراع

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 157

اثنان و ثلاثون اصبعا، فاذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنان و ثلاثون اصبعا، كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع، و حيث أن المتأخرين يقولون: بكون الذراع أربعة و عشرين إصبعا فاذا قسم الميل على رايهم أربعة و عشرين اصبعا كان المتحصل أربعة آلاف ذراع، فلا يبقى اختلاف.

غاية الأمر أن

وجه تحديد القدماء للذراع باثنين و ثلاثين إصبعا، و وجه تحديد المحدثين للذراع بأربعة و عشرين إصبعا هو كان من باب اختلاف ذراعهم، اعنى: المقياس الّذي كان آلة لتعيين الكم المتصل من الاشياء، فحيث إن ذراع المتداول في زمان القدماء كان اطول، فكان الميل بحسب الذراع المتداول و المقياس الشائع في زمانهم ثلاثة آلاف ذراع لكون ذراعهم اثنان و ثلاثون إصبعا، و حيث أن الذراع و المقياس المتداول لذرع الأشياء كان في زمان المتأخرين اقصر منه، و كان بمقدار أربعة و عشرين إصبعا، فبهذا الذراع كان الميل أربعة آلاف ذراع، فليس في حد الميل اختلاف عندهم، الّا انّ كلهم متفقون في كون الميل ستة و تسعون الف إصبع، و ظهر لك أن الاختلاف الواقع لا يوجب اختلافا في تحديد الميل.

[في ذكر كلام صاحب القاموس فى المراد بالميل]

و ما يظهر من كلام صاحب القاموس حيث قال: الميل قدر مدّ البصر، و منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد، أو مائة الف إصبع إلّا أربعة آلاف اصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ، هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء، أو اثني عشر ألف ذراع بذراع المحدثين انتهى.

أن الميل عبارة عن مد البصر يعني: مقدار المسافة الّذي يرى بضوء البصر و عبارة عن منار يبنى للمسافر، فقلنا: بأن أصل الميل عبارة عن العود المنصوب لإراءة الحدّ، ثمّ استعمل في المسافة الواقعة بين الميلين المنصوبين بهذه المناسبة،

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 158

فكلامه: من انّه منار يبنى للمسافر ناظر الى أصل معنى الميل، و قوله: أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد، فمراده لا بدّ أن يكون من هذه العبارة امّا مقدار الّذي يرى بضوء البصر، أو المسافة الّتي

لا تنتهي بحد قبل الميل أعني: المسافة بين الميلين، و إلّا إن كان مراده أن كل مسافة من الأرض متراخية بالغة ما بلغت فهو الميل، فلا يمكن الالتزام به، فلا بدّ من ارجاع كلامه إمّا الى المعنى الأول، و هو قدر مدّ البصر، و أمّا بالثانى و هو منار يبنى للمسافر.

[جعل الميل عبارة عن قدر مد البصر مشكل]

و أمّا جعل الميل عبارة عن قدر مد البصر، كما يظهر من كلامه، فهو مشكل لأنّه كما قلنا في الذراع أنّه يختلف باختلاف الاشخاص من حيث الطول و القصر، كذلك يختلف مقدار مد البصر باختلاف الأبصار، فكيف يمكن جعله حدا مع هذا الاختلاف، و مقياسا للميل نعم، يمكن أن يقال: بأن الميل الّذي بيّن حده بما قلنا سابقا يمكن رؤية مقداره بالبصر أعني: يرى هذا الحدّ غالبا بالبصر، لا أن يكون مد البصر أمارة عليه، بل هذا تحديد تقريبي لما هو الحدّ الحقيقى، فالميل أعني: أربعة آلاف ذراع و ثلاثة آلاف ذراع يكون مقدار مسافة يرى بضوء البصر تقريبا، و هذا التقريب ليس حدا بل الحد الحقيقي هو ما قدم ذكره.

[في ذكر بعض الروايات الواردة فى البريد و الميل]

و أمّا ما يظهر من بعض الروايات على خلاف ما ذكر من كون الميل ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع، أو الف و خمسمائة ذراع، و هي الرواية الّتي نقل عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى الخزّاز عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «بينا نحن جلوس، و أبي عند وال لبنى أميّة على المدينة، إذ جاء أبي فجلس فقال: كنت عند هذا قبيل، فسائلهم عن التقصير، فقال قائل منهم: في ثلاث، و قال قائل منهم: في يوم و ليلة، و قال قائل منهم روحة، فسألني فقلت له: إن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 159

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: في كم ذلك؟ فقال:

في بريد، قال: و اي شي ء البريد؟ فقال: ما بين ظلّ عير الى فى ء و

عير، قال: ثمّ عبرنا زمانا ثمّ راى بنو امية يعملون أعلاما على الطريق، و أنّهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر عليه السّلام، فذرعوا ما بين ظلّ عير الى فى ء و عير، ثمّ جزّوه على اثني عشر ميلا، فكانت ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع كل ميل، فوضعوا الأعلام، فلمّا ظهر بنو هاشم غيّروا أمر بنى أمية غيرة لأنّ الحديث هاشمى، فوضعوا الى جنب كل علم علما). «1»

ففيها أن الميل عبارة عن ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع، و الرواية الّتي تدلّ على كون الميل الفا و خمسمائة ذراع، و هذه الرواية مرسلة، «2» و قد نقلها الصدوق، و ليست مسندة بسند الرواية السابقة، و على هذا قال الصّدوق بعد الرواية السابقة: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام، فما ذكر فيها من كون الميل الفا و خمسمائة ذراع إمّا اشتباه من الصدوق أو من بعض نساخ من لا يحضر، و على كل حال لا يعبأ بهذه الرواية لكونها مرسلة.

و الرواية الاولى أيضا سندها ضعيف، لكون محمد بن يحيى الخزاز ممّن يروي من بعض مشايخ الخاصّة و كذا من العامة، مضافا الى انّه قال (عن بعض أصحابنا) و لم يذكر اسم هذا البعض، فالسند ضعيف، و مع قطع النظر عن ضعف السند فنقول:

إنه يمكن أن يكون اختلاف حد الميل المذكور فيها مع حدّ الّذي قدم ذكره من أربعة آلاف ذراع أو ثلاثة آلاف ذراع، كان من باب كون الذراع المعمول في زمان أبي عبد اللّه عليه السّلام بقدر يصل كل ميل الى ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع، كما انّه يحتمل أن

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 16 من الباب

2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 160

يكون هذا موافقا مع ذراع الهاشمى، فإن مع هذا الذراع يبلغ الميل تقريبا الى هذا المقدار فليست الرواية مخالفة مع التحديد المتقدم.

و أمّا ما رواها الكلينى عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن حدّ الأميال الّتي يجب فيها التقصير، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل حد الأميال من ظلّ عير الى ظلّ و عير، و هما جبلان بالمدينة، فاذا طلعت الشّمس وقع ظل عير الى ظل و عير، و هو الميل الذي وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه التقصير» «1» فهل يكون السؤال فيها من عدد الاميال الّتي يجب القصر فيها، أو أن السائل يعلم بأن عددها أربعة و عشرون ميلا و لكن كان سؤاله عن حدها و أن مقدارها كم هو؟

و بعد ذلك هل يكون الجواب عن العدد أو عن حد الميل؟

[ما المراد من ذيل الرواية (وقع ظل عير)]

ثمّ ما المراد ممّا قال في ذيل الرواية بأنّه «فإذا طلعت الشّمس وقع ظل عير الى ظل و عير» و كيف يمكن فرض ذلك أعني فرض وقوع ظلّ عير الى في ء و عير، لانهما إن كانا متقابلين فكيف يفرض أن يكونا حين طلوع الشّمس ذا الظل، لأنّ كل واحد منهما يكون في طرف المشرق يفرض له الظل حين طلوع الشّمس الى المغرب، و أمّا الآخر فلا ففهم المراد من الرواية بحيث تطمئن النفس بصحة توجيه وجيه لها مشكل، و على كل حال لا يستفاد من هذه الرواية شي ء على خلاف ما ذكر من أهل

اللغة في بيان حد الميل حتى نأخذ به و نرفع اليد عما ذكروا في هذا المقام.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت تحديد الميل بالذراع و الاصبع.

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 161

فأعلم أنهم قالوا: بأن الاصبع سبعة شعيرات متوسطات إذا جعل بطن كل منها على ظهر الآخر.

و الشعير حدد بأنّه سبعة شعرات من شعر البرذون، فظهر لك ممّا مرّ حد الفرسخ و البريد و الميل الوارد في بعض روايات الباب، فأفهم.

المسألة الخامسة:
اشارة

بعد ما عرفت بأن المسافر يجب عليه القصر إذا بلغ سفره مسافة توجب القصر فيها فيقع الكلام في أمرين:

الأمر الأول: إذا شك في مسافة بأنها هل تبلغ بالحد السفر الموجب للقصر أعنى ثمانية فراسخ مثلا أم لا، فهل يجب الإتمام أو القصر؟

الأمر الثاني: يقع الكلام في أنّه هل جعل طريق لكشف الحد المجعول في السفر للقصر أم لا؟

أمّا الكلام في الأمر الأوّل:

فنقول: قال صاحب الجواهر رحمه اللّه يجب في صورة الشّك في بلوغ المسافة بحد القصر و عدم بلوغه، الاتمام و اكتفى في وجه ذلك بقوله (للأصل) و لم يذكر غير ذلك شيئا. «1»

[اصالة عدم وجوب القصر لا يثبت وجوب الاتمام]

و قال الهمداني رحمه اللّه في مصباح الفقيه بوجوب إتمام الصّلاة: لأصالة عدم تحقق الموجب للقصر فيجب إتمام الصّلاة، و بين اشكالا في جريان هذا الأصل و أجاب عنه.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 14، ص 204.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 162

أمّا الاشكال فحاصله يرجع الى أن هذا الأصل انما يثبت به عدم وجوب القصر، لأنّ أثر هذا الاستصحاب ليس إلا عدم وجوب القصر، و هذا لا يثبت وجوب الإتمام، لأنّ اثبات وجوب الإتمام بهذا الأصل لا يصح إلّا بناء اعلى الأصل المثبت، لأنّ وجوب الإتمام مبني على عدم كون المسافة ثمانية فراسخ، و الأصل لا يثبت هذا اللازم إلّا على القول بالاصول المثبتة و لم نقل به، فمن إجراء أصالة عدم تحقق موجب القصر لا يمكن اخذ النتيجة لوجوب الإتمام.

و أما الجواب فهو أن مقتضى عمومات أدلة التكاليف وجوب الإتيان بصلوة الظهر مثلا أربع ركعات على كل مكلف، فالصّلاة المتعلقة بهم أولا و بالذات هي أربع ركعات، و بعد ورود الدليل بوجوب القصر في السفر خصص هذه العمومات بالمسافر، فتكون الصّلاة الظهر واجبة

على كل مكلف أربع ركعات إلّا لمن يصير مسافرا، و تحقق هذا الأمر الوجودي بالنسبة إليه اعني صار مسافرا.

و إذا شكّ في مورد في تحقق هذا الأمر الوجودى و عدمه، فحيث لم سابقا و كانت حالته السابقة العدم، فيستصحب في حال الشّك عدم تحقق هذا الأمر الوجودي أعني: السفر، و بعد استصحاب عدم حصول موجب السفر، فيجب عليه الاتمام بمقتضى العمومات الدالة على وجوب الإتمام، لأنّ ما خرج من هذه العمومات ليس إلّا من كان مسافرا، و بعد نفى هذا بالاصل بعدمه، فيجب عليه الإتمام لكون الشخص مكلفا بمقتضى العمومات باتيان الصّلاة أربع ركعات، و لم يكن خارجا عن العام و داخلا في حكم الخاص للأصل.

و ليس تنجز التكليف بالاتمام موقوفا على احراز أن السفر الصادر منه لم يبلغ حدّ المسافة حتى كان اللازم احراز هذا القيد العدمي أعني: عدم كون سفره بالغا الى

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 163

حدّ المسافة و لو بالأصل.

بل موضوع وجوب الاتمام ليس إلّا المكلف بلا شرط عنوان آخر إلّا إذا سافر بسفر بالغ الى حد مخصوص مجعول من الشارع، فبعد عدم حدوث ذلك أعني موضوع التخصيص بالأصل لما قلنا من أصالة عدم تحقق موجب القصر، فيجب الاتمام لوجود موضوعه و هو المكلف، و لارتفاع ما يمكن أن يكون مانعا في صورة الشك بالأصل، لأنّ السفر البالغ الى الحد المجعول كان رافعا للحكم المجعول من الإتمام على كل مكلّف، فاذا شك في أصل وجود هذا الرافع، أو في رافعية الموجود مثل ما نحن فيه، لأنه لم يدر المسافر بأنّه هل وجد الرافع أم لا، فبالاصل يحكم بعدم كون الموجود رافعا، فيترتب حكم العام بلا مانع فيجب الإتمام في الفرض.

و هذا

ليس من باب التمسك بالعام في الشبهات المصداقية حتى يقال بعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية. «1»

لأنّا لم نقل: بأن ما شك في فرديته للعام أو الخاص يدخل تحت العام بمقتضى نفس العام، لأنّ هذا غير تام عندنا.

بل نقول: إن ذلك يكون ببركة الأصل، فما قلنا يكون من باب إحراز فردية العام في فرد بالأصل العملي، فيحرز بالأصل موضوع العام، ثمّ يشمله حكم العام كما أنّه إذا كان زيد سابقا عادلا ثمّ شككت في بقاء عدالته، فلا يحكم بنفس (اكرم العلماء) بوجوب اكرامه، لأنّ ذلك تمسك بالعام في الشبهات المصداقية، و لكن بعد كون حالته السابقة العدالة فببركة الاستصحاب تحكم بعدالته، فيشمله عموم (اكرم

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 725.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 164

العلماء) و ليس دليل التخصيص أعني (لا تكرم الفساق) مانعا عن ذلك لارتفاع المانع بالاصل.

[ليس العام معنونا بعنوان وجودى]

و لا يخفى عليك أن هذا الأصل يجري في المقام، و أثره وجوب الإتمام، و ليس مثبتا حتى على ما اخترنا في الاصول من أن الخاص إذا كان معنونا بعنوان وجودي يصير سببا لتعنون العام بعدم هذا العنوان الوجودي.

لأنه بعد كون تعنون العالم بهذا العنوان العدمي من باب تعنون الخاص بعنوان وجودي، فليس شمول العام لأفراده إلّا في ما لم يكن هذا العنوان الوجودى الّذي تعنون العام بعدمه، فبعد جريان الأصل و اثبات عدم وجود هذا العنوان، فيؤثر العام أثره لحصول عنوانه العدمي بعدم وجود الخاص بالأصل و وجود موضوعه.

ففي المقام يكون أيضا كذلك، لأنّه بعد كون لسان العام هو وجوب إتيان صلوات الرباعية أربع ركعات، و بعد ورود الخاص يكون هذا الحكم مختصا بمن لم يسافر، فلم يعنون العام الا بعدم كون المكلف مسافرا، فبعد

استصحاب عدم تحقق ما هو موجب للقصر، فالعام يؤثر أثره لوجود موضوعه، فتجب أربع ركعات بمقتضى العمومات و ارتفاع المانع أعني: احتمال وجود الخاص بالأصل.

و لم يكن العام معنونا بعنوان وجودي كالخاص، حتى يكون إحراز موضوعه أيضا محتاجا الى الأصل، لأنّ لسان أدلة وجوب القصر على المسافر هو التخصيص بالنسبة الى العمومات الاولية الدالة على وجوب الاتيان بأربع ركعات في الظهر و العصر و العشاء، و لسان الخاص ليس الا وجوب القصر على من كان من المكلفين مسافرا، فاذا ارتفع موضوع حكم وجوب القصر في صورة الشّك في حصول موضوعه و عدم حصوله بالاصل، فموضوع حكم العام، و هو المكلف، محفوظ فالعام

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 165

يؤثر أثره و يحكم بوجوب الاتمام في موضوعه.

[لسان آية القصر الحكومة]

بل يمكن أن يقال: بأن لسان الآية الشريفة وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الخ «1» هو لسان الحكومة، لأنّ الفرق بين التخصيص و الحكومة هو انّه في الحكومة، لو لم يكن دليل المحكوم في البين يكون دليل الحاكم لغوا، لأنّ الظاهر منه النظر الى دليل المحكوم، و التصرف فيه بالضيق أو السعة كما ترى من مواردها، مثلا إذا قال (لا سهو لكثير السهو) فلا بدّ و أن يكون دليل آخر في البين دال على ثبوت حكم للسهو حتى كان قوله (لا سهو لكثير السهو) في محله و إلّا فلو لم يكن مطلق السهو محكوما بحكم، فلا معنى لأنّ يقال: ليس حكم الثابت للسهو لمن كثر سهوه، بخلاف التخصيص فلأن الخاص لا يكون لغوا و لو لم يكن في البين دليل آخر، فقوله (لا تكرم الفساق) حكم غير ناظر الى دليل آخر، و لا

يكون بلا مورد و لو لم يكن في البين (أكرم العلماء) فعلى هذا نقول: إن ظاهر الآية هو وجوب القصر- بعد كون المراد من (لا جناح) هو الوجوب- و لا معنى للأمر بالقصر إلّا إذا كان حكم على الإتمام من قبل الشارع أولا حتى تكون الآية أمرا على القصر فيه، فالآية ناظرة الى وجوب القصر من الصّلاة الّتي تكون طويلة، و هذا القصر بعد كونه في الكم، فالكم الأولى لا بدّ و أن يكون اطول حتى يصح الأمر بالقصر فيها، فالمجعول أولا لا بدّ و أن يكون على كل مكلف هو أربع ركعات، و هذه الآية أمر بالقصر منها ركعتين، فلسان الآية يكون لسان الحكومة.

فاذا كان لسان الآية الحكومة، فنقول: بأن الصّلاة المجعولة أولا لكل مكلف هي أربع ركعات، ثمّ بمقتضى الآية و النصوص يجب القصر للمسافر، فاذا شك أحد

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 101.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 166

في كونه موضوعا لحكم التقصير أم للتمام، من باب كونه شاكا في حصول موضوع وجوب القصر و عدمه، فبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم تحقق موضوع السفر، فالحكم الأولي المجعول لكل مكلف و هو الإتمام، يثبت في حقه، و ليس موضوع الحكم الأوّل معنونا بعنوان وجودي أو عدمى حتى يقال أن الأصل لا يثبت ذلك.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 1، ص: 166

و على ما قلنا من كون لسان دليل التقصير هو الحكومة، فلا مجال لأنّ يقال: إن المجعول الأولي له فردان: فرد منه التقصير و موضوعه أمر وجودي و هو المسافر، و فرد منه الاتمام و موضوعه أيضا أمر وجودى و

هو من كان حاضرا، فعلى من كان موضوعا للأول يجب القصر، و على من كان موضوعا لفرد الثاني يجب الإتمام، فبعد تعنون كل من الموضوعين بعنوان وجودي، فاصالة عدم تحقق أحد الموضوعين لا يكفى لاثبات موضوع الآخر حتى يشمله عموم دليله إلّا على القول بالأصول المثبتة.

لما قلنا من أن العام ليس معنونا بعنوان وجودى و لا عدمي، بل وجوب الإتمام تعلق بنفس المكلفين بدون تقيد موضوعه بكون المكلف حاضرا، و لسان دليل القصر سواء كان بلسان التخصيص أو الحكومة صار معنونا بعنوان وجودي و بعد الحكم بعدم تحقق هذا العنوان الوجودي بالاصل في مورد الشّك فيأثر العام اثره.

و لو على ما قلنا في الأصول بأن تعنون الخاص بعنوان وجودي، موجب لتعنون العام بعنوان عدمى أعني: عدم هذا العنوان الوجودي، لأنّ تعنون العام بعنوان عدمي بعد كونه من باب تعنون الخاص بعنوان وجودي، فليس العام معنونا الا بعدم هذا العنوان الوجودي، فاذا جرى اصالة عدم تحقق هذا العنوان الوجودي لكونه مسبوقا بالعدم، فلا يبقى للعام هذا العنوان العدمي، بل هو أيضا مرتفع بالأصل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 167

فيبقى نفس موضوع العام و يؤثر العموم أثره فيجب الإتمام في صورة الشّك. «1»

[الطرق لكشف كون المسافة بالغة حدّ القصر]
اشارة

الأمر الثاني: في الطرق الّتي قيل أو يمكن أن يقال بكونها طريقا لكشف كون المسافة بالغة حدّ المسافة الموجبة للقصر:

الأوّل منها: العلم

و لا إشكال في كونه طريقا، لأنّ به يحرز الواقع، فمع حصول العلم يدري العالم بأن سفره السفر الّذي يجب فيه القصر.

الثاني منها: البينة
اشارة

و لا يخفى عليك أن بها تثبت المسافة إذا كانت شهادتها

______________________________

(1)- أقول: اعلم أن في صورة الشّك في كون المسافة بحد المسافة الموجبة للقصر و عدمه، لا اشكال في جريان الأصل، و لا إشكال في وجوب الاتمام، لأنه و لو صار عامنا معنونا بعنوان عدم ما عنون به الخاص، بل و لو عنون بعنوان وجودي أيضا، و لكن هذا العنوان العدمي أو الوجودي يكون له حالة سابقة، لأنّ قبل الشّك كان الشخص موضوعا لحكم وجوب الاتمام، فيستصحب الموضوع فيترتب الحكم على الموضوع، و هو وجوب الإتمام، و هذا لا كلام فيه.

إنما الكلام في أن ما أفاده- مدّ ظلّه- من انّه و لو قلنا في الاصول بأن الخاص إذا كان معنونا بعنوان وجودي فيعنون العام بعنوان عدم هذا العنوان الوجودي، و لكن مع ذلك باصالة عدم تحقق عنوان الخاص نجرى حكم العام لإحراز موضوعه باجراء أصالة عدم تحقق موضوع الخاص، لأن عنوان العدمي في العام كان من باب تعنون الخاص بعنوان وجودي، فاذا ارتفع هذا العنوان الوجودى بالأصل فيرتفع عنوان العدمى الّذي كان في العام أيضا.

لا نفهم تماميته و عندى يكون مورد الإشكال، لأنّ ما افاده مد ظله في الأصول كان حاصله راجعا الى أن العام بعد التخصيص يصير معنونا، و يكون التخصيص بحسب إرادة الجدية و اللب كالتقييد، فاذا كان كذلك فبعد ورود التخصيص في محل الكلام صار العام مقيّدا لبا، فاذا كان كذلك فأصالة عدم حصول موضوع الخاص لا تثبت وجود موضوع المقيد لحكم العام، فلا بدّ من إحراز ذلك إما

بالوجدان أو بالاستصحاب، و قلنا بأن موضوع العام حيث كان متيقنا سابقا فنستصحب بقائه فيترتب حكم العام و هو وجوب الإتمام، و موضوع الخاص أيضا باق على ما كان عليه سابقا من العدم بمقتضى استصحاب عدم تحقق موجب القصر، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 168

مستندة الى الحس لا الحدس نعم، بناء على انحصار حجّيتها في خصوص فصل الخصومات و عند الحاكم، فلم تكن حجة في ما نحن فيه، لأنّه على هذا تكون حجّيتها منحصرة بباب فصل الخصومات، ففي الموضوعات إذا قامت البينة عند الحاكم فيأخذ بها مثلا إذا قامت البينة على رؤية الهلال عند الحاكم يأخذ بها على هذا و أمّا إذا قامت عند نفس الشخص فلا يمكن له الأخذ بها.

[دليل حجيّة البيّنة في ما نحن فيه]

و لكن على ما هو التحقيق، كما يستفاد من بعض الأخبار مثل رواية «1» مسعدة، هو حجية البينة مطلقا.

مضافا الى انّه يمكن الاستدلال لعموم حجيتها في كل الموضوعات، سواء كان اقامتها عند الحاكم و في خصوص فصل الخصومات أم عند نفس الشخص، بامر آخر، و هو أن يقال: بأنّا نرى في الفقه أن بعض الاحكام تتعلق ببعض الموضوعات، و هذا النحو من الاحكام و إن كان بحسب الظاهر متعلقا بموضوعات خاصة، و لكن بعد ما عرض على العرف يرون أن ليست لهذه الموضوعات دخالة بحيث يكون في نفس هذه الموضوعات خصوصية خاصة موجبة لتعلق هذه الاحكام بها، لما يرى من عدم خصوصية لهذه الموضوعات في موضوعيتها لهذه الاحكام، و يحصل لنا القطع بذلك، فنكشف كشفا قطعيا بأن المناط في موضوعية هذه الموضوعات لهذه الاحكام أمر آخر غير خصوصية هذه الموضوعات، فلو كان هذا المناط الّذي استكشفناه و حكم العرف بكونه هو مناط الحكم

قطعا في موضوع آخر، فنستكشف بكون هذا الحكم ثابتا لهذا الموضوع، و نسمى ذلك بتنقيح المناط القطعى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 12، ص 60، ح 4.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 169

مثلا إذا قال (الرجل إذا شك بين الثلاث و الاربع فيجب عليه البناء على الاربع) فهذا الحكم و إن كان موضوعه هو الرجل، و لكن نعلم بعدم خصوصية للرجولية، و لا دخالة لها في هذا الحكم، و لذا نقول بأن المرأة مثل الرجل في هذا الحكم، و هذا غير القياس الّذي اثبتنا في الاصول عدم حجيته، لأنّ هذا تنقيح مناط قطعي لا الظنّ القياسي.

و كذلك نرى في الفقه ثبوت حكم لموضوع، و إذا تفحّصنا نرى ثبوت هذا الحكم لموضوع آخر، و هكذا نرى ذلك في كثير من الموارد الّتي تفحصنا من أن الشارع اثبت هذا الحكم، فنكشف من ذلك أعني: من كون هذه الموارد محكوما بهذا الحكم بعد الاستقراء و التفحص كشفا قطعيا، بأن هذا الحكم كان ثابتا من الشارع في كل مورد، و هذا غير استقراء المصطلح عند المنطقيين، بل هذا يكون من باب حصول القطع، و من طعن بنا و بالفقهاء رضوان اللّه عليهم بأنّهم يعملون بالقياس و الاستقراء، فليس طعنه إلّا من باب جهله، و عدم اطلاعه، و عدم فهم مرادهم، و عدم استشمامه رائحة الفقاهة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن البينة من الامور الّتي نرى جعلها في موضوعات كثيرة، كما يظهر لك بمجرد التفحص في الفقه، فنكشف من جعلها حجة في موضوعات كثيرة بأنها حجة في الموضوعات مطلقا، فعلى هذا نقول: بأن البينة حجة في المقام، فلو قامت البينة على أن المسافة الفلانية تبلغ بثمانية فراسخ مثلا، فتكون حجة و يجب اتباعها، و

إتيان الصّلاة قصرا في هذه المسافة إذا اجتمع للمسافر شرائط السفر و لو لم تكن شهادتها عند الحاكم.

[من الطرق الشياع]

الثالث منها: الشياع، و لا يخفى عليك أن الشياع ليس بنفسه طريقا إلّا إذا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 170

حصل منه العلم، فعدّه بنفسه من الطرق الّتي يستكشف بها الواقع لا وجه له، حجية، إن كانت في ظرف حصول العلم، فالعلم طريق من أى سبب حصل.

الرابع منها: الاطمينان

، و يعبّر عنه بالعلم العادي و العلم العرفي.

فان كان المراد بأنّه العلم العرفى، بأنّ العرف يقولون بما ليس بالعلم: إنه العلم و لهذا يكتفى به، فهو غير تام لأنّ مرتبة الكشف إن بلغ بمرتبة لا يحتمل معه الخلاف فهو العلم و إلا فلا.

و إن كان المراد انّه يحصل للناس في بعض الموارد ظن متاخم للعلم بحيث يكون احتمال خلافه ضعيفا عندهم، بحيث عدّت هذه المرتبة علما عند العقلاء و يترتبون عليه آثار العلم، و الشارع- مع ما يرى أن طريقة العقلاء على الاخذ به، و ترتيب اثر العلم به- إن كان طريقته، غير طريقتهم و لم يكتف بهذه المرتبة المسماة عند العقلاء بالعلم، لكان اللازم عليه البيان، فمن عدم بيانه نكشف امضائه طريقة العقلاء، أو يكون عدم ردعه كاف، بناء على الكلام في ذلك المذكور في محله، فيمكن أن يقال بهذا النحو باعتبار الاطمينان.

الخامس منها:

كون مطلق الظن حجة في ما نحن فيه، و هذا راجع الى ادعاء انسداد باب العلم في خصوص المورد، و هذا هو المعبّر عنه بالانسداد الصغير.

بدعوى أن باب العلم بالمسافة منسد غالبا، لعدم امكان تحصيل العلم أصلا في أغلب المسافات إلا في بعض المسافات البعيدة الّتي يعلم المسافر بأنّها تبلغ حد الشرعي، مثل من اراد السفر من قم الى مشهد، و الّا في نوع المسافات القصيرة يكون تحصيل العلم بكون المسافة بالغة الى الحد الشرعي و عدمه متعسر، و لا يكون طريق شرعي كالبنية المنتهية الى الحس و الاطمينان على فهم المسافة و كشف

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 171

واقعها، فيكون باب العلم و العلمي منسد غالبا.

و لا اشكال في عدم وجوب الاحتياط، و يكون الاحتياط خلاف مصلحة جعل القصر

في السفر، لأنّ مصلحة التقصير كانت التخفيف على المسافر لكونه في مشقة السفر، فلو وجب عليه الاحتياط في موارد المشكوكة مع كون هذه الموارد كثيرة بين القصر و الإتمام، فيصير تكليفه أشق من الحاضر و اثقل منه، فمن هنا نكشف عدم جعل وجوب الاحتياط في حقّه.

و لا إشكال أيضا في عدم المجال لاجراء أصالة عدم تحقق موجب القصر في كل هذه الموارد المشكوكة في بلوغها حد المسافة و عدمه، لأنّ هذا أيضا يوقع الشخص في خلاف الواقع، و بعبارة اخرى يستلزم الخروج من الدين، فلا بدّ من العمل بالظن، فمتى حصل له الظن من أى سبب كان ببلوغ المسافة بحد المسافة الموجبة للقصر يجب الاخذ به.

و يؤيّد ما ذكرنا ما ورد في أخبار الباب من جعل الحد البريدين، أو ثمانية فراسخ، او أربعة و عشرين ميلا، و وجوب القصر في المسافة البالغة بهذه الحدود بتفصيل المتقدم ذكره، و الحال أن البريدين، أو ثمانية فراسخ، أو أربعة و عشرين ميلا عند العرف و بحسب الخارج ليس عبارة عن البريدين، أو ثمانية فراسخ، أو أربعة و عشرين ميلا الّذي علم كونها بهذه الموازين واقعا بحيث كانت هذه الحدود اسماء لما علم كونه بريدين أو ثمانية فراسخ أو أربعة و عشرين ميلا، و يعدّون المسافات بالغة الى هذه الحدود في ما حصل لهم الظن ببلوغها إليها، لأنّ العرف لم يحاسبوا المسافات الّتي يعدونها ثمانية فراسخ، أو البريدين، أو أربعة و عشرين ميلا بالدقة حتى يكونوا عالمين بكون هذه المسافات الخارجية بالغة بهذه الحدود.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 172

فبعد عدم كون خارجية هذه المقادير، و تطبيقها على بعض المسافات إلّا حصل لهم الظن لا العلم، فجعل الشارع القصر في

ثمانية فراسخ، أو أربعة و عشرين ميلا، أو البريدين مع عدم تعيين نحو مخصوص و كيفية خاصة غير ما هو المرتكز عند العرف، و ما هو وضع هذه الأمور خارجا ليس الا فيما يحصل الظن ببلوغ المسافة الى ثمانية فراسخ أو البريدين أو أربعة و عشرين ميلا، فيكون الميزان في وجوب القصر هو حصول الظن ببلوغ مسافة الّتي أراد المسافر أن يسيرها الى ثمانية فراسخ او البريدين أو أربعة و عشرين ميلا. «1»

المسألة السادسة:
اشارة

إذا شك في مسافة في أنها هل تبلغ بمسافة يجب فيها القصر أولا، فهل يجب الفحص عن بلوغها حد المسافة و عدم بلوغها، أولا يجب

______________________________

(1)- أقول: أن كان الامر كما افاد مدّ ظله في وجه التأييد على اعتبار مطلق الظن، فتكون النتيجة على خلافه.

أمّا أولا فلان مقتضى ما جعله مؤيّدا لمطلبه هو لزوم الاخذ بما هو ثمانية فراسخ او ازيد أو أقل في نظر العرف خارجا، لأنّ موضوع حكمه هو ما يكون خارجا عندهم ثمانية فراسخ و أربعة فراسخ، و ليس لازم ذلك التنزل الى مطلق الظن، بل لازمه الرجوع الى ما هو المتعارف خارجا.

بل نقول: بأنّه على هذا يكون تشخيص ذلك اعنى: ما هو المتعارف خارجا ممكن للشخص بطريق العلم أو العلمى، فلا تصل النوبة الى الاخذ بمطلق الظن.

و أمّا ثانيا إن غاية ما في الباب هو لزوم التنزل الى الظن الحاصل من تعيين العرف خارجا في التحديدات، مثلا إذا رأى أن عند العرف تكون مسافة ثمانية فراسخ أو ازيد أو أقل و حصل له الظن من بنائهم على كون المسافة كما قالوا، فيجب الاخذ بخصوص هذا الظن لا مطلق الظن.

و أمّا ثالثا إن الاخذ على تقدير كون موضوع حكم

الشارع هو ما تكون مسافة عند العرف، فما تكون مسافة عند العرف فهو موضوع حكم الشارع، لا أن يكون موضوع حكمه أمرا آخر، و يكون قولهم طريقا ظنيا إليه، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 173

الفحص، بل يجوز بمجرد الشّك في بلوغها بالمسافة الموجبة للقصر اجراء الأصل أعني: استصحاب عدم بلوغها حد القصر و اتمام الصّلاة.

[في وجوب الفحص او عدم وجوبه]

فهل نقول في صورة الشك: بعدم وجوب الفحص و جواز إجراء الأصل و الاخذ بمؤداه و لو قبل الفحص، أو نقول: بعدم جواز إجراء الأصل قبل الفحص مطلقا، أو نقول: بالتفصيل بين ما إذا كان الفحص متعسرا أو كان موجبا للحرج، فلا يجب الفحص في هذا الفرض و يجرى الأصل، و بين ما إذا لم يكن الفحص حرجيا، فيجب الفحص.

أمّا وجه عدم وجوب الفحص، فهو أن المقام يكون من قبيل الشبهات الموضوعية و فيها لا يجب الفحص.

أمّا أوّلا فلأنّ أدلتها مطلقة، و لم يقيّد جواز إجرائها بحسب أدلتها بأن يكون بعد الفحص.

و أمّا ثانيا فلأن المستفاد من بعض الروايات هو التصريح بعدم وجوب الفحص مثل أحد روايات زرارة «1» المتمسك بها لاستصحاب بعد ما سئل السائل عن لزوم الفحص و عدمه قال: «و لكنّك إنما تريد أن تذهب بالشّك الّذي وقع من نفسك» فالمستفاد منها عدم وجوب الفحص و لو كان شاكا، و من الموارد الّتي كان السائل متمكنا من الفحص و اطلق الشّك عليه في هذه الرواية في هذه الفقرة لأنه قال «إنما تريد أن تذهب بالشك» فمع اطلاق الشّك على هذا المورد مع تمكنه من الفحص لأنه يمكن له النظر و رفع شكه، و لكن مع ذلك ما وجب عليه الفحص

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام، ج 1، ص

421، ح 8.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 174

فيستفاد من هذه الرواية عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية «1».

[قال الشيخ بوجوب الفحص من باب الاجماع الإجمالى بكون تكليفه مرددا بين القصر و الاتمام]

و أمّا وجه وجوب الفحص مطلقا فما يمكن أن يكون وجها له أمور:

الامر الأوّل: ما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه على ما في صلاته فهو قال: «و هل يجب الفحص أم لا وجهان من أصالة عدم اعتبار الفحص في موضوعات الاحكام، و من تعلق الحكم بالقصر على المسافة النفس إلا مرية، فيجب لتحصيل الواقع عند الشك إمّا الجمع و إمّا الفحص، و الأوّل منتف هنا إجماعا فتعين الثاني».

و حاصل كلامه في وجه وجوب الفحص يرجع الى انّه بعد كون حكم القصر معلّقا على المسافة الواقعية، فإذا شك الشخص في أن المسافة تبلغ الى ما هو موضوع للقصر واقعا أم لا، فحيث يعلم اجمالا التكليف المردد بين الاتمام و القصر، فيجب عليه إمّا الجمع بين اتيان صلاة إتماما و اتيان صلاة قصرا، و إمّا الفحص، و حيث لا يجب الجمع إجماعا فيجب عليه مع هذا العلم الاجمالى الفحص عن مقدار المسافة.

و فيه: إن ما قاله: من أن وجوب القصر معلق على المسافة البالغة بحد معين واقعا و في نفس الأمر و إن كان صحيحا، و لكن ما قاله: من انّه بعد العلم الاجمالى يجب عليه إمّا الجمع و إمّا الفحص، فإن كان مراده انّه يجب عليه إمّا الجمع معيّنا و إمّا الفحص معيّنا فنقول: إنه و لو صح ما قال على هذا بعده، بأن الأوّل منتف بالاجماع أعني: لا يجب الجمع بين الإتمام و القصر بالوجوب التعييني، و لكن ليس لازم عدم وجوب الجمع بالوجوب التعييني عدم جواز الجمع، بل يجوز له الجمع بين

______________________________

(1)- أقول: فلا

مجال لأنّ يقال: بأنّه مع التمكن من الفحص لا يطلق الشاك على الشخص و الشك على المورد، لأنّ في الرواية مع فرض حمل الشّك على المورد قال: بعدم وجوب الفحص و نفهم عدم انصراف الشّك من مورد التمكن من الفحص. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 175

القصر و الإتمام و لو فرض عدم وجوب الجمع عليه تعيينا.

و إن كان مراده من قوله (فيجب إمّا الجمع و إمّا الفحص) أن المكلف الشاك يجب عليه بالوجوب التخييري إمّا الجمع عليه و إمّا الفحص، و معناه جواز الجمع عليه و جواز الفحص عليه، فما قال بأن الأوّل منتف بالاجماع ليس في محلّه، لأنّه لم يقم اجماع على عدم جواز الجمع و الاحتياط بين القصر و الإتمام.

ثمّ بعد ذلك كله لا يتم كلامه لأنّ ما قال: من أن مقتضى العلم الاجمالى إمّا الجمع أو الفحص، فلا بدّ له من الفحص بعد الاجماع على عدم وجوب الجمع.

ففيه: إنّه لم يجب عليه الفحص و إنّ هذا أول الكلام، لأنه لو كان مجال لاجراء الأصل فينحل العلم الاجمالي، لأنّ في أحد طرفيه يكون الأصل بلا معارض، و هو استصحاب عدم حصول موجب القصر، فلا يفيد هذا الوجه وجوب الفحص نحن فيه.

الامر الثاني: دعوى عدم الاطلاق لادلة الأصول بالنسبة الى حال قبل الفحص.

و فيه: إن أدلتها مطلقة خصوصا مع التصريح في بعض الأخبار بعدم لزوم الفحص مثل ما في صحيحة زرارة «1» بعد سؤال السائل من انّه هل يجب الفحص لا قوله «لا و لكنّك إنما تريد أن تذهب بالشّك الّذي وقع من نفسك» و غيرها.

الامر الثالث: دعوى انصراف أدلة الاصول لما قبل الفحص بأن يقال: إن أدلتها منصرفة عن حال قبل الفحص.

______________________________

(1)- تهذيب

الاحكام، ج 1، ص 421، ح 8.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 176

و لا يخفى أن هذه الدعوى مشكل أيضا، فلا يمكن أن يقال: بوجوب الفحص لأجل هذه الوجوه، فما ينبغى أن يقال في هذا المقام:

[القول بوجوب الفحص و عدم وجوبه مطلقا مشكل]

إنّ الالتزام بعدم وجوب الفحص مطلقا في الشبهات الموضوعية، حتى في الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، يكون مشكلا، لأنّ لازمه الالتزام بما لا يمكن الالتزام به، مثلا من شك من أن غلّته بلغت بحد النصاب أولا، مع تمكنه بالسهولة عن الفحص بالكيل و الوزن حتى يزول شكّه، و يعلم ببلوغ الغلة مقدار النصاب و عدم بلوغها، فلا يتفحّص و يجري أصالة عدم بلوغها مقدار النصاب، فلم تجب عليه الزكاة، أو من شك في انّه مستطيع أم لا و الحال انّه يمكن له الفحص و فهم ذلك بمجرد الرجوع الى دفتره، فلا يتفحص و يجرى اصالة عدم كونه مستطيعا و يستريح، فهل يمكن الالتزام بذلك، فهذا محظور الالتزام بعدم وجوب الفحص.

و إن الالتزام بوجوب الفحص مطلقا مشكل أيضا بمقتضى هذه الوجوه الثلاثة المتقدمة، لعدم تمامية هذه الوجوه، فهل يمكن الالتزام بوجوب الفحص بوجه آخر أم لا؟

فنقول: إن في أمثال الحقوق المالية و الديون، و كذا في مثل الاستطاعة و نظائرها بعد ما كشفنا مذاق الشارع باهتمامه بهذه الأمور و عنايته بحفظ حقوق الناس، و وقوع هذه الأمور على منوال صحيح، و جريانها في مجاريها الصحيحة الواقعية، و نرى أن اجراء الاصول قبل الفحص موجب لمخالفة الواقع كثيرا، مثلا من شك في انّه هل يكون مديونا لزيد أم لا، أو وجب عليه الزكاة أو الخمس أم لا، أو كان مستطيعا و وجب عليه الحج أم لا، و كان له دفاتر منظمة مرتبة بحيث

يزول شكه بمجرد النظر الى دفاتره، و يكشف له حقيقة الحال بدون تكلف و زحمة، فهل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 177

يجوز قبل الفحص و المراجعة بالدفتر إجراء البراءة، أو استصحاب عدم الدين، أو عدم وجوب الزكاة أو الخمس أو الحج، و تستريح نفسه، أو ليس الأمر كذلك، بل يجب أولا الفحص فإن بلغ أمره بالفحص على طرف من الوجود و العدم فهو، و إن بقي شكه فله أن يجري الأصل، و يأخذ به و يرتب آثاره.

ففي أمثال هذه الأمور لا يجوز إجراء الأصول قبل الفحص، و إلّا يلزم فقه جديد، بل بقول بعض يلزم الخروج من الدين، هذا ما يمكن أن يقال: وجها لوجوب الفحص في أمثال هذه الأمور.

و أمّا في غير هذه الأمور بحيث يكون اللازم الفحص مطلقا و لا يجوز إجراء الأصول قبل الفحص، فلا يتم هذا الكلام، فعلى هذا نقع في محل الكلام و أمثاله في الإشكال في وجوب الفحص و عدمه، و إن كان لا يبعد دعوى انصراف أدلة الأصول في الشبهات الموضوعية عن بعض موارد الشك، مثل ما إذا امكن زوال الشك بفحص مختصر كالنظر الى اليد مثلا إذا شك في وقوع الدم عليها، و لكن مع كون مورد صحيحة زرارة نظير هذا المثال و لم يجب فيه الفحص مع سهولة النظر الى الثوب و ازالة الشك، فمع امكان الفحص و رفع الشّك بسهولة اطلق عليه السّلام عليه بقوله:

«إنّما تريد أن تذهب بالشك» و مع ذلك لم يوجب الفحص، فالحكم بوجوب الفحص مشكل.

المسألة السابعة:
اشارة

بعد ما عرفت من كون القصر واجبا في المسافة البالغة بالحدّ المذكور سابقا، فيقع الكلام بعد ذلك في أن مبدأ هذه المسافة يعتبر في أي موضع.

[مبدأ المسافة مورد البحث هل هو من منزله او من بلده او من حد الترخص]

فهل الاعتبار في مبدأ هذه المسافة بمنزل شخص المسافر أعني: من بيته بمعنى

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 178

أنّه إذا خرج من منزله للسفر فيحتسب ابتداء المسافة من منزله، فعلى هذا إذا ذهب مثلا ثمانية فراسخ من منزله، فقد سافر و ذهب مسافة التقصير.

أو تكون العبرة ببلة المسافر أو قريته، بمعنى أن من قصد السفر و كان البعد بين خارج سور بلده- أعني: آخر نقطة من بلده أو قريته- و بين مقصده ثمانية فراسخ مثلا فقد قصد السفر الموجب للقصر و يجب عليه القصر، و إلّا فلا.

أو يكون الاعتبار في مبدأ السفر من محل الترخص أعني مبدأ السفر يحسب من حد الترخص، فمن كان البعد بين محل ترخصه و بين مقصده بقدر المسافة الشرعية ذهابا، أو ايابا و ذهابا فيجب عليه القصر، و إلّا فلا.

اعلم أن من راجع كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم لا يرى الى ما قبل زمان العلّامة و الشهيد الأوّل تعرضا لهذه المسألة، بل ما يكون في كلماتهم ليس إلّا التعرض لأصل المسألة أعني اعتبار كون المسافة ثمانية فراسخ، و لا تعرض لهم بأن مبدأ هذه المسافة يكون من أي موضع، و لكن ما يظهر من بعض كتب العلّامة رحمه اللّه و بعض كتب الشهيد رحمه اللّه هو التعرض لهذه المسألة، و قالا: بأنّه يعتبر مبدأ السفر من البلد، ثمّ بعد ذلك يظهر من كلمات بعض من الفقهاء التعرض لهذه المسألة، فعلى هذا لا مجال لدعوى الإجماع أو الشهرة في طرف في هذه المسألة، لما قلنا

من عدم تعرضها في كلمات القدماء حتى يكون مجال لدعوى الشهرة أو الإجماع، فبعد عدم الاجماع و الشهرة بالنسبة الى أحد الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، فنحن و ما يقتضي نظرنا بمقتضى الفقاهة.

و الحق هو كون المبدأ في اعتبار المسافة بلد المسافر أو القرية في من يكون في البلد أو القرية، و من يكون منزله كوخا أو خيمة كبعض الأعراب فمبدأ سفره هو

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 179

خارج كوخه و خيمة.

فنقول: أمّا وجه كون مبدأ السفر لمن يكون في البلد أو القرية هو خارج البلد، و خارج القرية هو أن ما ورد من الشرع هو جعل القصر للمسافر الّذي كان سيره في المسافة المحدودة، و بيّن حد السفر الموجب للقصر، فاثبت الشارع هذا الحكم أعني: وجوب القصر للمسافر، فكلما حصل موضوع المسافر يكون هذا الحكم ثابتا له، و بعد عدم تعرض روايات الباب لما هو مبدأ السفر حتّى يعتبر المسافة المعينة من هذا الموضع، فلا بدّ من الرجوع الى العرف في تعيين مبدأ السفر أعني: يرجع إليهم في انّه متى يصير المسافر مسافرا حتى يعتبر المسافة من الموضع الّذي يعتبره العرف في مبدأ المسافرة.

فهل يحكم العرف أن الشخص بمجرد خروجه يعد مسافرا، أولا يعدّونه مسافرا حتى إذا خرج من سور بلده و آخر نقطة من بلده، فاذا خرج من هذا الموضع فيعتبرونه مسافرا، أولا يعدّونه مسافرا إلّا إذا بلغ بمحل الترخص؟

فنقول: إنه إذا رجعنا الى العرف نرى أنهم لا يعدّون من يكون في بلده مسافرا و لا يحكمون بالمتردد في بلده بأنّه مسافر، بل لا يحكمون بكون الشخص مسافرا الّا إذا خرج من بلده للسفر، فاذا هو في بيته أو في صحن منزله أو على باب

منزله أو في بلده لا يطلقون عليه اسم المسافر، فبعد عدم كون الشخص المتردد في بلده قبل خروجه من بلده مسافرا، فلا يترتب عليه أحكام المسافر، فمن خرج من منزله و سافر و لم يكن بين بلده و مقصده ثمانية فراسخ فلا يقال: انّه مسافر ثمانية فراسخ إن كان من بيته و منزله الى مقصده الّذي سافر نحوه ثمانية فراسخ، لأنه لا بدّ للمسافر بأن يضرب الأرض ثمانية فراسخ، و هو لم يصر مسافرا إلّا بعد خروجه

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 180

من بلده و لم يكن البعد على الفرض من خارج بلده الى مقصده ثمانية فراسخ، فلا يجب عليه القصر، فظهر لك أن المعيار في مبدأ السفر هو آخر البلد.

[لا يكون وجه المحقّق الهمدانى مطلوبا]
اشارة

و أمّا الوجه الّذي ذكره الحاج رضا الهمداني رحمه اللّه في مقام إثبات كون مبدأ السفر خارج البلد فهو قال: بأن المنساق من الأمر بالتقصير في البريدين، أو الثمانية فراسخ إنما هو ارادته على النهج المعهود لدى العرف في تحديد المنازل بالفراسخ و الأميال، و العرف لا يلتفتون في تحديداتهم إلّا الى البعد الواقع بين البلد الّذي يخرج منه و يدخل فيه، فاذا قيل لهم: التقصير في ثمانية فراسخ، فأرادوا المسافرة من النجف الأشرف الى الحلة مثلا، يسألون عن مقدار بعد الحلة عن النجف، فاذا قيل لهم سبع فراسخ و نصف، يرون سفر كل من يسافر من النجف الى الحلة سبعة فراسخ و نصف من غير التفات الى منازل الأشخاص الواقعة في البلدين. «1»

[في الاشكال على الوجه الّذي ذكره المحقّق الهمداني]

ففيه أن ما قاله رحمه اللّه من المعهود بين العرف من تحديد المنازل و الفراسخ و الأميال، بالبعد الواقع بين البلد الّذي يخرج منه و يدخل فيه، لا من منازل الأشخاص.

فهو يكون من باب أن التحديد بالفرسخ و الميل و جعلهما، يكون لا جل تشخيص البعد الواقع بين البلاد، حتى يكشف بعد كل بلد من الآخر، و لهذا يكون بنائهم على جعل أول الحد من أول البلاد لا من منازل الأشخاص، و ليس الأمر كذلك في البريد، لأنّ البريد كما قلنا كان من أجل تعويض مراكب البريد في رأس كل بريد، و هو واقع في رأس كل أربعة فراسخ، و لهذا ربما يتفق وقوع محل تعويض

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 724.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 181

المراكب و بالفارسية «مال بند» في نفس البلد أو القرية، للبلوغ بالحد أعني: أربعة فراسخ بين نفس البلد، و لكن الفراسخ و الأميال حيث يكون وضعهما

لأجل فهم بعد كل بلد من الآخر، فلهذا يحسب البعد ممّا بين البلدين أعني: من ابتداء خارج البلد الى أول نقطة من البلد الآخر و بالعكس، و الشارع في حكمه بكون القصر واجبا في بريدين، أو ثمانية فراسخ، أو أربعة و عشرين ميلا لم يلاحظ إلا ثمانية فراسخ من الفراسخ المتداولة، أو أربعة و عشرين ميلا اعني: جعل القصر في ثمانية فراسخ تكون مساحته و كمّه بقدر ثمانية فراسخ المعمولة عند العرف.

و هكذا في البريد و الميل، ففي أصل الحد يكون جعل الحد بالمقدار الّذي يكون عند العرف حدّا أعني: ثمانية فراسخ، أو البريدين، أو أربعة و عشرين ميلا، لا أن يكون مبدأ الحد الذي جعل القصر فيه هو المبدأ الّذي يكون مبدأ لحدودهم المعمولة من الفرسخ و الميل و البريد، بل يكون حكمه في أصل كمية الفرسخ بقدر كمية ما هو الفرسخ عند العرف، و هذا غير كون مبدأ حده المجعول أيضا مثل المبدأ المجعول عندهم في الفرسخ و الميل لتعيين كشف البعد الواقع بين البلدين، و خصوصا مع ما قلنا من إمكان جعل محل البريد أعني «مال بند» في نفس البلد، و من التحديدات الواردة في روايات الباب هو البريد، فليس بناء العرف في كل من الفرسخ و الميل، البريد على جعل مبدئهم خارج البلد، بل يكون جعلهم مختلفا ففي الفرسخ و الميل، المبدأ عندهم أول البلد لكون المقصود من جعلهما تعيين البعد بين البلاد، و في البريد يمكن جعل محله حتى في البلد، لأنّ الميزان وضعه في رأس كل أربعة فراسخ، و ربما يصير من بريد الى وسط البلد البعد الى أربعة فراسخ فيجعل محل البريد فيه.

فمضافا الى ما قلنا من الإشكال

في الوجه الّذي ذكره، ظهر لك انّه لا يمكن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 182

الاتكاء على ما قاله رحمه اللّه لأجل ما قلنا من إختلاف وضع البريد مع الفرسخ و الميل، لأننا نقول: بعد كون التحديد في الأخبار بكل من البريد و الفرسخ و الميل، و فرض كون مبدأ الفرسخ و الميل عند العرف من أول البلاد، و اغمضنا عن الإشكال بأن الشرع جعل حكم القصر في الفرسخ و الميل، و المراد منه ما هو فرسخ و ميل في نظر العرف، و هذا لا يلزم كون مبدأ الفرسخ و الميل بنحو المتعارف عندهم، فهنا اشكال آخر و هو أن الشرع كما حدد القصر بالفرسخ و الميل حدده كذلك بالبريد، فإن كان مبدئهما خارج البلد فمبدأ البريد ليس كذلك، بل يمكن وقوعه في البلد فلم يكون الاعتبار بالفرسخ و الميل، بل لعله يكون بمبدإ البريد، فلا يكفي الوجه الّذي ذكره رحمه اللّه لاثبات كون مبدأ المسافة خارج البلد.

[وجه كون المبدأ خارج البلد عدم اطلاق المسافر على من كان فى بلده]

فالوجه في كون مبدأ السفر هو خارج البلد ما قلنا: من عدم اطلاق المسافر على الشخص عند العرف ما لم يخرج من بلده أو قريته، و يؤيد ما ذكرنا ما في بعض الروايات من جعل مبدأ السفر من البلد لا من المنزل، و احتساب المسافة الشرعية المعتبرة في وجوب القصر من البلد، مثل نقل فعل رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سفره الى ذى خشب و المدينة حيث قال «و قد سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم الى ذى خشب و هي مسيرة يوم من المدينة، يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا» «1» و مثل رواية صفوان قال «سألت الرضا

عن رجل خرج من بغداد» الى أن قال! «حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد» «2» فاعتبر المسافة من بغداد لا من منزله، و غير ذلك.

و امثال هذه الروايات و إن كانت في مقام بيان حكم آخر و لكن من نحو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 1 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 183

سؤال السائلين أو بيان المعصوم عليه السّلام في بعضها من جعل الحد من المدينة الى ذى خشب، أو من الكوفة «1» و القادسية، أو من بغداد و النهروان، أو من الكوفة و قصر «2» يكشف انّ المغروس في اذهانهم هو جعل مبدأ السفر من البلد، كما ترى الآن أن العرف لا يفهم من كون القصر واجبا في ثمانية فراسخ إلّا كون هذه المسافة بين البلدين أو القريتين أو البلد و القرية، فالمسألة من هذا الحيث خالية عن الاشكال.

و أمّا وجه كون مبدأ السفر لمن لم يكن ساكنا في البلد و القرية، مثل من كان ساكنا في كوخ أو خيمة كبعض أعراب البادية، هو خارج الكوخ أو الخيمة، فهذا أيضا يظهر من البيان المتقدم في وجه كون مبدأ سفر الساكن في البلاد و القرى، خارج البلاد و القرى لأنّ العرف يحكم على من خرج من كوخه أو خيمته للسفر مع عدم كون منزله إلّا الكوخ أو الخيمة انّه مسافر، فيترتب على سفره أحكام السفر فاذا قصد السفر، فبمجرد خروجه يعدّ سيره من أجزاء السفر و مسافته بين خارج كوخه أو خيمته و بين مقصده إن كانت بحد القصر يجب عليه القصر.

و أمّا ما ورد في بعض

روايات الباب من احتساب المنزل في مقام ذكر المسافة من المنزل مثل قوله عليه السّلام في رواية «3» حفص المروزى «هذا إذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلا» المتوهم منها كون المقياس في مبدأ الحركة هو الخروج من المنزل، بمعنى البيت و الدار، بتخيل كون المراد من لفظ المنزل هو الدار

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 2 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 184

و البيت.

[لا يدل الرواية على كون مبدأ المسافة خارج الدار]

ففيه: إن هذه الرواية و امثالها لا تدلّ على كون الاعتبار في مبدأ السفر هو خارج الدار، لأنّ المنزل كما يطلق على الدار و البيت، كذلك يطلق على بلد الشخص و قريته، فيحتمل أن يكون المراد من المنزل في هذه الرواية و أمثالها هو بلد الشخص أو قريته. «1»

و من هنا يظهر لك عدم دلالة قوله عليه السّلام في رواية «2» عمّار «لا يكون مسافرا حتى يخرج من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» لأنّ لفظ من منزله أيضا قابل للحمل على البلد، أو كان المراد من منزله كوخه، فلا دلالة لأمثال هذه الرواية على كون المعيار في مبدأ السفر هو خارج البيت و الدار. «3»

______________________________

(1)- أقول: يؤيد ذلك رواية صفوان- و هي رواية 8 من الباب 2 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل- فانّ: في مقام عدم وجوب القصر على رجل خرج من بغداد في هذه الرواية قال عليه السّلام:

«لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر الخ» مع انّه على ما يظهر من صدر الحديث خرج من بغداد لا من بيته،

و مع ذلك عبّر عليه السّلام عن بلده و هو بغداد بالمنزل. (المقرّر)

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- أقول: ما أفاده مد ظله يكون عندي مورد الإشكال، لأنّ ما قاله من حكم العرف بعدم صدق المسافر على من كان في بلده أو قريته إلا إذا خرج منهما ليس كذلك، بل ما كان بنظري هو أن العرف يطلقون على من اراد السفر و تهيأ له و خرج من بيته و داره بهذا القصد، و يتردد في أزقة البلد أنه مسافر و لو لم يخرج من بلده بعد.

ألا ترى انّك إذا رأيت احدا يمشي الى جانب و هو في البلد و أراد السفر و سئلت عنه: الى أين تذهب و تسير، يقول: أنا مسافر، و يتعاملون معه معاملة المسافر، و يقولون انّه اشتغل بالسفر و الحال هو في بلده، و لا يقولون انّه يمشي و يصير مسافرا بعدا يعنى: إذا خرج من البد.-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 185

هذا تمام الكلام في القرى و البلاد المتعارفة.

[في حكم البلاد المتسعة من حيث مبدأ المسافة]

و أمّا في البلاد المتسعة الخارجة عن المعتاد فهل يعتبر مبدأ السفر في هذه البلاد من خارج البلد، أو يعتبر من خارج محلّة الّتي يسكن فيها المسافر من البلد؟

______________________________

فالميزان في مبدأ السفر لا يبعد على ما يخطر بالبال- و إن لم أر تصريحا به من أحد- هو أن يكون مبدأ حركة الشخص و سيره بقصد المسافرة لدخالة القصد في حكم وجوب القصر في السفر كما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، فمتى قصد السفر و شرع في السير فيحسب من السفر، فإن خرج الرجل للسفر من بيته، فمبدأ السفر من خارج بيته، و إن خرج

من موضع آخر مثل من كان في خارج بيته في موضع من البلاد، و أراد السفر من هذا الموضع و شرع من هذا في السير فيحسب ابتدائه من قصده و سيره من هذا الموضع الّذي قصد السفر و شرع في السير، و الضرب.

أمّا أولا: فلإمكان استفاده ذلك من نفس ظاهر الآية الشريفة (و إذا ضربتم في الارض) لأنه بمجرد ذلك شرع في الضرب في الأرض، و لا وجه لأنّ يقال: بأن من اراد السفر و خرج على طبق قصده من داره أو موضع آخر لم يكن ضارب الأرض متى لم يخرج من بلده أو قريته.

و ثانيا: إن كان السفر من حيث المبدأ غير مبين من قبل الشارع، و كان محوّلا الى العرف فالعرف أيضا يساعد ما قلنا، مع أن الالتزام بكون المبدأ خارج البلد يوجب الإشكال في بعض المصاديق، مثلا في البلاد المتسعة أو إذا كان الشخص خرج من البلد و بعد في اطرافه، يمكن أن يقال: إنّ العرف إن لم يطلق على من في بلده انّه مسافر، كذلك لا يطلق على من كان حول بلده و اطرافه القريبة بأنّه مسافر، فلم يكون المبدأ خارج سور البلد.

و أمّا على ما قلنا و إن لم نجزم به فاذا كان الشخص مريدا للسفر و تحرك على طبق ارادته، فهو مسافر غاية الأمر يجب عليه القصر إذا كان طول سفره ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة على ما أمضينا الكلام فيها، و على كل حال و لو لم نقل بما ذكر نا بطريق الجزم، و لكن لا يبعد كون الأمر كذلك، فاذا كان البعد بين مقصده و بين الموضع الّذي شرع في السفر بحد المسافة الواجبة فيها القصر، فيكون

للاحتياط في الجمع بين القصر و الإتمام مجال، مثلا إذا شرع في السفر من خارج بيته و فرض كون البعد بين هذا الموضع و بين مقصده بحد المسافة، فالاحتياط بالجمع و إن لم يبلغ البعد بين خارج بلده و هذا المقصد بحد المسافة الموجب فيها القصر، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 186

اعلم أن ما قلنا من كون حكم العرف بعدم صدق المسافر على من يكون مترددا في بلده، و لأجل هذا قلنا في البلاد المتعارفة بكون الاعتبار في مبدأ السفر من خارجها، لا يجري في البلاد المتسعة الخارجة عن المعتاد، لأنّ سعة البلد موجب لعدم مساعدة العرف على ما يساعده في البلاد المتعارفة، و لا أقل من عدم إمكان دعوى مساعدة العرف بعدم صدق المسافر على من خرج من أول نقطة في بلد متسع الى آخره كي يسافر الى مقصده ما لم يخرج من البلد، و الحال أن من أول نقطه البلد الى آخره فرسخا أو فرسخين مثلا.

فلا يمكن أن يكون الضابط في مبدأ السفر في البلاد المتسعة هو خارج البلد، بدعوى عدم صدق المسافر على من سافر منها ما لم يخرج من البلد، و ما قلنا من كون المبدأ خارج البلد في البلاد الصغيرة و المتوسطة كان من باب حكم العرف فكل مورد يحكم العرف، فنحن نقول به، و إلّا فلا، و في البلاد المتسعة لا يمكن تسلّم عدم صدق المسافر على الشخص ما لم يخرج من البلد، خصوصا إذا كان مبدأ حركته من أول نقطة البلد الى جانب آخر نقطة من البلد.

كما أن الالتزام بأن العبرة في مبدأ السفر في البلد المتسع تكون خارج محلّة الشخص مشكل أيضا، فإنّ من كان منزله

آخر نقطة المحلة بحيث انّه يخرج من المحلة بخروجه من بيته، أو بفاصلة قليلة مثلا عشرة أقدام، فهل يطلق عند العرف عنوان المسافر عليه بمجرد خروجه من محلته، و الحال ان يكون بعد في البلد و لم يخرج منه، فدعوى مساعدة العرف على كون المبدأ في السفر في البلاد المتسعة خارج المحلّة مشكل.

و ما قاله الحاج آقا رضا الهمدانى رحمه اللّه في وجه كون مبدأ السفر هو آخر المحلة في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 187

البلاد المتسعة: من أن البلاد الواسعة الخارجة عن المعتاد الّتي تكون المسافة الواقعة فيها بنفسها ملحوظة لدى العرف، بحيث يقولون من محلة كذا الى محلة كذا فرسخ أو نصف فرسخ أو ميل، بحيث يكون محلاتها ملحوظة على سبيل الاستقلال في تحديداتهم، و غرضه أن في هذه البلاد تكون المحلات ملحوظه مستقلا و تحاسب التحديدات من أول المحلة، فكما قال في البلاد المتعارفة بكون العبرة في مبدأ السفر من خارج البلد لكون التحديدات في خارجها، فكذلك في البلاد المتسعة بعد كون التحديدات من أول المحلة، كانت العبرة في مبدأ السفر خارج المحلّة. «1»

يكون كلاما غير تام، لأنّ ما قاله ادعاء بلا دليل، و من اين سلم كون بناء العرف على جعل التحديدات من أول المحلة في البلاد المتسعة، مضافا الى ما قلنا في ردّ وجه الّذي ذكر لكون الميزان خارج البلد في البلاد المتعارفة من أن التحديدات و لو فرض كونها عند العرف من خارج البلاد أو في خارج المحلة في البلاد المتسعة، فيكون هذا من باب معلومية بعد الواقع بين البلاد أو بين المحلات، و هذا لا يصير دليلا على كون مبدأ السفر من ابتداء هذه التحديدات. «2»

ثمّ إنّه يقع

الكلام في فرع آخر و هو انّه لو كان طول بلد بقدر المسافة الموجبة للقصر أو ازيد، فمن يسير من موضع من هذا البلد الى موضع آخر منه، و يكون البعد بينهما ثمانية فراسخ، فهل يجب عليه القصر في هذا السير مع كونه في بلده، أم لا يجب عليه القصر؟

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 724.

(2)- أقول: أمّا لو كان الميزان في مبدأ السفر ما قلت، فلا يبقى مورد إشكال أصلا في البلاد المتسعة، لأنّ المبدأ يعتبر في كل موضع قصد السفر منه و شرع في السير. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 188

و لا يخفى عليك أن الالتزام بوجوب القصر عليه مشكل، لأنّ صدق المسافر عليه غير معلوم.

ثمّ انّه بعد كون وجوب القصر في المسافة البالغة بثمانية فراسخ، فمن كان سفره على خلاف المتعارف، مثل من أراد السفر و خرج من منزله و يسير في اليوم الأوّل فرسخا مثلا و هو يستريح في محل، ثمّ يسير في يوم الثاني أيضا فرسخا و يستريح في محل، و هكذا بحيث يسير في ثمانية أيّام ثمانية فراسخ، فهل نقول: بوجوب القصر عليه لأنّه مسافر و مسافة سفره تبلغ ثمانية فراسخ، أو نقول: بوجوب الإتمام عليه لانصراف الأدلّة من هذا النحو من السفر، و لا يبعد الانصراف. «1»

الشرط الثاني: من شروط وجوب القصر القصد الى المسافة، بمعنى اعتبار القصد الى مسير ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة على نحو مضى الكلام فيه، فمن سافر ثمانية فراسخ بلا تحقق قصد من ابتداء مسيره، لا يجب عليه القصر، بل يجب عليه إتمام الصّلاة، مثل ما لو سافر لأخذ غريم، أو لاخذ عبد آبق بدون أن يقصد حدا يبلغ بحد السفر الموجب للقصر، فلا يجب

لمثله القصر و يجب عليه الإتمام و إن بلغ سفره بحد السفر الموجب للقصر أو أزيد.

و اعتبار القصد في وجوب القصر في الجملة ممّا لا إشكال فيه، لكونه تقريبا

______________________________

(1)- أقول: دعوى الانصراف في خصوص ما سار المسافر ثمانية فراسخ في ثمانية أيّام يكون بعيدا.

و لعل نظره الشريف ليس الى خصوص المثال بل إنه ربما يتفق مورد يمكن دعوى انصراف الأدلة، مثل من يسير مسافة يسيرة للتنزه أو نحوه في كل يوم حتى يبلغ الى المسافة الموجبة للقصر في أيّام كثيرة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 189

مجمعا عليه، و الشهرة على اعتبار هذا الشرط مسلّمة، و يدلّ عليه بعض أخبار الباب مثل رواية صفوان، قال سألت الرضا عليه السّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا اراد الرجوع و يقصر؟ قال: لا يقصر و لا يفطر، لأنه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير الى الموضع الّذي بلغه، و لو انّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك» «1» و رواية عمّار. «2»

[في ذكر بعض خصوصيات المسألة في فروع]
اشارة

إنّما الكلام في بعض خصوصيات المسألة، فنقول بعونه تعالى: إنّه بعد كون قصد المسافة شرطا في وجوب القصر يقع الكلام في فروع:

الفرع الأول:
اشارة

هل المعتبر في القصد الّذي يكون شرطا في وجوب القصر في السفر، أن يكون قصد المسافر على نحو الاستقلال، بمعنى كونه مستقلا في القصد، أو يكفي تحقق القصد منه و إن كان بالتبع، مثلا إذا قصد العبد أو الزوجة السفر الموجب للقصر بتبع قصد مولاه أو زوجها السفر، فهل يكفي هذا القصد التبعي منهما في وجوب القصر عليهما و إن لم يكن قصدهما على وجه الاستقلال متعلقا بهذا السفر، أم لا يكفي هذا النحو من القصد؟

و من الواضح أن مورد الكلام ما إذا صدر القصد من التابع الى السفر، غاية

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 190

الأمر يكون القصد منه بالتبع كما في المثال المذكور، لا أن يكون أصلا بلا قصد في سفره.

[لا فرق فى المقصد بين التبعى و الأصلي]

و لا فرق في ما هو مورد الكلام بين أن يكون صدور القصد التبعي الى المسافة الشرعية من التابع من باب حكم العقل، مثل من كان أسيرا و يسيرون به الى محل يكون البعد بين منزله و بين هذا المحل ثمانية فراسخ أو أزيد، و هو مجبور في هذا السفر، و لكن بعد ما يرى بأنّه لو ترك المتابعة يأخذونه بأشد العذاب صار حاضرا بالسفر قاصدا له من باب حكم العقل بحضوره بهذا السفر دفعا للضرر المتوقع على نفسه، فهو في هذا الفرض قاصد للمسافة، و بين أن يكون صدور القصد منه بالتبع الى السفر من باب حكم الشرع، مثل العبد و الزوجة، فإنه لو لم يكن حكم الشرع بوجوب متابعة العبد لمولاه و الزوجة لزوجها لما يسافر العبد و الزوجة،

و لا ينشأ القصد منهما الى السفر، و لكن بعد حكم الشارع عليهما بوجوب المتابعة و أمر المولى و الزوج عليهما بالسفر، قصدا السفر تبعا و يقصدان المسافة بالتبع.

إذا عرفت مورد الكلام:

نقول: إنه متى تحقق القصد بالمسافة من التابع في السفر يجب عليه القصر لانّ الشرط في وجوب القصر ليس إلّا القصد، سواء كان القصد بالاستقلال بالسفر، أو كان بالتبع.

نعم لو لم يكن التابع قاصدا للمسافة و لو بتبع قصد المتبوع، مثل ما إذا اراد العبد العصيان و الإباق في ضمن السفر قبل بلوغه الى الحد الموجب للقصر، أو أرادت الزوجة عصيان أمر الشارع و التخلف قبل بلوغها بالمسافة الشرعية عن زوجها، فلا يجب عليهما القصر، لعدم كونهما قاصدين المسافة و لو فرض تحقق

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 191

القصد من المتبوع الى المسافة، لعدم أثر لقصده مع عدم تحقق القصد من نفس التابع، و هذا أمر واضح.

الفرع الثاني:
اشارة

إذا ظهر للتابع بعض الامارات الدالة على عدم بلوغه حد المسافة الموجبة للقصر، مثل ما إذا رأت الزوجة من بعض الامارات أن زوجها يطلّقها في هذا السفر قبل بلوغها الى حد المسافة، و هي في صورة صيرورتها مطلقة تنصرف عن ادامة السفر، أو رأى العبد من بعض القرائن أن مولاه يعتقه قبل بلوغه حد المسافة، و هو في صورة صيرورته منعتقا لا يدوم بسفره، فلا يبلغ في هذا الفرض حد المسافة الشرعية.

فهل يجب على التابع القصر في هذا الفرض من حيث كونه قاصدا للسفر الموجب للقصر بتبع متبوعه فعلا، و عدم حصول ما يحتمل حصوله بعد.

او يجب عليه الإتمام، لأنّه ليس قاصدا للمسافة، فإنّه مع احتمال طروّ ما يصرفه عن السفر لم يكن قاصدا للسفر؟

قال الشهيد في

الذكرى: بعدم وجوب القصر على التابع في هذا الفرض لعدم كونه قاصدا للمسافة مع فرض ما يحتمله من عروض ما يصرفه عن ادامة السفر، فإنه مع هذا الاحتمال ليس قاصدا للسفر.

و قال صاحب الجواهر: بأنّه يجب القصر في هذا المورد، لأنّه إن كان أمثال هذه الاحتمالات- مثل الاحتمال الّذي مثّلنا في الزوجة و العبد- موجبا لعدم كون الشخص قاصدا و يضرّ بقصده، فكان لازمه عدم وجوب القصر على نوع المسافرين بل كلهم، لأنّ نوع المسافرين يحتملون عدم بلوغهم بحد المسافة، و لا أقل من حدوث احتمال الموت في أنفسهم، بل و احتمالات أخر، مثل احتمال حصول

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 192

المقصد الّذي يسافرون لأجله قبل البلوغ حد المسافة الموجبة للقصر، أو احتمال حصول المانع من إدامة السفر من لص و غيره. «1»

إذا عرفت كلامهما فما ذا نقول في المقام، فهل نقول بما قال في الذكرى، أو بما قال في الجواهر.

[لا يعبأ بهذه الاحتمالات فى كون القصر للمسافة موجب للقصر]

اعلم أن ما ينبغى أن يقال في المقام: هو انّه إن بنينا على أن أمثال هذه الاحتمالات مثل احتمال الموت، أو احتمال وجود المانع من لص و غيره سببا لعدم وجوب القصر- من باب عدم تأتي القصد من المسافر بالمسافة لأجل هذه الاحتمالات- فيلزم عدم بقاء مورد لوجوب القصر على المسافر، لأنه ما من مسافر إلّا و يتاتى في نفسه أمثال هذه الاحتمالات.

فمن هنا نستكشف بأن القصد المعتبر في وجوب القصر في السفر ليس القصد الّذي لا يجتمع مع هذه الاحتمالات، بل القصد المعتبر في هذا الباب هو القصد الّذي يتلائم مع هذه الاحتمالات، لانّا نرى طروّ أمثال هذه الاحتمالات في نوع الأمور تصير متعلقة لقصد الانسان، و مع ذلك يتعلق القصد بإتيانها كما

ترى في العبادات، فإن من يقصد الصّلاة مثلا فهو يخطر بباله غالبا أمثال هذه الاحتمالات، مثل احتمال أن يموت قبل اتمام الصّلاة، أو يقصد الصوم مع طروّ هذا الاحتمال له، و لكن مع ذلك يتعلق قصده بالصّلاة أو الصوم، فمنشأ ذلك ما قلنا من امكان تحقق القصد من الشخص مع طروّ أمثال هذه الاحتمالات، فالقصد يتحقّق في السفر الى المسافة من المسافر مع أمثال هذه الاحتمالات نعم، قد يتفق في بعض الاحتمالات

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 14، ص 238.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 193

عدم تأتي القصد مع فرضه، مثل الأعرج الّذي يرى في نفسه عدم تمكنه من طي المسافة الشرعية بنفسه، فهو مع احتمال عدم تمكنه من بلوغه الى المسافة لا يحصل منه القصد الى طي المسافة.

الفرع الثالث:
اشارة

لا فرق في ما قلنا من اعتبار القصد الى المسافة و كفاية حصوله و لو كان بالتبع، بين أن يكون قصد التابع ناشيا من اختياره، و بين أن يكون منشأ قصده الى السفر الاجبار و الاكراه مثل من اجبر، أو اكره على السفر.

و ما يظهر من بعض الكلمات من الإشكال في تحقق القصد إذا كان المسافر مجبورا على السفر لا وجه له، لأنّ تأتي القصد من الشخص:

تارة يكون من باب ما يرى القاصد من المصلحة الى الفعل إذا كان فيه مصلحة صرفة، أو يرى أقوائية المصلحة على المفسدة الكامنة في الفعل إذا كان فيه حيث المصلحة و حيث المفسدة، ثمّ بعد ما يرى من المصلحة الى الفعل يختار الفعل «و هذا هو مناط اختيارية الأفعال، و ما هو مناط في مصححية الشخص للمثوبة و العقوبة، لا الإرادة كما توهّم بعض، لأنّه لو كانت الإرادة هي مناط اختيارية الأفعال

و منشأ استحقاق الثواب و العقاب، فهي موجودة في كل الحيوانات حتى الحيوانات الضعيفة، فإنّ الإرادة موجودة فيها، فما به امتياز الانسان من الحيوان هو أن له حالة يمكن بواستطها إدراك المصالح و المفاسد، و له أن يختار جانب المصلحة أو المفسدة، و بعبارة اخرى له الاختيار» ففي هذه الصورة كان منشأ قصده الاختيار.

و تارة ليس كذلك، بل لا يرضى بالفعل و لم يكن مختاره في حد ذاته، لعدم مصلحة في الفعل في حد ذاته حتى يختار الفعل، و ليس له الخيرة في جانب الفعل أو الترك بل هو مجبور على الفعل، و لكن مع ذلك بعد ما يرى وقوع الفعل منه في الخارج

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 194

و لو بالجبر، فيقصد الفعل و لو كان منشأ قصده الاضطرار الى العمل، ففي كلتا الصورتين يكون صدور الفعل منه مع القصد.

فنقول: إن السفر كذلك فتارة يسافر الشخص و يقصد السفر عن اختيار، و تارة لا عن اختيار، بل عن إكراه و إجبار، مثل من القي في السفينة، فهو بعد ما يرى أنه ألقي في السفينة و يساق الى المسافة، و مضطر في هذا السفر، و لكن بعد ذلك أعني:

في فرض الإجبار و الاضطرار يقصد السير الى المسافة فيجب عليه القصر، لانّا نحتاج في السفر الى القصد، و هو في الفرض يكون قاصدا.

[في ان لا يكون المسافر كثير السفر]

الشرط الثالث: من شرائط وجوب القصر، على المسافر على ما يظهر من بعض العبائر، هو أن لا يكون المسافر كثير السفر.

اعلم أن ما يظهر من المفيد رحمه اللّه في المقنعة، و من السيّد في الانتصار و من بعض كتبه، و من الشّيخ رحمه اللّه في بعض كتبه، و من السلار رحمه اللّه و

من بعض آخر هو انهم عبّروا في مقام ذكر هذا الشرط: أن لا يكون سفره اكثر من حضره، كما يظهر ذلك من المحقق في الشرائع «1»، و من العلّامة في بعض كتبه.

و قال المحقّق في المعتبر- بعد ما أشكل بما ذكر من كون الشرط أن لا يكون سفره أكثر من حضره-: بأن الميزان إن كان هذا فمن كان مقيما في كل شهر عشرة أيّام في بلده، و عشرين يوما منه في السفر، فيجب عليه الإتمام، لأنّ سفره أكثر من حضره، لكون أكثر الشهر و هو عشرون يوما في السفر، و الحال انّه يجب عليه القصر إذا كان أقام في بلده عشرة أيّام كما يأتي الكلام فيه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 14، ص 2.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 195

ثمّ ذكر في مقام بيان الشرط ما حاصله يرجع الى أن من شرائط القصر على المسافر، هو أن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام في سفره، و لا يخفى عليك أن هذا البيان أيضا لا يخلو من الإشكال.

أما أولا: فلانّ الميزان في عدم وجوب القصر في المكارى و اخواته ان كان هو كونهم من مصاديق من يلزمه التمام في سفره، فلا وجه لانحصار هذا العنوان بهم فقط، بل كل من يلزمه الاتمام في سفره فهو مثلهم، مثل من كان سفره حراما، فلا معنى لجعل هذا الشرط قسيما لشرط الآخر، و هو كون سفر المسافر سائغا، المسافر إذا لم يكن سفره سائغا فيجب عليه أيضا الإتمام في سفره.

و ثانيا: التعبير في مقام ذكر شرط القصر: بأن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام في السفر، لا يوضح شيئا و لا يصير مجهول بسبب هذا التعبير معلوما، لأنه من الواضح أن الإتمام في السفر

واجب على من يلزم عليه الإتمام بلا حاجة ذكر هذا الشرط، و على كل حال يظهر من العلّامة في بعض كتبه عبّر عن الشرط بنحو ما عبر عنه في المعتبر.

و ذكر بعضهم في مقام عنوان هذا الشرط بأنّه يشترط في وجوب القصر بأن لا يكون السفر عمله، و بعضهم بأن لا يكون السفر عمله و لا يكون بيته معه، و ذكر بعضهم في مقام عنوان الشرط نفس العناوين المذكورة في الأخبار من المكارى و الجمال الخ، و هم مختلفون فبعضهم ذكر خمسة منها، و بعضهم على نحو آخر.

[فى العناوين المذكورة فى الاخبار]

إذا عرفت إختلاف تعبير الفقهاء رضوان اللّه عليهم في مقام تأدية هذا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 196

الشرط فنقول: إنّ العناوين المذكورة في أخبار «1» الباب المصرح فيها بعدم وجوب القصر عليهم تبلغ عشرة عناوين:

العنوان الاوّل: المكارى كما ذكر في الرواية 1 و 2 و 4 و 8 و 10 و 12.

العنوان الثاني: الجمال كما ذكر في الرواية 1 و 4 و 10.

العنوان الثالث: الملاح كما ذكر في الرواية 4 و 5 و 7 و 8 و 11 و 12.

العنوان الرابع: الجابى الّذي يدور في جبايته.

العنوان الخامس: الأمير الّذي يدور في أمارته.

العنوان السادس: التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق و صرح بهذه الثلاثة في الرواية السكوني و هي الرواية 9.

العنوان السابع: البدوي الّذي يطلب مواضع القطر و نبت الشجر، و عبر عنه في بعض الروايات بالأعراب، و لعل الوجه في ذلك أن الأعراب عبارة عن الاظهار، و هم يظهرون و يطلبون موضع القطر و نبت الشجر، و ذكر البدوي و الأعراب في الرواية 5 و 6 و 9.

العنوان الثامن: الراعي كما يظهر من الرواية

2 و 12.

العنوان التاسع: الكريّ و هو الّذي يكرى نفسه.

العنوان العاشرة: الاشتقان، و ذكر الكري و الاشتقان في الرواية 2 و 12 و المراد من الاشتقان إمّا يكون أمير البيدر كما ذكر في التذكرة، و هو من يتصدى

______________________________

(1) الروايات الواردة فى الباب 11 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 197

للنظر الى البدر و هو بالفارسية «خرمن» لأخذ الزكوات من قبل السلطان، أو أمير البذر أعني: من يتصدّى لتعيين مقدار البذر الّذي يبذر في الأراضى من قبل السلطان و كون المراد من الاشتقان هذا بعيد لعدم معهودية جعل شخص من قبل السلطان لتعيين بذر الرعية.

و ليس المراد من الاشتقان البريد: أمّا أولا فلأنّ الكري عبارة عن البريد، أو يشمل البريد، لأنّ البريد أيضا من أفراد من يكري نفسه، لأنه يكري نفسه لإرسال الكتب.

و ثانيا فلأنّه ما وقع تصريح من أهل اللغة على كون المراد من الاشتقان هو البريد، و ما في الرواية 12 من تفسيره بالبريد، فلا يكفي لحمل الاشتقان على البريد، لعدم معلومية كون هذا التفسير جزء للرواية و من المعصوم عليه السّلام.

لاحتمال كون هذا التفسير من كلام الصدوق، و على كل حال يظهر من الروايات الواردة في الباب وجوب الإتمام على هذه العناوين المذكورة فيها في السفر في الجملة.

و لا يخفى عليك أن الروايات الدلالة على المطلب المذكورة في الوسائل في الباب 11 من أبواب الصّلاة المسافر و إن كانت تبلغ الى اثنتي عشر رواية، إلّا أن بعد احتمال اتحاد بعضها مع البعض الآخر بحسب الحدس، فلا يسلّم إنّ ما صدر من المعصوم من هذه الروايات كان أزيد من ست روايات.

لاحتمال كون الرواية 10 مع الرواية 1 واحدة، لأنّ

السندى بن ربيع المذكور في طريق الرواية 10 لم يبين عمّن يروي الرواية و تكون الرواية مرسلة، فلا يبعد أن يكون راويها هو هشام بن الحكم الراوي للرواية 1 فكانت الروايتان رواية واحدة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 198

خصوصا مع اتحادهما متنا.

و كذلك الرواية 2 مع 12 لأنّ ابن أبي عمير لم يرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بلا واسطة، بل يروي عنه بواسطة أو بواسطتين، فلا يبعد أن تكون هاتان الروايتان أيضا رواية واحدة و كان الراوي في الرواية 12 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هو زرارة لا ابن أبي عمير.

كذلك الرواية 4 مع الرواية 8 لكون الراوي في كل منهما محمد بن مسلم، و لاتّحادهما متنا مع اختلاف يسير، لأنّ في الرواية 4 قال: «و لا على المكارى و الجمال» و في الرواية 8 قال: «و لا على المكارين و لا على الجمالين».

و كذلك الرواية 5 و 6 و 11 لأنّ سند الرواية 6 و 11 ينتهي الى سليمان بن جعفر الجعفري، و هو يروي بالواسطة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام و الواسطة غير مذكورة باسمه بل المذكور بهذا اللفظ «سليمان بن جعفر الجعفرى عمن ذكره عن أبي عبد اللّه» و يحتمل أن يكون من ذكره لسليمان كان هو إسحاق بن عمّار الراوي للرواية 5 فكانت هذه الروايات الثلاثة أيضا رواية واحدة.

و تبقى رواية اخرى عن السكوني و هي الرواية 9 المتعرضة لعدم وجوب القصر على سبع طوائف، و رواية اخرى عن علي بن جعفر و هي الرواية 7 المتعرضة لحكم أصحاب السفن.

[في ان سند الروايات ينتهى الى ستة نفر]

فبعد هذا الحدس نقول: سند هذه الروايات ينتهى الى ستة نفرات: الأوّل هشام بن الحكم، الثانى زرارة،

الثالث اسحاق بن عمّار، الرابع محمد بن مسلّم، الخامس السكونى، السادس علي بن جعفر، و على كل حال سواء يقوى هذا الحدس أم لا، يستفاد من بعض هذه الروايات كون عدم وجوب القصر على بعض العناوين

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 199

المذكورة في الروايات معلّلا بالعلّة.

فمن العلل المذكورة ما ذكر في الرواية 2 و 12 من كون وجوب الإتمام على العناوين المذكورة في الروايتين هو كون السفر عملهم، حيث قال بعد ذكر العناوين إن وجوب الإتمام عليهم في سفر كانوا أو في حضر «لأنّه عملهم».

و من العلل ما ذكر في الرواية 5 من كون عدم التقصير على الملاح و الاعراب هو «بيوتهم معهم» و كما في الرواية 6 بعد ذكر عدم وجوب القصر في السفر على الأعراب «إنّ منازلهم معهم».

[المراد من قوله عليه السّلام (بيوتهم معهم) عدم بيت لهم]

ثمّ إن المراد من قوله (بيوتهم معهم) أو (منازلهم معهم) هو عدم كون بيت و منزل مستقر في محل لهم أصلا، بحيث لا يكون لهم منزل و هم بلا منزل و مقام في دار الدنيا، و ما اتخذوا بيتا و منزلا لأنفسهم، مثل البدوى الّذي يكون بحسب وضعه الطبيعي لا يزال منتقلا من صقع الى صقع حتى يجد مواضع القطر و نبت الشجر، و لا يكون له موقف مستقر يترددون و يمشون من ناحية الى ناحية اخرى لطلب القطر و نبت الشجر، و تكون بيوتهم معهم، لأنّ بيوتهم عبارة عن الخيمة و الفسطاط يسكنون فيها، و هي معهم، و لم يتخذوا منزلا في محل معين لأنفسهم حتى يصيروا بالسفر بعيدا عن منازلهم مثل سائر المسافرين، و لا يكون السفر لهم من الطوارئ و العوارض الطارية عليهم، و لا يكون أمرهم مثل أمر من يخرج تارة

من منزله و مقامه، و يسافر في طلب أمر الي بلد أو قرية و يصير بعيدا عن منزله بسب هذا السفر، و بعد حصول مقصده يعود مجددا الى منزله و مستقره و يسكن فيه، بل هؤلاء الأشخاص ما دام العمر في السفر يمضون عمرهم بهذا المنوال لأنّ بنائهم في الدنيا على السير و الحركة.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 200

فعلى هذا يمكن أن يدعى خروجهم من رأس من العمومات الدالة على وجوب القصر في السفر على المسافر، و عدم كونهم من مصاديق العام أصلا، و خروجهم موضوعا من العمومات الدالة على وجوب القصر على المسافر في السفر، لأن قوله «1» تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ خطاب على من يكون له منزل و مستقر و مقام معين بحسب وضعه الطبيعى و البناء الأصلي، فأمرهم بأنكم إذا ضربتم في الأرض يعني: إذا سافرتم و خرجتم من منازلكم فعليكم القصر، لأنّ ظاهر الآية و كذا بعض الأخبار الدالة على وجوب القصر على المسافر، هو كون السفر طائرا و عارضا للشخص، فمن كان السفر طارئا عليه، و الحال انّه ليس معنونا بهذا العنوان دائما فعليه القصر، لأنّ اللّه تعالى قال: و إذا ضربتم في الارض يعنى الزمان الّذي ضربتم في الأرض، فلا بدّ و أن يكون للمشمول لهذا الخطاب زمان آخر غير هذا الزمان، لم يكن ضاربا في الأرض حتى يقال له إذا ضربت في الأرض فلا جناح عليك أن تقصّر الصّلاة، فمن كان دائما مشتغلا بالسفر و الضرب في الأرض، و لا مقام و لا منزل له حتى يعدّ بالسفر ضاربا، و يكون بيته معه كما قلنا في البدوي، فلا تشمله

الآية و لا ما يكون لسانه لسان الآية من الأخبار.

[يمكن ان يقال بخروج البدوى موضوعا عن حكم القصر]

فلأجل هذا يمكن دعوى خروج من كان بيته معه أو منزله معه كالبدوي موضوعا عن حكم وجوب القصر، بحيث لو كنا و عمومات وجوب القصر، و لم تكن في البين رواية دالة على عدم وجوب القصر على اصحاب هذا العنوان لقلنا بعدم وجوب القصر على من كان بيته معه، لعدم شمول أدلة وجوب القصر على

______________________________

(1) سورة النساء/ الآية 101.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 201

المسافر له من رأس، و ظهر لك ممّا مرّ منّا ما هو المراد من كون بيوتهم معهم أو منازلهم معهم الّذي جعل علّة لعدم وجوب القصر على البدوي في رواية، و على البدوي و الملاح في رواية اخرى.

[المراد من العلّة اعنى كون السفر عملهم]

و أمّا العلة الأخرى أعني كون السفر عملهم الّذي جعل علّة لأربع طوائف في رواية «1» و لخمسة في رواية «2» اخرى نقول: إن الظاهر من العلة، هل أن كون السفر شغلهم و حرفتهم و كسبهم بحيث إنه لو كان مصداق من مصاديق احد هذه العناوين الاربعة أو الخمسة المذكورة في الروايتين، اتّخذ هذا العمل لا بعنوان الشغل و الحرفة و التكسب، كان خارجا عن مصداقيته لموضوع وجوب الإتمام في السفر، مثلا اتخذ احد شغل المكاراة و صار مكاريا، لكن ليس غرضه من اشتغاله بهذا الشغل التكسب، بل كان غرضه التقرب الى اللّه بهذا العمل، يكون خارجا عن هذا الحكم لعدم شمول العلة له، بعد كون المراد منها هو كون السفر عمله بعنوان التكسب و اتخاذه حرفه.

أو يكون المراد من العلة هو صرف كون السفر عملا له سواء كان بعنوان اتخاذ هذا العمل حرفة و كسبا و شغلا في قبال ساير الحرف و التكسبات و المشاغل أو لا، بل يدور الحكم مدار كون

السفر عمله بأي نحو كان، فيدخل المثال المتقدم في العلة، لأنّ السفر عمله في المثال المتقدم على هذا و لو لم يكن اشتغاله بالمكاراة بعنوان الاكتساب.

الظاهر من كون السفر عملا هو الثاني، لأنه لم يؤخذ في العلة إلّا كون السفر

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 11 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 202

عملا للشخص، فمتى حصل هذا العنوان أعنى: صار السفر عملا له و بالفارسية «كار أو» فلا يجب عليه القصر في السفر، كما أن العرف يساعد مع هذا، لانهم لا يفهمون من كون السفر عملا للشخص الا هذا.

[هل يلزم كون السفر عملهم دائما او لا؟]

ثمّ بعد كون المراد من العلة أن يكون السفر عملا سواء كان بعنوان اتخاذ السفر حرفة و كسبا أم لا، فهل يلزم أن يكون السفر عملا دائما بحيث يكون شخص المعنون بهذا العنوان في السفر دائما، و لم يكن في منزله و لا حضر له أصلا كما ربما بتوهم من ظاهر قوله في مقام بيان ذكر العلة، بدعوى أن الظاهر من العلة المذكورة كون عمله السفر، و لا ينطبق هذا العنوان الاعلى من يكون دائما متشاغلا بالسفر.

أو لا يلزم ذلك، بل يكفى في كون السفر عمله أن يكون غالبا مشتغلا بالسفر بحيث يكون حضره نادرا أو يكون في مقابل سفره كالمعدوم، و يكون سفره في الكثرة بحد يكون عند العرف السفر عمله و أن يتوقف في بلده أو منزله أيضا بندرة.

أو لا يلزم هذا المقدار أيضا في صدق كون السفر عمله، بل يكفي في صدق هذا العنوان على الشخص أن يكون سفره اكثر من حضره بمعنى: انّه و إن توقف في

سفره توقفا كثيرا و لا يكون حضره بالنسبة الى سفره نادرا، و لكن يكون سفره بحد يكون مقداره بحسب الزمان و العدد- على ما يأتى الكلام فيه- أكثر من حضره، فيعد العرف باعتبار اكثرية سفره من حضره انّه ممّن يكون السفر عملا له.

ثمّ بعد فرض حصول عنوان كون السفر عملا بكون السفر اكثر من الحضر فيقع الكلام في أن الأكثرية المعتبرة في السفر، هل يكون باكثرية السفر من الحضر عددا بمعنى كون عدد اسفاره اكثر من عدد توقفه في بلده و في الحضر، أو يكون أكثرية سفره من حضره زمانا، بمعنى كون زمان أسفاره أكثر من زمان حضره، مثل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 203

أن يكون في كل شهر عشرين يوما في السفر و عشرة أيّام في الحضر؟

لا يبعد أن يكون الميزان بالأكثرية بحسب الزمان بناء على كون الميزان في حصول عنوان كون السفر عملا بكون السفر أكثر من الحضر، فيصدق كون السفر عملا إذا كان زمان سفر الشخص اكثر من حضره، لا أن يكون عدد السفر اكثر من الحضر «1» ثمّ إنه إن كان المراد من حصول عنوان كون السفر عملا ما ذكرنا في الاحتمال الثالث أعني: باكثرية السفر من الحضر فتصير نتيجة هذه العلة أعني: كون السفر عملا هو ما يظهر من كلمات المشهور من عنوانهم في هذا المقام بكون أحد الشرائط في وجوب القصر هو أن لا يكون سفر المسافر اكثر من حضره.

لانّه على هذا الاحتمال يتحقّق عنوان كون السفر عملا كون السفر أكثر من الحضر.

فبعد ذلك هل نقول بالاحتمال الأول، و إنه لا بدّ في حصول عنوان كون السفر عملا أن يكون الشخص مشتغلا دائما بالسفر؟

أو نقول بالاحتمال الثاني و إنه

يحصل هذا العنوان إذا كان السفر عمله غالبا بحيث يكون مقامه في وطنه نادرا؟

______________________________

(1) أقول: بل لا يعقل كثرة السفر من الحضر بحسب العدد لانّ العدد لا يحصل في كل من السفر و الحضر الا بالخروج من الحضر الى السفر، و من السفر الى الحضر، فالعدد لا بدّ و أن يكون متساويا في الحضر و السفر، مثلا من يخرج من منزله للسفر فيعود من السفر الى منزله، فيعد هما سفرا واحدا و إذا خرج من وطنه ثانيا و سافر ثمّ عاد الى منزله فيعد هذا سفرا ثانيا، و هكذا فلو سافر سفرين فيكون سفره مرتين، و يكون وقوفه في بلده أيضا مرتين لحصول التعدد بالذهاب و الاياب فالسفر و الحضر دائما متساويان في العدد، فلا يفرض اكثرية السفر من الحضر عددا، فيكون الميزان باكثرية السفر من الحضر بحسب الزمان. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 204

أو نقول بالاحتمال الثالث و إنه يكفي في حصول هذا العنوان كون السفر أكثر من الحضر، حتى صار المستفاد من العلة ما عنونه المشهور من ذكرهم في طي شرائط وجوب القصر، بأنّه من الشرائط أن لا يكون سفره اكثر من حضره.

[المستفاد من رواية زرارة يجب على أربعة طوائف]

ثمّ نقول توضيحا للمطلب: بأن المستفاد من الرواية الّتي رواها زرارة (قال قال أبو جعفر عليه السّلام: «أربعة قد يجب عليهم الإتمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري و الكري و الراعى و الاشتقان لأنّه عملهم» «1» و هي من الروايات الصحيحة تنتهي باسناد ثلاثة الى حريز- أعنى: يكون ناقل كتاب حريز ثلاثة نفرات- و حريز يروي عن زرارة، فالرواية معتبرة من حيث السند، و المستفاد منها هو عدم وجوب القصر على هذه الطوائف الاربعة، بل عليهم الإتمام.

أحدها: المكاري، و

الظاهر منه من يكري الدواب، سواء كان دابّته الحمير أو الجمال أو البغال.

و ثانيها: الكري، و لا يبعد أن يكون المراد منه البريد، لا من يكري نفسه لارسال الكتب.

و ثالثها: الراعي.

و رابعها: الاشتقان، و مضى الكلام في ما هو المحتمل من معنى الاشتقان.

ثمّ بعد ذكر هذه العناوين الأربعة في الرواية، علل الحكم بقوله «لانه عملهم» و الظاهر كون الضمير في قوله «لانّه» راجع الى السفر يعني: لأنّ السفر عملهم، و احتمال كون الضمير راجعا الى مبدأ اشتقاق هذه العناوين الاربعة، فتكون المعنى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من أبواب الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 205

لأن المكاراة أو الكري او الرعى أو الاشتقانية عملهم بعيد.

فعلى هذا يكون منشأ الحكم كون السفر عملا لهذه العناوين فتكون- على هذا بعد الدقّة- هذه العناوين خارجة عن حكم المسافرين من رأس، لأنّ بعد ما يستفاد من الآية الشريفة (إذا ضربتم) الخ و بعض أخبار الباب بأن القصر المجعول للمسافر يكون من باب كون السفر له على خلاف مقتضى طبعه و وضعه، لأنّ السفر ضعف و مشقه و كلفة عليه، فارفق الشارع و قصر عن الصّلاة في حقه.

فيظهر من ذلك أن المكاري و أخواته الّذي يكون السفر لهم امرا معمولا و لا مشقة لهم، لكونه عملهم، فهم خارجون عن حكم وجوب القصر من رأس، فهم خارجون موضوعا عن المسافر الواجب عليه القصر في السفر، لأنّ حكم القصر يكون ثابتا للمسافر الّذي قلنا، فهم خارجون عنه.

[في ذكر بعض الجهات المربوطة بما نحن فيه]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في المراد من العلة أعني: كون السفر عملا لهم، و يقع الكلام فيه في بعض الجهات:

الجهة الاولى: يقع الكلام في انّه هل يعتبر فيمن لا يجب عليه القصر،

لأجل كون السفر عملا له، بأن يكون السفر عمله دائما بحيث يكون بنائه مثلا على المكاراة في مدة العمر؟ فلازمه اختصاص حكم وجوب الإتمام في السفر على المكاري الّذي كان بنائه على هذا الشغل دائما.

أو يكفي صرف كون هذا العنوان عمله و لو في بعض الأزمنة، مثل من يكون بنائه على المكاراة في نصف السنة أو ربع السنة؟

أو تتوسع دائرته أزيد من هذا، و هو أن التعليل يشمل من كان عمله المكاراة من باب الاتفاق أياما، مثلا كان له حمير فعزم على المكاراة حتى يجد من يشتري

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 206

حميره فيصير مشتغلا بالمكاراة لاجله، و يسافر مرات بهذا العنوان، فنقول بشمول التعليل له لأنّ المكاراة عمله فعلا.

أو يقال أصلا بكفاية ذلك و حصول العنوان و لو بمرة واحدة، مثلا من يكون عنده جمال، فبنى على أن يسافر بعنوان المكاراة مرة، كان الواجب عليه الإتمام في هذا السفر لأنّ السفر عمله فعلا.

لا يخفى عليك أن السفر مرة واحدة بعنوان المكاراة، غير موجب لوجوب الإتمام في السفر، لعدم تحقق عنوان المكاراة، بذلك السفر و لا يحصل بذلك عنوان كون السفر عملا للشخص، فهذا الفرض خارج مسلما.

و أمّا إذا كان بناء الشخص على المكاراة دائما، و الاشتغال بهذه الحرفة أبدا، فهو داخل في موضوع حكم المكاري الّذي يجب عليه الإتمام في السفر، بل هذه الصورة هي الصورة المتيقنة دخولها تحت هذا العنوان الواجب عليه الإتمام في سفر كان أو حضر.

[لا يبعد دخول من كان بنائه على المكاراة فى نصف سنة او ربعها]

و لا يبعد دخول القسم الثاني أيضا، و هو ما إذا كان بنائه على المكاراة و الاشتغال بهذا الشغل في نصف كل سنة أو ربعها، مثلا في الشتا أو الصيف، لصدق المكاري عليه، و لصدق

كون السفر عمله في هذا الزمان المشتغل بشغل المكاراة.

أمّا الصورة الثالثة و هي ما إذا كان بناء الشخص على الاشتغال بهذا العمل اتفاقا، و لكن لا مرة واحدة، مثل ما إذا كان عنده بغال أو حمير و لا عمل له، و اراد أن يبيعها، فيبني على المكاراة ما لم يبعها، و اشتغل بذلك العمل مدة و سافر مرات في هذا العمل، فهل يجب عليه القصر في هذا السفر المشغول بهذا العمل، أو يجب عليه الإتمام، فهذه الصورة مورد الإشكال، فهل نقول: بوجوب القصر عليه لعدم صدق

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 207

كون السفر عمله بمجرد ذلك، أو نقول: بوجوب الإتمام عليه بدعوى صدق كون السفر عمله في هذه المدة الّتي اشتغل فيها بالمكاراة؟

الجهة الثانية: في انّه هل يعتبر في صدق كون السفر عملا أن يكون سفر الشخص في خصوص هذا العمل أم لا؟

مثلا تارة يسافر المكاري في عمله، بأن يكرى دوابه و يذهب معها، فسفره في عمله بلا شبهة، و هذا هو القدر المتقين من الصورة الّتي تكون العلة شاملة لها

و تارة يسافر هذا المكاري في غير عمله، و في هذا القسم يتصور:

تارة بأن يسافر مع دوابه في غير عمله، مثل أن يسافر لحمل أهل بيته للزيارة، مثلا من بلده الى بلد آخر الّذي يكون مكاراته من بلده إليه، فهو في هذا السفر يكون وضعه بعينه كسفراته الواقعة منه في المكاراة، غير انّه في ساير اسفاره كان يحمل الأمتعة أو الاشخاص على دوابه، و في هذا السفر يحمل أهل بيته.

و تارة يسافر بنفسه مثلا الى الزيارة، و لا يحمل دوابه معه، فهو في هذا السفر ذهب و سافر في غير شغله و بدون وسيلة

شغله، أعني: بدون دوابه، فيقع الكلام هو الحق في هذه الفروع.

أمّا الصورة الاولى فكما قلنا، فهي القدر المتقين من الصور الّتي تشمل العلة لها، و امّا الصورة الثانية فهل يصدق في كلتا الصورتين أن السفر عمله، أولا يصدق كون السفر عمله، أو يقال بالتفصيل بين الصورة الاولى من الصورة الثانية، و بين الصورة الثانية، من الثانية فنقول بوجوب القصر في الاولى منها دون الثانية منها.

و هل يكون فرق في الصورتين بين ما يكون الضمير في قوله «لأنه عملهم»

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 208

راجعا الى السفر فيكون حاصل المراد من العلة، هو أن عدم وجوب القصر على هذه العناوين المذكورة في الرواية يكون لاجل كون السفر عملهم.

و بين ما يكون الضمير راجعا الى مبدأ اشتقاق هذه العناوين، فيكون حاصل المراد من العلة هو عدم وجوب القصر عليهم لأنّ المكاراة أو الكري أو الرعي أو الاشتقانية عملهم، كما ذكرنا احتماله قبلا و استبعدنا احتماله، لكونه خلاف الظاهر للزوم ذلك أولا حمل الضمير على مبدأ اشتقاق هذه العناوين لعدم إمكان إرجاع الضمير الى نفس هذه العناوين، لعدم صحة أن يقال بأن المكارى عمل المكاري، بل يريد أن يقال المكاراة عمل المكاري فيصير إرجاع الضمير الى مبدأ اشتقاق العناوين المذكورة لا إلى انفسهم، فعلى هذا يلتزم عود الضمير الى غير ما هو المذكور قبل ذكر الضمير.

[العلة لوجوب القصر كون السفر عملهم]

و ثانيا إن ما هو موضوع له للضمير كما حققنا في محله في الاصول هو الإشارة، و الإشارة لا بدّ و أن تكون الى شي ء معيّن، و ما هو معين و ظاهر هنا هو كون الضمير إشارة الى السفر، فيكون المعنى أن السفر عملهم.

أم لم يكن فرق في هذا الحيث الّذي يكون

مورد الكلام من حيث ارجاع الضمير الى السفر، أو الى مبدأ اشتقاق هذه العناوين، لأنه بناء على إرجاع الضمير الى مبدأ اشتقاق هذه العناوين، و كون حاصل العلة إن المكاراة أو الرعي أو الكري أو الأشتقانية عملهم مع ذلك لا إشكال في أن كون هذه العناوين عملهم في السفر صار سببا لعدم وجوب القصر عليهم في السفر، و أن هذه الطوائف حيث كون عملهم هذه الأمور في السفر لا يجب عليهم القصر، و نفهم ذلك من مناسبة الحكم و الموضوع، فتكون العلّة على هذا أيضا كون السفر عملهم بالمكاراة او بالكرى أو

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 209

الرعى أو الاشتقانية، فلا فرق في ما نحن بصدده بين كون الضمير راجعا الى مبدأ هذه العناوين، و بين كون الضمير راجعا الى السفر، لأنه واضح بأن العلة تكون كون السفر عملهم، فبعد عدم الفرق بينهما و مضافا الى بعد احتمال كون الضمير راجعا الى مبدأ اشتقاق هذه العناوين كما قدمنا، فما هو الحق في المقام؟

فهل نقول: باشتراط كون السفر عملهم في خصوص هذه العناوين حتى يجب القصر على المكاري مثلا إذا كان سفره غير عمله؟

أولا يشترط كون السفر في خصوص هذه العناوين عملهم، بل يكفي صدق كون عملهم أحد هذه العناوين، و لو سافر اتفاقا في سفر في مقصد غير هذه العناوين التي تكون شغله و حرفته فوجب عليه التمام.

«و قد اكتفى سيدنا الأستاذ مد ظله في هذا المقام بذكر الاحتمالين و وجههما و لم يقوي أحد طرفي المسألة».

[ذكر الاحتمالات الثلاثة فى كون المراد من العناوين]

و أمّا ما ورد في الرواية 1 و 10 و هو قوله عليه السّلام (المكاري و الجمال الّذي يختلف و ليس له مقام) فالظاهر منه هو تقييد الحكم

بوجوب التمام على المكاري و الجمال بكون المكاري و الجمال ممّن يختلف و ليس له مقام، فيحتمل في هذا الكلام احتمالات:

الاحتمال الأول: ما يظهر من مفتاح الكرامة من كون المراد من هذا القيد هو أن لا يبقيا عشرة أيّام في منزلهم، و جعل قوله عليه السّلام (يختلف و ليس له مقام) من ادلة وجوب القصر على المكاري إذا أقام عشرة أيّام في منزله. «1»

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 10، ص 541.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 210

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من قوله «يختلف و ليس له مقام» هو أن لا يكون للمكاري منزل و محل و مقام اصلا، فالمكاري و الجمّال إذا لم يكن لهما منزل مستقر و مقام معين أصلا، فلا يجب عليهما القصر.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد هو أن المكاري و الجمال الذين يكونان غالبا في السفر و يكون وقوفهما في الوطن نادرا بحيث يكون كالمعدوم، و يعد كلا مقام و كلا منزل، يجب عليهما الإتمام و لا يجب عليهما القصر.

إذا عرفت هذه الاحتمالات الثلاثة نقول:

إنّه يأتي الكلام عند ذكر بعض الروايات الواردة في المسافر الّذي أقام عشرة أيّام في منزله، انّه على تقدير تمامية هذه الروايات، إذا اقام المكاري عشرة أيّام يجب عليه القصر إذا سافر، لأنه أقام عشرة أيّام في منزله، فيحمل قوله (يختلف و ليس له مقام) الوارد في الرواية 1 و 10 من الباب 11 من أبواب الصّلاة المسافر من الوسائل، على أن المراد من المكاري و الجمال هو الذي يختلف و لم يقم في بلده عشرة أيّام، لا أن تكون هذه الرواية أعني الرواية 1 و 10 دليلا بنفسها على اعتبار عدم إقامة العشرة في البلد على المكاري الّذي

يجب عليه التمام، كما احتمله صاحب مفتاح الكرامة رحمه اللّه، لانه لا دلالة للرواية على هذا بظاهرها، بل قابل للحمل على ما يستفاد من الروايات الّتي يأتي الكلام فيها، و نقول ما ينبغى من أن يقال في الرواية 1 و 5 و 6 من الباب 12 من أبواب الصّلاة المسافر من الوسائل أن هذه الثلاثة ليست إلا رواية واحدة، و ان عدها صاحب الوسائل ثلاثة روايات، و يأتي الكلام في مقدار دلالتها إنشاء اللّه.

ثمّ إنّه بعد ما ذكر لك ما هو المراد من العلتين الواردتين في بعض روايات

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 211

الباب الاولى التعليل بكون السفر عملا، و الثاني التعليل بكون بيوتهم معهم.

[العناوين الّتي ذكر في الروايات تبلغ عشرة]

فنقول إنّ العناوين الّتي ذكرت في روايات الباب تبلغ عشرة:

المكاري، و الجمال، و الكري، و الراعي، و الاشتقان، و البدوي، و الملاح، و الجابي الّذي يدور في جبابته، و الأمير الّذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق.

و تبلغ سبعة بناء على عد الجمال من مصاديق المكاري، لأنّ كلا منهما يشتغلون بكرى دوابهم إمّا الحمار و إمّا البغل و إمّا الجمل في الاسفار لحمل مال التجارة أو الاشخاص، و بناء على جعل الراعي من مصاديق الكري، لأنّ الكري من يكري نفسه إما لأنّ يسافر للمواظبة على الدواب مثلا، أو يصير بريدا مثلا، أو يجعل راعيا للأغنام، و كذلك الاشتقان و إن بقي الإشكال في فهم المراد منه، و لكن بناء على كون المراد منه البريد فهو أيضا من مصاديق الكري.

[ذكر المراد من العناوين المذكورة]

إذا عرفت ذلك فنقول: إن من العناوين المذكورة، البدوي المعبر عنه بالاعراب في بعض روايات الباب، فالمراد منهم من كان بنائه على السير من جانب الى جانب آخر، و بيته معه و ما اختار منزلا لنفسه حتى يصير بالسير بعيدا عنه، بل كلما يذهب من مكان ينزل في مكان يكون بيته و منزله معه، و لا يلزم في صدق هذا العنوان عليه أن لا يتوقف في محل أياما مثلا شهرا أو شهرين، بل الميزان هو عدم اختياره لنفسه منزلا مستقرا غير ما هو معه و يسوق مع نفسه، فمتى يكون معنونا بهذا العنوان يجب عليه الإتمام كمن ليس مسافرا.

نعم لو اختار لنفسه منزلا و مستقرا، و ترك وضعه و خرج من مصداق البدوي، فيجب عليه التقصر إن سافر في هذا الفرض، كما انّه لو كان وضعه كذلك

تبيان الصلاة،

ج 1، ص: 212

أعني: بيته معه و لكن سافر الى محل في غير الجهة الّتي يذهب من صقع الى صقع، مثلا يكون بيته معه و يطلب موضع القطر و منبت الشجر، و لكن اتفق له السفر الى محل لغير ما هو ديدنه، مثلا سافر للزيارة، فيجب عليه القصر في هذا السفر، لعدم كونه في هذا السفر على ما هو وضعه و ديدنه، بل هو في هذا السفر سافر في غير جهة بدويته و ليس في هذا السفر بيته معه، فلا يشمله التعليل.

و من هذه العناوين الملاح، فإن كان الملاح بحيث لا يكون له مقام و بيت مستقر في البر، و تكون نسبة كل من السواحل إليه بالسوية، لعدم اتخاذ بعضها محلا لنفسه، بل بيته معه بمعنى: انّه في البحر و على سفينته، فمعه بيته و منزله متى يذهب مع السفينة في البحر، يكون حاله كحال البدوي و شبيه به في موضوعيته لعدم وجوب القصر.

و إن كان له بيت و منزل و مستقر في أحد البلاد أو القرى، و كانت ملا حته بأن يذهب مع السفينة، و يجي ء الى المنزل، و يكون شغله هذا العمل بالذهاب و العود الى منزله، فيكون هذا القسم من الملاح اشبه بالمكاري، لأنه يبعد من وطنه و منزله بالسفر و لكن السفر يكون عمله.

و من هذه العناوين المكاري، فالمتعارف فيه من كان له منزل و بيت و مستقر في محل، و له وطن معيّن، و لكن كما قلنا في طي الكلام في مقام ذكر المراد من قوله «لأنّه عمله» أن السفر يكون عمله، و يكون المتعارف في المكارين هذا القسم، لأنّهم يشتغلون بهذا الشغل، و المتعارف من المشتغل بهذا الشغل أن

يكون بنائه بأن يذهب من منزله الى الأسفار لحمل الاشخاص أو لحمل مال التجارة و غيرها، و يعود الى منزله، فهو مسافر و يكون هذا السفر شغله و يبعد عن وطنه و منزله، و لكن يجب

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 213

عليه الاتمام لكون السفر عمله.

نعم لو فرض وجود مكار لا بيت له يستقر فيه أصلا، بل يكون ممّن بيته معه، و يكون دائما من محل الى محل آخر، فيكون شبيها بالبدوي، و لكن هذا الفرض خارج عن المكارى المتعارف.

و من هذه العناوين الجمال، و هو مثل المكاري بحسب المتعارف، فإنه أيضا مع كونه ذا منزل مستقر يخرج من منزله و يعود إليه مع جماله كالمكاري.

و من هذه العناوين الكري، فهو من يكري نفسه.

فإن أكرى نفسه لمسافات لم تبلغ المسافة الموجبة للقصر، فهو خارج عن موضوع الكري الوارد في أخبار الباب، لأنّ مقتضى هذه الأدلة إخراج هذه العناوين من الادلة الدالة على وجوب القصر.

فيكون الحاصل أن من يجب عليه القصر مع قطع النظر عن طروّ أحد هذه العناوين، لا يجب عليه القصر بل يجب عليه الإتمام إذا طرأ عليه أحد منها، فمن لم يكن القصر عليه واجبا- مع قطع النظر عن ذلك- لاجل جهات اخرى مثل من كان سفره أقل من المسافة الشرعية، فلا نظر لهذه الادلة إليه، لعدم وجوب القصر عليه من رأس و لو لم يطرأ أحد هذه العناوين.

لان الظاهر من هذه الادلة هو كون هذه العناوين بنفسها موجبة للقصر مع قطع النظر عن شرائط اخرى.

فعلى هذا نقول: إن الكري و كذلك غيره من العناوين المذكورة كالملّاح إذا كان سيرهم أقل من المسافة الموجبة للقصر فيكون خارجا عن موضوع الكلام في

تبيان الصلاة،

ج 1، ص: 214

هذا المقام.

و إن أكري نفسه للمسافات البالغة حد المسافة الموجبة للقصر، فإن كان السفر عمله فهو كالمكاري لأنّ ذلك اعني الكري عمله و تشمله العلة، و إن كان ذلك شغله، و فرض عدم بيت له أصلا، بل كان كل يوم في محل و لا وطن مستقر له، فهو كالبدوي و ان كان ذلك فرضا نادرا غير واقع.

و من هذه العناوين الراعي، فإن كان رعيه في أقل من المسافة الموجبة للقصر، مثل أن يرعى الاحشام و الأغنام في حوالى البلد أو القرية، و لم يبعد من محله إلّا الى فرسخ أو فرسخين مثلا، فيجب عليه الإتمام، لا لكون الرعي شغله، بل لعدم كونه بعيدا عن وطنه بحد المسافة الموجبة للقصر، و هذا القسم هو المتعارف من الراعي.

و إن كان الراعي راعيا و يبعد عن وطنه أزيد من المسافة الموجبة للقصر، و كان الرعي شغله بحيث يكون كل يوم ذاهبا الى المسافة البالغة حد المسافة الشرعية و جائيا كذلك، و يكون السفر عمله، فهو كالمكاري.

و إن كان راعيا و يكون وضع رعيه بأنّه يدخل كل يوم في واد من البوادى فهو كل يوم في واد و محل غير اليوم الآخر، و لا مستقر و منزل له أصلا، فيكون كالبدوي، و لكن هذا القسم غير متعارف في الراعي.

[الكلام حول التاجر الّذي يدور في تجارته]
اشارة

و من هذه العناوين التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق.

و هذا العنوان كان مذكورا في رواية السكوني فقط و المراد منه يظهر بعد بيان المراد من التاجر و اقسامه.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 215

فنقول: إن التاجر، و هو الّذي يكون شغله التجارة، و بعبارة اخرى هو الّذي جعل شغله أن يشتري شيئا أو اشياء

بقيمة رخيصة حتى يعبيه بقيمة غالية، و كان هذا شغله فهو على قسمين: قسم منه هو الّذي يكون شغله ذلك، و يريد الانتفاع و الفائدة باختلاف الزمان مثل التاجر الّذي يشتري الحنطة مثلا في الصيف، و يريد أن يبيعها في الشتاء، لأنّ قيمتها رخيصة في الصيف و غالية في الشتاء.

و قسم منه هو الّذي يشتري الأجناس و الأشياء بقيمة، و كان وضع كسبه و تجارته أن يشتري بعض الأجناس في بعض البلاد بقيمة رخيصة حتى يبيعها في بلد آخر بقيمة غالية، فيكون نحو انتفاعه باختلاف الأمكنة، لأنه يطلع على قيمة الأجناس في أسواق البلاد، فيدري أن قيمة الشي ء الفلاني رخيصة في بلد و غالية في بلد آخر، فيشتري في البلد الّذي تكون قيمته رخيصة لأنّ يبيعه في البلد الآخر الّذي تكون قيمته فيه غالية، و إن اتفق تارة انّه يبيع ما اشترى في بلد في هذا البلد لصيرورة قيمته غالية بالنسبة الى قيمته الّتي اشتراها في هذا البلد، و لكن وضع تجارته و تحصيل النفع منها يكون باختلاف المكان، لا الزمان، و هذا القسم أيضا يتصور على قسمين:

[ذكر اقسام التاجر الّذي يدور فى تجارته]

القسم الأول: أن يكون وضع تجارة التاجر على هذا النحو، و لكن يكون بنائه على اشتراء الاجناس من بلده و إرسالها الى بلد آخر بوسيلة المكاري أو الجمال أو وسائل اخرى، تكون قيمة الاجناس الّتي اشتراها فيها أغلى من قيمة بلده، بدون أن يذهب هو بنفسه مع متاعه و أجناسه، مثلا يشتري الرمان من قم و يرسله الى طهران بوسيلة المكاري، لأنّ يبيعه وكيله او عامله مثلا في الطهران، و هو بنفسه في قم و لم يخرج مع رمّانه الى طهران.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 216

القسم الثاني:

انّه يشتري بعض الامتعة من بلد و يسوقه الى بلد آخر بنفسه، فهو يذهب مع متاعه من بلد الى بلد آخر لأنّ يبيع في هذا البلد ما اشتراه في بلده و يكون وضع تجارته بهذا النحو، و بنائه على الانتفاع من التجارة بهذا الطريق.

إذا عرفت ما هو المراد من التاجر، و عرفت أقسامه، فما يقع الكلام فيه من هذه الاقسام- فيما نحن بصدده في هذا العنوان، أعني: التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق- الى سوق هو القسم الثاني، من القسم الثاني لأنّ المراد من التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق ليس التاجر الّذي يكون وضع تجارته كما فرض في القسم الأوّل و لا القسم الأول، من القسم الثاني.

لانّ قسم الأوّل يكون وضع تجارته باختلاف الزمان لا المكان، فهو في مكان واحد يريد الانتفاع من تجارته باختلاف الأزمنة.

و القسم الأوّل من الثاني أيضا و إن كان وضع تجارته و الانتفاع منها باختلاف الامكنة، لكن لا يذهب مع متاعه من سوق الى سوق.

فالقابل هو القسم الثاني من القسم الثاني، و هو الّذي أراد الانتفاع من التجارة، و وضعه في تجارته بأن يسوق بنفسه متاعة من سوق بلد الى سوق أخر، و هذا القسم يتصور له أربعة صور.

فتارة يكون وضع تجارة التاجر على أن يشتري شيئا من سوق بلد، ثمّ يخرج الى بلد آخر و يبيعه في سوق هذا البلد، سواء كان سوقه كالأسواق المعمولة في زماننا، أو كالأسواق المعمولة سابقا عند الأعراب، مثل سوق عكاظ، ثمّ يشتري شيئا من سوق هذا البلد و يذهب الى بلد آخر و يبيعه في سوق هذا البلد، و هكذا.

و تارة يكون وضع تجارته بأن يشتري شيئا من

سوق بلد و يذهب به الى بلد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 217

آخر، و يبيعه في سوق هذه البلد، و يشتري متاعا يدري بأن فيه النفع إن ذهب به الى البلد الّذي خرج منه، فيشتري هذه المتاع و يعود الى البلد الّذي خرج منه، و لا يسافر الى بلد ثالث، و كان شغله التجارة بهذا النحو، مثلا يشتري متاعا من قم و يذهب الى طهران فيبيعه، و يشتري متاعا آخر من طهران و يعود الى قم و يبيعه فيه، و هكذا.

و تارة يكون وضعه في التجارة بأن يشترى متاعا أو أمتعة من بلد، و يذهب به الى بلد آخر و يبيعه، و لا يشترى شيئا في هذا البلد للتجارة، بل يعود مجددا الى البلد الأول، و يشتري أيضا متاعا و يذهب به الى ذلك البلد لأنّ يبيعه، و هكذا يكون وضع تجارته بأن يشتري الرمّان من قم و يسوقه بنفسه الى طهران، و يبيعه في سوقه، و يعود الى قم بدون أن يشتري مال التجارة من الطهران، ثمّ يشتري مجددا من قم متاعا و يعود الى طهران لأنّ يبيعه، و يكون بهذا النحو وضعه في التجارة.

و تارة يكون وضع التاجر في التجارة بعكس ذلك بأن يذهب من بلده يشتري من بلد آخر متاعا حتى يعود و يبيعه في بلده، مثلا يخرج من قم و يذهب الى طهران و يشتري متاعا، و يعود و يبيعه في قم بدون أن يسوق بنفسه من قم الى طهران متاعا للبيع في طهران.

لا يبعد أن يكون الظاهر من قوله عليه السّلام على ما في رواية السكوني (التاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق) هو الصورة الاولى من هذه

الصور الأربعة، و هو أن يكون وضع تجارته بأن يشتري الأمتعة من بلد، و يسوقه الى بلد آخر و يبيعه، ثمّ يشتري الأمتعة من هذه البلد، و يذهب الى بلد آخر و يبيعه فيه، و

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 218

يشتري فيه أيضا أمتعة لأنّ يبيعها في سوق آخر، فهو يدور في تجارته من سوق الى سوق بدعوى كون الظاهر من سوق الى سوق هو هذا.

و لكن إذا راجعنا الى العرف، و نحاسب بالذوق العرفي نرى عدم الفرق بين هذه الصور الأربعة، بل يصدق على كلها بأنّه تاجر يدور في تجارته من سوق الى سوق.

فإمّا أن يدور في تجارته من بلد الى بلد آخر، و منه الى بلد ثالث، و هكذا كما فرض في الصورة الاولى.

أو يدور في تجارته بأن يسوق متاعا من بلد الى بلد، و يبيعه فيه، و يشتري متاعا آخرا من هذا البلد و يبيعه في البلد الأوّل بعد العود كالصورة الثانية.

أو يدور في تجارته بأن يشترى متاعا و يسوقه بنفسه من بلده الى سوق بلد آخر، و يبيعه و يعود الى بلده، و يشتري مجددا متاعا، و يذهب الى البلد الآخر هكذا كالصورة الثالثة.

أو يدور في تجارته بأن يخرج من بلد، و يدخل في بلد آخر، و يشتري من سوقه متاعا، و يبيعه في بلده، و يكون بهذا النحو وضع تجارته كالصورة الرابعة.

[لا يصدق العنوان بمجرد مرة بل لا بدّ ان يعد شغله]

ففي كل هذه الصور يصح أن يقال: هو تاجر يدور في تجارته من سوق الى سوق، و لا إشكال في عدم صدق هذا العنوان على الشخص بمجرد فعل ذلك مرة، بل لا بدّ و أن يكون بحيث يعد شغله و تجارته الدور من سوق الى سوق، فيدخل على

ما مر في هذا العنوان هذه الصور الأربعة.

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في انّه هل يكون العنوان المأخوذ- أعني: التجارة-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 219

دخيلا في ثبوت هذا الحكم أعني: عدم وجوب القصر، بل وجوب الإتمام، أم لا يكون دخيلا؟

فإن فرض أن أحدا في شغله و حرفته و صناعته يخرج من بلده الى بلد آخر، و يشتغل بصنعته، و يعود الى بلده، و يكون ذلك شغله و وضع شغله، كالتجار الذين يكون وضع تجارتهم بالخروج من محل الى محل آخر و يشتغل بشغله و يعود الى محله، ثمّ يخرج الى بلد آخر، و هكذا.

فهل يمكن أن يقال بدخول مثل هذا الشخص في العنوان الماخوذ في رواية السكوني، و هو قوله عليه السّلام (التاجر الّذي يدور) الخ أولا؟

اعلم أن غرضنا هو أن عنوان التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق أولا يشمل التاجر الّذي يكون وضع تجارته باحد انحاء الأربعة المتصورة المتقدمة أم لا، و ثانيا بعد ثبوت وجوب الإتمام لهذا العنوان، فهل يشمل هذا العنوان لمن كان له صنعة و حرفة كالنجار و الخياط أو غيرهما، و كان وضع كسبه بأن يسافر الى محل او محلات، و يعمل عمله، و ينتفع من عمله، و يكون نحو شغله يدور من سوق الى سوق أولا يشمل له، بل يختص بخصوص التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق جمودا على ظاهر العنوان الماخوذ في رواية السكوني.

و بعبارة اخرى مع قطع النظر عن التعليل الوارد في بعض روايات الباب بقوله عليه السّلام «لأنه عملهم» و مع قطع النظر عن شمول هذه العلة لهذه الصور.

[يشمل عنوان تاجر يدور فى تجارته لصاحب الحرف]

يكون الكلام في أن عنوان «التاجر الّذي يدور في تجارته من

سوق الى سوق» الوارد في رواية السكوني بعد فرض صحة سندها، هل يشمل لكل هذه الصور الأربعة المتقدمة، و هل يشمل غير التاجر الّذي يكون وضع حرفته و صنعته

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 220

مثل هذا التاجر، أعني يكون في حرفته و صناعته و خياطته يدور من سوق الى سوق؟

بل و هل يمكن أن يقال: بشموله لكل من يشتغل بالسفر بهذا النحو، بأن يذهب من بلده الى بلد آخر و يجي ء و هكذا، و لو لم يكن تاجرا، و لا كاسبا، و لا ذي حرفة و صنعة، مثل من يكون بنائه بأن يخرج مثلا من النجف الأشرف الى كربلاء للزيارة، فيكون دائما مشتغل بهذا العمل يذهب و يجي ء، و يجي ء و يذهب.

أولا يمكن أن يقال بشمول هذا العنوان لهذه الفروض.

اعلم انّه كما قلنا يمكن دعوى شمول هذا العنوان في نظر العرف للصور الأربعة المتقدمة في التاجر الّذي يذهب للتجارة، و إن كان لا يبعد دعوى كون المتبادر من قوله (تاجر يدور في تجارته من سوق الى سوق) لخصوص الصورة الاولى من الصور الاربعة المتقدمة، و لكن العرف يلقى الخصوصية، أعني: خصوصية كون دوره من سوق بلد الى سوق بلد، و منه الى سوق بلد آخر و هكذا، بل يكفي كون دوره من سوق الى سوق اعني: من بلد للتجارة الى آخر، للبيع و الشراء.

و كذلك مثل أصحاب الحرف و الصناعات، فإنهم أيضا يعطون عملهم، و يأخذون بدلا بعنوان المعاوضة أو الاجرة من الأشخاص، فانّهم أيضا داخلون، لعدم الخصوصية في نظر العرف لخصوص التاجر، فيشمل العنوان لكل من يكون تجارته و حرفة و صنعته و كسبه بهذا النحو.

و أمّا غير ذلك، كمن كان عمله ذلك، لكن

لا بهذه العناوين مثل من يذهب من النجف الى كربلاء للزيارة و يعود، و هكذا يكون عمله، فشمول هذا العنوان له مشكل، بل نقول بعدم شمول هذا العنوان له، هذا حال هذا العنوان، اعني: التاجر

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 221

الّذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق.

و هنا كلام آخر، و هو أن وجوب الإتمام و عدم وجوب القصر على صاحب هذا العنوان- أعني: التاجر الّذي يدور في تجارته- و من كان بحكمه بعد الغاء الخصوصية، يكون في ما كان ذلك شغل الشخص دائما، أو يكفي في وجوب الإتمام عليه في السفر مجرد كون ذلك شغله و إن كان مرة واحدة، أولا يلزم كون شغله دائما الدور من سوق الى سوق، و إن لم يكف في صدق هذا العنوان عليه وقوعه منه مرة واحدة، و لازم ذلك كفاية ذلك العنوان في وجوب الإتمام بمجرد كون ذلك شغله و لو كان في بعض السنة مثلا ستة اشهر من كل سنة، و لا يعتبر أن يكون مشتغلا بهذا العمل في تمام السنة، أولا يكفي ذلك؟

الاقوى كفاية ذلك لصدق هذا العنوان عليه عرفا و لو في بعض السنة.

[هل يلزم حصول هذه العناوين فى اسفار موجبة للقصر]

الجهة الثالثة: هل يعتبر في هذه العناوين المذكورة في رواية زرارة «المكاري الخ» أن يكون حصول هذه العناوين للشخص في سفر لو لم تكن هذه العناوين يكون القصر واجبا عليه أولا يلزم ذلك، مثلا يلزم أن يكون حصول عنوان المكاراة للمكاري بالسفر الّذي لو لم يوجب الشارع الإتمام على المكاري، كان الواجب عليه القصر، أولا يعتبر ذلك، بل يكفي تحقق عنوان المكاراة و اتصافه بكونه مكاريا على أي وجه اتفق.

و بعبارة أخرى تارة يبني الشخص على المكاراة، و يسافر

أسفارا بهذا القصد حتى يقال في حقه كونه مكاريا، و كانت هذه الاسفار الّتي صدرت منه من الأسفار الّتي كان الواجب عليه القصر فيها لو لا عنوان كونه مكاريا، مثل أن يكون سفره في غير المعصية، و مع القصد، و في أزيد من المسافة الشرعية، و هكذا بحيث

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 222

يكون أسفاره جامعة لجميع شرائط القصر غير شرط عدم كونه مكاريا، بحيث لو لم يكن مكاريا يكون الواجب عليه القصر.

و تارة يسافر المكاري أسفارا يحصل له عنوان كونه مكاريا عند العرف، و لكن كانت أسفاره بحيث لا يجب عليه القصر و لو مع قطع النظر عن كونه مكاريا، مثل ما إذا كان سفره في ما دون المسافة، أو بلا قصد، أو في المعصية و كون مكاراته في هذا القبيل من الأسفار.

[ذكر بعض الفروع المربوطة بالمقام]

فهل يعتبر في وجوب الإتمام على المكاري أن يكون حصول هذا العنوان له من قبيل الأوّل.

أو يكتفى في وجوب الإتمام عليه حصول هذا العنوان له و إن كان بنحو الثاني، و يتفرع على ذلك فروع:

الفرع الأول: من يكون مكاريا، و لكن كانت مكاراته في سفر المعصية، مثل أن يكون شغله المكاراة لحمل الخمر مثلا من محل الى محل آخر دائما، و لذا يكون سفره سفر المعصية، فاذا أراد أن يكري دوابه و يعمل عمله في سفر لم يكن معصية فهل يجب عليه القصر في هذا السفر أو يجب عليه الإتمام.

فإن قلنا بأنّه يعتبر في المكاري كون حصول هذا العنوان له في سفر لو لم يكن عنوان المكارة يجب عليه القصر، فلا بدّ من أن يلتزم بوجوب القصر عليه لا الإتمام، لأن في هذا الفرع هذا المكاري بعد كون مكاراته في سفر

المعصية لم يكن الواجب عليه القصر لو لا عنوان المكاراة، بل و لو لم يكن مكاريا كان الواجب عليه الإتمام أيضا لكون سفره معصية.

و إن قلنا بعدم اعتبار ذلك، و كفاية حصول عنوان المكاراة للمكاري بأي

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 223

وجه اتفق، فيجب عليه الإتمام، لأنه في هذا السفر مكاريا، و يجب الإتمام على المكاري.

الفرع الثاني: إذا كان حصول عنوان المكاراة للمكاري في المسافة التي لم تبلغ حد المسافة الموجبة للقصر، مثل مكاري الّذي يشتغل بشغل المكاراة في فرسخين أو ثلاثة فراسخ، فهل يجب عليه القصر إذا سافر في عمله- أعني: في المكاراة- الى المسافة البالغة حد القصر، أو يجب عليه الإتمام.

فإن قلنا بلزوم حصول هذا العنوان للمكاري في السفر الّذي يجب عليه القصر لو لا حيث المكاراة، فلا يجب عليه الإتمام، لأنه ليس من مصاديق المكاري الذي يجب عليه الإتمام على هذا.

و إن لم نقل بذلك فيجب عليه الإتمام، لأنه مكار و عمله السفر، و هذا السفر سفر في عمله و السفر عمله.

الفرع الثالث: لو اشتغل المكاري بهذا الشغل، لكن فرض كون اشتغاله بهذا العمل في السفر بلا قصد المسافة الشرعية و إن فرض بلوغه بحد المسافة الشرعية، لكن كان غير قاصد للمسافة الشرعية الموجبة للقصر، ثمّ اتفق أن يسافر في عمله سفرا مع القصد الى المسافة الموجبة للقصر، فهل يجب عليه القصر أو الإتمام؟

يمكن أن يقال: بوجوب القصر عليه بدعوى كون مكاراته قبل هذا السفر في غير السفر الّذي لو لم يكن مكاريا كان الواجب عليه القصر، بل كان شغله في الأسفار لو لم يكن مكاريا لا يجب القصر عليه لعدم كونه قاصد المسافة، و ادعاء كون حصول المكاراة له في الأسفار

الّتي لو لم يكن عنوان المكاراة كان القصر عليه لازما في صدق المكاري الّذي يجب عليه الإتمام في السفر.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 224

و يمكن أن يقال بوجوب الإتمام عليه في هذا السفر، لكونه مكاريا و قد سافر في عمله، فالسفر عمله، و لا يلزم في صدق المكاري عليه ما قلت.

[هل نقول بالاحتمال الاول او الثانى]
اشارة

إذا عرفت هذه الفروع الثلاثة.

فنقول: هل نلتزم بأن الإتمام واجب في السفر على المكاري الّذي كان من قبيل الأوّل فقط؟

أو نقول: بعدم لزوم ذلك، بل يكفي كونه مكاريا في وجوب الإتمام عليه في السفر باي وجه حصل هذا العنوان

أما منشأ أن يقال بالاحتمال الأوّل فهو تارة بأن يقال: إن الظاهر من عدم وجوب القصر على المكاري و اخواته المذكورة في الرواية، هو كل مكار يكون الواجب عليه القصر في السفر لو لا هذا العنوان، لكون الشرط في المسافر الّذي يكون الواجب عليه القصر لو لا طروّ هذه العناوين، هو عدم كونه واجدا لأحد هذه العناوين، فعلى هذا كل من يجب عليه القصر في السفر لو لا هذه العناوين لا يجب عليه القصر لأجل هذه العناوين، فلا بدّ من كون المراد هو تأثير هذه العناوين في عدم وجوب القصر في ما لو لم تكن هذه العناوين لكان الواجب هو القصر، فمن صار مكاريا في الأقل من المسافة، أو في سفر معصية، أو في السفر الّذي كان غير قاصد فيه الى المسافة مثلا، لا يجب عليه القصر و لو لم تكن هذه العناوين، فلم يكن في هذا السفر الّذي يسافر في عمله على وجه الحلال، أو مع القصد، أو في الأزيد من المسافة الشرعية الإتمام، لأنه لم يكن معنونا في هذا السفر بعنوان المكاري الّذي

لا يجب عليه القصر، لكون المراد من المكاري الّذي يجب عليه الإتمام في السفر، هو المكاري الّذي صار مصداقا لعنوان المكاري الّذي لو لم يكن في البين حيث المكاراة

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 225

كان القصر عليه واجبا.

فان كان الوجه في اعتبار كون المكاري الواجب عليه الإتمام كون حصول مكاراته في الأسفار الّتي لو لم يكن عنوان المكاراة لكان الواجب عليه القصر هذا الوجه.

ففيه: إن حصول عنوان المكاراة، و إن كان للمكاري في غير الأسفار الّتي لو لم يكن عنوان المكاراة كان الواجب عليه الإتمام إمّا لكون السفر معصية كالفرع الأول، أو في الأقل من المسافة الشرعية كالفرع الثاني، أو لكونه غير قاصد الى المسافة كالفرع الثالث، و لكن بعد حصول المكاراة مرة و إطلاق المكاري على الشخص، فيقال: إن في هذا السفر الّذي يسافر الشخص في عمله، و يكون السفر واجدا لشرائط القصر لو لا عنوان المكاراة، فهو المكاري و قد سافر في عمله و عمله السفر، فلا وجه لوجوب القصر عليه في هذا السفر، لأنّ في هذا السفر لو لم يكن عنوان المكاراة كان الواجب عليه القصر، و لا نحتاج في وجوب الإتمام و عدم وجوب القصر على المكاري الّا صدق المكاري عليه، و كون سفره واجدا لشرائط القصر لو لا المكاراة، و في ما أنشأ من هذا السفر الجديد يكون كذلك، فيجب عليه الإتمام، فهذا الوجه لا يكفي لاعتبار حصول المكاراة في السفر الواجد لشرائط القصر لو لا المكاراة.

و لكن يمكن أن يقال في توجيه هذا الاحتمال: بأن الظاهر من رواية زرارة و هو عدم القصر على الطوائف الأربعة في سفر كانوا أو حضر، معناه وجوب الإتمام على من يجب عليه القصر

لو لا هذه العناوين، لأنّ المستفاد من الرواية هو عدم القصر عليهم في السفر الشرعي، ففي السفر الشرعي- و هو السفر الّذي يجب القصر

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 226

فيه في حد ذاته- اعتبر عدم كون هذا السفر سفر المكاراة و اخواتها، فلازم ذلك وجوب الإتمام عليهم في السفر الّذي لو لم تكن هذه العناوين لكان الواجب على المسافر القصر، ثمّ بعد ذلك علل عدم وجوب القصر عليهم بكونه عملهم، و المراد من مرجع الضمير في قوله «لكونه عملهم» هو السفر المذكور في صدر الرواية، فاذا كان مرجع الضمير السفر المذكور في الصدر، و المراد منه كما قلنا هو السفر الشرعي، فيكون معنى العلة عدم وجوب القصر عليهم لكون السفر الشرعي عملهم، فيكون الحاصل من الرواية انّه إذا كان المكاري عمله السفر الشرعي، فليس عليه القصر بعد حصول هذا العنوان.

فيستفاد ممّا قلنا أن المكاراة إن حصلت في السفر الشرعي و كان عمل الشخص، فيجب عليه الإتمام في سفر كان أو حضر، فاذا حصلت المكاراة في غير السفر الشرعي، و كان عمله غير السفر الشرعي مثل موارد الفروع الثلاثة فلا يجب عليه الإتمام، لعدم كون مكاراته و عملية السفر في الأسفار الشرعية الموجبة للقصر، و في هذا السفر الّذي انشأ منه و إن كان سفرا شرعيا و لكن لم يصر بعد معنونا بعنوان المكاري الواجب عليه الإتمام، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاحتمال الأوّل.

[وجه الاحتمال الثانى كون المستفاد من الرواية صرف المكاراة موجب للاتمام]

و أمّا ما يمكن أن يقال وجها للاحتمال الثاني، و هو عدم اعتبار حصول عنوان المكاراة للمكاري في خصوص الاسفار الشرعية الّتي لو لا عنوان المكاراة كان الواجب عليه القصر، بل يكفي صرف حصول عنوان المكاراة على أي وجه

حصل.

فهو أن يقال: بأن المستفاد من الرواية ليس الا وجوب الإتمام على المكاري في سفر كان أو حضر، و على فرض كونه أراد من السفر المذكور في الرواية السفر الشرعي، يكون المراد هو عدم وجوب القصر على المكاري في سفر لو لم يكن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 227

عنوان المكاراة كان القصر عليه واجبا، لأنّ السفر عملهم، فيعتبر بمقتضى التعليل كون السفر عملهم، و أمّا لزوم صيرورة السفر عملهم و حصول العملية في أسفار لو لم يكن عمل المكاراة لكان القصر عليهم واجبا، و كون تعنونهم بهذا العنوان في خصوص هذا النحو من الاسفار، فلا دلالة في الرواية على ذلك.

و كون مرجع الضمير في قوله «لانه عملهم» السفر الّذي يجب فيه القصر لو لا المكاراة حتى يصير موجبا لأنّ يكون حصول العملية اعني عمل المكاراة، في خصوص هذا القسم من السفر، لا وجه له، لأنّ الضمير راجع الى لفظ السفر المذكور في صدر الرواية، و لو فرض معناه أن يكون السفر الموجب للقصر مع قطع النظر عن المكارة اما لا يلزم أن يكون مرجع الضمير في قوله «لانه» هو السفر بتمام خصوصياته، بل يكون المرجع نفس السفر، و هو أعم من السفر الموجب للقصر و غيره، ففي الفروع الثلاثة يجب الإتمام على المكاري إذا سافر للمكاراة في سفر لم يكن معصية و يكون في ازيد من المسافة و يكون مع القصد.

إذا عرفت هذين الاحتمالين و ما يمكن أن يقال وجها لهما، فما هو الحق في المقام؟ و ما ينبغى أن يقال؟ فهل نأخذ بالاحتمال الأوّل أو بالاحتمال الثاني؟

ثمّ انّه يقع الكلام في جهة اخرى، و هي أن المكاري إذا أقام في بلده أو بلد آخر

عشرة أيّام، فهل يجب عليه القصر إذا أنشأ سفرا جديدا بعد هذه الإقامة أم لا؟

[ذكر الاقوال فى المسألة]
اشارة

أمّا ما نقل من الفقهاء رضوان اللّه عليهم:

فالمنقول من ابن ابي عقيل هو انّه لم يجعل المكاري و غيره من جملة مستثنيات حكم وجوب القصر في السفر أصلا.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 228

و أمّا غيره فبعضهم قال: بأن المكاري إذا أقام في بلده عشرة أيّام يجب عليه القصر إذا أنشأ سفرا بعد ذلك، بل ادعى بعض الاجماع عليه، و ألحق بعضهم غير بلد المكاري ببلده إذا أقام في غير بلده عشرة أيّام، غاية الأمر اعتبر بعضهم في غير بلده الاقامة مع النية، بمعنى: انّه إذا اقام المكاري في غير بلده عشرة أيّام مع نية الإقامة، فيجب عليه القصر في السفر الجديد الّذي ينشأ بعد الاقامة، و بعضهم لا يعتبر النية، و بعضهم ألحق بعشرة أيّام الاقامة ثلاثين يوما مترددا من انقطاع حكم المكاراة أعني: وجوب الإتمام، و انه يجب القصر إذا سافر بعد ذلك، و بعضهم قالوا بإلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما باقامة العشرة في بلده.

إذا عرفت هذه الاقوال فنقول:

إنّه روى «1» الشّيخ باسناده عن سعد عن ابراهيم بن هاشم عن ابن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيّام، أو أقل قصر في سفره بالنهار، و أتم صلاة الليل، و عليه صيام شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام او اكثر قصر في سفره و أفطر».

و ظاهر المراد من هذه الرواية- بعد كون المراد من كونه (في منزله) أعني: في بلده و

وطنه، و كون الظاهر من (او أقل) هو الأقل من خمسة أعني: أربعة أو ثلاثة أو يومين أو يوما، و ما قاله بحر العلوم رحمه اللّه: من كون المراد (من أقل) هو الأقل من العشرة حتى كان المراد انّه إذا لم يستقر في منزله خمسة، أو أقل من عشرة يعنى ستة

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 12 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 229

أيّام أو سبعة أو ثمانية أو تسعة، خلاف الظاهر- هو أن المكاري إن لم يستقر في منزله و وطنه إلا خمسة أيّام، أو أقل من خمسة أيّام، قصر في سفره بالنهار، و اتم بالليل، و عليه صوم شهر رمضان، و ان كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام و اكثر، قصر في سفره و أفطر، و الظاهر من قوله «البلد الّذي يذهب إليه» هو غير بلده.

فان كنا نحن و ظاهر الرواية، يكون المستفاد منها حكمين:

الحكم الأول: أنّه إذا لم يستقر المكاري في بلده خمسة أيّام أو أقلّ وجب عليه في سفره القصر في الصّلاة النهارية، و إتمام الصّلاة الليلية، يعني: العشاء، و وجوب الصوم عليه، و هذا ممّا لم يقل به احد أعني: لا قائل بالتفصيل بين الصّلاة النهارية فيقول بوجوب القصر فيها و بين الصّلاة الليلية فيقول بوجوب الإتمام فيها، و لا قائل بوجوب الصوم إذا لم يستقر المكاري في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقل منها بهذا التفصيل، أعني: لم يكن قائلا بأنّ المكاري إذا أقام في منزله يوما أو يومين الى خمسة له هذا الحكم مع هذا التفصيل.

الحكم الثاني: أنّه إذا كان للمكاري مقام في غير بلده عشرة أيّام أو أكثر وجب

عليه القصر و الإفطار في سفره، و الظاهر من عبارة الرواية وجوب القصر و الإفطار عليه في السفر الّذي يذهب فيه الى البلد الّذي يذهب إليه، فتكون إقامة عشرة أيّام من قبيل الشرط المتأخّر لوجوب القصر و الإفطار عليه، لأنّ الظاهر وجوب القصر و الإفطار عليه في السفر الّذي يذهب فيه الى البلد الّذي يذهب إليه.

و يمكن حمل وجوب القصر و الافطار على ما بعد إقامة عشرة أيّام، فيكون المعنى انّه إذا أقام في البلد الّذي يذهب إليه فيجب عليه في السفر الّذي ينشأ بعد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 230

الإقامة القصر و الافطار عليه، و لكن هذا الحمل خلاف الظاهر، و هذا حاصل ما يستفاد من هذه الرواية في حد ذاتها.

و روى ابن بابويه بسنده «1» عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

المكاري إذا لم يستقر في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقل قصّر في سفره بالنهار، و أتمّ الصّلاة الليل، و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر و ينصرف الى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو اكثر قصر في سفره و افطر». «2»

و هذه الرواية زادت في اشتراط وجوب القصر و الافطار على المكاري شرط آخر، و هو أن يكون له إقامة عشرة أيّام مضافا الى اقامة عشرة أيّام في البلد الّذي يذهب إليه فحاصله اعتبار اقامتين.

[نقل كلام بحر العلوم ره]

الّا أن يقال، كما قال بحر العلوم رحمه اللّه: بأن واو فى «و ينصرف الى منزله» كان «أو» فيكون المراد انّه اذا أقام عشرة أيّام في البلد الّذي يذهب إليه أو في بلده، يجب عليه القصر و

الافطار، و لكن هذا خلاف ظاهر المنقول من الرواية.

و اشكال كون حكم الصدر ممّا لم يقل به أحد و اشكال دخل اقامه العشرة في وجوب القصر و الافطار بنحو الشرط المتاخر يجرى في هذه الرواية أيضا.

مضافا الى أن المستفاد من هذه الرواية، بعد اعتبار الاقامتين في وجوب

______________________________

(1) سند الصّدوق ابن بابويه قدس سره الى عبد اللّه بن سنان، على ما ذكر في مشيخته، عن ابيه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أيوب بن نوح الكوفي عن ابن ابي عمير البغدادي عن عبد اللّه بن سنان.

(2) الرواية 5 من الباب 12 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 231

القصر، هو اعتبار الإقامة في وجوب القصر بنحو الشرط المتقدم بالنسبة الى إقامة العشرة في البلد الّذي يذهب إليه، و اعتبارها بنحو الشرط المتأخر بالنسبة الى اقامة الّتي تحصل في بلده بعد سفره، لأنّ الظاهر من الرواية وجوب القصر بين الاقامتين لا بعد هما. «1»

و رواه الشّيخ في موضع آخر «2» من كتاب التهذيب باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن ابراهيم بن هاشم عن اسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله قال: سألته عن حد المكاري الّذي يصوم و يتم، قال: أيّما مكار أقام في منزله، أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام ابدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله اكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الافطار.

و المستفاد من هذه الرواية هو أن السائل كان سؤاله راجعا الى أصل فهم حدّ المكارى الّذي يجب عليه في السفر اتمام الصّلاة و اتيان الصوم، فاجاب

عنه، و كان حاصل جوابه هو أن كل مكار اقام في منزله أو في بلد غير بلده اقل من عشرة أيّام فيجب عليه الصيام و اتمام الصّلاة ابدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الآخر الذي يدخله اكثر من عشرة أيّام يجب عليه التقصير و الافطار.

______________________________

(1) اقول: و لكن الظاهر من الشرط و الجزاء إذا كان الجزاء مذكورا بعد الشرط و لم يصرح بتقدمه وجودا على الشرط، هو تاخر الجزاء بحسب الوجود عن الشرط، و وجوب ايجاده بعد حصول الشرط كما يقتضي طبع الاولى في كل شرط و جزاء، و المقام كذلك، لانه قال بعد ذكر الشرط و اعتباره، بوجوب القصر و الافطار كما يرى من ظاهر الرواية، فتأمل. (المقرّر)

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 232

فهذه الرواية سالمة عما كان مورد الإشكال في الروايتين الاوليتين، و ظاهر هذه الرواية بل صريحها عدم الفرق بين إقامة العشرة في بلده و بين غير بلده و كفاية إقامة واحدة، و عدم جوب القصر إذا لم تكن الإقامة ازيد من العشرة.

و إن قيل: إن الفقرة الاولى من الرواية تدلّ على وجوب الإتمام في الاقل من العشرة، و الفقرة الثانية تدلّ على وجوب القصر في صورة إقامة ازيد من العشرة، فحكم نفس العشرة غير مذكور في الرواية، لأنّ الرواية تعرضت لاقل منها و لأزيد منها.

نقول: بأنّ عدم التعرض لنفس العشرة، و بيان الاقل منها و الاكثر منها، لعله كان من باب ندرة اتفاق كون المقام في نفس العشرة لا انقص منها و لا ازيد منها، بل غالبا يكون المقام إمّا الأقل منها أو الأكثر، فتعرض لحكم الغالب،

و يستفاد حكم نفس العشرة أيضا، لأنّ بعد الحكم بكون المقام في الاقل من العشرة موجب للاتمام، و كانت الفقرة الثانية في الحقيقة مفهوم الفقرة الاولى، فيكون المعنى: انّه يجب على المكاري القصر إذا أقام في بلده أو غير بلده عشرة أيّام و أكثر.

[ادعى بحر العلوم كون الروايات الثلاثة رواية واحدة]

ثمّ إنّه إذا عرفت حال هذه الروايات الثلاثة، و مقدار دلالتها، و الكلام الراجع إليها، فنقول: إن بحر العلوم رحمه اللّه ادعى القطع بكونها رواية واحدة.

و ما يخطر بالنظر البدوي قبل التأمل، و إن كان هو الظن بكونها رواية واحدة و أن عبد اللّه بن سنان راوي الرواية، سمعها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، غاية الأمر الراوي عنه تارة كان يونس بن عبد الرحمن، و تارة يكون ابن ابي عمير لانّهما سمعا الرواية عن عبد اللّه بن سنان، و الرواية الثالثة الّتي يكون في سندها يونس عن بعض رجاله و لم يذكر المعصوم الّذي يروي الرواية عنه، يكون المراد من بعض رجاله أيضا

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 233

عبد اللّه بن سنان، و المعصوم المضمر فيها يكون أبا عبد اللّه عليه السّلام خصوصا مع كون جل روايات يونس بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سنان.

و لكن بعد ما نرى من الاختلاف بين الرواية الثالثة و بين الاولى و الثانية لاشتمالهما على حكم غير مذكور في الرواية الثالثة، و هو وجوب القصر في خصوص الصّلاة النهارية و الإتمام في الصّلاة الليلية يعنى: العشاء، و وجوب الصوم على من أقام في بلده خمسة أيّام و أقل من ذلك، و الحال أن مقتضى الرواية الثالثة وجوب الاتمام مطلقا، و وجوب الصوم على مطلق المكاري الّذي أقام في بلده أقل من عشرة أيّام،

فمع هذا الاختلاف فالالتزام بكون هذه الروايات رواية واحدة بعيد جدا.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأن في المقام يكون كلاما في الروايات على تقدير كونها رواية واحدة، و كلاما على تقدير كونها روايات ثلاثة، نذكر بعد ذكر دلالتها.

[بيان المستفاد من الروايات]

و أمّا دلالتها فقد عرفت بطريق الاختصار ان الرواية الاولى تدلّ على وجوب القصر في الصّلاة النهارية، و الإتمام في الليلية، و وجوب الصوم إذا كانت إقامة المكاري في بلده خمسة أيّام أو أقل، و هذا ممّا لا قائل به بين الفقهاء بهذا النحو، اعنى: بالتفصيل بين صلاة النهار و بين صلاة الليل، و الصوم في خمسة أيّام و اقل اعني: في أربعة أيّام أو ثلاثة أيّام أو يومين أو يوم واحد، و يدلّ ذيلها على وجوب القصر على المكاري في السفر و الافطار اذا أقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو اكثر، مع ما قلنا من أن الصدر بيّن حكم المنزل و الذيل راجع الى حكم غير بلده، و ما قلنا من أن سياق العبارة يقتضي كون إقامة عشرة أيّام شرطا متأخرا لوجوب القصر و الافطار.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 234

و رواية الثانية صدرها يكون مثل صدر الرواية الاولى و يستفاد منه ما يستفاد منه، و ذيلها أيضا مثل ذيلها غاية الأمر اعتبر في ذيلها الاقامتين في وجوب القصر و الافطار لا إقامة واحدة.

إلّا أن يقال: بكون الرواية في مقام بيان حكم المكاري الّذي كان دأبه في المكاراة على نحو يقيم عشرة أيّام في بلده و يسافر، و يقيم في البلد الّذي يسافر إليه عشرة أيّام ثمّ يرجع الى وطنه و هكذا، فتكون الرواية من قوله «و ان كان له مقام في البلد الّذي يذهب

إليه عشرة أيّام أو اكثر و ينصرف الى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو اكثر قصر في سفره و افطر» بيان لهذا الحكم.

فيكون المراد من هذه العبارة و إن كان للمكاري مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو اكثر و ينصرف الى منزله، و يكون له مقام عشرة أيّام أو اكثر اعني: يكون وضع مكاراته بالاقامة عشرة أيّام او اكثر في بلده و البلد الّذي يذهب إليه، فيجب عليه القصر و الافطار، فعلى هذا تكون هذه الرواية معترضة لهذا الحكم، لا أن تكون في مقام بيان وجوب القصر و الافطار على المكاري إذا اتفقت له اقامتان، فلا يرد على هذه الرواية اشكال باعتبار الاقامتين حتى يقال لا قائل باعتبار الاقامتين في وجوب القصر و الافطار، مضافا الى انّه على تقدير دلالتها على اعتبار الاقامتين فهي معارضة مع الروايتين الآخرتين على تقدير عدم كون هذه الروايات الثلاثة رواية واحدة.

و أمّا الرواية الثالثة: فهي سليمة من الإشكال الوارد على صدر الرواية الاولى و الثانية لعدم وجود ما في صدر الروايتين من التفصيل فيها، و عدم كون صدرها متعرضا لبلده و ذيلها للبلد الّذي يذهب إليه، و لم يكن فيها الإشكال في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 235

الأزيد من خمسة أيّام الى عشرة أيّام، و أن ما بينها داخل في حكم الخمسة و أقل، أو في العشرة و اكثر، بل هذه الرواية تدلّ على أن الإقامة في البلد أو في البلد الّذي يذهب إليه إن كان أقل من عشرة يجب الإتمام، و إن كانت الإقامة في بلده أو في غير بلده اكثر من عشرة يجب القصر و الافطار.

[في ذكر الاحتمالان في هذه الرواية]

و يحتمل في هذه الرواية احتمالان:

الاحتمال

الاوّل: أن يقال، كما قلنا في الرواية الثانية، من احتمال كون الرواية متعرضة لحكم أصل المكاري الّذي يجب عليه الإتمام، لا باعتبار اسفاره بل باعتبار أصل نحو مكاراته، و أن السؤال راجع الى أن المكاري الّذي يكون موضوع حكم وجوب الاتمام في السفر هو أي مكار من اقسام المكاري، و كان جواب الامام عليه السّلام راجعا الى أن كل مكار يكون في مكاراته دائما على أن يتوقف في بلده أو البلد الّذي يذهب إليه أقل من عشرة أيّام فهو موضوع لحكم الإتمام في السفر، و اى مكار يكون دابه في هذه الحرفة الإقامة عشرة أيّام او اكثر في بلده، أو البلد الّذي يذهب إليه، فهو خارج عن موضوع حكم المكاري، و يكون الواجب عليه القصر و الافطار في السفر، فعلى هذا الاحتمال يكون السؤال و الجواب راجعا الى كل مكار يكون بنائه دائما على الإقامة اكثر من عشرة أيّام أو أقل، فالاول يجب عليه القصر، و الثاني يجب عليه الإتمام.

و هذا الاحتمال و إن كان مؤيّدا بقوله في الرواية «ابدا» بعد قوله «وجب عليه الصيام و التمام» لأنّ الظاهر هو وجوب الاتمام و الصيام عليه ابدا، و يجب الصيام و التمام على المكارى ابدا إذا كان دابه هو الإقامة مطلقا أقل من عشرة أيّام في منزله أو في البلد الّذي يذهب إليه، فمن هنا نكتشف كون السؤال و الجواب راجعا الى من

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 236

يكون وضع مكاراته على الاقامة أقل من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله، فيجب عليه الإتمام و الصيام، و من يكون وضع مكاراته على الاقامة اكثر من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله، فيجب عليه القصر

و الافطار، و الحاصل كون «ابدا» قرينة على كون السؤال و الجواب عن حد المكاري، و الجواب عمن يكون وضعه دائما على النحوين المذكورين في الرواية.

و لكن يبعّد هذا الاحتمال لسان الرواية بمقتضى التعبير فيها «ايما مكار أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقل من عشر أيام وجب عليه الصيام و التمام ابدا» الدال على ان المكاري إذا اقام في منزله او في البلد الّذي يدخله أقل من عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام ابدا، فيجب عليه هذا الاحتمال على من يكون بنائه الاقامة دائما في بلده أو البلد الّذي يدخله أقل من عشرة أيّام الصيام و الإتمام، و يقتضي هذا الحكم بمنطوقه و مفهومه انّه إذا كان بناء المكاري على الإقامة أقل من العشرة في بلده يجب عليه الإتمام و الصيام و إن كان أقامته في البلد الّذي يدخله اكثر من العشرة، و كذلك من يقيم في البلد الّذي يدخله اقل من العشرة يجب عليه الإتمام و الصيام و إن كان مقامه في بلده اكثر من عشرة أيّام.

و هذا الحكم المستفاد من المنطوق و المفهوم من هذه الفقرة مناف و معارض مع الفقرة الاخرى لأنّ ظاهر لفظ (أو) الواقع في الفقرة الاولى في قوله «في منزله أو في البلد الّذي يدخله» هو أن صرف الاقامة في احد من بلده و البلد الّذي يدخله أقل من عشرة أيّام موجب للاتمام و الصيام و لو كان أقامته في الآخر اكثر من العشرة، و هذا مناف مع ما يستفاد من الفقرة الاخرى من الرواية من أن إقامة المكاري اكثر من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله موجب للقصر و الافطار و

تبيان الصلاة،

ج 1، ص: 237

إن كانت إقامته في الآخر أقل من عشرة أيّام.

إلّا أن يقال بكون (أو) الوارد في الرواية بمعنى «واو» و هو خلاف الظاهر، فما قلنا من الإشكال مبعّد لكون مدلول الرواية هو الاحتمال الأوّل.

و أمّا الاحتمال الثاني: في الرواية فهو أن يقال: بأن السؤال في الرواية راجع الى فهم حد المكاري باعتبار كل سفر و سفر صدر منه، و بعبارة اخرى راجع الى السؤال عن المكاري، لا من حيث أصل مكاراته و وضعه في هذه الحرفة كما قلنا في الاحتمال الأول، بل من حيث اسفار المكاري و وضع عمله أعني: ما يعتبر في عمله من حيث اسفاره الصادرة منه بحيث يكون السؤال من حيث كل سفر و سفر صدر منه لا بما هو مرتبط بسائر اسفاره، بل باعتباره مستقلا.

و بعبارة اخرى يكون السؤال و الجواب راجعا الى أن كل سفر يصدر من المكاري إذا كان صدوره و انشائه باى نحو، يجب عليه الإتمام، و إذا انشأ بأى نحو يجب عليه فيه القصر، فقال عليه السّلام في مقام الجواب عن هذا الحيث بما يرجع كلامه الى أن المكاري إذا أقام في منزله أو أقام في البلد الّذي يدخله أقل من عشرة أيّام وجب عليه الإتمام في السفر بمعنى أن كل سفر من المكاري يكون منشأ سفره و صدوره منه بعد مقامه أقل من عشرة أيام سواء كان من منزله أو من البلد الّذي يدخله، فيجب عليه الإتمام في هذا السفر، و إذا كان منشأ سفره و صدوره من بعد إقامة عشرة أيّام سواء حصلت هذه الاقامة في بلده أو في البلد الّذي يدخله، فيجب عليه في هذا السفر الناشئ منه بعد إقامة العشرة القصر

و الافطار.

فالسؤال و الجواب راجع الى انّه بعد كون المكاري في كل سير محتاجا الى مكث و اقامة لا بدّ منها إمّا في بلده أو البلد الّذي يدخله، لاجل قضاء حوائجه

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 238

الراجعة الى المكاراة من أخذ الأمتعة الّتي أراد أن يسوقها و من تحويل الأمتعة جاء بها، فإن كان هذا المكث أقل من عشرة فيجب عليه الإتمام و إن كان أكثر من عشرة فيجب عليه القصر، فعلى هذا يكون التعبير بلفظ «أو» غير مناف مع هذا البيان و لم يكن تعارض بين الفقرة الاولى و الثانية.

لأنّه على هذا الاحتمال يكون المعنى أن المكاري إذا انشأ سفرا بعد إقامته في بلده أو في البلد الّذي يدخله أقل من عشرة أيّام، فيجب عليه الإتمام، و هذا غير مناف مع الفقرة الثانية الدالة على أن المكاري إذا انشأ سفرا بعد إقامة عشرة أيّام في بلده او البلد الّذي يدخله يجب عليه التقصير في هذا السفر، فيكون المعنى أن سفره إذا كان بعد اقامة اكثر من العشرة ففي هذا السفر يجب عليه القصر، و إذا كان بعد اقامة أقل من العشرة فيجب عليه الإتمام، فالصدر غير مناف مع الذيل، و يكون لفظه او أيضا غير مناف لهذا الاحتمال كما قلنا. «1»

______________________________

(1) أقول: و لا يخفى عليك انّه مع ما قلنا من الاحتمال الأوّل في الرواية، يمكن دفع الإشكال الّذي استشكله سيدنا الأستاذ- مدّ ظلّه- على هذه الاحتمال من أجل التعبير بلفظ «أو» بأن المراد من الفقرة الاولى من الرواية على هذا الاحتمال، هو أن كل مكار يكون وضع مكاراته بأن يقيم في بلده أو في البلد الّذي يدخله أقل من العشرة و وضع مكاراته

هكذا على الدوام، فيجب عليه الإتمام و الصيام، و المراد من الفقرة الثانية هو أن كل مكار يكون وضعه في المكاراة على الدوام باقامة اكثر من العشرة في بلده او البلد الّذي يدخله، فيجب عليه القصر و الافطار فلا ينافي الصدر مع الذيل اعني: الفقرة الاولى مع الثانية بمناسبة التعبير بلفظ (أو) كما افاده مدّ ظلّه

لأنه بعد ضم الذيل الى الصدر نفهم أن المراد من الصدر هو غير مورد الذيل و المراد من ذيل هو غير مورد الصدر، فتكون النتيجة أن المكاري إذا أقام في بلده أو البلد الّذي يدخله أقل من-

عشرة أيّام وجب عليه الإتمام و الصيام إلّا إذا كانت إقامته في احدهما اكثر من العشرة مثلا، إذا أقام في بلده أقل من العشرة و لكن أقام في البلد الّذي يدخله اكثر من عشرة أيّام أو العكس، فيجب عليه القصر بعد ضم الذيل بالصدر، و في ما أقام في واحد من بلده أو البلد الّذي يدخله أقل من العشرة و لم يقم في الآخر منهما اكثر من العشرة يجب عليه الإتمام و الصيام.

فليس على هذا اشكال في الرواية لاجل التعبير بلفظ (أو) و يؤيد هذا الاحتمال كما افاده مدّ ظلّه التعبير بقوله (أبدا) لأنّ الإتمام يجب ابدا على من يكون وضعه دائما على الإقامة في بلده أو البلد الّذي يدخله أقل من العشرة حتى كان الواجب عليه الإتمام و الصيام أبدا، و إلا مع الاحتمال الثاني فلا يجب عليه الإتمام أبدا، لأنه إذا أقام اكثر من العشرة بعد ذلك في بلده او في البلد الّذي يدخله فيجب عليه القصر لا الإتمام.

فالتعبير بلفظ (أو) مناسب مع الاحتمال الأول، و لكن لا فرق في النتيجة بين

الاحتمالين، لأنه على كل من الاحتمالين تكون الإقامة الزائدة من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله موجبا لوجوب القصر و الافطار في السفر الّذي ينشأه المكاري بعد ذلك، أمّا على الاحتمال الثاني فواضح، و أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنه و إن كانت الرواية في مقام بيان حكم من يكون وضعه في المكاراة على الإقامة اكثر من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله، و لكن نفهم أن ما هي العلة لوجوب القصر هو الاقامة اكثر من العشرة، فكلما حصلت الإقامة اكثر من العشرة يجب القصر و الافطار في السفر بعد تلك الإقامة على المكاري.

اللهم إلّا أن يقال: بأن الرواية على الاحتمال الأوّل متعرضة لكل مكار يكون وضع مكاراته دائما كذلك، فلا تعرض للمكاري الّذي يتفق له الإقامة اكثر من عشرة اتفاقا مرة في بلده أو البلد الذي يدخله.

و يمكن أن يقال: بأنّه بعد كون الاقامة لو كانت اكثر من العشرة مانعا عن وجوب الاتمام في السفر على المكاري، أو عدمها شرطا في حكم الإتمام الثابت للمكاري، لأنّ ما يكون علّة لوجوب القصر هو الإقامة إذا كانت اكثر من العشرة، فكلما حصلت العلة يجب القصر و الافطار، فمن يتفق من افراد المكاري له الاقامة اكثر من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله، يجب عليه-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 240

إذا عرفت ما بينا لك من كون هذه الرواية دالة على أن المكارى إذا أقام في بلده أو البلد الّذي يدخله اكثر من عشرة أيّام، يجب عليه القصر في السفر الصادر منه بعد ذلك، و إذا أقام أقل من العشرة يجب عليه الصيام و الاتمام.

[القدر المتيقن فى مقام العمل هو الرواية الثالثة]

فان كانت الروايات رواية واحدة، فالقدر المتيقن ممّا يمكن الاخذ به

هو مفاد هذه الرواية لعدم الاشكال في متنها، بخلاف الرواية الاولى و الثانية، و لعدم اشتمالها على حكم غير المفتى به عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و أمّا إن قلنا بكون كل منها رواية مستقلة، كما لا يبعد بالنظر، لبعد كون الرواية الثالثة متحدة معهما مع الاختلاف الفاحش بينهما من حيث المتن، و لا يبعد أن يكون بعض رجال يونس الّذي يروي عنه الرواية الثالثة غير عبد اللّه بن سنان، فعلى هذا نقول يقع التعارض بين الرواية الثالثة و بينهما، لأنّ منطوق الثالثة و مفهومها يدلّ على أن في صوره اقامة الاقل من العشرة يجب الإتمام مطلقا في النهارية، و في الصّلاة الليلية و يجب الصيام، فإن ذلك مفاد منطوق صدرها و مفاد مفهوم ذيلها، و أمّا الاولى و الثانية فهما تدلّان على أن في صورة إقامة الخمسة أو أقل يجب على المكاري القصر في الصّلاة النهارية، و الإتمام في الصّلاة الليلية، و يجب عليه الصيام.

فيقع التعارض بينها في الخمسة و أقل منها لأنه على مقتضى الرواية الثالثة يجب الإتمام و الصيام، و على الاولى و الثانية يجب القصر في الصّلاة النهارية فقط، و يجب الإتمام في الصّلاة الليلية و يجب الصيام «و الجمع الدلالي و إن امكن في حدّ

______________________________

- القصر و الافطار، و عليك بالتأمل في ما قلت لعدم جزمي بذلك، بل ابداء احتمال في هذا الباب. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 241

ذاته بينهما بان يخصص الرواية الثالثة في خصوص الخمسة و أقل بالروايتين، إلّا انّه لا يمكن الالتزام بهذا الجمع لعدم عامل به» فبعد عدم امكان الجمع و وقوع التعارض إمّا أن يقال: بترجيح الثالثة لانها و إن كانت مرسلة و مضمرة، و

لكن بعد عمل الاصحاب بها يكون ضعفها منجبرا بعملهم، مضافا الى انّه يمكن أن يدعى عدم كونها مضمرة، بل بعد ما يكون بناء الروات في كتبهم على ذكر المعصوم عليه السّلام الذي تروى عنه روايات في أول كتبهم، ثمّ بعد ذلك يقولون و يعبرون في صدر كل رواية (و سألته الى آخر) ما يروون عنه عليه السّلام من الروايات، فيمكن أن يكون بعض رجال يونس أيضا ممّن له كتاب كان وضعه كذلك، ثمّ بعد ذلك صار تقطيع الروايات من بعض من كان متأخرا، أو عدم بلوغ كتاب يونس إلينا سببا لأنّ يتوهم بكون الرواية مضمرة، و على أي حال لا يضر ارسالها و اضمارها بعد عمل الاصحاب بها.

ففي مقام التعارض لا بدّ من الاخذ بها مضافا الى ما يوهن الرواية الثانية و الاولى من اشتمالهما على ما لم يفت به أحد من الفقهاء عليه السّلام، فيجب على هذا على المكاري الإتمام إذا أقام أقل من العشرة في بلده او البلد الّذي يدخله، و إن أبيت عن ترجيح الثالثة في مقام التعارض عليهما نقول: يقع التعارض بينها و تسقط الثلاثة، فلا بدّ من الرجوع الى العام الفوقاني، و هو ما يدلّ على وجوب الإتمام على المكاري في السفر خرج منه المكاري الّذي أقام في بلده أو البلد الّذي يدخله العشرة أو اكثر من العشرة، و يبقى الباقي تحت العموم، فيجب الإتمام مطلقا و الصيام على المكاري في السفر الّذي ينشأ منه بعد إقامة الاقل من العشرة، هذا حال أصل المسألة

[ذكر الفرع الاول]
اشارة

ثمّ أن هنا فروعا:

الفرع الأوّل: انّه بعد ما قلنا من وجوب القصر على المكاري الّذي اقام في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 242

بلده، أو بلد

الّذي يدخله عشرة أيام أو اكثر في السفر الّذي يصدر منه بعد هذه الاقامة، فهل يعتبر في وجوب القصر و الإفطار عليه أن تكون إقامته في بلده أو البلد الّذي يدخله مع النية بمعنى انّه إذا أقام عشرة أيّام أو اكثر مع النية يجب في السفر الصادر منه بعد ذلك القصر و الافطار، أو لا يعتبر كون الإقامة مع النية لا في بلده و لا في البلد الّذي يدخله؟

أو نقول بالتفصيل بين الإقامة في بلده و بين الإقامة في البلد الّذي يدخله فنقول بعدم اعتبار النية في الأوّل و اعتبارها في الثاني.

اعلم أن من راجعنا كلماتهم من الفقهاء رضوان اللّه عليهم لم نر من الشّيخ و غيره تعرضا لاقامة المكارى فى غير بلده أصلا الى زمان المحقق رحمه اللّه، بمعنى انّه قبل المحقق و العلّامة رحمه اللّه كل من رأينا من الفقهاء نرى انّه افتى بوجوب القصر على المكارى إذا أقام في بلده عشرة أيّام أو أكثر، و لم يتعرضوا لغير بلده أصلا، و أول من رأينا انّه تعرض للإقامة في غير البلد هو المحقق ره و العلّامة، و ظاهر كلامهما هو اعتبار النية في الإقامة في غير البلد، و عدم اعتبارها في البلد.

ثمّ إنه بعد هما يوجد في الفقهاء من قال: باعتبار النية في البلد و البلد الّذي يدخله المكاري، و من قال بعدم اعتبار النية في كليهما، و من قال بالتفصيل.

فهل نقول: بعدم اعتبار النية في كليهما جمودا على ظاهر الرواية، لأنّ ظاهر الرواية عدم اعتبار النية في كليهما.

أو نقول: باعتبار النية في كليهما، لأنه بعد عدم امكان الالتزام بكفاية صرف إقامة عشرة في غير بلده في موجبيتها لوجوب القصر في السفر الناشئ

منه بعد ذلك، لعدم صيرورته، بصرف الاقامة بلا قصد، خارجا عن كونه مسافرا و عن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 243

كون السفر عمله، فنقول باعتبار النية في الاقامة في البلد أيضا بقرينة السياق، كما ينسب ذلك الى النجيبية، لأنّ ظاهر الرواية كون إقامة العشرة في البلد و في البلد الّذي يدخله بوزان واحد موضوعا لوجوب القصر على المكاري في السفر الّذي ينشأ بعد هذه الاقامة.

أو نقول بالتفصيل بينهما بأن الظاهر هو عدم دخالة النية في الإقامة في البلد، لأن الشخص متى يكون في بلده لم يعد مسافرا و المكاري أيضا كذلك، فهو متى يكون في بلده لم يكن مسافرا و لم يكن السفر عمله، فعلى هذا بمجرد الإقامة عشرة أيّام و لو كان بلا قصد في بلده، فهو خارج عن المكاري الّذي يكون السفر عمله، لأنّ المكاري يجب عليه الإتمام من باب كون السفر عمله، و من يكون في وطنه ليس السفر عمله، فعلى هذا بمجرد الإقامة يجب عليه القصر في السفر الناشئ عنه بعد ذلك سواء كانت إقامته عن قصد أو بلا قصد.

و أمّا في غير بلده فالمكاري متى لم يقصد الإقامة عشرة أيّام فيه فهو مسافر في السفر الّذي يكون السفر عمله، و لذا يجب عليه الإتمام لكونه في السفر الّذي يعدّ عملا له، فكيف يمكن أن يقال انّه متى يكون في هذا البلد بلا قصد الإقامة و إن أقام عشرة أيّام يجب عليه الإتمام لكون السفر عمله بعد، و لكن إذا سافر بعد هذه العشرة يجب عليه القصر لخروجه ممّن يكون السفر عمله بمجرد إقامة العشرة، فعلى هذا لا بدّ و أن يقال: بأن إقامة العشرة في البلد الّذي يدخله إذا كان

مع القصد و النية يجب القصر على المكاري في السفر الناشئ منه بعد ذلك من باب انّه مع القصد يكون هذا البلد مثل وطنه، فيخرج بسبب ذلك عن كونه مكاريا الواجب عليه الإتمام في السفر لكون السفر عمله، فلهذا يقال بالتفصيل بين البلد فلا تعتبر النية و بين غير البلد

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 244

فتعتبر النية.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الالتزام باعتبار النية و القصد في كليهما فبعيد، مضافا الى كونه خلاف ظاهر الرواية، لأنّ دخالة القصد في ذلك الحكم في ما يكون المكاري في بلده ممّا لا نفهم له وجها، لأنّ المكاري متى يكون في بلده و وطنه عشرة أيّام أو اكثر فلا يعدّ عند العرف كونه في السفر الّذي يكون عمله، بل هو في وطنه و حكم الإتمام بعد ما كان من اجل عملية السفر له، فهو متى يكون في وطنه لا يعد في السفر فيجب عليه بعد تلك الإقامة القصر في السفر، لأنّ هذه الإقامة انسلخته عن عملية السفر، فلا يمكن الالتزام بدخل القصد في الإقامة في البلد.

كما أن الالتزام بعدم دخل القصد في الإقامة في كليهما أيضا بعيد، لأنّ الالتزام بكون نفس إقامة عشرة أيّام في البلد الّذي يدخله و إن كان بلا قصد يوجب القصر في السفر بعدها مشكل لما قلنا من أن المكاري و لو أقام عشرة أيّام بلا قصد فهو مسافر في السفر الّذي عمله و لذا يجب إذا لم يقصد الإقامة الاتمام عليه.

فما يرجح بالنظر من هذه الاحتمالات هو التفصيل بعدم اعتبار القصد في صورة الإقامة في بلده، و اعتبار القصد في صورة الإقامة في غير البلد لموجبيتها للقصر و الافطار لما قلنا وجهه.

[ذكر الاشكال و دفعه]

و إن

قيل: إن ذلك مناف مع السياق الرواية، لأنّ ظاهر الرواية دخالة الإقامة في كل منهما لانهما بوزان واحد، فكيف يمكن التفكيك بينهما.

فنقول: بانا لم نتصرف في ذلك الحيث في الرواية، بل نقول: بأنّه مع كون ظاهر الرواية غير متعرض لاعتبار القصد في كليهما، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي لأنّ يكون القصد غير دخيل في بلده و دخيلا في البلد الّذي يدخله.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 245

بيانه أن ما نفهم من كون إقامة العشرة موجبة للقصر على المكاري في السفر الذي ينشأ منه بعد ذلك، ليس لخصوصية في المكاري، بل يكون هذا الحكم من باب كون الإقامة مانعة من تحقق وصف كون السفر عملا للمكاري و أن إقامة العشرة في بلده مانعة عن حصول وصف عملية السفر له، و الشخص متى يكون في بلده و وطنه و مقيما فيه لم يتحقّق له وصف عملية السفر له، و المقام في الوطن مانع من حصول هذا العنوان له بمقتضى الرواية، فمناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون نفس إقامة العشرة في بلده مانعا عن حصول وصف العملية له، لأنّ المقيم يكون في وطنه فهو بنفسه مانع لتحقق وصف العملية سواء قصد الإقامة في العشرة أولا، فلأجل ذلك لا يعتبر في ثبوت حكم وجوب القصر و الافطار للمكاري في السفر الصادر منه بعد إقامة عشرة أيّام في بلده القصد على الإقامة.

و أمّا في غير بلده فبعد كون البلد و وطن المكاري مانعا عن حصول وصف عملية السفر له، فمتى يكون مسافرا لا يخرج عن اتصافه بكون السفر عمله، و لكن إذا قصد إقامة عشرة أيّام أو اكثر في غير بلده، فيصير غير البلد كالبلد، و يمنع حصول إقامة

العشرة مع القصد عن تحقق عنوان كون السفر عمله، فيجب عليه القصر في السفر الناشئ منه بعد ذلك، فمناسبة الحكم و الموضوع في غير البلد تقتضي كون الإقامة مع القصد؛ لأنّ إقامة عشرة أيّام لا تمنع عن تحقق وصف العملية، و اخراج المكاري عن كونه مسافرا في السفر الّذي يكون السفر عمله إلّا إذا كانت مع القصد.

فالحكم بالتفصيل يكون من باب فهم ذلك من مناسبة الحكم و الموضوع، لا من باب التصرف في ظهور الرواية و تقييدها في مورد البلد الّذي يدخله بالقصد، بل مفاد الرواية ليس الا كون الإقامة في بلد المكاري، و البلد الّذي يدخله مانعا عن

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 246

وجوب الإتمام في السفر الناشئ بعدها عن المكاري، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي عدم اعتبار القصد في الاقامة في بلده، و اعتبار القصد في البلد الّذي يدخله، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه التفصيل.

أو أن يقال: هنا أصلا بعدم كون إقامة العشرة في البلد الّذي يدخله المكاري موجبة للقصر، سواء كانت مع قصد هذه الاقامة أو بلا قصد، لأنّ بعد كون المدرك في المسألة مرسلة يونس أعني: الرواية الثالثة «إمّا من باب ترجيح المرسلة على الرواية الاولى و الثانية في مقام التعارض، و إمّا من باب اضطراب متن الرواية الاولى و الثانية و ما كان فيهما من الاشكال» و قلنا في مقام جبر ضعف سندها بأن عمل الاصحاب جابر لضعفها.

فيقال: إن ما به عمل الاصحاب، كما قلنا، الى ما قبل زمان المحقّق ليس إلّا العمل على بعض الرواية، و هو خصوص إقامة العشرة في بلده، فاوجبوا القصر في السفر الناشئ من المكاري بعد إقامة العشرة في بلده،

فعلى هذا لم يكن عمل من القدماء الى زمان المحقق على طبق الجزء الآخر من الرواية، و هو الاقامة في البلد الذي يدخله، فبعد كون الرواية مرسلة و ضعيفة السند، ففي مقدار ما انجبر منها بعمل الفقهاء يمكن العمل به لكون الرواية بالنسبة الى هذا المقدار منجبرة بعمل الاصحاب، و في غيره فلا، فنتيجة ذلك هو الفرق بين الاقامتين، بأن المكاري إذا أقام عشرة أيّام أو اكثر في بلده فيجب القصر و الافطار عليه في السفر الّذي يصدر منه بعدها، و أمّا إذا أقام في البلد الّذي يدخله فلا دليل على وجوب القصر و الافطار عليه.

فهل نلتزم بذلك؟ أو يقال: بأنّه كيف يمكن الالتزام بانجبار الرواية و صحتها

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 247

في جزء منها و ضعفها في جزئها الآخر.

و على كل حال الحكم بوجوب القصر و الافطار على المكاري في السفر الناشئ منه بعد إقامة العشرة أو اكثر في البلد الّذي يدخله، و خصوصا إذا كانت إقامته بلا قصد، مشكل مع عدم ذكر لها من الشّيخ رحمه اللّه و غيره من الفقهاء رضوان اللّه عليهم الى زمان المحقق و العلّامة رحمه اللّه.

فنقول: في صورة الاقامة في غير بلده و خصوصا إذا كانت الإقامة عشرة أو اكثر بلا قصد العمل بالاحتياط بين القصر و الإتمام، فافهم.

[ذكر الفرع الثاني و الثالث]

الفرع الثاني: بعد ما عرفت من أن المكاري إذا أقام في بلده أو البلد الّذي يدخله على الكلام فيه عشرة أيّام أو اكثر يجب عليه القصر و الافطار، يقع الكلام في أن هذا الحكم هل يكون مخصوصا بالمكاري، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر الرواية، لكون مورد الرواية خصوص المكاري، أو لا يكون مختصا بالمكارى، لأنّه بعد عدم

كون خصوصية للمكاري حتى يكون من باب كونه مكاريا موردا لهذا الحكم، و عدم كون المكاراة دخيلة في اثبات هذا الحكم، بل العرف يفهم بأن هذا الحكم لم يثبت له إلّا من باب كون السفر عمله، فكل من يكون السفر عمله يكون هذا الحكم ثابتا له، فظاهر الرواية و إن كان في خصوص المكاري و لكن بمفهوم الموافقة اعنى: تنقيح المناط القطعي، نحكم بأن هذا الحكم ثابت لكل عنوان من العناوين الّتي يكون السفر عمله.

الفرع الثالث: بعد فرض كون إقامة العشرة او أكثر في بلده، أو البلد الّذي يدخله موجبة للقصر و الافطار، فهل يعتبر في هذه الإقامة أن تكون إقامة عشرة أيّام متصلة بمعنى: أن المكاري إذا أقام هذا المقدار متصلا في بلده بحيث لم يتخلل

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 248

بينها فصل بالخروج عن البلد، يجب عليه القصر أو لا يعتبر الاتصال؟

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 1، ص: 248

أعلم أن ما يظهر من بعض الفقهاء هو عدم اعتبار ذلك.

فبعضهم قال: بأن المكاري إذا أقام في بلده و توقف يوما، ثمّ خرج الى مسافة أقل من مسافة القصر فتوقف يوما فيها، ثمّ رجع الى البلد فهذا اليوم المتخلل غير مضر باقامته في البلد، و يحسب هذا اليوم جزء من العشرة.

و بعضهم قال: بأن هذا اليوم الّذي خرج فيه الى المسافة الّتي تكون أقل من المسافة الشرعية لم يحسب من العشرة، و لكن تخلل ذلك اليوم لا يضر بالاقامة في البلد بمعنى: انّه إن أقام في البلد عشرة أيّام و إن تخلل بينها خروج يوم، فلا يضر بصدق

الإقامة.

و الّذي ينبغي أن يقال: هو أن ظاهر الرواية يدلّ على أن إقامة العشرة أو الاكثر في البلد توجب القصر، فكيف يقال بمن أقام في بلده و غير بلده انّه أقام عشرة أيّام في بلده؟ لأنّ الظاهر من إقامة العشرة هو الإقامة المتصلة، فعلى هذا بمجرد خروجه الى مسافة و ان كانت أقل من المسافة الشرعية بين العشرة، خرج عن كونه مقيما في بلده عشرة أيّام، فلا وجه للقولين الاولين أعني: قول من قال بأن الخروج الى أقل من المسافة الشرعية يوما لا يضرّ بصدق الإقامة، بل يحسب هذا اليوم أيضا جزء من العشرة، و قول من قال بعدم حساب ذلك اليوم جزء الإقامة، و لكن لا يضر الخروج يوما بالاقامة عشرة أيّام في البلد الّذي أقام فيه، لما قلنا من أن ظاهر الرواية موجبية اقامة عشرة أيام أو اكثر متصلة في خصوص بلده أو البلد الّذي يدخله للقصر و الافطار، و الا فلا.

و أمّا الخروج الى حد الترخص فهو بعنوان حد الترخص لا ينبغي أن يقع

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 249

مورد الكلام، بل ما يمكن أن يقال: إن الخروج الى بعض توابع البلد في يوم أو بعض يوم مثلا في ضمن العشرة لا يضر بصدق الإقامة إذا كان عند العرف هذا الموضع الذي خرج إليه يحسب من توابع البلد بحيث يصدق عندهم بأنّه مع خروجه الى هذا الموضع مقيم في البلد، و إلا يكون مضرا بالإقامة فافهم.

[ذكر الفرع الرابع]

الفرع الرابع: لا اشكال في أن بعد إقامة المكاري عشرة أيّام أو اكثر في بلده أو البلد الّذي يدخله يجب القصر و الافطار في السفر الأوّل الّذي يصدر منه بعد تلك الإقامة، فهل يجب عليه القصر

بعد ذلك في السفر الثاني و الثالث حتى يصير مجددا معنونا بعنوان كون السفر عمله.

و بعبارة اخرى هل إقامة العشرة تخرج المكاري عن عنوان عملية السفر حتى يكون وجوب الإتمام عليه في السفر بعد الإقامة موقوفا على تجدد هذا العنوان له بعد ذلك، و لازم ذلك هو عدم كفاية سفر الأوّل بعنوان المكاراة لتعنونه بهذا العنوان، بل يلزم سفران أو اسفار ثلاثة حتى يصدق عليه عنوان كون السفر عمله.

أو يجب عليه الإتمام في غير السفر الأول، لأنّ السفر الأوّل هو القدر المتيقّن من الرواية، و أمّا غير السفر الأوّل فشمول الحكم له غير معلوم. «1»

______________________________

(1) أقول: اعلم انّه و إن لم يتعرض سيدنا الأستاد- مد ظله- في هذا المقام لما افاده سابقا و لكن أقول: بأنّه على مبناه من كون ظاهر الرواية هو بيان حد المكاري باعتبار كل سفر من اسفاره بحيث يلاحظ كل سفر من اسفاره مستقلا، و أن السؤال و الجواب في الرواية راجع الى أن المكاري يكون وضعه في اسفاره على نحوين.

فتارة ينشأ السفر بعد إقامة عشرة أيّام أو اكثر، فيجب في هذا السفر القصر و الافطار عليه.

و تارة ينشأ سفره بعد إقامة أقل من العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله، فيجب عليه في-

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 250

و اعلم انّه- مد ظله- تعرض في مجلس البحث في يوم البعد لما قلته: بأن ما ينبغي أن يقال في المقام، مع ما قلنا من كون السؤال و الجواب راجعا الى بيان حد المكاري باعتبار كل سفر من اسفاره، و انّه في كل سفر صدر منه بعد إقامة العشرة في بلده أو البلد الّذي يدخله يجب عليه القصر و الافطار، و في كل

سفر صدر منه بعد إقامة الاقل من العشرة يجب عليه الصيام و اتمام، فنقول في هذا الفرع بأنّه يجب القصر في خصوص السفر الأوّل، لأنّ هذا السفر هو السفر الّذي انشأ المكاري بعد

______________________________

- السفر الصادر منه بعدها الإتمام و الصيام، فعلي هذا نقول في المقام: بأنّه إذا أقام المكاري في بلده أو البلد الّذي يدخله عشرة أيّام أو اكثر فيجب عليه في خصوص السفر الصادر منه بعد ذلك القصر و الافطار لا في اسفاره الأخرى، بل في السفر الثاني إذا كان قبله أقام في بلده أو البلد الذي يدخله اقلا من العشرة يجب عليه بمقتضى صدر الرواية الإتمام، لكون سفره صدر من إقامته أقل من العشرة.

فعلى هذا لم تكن حاجة الى اتعاب النفس بأن القدر المتيقن من ثبوت وجوب القصر بعد إقامة العشرة أو اكثر هو السفر الأول، و فيما بعد ذلك لو شككنا في انّه هل يجب القصر أو الإتمام يقال بوجوب الإتمام تمسكا بالعموم الدال على وجوب الإتمام على المكاري في السفر، بأن يدعى أن هذا الحكم تخصيص لهذا العموم، و القدر المتيقن من التخصيص هو السفر الأوّل.

لأن الأمر إذا بلغ الى هذا المقام فلا يتم المطلب، و لا يمكن الالتزام بوجوب الإتمام في السفر الثاني بهذا الوجه، لأنّ ظاهر الرواية هو الحكومة حيث (قال: سألته عن حد المكاري الّذي يصوم و يتم) و هذا أوضح افراد الحكومة، فعلى هذا بعد ضم دليل الحاكم أعني: هذه الرواية الى المحكوم و هو العموم الدال على وجوب الإتمام على المكاري، فتكون النتيجة هو أن موضوع المكاري الّذي يجب عليه الإتمام من رأس هو المكاري الّذي كانت اقامته في بلده أو البلد الّذي يدخله اقلا

من العشرة، و من كانت إقامته اكثر من العشرة فهو خارج موضوعا عن حكم المكارى الواجب عليه الاتمام، فبعد خروجه موضوعا فدخوله ثانيا محتاج الى انطباق عنوان المكاري الّذي عمله السفر له ثانيا، فقبل ذلك لا يجب عليه الإتمام، و لو فرض الشّك فالمرجع هو العموم الفوقاني و هو وجوب القصر على المسافر، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 251

اقامته عشرة أيّام، و أمّا في الاسفار الاخر فكل سفر انشأ بعد الإقامة اقل من العشرة فيجب عليه الإتمام لدلالة الرواية على ذلك.

[ذكر الفرع الخامس]

الفرع الخامس: بعد ما ثبت وجوب الافطار و القصر على المكاري بعد اقامة العشرة أو اكثر في خصوص السفر الأوّل الصادر منه بعدها، فهل يكون هذا الحكم ثابتا في السفر الأوّل مطلقا سواء كان بحسب الزمان هذا السفر قصيرا، مثل أن يسافر للمكاراة من بلده الى بلد كانت مدته يوما أو يومين، أو كان سفرا متعارفا بحسب المعمول في المكارة، و سواء كان على غير هذا النحو، مثل ما إذا سافر للمكاراة و طال زمانه، بأن تكررت منه المكاراة و هذا العمل من مكان غير بلده الى مكان آخر، مثل أن يخرج للمكاراة من بلده و يدخل بلدا و يحول المتاع الّذي جاء به، ثمّ اخذ متاعا آخر لأنّ يسوقه الى بلد آخر و هكذا، و في هذه المدة كان هذا المكارى في سفر واحد، و لكن كان مشتغلا بشغل المكاراة و لم يرجع الى بلده، أو يكون الحكم مخصوصا بالصورة الاولى بحيث يقال بعدم شمول وجوب القصر للصورة الثانية.

اعلم انّه بعد دلالة الرواية على وجوب القصر و الافطار في السفر الأوّل، فلا يبعد شمول الحكم للسفر الأوّل على أى وجه اتّفق، لأنّه

لا وجه لدعوى اختصاص قوله في الرواية «قصر في سفره و افطر» للسفر الّذي يكون قصيرا بحسب الزمان، و يكون متعارف اسفار المكاري، بأن يسافر للمكاراة من بلده و يحمل متاعا الى بلد آخر و يرجع مع متاع أو بلا متاع الى بلده، بل يشمل السفر الأوّل على أي وجه اتفق، فاذا سافر بعد الاقامة للمكاراة فمتى لم يرجع الى وطنه و بلده فهو في السفر الأول، و إن كان مشتغلا في ضمن هذا السفر الواحد بالمكاراة من بلد الى بلد آخر و

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 252

هكذا، فعلى هذا لا يبعد شمول الحكم للسفر الأوّل على اي وجه اتّفق.

[ردّ كلام السيد رحمه اللّه فى العروة الوثقى]

و بناء على ما قلنا في هذا المقام من شمول حكم القصر للسفر الأوّل بعد الإقامة كائنا ما كان يظهر لك ما في دعوى السيّد رحمه اللّه في العروة الوثقى في طيّ ذكر مناط كون السفر عملا للمكاري في أصل المسألة، و قوله «و المدار على صدق اتخاذ السفر عملا له عرفا و لو كان في سفرة واحدة لطولها، و تكرر ذلك منه من مكان غير بلده الى مكان آخر، فلا يعتبر تحقق الكثرة بتعدد السفر ثلاث مرات أو مرّتين» قال بعد ذلك «فمع الصدق في اثناء السفر الواحد أيضا يلحق الحكم، و هو وجوب الإتمام نعم، إذا لم يتحقّق الصدق إلا بالتعدد يعتبر ذلك».

لأنّه بعد كون القصر واجبا على المكاري في السفر الّذي ينشأ بعد إقامة العشرة في بلده مع حصول وصف المكاراة له قبل تلك الإقامة، فكيف يمكن أن يقال بوجوب الإتمام عليه في السفر الأوّل الّذي يكون مشتغلا فيه بالمكاراة و يسافر بهذا العنوان و إن طال هذا السفر، و لا

جل ذلك قلنا في حاشيتنا على العروة في هذا المقام أن «وجوب القصر في السفر الأوّل مطلقا لا يخلو من قوة».

و إن قلت: إن الحكم بوجوب القصر في هذا المقام تعبّد استفيد من رواية يونس، فلا وجه لأنّ يقاس بهذا أصل المسألة و يقال بعدم وجوب الإتمام على المكاري في السفر الأوّل الّذي يشرع في العمل بالمكاراة فيه حتى مع الصدق عرفا بكون السفر عمله لطول السفر.

فنقول: بأنّه بعد حكم الشارع على من يكون مكاريا بأنّه مع اقامة عشرة أيّام أو اكثر يجب القصر عليه مع كونه مكاريا و صيرورته متلبسا بالمكاراة، فالأولوية القطعية تحكم بأن الشخص لم يصر معنونا بعنوان المكاراة بمجرد خروجه

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 253

من وطنه بالسفر الأوّل و إن طال السفر، فكان ما قلنا من باب الاولوية القطعية.

ثمّ إنه بعد ما قلنا من وجوب الإتمام في السفر على المكاري و اخواته المذكورة في الرواية لاجل الروايات مع تفصيل و شرح منا في هذه المسألة و ما ينبغى أن يقال في هذا المقام. يقع الكلام في ما ذكر «1» العلّامة في التذكرة بعد عنوان المسألة، و جعل أحد الشرائط في وجوب القصر عنوان (أن لا يكون سفر المسافر اكثر من حضره) فإنه في الفرع ه مع ما قال في صدر البحث من كون الشرط (أن لا يكون سفره اكثر من حضره) قال ما يكون حاصله راجعا الى انّه هل يشمل حكم المكاري و ساير العناوين المذكورة في الروايات لغيرها ممّن يكون مثلهم من كون سفرهم اكثر من حضرهم أم لا؟ و يظهر من كلامه الإشكال في شمول حكم الإتمام لغيرهم. «2»

و يظهر من المحقّق رحمه اللّه في المعتبر «3» أيضا

انّه خص حكم الإتمام بخصوص هذه العناوين المنصوصة، لأنّه بعد ذكر كلام من يقول بكون الشرط هو (أن يكون سفره اكثر من حضره) و الإشكال فيه بأن لازم ذلك وجوب الإتمام على من يكون شغله المكاراة في كل شهر عشرين يوما، و يتوقف في بلده عشرة أيام، و الحال أن من أقام في بلده عشرة أيّام يجب عليه القصر في السفر بعد المقام، و بعد قوله بأن الشرط هو أن لا يكون ممّن يجب عليه الإتمام انّه تعرض لخصوص هذه العناوين، و لم يذكر حكم الإتمام لغير هذه العناوين ممّن يكون مثلهم.

______________________________

(1) التذكرة، ج 4، ص 393، مسئلة 633

(2) التذكرة، ج 4، ص 395، فرع ه

(3) المعتبر، ص 252، الشرط الرابع

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 254

فهل نقول باختصاص وجوب الإتمام في السفر على خصوص العناوين المذكورة في الروايات كالمكاري و اخواته؟ أو نقول بشمول الحكم لغيرهم يكون مثلهم في كون السفر عملهم، و كونه مثلهم شغلا مثل سائق السيارات في هذا العصر.

[يشمل الحكم لكل من كان مثل هذه العناوين]

لا يخفى عليك أن شمول حكم الإتمام لكل من يكون مصداقا لكون السفر عمله، و يكون مثل العناوين المذكورة ممّا لا إشكال فيه «و ان كان هناك كلام آخر فيما هو المراد من كون السفر عمله» كسائق السيارات حتى انّه لو لم تكن العلة المذكورة في الرواية يمكن دعوى شمول حكم الإتمام الثابت للمكاري و اخواته لمن يكون مثلهم فمن يكون مثلهم، في كون السفر عمله داخل تحت هذا الحكم و إن لم يصرح به في الرواية، لانّه بعد ما يرى العرف عدم دخالة خصوص عنوان المكاري لصيرورته موضوعا لهذا الحكم، فبالغاء الخصوصية يحكم بشمول الحكم لغيره و إن لم يكن مورد النص،

فعلى هذا لا إشكال في كون من يكون مثل هذه العناوين كسائق السيارات يكون مثل هذه العناوين في كون الواجب عليه الإتمام في السفر إذا كان السفر عمله، فافهم.

ثمّ إنّه بعد ما قلنا من انّه لا بدّ من البحث في العناوين المذكورة في رواية زرارة، و العلة المذكورة فيها من جهات قد أمضينا الكلام فيها، و نعطف عنان الكلام فعلا، بطريق الاختصار لفهم حاصل ما قلنا في المقام، الى ما ينبغي أن يقال في هذه الجهة.

فنقول بعونه تعالى: إن العناوين المذكورة في روايات الباب كانت عشرة.

و بعد استثناء الامير الّذي يدور في إمارته، و الجابي الّذي يدور في جبايته، و التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق الى سوق لما قلنا في التاجر، و لأنّ الامير و

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 255

الجابي الكذائي لا يأتي بالنظر أن يكون وضعهما هو السير و السفر دائما، لعدم تعارف كون امير ناحية في السفر في ناحيته دائما، و كذا الجابي، و هذه الثلاثة مما ورد وجوب الإتمام عليهم في خصوص رواية السكوني، فغاية ما يمكن أن يقال في حقهم الإتمام هو في ما يكون وضع الامير أو الجابي أو التاجر على السفر دائما، بحيث يكون ذلك عملهم حتى يصدق أن الامير يدور في إمارته و الجابي يدور في جبايته و التاجر يدور في تجارته من سوق الى سوق، لأنّ معنى الدور هو انّه يكون في كل يوم في مكان من امكنة إمارته أو جبايته أو تجارته.

و بعد عدم فهم ما هو المراد من الاشتقان لما قلنا من عدم معلومية ما هو المراد منه، و بعد كون الاعراب أعني: البدوي أيضا خارجا، لأنّ وجوب الإتمام عليهم يكون لأجل

علّة اخرى و هو كون بيوتهم معهم، و بعد استثناء الراعى قسما منه كما قلنا لا يجب عليه الإتمام، و هو من يرعى الدواب في أقل من المسافة، و قسما منه داخل في البدوي و هو من يرعى الاحشام و الاغنام و ليس له محل و منزل، بل كل يوم يكون في محل و يكون وضعه وضع البدوي.

فتبقى أربعة: المكاري، و الجمال، و الكري.

و هو من يكري نفسه، و لعل المراد منه هو البريد، لأنه يكري نفسه لارسال الكتب.

و الملاح لا مطلقا، بل بعض اقسامه لأنه قلنا من أن وضع بعض اقسامه يكون كوضع البدوي.

[فى المراد و ما هو مناط وجوب الاتمام]

فهذه الاربعة بالنحو الّذي قلنا يجب عليهم الإتمام في السفر لكون السفر عملهم، إنما الكلام في المراد منهم و ممّا هو مناط وجوب الإتمام عليهم.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 256

فنقول: إن الناس بعد ما كانت دواعيهم غالبا في اختيار الأمور من الحرف و الصنائع و المشاغل، هو الدنيا اعني: يكون وجه حركتهم و إقبالهم الى الأمور جهات الدنيوية، و تنظيم أمور معاشهم من هذه الطرق، فتكون المشاغل المتخذة شغلا على نحوين:

النحو الأوّل: أن يكون وضع الشغل و الحرفة على الإقامة و الحضر، بحيث يكون الوضع الطبيعي للمشتغل بهذا الشغل الكون في الوطن، و لا حاجة فيه الى السفر أصلا، و لو احتاج تارة الى السفر فهو خارج عن وضعه الطبيعي، و من ذلك الزراعة و نظائرها من المشاغل.

النحو الثّاني: أن يكون وضع الطبيعي لهذا الشغل على السفر، بحيث يكون بماله من وضعه في حد ذاته موقوفا على المسافرة، و لو احتاج اتفاقا الى الإقامة في الوطن كان ذلك خارجا عن وضعه الطبيعى، و من ذلك شغل المكاراة و شغل الجمال

و الملّاح و سائق السيارات، لأنّ هذه المشاغل بوضعها الطبيعي محتاجة الى السفر لحصول هذه الحرف و المشاغل في المسافرة، بل لا موضوع لهم إلّا في السفر بحيث لا يكون وقوف صاحب هذه المشاغل في الوطن إلّا على غير وضع الطبيعى، و على نحو الحركة القصرية، و يكون عيشهم و نشاطهم في السفر.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه بعد التأمل في هذه العناوين أعني: المكاري و الجمال و الكري و الملّاح، يرى أن ما هو الملاك في وجوب الإتمام عليهم في السفر ليس إلا حيثية موجودة فيهم فهم متفقون في الواجدية لهذه الحيثية، و هو أن هذه المشاغل من جملة المشاغل الّتي تكون بوضعها الطبيعي موقوفة على السفر، لكونها أعمالا و مشاغل متحصلة في السفر و إن كان بينها فرق في أن المكاري يكري

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 257

الدواب، و الجمال يكري الجمال، و الكري يكري نفسه، و الملاح يكري السفينة، و لكنهم متحدون في كون مشاغلهم من المشاغل الّتي قوامها بالسفر، فعلى هذا لا يأتى بالنظر من صيرورتهم موضوعا لوجوب الإتمام في السفر إلّا لواجديتهم لهذا الحيث أعني: حيث كون الوضع الطبيعي في شغلهم هو السفر، و بهذا البيان يمكن أن يحمل قوله عليه السّلام «لأنّه عملهم» اعني: وجوب الاتمام عليهم يكون لاجل كون السفر عملهم، لأنّ الوضع الطبيعي في عملهم و شغلهم هو السفر، فعملهم عمل في السفر و السفر عملهم، و لا نفهم من العلة إلّا ما قلنا.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن مقتضى وجوب الإتمام على هذه العناوين الأربعة مع العلة المذكورة، هو أن كل من كان عمله ممّا يكون بوضعه الطبيعى متقوم بالسفر، بحيث يكون الشغل مقتضيا في حدّ ذاته أن

يقع في السفر، و لذا يكون الوقوف في الوطن على صاحب هذه المشاغل غير الوضع الطبيعي كما ترى أن المكاري تكون إقامته في محله على غير الوضع الطبيعي، و لذا يكون نشاطه بالسفر و حظه بأن يوجد له متاع يحمله من محل الى محل آخر، و إذا وقف في بلده أو غير بلده لعدم وجود ما يشتغل به، يحصل له الكدورة، بخلاف من يكون وضعه الوقوف في الوطن فإن أمره بالعكس فإن السفر فيه الكلفة و المشقة و نشاطه بالوقوف في الوطن.

فنقول نحن ندور مدار ما بينّا من كون المناط في وجوب الاتمام عليهم مع ضم العلة هو أن كل من يشتغل بشغل يكون وضعه الطبيعى السفر في حد ذاته، فهو مصداق لموضوع حكم وجوب الاتمام، و يجب عليه في السفر الإتمام، و إلّا فلا.

فعلى هذا نقول: إن المكاري و الجمال و الكري داخل و الملاح في صورة داخل في موضوع هذا الحكم، و كذا كل من يكون مثلهم و إن لم يكن مذكورا في

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 258

الرواية كسائق السيارات في عصرنا الحاضر فإنه أيضا مثلهم لكون السفر عمله بالمعنى المتقدم.

و أمّا من كان مشتغلا بشغل لا يكون مقتضى وضعه الطبيعي أن يقع في السفر، و ليس في حد ذاته عملا سفريا في مقابل عمل الحضري، مثل المحصل الّذي بنى على الخروج من وطنه الى بلد للتحصيل، و دائما يذهب الى هذا البلد و يخرج، فإنه و إن كان بنائه على السفر و كثر سفره، و لكن حيث لا يكون تحصيل العلم بوضعه الطبيعي ممّا يوجب وقوعه في السفر من أجل شغله بالسفر.

أو الكاتب الّذي بنى على أن يخرج دائما الى بلد

للتحرير و الكتابة، ثمّ يعود الى منزله و هكذا فهو أيضا مثل المحصل، و كذا من بنى على أن يخرج للزيارة دائما مثلا من بغداد الى كربلاء، فهو و إن كثر سفره و لكن لا يشمله الحكم، لعدم كون وضعه الطبيعي على السفر من أجل شغله السفر.

[لا يلزم كون سفر المكارى لاجل النفع]

و ممّا قلنا ظهر لك انّه لا يلزم أن يكون وجوب الإتمام في ما كان سفر المكاري مثلا لاجل الاستفادة و تحصيل النفع، لما قلنا من أن ذلك من قبيل الداعي لهم، بل يكفي كون الشغل بوضعه الطبيعي السفر و في السفر و ان كان داعي الاشخاص باتخاذ هذه المشاغل هو النفع، فبناء على هذا لو سافر المكاري لاجل أن يحمل أهل بيته يجب عليه الإتمام، و أيضا لو سافر تارة و حمل متاعا مجانا الى بلده.

و ظهر لك أيضا انّه ليس مرادنا من هذا البيان في كون السفر عملهم أن يكون ذلك حرفة لهم، بأن يكون المراد من العمل هو الحرفة، بل المراد هو كون السفر عملهم لما يكون شغلهم من وضعه الطبيعي، فكل شغل يكون بوضعه الطبيعي السفر فيجب على شاغله الإتمام.

تبيان الصلاة، ج 1، ص: 259

و ظهر لك ممّا مرّ أن الضابط في وجوب الاتمام عليهم ليس كون السفر اكثر من الحضر، بحيث يكون الواجب الإتمام على من يكون سفره اكثر من حضره و إن كان ذلك لاجل التحصيل مثلا، و لا ما اعتبروا في مقام ذكر هذا الشرط بأن الشرط أن لا يكون المسافر كثير السفر، لما قلنا من عدم وجوب الإتمام على مطلق كثير السفر.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الاول من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على مباحث صلاة الجمعة و المسافر الى

احكام قواطع السفر

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء الثاني

اشارة

تبيان الصّلاة تقرير البحث فخر الشّيعة و مفخر الشّريعة آية اللّه العظمى الحاجّ السّيّد حسين الطّباطبائي البروجرديّ قدس سره الشّريف

لمقرّره سماحة آية اللّه العظمى الحاجّ آقا علي الصّافيّ الكلبايكاني

المجلّد الثّاني

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 3

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 5

[تتمة الشرط الثالث من شرائط القصر]

فصل في قواطع السّفر

اشارة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 7

الجهة الثالثة: في قواطع السفر
اشارة

و هي ثلاثة بين مجمع عليه و مختلف فيه:

[الاوّل من قواطع السفر المرور على الوطن]
اشارة

الأوّل منها: المرور على الوطن و هو يذكر:

تارة في طى شرائط القصر و يجعل أحد منها، و يقال من شرائط وجوب القصر أن لا يكون من قصده المرور على وطنه، و تارة في ضمن القواطع و يقال: إن من القواطع المرور على الوطن.

و على كل حال لا اشكال في قاطعيته للسفر، لأنّ السفر عبارة عن التغرب عن الوطن و المسكن، فهو مقابل للكون في الوطن، فمع مرور الشخص بوطنه لا يكون مسافرا قطعا، بل يكون حاضرا لأنّ الحضر مقابل السفر الّذي معناه البعد عن الوطن، و لا يقال لمن كان في وطنه و منزلة إنه مسافر، و لذا لا يشمل قوله تعالى: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اخ «1» أو قوله فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ

______________________________

(1) سورة النساء/ الآية 101

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 8

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» من يكون حاضرا في منزله و وطنه، لأنّ الحضر مقابل للسفر و يكون السكون و المقام في الوطن مقابل للضرب في الأرض، و هذا مما لا شك فيه.

إنما الكلام في ما هو وطن عند العرف، و أن الوطن هل يكون مسقط رأس الشخص، أو يكون مسكن آبائه و اجداده مع كونه مسقط راسه، أو يكون مكانا أراد الشخص السكون فيه ما دام الحياة، أولا يعتبر فيه شي ء من ذلك كما هو الحق، بل هو مكان يكون الانسان ساكنا فيه بحسب طبعه مثل أن يكون فيه اهله و عياله؟

[الوطن هو الّذي خروج الانسان منه على خلاف طبعه الاولى]
اشارة

و بعبارة اخرى: هو عبارة عن المكان الّذي يكون خروج الإنسان منه بسبب العوارض و حدوث الحوائج و على خلاف طبعه الأولي.

و الحاصل: انّه لا يصح الالتزام بكون الملاك في صدق الوطن كونه مسقط رأس الشخص،

أو مسكن آبائه و اجداده، أو مقره مع البناء على الإقامة فيه ما دام الحياة، بل المعتبر في صدق كون المكان وطنا للشخص، هو أن يكون المكان مقره بحيث يكون خروجه منه بازعاج مزعج، و بعد قضاء حوائجه الموجبة للخروج منه يرجع الى ذلك المكان، كالطيور الّتي ترجع الى أو كارها بعد الخروج لتهيئة الرزق، فعلى ما قلنا من كونه الوطن هو الّذي يعدّ التباعد منه سفرا و الكون فيه حضرا.

فما في العروة الوثقى من أن المشهور بين الفقهاء اعتبار البناء على الإقامة ما دام العمر في صدق الوطن ليس في محله؛ لعدم اشتهاره بينهم، و لذا ترى أن العلّامة في القواعد «2» و التذكرة «3» و غيرهما من كتبه يعبّر بهذه العبارة «لو اتخذ بلدا دار

______________________________

(1)- سورة البقرة/ الآية 184

(2)- القواعد/ ج 1/ ص 50

(3)- التذكرة، ج 4، ص 394، فرع ط

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 9

اقامة»، و كذا غير العلّامة، و المستفاد من هذه العبارة هو كفاية صرف اتخاذ محل بعنوان دار إقامة في صدق الوطن بدون اعتبار كون اتخاذه دار إقامة ما دام العمر.

فما يعد التباعد عنه عند العرف سفرا ليس إلّا دار الإقامة و مقره بنحو الّذي قلنا.

و يستظهر ذلك من بعض الروايات أيضا، مثل ما ورد في من دخل عليه الوقت و هو حاضر، ثمّ صار مسافرا أو بالعكس بهذه العبارة «دخل الوقت و هو في بيته» فإنّ المراد من البيت ليس الا دار الإقامة و مقره.

و ما ورد في أهل مكّة إذا خرجوا الى منى، فإنّ المراد من أهل مكّة في هذه الروايات ليس إلّا من يكون ساكنا في مكّة و من اتّخذ مكّة دار إقامته.

و ما ورد

من التعليل في الاعراب و الملاح في مقام عدم وجوب القصر عليهم في السفر بأن «بيوتهم معهم» و يستظهر ذلك من الآية الشريفة المذكورة كما مربيانه، هذا حال الوطن في نظر العرف.

و أمّا حال الوطن في لسان الادلة الشرعية و الأخبار الواردة فليس في الروايات الّتي تكون في مقام بيان حكم المسافر ذكر الوطن حتى ندور مداره.

[في ان روايات على بن يقطين كلها رواية واحدة]

نعم، قد ذكر في بعض الروايات لفظ «الاستيطان»، و الظاهر أنّ الروايات التي ذكر فيها الاستيطان أو التوطين أو الوطن أو السكون لا تتجاوز ثلاث روايات و إن كان صاحب الوسائل رحمه اللّه عدّها سبعا؛ و ذلك لأنّ الروايات الواردة في هذا الباب ينتهى سند أربع منها الى عليّ بن يقطين، و هي: الرواية 1 و 6 و 7 و 10 من باب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و الظاهر بل المعلوم كون هذه الروايات الأربع رواية واحدة، و اختلاف الواقع في متن البعض منها مع بعض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 10

الآخر إمّا لاجل اختلاف نقل عليّ بن يقطين» «1»، أو من بعض من روى عنه الرواية لا بعين عبارتها، بل بنحو النقل بالمعنى.

و كذا الرواية 9 من هذا الباب ليست رواية مستقلة غير رواية عليّ بن يقطين فهذه الرواية و إن كان سندها ينتهى الى سعد بن ابي خلف، و الظاهر من الرواية هو كون سعد المذكور حاضرا حينما سأل عليّ بن يقطين من المعصوم عليه السّلام «لأنّه قال:

سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: إن كان ممّا قد سكنه أتم فيه الصّلاة، و إن كان مما لم يسكنه فليقصّر» و لم يكن فيها

لفظ الاستيطان، بل جعل ملاك الاتمام و القصر السكون فيه و عدمه.

و لكن ليست هذه الرواية غير ما رواها علي بن يقطين السائل عن المسألة من الإمام عليه السّلام «2».

إنّما الكلام في الرواية 8 من الباب المذكور الّتي ينتهي سندها الى حماد بن عثمان، و هو يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قد يتوهم أن هذه الرواية أيضا لم تكن غير ما رواها عليّ بن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام لقوة احتمال الاشتباه و ذكر أبي عبد اللّه عليه السّلام بدل أبي الحسن عليه السّلام.

و وجه هذا الاحتمال رواية حماد هذا الحكم عن عليّ بن يقطين كما نرى في الرواية 6 و 10 من الباب المذكور، و لكن هذا التوهّم في غير محله لكونه خلاف الظاهر.

______________________________

(1)- الرواية 1 و 6 و 7 و 10 من الباب 14 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: و الشاهد على ذلك هو انّه اخبر عما سأل عليّ بن يقطين، فليست الرواية الصادرة عن الإمام عليه السّلام إلّا ما رواها عليّ بن يقطين. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 11

و اعلم أن بعد الدقة و الفحص يظهر أن هذه الرواية- اعنى الرواية 8 من الباب المذكور- هي الرواية الّتي رواها في الوافى عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1» و نقل صاحب الوسائل اشتباه.

و كيف كان فاعلم أن الروايات المذكور فيها الاستيطان على ما استظهرنا من كون روايات عليّ بن يقطين رواية واحدة تكون ثلاث:

إحداها: رواية عليّ بن يقطين.

ثانيتها: رواية حماد بن عثمان عن الحلبي، و هي الرواية 8 من الباب المذكور.

ثالثتها: رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا

عليه السّلام، و هي الرواية 11 من الباب المذكور بنقل الوسائل، و هي الرواية الّتي تكون مدرك فتوى المشهور، و هو اعتبار إقامة ستّة أشهر في وجوب الاتمام

[في ان الروايات الثلاث مقيدات]

و لا يخفى عليك أن رواية عليّ بن يقطين و حماد بن عثمان و محمد بن اسماعيل بن بزيع الدالات على وجوب التمام في خصوص المنزل الّذي استوطنه الشخص، و القصر إذا لم يكن في منزل أو ضيعة استوطن فيها، مقيدات للروايات الدالة على وجوب التمام إذا مر الشخص بضيعته أو قريته أو داره، لأنّ هذه الروايات تدلّ على وجوب التمام بنفس المرور بالضيعة أو القرية أو المنزل.

و رواية عليّ بن يقطين و الحلبي و محمد بن اسماعيل بن بزيع تدلّ على وجوب القصر في صورة الاستيطان في الضيعة فتقيد بها الروايات المطلقة.

[ذكر الروايات المربوطة]

و هذه الروايات المطلقة المذكورة فيها لفظ الضيعة تبلغ اثنتى عشرة رواية

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 11 من ابواب صلاة المسافر من الوافى.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 12

و هي الرواية 2 و 3 و 4 و 5 و 12 و 13 و 14 و 15 و 16 و 17 و 18 و 19 من الباب المذكور.

إلّا أن اكثرها لا تدلّ على وجوب التمام بمجرد المرور بالضيعة أو القرية أو داره، مثل الرواية 13 الّتي رواها حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فانها قابلة للحمل على كون سؤال السائل من أن هذا المقدار من المسافة هل يوجب القصر أو لا.

و مثل الرواية 15 الّتي رواها موسى الخزرجي، فإنّ ظاهرها السؤال عن أنّ المسافة البالغة الى اثنى عشر فرسخا هل توجب القصر أم لا؟ و لا بدّ في أن يسأل السائل عن المسافة البالغة باثنى عشر فرسخا مع كون القصر واجبا في ثمانية فراسخ لمكان اشتهار عدم كفاية ثمانية فراسخ، بل و اثنى عشر فرسخا بين العجم من جهة شيوع

فتاوى العامة من ابي حنيفة و غيره، و هم يقولون بالقصر في مرحلتين أو ثلاث مراحل على ما مضى الكلام فيه، فلأجل ذلك سأل من الإمام عليه السّلام عن وجوب القصر و عدمه في اثنى عشر فرسخا.

و أمّا رواية ابن بكير عن عبد الرحمن بن الحجاج و هي الرواية 12 من باب 14 بنقل الوسائل فهي و إن كان بحيث يمكن دعوى دلالتها على وجوب التمام في الضياع بترك الاستفصال، لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام أمر بالتمام على ما فيها بدون أن يفصل بين الطريق و بين الضيعة، فهذا دليل على وجوب التمام في الضياع أيضا.

و لكن يمكن أن يقال بعدم كونها غير رواية ابن بكير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، اعنى الرواية 3 من الباب المذكور، فعلى هذا يمكن أن يخدش في دلالتها أيضا للمطلب، لأنّ هذه الرواية- أعني

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 13

الرواية 3- صريحة في كون السؤال عن المسافة بينه و بين منزله أو ضيعته لا عن نفس المنزل و الضيعة.

و أمّا رواية عمران بن محمد و هي الرواية 14 من الباب المذكور الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، و الحكم بالقصر في الطريق، و التمام في الضيعة، فإن هذه الرواية من الروايات الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، و هي معارضة مع ما دل على وجوب القصر في ثمانية فراسخ امتدادية أو الملفقة، فبعد ما دلّت على خلاف هذه الروايات الروايات الكثيرة الدالة على وجوب القصر في ثمانية فراسخ امتدادية او الملفقة على الكلام المتقدم فيه، فلا يمكن العمل بهذه الروايات لأنّ الروايات الكثيرة قائمة على خلافها «1».

و

أمّا الرواية 11 من الباب المذكور فأيضا يكون السؤال فيها عن الحد الّذي يجب فيه القصر لا عن حكم الضيعة و جواب الامام عليه السّلام بأن القصر في «ثلاثة» لعله يكون المراد من الثلاثة ثلاث مراحل، و صدرت موافقة للعامة تقيه.

و كذلك الرواية 14 فهي مع قابلية حملها على كون السؤال فيها عن المسافة الموجبة للقصر نقول: بأن مدلولها من وجوب الإتمام إذا كان المرور بضياع غيره من بني أعمامه مثلا مما لم يفت به أحد من الفقهاء فهي غير معمول بها.

و أمّا الرواية 4 و هي ما رواها ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فهي أيضا تكون متعرضة سؤالا و جوابا عن المسافة الموجبة للقصر،

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّه إن لم يمكن العمل بفقرة من هذه الرواية، و هي الفقرة الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، فلا يوجب ذلك عدم العمل بفقراتها الاخرى الدالة على وجوب الإتمام في الضيعة، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 14

لا عن حكم الضيعة، فلا تكون مرتبطة بما نحن فيه.

فعلى هذا نقول: و إن كانت الروايات الّتي ذكر فيها الضيعة، أو القرية، أو المنزل كثيرة، و لكن ليست كلها مربوطة بما نحن فيه كما عرفت ممّا قلنا في هذه الروايات، فتبقى رواية اسماعيل بن فضل- و هي الرواية 2- و رواية عمّار بن موسى- و هي الرواية 5- و رواية احمد بن محمد بن ابي نصر- و هي الرواية 17- و هي ليست غير رواية احمد الّذي ذكر في قرب الاسناد، و هي الرواية 18 من الباب المذكور بنقل الوسائل، و تدلّ رواية احمد على ما نحن فيه بضميمة

ترك الاستفصال في الرواية بين الطريق و الضيعة، فتدل على أن كلا من الطريق الى الضيعة و نفسها محكوم بوجوب الإتمام.

[في ذكر الطائفة الاولى و الثانية من الروايات]

إذا عرفت حال هذه الروايات فنقول: إن الروايات الواردة في هذا الباب تكون على ثلاثة طوائف، بل على وجه على اربع طوائف كما سيأتي ذكره:

الطائفة الاولى: ما يدلّ على وجوب اتمام الصّلاة بنفس المرور بالضيعة، أو القرية، أو الدار، و هي رواية اسماعيل بن فضل، و رواية عمّار بن موسى، و رواية احمد بن ابي نصر البزنطي، فإن رواية عمار و إن لم يكن فيها لفظ الضيعة و لكن من جملة «فيمر بقرية له او دار» يستفاد أن المراد من الدار هو الضيعة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على وجوب الإتمام إذا استوطن الشخص، و هي روايات علي بن يقطين، و رواية الحبلي، و رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع، و رواية سعد بن خلف، إلا أن التعبير في رواية سعد بن خلف بلفظ السكون لا بلفظ الاستيطان، و هذه الطائفة بعضها متعرض لوجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن مثل الرواية 7 من علي بن يقطين، و رواية سعد بن خلف، و رواية محمّد بن اسماعيل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 15

بن بزيع.

و بعضها متعرض لحكم المنزل الّذي استوطن فيه مثل الرواية 1 من علي بن يقطين، و الرواية 6 من علي بن يقطين، و رواية الحلبي.

الطائفة الثالثة: بعض ما يدلّ على وجوب التمام في الضيعة إذا عزم الشخص على الإقامة فيها عشرة أيّام مثل رواية عبد اللّه بن سنان، و هي الرواية 6 من الباب 15 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و رواية موسى بن حمزة بن بزيع «1»، و هي الرواية 7 من

الباب المذكور.

و يمكن عد طوائف الروايات أربعة بجعل رواية محمّد بن اسماعيل بن بزيع طائفة مستقلة من باب تعرضها لحد الاستيطان الموجب للتمام.

إذا عرفت أن الروايات باعتبار مفادها على طوائف ثلاثة، فنقول:

إن الظاهر من الطائفة الأولى هو كون نفس المرور بالضيعة، أو القرية، أو الدار موجبا لوجوب الاتمام.

و ظاهر الطائفة الثانية وجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن فيها و إلّا فلا.

و ظاهر الطائفة الثالثة وجوب الإتمام فيها إذا عزم على إقامة عشرة أيّام فيها و إلّا فلا، فيقع التعارض بين الطائفة الاولى و بين الثالثة لأنّ مفاد الأولى وجوب الإتمام بمجرد المرور بالضيعة سواء عزم على الاقامة أم لا، و مفاد الثالثة وجوب الإتمام فيما لو عزم على الاقامة في الضيعة، فيقع التعارض بينهما و لكن الطائفة الثانية شاهد الجمع بينهما.

______________________________

(1)- هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 16

[الطائفة الثانية من الروايات شاهدة الجمع]

لا يقال: بأنّه بعد كون مفاد الطائفة الاولى وجوب الإتمام بمجرد المرور بالضيعة، و اطلاقها يشمل صورة العزم على الاقامة و عدمه، و كذا يشمل اطلاقها صورة الاستيطان و عدمه، و مفاد الطائفة الثالث وجوب التمام في خصوص عزمه على الإقامة، فالطائفة الثانية و الثالث مقيدتان لاطلاق الاولى، فيقيد بمقتضى الجمع العرفي اطلاقها بالثانية و الثالث و تكون النتيجة وجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن فيها، أو إذا عزم على إقامة العشرة، فلا حاجة في رفع التعارض بين الطائفة الاولى و الثالث بكون الطائفة الثانية شاهدة على الجمع و لو لم تكن الطائفة الثانية يرفع التعارض بما قلنا بين الاولى و الثالثة.

لانا نقول: إن مفاد الطائفة الاولى هو موضوعية المرور بالضيعة و علية نفس ذلك لوجوب الإتمام،

و مفاد الطائفة الثالث هو علية العزم على الإقامة و موضوعيتها لوجوب الإتمام، و الغاء دخل المرور بالضيعة لمدخليتها في وجوب الاتمام و كونه كالحجر في جنب الانسان، فعلى هذا ليس نسبة الطائفة الثالث مع الاولى نسبة المقيد حتى يقال بتقيد اطلاق الاولى بها، لأنّ لسان الثالث عدم كون الطائفة الاولى تمام الموضوع في الحكم و لا جزء الموضوع، فعلى هذا يقع بينهما التعارض، و لكن بعد دلالة الطائفة الثانية على أن وجه كون المرور بالضيعة و موضوع وجوب التمام هو الاستيطان، و كونها وطن الشخص فيجمع بين الطائفة الاولى و الثالث، و يقال: إن سبب وجوب الإتمام أمران:

الأمر الأول: المرور بالضيعة من باب كونها وطن الشخص.

و الأمر الثاني: العزم على إقامة عشرة أيّام في مكان، فبهذا النحو يجمع بين الطوائف الثلاثة من الروايات، فأفهم.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 17

و اعلم أنّه بعد ما قلنا من أن جملة الروايات المعترضة للاستيطان هي رواية محمّد بن اسماعيل بن بزيع المعترضة لحد الاستيطان نعطف عنان الكلام نحوها، و بيان ما يستفاد منها و نقول:

إذا عرفت ما ذكرنا يبقى الكلام الى ذكر ما يستفاد من رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع فنقول بعونه تعالى: إن من الروايات الواقع فيها ذكر الاستيطان هي الرواية التي رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون فيها منزل يستوطنه. فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فاذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها) «1» و هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب

صلاة المسافر من الوسائل.

و يستفاد من هذه الرواية أن سؤال السائل كان عن الرجل الّذي يرد الى ضيعته و انّه هل يجب عليه القصر، فقال أبو الحسن عليه السّلام: بعدم الباس عليه بالتقصير ما لم ينو مقام عشرة أيّام في هذه الضيعة، قال الامام عليه السّلام: إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقال السائل: ما الاستيطان؟ فكان سؤاله عما يتحقّق به الاستيطان لا أن يكون سؤاله عن حقيقة الاستيطان، لعدم المجال لأنّ يقال: إن (ما) ما الحقيقية أو الشارحة، لأنّ حقيقة الوطن أمر معلوم عند العرف و السائل عالم بما هو مفهوم الوطن عرفا، فعلى هذا يكون سؤاله عما يتحقّق به الاستيطان.

إن قلت: إن الوطن العرفى أمر معلوم عند العرف حقيقة، فلا مجال لأنّ يسأل

______________________________

(1)- هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 18

عن حقيقته، و أمّا الوطن الشرعي فحقيقته غير معلوم عند السائل، فسئل عن حقيقة الوطن الشرعي.

أقول: إنه لم يكن في ارتكازه الوطن غير وطن العرفي حتى يسأل عنه و عن حقيقته، فيكون سؤاله عن محقّق الوطن العرفي بعد معلومية حقيقته عند السائل فاجاب عليه السّلام (أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر) يعني الاستيطان يكون له في الضيعة منزل يقيم فيه ستة أشهر، و من الواضح أن قوله «ان يكون له فيها منزل» يكون التوطئة للجواب، لأنّ هذا مذكور سابقا، لأنه عليه السّلام قال أولا «إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فذكره ثانيا توطئة للجواب فيكون الجواب يقيم فيه ستة أشهر، فإقامة ستة أشهر محققة للاستيطان، فعلى هذا لا دخل لكون المنزل الّذي له في الموضع الّذي يقيم ستة

أشهر فيه، لأنّ محقّق الاستيطان على ما يظهر من الجواب بعد كون قوله «ان يكون له منزل» مذكورا سابقا ليس إلّا إقامة ستة أشهر.

ثمّ بعد ما عبر الامام عليه السّلام عن الإقامة بلفظ المضارع بقوله «يقيم»، فهل نقول:

بأن المراد هو أن يكون له إقامة فعلية ستة أشهر، حتى يجب عليه الإتمام بأن يكون المراد من لفظ (يقيم) هو الحال.

[في ذكر المراد من لفظ (يقيم) في رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع]
اشارة

أو يقال: بأن المراد منه الاستقبال، فعلى هذا يكون محقّق الاستيطان هو أن يقيم في المستقبل ستة أشهر، فيكون المراد وجوب الإتمام فعلا لاجل انّه يقيم بعدا في هذا الموضع ستة أشهر.

أو أن يقال: بأن المراد من لفظ «يقيم» هو اقامة الماضية سابقا، و يكون المراد من المضارع الماضي فيكون إقامة ستة شهر في السابق موجبا للإتمام إذا مرّ بهذا الموضع بعد ذلك.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 19

أو يقال: بأن المضارع منسلخ في المقام عن الزمان، أعني: اعتبرت الإقامة مجرّدة عن الزمان، فلا يستفاد من «يقيم» زمان المضارع و لا الماضي، بل يستفاد منه صرف لزوم حصول ذلك منسلخا عن الزمان و في وعاء الدهر.

إذا عرفت هذه الاحتمالات نتعرّض أولا لأمرين، ثمّ نتعرض لما هو الحق في الرواية:

الأمر الأول: يقع الكلام في ما هو المراد من الوطن عند العرف
اشارة

، و ما يعتبر فيه مع قطع النظر عما يستفاد من الروايات الوارد فيها ذكر الاستيطان.

اعلم أن المعبّر في كلمات اللغويين في مقام شرح المراد من الوطن هو أن المراد منه هو المسكن أعني: محل سكونة الشخص، و يمكن ان يعبر عنه بالفارسية «آرامشگاه».

و هل المعتبر في الوطن عند العرف- أعني: محل سكونة الشخص، و موضع توطنه- أن يكون هذا الموضع مولد الشخص.

أو يعتبر أزيد من ذلك بأن يكون محل آبائه و اجداده أيضا، مع كون هذا الموضع هو موضع مولده و مسقط راسه.

أولا يعتبر شي ء من ذلك، بل لا يعتبر فيه أن يكون هذا الموضع مولده، بل يكفى في صدق الوطن مجرد اتخاذ محل مسكنا، و كان بنائه على الإقامة فيه بحيث يكون خروجه عنه باز عاج مزعج و انصراف منصرف، و هل يعتبر فيه أن يكون له في هذا الموضع ملكا اصلا أم لا؟

و هل

يعتبر فيه أن يتخذه مسكنا و مقرا لنفسه دائما أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 20

و هل يعتبر أن يكون هذا الوطن و المسكن منحصرا بواحد بأن لم يكن له إلا وطن واحد؟

أو يمكن أن يكون له وطنان أو ازيد، و يصدق على كل منهما الوطن؟

و هل يعتبر على تقدير تصوير اكثر من وطن واحد أن تكون إقامته في وطنيه بالسوية بأن يقيم في كل منهما مثلا ستة أشهر؟

أولا يعتبر التسوية، فيكفى أن يقيم في احدهما في عرض السنة اكثر من الأخر.

و على تقدير عدم اعتبار ذلك.

هل يعتبر أن تكون مدة إقامته في كل منهما معلومة، مثلا يعلم و ينبي على الإقامة في أحدهما ثمانية أشهر و في الآخر أربعة أشهر في كل سنته أولا يعتبر ذلك، بل يكفي صرف الإقامة فيهما و إن لم تكن مدة إقامته في كليهما معلومة.

و مع قطع النظر عن كل ذلك هل المعتبر في وجوب الإتمام في الصّلاة على المكلف، تحقق صدق الوطن أم لا؟ و بعبارة أخرى يدور حكم وجوب الإتمام مدار صدق الوطن حتى نحتاج في وجوب الإتمام من تحقق هذا العنوان، فكل موضع يعد وطنا عند العرف نحكم بوجوب الإتمام فيه، و إلّا فلا؟ أو لا حاجة في وجوب الإتمام و تحقّق موضوعه إلى تحقق صدق الوطن عند العرف؟

اعلم أن الوطن عند العرف عبارة عن كل مكان يقيم فيه الشخص بحسب طبعه بحيث لا يخرج منه إلّا لاجل عارض يعرض له.

و بعبارة اخرى كل موضع تكون إقامة الإنسان فيه بحسب ميله الطبيعي، و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 21

حركته الطبيعية، فهو الوطن و لهذا يكون الخروج عنه بحسب الحركة القسرية، و لاجل طروّ عارض، و بعبارة

ثالثة كل فرد من افراد الانسان، بل و ساير الحيوانات مسكنهم و موطنهم عبارة عن كل موضع يقيمون فيه، و يتوجهون نحوه بحسب وضعهم و بنائهم الأوّلى، و إذا خرجوا من هذا المكان لاجل عارض و حاجة يتوجهون نحوه مجّددا، و لا يتركونه إلّا باز عاج مزعج و انصراف منصرف.

فهذا ما نفهم من الوطن بحسب ذوق العرفي، و لا دخالة عند العرف في صدق الوطن كون مسكنه محل ولادته، أو محل آبائه و اجداده، و لا أن يكون بنائه على الإقامة فيه دائما- كما يظهر من السيّد رحمه اللّه في العروة من اعتبار قصد الإقامة الدائمة في هذا الموضع- لعدم اعتبار قصد الإقامة الدائمية في صدق الوطن عرفا، كما ترى أن نوع الناس لم يكونوا قاصدين على الإقامة دائما في محل سكنا هم، و مع ذلك يصدق عرفا أن هذه المساكن أوطانهم.

بل يكفي في صدق ذلك بنظر العرف كون الشخص ساكنا فيها بعنوان الإقامة، بحيث يكون بحسب وضعه الطبيعي ساكنا فيها، و لا يخرج منها الا بازعاج مزعج، وجهة طارئة كما قلنا، و لا يعتبر بنظرهم أن يكون هذا الوطن منحصرا بواحد، بل يمكن أن يكون للشخص وطنان، و كان بنائه على الإقامة فيهما بحسب وضعه الطبيعي، أو اكثر من وطنين، و كذلك لا يعتبر كون إقامته في أوطانه بالسوية، بل يصدق على كل منهما الوطن و إن لم تكن إقامته فيهما بالسوية.

نعم يمكن أن يشكل في صدق الوطن عرفا في ما كانت إقامته في أحد وطنيه معلومة بحسب الزمان، و الآخر غير معلوم، أعني: يشكل صدق الوطن على المحل الغير المعلوم سكونه فيه بحسب الزمان فقط لا في الآخر المعلوم سكونه فيه.

تبيان الصلاة، ج 2،

ص: 22

هذا كله في ما يعتبر في صدق الوطن بنظر العرف، و يمكن أن يرد في بعض صغرياته إشكال في صدق الوطن عرفا.

[موضوع وجوب الاتمام هل يكون متفرعا على الوطن أولا]

و أمّا الكلام في ما قلنا من أن حكم وجوب الإتمام يكون تابعا و متفرعا على صدق الوطن عرفا، حتى انّه إذا لم يصدق الوطن بموضع لا يجب على المكلف القصر فيه، أو ليس تابعا له.

فنقول: إن المستفاد من الآية الشريفة وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الخ بعض روايات الواردة في الباب، هو وجوب القصر على المسافر، فمن كان مسافرا يجب عليه القصر، و من لم يكن مسافرا يجب عليه التمام، لأنّ الظاهر من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ هو وجوب القصر في مورد الضرب في الأرض، و معناه وجوب الاتمام في غير مورد الضرب في الأرض، فالقصر مجعول للمسافر و من يكون في السفر و ضاربا في الأرض، و الإتمام واجب على غير المسافر و من لم يكن ضاربا في الأرض، سواء يصدق عليه عرفا انّه وطنه أولا يصدق ذلك، لأنّ موضوع حكم الإتمام هو غير المسافر، و قد يعبّر عنه بالحاضر، لا أن يكون موضوع الحكم من يكون في وطنه، لأنّ ظاهر الدليل هو وجوب القصر على المسافر و من يكون ضاربا في الأرض، فمن لم يكن كذلك أعني: يكون حاضرا فهو موضوع وجوب التمام، سواء يصدق أن هذا الشخص الغير المسافر في وطنه أو لا يصدق ذلك.

و بعبارة اخرى كان القصر واجبا على من يكون مسافرا و بعيدا عن موضع يقتضي طبعه وقوفه في هذا- الموضع و لهذا قلنا في البدوي: بعدم وجوب القصر عليه لعدم كونه بالسفر بعيدا عن منزله و بيته، لأنّ بيته معه-

فمن كان مسافرا يجب عليه القصر، و من لم يكن مسافرا لا يجب عليه القصر بل يجب عليه الإتمام، فموضوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 23

وجوب حكم الإتمام هو من لم يكن مسافرا، ففي كل موضع لا يكون الشخص مسافرا يجب عليه الإتمام سواء صدق عرفا أن هذا الموضع وطنه أولا، فعلى هذا لم يكن وجوب الاتمام دائرا مدار صدق الوطن العرفي.

و إن وقع الشّك في كونه مسافرا أم لا، يجب عليه الإتمام أيضا لما قدمنا الكلام فيه، فإن بقينا في الشّك في صدق الوطن عرفا على بعض الصغريات المتقدمة و عدمه، و لا يمكن لنا الجزم بكونه مصداقا للوطن عند العرف، فمع ذلك لا يوجب ذلك الاشكال لنا في وجوب الإتمام، لأنّ موضوع وجوب الإتمام هو من لم يكن مسافرا، و بعبارة اخرى من يكون ساكنا في بيته سواء يصدق عليه انّه في وطنه أولا، يجب عليه الإتمام.

الأمر الثاني: [في ان الفقهاء مختلفون في المراد من الوطن]

اعلم أن ما يظهر من كلمات الفقهاء في مقام ذكر الوطن، هو انهم مختلفون فيه بحيث يمكن ارجاع كلامهم الى اصطلاحات ثلاثة للوطن:

الأول: ما يظهر من كلمات بعض المتأخرين من انّه ليس الوطن إلّا ما هو معناه بحسب العرف، و هو كل محلّ يكون موطن الانسان إمّا لولادته فيه، أو لكونه موطن آبائه و اجداده، أو من باب اتخاذه وطنا بدون أن يكون مولده و مسقط رأسه، و موطن آبائه و أجداده، فإنّ هذه الطائفة قائلة بالوطن العرفي و انّه لا يجب الإتمام إلّا في هذا الوطن، و إن كان الاشكال و الخلاف في بعض صغرياته عندهم و لا يقولون بالوطن الشرعي، بل يقولون بوجوب الإتمام في الوطن العرفي.

و هذا الوطن العرفي على قسمين:

الأول: ما يكون

محلّ إقامته باعتبار كون مولده و محلّ نشوه.

و الثاني: ما يتخذه وطنا و يسمّى بالوطن المستجدّ، و هو كل موضع يبنى على

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 24

الاقامة فيه و ان لم يكن محل ولادته و موطن آبائه و محل اقامته من اصل، بل يتخذه محل إقامته.

الثاني: الوطن الشرعى بمعنى انّه كما يفرض للشخص الوطن العرفي بالمعنى المتقدم، و يجب عليه الإتمام في هذا الوطن، كذلك يفرض وطن آخر، و هو المسمى بالوطن الشرعي، و هو كل موضع أقام فيه ستة أشهر و إن أعرض عنه بعد هذه الإقامة، فيجب عليه الإتمام إذا مرّ بهذا المحل و ان اعرض، بشرط أن يكون للشخص في هذا الموضع ملك و إن لم يكن هذا الملك إلّا نخلة واحدة، و القائلون بهذا الوطن الشرعى و وجوب الإتمام فيه المشهور من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، كما يظهر من تتبع كلماتهم كالشيخ رحمه اللّه و المحقق و غيرهما، فإنّ المحقق رحمه اللّه يقول كما في الشرائع: (الوطن الّذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا متوالية كانت أو متفرقة) «1» فإنّه و إن كان بينهم الاختلاف في بعض خصوصيات هذا الوطن الشرعى إلّا انهم قائلون به في الجملة.

الثالث: الوطن الفاصل بين العرفي و الشرعي، و هو أن الوطن هو الوطن العرفي و لكن يعتبر في هذا الوطن العرفي الإقامة ستة أشهر في كل سنة كما يمكن دعوى ظهور ذلك من كلام الصّدوق رحمه اللّه في الفقيه، و إن لم يكن مسلّما، فهذا هو وطن ثالث.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ ما يظهر من كلمات المشهور هو وجوب الإتمام في كل موضع يكون للشخص فيه ملك

قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا، متوالية كانت

______________________________

(1)- الشرائع، ص 39، الشرط الثالث.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 25

أو متفرقة، و ليس في كلماتهم ما يدلّ على التزامهم بالوطن الشرعي.

و لا يوجد في عباراتهم ما يشعر بكونهم قائلين بالوطن الشرعي في قبال الوطن العرفي، بل الوطن الواقع في كلماتهم أو الاستيطان ليس إلّا عبارة عن المسكن، أو ما يتخذه مسكنا، لأنّ الوطن بمعنى المسكن كما يظهر من كلمات أهل اللغة، فعلى هذا يكون مراد هم إن كل موضع يسكن فيه الشخص له فيه ملك، و قد أتخذه مسكنا ستة أشهر متوالية أو متفرقة يجب عليه الإتمام متى يمر عليه و إن أعرض عنه.

فما قيل من أن المشهور يقولون بالوطن الشرعي في قبال الوطن العرفي، هو من استنباطات بعض المتأخرين من الفقهاء من كلمات المشهور، و إلا كما هو ظاهر كلماتهم، و بينّا مرادهم، ليس هناك تعرض في كلامهم للوطن الشرعي، بل هم يقولون بأن الشخص، و إن لم يخرج من موضوع المسافر إذا مرّ بمحل سكن فيه ستة أشهر، يجب عليه الإتمام مع كونه مسافرا تمسكا برواية ابن بزيع المتقدم ذكرها، فحكمهم بوجوب الإتمام في الصورة الّتي فرضوها، ليس من باب كون الشخص خارجا عن موضوع المسافر و صيرورته غير المسافر، و كونه في منزله و وطنه، بل هو مع كونه مسافرا يجب عليه الإتمام، و وجه وجوب الإتمام عليه عندهم هو رواية ابن بزيع، و وجه اعتبار وجوب الإتمام عليه في مورد يكون له الملك هو رواية عمّار الدالّة على اعتبار الملك و إن لم يكن هذا الملك إلا نخلة واحدة، فاعتبار الملك في هذا الحكم أيضا مسلم عند المشهور، و لكن يكفي في الملك

اقلا كون نخلة واحدة له، فاذا كان له نخلة واحدة يجب عليه الإتمام في الفرض.

و الشاهد على اعتبار النخلة الواحدة اقلا هو بعض الفروع المعنونة عندهم،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 26

مثل انّه يكفي نخلة واحدة مشتركة بينه و بين غيره، أو ما فرعوا من انّه هل يكفى نخلتان مشتركتان، أو لا بدّ من نخلة واحدة مختصة به لا بالاشتراك، و يأتى الكلام في اعتبار ذلك، و رواية عمار و ما يستفاد منها، فظهر لك ممّا مرّ أن التعبير بالوطن الشرعي لم يقع في كلمات المشهور، و ظهر لك ما هو مرادهم.

[تعبيرات ثلاثة في الوطن العرفى و الشرعى و البرزخى]
اشارة

إذا عرفت هذين الأمرين، نقول: إنه كما قلنا يظهر من كلمات الفقهاء تعبيرات ثلاثة في الوطن:

الأول: الوطن العرفي.

الثاني: الوطن الشرعي على ما نسب الى المشهور.

الثالث: البرزخ بينهما كما يلوح من كلام الصّدوق رحمه اللّه، فمع قطع النظر عن الروايات ظهر لك ما هو المراد من الوطن عند العرف، و ظهر لك عدم كون وجوب الإتمام دائرا مدار صدق الوطن العرفي.

أمّا الروايات فنقول: إن رواية الحلبي، و أربع روايات من روايات علي بن يقطين، و رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع مشتملة على الاستيطان، بمعنى دلالتها على وجوب الإتمام إذا مر بضيعة استوطن فيها، و رواية ابن بزيع مشتملة على زيادة، و هي أن الراوي بعد ما سأل عن الاستيطان اجاب الامام عليه السّلام (أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر) فالقائلون بالوطن العرفي، و عدم تصوير الوطن الشرعي يقولون بما حاصله يرجع الى انّه إن كان الوطن الشرعى مجعولا من الشارع، فمعناه جعل وطن شرعي في قبال الوطن العرفي، و جعل مستقل في الوطن على خلاف ما هو المرتكز عند العرف فهو

في قبال الوطن العرفي، و لازمه جعل الوطن من الشارع، و هذا أمر بعيد بحسب النظر، لأنه من البعيد أن جعل الشارع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 27

الوطن بحدود خاصة في قبال الوطن العرفي.

و أبعد من ذلك كون مراد المعصوم عليه السّلام من الاستيطان الوارد في هذه الروايات، و حتى رواية ابن بزيع هو أمر آخر غير ما هو في ارتكاز العرف أعني:

الوطن العرفي، بل كان مراده الوطن الشرعى، لأنّ الوطن الشرعي غير معروف عند الناس، و لا يختلج ببال السائل عن الوطن إلّا ما هو يأتي بالنظر العرفي من معناه العرفي.

و الشاهد على ذلك أن في غير رواية ابن بزيع علق المعصوم عليه السّلام حكم الإتمام على الاستيطان، و لم يعيّن موضوع الاستيطان، و الحال أن السائل لا يفهم من ذلك إلّا اتخاذ الوطن العرفي، فإن كان مراده عليه السّلام غير الوطن العرفي أعني: الشرعي، فكان اللازم بيانه و إلّا لاخل بالغرض خصوصا في مثل هذه المطلقات الواردة في مقام بيان الحكم.

و لو أراد غير ذلك يلزم تاخير البيان عن وقت الحاجة و الإخلال بالغرض، فمن هنا نستكشف أن المراد من الوطن فيها هو الوطن العرفي.

و أمّا في خصوص رواية ابن بزيع فهو أيضا كذلك، لأنّ هذه الرواية و إن كان لها هذا الذيل إلّا أن صدر الرواية يدلّ على ما قلنا، لأنّ السائل بعد ما سأل عن الضيعة و أجاب المعصوم عليه السّلام بما حاصله يرجع الى أن نفس المرور بالضيعة لا يوجب انقلاب حكم القصر إلّا إذا نوى إقامة العشرة فيها قال عليه السّلام (إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه) فهو عليه السّلام اجاب عن السؤال بأن الاستيطان سبب للاتمام، فإن

سكت الراوي و لم يسأل عنه بعد ذلك بقوله (ما الاستيطان) لاكتفى عليه السّلام بما اجاب.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 28

فإن كان المراد من (يستوطنه) هو اخذ الوطن الشرعي، فمع عدم خلجان ذهن الراوي إلّا بالوطن العرفي، و عدم بلوغ نظره الى الوطن الشرعي، فهو عليه السّلام اخل بالغرض، لأنه لم يبيّن ما هو موضوع حكمه، مع غفلة السائل عنه و الحال ان المقام يقتضي ذكره، فمع عدم ذكره نستكشف عدم كون موضوع حكمه إلا ما يكون في ذكر السائل بحسب ارتكازه العرفي.

ثمّ بعد ما سأل السائل عن الاستيطان فأيضا ليس جواب الامام، من ذكر ستة أشهر، دليلا على الوطن الشرعي، بل يكون سؤاله راجعا الى ما هو محقّق الوطن العرفي، و أجاب عليه السّلام و ذكر في الجواب أحد مصاديق الوطن العرفي، و كان التعبير (بستة أشهر) من باب المثال، لا أن تكون هناك موضوعية للستة أشهر، و لعله تكون ستة أشهر من باب أن من له وطنان يقيم بوضعه الطبيعي في كل منهما ستة أشهر، و إلا لا مانع من إقامة أربعة أشهر، أو كون أوطان ثلاثة له لعدم وجود مانع في نظر العرف، و صدق الوطن على كل منها، فعلى هذا لا يستفاد من الرواية إلا الوطن العرفي لا أمرا آخر اوسع منه، أو أضيق منه.

[مراد المعصوم ذكر محقق الوطن العرفى و ذكر ستة أشهر من باب المثال]

إن قلت: إنه إن كان المراد من الوطن الواقع عنه السؤال بقوله (ما الاستيطان) هو الوطن العرفي، فهو أمر واضح لا يخفى على أحد، فكيف كان حقيقته أو محققه مخفيّا على ابن بزيع حتى يحتاج الى السؤال عنه، فبعد عدم كون السؤال عن الوطن العرفي لكون موضوعه جليّا غير خفي على السائل، فلا بدّ من أن

يكون السؤال إمّا من باب أن السائل علم أن مراد الامام عليه السّلام وطن غير الوطن العرفي اعني: الوطن الشرعي، فكان السؤال عن حقيقته، أو أن يكون السؤال راجعا الى ما هو محقّق هذا الوطن بعد علم السائل بحقيقته، أو أن السائل يدري و يعلم بأن الوطن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 29

على نوعين: الوطن العرفي و الوطن الشرعي، و لكن كان سؤاله من الامام عليه السّلام من أنه أراد أيّا من الوطنين.

أو انّه و لو لم يعلم بأنّه أراد غير العرفي، أو ما هو محقّق الوطن الغير العرفي اعني الشرعي، أو لم يكن سؤاله عن إرادته أيا منهما، و لكن يحتمل انّه اراد الشرعي فسئل عنه أو عن محققه، فسئل عن ذلك بقوله (ما الاستيطان).

فاجاب الامام عليه السّلام بما يرجع الى انّه اراد وطنا غير الوطن العرفي أعني: اراد الوطن الشرعي، لأنّ ما اعتبر فيه من إقامة ستة أشهر لا يتناسب الا مع الوطن الشرعي، فمن هنا نستكشف أن المراد من الوطن الواقع في مورد السؤال و الجواب هو الوطن الشرعي.

نقول: أمّا ما قلت: من أن الوطن العرفي بعد معروفية موضوعه لا يناسب أن يكون السؤال عنه، فلا بدّ من أن يكون السؤال عن أمر آخر نقول: بأنّه بعد التسليم بذلك و بعد كون السؤال عما هو محقّق الوطن العرفي، و لكن بعد كون الوطن العرفي على قسمين: الأوّل محل مولد الشخص و موضع إقامة آبائه و اجداده، و الثاني الموضع الّذي يتخذه الشخص وطنا لنفسه و دار إقامة، و يبني على ذلك، و يعبر عنه بالوطن المستجد.

فيمكن أن يكون السؤال راجعا الى الثاني بمعنى أن المرتكز في ذهن السائل من الوطن كان هو

القسم الأول، و بعد ما كان السؤال عن الضيعة لا عن مولده و مسكنه، و لا يكون التوطن فيها بنحو الأول، فلا بدّ و أن يفرض بالنحو الثاني، و حيث يكون الاستيطان بالنحو الثاني غير مرتكز عنده، فلهذا بعد ما فهم من كلام معصوم عليه السّلام انّه اراد الوطن المتخذ، فسأل عن محقّق هذا الوطن فاجاب عليه السّلام بصغرى

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 30

من صغرياته على سبيل المثال، فبعد امكان حمل السؤال على ذلك لا يلزم أن يكون سؤاله عن الاحتمالات الاربعة.

إن قلت: إنّ مقتضى القاعدة في دوران الأمر بين ظهور المفسّر و المفسّر عنه، هو الأخذ بظهور المفسر، لأنّه بيان للمفسّر عنه، فعلى هذا لا بدّ و أن يقال في المقام بالاخذ بالذيل اعنى: ما يدلّ على كفاية إقامة ستة أشهر في وجوب الإتمام، لا بالصدر اعنى بنفس اقتضاء اطلاق الاستيطان.

نقول: إنّ ما قلت من تقديم ظهور المفسّر على المفسّر عنه في محله، لكن هذا فيما لو لم يكن ظهور المفسّر عنه اقوى من ظهور المفسّر كما في ما نحن فيه، فإن ظهور الاستيطان في الوطن العرفى أقوى من ذيل الرواية الواقع في مقام التفسير، فلا بدّ من حمل الذيل على المثال، و أن ستة أشهر تكون من باب المثال، خصوصا مع ما وقع في روايات اخرى من التعبير عن الاستيطان بهيئات مختلفة من «تستوطنه» أو «وطنه» فإنّ تقييد هذه المطلقات الواردة في مقام البيان بما في ذيل رواية ابن بزيع مشكل، فعلى هذه لا يستفاد من هذه الرواية إلّا الوطن العرفي، و المراد من قوله:

«يقيم» هو أن هذا الموضع يكون معدّا للإقامة فيه بحسب بنائه و اتخاذه وطنا، فلا يكفى صرف إقامة

ستة أشهر سابقا و إن أعرض بعد ذلك عنه في وجوب الإتمام، فلا يثبت الوطن الشرعي بالرواية.

[حاصل كلام المحقق الهمدانى و العلامة الحائرى رحمه اللّه]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بهذه الرواية في عدم إثباتها أزيد من الوطن العرفي، و هذا حاصل ما يستفاد من كلام الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» و آية اللّه الحائرى رحمه اللّه.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 739.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 31

إذا عرفت ذلك نقول في مقام فهم ما هو المراد من الرواية بأنّ (الضيعة) تطلق في الأصل على مطلق حرفة الرجل و صناعته، ثمّ استعملت بعد ذلك في خصوص العقار و كل أرض معدّة للزرع، و ضيعة الرجل عبارة عن مزرعة، أو قرية، أو أرض معدّة للزراعة سواء كان صاحب الضيعة بنفسه زارعها، أو كان المتصدى للزراعة فيها شخصا غيره، و من كانت له ضيعة إذا لم يكن زارعها بنفسه فيكون المتعارف سكناها في غير الضيعة إمّا في البلد الواقعة هذه الضيعة حوله، أو في بلد آخر و يكون المتعارف أن صاحب الضياع ساكن في البلد، غاية الأمر يروح و ينزل في ضيعته في كل سنة مرة أو مرتين للاطلاع بوضع الضيعة من كيفية بذرها، و ترتيب فلاحتها، و جمع البيدر و غير ذلك.

و ربما يكون له فيها دار و منزل يسكن فيه متى يذهب الى الضيعة، و ربما لا يكون له فيها منزل و دار مخصوص للاقامة فيها، بل ينزل في منزل من منازل أحد الساكنين في الضيعة مثلا من الرعايا.

و بعد ما عرفت من أن المراد من الوطن ليس ما يفهمه العجم من كونه عبارة عن البلد، أو القرية الّتي يكون الشخص مقيما فيها، و كان موطنه و مولوده، بل

يكون المدلول من الوطن أضيق دائرة من هذا و إن كان لا يعتبر فيه كون هذا الموضع ملكا له، لأنّ الوطن كما قلنا عبارة عن المسكن، و المسكن لا يطلق على بلد الشخص أو قريته إلا مسامحة، بل المسكن عبارة عن بيت أو دار يكون الشخص ساكنا فيه، كما ترى أن ذلك يستفاد من بعض هذه الروايات المتعرضة للاستيطان، فإن فيها فرض بأن يكون للشخص في الضيعة منزل يستوطنه، فالتوطن و السكونة يقع في الضيعة، فالضيعة اوسع دائرة من ذلك، فالمراد من الوطن أعني: المسكن، هو بيت، أو دار، أو منزل يكون للشخص في بلد، أو قرية، أو ضيعة يستوطن فيه.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 32

فعلى هذا نقول: إن هذه المسألة كانت مورد السؤال و الجواب عند العامة، و كذا الخاصّة كما ترى أن بعض العامة قائلون بوجوب الإتمام على صاحب الضيعة إذا مرّ بها تمسكا بأن من ينزل في ضيعته فهو في ملكه، و بيته و من يكون في داره و بيته فليس بمسافر، و لا يجب القصر إلّا على المسافر، بل يجب عليه الإتمام، و كان هذا الموضوع موردا لسؤال السائلين في هذه الروايات، فاذا نرجع الى الروايات و نحاسب ما يستفاد منها.

[النظر فى الروايات الوردة فى الباب التى فيما لفظ الوطن]

فنقول: إن بعضها ورد التعبير فيه بلفظ (تستوطن) و اثبت الحكم بالإتمام في الضيعة في صورة الاستيطان بالمفهوم، و هو روايات علي بن يقطين الّتي قلنا بأنها كلها رواية واحدة، و هي الرواية 1 و 6 و 10، لأنّ لسان الرواية يكون هكذا «كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» في الرواية 1، و قال «كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، و ليس لك أن تتمّ فيه»

في الرواية 6، و قال «كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» في الرواية 10 من باب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

فيستفاد من هذه العبارة أن كل منزل لا تستوطنه يعني: ما اتخذته وطنا، و ما وقع منك الاستيطان فيه بعد فليس لك بمنزل أو يجب عليك التقصير، فيكون مفهوم هذه القضية هو أن كل منزل من منازلك وقع منك الاستيطان فيه و اتّخذته وطنا اعني: مسكنا من قبل، فيجب عليك فيه الإتمام.

فيستفاد من هذا اللسان انّه يعتبر حصول الاستيطان، و طلب السكونة، و وقوعها من الشخص من قبل حتى يجب عليه الإتمام بعد حصول ذلك، فلا يكفي في وجوب الإتمام الاستيطان الحاصل من بعد ذلك المرور، أو في حال المرور «فلا يستفاد منها الوطن العرفي، لأنه لا يكفي مجرد اتخاذ الوطن فيه و إن أعرض عنه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 33

بعده في وجوب الإتمام».

و بعضها و هي الرواية 9 من هذا الباب، و هي أيضا من جملة روايات علي بن يقطين، فهي صريحة في اعتبار حصول السكونة الفعلية لإتمام البعدية، و صريح في كون المراد من الوطن هو المسكن لكون التعبير بلفظ (سكن) لأنّ لسان الرواية هكذا «قال: إن كان ممّا قد سكنه اتم فيه الصّلاة فإن كان مما لم يسكنه فليقصر».

و بعضها و هي الرواية 8 من هذا الباب الّتي رواها الحلبى (و ما في نقل صاحب الوسائل عن حمّاد اشتباه) و الصحيح هو نقل الوافي هي بهذه العبارة «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصّلاة أم يقصر؟ قال:

يقصر، إنما هو المنزل الّذي توطنه».

فلفظ (توطنه) يحتمل لأنّ يكون توطنه

اعنى الماضي من توطن يتوطن، و ان استشكل على هذا الاحتمال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه، «1» أو يكون مضارعا و خطابا، أو بعض احتمالات أخر، فمع هذه الاحتمالات لا صراحة في الرواية، بل لا دلالة لها على اعتبار فعلية الاستيطان، بل قابل للحمل على ما قلنا في ساير الروايات و هو حصول الاستيطان أعني: السكونة قبلا، فلا يستفاد من هذه الروايات ما ينافي اعتبار السكونة و تحققها قبل المرور بالضيعة في وجوب الإتمام إذا مرّ بها.

إذا عرفت حال هذه الروايات يبقى الكلام في رواية ابن بزيع و هذه الرواية، مع ما بينّا لك من كون الوطن عبارة عن المسكن لا ما يتبادر منه عند أهل العجم، و مع ما بينّا لك من كون حكم نفس الضيعة بنفسها من حيث ورود صاحبها فيها من

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 739.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 34

جهة حكمه في القصر و الإتمام موردا للسؤال و الجواب عند العامة و الخاصة، و مع ما قلنا من أن وجوب الإتمام في الوطن الأصلي، و المسكن الحقيقي من باب كون الشخص غير مسافر و عدم صدق ضارب الأرض عليه، لا من باب دليل خاص وارد فيه.

لا يستفاد من هذه الرواية إلّا أن السائل أعني: ابن بزيع سئل عن حكم مسئلة الورود على الضيعة الّتي كانت مورد السؤال و الجواب عند العامة و الخاصة، فلا يكون سؤاله راجعا أصلا الى الوطن و المسكن العرفي الّذي يكون مقابل السفر و الضرب في الأرض، بل يكون سؤاله عن حكم الضيعة الواقع مورد السؤال و الجواب، و هو من حيث إن من يكون مسكنه محلا آخر، و له ضياع، و يمرّ بضياعه هل يجب

عليه الإتمام فيها أم لا خصوصا مع وضع السائل، فإن ابن بزيع كان دخيلا في مؤسسة خلافة بني العباس، و له ضياع و كان مسكنه في غير ضياعه، غاية الامر قد يتفق له المرور بضياعه للاطلاع على وضع زراعتها و جهاتها الاخرى، فلم يكن أصل السؤال و الجواب عن الوطن و المسكن الأصلي المقابل للسفر، أو بتعبيرهم لا يكون السؤال و الجواب راجعا الى الوطن العرفي، بل عن الضيعة و هي غير مستقر الشخص و مسكنه العرفي.

و الشاهد على ذلك- مع قطع النظر عما بينا من وضع الضيعة و حكمها الواقع مورد السؤال و الجواب عند العامة و الخاصة- هو انّه إن كان المراد من الاستيطان، و سؤال السائل و جواب الامام عليه السّلام من الوطن العرفي، فيلزم أن يكون الاستثناء، و هو قوله عليه السّلام في الرواية «إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» منقطعا لأنّه مع ما قلنا من أن المتعارف في الضياع هو كون وطن صاحبها و مسكنه في غيرها، و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 35

لا يتعارف سكونته العرفية فيها، فقوله (إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه) يعني إلّا أن يكون لصاحب الضيعة فيها منزل اتخذه مسكنا عرفيا لنفسه يكون خارجا عن الوضع المتعارف من الضيعة، لأنّ قسما من الضيعة لا يتخذه مسكنا عرفيا فيه، بل المتعارف ما قلنا، فيكون الاستثناء خارجا عن وضع الضيعة، فالاستثناء يكون منقطعا على هذا، و هو خلاف الظاهر.

فبعد ذلك نقول: بأن حاصل السؤال و الجواب هو انّه بعد ما سئل السائل عن حكم الضيعة، و أن الشخص يقصر فيه أولا، أجاب عليه السّلام بعدم البأس بذلك يعنى:

القصر ما لم ينو البقاء عشرة أيام إلّا

أن يكون له في الضيعة منزل اتخذه مسكنا لنفسه فسأل عن المقدار الّذي يكفي في السكونة في الضيعة، فاجاب عليه السّلام بأن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، يعني: إذا سكن في منزل له في الضيعة ستة أشهر، فيجب عليه الإتمام فيها إذا مربها، فلا يستفاد من الرواية إلّا انّه يعتبر في وجوب الإتمام في الضيعة سكونته ستة أشهر، و هذا غير مربوط بالوطن العرفي اصلا لما قلنا من أن الإتمام في الوطن العرفي يكون من باب عدم كون الشخص مسافرا و ضاربا في الأرض، و لا حاجة الى دليل خاص، و أمّا في الضيعة فهو مع كونه مسافرا، و كون مسكنه غير الضيعة إذا أقام فيها ستة أشهر يجب عليه الإتمام بشرط أن يكون له ملك فيها.

فظهر لك ممّا قلنا في هذا المقام أن وجوب الإتمام على غير المسافر أعني: من يكون في منزله و مسكنه، و بتعبير القائلين بالوطن العرفي من يكون في وطنه، ليس إلّا من باب كونه غير مسافر و عدم كونه ممّن يضرب في الارض، فلا حاجة في وجوب الإتمام عليه الى دليل خاص، بل من أول الأمر من يكون كذلك خارج عن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 36

الحكم الّذي ثبت للمسافر، و هو وجوب القصر.

فما ترى من أن الفقهاء قبل العلّامة رحمه اللّه لم يعدّوا المرور بالوطن و المسكن من القواطع، و ليس هناك تعرض في كلماتهم له، ليس إلّا من باب عدم الحاجة الى ذكر ذلك، لأنّ كلامهم- على ما هو صريح في عناوين كلماتهم- في احكام صلاة المسافر و وجوب القصر عليه، فمن لا يكون مسافرا خارج من رأس عن موضوع كلماتهم، فلا حاجة الى

استثناء غير المسافر عن الأحكام الثابتة للمسافر.

مضافا الى أن الكلام يكون في قواطع السفر، و الكلام فيه هو في ما يكون الشخص مسافرا و وقع له قاطع في سفره، و لهذا ينبغي أن يذكر في هذا المقام أمران:

الأمر الأول: العزم على الإقامة عشرة أيّام في محل.

و الأمر الثاني: بقاء ثلاثين يوما مترددا في محل، فهما قاطعان لحكم السفر اعني القصر «على الكلام الّذي يأتي من كونهما قاطعين للموضوع أو الحكم».

[المرور فى أثناء السفر بالوطن لا يكون قاطعا]

و أمّا المرور في اثناء السفر الى الوطن و المسكن فلا يعد قاطعا، لأنّ من مرّ بوطنه و مسكنه فهو غير مسافر، لا أن يكون مسافرا و مع ذلك طرأ له القاطع، فلهذا لا ينبغي أن يذكر المرور بالوطن و المسكن من جملة القواطع، فلاجل ما قلنا لم يتعرض القدماء قبل العلّامة رحمه اللّه للمرور بالوطن و لم يعدّوه من القواطع، و إذا بلغ الزمان الى العلّامة رحمه اللّه تعرض لذلك و ذكر بأن مع المرور بالوطن و المسكن في اثناء السفر يجب الإتمام، و لعل ذلك كان لتوضيح منه، و إلا لا حاجة الى التعرض له.

فالمرور بالوطن و المسكن موجب للاتمام من باب كون الشخص غير مسافر فوجوب القصر ثابت للمسافر، وجوب الاتمام لغير المسافر، فمن لم يكن مسافرا يجب عليه الإتمام سواء صدق عرفا بأنّه في وطنه أم لا، فلا يدور حكم وجوب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 37

الإتمام لغير المسافر مدار صدق الوطن العرفي.

و أيضا ظهر لك أن حكم وجوب الإتمام الثابت على كل من يمر بكل موضع يكون فيه له ملك قد استوطنه ستة أشهر، و إن أعرض عنه مع بقاء ملك له فيها، الذي افتى به المشهور، و هو مختار

الشّيخ رحمه اللّه و غيره، و هو ظاهر كلام العلّامة رحمه اللّه في القواعد «1» في باب قواطع السفر فإنه قال «و كذا لو كان له في الاثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية و متفرقة، و لا يشترط استيطان الملك، بل البلد الّذي هو فيه و لا كون الملك صالحا للسكنى بل لو كان له مزرعة أتم الخ».

[في ان مراد المشهور من الوطن المسكن كما قلنا]

ليس من باب كون هذا الموضع وطنه العرفي، و لا وطنه الشرعي المعبّر عنه في بعض الكلمات، و نسب الى المشهور بأنّهم قائلون بالوطن الشرعي، لما قلنا من أن حمل روايات الباب و رواية ابن بزيع على الوطن العرفي لا وجه له، و ليس في كلماتهم التعبير بالوطن الشرعي، و لم يقل بذلك بمعنى جعل مستقل من الشارع في باب الوطن في مقابل الوطن العرفي، حيث إنه ما وقع من الشارع جعل في هذا الباب في قبال العرف حتى يقال إن من المجعولات الشرعية هو الوطن الشرعي، و ليس مراد المشهور أيضا ذلك.

بل مراد هم كما يظهر من كلماتهم بعد توضيح منا من أن المراد من الوطن المسكن، و بعد ما قلنا من أن حكم الضيعة من حيث القصر و الإتمام فيها كان مورد الكلام عند العامة و الخاصة، كما ترى أن الشافعي من العامة قال في أحد قوليه:

بوجوب الإتمام تمسكا بأن من ورد الى ضيعته، فهو في بيته و منزله، فيجب عليه

______________________________

(1)- قواعد كتاب الصّلاة فصل 5، ص 5

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 38

الإتمام، و قال في أحد قوليه: بخلاف ذلك تمسكا بفعل الصحابة، و انهم بعد هجرتهم الى المدينة متى دخلوا مكّة قصروا من الصّلاة، و الحال أن مكّة بيتهم و محل اقامتهم

سابقا، و استشكل على ذلك بأن قصرهم بمكة كان من باب عدم كون ملك لهم في حال زيارتهم البيت و دخولهم بمكة، لانهم باعوا منازلهم و املاكهم، و وجوب الإتمام فرع بقاء ملك للشخص في الضيعة، و لكل موضع يكون له فيه ملك، و على كل حال يكون الغرض أن المسألة كانت مورد الكلام عند العامة.

و كذلك كانت مورد الكلام عند الخاصّة كما ترى أن المسألة وقعت مورد السؤال و الجواب من زمن الصادق و الموسى و الرضا عليه السّلام هو انّه يجب الإتمام في هذا الموضع مع كون الشخص في السفر، و عدم كونه غير مسافر، لأنّ من مرّ بضيعته يكون برزخا بين المسافر و الحاضر، فلا يكون حاضرا لعدم كونه في منزله و مسكنه العرفي و مع ذلك لا يكون كسائر المسافرين، لأنّ وضعه في ضيعته على غير وضع المسافرين و لكن مع ذلك لم يخرج من كونه مسافرا، فمع كونه مسافرا يجب عليه الإتمام لما يظهر من رواية ابن بزيع.

فالحكم الّذي افتى به المشهور هو حكم يثبت من هذه الرواية، إنما الكلام في بعض خصوصياته.

فنقول: أمّا اعتبار إقامة ستة أشهر و اشتراطها فلدلالة رواية ابن بزيع عليه.

و أمّا اشتراط كون ملك له فيه، و إن لم يكن إلا نخلة واحدة، فلرواية رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصّلاة و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة، و لا يقصر، و ليصم إذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 39

حضره الصوم و هو فيها). «1»

فهذه الرواية تدلّ على أن مع الملك و إن لم يكن إلا

نخلة واحدة يجب الإتمام، و بعد فهم هذه الرواية و تقييدها برواية ابن بزيع الدالة على أن مجرد المرور إذا لم يقم فيها ستة أشهر لا يصير موجبا للإتمام، فتكون النتيجة هي وجوب الإتمام في الضيعة و امثالها إذا سكن فيها ستة أشهر.

و أمّا بعض الروايات الاخرى الواردة في الباب و إن كان مورد فرض الرواية موردا يكون للشخص ملك، و لكن مع ذلك لا يستفاد منه اعتبار الملك في وجوب الإتمام في الضيعة، لأنّ صرف كون المورد الّذي وقع منه السؤال موردا يكون ملك للشخص ليس دليلا على اعتبار الملك، إذ لعل ذلك كان من باب المورد، و المورد لا يخصص و لا يعمم، و يمكن انّه إذا كان السؤال عن مورد لا يكون للشخص ملك يامر الامام عليه السّلام بالاتمام أيضا، فالدليل على اعتبار الملك هو رواية عمّار الّذي وقع التصريح فيها بأن الحكم بالاتمام مقيد بصورة وجود الملك و إن لم يكن إلا نخلة واحدة.

و أمّا عدم اعتبار التوالي في ستة أشهر و كفاية إقامة ستة أشهر متفرقة في وجوب الإتمام فنقول: إن كنا نحن و ظاهر رواية ابن بزيع فلا بدّ من الالتزام باعتبار تحقق إقامة ستة أشهر متوالية، لأنه قال: إن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، و ظاهر هذه العبارة هو حصول ذلك بالتوالي.

و لكن بعد ما نرى خارجا ما هو المتعارف في الإقامة في الضيعة من إقامة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 14 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 40

مالكها و صاحبها فيها يوما، أو يومين، أو أكثر من ذلك بقليل، و لا يتعارف إقامة سنة أشهر متوالية أو اكثر من اصحاب

القرى و الضياع في قراهم و ضياعهم- خصوصا ابن بزيع فإنه كان دخيلا في أساس حكومة بني العباس، و مشغولا بشغل فيه، فكيف هو يتوقف ستة أشهر في ضياعه و ليس متعارفا الإقامة بهذا المقدار متواليا- فنستكشف من هذا انّه لا تعتبر إقامة ستة أشهر متوالية، لأنّ بعد كون المتعارف هو الإقامة أقل من ذلك، فلا يفهم العرف من ستة أشهر إلّا ما هو المتعارف عند هم من وقوع ذلك متفرقة، فإن كان نظره عليه السّلام بالتوالي لكان اللازم بيانه، فلاجل ذلك نقول بعدم اعتبار إقامة ستة أشهر متوالية.

[لا يصير الأعراض مانعا عن حكم الاتمام]

و أمّا عدم كون الإعراض مضرا اعني: إذا أقام الشخص ستة أشهر و لو متفرقة في موضع يكون له فيه ملك، يجب عليه الإتمام إذا مر بهذا الموضع و إن أعرض عن الإقامة في هذا الموضع.

فلأن ظاهر رواية ابن يزيع هو كفاية إقامة ستة أشهر في ذلك الموضع، و ظاهر رواية عمّار هو دخالة كون الملك له فيه، و بعد عدم الدليل على كون الإعراض مضرا، فلا بدّ من الأخذ بهذا الظهور، و مقتضاه هو اعتبار ما قلنا فقط، فلا يصير الإعراض مانعا عن حكم الإتمام إذا حصل سائر ما هو المعتبر في موضوع الحكم، فافهم، هذا تمام الكلام في هذا الباب.

ثمّ إنه قد ظهر لك ممّا مرّ أن من لم يكن مسافرا و لا يصدق عليه انّه المسافر و الضارب في الأرض، يجب عليه الإتمام سواء يصدق عليه انّه في وطنه أولا يصدق ذلك، فمن يكون في مسكنه و موطنه يجب عليه الإتمام لكونه غير مسافر.

[هل يعتبر فى الاتمام على المقيم قصد الاقامة دائما او لا؟]

ثمّ إنه يتولد هنا فرع، و هو انّه هل يعتبر في هذا المحل الّذي يجب على الشخص

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 41

فيه الإتمام لكونه غير مسافر، أن يكون من قصده الإقامة فيه دائما، بحيث انّه لو لم يكن قاصدا لذلك كان الواجب عليه القصر، أولا يعتبر ذلك، فمن ذهب الى موضع غير مسكنه و موطنه الأصلي، و أقام فيه و له فيه أهل، و عيال، و متجر، و مكسب، و أراد الاقامة فيه فعلا و إن لم يكن قاصدا فعلا لإقامته فيه دائما، أو يكون مترددا في الإقامة فيه، فهل يجب عليه القصر، أو يجب عليه الإتمام إذا مر بهذا الموضع.

فهل يقال: إنه مسافر في هذا المحل،

أو يقال: إنه غير مسافر بشرط عدم اعراضه فعلا عن الاقامة فيه؟

مثلا نحن أهل العلم الساكنون في النجف الأشرف أو في قم يكون وضع تحصيلنا بالاقامة في احدهما زمانا، و لم نكن بانين على الإقامة في أحدهما دائما، أو لم يكن بنائنا فعلا بالنسبة الى الإقامة البعدية، أو لم نكن ملتفتين الى ذلك أصلا، أو نكون مترددين في الإقامة البعدية من تلك المدة الّتي أقمنا في احدهما، و لكننا مقيمون في احدهما فعلا، بل لبعضنا اهلا و عيالا في أحدهما، فهل نكون نحن مسافرين، و يقال في حقنا عرفا بانا مسافرون، أو يقال في حقنا بأنا غير مسافرين؟

لا يخفى عليك أن بعض صغرياتها و إن كان مورد الإشكال في صدق المسافر عليه و عدم صدقه، و بتعبير آخر في صدق المقيم عليه و غير المقيم، و لكن لا اشكال في أن بعض صغرياتها لا يعد في العرف مسافرا، بل يعد عندهم انّه غير مسافر، فأفهم.

الثاني: من القواطع
اشارة

العزم على اقامة عشرة أيّام، و من القواطع توقف ثلاثين يوما أو شهر مترددا في المكان.

[في ذكر الروايات الواردة فى كون الاقامة و اقامة شهر قاطع للسفر]

اعلم أن كونهما قاطعين للسفر في الجملة مسلّم لدلالة روايات متعددة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 42

على ذلك.

منها رواية أبي بصير «1»، و هي ليست رواية مستقلة غير رواية 13 من هذا الباب و الراوي في كليهما أبو بصير مع اختلاف يسير في متنها، و اختلاف النقل حصل من جهة اختلاف الراويين عن ابي بصير، و الراوى عنه في الرواية 3 علي بن حمزة، و هو الّذي يكون من الواقفية و معروف بالوقف.

و رواية اخرى و هو الّذي يروي عنه كما في رواية 13 يعقوب بن شعيب، و هذا الطريق أصح من طريق الرواية الاولى لما قلنا من كون علي بن حمزة المعروف بالوقف في طريق الرواية الاولى.

و على ما يروي يعقوب تكون الرواية مسندة لأنه يروي عن ابي بصير و هو القائل (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام) فالسند متصل به عليه السّلام بخلاف رواية علي بن حمزة فإن على مقتضاها تكون الرواية مقطوعة لأنه يروي من ابي بصير، و يكون السند بهذا النحو «علي بن حمزة عن أبي بصير قال: إذا قدمت الخ» فلم يذكران أبا بصير عمّن يروى الرواية فتصير مضمرة.

و على كل حال يستفاد من هذه الرواية كلا الحكمين أعني: حكم وجوب الإتمام في صورة عزم عشرة أيّام في أرض، و حكم إقامة شهر مترددا في محل، و قبل تماميته يجب القصر مع الإقامة مترددا و بعد تمامية الشهر يجب عليه الإتمام.

و منها رواية ابي ولاد الحنّاط «2» فإنه يستفاد منها كلا الحكمين.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية

5 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 43

و منها الرواية الّتي رواها زرارة عن ابى جعفر المستفاد منها كلا الحكمين.

و منها رواية محمد بن مسلم «1» و كان أبو أيّوب حاضرا حينما سأل محمّد بن مسلم هذا الحكم عن المعصوم عليه السّلام و هو أبو أيوب فما في نسخ الوسائل (ابن ابي أيوب) بدل (أبي أيوب) اشتباه، و محمد بن مسلم يروي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و يستفاد منها أيضا كلا الحكمين، و ما في ذيل الرواية بعد بيان الحكمين و هو «فقال محمد بن مسلم: بلغني انك قلت: خمسا، فقال قد قلت ذلك، قال أبو أيوب فقلت أنا جعلت فداك، يكون أقل من خمسة أيّام؟ قال: لا». «2»

فالمراد منه هو انّه ما قال سابقا كان من باب التقية، و لذا قال (قد قلت ذلك) و لكن مع الحكم في الصدر بما ينافي ذلك أعني: الإتمام في الخمسة فقوله (قد قلت ذلك) اعني قلت، و لكن ما قلت كان من جهة التقية و إلّا فالحكم ما قلت في الصدر، و بعد ما سأل ابو أيوب في أقل من خمسة فأجاب أيضا بقوله لا، يعني: لا توجب الإقامة في أقل من الخمسة الإتمام «و قيل: يحتمل الذيل أعنى: (قد قلت ذلك) أعنى:

قلت حكم المسألة بأن الإتمام واجب في صورة العزم على إقامة عشرة أيّام، فظهر حكم أقل من العشرة يعني لا يجب الإتمام، و لذا لم يقل (نعم، قد قلت ذلك) و حمل الشيخ حكم الخمسة على من كان بمكة أو بالمدينة». «3»

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من

الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- أقول: و من القريب كون الرواية 16 الّتي رواها حريز عن محمد بن مسلم و هو لم يذكر عمّن يروي، و لذا تكون الرواية مضمرة، هي هذه الرواية لا غيرها، غاية الأمر تارة نقل محمد بن مسلم ما سمع فروى عنه حريز، و تارة نقل أبو أيوب المستمع لما سأل محمد بن مسلم،-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 44

و تدلّ على الحكمين بعض روايات أخر مثل رواية معاوية بن وهب.

و تدلّ على نفس وجوب الإتمام في صورة العزم على الإقامة عشرة أيّام فقط بعض الروايات أيضا.

و على كل حال أصل المسألة أعني وجوب الإتمام في صورة العزم على إقامة عشرة أيّام، و في صورة إقامة الشخص مترددا شهرا او ثلاثين يوما «باختلاف الروايات في ذلك» في الجملة ليس مورد الإشكال.

و إنما الكلام في بعض خصوصيات المسألة فنقول بعونه تعالى: إنه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: في أن موضع هذين الحكمين هل يكون خصوص البلد، أو القرية، أو الكوخ مثلا بحيث إن قصد إقامة عشرة أيّام أو إقامة شهر مترددا إذا كان في بلد، أو قرية، أو كوخ موجب للإتمام، أو لا خصوصية للبلد، و القرية، و الكوخ، بل كل موضع تعلق العزم بالاقامة فيه عشرة أيّام، أو أقام فيه ثلاثين يوما و لو كان هذا الموضع بادية من البوادي، أو على رأس جبل، أو عند عين جارية يجب الاتمام؟

لا إشكال في عدم خصوصية للبلد، أو القرية، أو الكوخ بل يشمل الحكم لكل موضع من الأرض و الجبال و غيرهما، لأنّ الوارد في بعض الروايات و إن كان البلد، و لكن بعد عدم خصوصية للبلد «بل في بعض الروايات

التصريح بكفاية مطلق الأرض لأنه فرض فيه الإقامة في أرض» فثبوت الحكمين لمطلق موضع عزم

______________________________

- فالروايتان واحدة، و إن كان بينهما اختلاف يسير بحسب المتن و ما قلت اختاره سيدنا الأستاذ- مد ظله- في يوم البعد في مجلس البحث. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 45

الشخص على الاقامة فيه عشرة أيّام، أو أقام فيه شهرا مترددا ممّا لا إشكال فيه.

الجهة الثانية: هل يعتبر أن تكون هذه الإقامة فيمن عزم على الإقامة عشرة أيّام و فيمن أقام ثلاثين يوما، في محل واحد، أو يكفى كونها في محلين؟ مثلا يعتبر أن يعزم على إقامة عشرة أيام أو إقامة ثلاثين يوما مترددا في النجف الأشرف فقط في موجبيتها لطرو الحكمين، أو يكفى العزم على الإقامة في النجف الأشرف و الكوفة، أو في الكاظمين و بغداد، أو في قم و جمكران كليهما، بأن يعزم على الإقامة في كلا المحلين عشرة أيّام أو أقام مترددا في كليهما شهرا.

لا إشكال في اعتبار كون ذلك في محل واحد، لأنّ معنى الإقامة في أرض، أو بلد ليس إلّا هذا.

نعم، يقع الكلام في أن الإقامة في محل يكون معناه هو العزم على خصوص الإقامة في هذا الموضع، و الشاهد ظهور الأخبار في ذلك لأنّه قال مثلا «إذا دخلت أرضا» أو «إذا اتيت بلدة» أو «إذا دخلت بلدا» و غير ذلك، او يكون أوسع من ذلك نذكره في الجهة الثالث.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في ما هو المراد من الإقامة المتعلقة بها العزم، و الإقامة المعتبرة في ثلاثين يوما مترددا.

و انّه هل يكون المراد من الإقامة هو أن يتوقف الشخص في خصوص موضع تعلق به الإقامة، مثلا إذا عزم على الإقامة في بلد، أو قرية، أو

كوخ، أو خيمة لا بدّ أن يقيم في نفس البلد بحيث لا يخرج من سوره، أو من جدران القرية أو من الكوخ و الخيمة، أولا يضرّ بصدق الإقامة الخروج الى اطراف البلد، أو القرية الّذي قصد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 46

المقام فيهما و حواليها من المزارع و البساتين، أو اطراف الكوخ و الخمية، أو لا يضرّ بصدق الاقامة الخروج الى حد الترخص من البلد، أو القرية الّتي أقام الشخص فيها، أو تكون دائرة الإقامة أوسع من ذلك، فلا يضرّ في صدق الإقامة الخروج الى ما دون المسافة، فما نقول في المقام؟

لا يخفى عليك أن دائرة الاقامة ليست ضيقة بمقدار حتى يقال: إن من قصد الإقامة في محل لا بدّ من أن لا يخرج عن نفس هذا الموضع، و يرسم خطا في أطرافه، فاذا خرج عن هذا الخط خرج عن المقيم في هذا المحل، بل الإقامة في محل بحسب الصدق العرفى لا ينافى الذهاب و الإياب الى حوالي هذا الموضع، بل ربما تقتضي الإقامة في كل موضع الإياب و الذهاب الى حواليه و حواشيه القريبة.

[في ذكر الاقوال فى المسألة]

إنما الكلام في ما ينبغي أن يقال في هذا المقام.

فهل نقول بعدم اعتبار الخروج من سور البلد كما يظهر من الشّيخ المهدي الفتوني رحمه اللّه أستاذ بحر العلوم رحمه اللّه؟

أو نقول بعدم مضرية الخروج الى أقل من المسافة في صدق الإقامة.

أو نقول بعدم مضرية الخروج الى حدّ الترخص لا أزيد من ذلك في صدق الإقامة، أو نقول بعدم كون الخروج الى التوابع المتصلة من البساتين و المزارع القريبة من البلد مضرّا في صدق الإقامة في البلد.

أو نفصّل بين من يخرج من محل الإقامة الى ما دون المسافة و يعود عن

قريب بحيث يعود في يومه أو يعود في ليلته، لأنّ ينام في هذا المحل بحيث يكون هذا المحل محل نومه و بين من لا يعود كذلك، وجوه في المسألة بل اقوال.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 47

و الحق أن يقال: بأن السفر الّذي هو عبارة عن البعد عن المسكن و المنزل يقتضي بحسب وضعه، و في كل يوم و ليلة مقدارا من السير و الحركة، و يقتضي مقدارا من التوقف و الاقامة للاستراحة من النوم و الأكل و الشرب و غير ذلك، و هذا المقدار من السير و التوقف في كل يوم و ليلة هو المقدار المتعارف في السفر و التوقف، فهذا المقدار من الإقامة كما قلنا غير مناف مع وضع السفر، و معه يعدّ الشخص مسافرا، و لا يخرج بذلك من المسافرة، و لا يعدّ بأنّه متعطل للسفر، و تارة يقيم الشخص في ضمن السفر في محل، و يكون وقوفه فيه بمقدار يعدّ في العرف تعطل السفر، و أقام في هذا المحل، و بالفارسية يقال ان المسافر «لنگ كرده است» فاذا تعطل السفر بالاقامة في محل.

فنقول: إن الإقامة في بلد أو محل آخر في ضمن السفر، تارة تكون بنحو يقال للمقيم، إنه متعطل للسفر بالاقامة في هذا المحل، فهو مقيم فاذا عد مقيما في هذا المحل، فكلما خرج عن هذا المحل الى محل يعد مع هذا الخروج انّه متعطل للسفر فيعد مقيما، لذا قلنا في حاشيتنا على العروة بأن «إقامة المسافر في منزل يوما أو اياما عبارة في العرف عن بقائه فيه متعطلا عما هو شغل المسافرين في كل يوم من مرحلة قصيرة او طويلة لا جعله ذلك المنزل محل استراحته و نومه عند فراغه

من شغل المسافرة في يومه» فالضابط في الاقامة هو أن يعدّ الشخص متعطلا لسفره باعتبار إقامة في المحل الذي أقام فيه فمتى يكون الشخص باعتبار إقامته في محل الإقامة هو متعطلا للسفر فهو مقيم.

فخروجه من موضع إقامته إذا كان في بعض الأمكنة الّتي لا يخرجه عن التعطيل في السفر من حيث كونه مقيما، فهذا المقدار غير مضر بصدق الإقامة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 48

و أمّا إذا كان خروجه من محل الإقامة الى بعض المواضع من أطراف محل الإقامة و جوانبها الّتي يعد بسبب خروجه إليها انّه انشأ سفرا جديدا، و لا يعد مع ذلك الخروج انّه تعطل للسفر، فهذا غير داخل في حدود الإقامة.

[أنا ندور مدار الضابط فى الاقامة]

فعلى هذا نرى أن في بعض المصاديق تكون الإقامة باقية بنظر العرف باعتبار عدّ الشخص متعطلا للسفر مثل خروجه الى بعض المزارع القريبة من بلد الإقامة، و اطرافه المتصلة به، و في بعض المصاديق لا يعد متعطلا مثل ما إذا خرج أربعة فراسخ أو اكثر، فان هذا سفر لا يعدّ الشخص مع هذه المسافرة إنه متعطل للسفر، و لهذا الضابط بعض المصاديق المشتبهة، و لا يضر ذلك بتمامية الضابط لأنه يجد لنوع الضوابط بعض المصاديق المشتبهة، فعلى هذا نقول: إنا ندور مدار هذا الضابط في الإقامة.

و ليس الاعتبار بما ربما يتوهم، كما اشرنا سابقا، من كون العبرة في الإقامة و عدم مضرية الخروج بكون الذهاب و الاياب في يومه أو ليلته، أو بحيث يكون محل الإقامة محل نومه و استراحته فقط، فلا يضر الخروج بلغ ما بلغ إذا كان نومه و استراحته في الليل في هذا المحل.

لان معنى الإقامة في محل ليس معناها كون المحل محل إقامته في الليل، أو كون

نومه و استراحته فيه، بل كما قلنا تكون الإقامة مقابل السفر، فمتى لا يعدّ الشخص مسافرا يمكن اطلاق المقيم و إلّا فلا، و العرف كما ترى لا يرى الضابط هذا، بل العرف مساعد مع الضابط الّذي اخترناه.

إذا عرفت ما قلنا من الضابط في باب الإقامة فربما يتوهم أن بعض الأخبار تدلّ على كون الاعتبار بغير ما قلنا، فاذا لا بدّ من التعرض للأخبار و مقدار دلالتها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 49

و تمامية سندها حتى يظهر الحق،

[في الروايات غير مربوطة بما نحن فيه]

فنقول بعونه تعالى: بأن هذه الروايات ثلاثة.

الأولى: رواية اسحاق بن عمّار «قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أهل مكّة إذا زاروا عليهم إتمام الصّلاة قال: المقيم بمكة الى شهر بمنزلتهم» «1».

و توهم أن هذه الرواية تدلّ على انّه لا يضر في صدق الإقامة بمكة الخروج الى عرفات و المنى لأنه بمنزلة أهل مكة، فكما أن أهل مكّة إذا رجعوا الى منى و زاروا البيت يتمون، كذلك المقيم الى شهر يتم إذا رجع الى مكّة لأنه بمنزلتهم.

و فيه أن هذه الرواية غير متعرضة لما نحن بصدده، أعنى: ما يكفى في صدق الإقامة و ما يضرّ في صدقها في محل، و انّه إذا اراد الشخص ان يقيم عشرة أيّام في محل، أو بقى مترددا في محل فهل يلزم أن يكون في خصوص هذا المحل أو لا يضرّ في الإقامة الخروج الى الاطراف القريبة، أو الى فرسخ أو فرسخين، أو إلى ما دون المسافة، فنزاعنا في هذا الحيث و في ما يتحقّق به أصل الإقامة، و ليس الكلام في بعد الإقامة ما حكمه، و ما أثر الإقامة، فربما يكون أثر إقامة عشرة أيام أو شهر مترددا أنه بعد تحقق ذلك

لا يكون الخروج الى الاقل من المسافة بل المسافة أيضا مضر في وجوب الإتمام عليه إذا رجع الى محل إقامته، و الرواية متعرضة لهذا الحيث، و لا بدّ من إجراء الكلام بعد ذلك في انّه يمكن أن يحكم بما يحتمل في الرواية من أن الخروج الى هذا الحد غير مانع من وجوب الإتمام إذا رجع الى المحل الّذي وقعت فيه اقامة عشرة أيّام مع العزم أو شهر مترددا أولا، فإن نفس هذه المسألة محل الكلام و على كل حال فهي غير مربوطة بما نحن في مقامه.

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 50

الثانية: رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه اتمام الصّلاة، و هو بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فاذا زار البيت أتمّ الصّلاة، و عليه إتمام الصّلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر. «1»

و توهم أن هذه الرواية تدلّ على أن في إقامة العشرة لا يضرّ الخروج الى الاقل من المسافة الشرعية في صدق الاقامة لأنّ المستفاد من الرواية إن المقيم الى عشرة بمنزلة أهل مكة، فكما أنّه لا يضر في وجوب الإتمام عليهم الخروج الى الاقل من المسافة فكذلك ناوي إقامة العشرة).

و لكن فيه- بعد حمل الرواية على صورة عزم إقامة العشرة لأنّ من يأتي الى مكة فهو يأتي لاداء مناسك الحج فيبقى الى زمان بلوغ الموسم فيقصد الإقامة- ما قلنا في الرواية السابقة من عدم تعرض الرواية لما نحن بصدده، لأنا فعلا نتكلم فيما هو المراد من الإقامة الّتي يكون العزم عليها في عشرة أيّام، أو وقوعها ثلاثون يوما

مترددا و تحقّق عنوانها موجبا للإتمام، فيكون الكلام فعلا في ما هو دخيل في الإقامة حتى كان المعتبر في وجوب الإتمام العزم على الإقامة مع ما هو دخيل فيها أو وقوع الإقامة شهر مترددا مع ما هو دخيل فيها، و في ما لم يكن دخيلا في هذه الاقامة.

و لم يكن الكلام فعلا في انّه بعد تحقق الإقامة على وجهها فما هو اثر العزم على الإقامة الواقعة مورد العزم على وجهها، أو الاقامة الخارجية في شهر مترددا من وجوب الإتمام إذا دخل بعد ذلك في هذا المحل الّذي أقام فيه، كما يمكن أن يستظهر من هذه الرواية، و فيها كلام من حيث انّه هل يكون الحكم الإتمام في محل الإقامة إذا مرّ به بعد حصول الإقامة و تحققها فيه أولا، فالرواية على تقدير دلالتها و الالتزام

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 51

بمضمونها تدلّ على وجوب الإتمام بعد حصول ما هو موضوع الإقامة، و نحن فعلا نتكلم في ما هو موضوعها فالرواية غير مرتبطة بما نحن فيه.

الثالثة: ما رواها محمد بن حسن «شيخ الطائفة» باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إبراهيم الحضينى (قال: استأمرت أبا جعفر عليه السّلام في الإتمام و التقصير، قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام و أتم الصّلاة. قلت: إني أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ايام، قال: انو مقام عشرة أيّام و اتم الصّلاة). «1»

و توهم أن الرواية تدلّ على أن قصد الإقامة غير مناف مع الخروج الى ما دون المسافة بل الى أزيد من

المسافة، لأنه مع فرض الراوي بأنّه لم يبق في مكّة الا يوما أو يومين أو ثلاثة، لعدم زمان ازيد من ذلك الى بلوغ يوم التروية و يذهب الى عرفات بعد ذلك، مع ذلك أمر عليه السّلام بأن ينوي مقام عشرة أيّام و يتم مع وقوع مقدار من العشرة بحسب قصده في عرفات و المشعر و منى، فيستفاد عدم منافات هذه المسافة في الإقامة بمكة.

و فيه، مع قطع النظر عن سند الرواية، بأن الرواية بحسب الاحتمال، قابلة لان يكون سؤال السائل عن حكم وجوب الإتمام أو القصر في الحرمين، و حيث يكون مفاد بعض الروايات الإتمام فيهما من العلم المذخور عندهم عليهم السّلام، و كانت العامة مخالفة لذلك، فاجاب عليه السّلام السائل، و بيّن الحكم الواقعي بلسان التقية و قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام فامر بوجوب الإتمام، و لكن علل الحكم ظاهرا بامر

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 52

آخر و هو العزم على الإقامة عشرة أيّام تقية، ثمّ بعد ما سأل السائل و (قال: إني اقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة) فمع ذلك أمر بالإتمام لوجوب الإتمام فيهما، و لكن مع ذلك لاجل التقيّة قال إنو مقام عشرة أيّام، فهو عليه السّلام في هذه الرواية يكون في مقام بيان وجوب الإتمام في الحرمين من باب خصوصية فيهما و كون الإتمام فيهما من العلم المذخور، غاية الأمر علّل ظاهرا هذا الحكم بالعزم على الإقامة عشرة أيّام من باب التقية.

و قابلة لأنّ يكون نظر المعصوم عليه السّلام بكفاية العزم على العشرة مع كون بعضها في غير محل الإقامة، بل مع كونه في

بعض أيّام العشرة بحسب قصده الأولى خارجا عن المسافة الشرعية.

و الاحتمال الأوّل اقوى بالنظر، و لا أقل من عدم ظهور الرواية في الاحتمال الثاني، فهذه الرواية أيضا لا يستفاد منها شي ء على خلاف الضابط الّذي قلنا.

إذا عرفت ذلك نقول توضيحا للمطلب: بأن الميزان في الإقامة هل هو كون محل الإقامة محل بيوتة الشخص و نومه في كل ليلة في هذا المحل حتى لو خرج في يومه الى غير هذا المحل الى ما دون المسافة، مثلا بنى الشخص على الإقامة عشرة أيّام في قم، و لكن يذهب في كل يوم الى مسافة لم تبلغ المسافة الشرعية مثلا ثلاثة فراسخ و نصف فرسخ، و يأتي للاستراحة و البيتوتة و النوم في الليل بقم؟

أو يكون الميزان ما قلنا من انّ معنى الإقامة هو تعطيل السفر فكلما يعدّ تعطيلا للسفر فهو مقيم؟

و بعبارة اخرى من الواضح بأن السفر بحسب وضعه الطبيعي يشغل مقدارا من الزمان قسم منه للضرب في الأرض و السير، و قسم منه معد للاقامة و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 53

الاستراحة و تجديد القوى للسير و الضرب، فالقسم المعدّ لاقامته يكون من السفر لما قلنا من أن وضع السفر يقتضي مقدارا من الإقامة، فمن ينوي الإقامة في محل لا بدّ و أن ينوي أن يصرف مقدارا كان معدا للضرب و السير في الإقامة، لأنّ الإقامة عبارة عن تغيير وضع السفر و هو بأن يعطّل المسافر السير و الضرب و يبدّله بالإقامة، فلا بدّ من أن يصرف المقيم مقدارا الّذي يصرفه في السير و الضرب في الإقامة، فمقدار من الزمان المعد للسير يصرف في الاقامة، لأنّ الإقامة مقابل السفر.

و إن كان تحقق الإقامة بصرف الإقامة في الليل

و بالمقدار المعد للاستراحة فكل مسافر يكون له هذا المقدار من الإقامة، فالإقامة محتاجة الى التوقف و تعطيل السفر أزيد من ذلك المقدار، و هو مقدار الّذي يقتضي السفر و السير و الضرب في هذا المقدار من الزمان للمسافر، فالمقيم هو المتعطل لما يقتضي وضع السفر السير في هذا المقدار، فعلى هذا لا يكفي في تحقق عنوان الإقامة، و صدقها بنظر العرف صرف البيتوتة في الليل، أو جعل موضع محل نومه في الليل، بل لا بدّ من كون المقيم معطلا للسفر حتى يصدق عليه انّه مقيم.

[لا يكون محل الاقامة عبارة عن محل النوم و الاستراحة]

ثمّ إن القائل بكون الميزان في صدق الإقامة هو كون محل الإقامة محل بيتوتته بالليل أو محل نومه و استراحته في الليل لا بدّ من أن يلتزم بأن.

الخروج الى الأزيد من المسافة لم يكن مضرا في صدق الإقامة إذا كان يعود في الليل، مثلا عزم الشخص على الإقامة في الطهران عشرة أيّام، أو في ضمن إقامة شهرا مترددا فيه، و لكن يكون له شغل فيذهب كل يوم الى قم، و الحال أن ما بين قم و طهران ازيد من المسافة الموجبة للقصر، و يشتغل بشغله أو حرفته و كسبه، و يعود من قم الى طهران و يبيت فيه في الليل و ينام فيه، فهو مقيم عشرة أيام فيه إذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 54

أقام بهذا النحو عشرة أيّام فيه، أو عزم من الأوّل على الإقامة بهذا النحو أو إذا أقام مترددا شهرا فيه بهذا النحو يعدّ انّه أقام شهرا فيه مترددا، فلا بدّ للقائل بهذه المبنى من الالتزام بعدم مضرية هذا السفر في صدق الإقامة و الحال أن القائل لا يلتزم بذلك و لا يمكن الالتزام به.

فمن هذا

التالي الفاسد نكشف عدم كون الضابط ما تخيّل من كون محل الإقامة عبارة عن محل النوم و البيتوتة في الليل و محل الاستراحة في الليل، و يستكشف من ذلك أن المرتكز في الذهن بحسب الارتكاز العرفي هو أمر غير هذا الضابط، و لذا يأبى الذهن عن قبول صدق الإقامة في هذه الصورة، فهذا أيضا دليل على بطلان هذا الضابط.

ثمّ إنّه ربّما يتوهم عدم كون الخروج الى الاقل من المسافة الشرعية عن محل الإقامة مضرا في صدق الاقامة بنحو آخر و هو أن يقال: بأن الميزان في مضرية الخروج عن محل الإقامة في صدق الإقامة في هذا المحل و عدم مضرية الخروج، هو كون زمان الخروج طويلا و عدم كون زمان الخروج طويلا، فاذا كان الزمان الّذي يخرج عن محل الإقامة طويلا مثل أن من عزم على الإقامة يذهب في كلّ يوم الى محل مع الوسائط النقلية السابقة كالحمار، و البغال، و الجمال و يطول زمان الخروج، مثلا في اليوم أو أكثر من اليوم، فهذا النحو من الخروج يكون مضرا، و أما إذا يخرج في كل يوم عن محل الإقامة و كان زمان خروجه قليلا مثل أن يسافر في السيارة أو الطيارة ساعة في كل يوم، فلا يكون هذا الخروج مضرا بصدق الإقامة.

و فيه انّه إن كان يلتزم أحد بهذا، فلازمه رفع اليد عن أحكام صلاة المسافر من رأس، لأنه على هذا يقال: إن جعل صلاة المسافر و وضعها كان باعتبار نوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 55

المسافرات المتداولة في العصر الأوّل من الإسلام، و ما يشابهه من كون المسافرات المتعارفة إمّا راجلا أو مع الحمير أو البغال أو الجمال الّذي يطول معه السفر، فليس حكم

صلاة المسافر مجعولا لوضع المسافرات المتداولة في عصرنا من المسافرة في السيارات، و الطيارات، و السكك الحديدية، و السفن الدخانية بلا مشقة و كلفة، فيسير الشخص مسافة بعيدة في نصف ساعة.

و لا يمكن الالتزام بذلك و القول بأن حكم صلاة المسافر كان مجعولا باعتبار طول زمان المسافرة، فلم يكن مجعولا للمسافرات المتداولة في عصرنا هذا، فبعد عدم إمكان الالتزام بذلك، و كيف يمكن الالتزام به مع استلزامه فقها جديدا، فنقول:

إنه لا يمكن كون الميزان في هذا الباب أيضا طول الزمان و قصره فيكون الخروج من محل الاقامة الى ما دون المسافة مضرا بالإقامة إلّا إذا وقع تحت الضابط الذي قدمنا ذكره من كون الميزان تعطيل السفر في صدق الإقامة.

فمحقق الإقامة الّتي خارجيتها تكون موضوعا لوجوب الإتمام و قاطعية السفر في ثلاثين يوما أو الشهر، و يكون تعلق العزم عليها في العشرة موضوعا لحكم وجوب الإتمام و قاطعا للسفر، هو تعطيل السفر، فالعرف لا يفهمون من الإقامة إلّا تعطيل السفر في مقدار يقتضي السفر السير فيه، لا تعطيل السفر في خصوص المقدار الذي يقتضي السفر بنفسه تعطيل هذا المقدار للاستراحة، فعلى هذا ربما لا يعدّ الخروج الى بعض التوابع المتصلة من محل الإقامة، مناف لصدق الإقامة لعدم كون هذا المقدار من السير و الخروج منافيا لتعطيل السفر، و ليس الميزان سور البلد أو حد الترخص، أو ما دون المسافة، بل الميزان ما قلنا و إن كان ربما يعدّ الخروج حتى الى حد الترخص غير مضر بصدق الإقامة من باب كون هذا السير غير مناف

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 56

لتعطيل السفر الّذي هو ضابط صدق الإقامة، و ليس الميزان طول زمان الخروج و قصره كما قلنا.

[ان التوابع ربما يتخلف عند العرف بحسب الزمان]

نعم، هنا كلام و هو انّه بعد ما قلنا من أن الخروج الى بعض التوابع المتصلة لا يعدّ منا فيا لتعطيل السفر، يمكن أن يقال: بأن التوابع ربما يختلف عند العرف بحسب الازمنة من باب اختلاف وضع السفر، مثلا إن كان السفر مع الجمال و البغال و الحمير لكان الخروج الى قلهك مثلا من طهران خارجا عن حد التوابع لطول زمان السفر إليه، و لم يكن المتعارف الخروج إليه من طهران لمن كان مقيما في طهران، و لكن اليوم مع وضع الوسائط النقلية يعدّ جزء طهران و من توابعه بحيث لا يكون الخروج إليه من طهران و الرجوع الى طهران لقصر زمان الاياب و الذهاب منافيا مع تعطيل السفر بالاقامة في طهران، لتعارف ذلك مع الإقامة، و حتى ربما يقتضي وضع الاقامة الذهاب إليه لقضاء بعض الحوائج من الكسب و الحرفة، مثل من يكون مقيما في قلهك و يروح كل يوم للبيع و الشّراء الى طهران، و هذا و إن كان ممّا يتخيله الانسان و يختلج بالبال، و لكن ليس على وجه نطمئن به و لنا فيه التردّد.

الجهة الرابعة: هل الميزان في عشرة أيّام الّتي تقع متعلق العزم، هو انّه يلزم قصد عشرة أيّام بحيث يكون كل يوم من هذه العشرة يوما تاما من اوّل طلوع الفجر أو طلوع الشّمس- على الكلام في ذلك- الى آخر اليوم، بمعنى لزوم تعلق العزم بعشرة أيّام بهذا النحو، و لازم ذلك انّه إن ورد ساعة بعد طلوع شمس و عزم على الإقامة إلى ساعة بعد طلوع الشّمس من يوم الحادى عشر لم تكن هذه الإقامة كافية لكونها مع العزم قاطعة للسفر، بل و لا بدّ من كون قصده

الإقامة عشرة أيّام يكون كل يوم منه يوما تاما و تماما.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 57

أو لا يلزم ذلك، بل كما يحصل القاطع بقصد الاقامة عشرة أيّام بحيث يكون كلّ يوم منه يوما تاما، كذلك يحصل بالتلفيق بمعنى أن العزم لو تعلق بما يكون عشرة أيّام و لو بالتلفيق حصل القاطع للسفر، مثلا إذا ورد الشخص في بلد في وسط اليوم، و اراد الإقامة في هذا البلد الى وسط يوم الحاد يعشر، فتكون هذه الإقامة الواقعة متعلق القصد قاطعة للسفر، لأنه عزم على الإقامة عشرة أيّام و إن لم تكن كل يوم من العشرة يوما تاما، بل تصل هذه الايام بالعشرة على وجه التلفيق، و هذا معنى كفاية عشرة أيّام ملفقة.

أو يقال: بأنّه بعد ما قلنا في الجهة الثالثة بأن الميزان في الإقامة بحسب صدقها العرفى هو كون المسافر متعطلا للسفر، بأنّه يعتبر أن يكون القصد متعلقا بعشرة أيّام اعنى: على هذا يكون القصد متعلقا بعشرة تعطيلات، مثلا في المثال المتقدم من دخل بلدة في نصف اليوم، فهو في هذا اليوم قد صرف ما يقتضي المسافرة في كل يوم للمسافر، و يكون تعطيله في هذا اليوم لا من باب الإقامة، بل هذا التعطيل هو مقتضى وضع السفر، لأنّ المسافر كما قلنا محتاج بحسب وضع السفر الى مقدار من السير و مقدار من الإقامة و الاستراحة، فهذا المسافر الّذي ورد من السفر في نصف النار في هذا البلد فهو ما صرف مقدار السير في الإقامة، بل صرف في السير، فهو إن عزم على الاقامة فلا بدّ من أن يقصد عشرة أيّام في مقدار الّذي يقتضي السفر السير فيه و لا يوجد هذا المقدار، لأنّ موضوعه مفقود

بالسير القبلى من الصبح الى نصف النهار، و على الفرض في اليوم الحاد يعشر أيضا يروح بعد الظهر فيصرف مقدارا من يوم الحاد يعشر من المسافرة في السير أيضا، لا في الاقامة.

فعلى هذا لا يكفي التلفيق، بل لا بدّ من تعلق العزم بعشرة أيّام يكون فيها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 58

عشرة تعطيلات، و لا تحصل ذلك إلّا في صورة تكون إقامته في محل الإقامة عشرة أيّام تامة، و ليس المراد من عشرة أيّام تامة كون كل يوم من أول اليوم الى آخر اليوم، كما هو المفروض في الاحتمال الأول، بل المراد كون إقامة المتعلقة للقصد في عشرة أيّام كانت إقامة الشخص في محل الإقامة في عشرة مرحلة من مراحل يقتضي السفر السير في هذه المرحلة و ان لم تكن يوما تاما، فالميزان هو أن يعزم على عشرة أيّام تدخل فيها عشرة مراحل من مراحل الّتي يقتضي وضع السفر السير فيها حتى يتحقّق تعطيل السفر الّذي هو ميزان صدق الاقامة، فعلى هذا إن كان يوم الورود و الخروج يوما غير تام صرف المسافر هاتين المرحلتين في هذين اليومين في السير، فلا يحسب من هذه الاقامة،

فالاحتمالات في المسألة ثلاثة.

قد يأتي بالنظر أن الميزان هو الاحتمال الثالث على ما اخترنا من كون الميزان في صدق الاقامة هو كون المسافر متعطلا للسفر، لأنّ في العشرة الملفقة ليس المسافر في اليوم الأوّل و الآخر اعنى: يوم الحاد يعشر متعطلا للسفر، بل يصرف المرحلتين في السير لأنه في اليوم الأوّل ينزل في وسط اليوم فصرف مرحلته في السير، و يروح بعد نصف النهار في اليوم الآخر فصرف مرحلته في السير أيضا.

و لكن لا يبعد أن يقال: إنه على مختارنا أيضا يكفى في

حصول القاطع العزم على الاقامة في العشرة الملفقة، لأنّ الشخص و إن صرف في السير مرحلتين و لكن مع ذلك يعد في العرف انّه أقام عشرة أيام، و إن كانت اقامته في اليوم الأوّل و الآخر لا في مقدار الّذي يقتضي السفر السير فيه، لأنّ المسافر بعد قصد الإقامة يقال في حقة: إنه عزم على الاقامة عشرة أيّام، و من ورد في وسط اليوم و عزم على الاقامة و أراد الخروج في اليوم الحاد يعشر في وسط النهار مثلا، فهو اراد الاقامة في هذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 59

المحل و كان تعطيله في اليوم الأوّل و الآخر لا في مقدار يقتضي السفر السير فيه، و لكن مع ذلك يعدّ عند العرف أن هذا الشخص متعطل لسفره بمجرّد عزمه على الاقامة باعتبار عزمه على الاقامة عشرة أيّام، فيصدق تعطيل السفر الّذي هو عبارة عن الاقامة.

و لا يقول العرف: بأنه، مع عزمه في اليوم الاول، لم يكن مقيما باقامة المقابلة للسفر من اليوم الأوّل و الآخر، بل الاقامة في اليوم الأوّل و الآخر تعدّ جزء لاقامة عشرة أيّام، و يقال: إن هذا الشخص عزم على إقامة عشرة أيّام، فمع ما قلنا من الضابط أيضا تكفي عشرة أيّام ملفقة «خصوصا مع أن احتمال الأوّل- و هو كون اليوم بتمامه موضوعا للحكم، و دخالة عشرة أيّام تامة في الاقامة- ممّا لا وجه له، بل الميزان على ما يخطر بذهن العرف هو زمان محدود بهذا الحد اعني، عشرة أيّام فعلى هذا يكفى التلفيق».

الجهة الخامسة: بعد ما قلنا بأن الاقامة المترددة في شهر أو ثلثين يوما قاطع للسفر، يقع الكلام في أن الميزان في ذلك هو إقامة شهر او ثلثين

يوما، و منشأ هذا الكلام هو الأخبار.

فإن في تمام الأخبار المتعرضة لهذا الحكم- غير رواية واحدة- ورد بلفظ شهر اعنى: إقامة شهر مترددا قاطع للسفر، فجعل فيها الاقامة في شهر قاطعا، و في رواية واحدة، و هي ما رواها ابى أيوب جعل قاطع الاقامة في ثلثين يوما مترددا، لا شهر «1».

______________________________

(1)- قلنا بأن الصحيح أبو أيوب فما في الوسائل طبع أمير بهادري (ابن ابي أيوب) اشتباه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 60

[فى بيان ان الميزان هو أى احتمال]
اشارة

إذا عرفت ذلك، فما نقول في المقام؟ فيحتمل أن يكون الميزان هو الشهر، و المراد بالشهر يكون هو أيّام الواقعة بين الهلالين الّذي يكون له خارجا مصداقان، فتارة يتحقّق الشهر بثلاثين يوما، و تارة بتسعة و عشرين يوما، لأنّ الهلال تارة يرى بعد تمامية ثلثين يوما، و تارة بعد تمامية تسعة و عشرين يوما.

و يحتمل أن يكون الميزان هو ثلثون يوما مطلقا، و تكون الإقامة المردّدة في هذا الزمان قاطعا للسفر، سواء كان الشهر ثلثين يوما، أو تسعة و عشرين يوما.

و يحتمل أن يكون الميزان هو الشهر سواء كان الشهر ثلثين يوما أو تسعة و عشرين يوما إذا كان شروع الاقامة في أول الشهر، و أن يكون الميزان ثلثين يوما إذا كان شروع إقامة الشخص في وسط الشهر.

و يحتمل إن يكون الميزان هو الشهر، و المراد منه مطلقا هو تسعة و عشرين يوما.

اعلم أن احتمال الأخير ممّا لا نجد له وجها، لأنه و إن لم يكن المراد من الشهر هو ثلثون يوما بقرينة رواية ابي أيوب، فلا اقل من عدم وجه لحمل الشهر على خصوص تسعة و عشرين يوما مع كون الغالب في الشهر هو ثلثون يوما.

و أمّا وجه احتمال كون القاطع هو إقامة

شهر سواء كان الشهر ثلثين يوما أو نقص من ذلك بيوم إذا كان شروع الاقامة في أول الشهر، و ثلثين يوما إذا كان شروعها من وسط الشهر، فلأن الشهر عبارة عن قطعة من الزمان، و يعرف دخوله

______________________________

و يستفاد منها أن محمد بن مسلم سئل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو سمع ما سأله محمد بن مسلم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 61

بروية الهلال و خروجه بها أيضا، و حيث إن الهلال يرى تارة بمضى ثلثين يوما، و تارة بمضى تسعة و عشرين يوما مضت من أول الشهر، فللشهر مصداقان، و يطلق الشهر على كل منهما فالشهر بعد كونه عبارة عما قلنا و كون المصداقين له، فبعد كون القاطع هو الشهر كما يظهر من روايات الباب إلّا رواية واحدة، فلا بدّ من كون الحكم دائرا مدار تحقق الشهر، فاذا أقام الشخص في محل مترددا، فمتى لم ينقض الشهر فيجب عليه القصر، و إذا انقضى الشهر فيجب عليه الإتمام لحصول القاطع، و هو مضى الشهر سواء مضى بثلاثين أو انقص.

و أمّا ما ورد في رواية ابي أيوب من جعل القاطع إقامة ثلاثين يوما مترددا فيمكن أن يكون وجه ذلك هو انّه بعد كون المسافر إذا ورد في محل فيبنى على الاقامة فيه، فتارة يكون أول زمان إقامته مصادفا مع أول الشهر، و تارة يكون مصادفا مع غير أول الشهر من ساير أيّام الشهر.

فما ورد في الروايات غير رواية ابي أيوب من كون العبرة بالشهر في ما كان شروع الاقامة في أول الشهر، و ما ورد في رواية أبي أيوب من كون العبرة بثلاثين يوما، يكون في ما كان شروع الاقامة في وسطه الشهر، فحيث

إنه لا تتم هذه الاقامة بآخر الشهر، بل تتمّ في وسط الشهر و آخر الشهر يقع في ما بين الاقامة فجعل العبرة بثلاثين يوما، و هو أحد مصداقى الشهر، فيحمل هذه الرواية على هذه الصورة، فليس منافات بين رواية ابي أيوب و بين ساير الروايات.

و أمّا وجه كون الميزان هو الشهر، سواء كان ثلثين أو تسعة و عشرين يوما، و سواء كان مبدأ الاقامة أول الشهر أو وسطه، فلان كل الروايات الواردة في إقامة شهر مترددا ورد بلفظ (الشهر) و جعل القاطع إقامة شهر مترددا، فيدور الحكم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 62

مداره سواء تمر الشهر بثلاثين أو انقص منه بيوم.

و ما ورد من التعبير بثلاثين في خصوص رواية ابي أيوب، فهو قابل للحمل على الشهر، و أنه في هذه الرواية بيّن أحد مصداقى الشهر و بيان فرد الغالب، لا أن يكون له موضوعية بخصوصه.

[ذكر مؤيدات لكون المدار على الثلاثين]

اذا عرفت ذلك نقول: إن الاقوى بالنظر هو كون الميزان ثلثين يوما.

أما أولا فلما ورد في رواية ابي أيوب، فإن في غيرها من الروايات و إن كان التعبير بالشهر لكن بعد التصريح بثلاثين، فلا بدّ من حمل الشهر على خصوص ثلثين يوما.

و ثانيا فلأنّ الاوفق بالاعتبار هو الثلاثون، لأنّ ما يأتي بنظر العرف من جعل الاقامة المترددة قاطعة للسفر في مدة، هو كون زمان خاص حدا لذلك بحيث يكون اوله و آخره محدودا بحدّ معين، لا ما يختلف خارجا و ليس له زمان معيّن، فإن كان الميزان هو الثلاثون، فهو محدود لا يوجد تفاوت و اختلاف في اوله و آخره، و أمّا إن كان الشهر فيوجد الاختلاف في آخره، لاختلاف الشهور في كونها تارة ثلاثين و تارة تسعة و عشرون،

و جعل الحد أمرا ليس له آخر معين غير مناسب بنظر العرف لأنّ إقامة معينة جعلت ميزانا.

فالأوفق هو الثلاثون، فيحمل ما دل على الشهر على الثلاثين، و لعل كان وجه ذكر (الشهر) هو كون الغالب في الشهور هو الثلاثون، مضافا الى أن أصل جعل الحد أمرا ليس له خارجية غير مختلفة مثل الشهر بعيد، فجعل الاقامة لأحد ثلاثين باعتبار كون شهر الّذي أقام فيه ثلثين، و للآخر تسعة و عشرين باعتبار كون شهر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 63

الّذي أقام فيه هذا المقدار بعيد، لأنّ الظاهر كون الاقامة المترددة في مدة معينة و بوزان واحد مورد حكم الاتمام لكل من المكلفين.

إن قلت: لا بعد في جعل الحد أمرا يكون فيه الاختلاف خارجا بالطول و القصر من حيث الزمان مثل الشهر كما نرى في العدة، فإن عدة الوفات مثلا أربعة اشهر و عشرا، و الحال أن هذه الشهور تختلف من حيث كون عدد كل منها ثلاثين أو تسعة و عشرين، فيوجب على ما قلت جعل العدة لمرأة اكثر من الاخرى باعتبار كون أيّام شهور عدتها ثلثين و الآخر انقص من ذلك.

قلت: أولا: بانا ادعينا البعد مع قطع النظر عن ورود الدليل المصرح بكون الحدّ أمرا مختلفا من حيث خارجيته بحسب الزمان، و ما قلت في العدة و نظائرها مما ورد عليها الدليل و نحن تابع للدليل و نأخذ به.

و ثانيا: كما قلنا في خصوص الاقامة تكون إقامة خاصة باعتبار الزمان قاطعة فجعل انتهائها زمانا معينا يكون أوفق بنظر العرف و الاعتبار.

و ثالثا: انّه و لو فرض عدم بعد في كون الشهر مع كون مصداقه مختلفا حدّا في حد ذاته كما في العدة، و لكن في المقام

اشكال آخر، و هو أن رواية ابي أيوب تدلّ على أن العبرة بثلاثين يوما، فصار الشهر مبتلى بالمعارض، ففي مثل هذا المقام يقدم الثلاثون و مؤيد تقديمه على الشهر ما قلنا من أن جعل الحد هو الثلاثون يكون أوفق بالاعتبار بنظر العرف، فالمعيار هو إقامة ثلثين يوما مطلقا، سواء كان شروع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 64

الاقامة و مبدأها أول الشهر أو وسطه. «1»

اشكال المقرر بأنّ الجزم بكون المعيار ثلاثين مشكل و الاحتبار بالجمع بين القصر و الاتمام فى يوم ثلاثين حسن

______________________________

(1)- أقول: ما افاده مد ظله من مؤيدات ما اختاره و إن كان مؤيدا، و لكن لا يمكن الجزم مع ذلك على كون العبرة بثلاثين، لأنّ الدليل مع قطع النظر عما ذكر تأييدا للمطلب، هو رواية ابي أيوب، و كون هذه الرواية كما افاد سيدنا الأستاد مد ظله غير ما رواها محمد بن مسلم بنفسه، و هي الرواية 16 من الباب 15 من أبواب الصّلاة المسافر بنقل الوسائل، غير معلوم و إن كان ابو أيوب يقول: إن محمد بن مسلم سئل و أنا مستمع، و الرواية 16 الّتي يرويها محمد بن مسلم و إن كانت مضمرة لعدم تعرض لمن ينقله عنه، و لكن الظاهر أن الاضمار حصل من تقطيع الروايات.

إمّا من اجل أن بعض من يكون له كتاب رواية جمع روايات فيه، و بعد ما قال في أول كتابه:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال- بعد ذلك الى آخر كتابه- (و سألته و سألته و هكذا) فبعده من نقل عن هذا الكتاب نقل (و سألته) فصار ذلك سببا لتوهم كون الرواية مضمرة.

أو من جهة اخر فبين الروايتين و إن كان اختلاف بحسب المتن، و

لكن مع ذلك يحتمل قويا، بل المظنون كونهما رواية واحدة، فعلى نقل محمد بن مسلم جعل العبرة بالشهر، و على ما نقل ابو أيوب جعل العبرة بثلاثين، فلا يمكن الاخذ بمقتضى هذه الرواية بأحد منهما غاية الأمر لا بدّ من الاخذ بالشهر بمقتضى روايات أخر.

و بعد ما اوردت ما قلت، فاجاب مدّ ظلّه بأنّه و إن فرض كون الروايتين رواية واحدة، و حصل الاختلاف من الناقلين اعنى: ما صدر من الامام عليه السّلام إمّا ما نقل محمد بن مسلم أو ما نقل ابو أيوب، و نقلوا منهما بالمعنى بلفظ آخر، و لكن نقول: بأنّه إن كان الصادر منه عليه السّلام هو ثلاثون فالعبرة به، و إن كان الصادر منه عليه السّلام هو الشهر كما نقل محمد بن مسلم، فأيضا يستفاد بأن أبا أيوب الّذي نقل ثلاثين فهم من أن المراد من الشهر هو ثلاثون من باب كون المتبادر في زمان صدور هذا الكلام من الشهر، هو ثلاثون، فعلى هذا أيضا لا بدّ من جعل العبرة ثلاثين.

و لكن أقول: مع ذلك إن بعد الاختلاف في النقلين، فلا ندري بأن الصادر منه عليه السّلام أيا منها، فصار كلام الصادر محتملا بينهما، فلا يمكن الأخذ بكل منهما لاحتمال وقوع الاشتباه من أحد الراويين.

و ما أفاد مدّ ظله من أن ما صدر و إن كان الشهر فرضا فأيضا يكون المراد منه ثلاثين يوما من-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 65

[هل القاطع العزم على العنوان العشرة التفصيلى او يكفى القصد الاجمالي]

الجهة الخامسة: هل يكون القاطع للسفر هو العزم على إقامة عشرة أيّام بهذا العنوان التفصيلي، أو لا يلزم ذلك، بل يكفى قصد الاجمالى على ذلك بحيث ينطبق واقعا على عشرة أيّام، و الثمرة تظهر في الفرع الّذي ذكره السيّد رحمه

اللّه في العروة «1» فإنّه قال «مسئلة 13 الزوجة و العبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج و السيد، و المفروض من انهما قصدا العشرة لا يبعد كفايته في تحقق الاقامة بالنسبة إليهما و إن لم يعلما حين القصد أن مقصد الزوج و السيد هو العشرة نعم، قبل العلم بذلك عليهما

______________________________

- باب دعوى التبادر فنقول: أمّا أولا كما يحتمل ذلك، يحتمل أن ما صدر من المعصوم عليه السّلام اشتبه على أبى أيوب ما قاله عليه السّلام، و تخيل انّه قال ثلاثين.

و ثانيا أن دعوى تبادر ذلك حين صدور الرواية، دعوى بعيدة، لعدم كون حقيقة شرعية للشهر، و هو كون الشهر عند الشرع أو المتشرعة، موضوعا لثلاثين يوما، بل الشهر هو عبارة عن قطعة من الزمان بين هلالين.

فعلى هذا نقول: بأن الجزم بكون العبرة بثلاثين و الحكم بذلك مشكل، و لا بدّ من أن يقع الكلام في أن المعيار هو الشهر سواء تمر بثلاثين او تسعة و عشرين يوما، أو بعض احتمالات المتقدمة الأخرى غير احتمال كون العبرة ثلاثين مطلقا.

اعلم أن ما يأتى بالنظر هو كون الميزان، هو الشهر في ما كون مبدأ الاقامة أول الشهر، فاذا تم الشهر بأى مصداقيه حصل القاطع، لأنه ليس لنا الا روايات الدالة على الشهر.

و يشكل الأمر في ما كان مبدأ الاقامة وسط الشهر غير اوله، فهل يقال في هذه الصورة: بأن العبرة أيضا بمضىّ الشهر بمعنى انّه يحسب ما بقى من هذا الشهر الّذي شرع في الإقامة مع مثله من الشهر اللاحق بالعدد، مثلا إذا كان مبدأ الاقامة نصف الشهر، فاذا وصل نصف شهر التالي حصل ما هو القاطع، سواء تم شهر الأوّل بثلاثين أو بتسعة و

عشرين يوما.

أو يقال بأن في هذه الصورة تكون العبرة بثلاثين، فاذا بلغت الاقامة مترددا بثلاثين، فقد حصل القاطع، فالمسألة بعد عندى مورد الإشكال، و الجمع بين القصر و الإتمام في يوم الثلاثين لازم، فتأمل. (المقرّر).

(1)- العروة الوثقى، فصل قواطع السفر، مسئلة 13.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 66

التقصير، و يجب عليهما الاتمام بعد الاطلاع و إن لم يبق إلّا يومين أو ثلاثة، فالظاهر وجوب الاعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى ممّا صلّيا قصرا، و كذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقائه و كان مقصدهم العشرة، فالقصد الاجمالى كاف في تحقق الإقامة، لكن الاحوط الجمع في الصورتين، بل لا يترك الاحتياط».

فترى انّه إن قلنا بلزوم العزم على إقامة عشرة أيّام تفصيلا بحيث يكون هذا العنوان واقعا تحت القصد، فلا يجب في هذا الفرض الاتمام على الزوجة و العبد حتى بعد العلم بكون عزم الزوج و السيد على إقامة عشرة أيّام، لأنهما عزما على الاقامة بمقدار ما عزم الزوج و السيد، و لكن لا يكفي صرف ذلك في وجوب الإتمام عليهما، لأنهما مع ذلك غير قاصدين على عنوان إقامة عشرة ايام.

و إن قلنا بعدم لزوم ذلك، بل يكفي عزم الاجمالي، فيجب في هذا الفرع الإتمام على الزوجة و العبد بعد العلم بعزم الزوج و السيد على الاقامة في عشرة أيّام.

[ذكر مسألتين من العروة فى كفاية القصد الاجمالى]

و ذكر السيّد رحمه اللّه «1» في العروة فرعا آخر و هو هذا (مسئلة 14 إذا قصد المقام الى آخر الشهر مثلا، و كان عشرة، كفى و إن لم يكن عالما به حين القصد، بل و إن كان عالما بالخلاف، لكن الاحوط في هذه المسألة أيضا الجمع بين القصر و التمام بعد العلم بالحال،

لاحتمل اعتبار العلم حين القصد».

اعلم أن الكلام يقع في جهتين:

الأولى: في أصل حكم المسألة، و أنه يكفي قصد الاجمالى أو لا يكفى، بل موضع وجوب التمام هو العزم على خصوص عنوان إقامة عشرة أيّام تفصيلا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ فصل قواطع السفر/ مسئلة 14

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 67

الثانية: في انّه هل يكون فرق بين المسألتين المتقدمتين في الحكم، أو تكونان من باب واحد، فإن قلنا باعتبار عزم التفصيلي فلا يجب الإتمام في كلتا المسألتين بعد العلم، و إن قلنا بكفاية قصد الاجمالى فيجب الإتمام في كلتا المسألتين بعد العلم.

أما الكلام في الجهة الأولى فتارة يقع الكلام في حكم المسألة بعد العلم، و تارة قبل العلم، مثلا في فرض الزوجة و العبد، أو في فرض قصد المقام الى آخر الشهر يقع الكلام تارة في أن بعد علم الزوجة و العبد على أن الزوج و السيد عزما على الاقامة، مع عزمهما المقام بمقدار ما عزم الزوج و السيد، هل يجب الاتمام عليهما أو لا؟ و في فرض المقام الى آخر الشهر يقع الكلام تارة بعد العلم بأن من يوم وروده و عزمه على الاقامة الى آخر الشهر يكون هذا الزمان عشرة أيّام، هل يجب الإتمام عليه أو لا؟ و تارة يفع الكلام في ما قبل علم الزوجة و السيد بالحال، و كذلك قبل علم الشخص بكون يوم عزمه الى آخر الشهر عشرة أيّام يجب عليهم القصر أو الإتمام.

فنقول: أمّا بعد العلم فما يأتى بالنظر هو وجوب القصر عليهم في المسألتين و إن كان بين المسألتين فرق من حيث آخر، و وجه وجوب القصر هو أن ظاهر الادلة اعتبار العزم المتعلّق بعشرة أيّام، فيستفاد منها أن هذا العنوان اعنى:

عنوان عزم المتعلّق باقامة عشرة أيّام، موضوع لوجوب الإتمام، و من الواضح بأن من عزم على الاقامة بمقدار الّذي عزم شخص آخر، مثلا عزم العبد أو الزوجة على الاقامة بمقدار الّذي عزم السيّد و الزوج، فهو فعلا غير عازم على إقامة عشرة أيّام، بل مردد في انّه اى مقدار يقيم في هذا المحل، و لذا يكون مصداق غدا اخرج أو بعد غد، بل لا يلتفت بمقدار عزم شخص الآخر الّذي تفرع عزمه على عزمه، فهو فعلا غير عازم على العشرة مسلما، لأنّ العزم مثل القصد و العلم من الصفات الوجدانية ذات اضافة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 68

فلا يعقل العزم بدون المعزوم عليه، و القصد بدون المقصود، و العلم بدون المعلوم، فلا بدّ من تعلقها بمورد، فمن عزم على الاقامة بمقدار عزم شخص آخر، فهو إذا رجع الى نفسه يرى انّه فعلا غير عازم على العشرة، فالحكم الثابت لعنوان العازم على العشرة لا يثبت لهذا الشخص، فقبل العلم غير عازم على هذا العنوان و بعد العلم ليس عازما على الفرض لاقامة عشرة أيّام من حين العلم.

[لا وجه لالحاق قبل العلم بما بعد العلم و لا فرق بين مسألتين]

و لا وجه لالحاق قبل العلم ببعد العلم ثمّ الحكم بوجوب الإتمام عليه.

و كذلك الحال فيمن عزم على الاقامة الى آخر الشهر مع كون هذا الزمان عشرة أيّام واقعا، فإن هذا الشخص و إن كان عازما على زمان يكون منطبقا على العشرة واقعا، و هو عزم على زمان يدرى اوله و آخره، و يكون له من حيث هذا فرق مع فرع الزوجة و العبد لأنّهما لا يلتفتان على آخر زمان الّذي يقيمان في هذا المحل.

و لكن لا فرق بينه و بينهما من حيث الّذي نحن بصدده لأنّ كلامنا يكون

في أن قصد الاجمالى بمعنى العزم على أمر ينطبق مع العشرة في الواقع يكفى في وجوب الإتمام و إن لم يكن الشخص تفصيلا ملتفتا بعنوان العشرة فعلا، أولا يكفى إلّا قصد التفصيلي على إقامة عشرة أيّام، و كلتا المسألتين لهما مناط واحد اعنى: إن قلنا بالاول فنقول في كليهما، و إن لم نقل به و قلنا بالثانى نقول أيضا في كليهما، لأنّ كلتا المسألتين متفرعتان على هذين الاحتمالين بنحو سواء.

فما قال سيد الاصفهانى رحمه اللّه من الاشكال في أحد المسألتين ممّا لا نعلم له وجها فيما نحن بصدده.

فظهر لك ممّا قلنا في الجهة الاولى حال الجهة الثانية لما قلنا من عدم الفرق بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 69

الفرعين المتقدمين.

و أمّا قبل العلم فعلى مختارنا من عدم كفاية قصد الاجمالى، و وجوب الإتمام في الصورة الّتي تحقق القصد على الاقامة عشرة أيّام تفصيلا فالامر واضح اعنى:

لا يجب الإتمام بل يجب القصر، لأنّ الشخص على الفرض غير عازم على إقامة عشرة أيّام فعلا، بل وجدانا غير عازم على هذا العنوان فيجب عليه القصر، لأنّ الخارج من عمومات التقصير العازم على إقامة عشرة أيّام، و هو في الفرض لم يكن فردا بعنوان الخاص.

و أمّا على مبنى من يكتفى بقصد الاجمالى كما يظهر من السيّد رحمه اللّه في العروة فيظهر منه ره أنّه قال بوجوب القصر قبل العلم، فاذا علم يجب عليه الاعادة و قضاء ما صلى قبل العلم إن لم نقل بكون حكم الظاهرى مقتضى للاجزاء.

أقول: لا ادري ما وجه ما افتى به من وجوب القصر قبل العلم، فإن منشأ ذلك إن كانت العمومات الدالة على وجوب القصر في السفر، ففي المقام لا يجوز التمسك بها لكون

الشبهة مصداقية، لانه مع فرض عدم علم الزوجة و العبد بما قصد الزوج و السيد، و كون قصد هما الاقامة بمقدار الّذي عزم الزوج و السيد، و كفاية ذلك على مختار السيّد.

فلا يعلم كونهما مصداقا للعام لاحتمال كون عزم متبوعهما اقامة العشر و لا يعلم كونهما مصداقا للخاص اعنى: من يجب عليه الإتمام لكونهما غير عازمين على الاقامة في عشرة أيّام، لاحتمال عدم كون متبوعهما ناو للاقامة، فلا يعلم كونهما فردا للعام او الخاص، فلا يجوز التمسك في مثل المقام بالعام لكون الشبهة مصداقية.

و إن كان وجه ذلك استصحاب وجوب القصر الثابت قبل تحقق العزم منهما

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 70

على الاقامة بمقدار إقامة الزوج و السيد، فنقول: إن الاستصحاب لا يجرى في المقام لأنّ التكليف المتعلّق بكل صلاة يكون تكليفا مستقلا، فوجوب القصر الثابت للصلاة الّتي صليها قبل العزم غير الوجوب الثابت للصلاة الّتي يصليها بعد ذلك، فلا معنى لوجوب القصر «مضافا الى انّه يمكن أن يقال: بأنّه لا شك له خارجا، لأنّه يدرى أن غير العازم على الاقامة يجب عليه القصر، و عازم الاقامة يجب عليه الإتمام، و لكن لا يدرى انّه تحقّق عنوان العزم أم لا، فلا وجه لاستصحاب الموضوعى».

[لا فرق بين القصد الاجبارى و الاختياري]

الجهة السادسة: لا يعتبر في قاطعية العزم على إقامة عشرة أيّام أن يكون عزم الشخص من باب ارادته على ذلك بالاختيار، بل يكفى صدور العزم منه و لو كان من باب كونه مجبورا على الاقامة، و في فرض مجبوريته يعزم على الاقامة، بل و لو يعلم بالاقامة، لأنّ المستفاد من الادلة ليس إلّا العزم على الاقامة، أو اليقين بالاقامة، أو حديث النفس بالاقامة.

الجهة السابعة: بعد العزم على إقامة العشرة إذا تمت

العشرة لا يلزم في وجوب الإتمام على العازم بعد ذلك من إقامة جديدة، بل يكفى صرف عزم الأول، فعلى هذا فكل زمان يكون في محل الاقامة يجب عليه الإتمام، لأنّ القاطع على ما يستفاد من أخبار الباب هو نفس عزم الاقامة، و هو متحقق على الفرض.

الجهة الثامنة: ما قلنا من كون إقامة المترددة في شهر او في ثلثين يوما قاطعة ليس معناها اعتبار التردد فيه، بمعنى كونه في هذه المدة في كل آن مترددا و يكون له وصف، بل يكفى صرف عدم كونه عازما على الاقامة عشرة أيّام، سواء كان له وصف التردد أولا، مثل انّه لا يعزم على الاقامة و يكون في كل يوم ظانا أو متيقنا بالخروج في يوم اللاحق، و من باب الاتفاق يبدو له ما يصرفه فأقام بهذا الحال الى

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 71

آخر الشهر، لأنّ إقامة المترددة في شهر تكون في قبال العزم على إقامة عشرة أيّام، فما لم يعزم على الاقامة فهو داخل فيمن أقام مترددا، فافهم.

[في كون هذه القواطع قاطعه لحكم السفر او لموضوع السفر]

ثمّ إن هنا مسئلة مهمة لا بدّ من التنبيه عليها لاهميتها، و هي أن القواطع الثلاث- التي أحدها الاقامة في محل ستة اشهر مع كون ملك له فيه و إن عرض عنه، ثانيها العزم على إقامة عشرة أيّام في محل، ثالثها إقامة شهر أو ثلاثين يوما مترددا في محل- هل تكون قاطعة لحكم السفر فقط؟ أو تكون قاطعة لموضوع السفر.

و بعبارة أخرى هل هذه القواطع تقطع حكم السفر من وجوب القصر، فالشخص مع كونه مسافرا إذا طرأ عليه أحد هذه القواطع يجب عليه الإتمام؟ أو تقطع هذه القواطع موضوع السفر بمعنى: أن الشخص يخرج عن موضوع كونه مسافرا مع طروّ

هذه القواطع.

و تظهر الثمرة في انّه إن قلنا بكون هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر، المسافة السابقة و كذا اللاحقة على طروّ القاطع لا بدّ و ان تكون مستقلة مسافة التقصير حتى يجب القصر فيها، مثلا من خرج من وطنه و مسكنه ليذهب الى مقصد، و لكن في وسط طريق هذا المقصد مرّ بالمحل الّذي أقام فيه ستة اشهر، أو عزم على إقامة عشرة أيّام في هذا المحل، أو أقام فيه مترددا شهرا، ثمّ ذهب بعد ذلك نحو مقصده، فعلى هذا إن كانت المسافة الّتي بين مسكنه و هذا المحل الّذي طرأ القاطع يكون مستقلا بحد مسافة التقصير، و كذلك بين هذا المحل و بين المقصد مستقلا تبلغ مسافته مسافة التقصير بدون ضم كلتا المسافتين الى الأخرى، فيجب القصر في كلتا المسافتين، أو في كل منهما تبلغ مسافته مسافة التقصير بنفسها.

و إن لم تكن كذلك فلا يجب القصر، لأنّ طروّ القاطع يصير سببا لقطع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 72

موضوع السفر، فالمسافة الواقعة بين المسكن و محل طروّ القاطع غير قابلة لأنّ تضم بالمسافة اللاحقة حتى صار مجموع المسافتين بالغتين حد مسافة التقصير، لأنّ السفر قطع بالقاطع فلا بدّ في وجوب القصر الى مسافة جديدة تبلغ بنفسها حد مسافة التقصير، و كذلك المسافة السابقة على حصول القاطع.

و أمّا إن كانت القواطع قاطعة لحكم السفر فقط، فحيث إنّ مع طروّها يقطع حكم السفر أعني: وجوب القصر مع كون الشخص مسافرا مع ذلك، ففي محل القاطع يجب الإتمام فقط، و أمّا في المسافة السابقة و اللاحقة فيجب القصر إذا كانت المسافة في احدهما، أو مع ضم كل منهما الى الأخرى بالغة حد المسافة الّتي يجب القصر فيها، و

تضم السابقة باللاحقة لأنه لم يخرج من كونه مسافرا بسبب طروّ القاطع، فمع كونه مسافرا يشمله الحكم الثابت للمسافر و هو وجوب القصر.

[في ذكر الثمرة بين القولين]

إذا عرفت ما هي الثمرة بين القولين نقول: إن ما نسب الى المشهور من القدماء من الفقهاء رضوان اللّه عليهم هو كون إقامة ستة أشهر و العزم على إقامة عشرة أيّام قاطعين لموضوع السفر، كما يظهر هذا القول من الشّيخ في المبسوط- و هو الكتاب المعدّ لذكر التفريعات لا لخصوص ذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام- و لم يذكر ذلك الحكم في النّهاية، و هو كتابه المعدّ لذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام.

و من القاضى عميد الدين بن البراج، و لم يكن في كلامهم تعرض لإقامة ثلاثين يوما مترددا، و انّها هل هي قاطعة للحكم أو للموضوع.

و نسب الى المحقق البغدادي «و لا ندري بأن المراد منه هو صاحب كتاب مفتاح الكرامة المعبر عنه بالمقدس البغدادى أو غيره» أنّه قال بالتفصيل بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 73

إقامة ستة أشهر و إقامة عشرة أيّام مع العزم، و بين إقامة شهر مترددا، فقال: بأن الاولين قاطعان لموضوع السفر، و الثالث قاطع لحكم السفر، و لعل منشأ هذا التفصيل هو ما رأى من وجود الشهرة في الأولين دون الثالث.

[في ذكر كلام صاحب المستند]

و على كل حال إنه قال في المستند «1» بما يرجع حاصل كلامه الى أن ما يمكن أن يكون وجها لقاطعية موضوع السفر أمور:

الامر الأول: الإجماعات المنقولة على كون إقامة ستة أشهر و إقامة عشرة أيّام مع العزم قاطعين لاصل السفر.

الامر الثاني: ما يدل على وجوب القصر من الادلة يدلّ عليه إذا كانت المسافة سفرا و احدا، و فيما حصل القاطع يصير الشخص في سفرين، لأنّ القاطع يجعل السفر الواحد سفرين سفرا قبل ورود القاطع، و سفرا بعده.

الامر الثالث: استصحاب وجوب التمام الثابت في البلد في

المسافة الأولية و استصحاب وجوب التمام الثابت في أحد الموضعين في المسافة الثانوية، لأنه في المسافة قبل الوصول الى محل إقامة ستة أشهر أو المحل الّذي عزم على الاقامة فيه عشرة أيّام، مع عدم كونها بنفسها مسافة التقصير، إذا شك في وجوب القصر عليه أو الإتمام فيستصحب وجوب التمام الثابت له في البلد، و في ما بعد محل الإقامة من المسافة إذا شك في وجوب القصر عليه أو التمام، مع عدم كونها بنفسها مسافة التقصير يستصحب وجوب التمام الثابت في محل الإقامة، لأنه بعد عدم شمول أدلة القصر لهذا النحو من المسافة فتصل النوبة الى الاصل، و الأصل هو الاستصحاب، و

______________________________

(1)- في الشرط الثالث من شروط القصر، ج 1، ص 564.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 74

هو يقتضي وجوب التمام.

[اشكال صاحب المستند على الادلة الثلاثة]
اشارة

ثمّ استشكل على كل هذه الوجوه بما يرجع حاصله الى ما نذكر فنقول: أمّا ما في الوجه الأوّل فهو عدم حجية الاجماع المنقول.

و أمّا ما في وجه الثاني فلانه كيف يدعى عدم كون السفر الواقع بينه أحد القاطعين سفرا واحدا لمنع تعدد السفر عرفا، فإنه لا وجه لكون المسافة المتخللة في اثنائها تسعة أيّام و نصف مثلا سفرا واحدا عند العرف و إقامة عشرة أيّام سفرين عرفا، و أنتم لا تلتزمون بكون السفر الواقع بينه إقامة تسعة أيّام و نصف سفرين فإقامة العشرة مثلها لعدم الفرق عند العرف بينهما.

و أمّا ما في الوجه الثالث فلعدم امكان منع شمول أكثر الأخبار الدالة على وجوب القصر لذلك، بل الظاهر شمول الأكثر، و تسليم شمولها للمقيم في الأثناء تسعة أيّام مثلا، و منعه للمقيم في الاثناء عشرة أيّام لا وجه له، فبعد شمول الأخبار للمورد فلا تصل النوبة

الى الاستصحاب، لأنّ الدليل الاجتهادي مقدم على الأصل العملي «1».

______________________________

(1)- اقول: اما ما ذكره وجها للاشكال على الوجه الثالث فيكون مورد الاشكال، لأنّ المستدل يقول: بان الاخبار لا تشمل صورة تقطع السفر بالتمام في اثناء المسافة، بل الاخبار تشمل ما اذا كانت المسافة من المسافات الّتي يكون المسافر من اولها الى آخرها باقية على القصر، فلا يدفع هذا الاستدلال بما قال صاحب المستند (ره) بأنّه كما تشمل ادلة وجوب القصر ما اذا اقام المسافر في الاثناء اقلا من العشرة مثلا تسعة ايام، كذلك تشمل ما إذا اقام في اثناء سفره عشرة ايام، لأنّ المستدل يقول: بان شمولها في صورة اقامة اقل من العشرة يكون لاجل عدم حصول سبب الاتمام بخلاف اقامة العشرة، فان المسافة صارت منقطعة بالتمام في اثنائها.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 75

إذا عرفت ذلك نقول، بعد عدم النص الظاهر على مختار المشهور:

ما يمكن أن يقال في وجه كلامهم: هو أن المستفاد من قوله تعالى: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الخ بحسب الظاهر هو وجوب القصر في ما يكون الشخص ضاربا في الأرض، غاية الأمر يدخل تحت هذا الحكم اقامات التابعة لهذا الضرب في الأرض، لأنّ الضرب في الأرض موقوف بالاقامة للاستراحة، فلا بدّ من أن يصرف المسافر حال السفر قسمة من الزمان في الضرب و قسمة منه للنوم و الاستراحة.

و لهذا يرى كان ذلك مورد النظر عند العامة فنقل عن عائشة انّها قالت: إن المسافر يجب عليه القصر متى يكون ضاربا و لم يضع اثقاله و احماله من الدابة في الأرض، فاذا وضع فيجب عليه الإتمام بمجرد ذلك، نعم إذا كانت اثقاله على دابته و صلى

يجب عليه القصر.

و قال الشافعي: بأن القصر واجب في السفر إلّا إذا أقام أربعة أيّام في محل فوجب الإتمام في إقامة أربعة أيّام.

و قال أبو حنيفة يجب الإتمام إذا أقام المسافر في أثناء السفر خمسة عشر يوما.

و ليس مقصودنا الاستناد بأقوال هؤلاء، بل المقصود أن القصر واجب على ضارب الارض، و دخل مقدار الزائد على الضرب من الاقامة اللازمة في السفر بالتبع، و لهذا اختلفوا في مقدار الإقامة التابعة، فقالت عائشة: لا تتبع الإقامة الضرب في وجوب القصر الا فى خصوص المقدار الّذي يضع المسافر احماله و أثقاله عن دابته، و قال الشافعي: تتبع الإقامة الضرب الى أن تبلغ أربعة أيّام، و قال أبو حنيفة: الى خمسة عشر يوما.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 76

فيظهر ممّا مرّ منّا أن المسافر بحسب ظاهر الآية يجب عليه القصر في ما إذا كان ضاربا في الأرض و في ما يقتضي السفر من الاقامة بالتبع بحسب وضع السفر، و إن كان الاختلاف في ما يقتضي طبع المسافر الاقامة، و بعده يخرج المسافر عن كونه مسافرا، و كان كلام هؤلاء الى بيان حدّ ذلك، و انه اي مقدار يكون ذلك الحد.

إذا عرفت ذلك نقول: إن الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السّلام- من كون إقامة ستة أشهر، أو الإقامة عشرة أيّام مع العزم، أو الإقامة في شهر مترددا قاطعة- تكون ناظرة الى تحديد ما هو في ارتكاز العرف من كون المسافر مسافرا في مقدار يكون ضاربا في الأرض، و مقدارا خاصا يقتضي وضع السفر الإقامة في هذا المقدار، و أن الامر ليس على نحو ما قال هؤلاء، بل ما هو قاطع للسفر أعني: به يخرج المسافر عن كونه مسافرا لخروجه عن وضع

السفر، هو هذا أعني: الاقامة ستة أشهر، أو العزم على الإقامة عشرة أيّام، أو الاقامة مع التردد ثلاثون يوما لا غير ذلك.

فيستفاد من وضع السفر، و كون هذه الجهة مورد الكلام عند العامة أن الأخبار ناظرة الى هذا الحيث، فنستكشف من هذا الطريق إن هذين القاطعين قاطعان لموضوع السفر، و يقال إنّ كون ستة أشهر أعني الوطن الشرعي أيضا قاطع لموضوع السفر، بأنّه بعد ما أقام الشخص في موضع ستة أشهر و كان له فيه ملك يجب الإتمام متى يمرّ عليه و إن أعرض عنه، فاذا مرّ الشخص بهذا الموضع و إن كان مروره لا بعنوان الإقامة و هو مسافر، و لكن مع ذلك باعتبار العلقة الحاصلة له في هذا الموضع لا يعد انّه مسافر في هذا الموقع، و لهذا إذا مر بهذا الموضع يخرج عن كونه مسافرا، فهذا شاهد على كون المرور الى الوطن الشرعي قاطعا لموضوع السفر،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 77

فالوجه في كون ذلك قاطعا غير وجه كون العزم على الاقامة عشرة أيّام و إقامة ثلاثين يوما مترددا قاطعا، فأفهم.

و اعلم أن ما قلنا هنا من كون إقامة ستة أشهر قاطعة لموضوع السفر غير مناف مع ما قلنا في توجيه الوطن الشرعي، لأنا و إن قلنا بكونه مسافرا و مع ذلك كان المرور الى هذا المحل موجبا للإتمام، و لكن هذا لا ينافي بأنّه و إن كان في هذا المرور مسافرا، و لكن مع ذلك يكون في حال وصوله الى هذا الموضع خارجا عن موضوع المسافر، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه فتوى المشهور، فأفهم.

و الاستدلال على مختار المشهور برواية زرارة، و هي الرواية 3 من باب 3 من أبواب

صلاة المسافر بنقل الوسائل «عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قدم التروية بعشرة وجب عليه اتمام الصّلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فاذا زار البيت أتم الصّلاة، و عليه إتمام الصّلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر».

وجه الاستدلال هو أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الرواية هو انّه من قدم قبل التروية بعشرة أيّام، و الظاهر كون إقامته و قدومه مع العزم، لأنه قدم مكّة لاداء مناسك الحج فهو يقيم في مكّة مع العزم و يكون بمنزلة أهل مكة، ففرّع على ذلك أن أهل مكّة كما يقصرون الصّلاة إذا خرجوا الى منى لأن يذهبوا الى عرفات، فهو أيضا يقصر من الصّلاة ثمّ إذا رجع الى مكّة في يوم العاشر من ذي الحجة، أو في ما بعد الإتمام المناسك من الطواف و الصّلاة و السعي يجب عليه إتمام الصّلاة لوروده في محل إقامته، و إذا رجع مجددا الى منى لأنّ يبيت فيه يجب عليه القصر لعدم كون المسافة بين مكّة و بين منى مسافة التقصير، و لو لم يكن العزم على الإقامة عشرة أيّام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 78

قاطعا لموضوع السفر، فكان اللازم أن يأمر عليه السّلام لا يجب القصر عليه، بل يجب الإتمام في هذا السفر إذا كانت المسافة الّتي سافر فيها قبل وروده بمكة إذا انضمت الى المسافة الواقعة بين مكّة و بين منى اقل من المسافة الموجبة للقصر، و الا يجب عليه القصر، فعدم التعرض للمسافة السابقة على العزم يدلّ على أن الميزان بعد حصول القاطع هو احتساب كل من المسافة السابقة و اللاحقة عليه مستقلا المسافة الموجبة للقصر.

[رد التمسك برواية زرارة على مختار المشهور]

و فيه أن

الرواية تدلّ بظاهرها على أن من قدم التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصّلاة و هو بمنزلة أهل مكة، ثمّ كون حكم وجوب القصر في عرفات متفرعا على هذا التنزيل غير مناسب، لأنه لو فرض كون المسافة الواقعة بين مكّة و عرفات موجبة للقصر، و اغمضنا النظر عما قلنا من اعتبار كون الرجوع في البريد الذاهب و البريد الجائي ليومه، فالقصر واجب على هذا العازم على كل حال سواء كان بمنزلة أهل مكّة أولا، لأنّ هذا السفر على هذا يكون سفر القصر و يجب على المسافر القصر، و لا يتفرع هذا الحكم على كونه بمنزلة أهل مكة، بل و لو لم يكن بمنزلتهم أيضا يجب القصر عليه لكون المسافة على هذا مسافة التقصير «1».

فالتفريع راجع الى ما بعد ذلك أعني: حيث يكون بمنزلتهم فاذا زار البيت يجب عليه الاتمام مثلهم، و إذا رجع الى منى يجب عليه الإتمام مثلهم، فنقول: إن لازم

______________________________

(1)- أقول: اللهم إلّا أن يقال بأن المقصود من الرواية أن هذا الشخص يكون بمنزلة أهل في وجوب القصر و الإتمام، فكلما يجب عليهم القصر يجب القصر عليه أيضا، و كلما يجب عليهم الإتمام يجب عليه الإتمام أيضا، و ذكر المورد الأوّل لوجوب القصر، و مورد الثاني لوجوب الإتمام. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 79

ذلك هو كون العازم على إقامة عشرة أيّام في محل بمنزلة أهل هذا المحل، فكما يجب عليهم الإتمام متى يدخلوا محلّهم و مسكنهم، كذلك من عزم زمانا على إقامة عشرة أيّام في هذا المحل يكون مثلهم، و معناه انّه كلما يمرّ على هذا المحل يجب عليه الإتمام لأنّه أقام في السالف من الزمان عشرة أيّام في هذا المحل مع

العزم، و لا يمكن الالتزام بذلك.

فالرواية من هذا الحيث تكون معرضا عنها من قبل الأصحاب، لأنه لم يقل أحد: بأن صرف إقامة عشرة أيّام مع العزم مرة واحدة في محل موجب لوجوب الإتمام على العازم مطلقا كلما يمر بهذا المحل، و الرواية تدلّ على هذا، لأنّ الظاهر منها أن العازم على إقامة عشرة أيّام في مكّة إذا رجع ثانيا الى مكّة يجب عليه الإتمام، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فهذا موجب لعدم امكان الاخذ بظاهر الرواية «1».

كما أن الاستدلال برواية أخرى، و هي رواية اسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أهل مكّة إذا زاروا عليهم إتمام الصّلاة؟ قال: المقيم بمكة الى شهر بمنزلتهم» «2» بأن يقال: إنّ الرواية تدلّ على كون المقيم الى شهر بمنزلة أهل مكة، فكما أنّ من يخرج من مكّة من أهل مكّة يجب القصر عليه إذا كانت المسافة الّتي

______________________________

(1)- أقول: مضافا الى أن الكلام يكون فعلا في أن من عزم على الاقامة و أقام في هذا المحل إذا خرج بعد هذه الاقامة يمكن ضم المسافة السابقة الى اللاحقة حتى يجب عليه القصر بضم اللاحقة الى السابقة إذا بلغتا مجموعا بحد مسافة القصر أم لا، و الرواية غير متعرضة لهذا الحكم بل الرواية متعرضة لحكم ما إذا ورد بعد خروجه عن محل الإقامة، و دخوله ثانيا في محل الاقامة، و خرج بعد ذلك عن هذا المحل في أقل من مسافة التقصير، و انّه يجب الإتمام و ليس ذلك مربوطا بما نحن بصدده، مع أن هذا أيضا ممّا لا يمكن الالتزام به. (المقرّر).

(2)- الرواية 11 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2،

ص: 80

يقطعها من مكّة الى مقصده مسافة التقصير، و لا يكفي في وجوب القصر عليه ضم المسافة السابقة الى مكّة باللاحقة كذلك للمقيم شهرا، فتدل الرواية على كون هذا القاطع قاطعا لموضوع السفر.

مما لا وجه له، لأنّ الرواية على فرض تسلم دلالتها على أن المراد منه هو أن أهل نفس مكّة إذا زاروا البيت، و كان المقصود انهم إذا رجعوا من منى لزيارة البيت يجب عليهم إتمام الصّلاة، كذلك المقيم الى شهر بمنزلتهم يعني: أن من أقام شهرا في مكة إذا خرج الى عرفات و رجع لزيارة البيت يجب عليه إتمام الصّلاة لكونه بمنزلتهم، و معناه انّه يجب عليه الإتمام لوروده الى محل أقام فيه شهرا و هو مكة، فلازم ذلك هو أن كل من أقام شهرا في موضع يجب عليه الإتمام إذا مرّ بهذا الموضع، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فلا يمكن العمل بالرواية، فلا بدّ من ردّ علمها الى اهلها.

[لم يرد دليل دال على مذهب المشهور]

فظهر لك ممّا مرّ عدم ورود الرواية الدالة على المذهب المشهور، و غاية ما يمكن أن يقال هو ما قلنا، فأفهم.

بل إن قيل بأن مقتضى أدلة وجوب القصر على المسافر و عموماتها، هو كون القصر ثابتا لكل مسافر في كل زمان من مسافرته، و غاية ما في الباب ورود التخصيص للمسافر في جزء من الزمان و هو في زمان، عزمه على الاقامة و كان في محل الإقامة، فاذا خرج من هذا المحل فيدخل في الحكم الثابت بالعمومات، لأنه إذا كان لسان العام هو العموم الأزماني، ففي القدر المتقين من الدليل الخاص نأخذ بالخاص و في غيره إذا شك في كون هذا الزمان محكوما بحكم العام أو الخاص فنأخذ بالعام.

لا وجه

لأنّ يقال في مقام دفع ذلك: بأن رواية زرارة المتقدمة تدلّ على أن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 81

بعد حصول الإقامة يقطع السفر موضوعا، فالمسافر يخرج بسبب هذه الإقامة عن كونه مسافرا، فلا يشمل عمومات وجوب القصر مثل هذا المسافر الّذي قطع مسافة التقصير بالقاطع بين المسافة بحيث لا تكون المسافة قبل القاطع و لا بعده مستقلا مسافة التقصير.

لما قلنا في الرواية من عدم امكان الاستدلال بها لما فيها من الإشكال، مضافا الى انّه لو فرض بانا التزمنا بالإتمام إذا مرّ الشخص بمحل اقامته، و قلنا أيضا بوجوب الإتمام إذا خرج بعد المرور عن محل الاقامة باقل من المسافة، لما كان في هذه الرواية من وجوب الإتمام إذا زار البيت، و إذا خرج الى منى بعد زيارة البيت، فغاية ذلك وجوب الإتمام في تلك الصورتين، و وجوب الإتمام كما يناسب مع كون ذلك من باب عدم كون المسافر مسافرا لاجل الاقامة السابقة و كون الإقامة عشرة أيّام قاطعة لموضوع السفر، كذلك يناسب مع كون هذا الشخص مع كونه مسافرا و لم يخرج بسبب حصول القاطع عن كونه مسافرا خرج عن الحكم الثابت للمسافر و هو وجوب القصر لاجل طروّ القاطع، و كان ذلك تخصيصا في حكم المسافر، فلا يستفاد على هذا كون القاطع قاطعا لموضوع السفر من الرواية. «1»

______________________________

(1)- اقول: بعد ما افاد مدّ ظلّه هكذا قلت بحضرته في مجلس البحث: بأنّه إن قلنا كذلك فتبطل الثمرة، لأنّ الثمرة بين الالتزام بكون القواطع قاطعة للموضوع و بين كونها قاطعة للحكم هو وجوب القصر إذا كان كل من المسافة السابقة على طرو القاطع و اللاحقة بنفسها مسافة القصر، ففي كل منهما أو كليهما يجب القصر إذا

كانت مسافة كل منهما مستقلا مسافة القصر، و إلّا يجب الإتمام، و وجوب الإتمام إذا كانت المسافة السابقة و اللاحقة عن طروّ القاطع منضما الى مسافة غير بالغة بحد مسافة القصر، و إلّا لو بلغتا و لو منضمة بحد مسافة القصر يجب القصر، و-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 82

[فالملاك ما قلنا من كون هذه الامور الثلاثة تخرج المسافر عن كونه مسافرا]

نعم يبقى في المقام ما قلنا في وجه كون هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر و هو كون الروايات الواردة في هذه القواطع ناظرة الى ما كان مرتكزا في الأذهان من فتاوى العامة من كون زمان السفر بمقدار خاص يعد جزء للسفر، و هو المقدار الذي يكون المسافر ضاربا في الأرض، و مقدار آخر داخل في السفر بالتبع، و إن اختلفوا في المقدار الداخل بالتبع.

و حيث كان هذا الموضوع مورد الكلام عند الناس فلسان الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السّلام ناظر الى هذا الحيث، و في مقام بيان تحديد مقدار من الإقامة للضرب في الأرض، و هو المقدار الّذي يكون المسافر مسافرا، و لا يخرج بسببها عن كونه مسافرا، فحدد ذلك و أنّ إقامة ستة أشهر بالنحو المتقدم، و العزم على الاقامة بالنحو المتقدم، و إقامة شهر مترددا بالنحو المتقدم يقطع السفر، و يخرج المسافر بسببها عن كونه مسافرا، و الشافعي قال: بأن إقامة أربعة أيّام غير يوم

______________________________

بعبارة اخرى بناء على كونها قاطعة للموضوع لا تنضم المسافة السابقة الى اللاحقة، و بناء على كونها قاطعة للحكم تنضم السابقة الى اللاحقة، و على ما قلت لا تجري الثمرة، لأنه على كلا التقديرين لا يجب القصر إلّا إذا كان كل من المسافتين بنفسها مسافة التقصير أمّا على إخراج الموضوع فواضح، و أمّا على الاخراج الحكمي فأيضا بعد كون

المرور بمحل الإقامة و الخروج بعد ذلك الى الاقل من المسافة موجبا للاتمام من باب الرواية، فوجوب الإتمام بعد الخروج من محل الاقامة إذا كان الخروج في أول مرتبة بعد الاقامة مسلم بطريق اولى، لأنّ الرواية على هذا دلت على أنّ بعد المرور بمحل الاقامة لا يجب القصر إلّا إذا كان الى مسافة جديدة، فبعد الخروج عن محل الاقامة و بعد حصول الإقامة في السفر الأوّل يكون الاتمام بطريق اولى إذا كانت المسافة اللاحقة اقل من المسافة.

و أجاب مد ظله و قال: بأن الأمر و إن كان كذلك لكن كلامنا في أن ما قالوا بأن هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر لا وجه له، و لا يستفاد من الاخبار. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 83

الدخول و الخروج يخرج المسافر عن كونه مسافرا، و أبو حنيفة قال: بأن المسافر يخرج عن كونه مسافرا إذا أقام خمسة عشرة يوما في محل، و هما لا يعتبران العزم في الاقامة، غاية الأمر يقولان بأن العزم يتم من الأوّل و في صورة عدم العزم يتم بعد حصول الأيّام المعتبرة.

و على كل حال يكون مقصودنا أن هذه الأخبار ناظرة الى هذا الحيث، و في قبال العامة أعني: ناظرة الى بيان مقدار من الاقامة الّتي يكون المسافر مسافرا مع عدم كونه ضاربا في الأرض، و المقدار الّذي لا يكون المسافر مسافرا معه، فيستفاد أنه في صورة إقامة ستة أشهر مع ما قدمنا الكلام فيها، و في صورة العزم على الاقامة، و في صورة الإقامة مترددا في شهر يخرج المسافر عن كونه مسافرا، فيحتاج القصر الى كون المسافة اللاحقة على ذلك بنفسها مسافة جديدة، و كذلك وجوب القصر في المسافة السابقة يكون في صورة

كونها بنفسها بالغة حد السفر الموجب للقصر.

مسئلة: بعد ما قلنا بأن من القواطع العزم على إقامة عشرة أيّام في محل.

يقع الكلام في انّه ما هو القاطع، فهل العزم أو اليقين الوارد في بعض روايات الباب يكون أخذهما في الموضوع بعنوان الطريقية او بعنوان الموضوعية و على تقدير موضوعيتهما هل يكونان تمام الموضوع، أو يكونان جزء الموضوع؟ فنقول إن هنا احتمالات أربعة:

[في ذكر الاحتمالات الاربعة فى المقام]

الاحتمال الأول: أن يقال بأن العزم أو العلم أخذ طريقا، بمعنى أن القاطع للسفر أو لحكم السفر هو إقامة الواقعية في عشرة أيّام، فالإقامة في عشرة أيّام موضوع لوجوب الإتمام، فيعتبر في وجوب الإتمام الإقامة الواقعية في عشرة أيّام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 84

و لو بنحو الشرط المتأخر، فاذا أقام عشرة أيّام يكشف عن وجوب الإتمام عليه من أول ما عزم على الإقامة.

الاحتمال الثاني: أن يكون نفس حدوث العزم أو العلم باقامة عشرة أيّام قاطعا و إن حصل الانصراف عن العزم أو تبدل علمه آنا ما بعد العزم و العلم، فعلى هذا يكون وجوب الإتمام في صورة حصول العزم على الاقامة آنا مّا، سواء أقام عشرة أيّام بعد العزم أم لا، و سواء وجب عليه عمل عبادي متفرعا على العزم أم لا.

الاحتمال الثالث: ان يكون العزم على الاقامة جزء الموضوع لوجوب التمام، و يكون جزئه الآخر بقاء هذا العزم إلى أن يأتي زمان التكليف مبنيا على حصول العزم على الاقامة، و توجه به هذا التكليف، مثلا عزم على الاقامة و يبقى عزمه الى أن يتوجه بالعازم تكليف صلاة رباعية يكون وجوبها رباعية مبنيا على عزمه، أو توجه به الصوم المتفرع توجه وجوبه به على عزمه، و حاصل هذا الوجه اعتبار العزم في وجوب

الإتمام على العازم مع بقاء عزمه الى وقت يتوجه به تكليف مبني على كونه عازما على الإقامة، فاذا بقى العزم الى هذا الوقت تحقق موضوع الإقامة و يجب الإتمام و إن انصرف بعد ذلك عن عزمه، و إن لم يبق العزم الى هذا الوقت فلا يجب الإتمام.

الاحتمال الرابع: ان يكون العزم موضوعا لوجوب الإتمام مع بقاء هذا العزم الى زمان توجه التكليف المتفرع على حصول الإقامة في تمام العشرة به، بمعنى أن وجود العزم في كل زمان يتوجه به التكليف يكون موضوعا لوجوب الإتمام، ففي العشرة الّتي عزم على الاقامة فيها لا بدّ من ملاحظة أوقات توجه التكليف المتفرع على العزم من الصّلاة و الصوم، ففي كل وقت من هذه العشرة يكون ظرف التكليف

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 85

إذا كان العزم موجودا يجب الإتمام و إلّا فلا، مثلا من عزم على الاقامة في أول طلوع الصبح الّذي ورد في محل الاقامة إذا جاء وقت الظهر- و هو وقت يتوجه التكليف بالصّلاة الرباعية- إذا كان عازما على الإقامة يجب الإتمام عليه و إلا فلا، و هكذا الى آخر العشرة.

و إذا فرض مجي ء أيّام شهر رمضان في ضمن تلك العشرة فإن بقي عزمه الى زمان توجه هذا التكليف يجب عليه الصوم و إلا فلا، فوجوب الإتمام يتفرع على بقاء العزم في ظرف توجه التكليف، ففي كل ظرف من ظروف التكليف الواقع في ضمن العشرة إن كان العزم باقيا يجب الإتمام في هذا الظرف، و فيما لم يبق هذا العزم لا يجب الإتمام عليه.

[في ذكر توالى الفاسدة للاحتمالات الاربعة]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الأربعة، فما نقول في المقام؟

فنقول: إن من البعيد كون روايات الباب ناظرة الى الاحتمال الأول، لأنه و إن يمكن

أن يقال: إن كون العزم بنفسه موضوعا لوجوب الإتمام و عدم دخالة إقامة العشرة، يكون خلاف الظاهر، بل الظاهر هو كون العزم أو العلم طريقا الى الواقع.

و لكن جعل إقامة عشرة أيّام شرطا لوجوب الإتمام بمجرد العزم على العشرة في أول العشرة بنحو الشرط المتأخر، بحيث يكون الحكم بالاتمام في ما قبل اتمام العشرة مراعى باتمام العشرة، فإن اقام يكشف عن كون الإتمام واجبا من الأوّل و إلّا فلا، بعيد في غاية البعد، فلا وجه لترجيح هذا الاحتمال على غيره.

و أمّا الاحتمال الرابع فيبعّده أن المستفاد من الروايات هو كون العزم على إقامة عشرة أيام قاطعا، و المراد من ذلك يحتمل أن يكون الموضوع هو عزم باقامة العشرة بتمامها، و يحتمل أن يكون المراد هو العزم المتعلّق بالعشرة في أول العشرة و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 86

في ما بعد ذلك باقل من ذلك، مثلا من أراد المقام في بلد عشرة أيّام ففي اليوم الأوّل يعزم على إقامة العشرة، و في اليوم الثاني الى إقامة تسعة أيام، و في اليوم الثالث الى إقامة ثمانية أيّام، و هكذا الى أن ينتهي الى اليوم الآخر، فلا بدّ من أن يكون عزمه متعلقا على إقامة يوم واحد.

فإن قيل: بالأخذ بالاحتمال الرابع فلا بدّ من الالتزام إمّا بأن القاطع هو العزم على العشرة في أول العشرة و في ما بعده كما فرض في المثال المتقدم يكون القاطع العزم على إقامة أقل من العشرة، و إمّا من التزام بأنّه يلزم بقاء العزم على تمام العشرة في كل يوم من أيّام العشرة حتى يصدق بأنّه ناو للعشرة، لأنه بعد اعتبار بقاء العزم في ظرف كل تكليف معناه العزم على إقامة العشرة

في تمام العشرة.

فان قلنا بالالتزام الأوّل فلا بد أن يقال يكفى في صدق العزم على إقامة العشرة في ظرف كل تكليف العزم على إقامة عشرة واحدة، فيلزم أن يكون الشخص في ضمن العشرة في غير اليوم الأوّل غير عازم على إقامة العشرة، لأنّ من يعزم على إقامة عشرة أيّام في بلد في اليوم الأوّل عازم على العشرة، و في اليوم الثاني على التسعة قهرا، و هكذا فهو في وسط العشرة إذا جاء ظرف التكليف لم يكن عازما على العشرة، و الحال أن المستفاد من الدليل اعتبار العزم على العشرة لا على بعض العشرة، فلازم الاحتمال الرابع هو الالتزام على هذا الاحتمال بكفاية العزم على الاقامة في بعض العشرة لما قلنا، و لا يمكن الالتزام بذلك لكونه خلاف ظاهر الرواية.

و إن قلنا بالالتزام الثاني فلا بد أن يقال: بكون العزم على إقامة العشرة في كل يوم قاطعا، فعلى هذا الاحتمال أعني: الاحتمال الرابع فلا بدّ من الالتزام بأنّه يلزم في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 87

تمام العشرة في الظرف التكاليف المبنية على إقامة العزم على العشرة مثلا، فلا بدّ على الشخص العازم على الاقامة من العزم على إقامة العشرة في اليوم الأوّل، و كذا اليوم الثاني، و هكذا فلازم ذلك كون القاطع العازم على إقامة عشرات لا عشرة واحدة لأنه لا بدّ من بقاء عزمه في ظرف تمام التكاليف في ضمن العشرة، فلا بدّ من أن يكون كل يوم عازما على العشرة، فلازم ذلك كون القاطع إقامة عشرات لا عشرة واحدة.

و يمكن أن يقال في دفع هذا الإشكال: بانا نلتزم بأن القاطع هو العزم على العشرة، غاية الأمر العازم في أول عزمه يعزم العشرة بوجودها الحدوثي،

و في ما بعد ذلك بوجودها البقائي فما دام هو في العشرة يكون عازما على العشرة من باب كون هذا جزء العشرة، و بقاء هذا الوجود الحادث أعني: العشرة، فيرتفع الإشكال.

و أمّا الاحتمال الثاني، و هو كون نفس حدوث العزم و لو آنا مّا كاف، فهو أيضا بعيد.

[ما يقوى بالنظر هذا الاحتمال الثالث]

فالاحتمال الثالث، و هو كون القاطع العزم و بقائه الى وصول ظرف التكليف على الاقامة مثل أن يأتي وقت صلاة رباعية، يكون أرجح بالنظر، لأنّ المستفاد من روايات الباب هو هذا، كما ترى في رواية أبي بصير قال: «إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و اتم» فإن الظاهر فيها هو كون الصوم و التمام متفرعا على إرادة الإقامة، فيفهم من ذلك اعتبار كون إرادة عشرة أيّام باقية حتى يصل وقت أن يصوم و يتم، لأنّ الظاهر هو وجوب الصوم و الإتمام في حال وجود إرادة الإقامة عشرة أيّام للشخص، فمن أجل ذلك يقوى بالنظر هذا الاحتمال من بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 88

الاحتمالات الأربعة. «1»

هذا كله بمقتضى ما تقتضيه الاطلاقات أو العمومات الأولية الدالة على وجوب الإتمام مع العزم على إقامة عشرة أيّام.

[ذكر الرواية المعروفة التى كان مضمونها مورد عمل الاصحاب و لا يساعد مع أحد الاحتمالات الاربعة]

ثمّ إن هنا رواية معروفة، و هي الّتي كان مضمونها مورد عمل الاصحاب رضوان اللّه عليهم، و تكون رواية صحيحة، و هي ما رواها أبي ولّاد الحناط قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام و اتم الصّلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى لي أتم أم اقصر؟ قال: إن كنت حين دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و اتم، و إن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك و

بين شهر، فاذا مضى لك شهر فاتم الصّلاة». «2»

مضمون هذه الرواية لا يساعد احدا من الاحتمالات الاربعة، لأنه على الاحتمال الرابع يجب الإتمام في ظرف كل تكليف في ضمن العشرة إن بقي العزم الى

______________________________

(1)- أقول: ما يأتى بالنظر فعلا و إن كان محتاجا الى التأمل كاملا، هو كون نفس حدوث العزم آنا مّا و إن ذهب بعد حدوثه، موضوعا لوجوب الإتمام متى يكون في محل الاقامة، لأنّ ظاهر الأخبار هذا و ما تفرع على ذلك من وجوب الإتمام أو الصوم، فليس معناه بقاء العزم الى ظرف التكليف المبني على العزم، لعدم استفادة ذلك من الروايات، و التعبير في بعضها بالمضارع لا يقتضي استمرار الإرادة الى التالى، بل يتناسب مع حدوث صرف العزم، مضافا الى أن التعبير في بعضها كان بلفظ الماضي مثل قوله «و ايقنت» فتأمّل. (المقرّر)

(2)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 89

هذا الظرف، و الرواية تدلّ على وجوب الإتمام بمجرد الاتيان بصلوة واحدة و أن انصرف بعد ذلك عن عزمه.

و كذلك مع الاحتمال الثالث، لأنه على هذا كان العزم الباقي الى مجي ء ظرف أول تكليف متعلق بالمقيم موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على عدم كفاية ذلك بل على إتيان صلاة مع العزم.

و كذلك مع الاحتمال الثاني، لأنّ على هذا الاحتمال كان العزم بنفسه موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على عدم كفاية ذلك، بل على أن العزم مع إتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعا لوجوب الإتمام.

و كذلك مع الاحتمال الأوّل فإن مقتضاه كون إقامة عشرة أيّام واقعية بتمامها موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على كفاية العزم مع اتيان صلاة، فالرواية بمضمونها

مخالفة مع كل الاحتمالات.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 2، ص: 89

[في ذكر بعض الجهات]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إن المستفاد من الرواية هو وجوب الإتمام إذا عزم على الاقامة و صلى صلاة فريضة واحدة بتمام و إن انصرف بعد ذلك عن عزمه، و وجوب القصر إذا عزم و انصرف قبل ذلك عن عزمه، و هذا المقدار يستفاد من الرواية مسلما بمعنى كون بقاء العزم إلى اتيان خصوص صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعا لوجوب الإتمام و إن انصرف المقيم بعد ذلك عن عزمه، و وجوب القصر إذا انصرف عن عزمه قبل أن يصلي صلاة فريضة واحدة بتمام ممّا لا إشكال فيه، إنما الإشكال في بعض الجهات الأخرى:

الجهة الاولى:
اشارة

هل يكون لاتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعية و خصوصية بحيث لا يمكن التعدي منها الى غيرها، فعلى هذا إن ورد الى محل في الليل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 90

و عزم على الإقامة، و فرض كون تلك الليلة ليلة أول شهر رمضان فقصد الصوم و صام، و اتفق انّه لم يأت بصلاة الظهر و العصر إمّا غفلة أو عمدا، و لكن صام حتى دخل الليل الثاني فبعد ذلك انصرف عن عزمه، و الحال انّه لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام، فلا يجب عليه الاتمام بعد ذلك متى يكون في هذا المحل، لأنّ الرواية اختصت حكم وجوب الإتمام لخصوص صورة بقاء العزم الى أن يصلى صلاة فريضة واحدة بتمام.

أولا يكون للصّلاة خصوصية، بل يكون ذكر الصّلاة من باب المثال بدعوى عدم خصوصية للصّلاة، لأنّ هذه الخصوصية ملغاة في نظر العرف، و يفهم أن ذكر الصّلاة كان من باب أن الراوي حيث كان سؤاله عن الإتمام في الصّلاة، فأجاب عليه السّلام «إن كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام» و جعل

الإتمام و القصر دائرا مدار اتيان الصّلاة مع العزم و عدمه، و إلّا لا خصوصيّة للصّلاة.

و بعد كون ذكر الصّلاة من باب ذكر أحد الأفراد و من باب التمثيل، أو كون السؤال عن اتمام الصّلاة، فدار الحكم مداره، فما نقول في المقام؟ هل نقول بالاول و أن لإتيان الصّلاة موضوعية، أو نقول بالثاني أعني عدم خصوصية له، بل يكفي إتيان كل تكليف يبنى على الاتمام كالصوم مع بقاء العزم الى أن يأتى به، كما ادعيت الشهرة على كفاية إتيان الصوم مع بقاء العزم في وجوب الإتمام.

لا يخفى عليك انّه و إن لم يبعد عدم كون خصوصية للصّلاة- و كون الجواب و ذكر خصوصية الصّلاة إمّا من باب المثال، أو من باب كون سؤال السائل راجعا الى الإتمام في الصّلاة، و لعله كان دخوله في المدينة في غير شهر الصيام، و لا حاجة له الى السؤال عنه، بل كان محتاجا الى خصوص الصّلاة و لهذا سئل عنها-

[الافتاء بكفاية الصوم لتحقّق الاقامة مشكل]

و لكن الجزم مع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 91

ذلك على هذا، و الافتاء على كفاية إتيان الصوم عن عزم في وجوب الإتمام في ما بعد و إن انصرف بعد إتيان صومه عن عزمه، مشكل.

ثمّ إن لم نقل بدلالة الرواية مع إلغاء الخصوصية بنظر العرف لعدم الفرق بين الصّلاة و الصوم في هذا الحكم.

و لكن الرواية- مع كونها متعرضة لخصوص الصّلاة لا لغيرها، لأنه بعد كون قوله عليه السّلام «إن كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها» غير ظاهرة في كون إتيان خصوص الصّلاة مع العزم موجبا للإتمام ما لم يخرج من بلد الإقامة، بل من المحتمل كون ذكر

الصّلاة من باب الخصوصية فيها- لا تدلّ بمنطوقها و لا بمفهومها المذكور بعدا بصورة المنطوق، و هو قوله عليه السّلام «و إن كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار» على أن غير أعنى:

الصوم غير كاف في وجوب الإتمام، لإمكان كون ذكر الصّلاة فقط من باب كون الصّلاة محتاجا إليها الراوي، و عدم ذكر الصوم كان من باب عدم كونه مورد ابتلائه من باب عدم كون زمان سؤاله زمان الصوم، و الشاهد على ذلك هو أن الراوي فرض أن يقيم ليتم الصّلاة، فبعد عدم كون الرواية متعرضة لانحصار كون الإتمام و القصر دائرا مدار العزم الباقي مع إتيان صلاة واحدة فريضة بتمام و عدمه و غاية الأمر عدم دلالتها على كفاية الصوم، لا دلالتها على عدم كفايته.

فلا بدّ من أن يتفرع الحكم بوجوب الإتمام و القصر مدار اتيان الصوم مع العزم و عدمه على الاحتمالات الأربعة المتقدمة في الروايات الدالة على قاطعية العزم على إقامة عشرة أيّام.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 92

فعلى الاحتمال الأوّل لا يكفي إتيان الصوم لوجوب الإتمام في ما بعد مع فرض البداء، لأنّ إقامة عشرة أيّام تكون موضوع الحكم و مع الانصراف ما حصل موضوع لحكم الإتمام.

و على الاحتمال الثاني يجب الإتمام لتحقق العزم و إن انصرف بعد ذلك لموضوعية نفس العزم و لو آنا مّا لوجوب الإتمام.

و على الاحتمال الثالث أيضا يجب الإتمام، لأنه يكفي في وجوب الإتمام بقاء العزم الى وصول ظرف أول تكليف يبنى على العزم و لو انصرف بعد ذلك، و على الفرض حصل الموضوع، لأنه صام على الفرض.

و على الاحتمال الرابع

يجب القصر بعد الانصراف و إن صام، لأنه لا بدّ من بقاء العزم في ظرف كل تكليف مبني على العزم في تمام العشرة، و هو على الفرض انصرف عن عزمه، فلا يجب عليه الإتمام، بل يجب القصر عليه.

الجهة الثانية:

بعد ما لا إشكال في أنّ المسافر إذا عزم على الاقامة في محل و صلى صلاة واحدة فريضة بتمام، يجب عليه الإتمام بعد ذلك متى يكون في هذا المحل و إن انصرف عن عزمه لدلالة رواية أبي ولاد على ذلك، فهل يكتفي في هذه بخصوص الصّلاة أدائية، أو يكتفي باتيان صلاة رباعية قضائية في وجوب الإتمام أيضا مثل الادائية؟

و الكلام في ذلك تارة يقع في الاكتفاء في وجوب الإتمام باتيان صلاة رباعية قضائية يكون سبب وجوبها حاصلة من قبل، مثل من فاتت عنه صلاة رباعية في الحضر في زمان فحيث يجب عليه قضائها رباعية في السفر أيضا، فاتى بقضائها بعد العزم، ثمّ بدا له في الاقامة، أو عدم الاكتفاء بتلك الصّلاة الرباعية القضائية.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 93

فإن كان الكلام في هذا، فلا إشكال في عدم شمول رواية أبي ولاد له، لأنّ إتيانها رباعية ليس مبينا على العزم مسلما، بل لو لم يعزم لكان الواجب عليه إتيانها رباعية لأنّ القضاء تابع للأداء.

و تارة يقع الكلام في ما إذا أتي بعد العزم على الإقامة بصلوة رباعية قضائية حصل سبب وجوبها بعد العزم، مثل من دخل أرضا و أراد أن يقيم فيها عشرة أيّام و دخل عليه وقت الظهر و لم يأت بصلوة الظهر حتى خرج الوقت، ثمّ بعد الوقت قبل أن ينصرف عن عزمه قضى الصّلاة الّتي فانت عنه، ثمّ انصرف بعد ذلك عن عزمه، فهل يكتفى بهذه

الصّلاة لوجوب الإتمام في ما بعد الانصراف متى يكون في هذه الأرض، أولا يكتفى بها.

و منشأ الاكتفاء و عدمه شمول رواية أبي ولاد و عدمه، فهل يشمل قوله عليه السّلام في الرواية «صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام» لهذه الصّلاة، لأنّ الميزان هو إتيان صلاة واحدة فريضة بتمام، و لا فرق بين كون هذه الصّلاة أدائية أو قضائية، و يحتمل عدم الشمول.

«و قد يقال في وجه ذلك بالانصراف، لانصراف الصّلاة الفريضة عن الصّلاة القضائية».

«و فيه أن منشأ عدم الشمول إن كانت دعوى الانصراف، فإن كان انصراف فهو انصراف بدوي، و لا فرق بين الصّلاة الأدائية و القضائية و عدم انصراف الفريضة الواقعة في الرواية بالفريضة الادائية».

و الحق هو عدم شمول الرواية للصلاة القضائية، لا لأجل دعوى الانصراف، بل من باب أن الظاهر من الرواية كما ترى، هو وقوع صلاة فريضة رباعية مبنيا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 94

على العزم على الإقامة، فمن أتى بصلوة أدائية رباعية بعد العزم كان إتيانها رباعية مستندا و مبنيا بنفسه الى العزم، لأنه لو لم يعزم على الإقامة لما وجبت عليه صلاة فريضة رباعية، و أمّا من أتى بصلوة رباعية قضائية قبل الانصراف عن عزمه فاتت عنه بعد العزم، فإتيانه هذه الصّلاة القضائية غير مستند و غير مبني بنفس العزم، بل وجوب قضاء الرباعية مستند الى أن ما فات منه من الصّلاة الأدائية كانت رباعية، فاتيانها رباعية مستند الى أن ما وجب عليه في الوقت كان رباعية.

فما يكون مستندا الى العزم هو وجوب إتيان صلاة رباعية أدائية، لأنّ مع العزم يجب عليه الإتمام، فوجوب الإتمام مستند الى العزم، و أمّا إذا لم يأت بها و خرج الوقت، فوجوب قضائها رباعية

غير مستند الى العزم بنفسها، بل مستند أولا و بلا واسطة إلى أن ما وجب عليه في الوقت كانت رباعية، لأنّ القضاء تابع للأداء.

فالصّلاة الّتي تشملها رواية أبي ولاد هي كل صلاة يكون إتيانها رباعية مستندة بنفسها و بلا واسطة الى العزم، و هي ليست إلا الصّلاة الأدائية، فنحن و إن لم نخالف السيّد في حاشيتنا على العروة، لكن الآن نقول: بأن الحق هو عدم الاكتفاء لوجوب الاتمام بعد الانصراف عن العزم باتيان صلاة واحدة رباعية قضائية خلافا للسيد، فإنه اكتفى بتلك الصّلاة في وجوب الإتمام بعد الانصراف متى يكون الشخص في محل الاقامة.

الجهة الثالثة:
اشارة

استفيد من رواية ابي ولّاد وجوب الإتمام بعد الانصراف عن العزم متى يكون الشخص في محل الاقامة إذا أتى بصلوة فريضة واحدة بتمام قبل الانصراف، و وجوب القصر و عدم وجوب الإتمام إذا أنصرف عن عزمه قبل إتيانه بصلاة فريضة واحدة بتمام إلّا أن يعزم على إقامة جديدة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 95

فهل يكون الانصراف عن العزم موجوبا للقصر و ترتيب آثار السفر، في صورة عدم الاتيان بصلوة فريضة واحدة بتمام، من حين البداء و حصول الانصراف من العزم، فيكون لازم ذلك ترتيب الاثر على الانصراف من حينه و وقوع ما وقع قبل الانصراف و ترتيب أثر الاقامة عليه، أو يكون الانصراف كاشفا عن عدم حصول موضوع وجوب الإتمام و الصوم من أول الأمر، فعلى الأوّل يكون نظير النقل، و على الثاني نظير الكشف، و تظهر الثمرة في بعض الموارد:

منها ما لو صام قبل الانصراف عن العزم، و فرض عدم الاكتفاء باتيان الصوم في وجوب الإتمام بعد الانصراف، و فرض عدم اتيانه صلاة فريضة ادائية واحدة بتمام فانصرف عن عزمه بعد

الصوم، فيقع صومه صحيحا و في محله، لأنه قبل الانصراف كان غير مسافر و بعد الانصراف يصير مسافرا على تقدير كون تأثير البداء من حينه لا من الأصل، و عدم وقوع الصوم صحيحا على الالتزام بالكشف عن عدم حصول القاطع من رأس مع الانصراف.

و منها ما لو عزم و دخل عليه وقت صلاة رباعية، ثمّ فاتت عنه و لم يأت بها فبعد الوقت قبل قضائها انصرف عن عزمه، فعلى النقل يجب عليه اتيان قضائها رباعية لأنه قبل الانصراف كان مقيما بحكم المطلقات الدالة على وجوب الإتمام و الصوم على المقيم، و غاية ما خصص منها برواية ابي ولاد هو عدم تأثير العزم بعد الانصراف لو لم يصل الصّلاة فريضة واحدة بتمام.

و أمّا على الكشف فيجب عليه قضاء هذه الصّلاة قصرا، لأنه على الكشف يكشف الانصراف عن عدم حصول القاطع، و كون الشخص مسافرا في حال دخول الوقت و من المسلم انّه يجب على المسافر اتيان الرباعيات قصرا.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 96

إذا عرفت الفرق بين القولين.

[الانصراف يكون مؤثرا فيما بعده لا قبله]
اشارة

نقول: لا إشكال في أن الانصراف يؤثر في ما بعد الانصراف لا فيما قبله، و بعبارة اخرى نلتزم بالنقل لا بالكشف.

لا لما قد يتراءى من بعض الكلمات من لزوم الدور لو قلنا بالكشف بأنّه يقال:

على هذا يكون وجوب اتيان الصّلاة أربع ركعات موقوفا على تحقق العزم، لأنه ما لم يعزم لا يجب الإتمام و اتيان الصّلاة رباعية، و على الفرض اعنى: فرض الكشف يكون وجوب الإتمام واقعا موقوفا على اتيان الصّلاة أربع ركعات، فيتوقف وجوب الاتيان بالصّلاة الرباعية على تحقق العزم على الاقامة، و يتوقف نفس العزم و كونه موجبا لوجوب الإتمام و اتيان صلاة الرباعية على اتيان صلاة

الرباعية، و بعبارة اخرى يتوقف وجوب التمام على فعل أربع ركعات على الفرض، لأنه على الكشف استفيد من رواية ابي ولاد اشتراط وجوب الإتمام باتيان صلاة رباعية، و من المسلم أن فعل أربع ركعات في محل الاقامة يتوقف على وجوب الإتمام و لو لم يجب الإتمام لما يجب فعل الصّلاة رباعية، و هذا دور.

لأنّه يمكن الجواب عن ذلك بأن المستفاد من رواية ابي ولاد هو اشتراط وجوب الإتمام على اتيان صلاة رباعية واقعا، بحيث لو لم يصل صلاة رباعية يكشف ذلك عن عدم تأثير العزم على الكشف، فقبل ذلك يجب الإتمام بعد تحقق العزم، لأنه عازم فعلا و يستصحب بقاء عزمه الى آخر العشرة، فهو يعتقد بقاء عزمه الى حصول الشرط و هو اتيان صلاة رباعية، فيجب لاجل ذلك بحسب الظاهر الإتمام و اتيان الصّلاة رباعية، فإن بدا له بعد فعل الصّلاة يكشف انّه لم يكن موضوعا لوجوب الإتمام و إن صلّى رباعية و يكشف عن وقوع القاطع من أول ما

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 97

عزم على الاقامة.

بل نقول في وجه النقل و تأثير البداء من حين حصوله: بأن الظاهر من رواية أبي ولاد و هو كون سؤال السائل عن الإتمام و القصر بعد الانصراف عن العزم و جواب الامام عليه السّلام ناظرا الى الإتمام في ما بعد الانصراف إن صلى صلاة فريضة واحدة بتمام، و وجوب القصر إن لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام، فليست الرواية متعرضة لتأثير إتيان الصّلاة و عدمه لما قبل ذلك، و هذا معنى النقل و يتفرع على ذلك فروع:

[في ذكر بعض الفروع]

الفرع الأول: انّه لو عزم على الاقامة و دخل وقت صلاة من الصلوات الرباعية، فلم يأت بها إمّا نسيانا

أو عمدا حتى خرج الوقت و انصرف عن عزمه، فيجب قضائها إتماما على النقل سواء يقضيها بعد البداء في هذا المحل أو في محل آخر، لأنّ ما تعلق به في الوقت هي الصّلاة الرباعية فيجب إتيانها قضاء أربع ركعات، لأنّ من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت.

و يجب قضائها قصرا إن قلنا بالكشف، لأنّ بعد البداء يكشف أن القاطع ما حصل من رأس و ما حدث موجب الإتمام، فهو كان مسافرا في الوقت و كان الواجب عليه اتيان الصّلاة قصرا، فاذا فاتت يجب قضائها قصرا أيضا سواء اتى بعد الانصراف في محل الاقامة أو في محل آخر.

الفرع الثاني: لو عزم على الاقامة و صام يوما أو أياما بعد العزم من باب كون شهر رمضان مثلا، و لكن لم يصل رباعية إمّا غفلة أو عمدا، ثمّ بعد ما صام يوما أو أياما بدا له في العزم.

فعلى النقل يصح صومه لوقوعه في زمان لم يكن الشخص مسافرا، و لا يجب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 98

قضاء هذا الصوم عليه، و على الكشف يكشف بعد البداء بطلان الصوم لوقوعه في السفر، و يجب قضاء هذا الصوم.

و هذه الثمرة مبنية على عدم كون إتيان الصوم قبل اتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موجبا للاتمام في ما بعد، و أمّا إن قلنا بكون الصوم مثل الصّلاة كما اشرنا سابقا بأن يقال: إنه بعد كون العزم على إقامة العشرة قاطعا للموضوع و مقتضى المطلقات وجوب الإتمام و الصوم بعد العزم، و رواية ابي ولاد و إن وقع التصريح فيها بخصوص الصّلاة، لكن بعد احتمال كون ذكر خصوص الصّلاة من باب كون مورد سؤاله و نظره الى الإتمام، لا من باب خصوصية في صلاة،

و لا اقل من عدم دلالتها على عدم الاكتفاء بالصوم، فلا يبعد الاكتفاء بالصوم في وجوب الإتمام، و عدم الاختصاص بما إذا عزم و صلي صلاة فريضة واحدة بتمام، بل الصوم أيضا مثلها.

الثالث: إذا صام بعد العزم على الاقامة، و امسك الى أن يدخل الظهر و زال الشمس، و قبل أن يصل صلاة فريضة رباعية مبنية على العزم انصرف عن عزمه، فعلى النقل لا إشكال في وقوع الصوم الى حال البداء صحيحا لأنه لم يكن مسافرا و على الكشف لا يصح صومه لكونه مسافرا واقعا بناء على عدم الاكتفاء بالصوم.

ثمّ بعد وقوع الصوم صحيحا من أول الفجر الى ما بعد الزوال على النقل، فيقع الكلام في ما بعد البداء و أنه يمكن تصحيح هذا الصوم بحيث لا يجب الافطار، بل يجب الامساك بعد ذلك الى الغروب و يقع صحيحا، و لا يحتاج هذا الصوم الى القضاء أو لا؟

اعلم أن ما يمكن أن يكون وجها لتصحيح هذا الصوم هو التمسك في اجزاء الباقي من الصوم بعد البداء، بما ورد من انّه من يسافر بعد الزوال يصح صوم يومه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 99

بأن يقال: إن مورد هذا الدليل هو من سافر بعد الزوال، و هو أيضا كذلك لأنه بعد البداء يصير مسافرا.

لا يبعد شمول الدليل لهذا المورد بدعوى عدم خصوصية لكون المراد من مدلول الدليل من ينشأ السفر ابتداء، لا من يكون مسافرا و قطع سفره، ثمّ يصير مسافرا، لعدم الفرق عند العرف بينهما في كونهما مسافرا، لأنّ المسافر في مقابل الحاضر سواء انشأ السفر ابتداء أو قطع سفره بقاطع ثمّ يصير مسافرا، فيشمل الدليل لكل منهما.

الجهة الرابعة:
اشارة

إذا عزم الشخص على الاقامة في موضع، ثمّ

صلى صلاة فريضة واحدة بتمام و حصل له الانصراف، يجب عليه الإتمام ما دام يكون في محل الاقامة لدلالة رواية ابي ولاد.

فهل يحتاج القصر بعد خروجه عن محل الاقامة الى قصد مسافة جديدة بحيث لو خرج الى ما دون المسافة لا يجب عليه القصر، أو ليس كذلك بل بمجرد الخروج يدخل في حكم المسافر و إن لم يكن السفر الّذي انشأ بقدر المسافة؟

لا اشكال في انّه إذا عزم الشخص على الاقامة عشرة أيّام، و تحقق منه الاقامة و خرج بعد العشرة عن محل الاقامة، يجب عليه القصر إذا قصد سفرا بالغا حد المسافة و إلّا فلا، لأنه بعد كون عزم الإقامة قاطعا لموضوع السفر، فكما قلنا سابقا في مقام الثمرة بين كونه قاطعا لموضوع السفر و بين كونه قاطعا لحكم السفر، هو أنه على تقدير كونه قاطعا للموضوع لا يقبل ضم السفر السابق الى الاحق إذا كانا معا بالغين حد المسافة، بل لا بدّ في وجوب القصر فيهما من كون كل منهما بنفسه سفر التقصير، فلا بدّ من وجوب القصر بعد قطع السفر على هذا، بالعزم على الاقامة من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 100

إنشاء سفر جديد بالغ حد المسافة.

[اذا خرج عن محل الاقامة قبل العشرة يحتاج الى قصد سفر جديد بقدر المسافة أو لا يحتاج]

إنما الكلام في ما قلنا من انّه إذا لم تتحقق إقامة العشرة، و لكن عزم و صلى صلاة واحدة فريضة بتمام، فاذا خرج بعد الانصراف قبل إتمام العشرة عن محل الاقامة، فهل يحتاج وجوب القصر في هذه الصورة أيضا الى قصد سفر جديد بالغ حد المسافة، أو لا يحتاج الى ذلك، بل بمجرد الخروج عن محل الاقامة يجب عليه القصر و إن لم يقصد مسافة التقصير.

وجه عدم احتياج وجوب القصر الى قصد السفر الموجب للتقصير

بل وجوب القصر بمجرد الخروج، هو أن غاية ما يستفاد من رواية ابي ولاد هو وجوب الإتمام بعد الانصراف متى لم يخرج عن محل الاقامة، فظهور الرواية في ذلك.

و وجوب الإتمام بعد الانصراف كما يمكن أن يكون من باب كون الشخص غير مسافر، و لذا كان الواجب عليه الإتمام بمعنى كون صرف العزم مع الصّلاة قاطعا للسفر و موجبا للاتمام في ما بعد متى يكون في محل الاقامة، كذلك يحتمل أن يكون الحكم بوجوب الإتمام تخصيصا في حكم المسافر، بمعنى انّه مع كونه مسافرا لعدم بقاء عزمه و حصول البداء له، و لكن هذا المسافر يجب الإتمام عليه، فتكون هذه الرواية مخصصة للعمومات الدالة على وجوب القصر على المسافر، مضافا الى أن المستفاد من الرواية هو بقاء وجوب الإتمام الى زمان الخروج، فبعد الخروج يجب القصر لحصول غاية الإتمام.

و أمّا وجه احتياج القصر الى قصد مسافة جديدة فهو بأن يقال: إنه بعد ما قلنا من أن المستفاد من الاطلاقات الدالة على وجوب الإتمام مع العزم على إقامة عشرة أيّام، مع ما قلنا من أن الأخبار ناظرة الى الجهة الّتي قدمنا ذكرها، هو كون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 101

العزم على الاقامة قاطعا لموضوع السفر، فاذا كان كذلك فرواية أبي ولاد أيضا ناظرة الى هذه المطلقات، و وزانها و زانها بمعنى: أن المستفاد من كيفية سؤال ابي ولاد و جواب الامام عليه السّلام هو انّه كان سؤاله راجعا الى فهم ما هو القاطع، و انّه بعد كون العزم على العشرة قاطعا، فهل لا يضر البداء في قاطعيته و موجبيته للاتمام، أو يكون البداء مضرا، فجوابه عليه السّلام بأنّه (إن صلى صلاة فريضة واحدة بتمام يجب الاتمام

عليه) ناظر الى أن القاطع هو ذلك، فبعد ذلك هو غير مسافر، و لهذا يجب عليه الإتمام «مضافا الى أن الرواية ليست متعرضة لحال الخروج و في مقام البيان من هذا الحيث، فعلى هذا بعد الخروج متى يجب القصر و متى يجب الإتمام فالرواية لم تكن في مقام بيانها، بل غاية ما كانت في بيانها هو وجوب الإتمام متى لم يخرج، فاذا خرج فما هو محقّق الخروج و متى يجب الإتمام أو القصر، فليست الرواية في مقام بيان ذلك» مع أن مناسبة وضع السائل أعنى: أبي ولاد انّه إذا خرج من المدينة يذهب الى وطنه و هو الكوفة، فالظاهر و لا أقل من المحتمل أن الخروج الّذي هو غاية للاتمام و يتوهم أن بعده القصر، هو خروجه الى الكوفة، فكان خروجه الى سفر يكون سفر التقصير، و لهذا يجب القصر بعد الخروج، فلا ظهور للرواية على أن مطلق الخروج و إن كان الى اقل من المسافة موجبا للقصر.

الجهة الخامسة:

بعد ما يجب الإتمام في الصّلاة، إذا حصل الانصراف بشرط أن صلّى صلاة فريضة واحدة تماما، بمقتضى دلالة رواية أبي ولاد فهل يجب الصوم أيضا، أو يقال: بأنّ الرواية لا تدلّ إلّا على وجوب الإتمام متى يكون في محلّ الاقامة بعد ما صلّى صلاة فريضة واحدة تماما و حصل الانصراف و البداء له؟

لا يخفى عليك انّه في الفرض يجب الصوم إذا جاء في ضمن العشرة وقت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 102

الصوم الواجب، مثل انّه إذا دخل شهر رمضان لا لدلالة رواية أبي ولاد، بل للملازمة المستفادة من بعض «1» الروايات بأنّه إذا قصّرت افطرت، و إذا أفطرت قصّرت، و إذا وجب التمام وجب الصوم و بالعكس،

فبناء على هذا يجب بعد الانصراف إذا صلّى صلاة فريضة واحدة بتمام، الصوم إذا جاء وقته بلا إشكال «2».

الجهة السادسة: [في ذكر المسألة المهمة التى اضطربت فيها كلمات الاعلام]
اشارة

يقع الكلام في مسئلة مهمّة صارت مورد الكلام، و هي المسألة الّتي يقول عنها صاحب «3» الجواهر: المسألة الّتي اضطربت فيها الأفهام و زلت فيها أقدام كثير من الأعلام، و هي أنّه بعد كون العزم على إقامة عشرة أيّام قاطعا للسفر يقع الكلام في أن الشخص إذا خرج عن محل الاقامة الى محل تكون المسافة بينه و بين محل الاقامة اقل من المسافة الموجبة للقصر، و اراد العود الى محلّ الإقامة ثانيا و الخروج عنه، و تكون المسافة بين المقصد الّذي يذهب إليه و منتهى سفره مسافة موجبة للقصر، فيكون الذهاب من محل الإقامة أقلّ من المسافة الموجبة للقصر، و الذهاب الى منتهى سفره أكثر من المسافة الموجبة للقصر، و نحن نتعرّض أولا لما هو المتيقّن من محلّ الكلام في المسألة، ثمّ نتعرّض لبعض صور أخر.

فنقول: إن القدر المتيقّن من محل الكلام في هذه المسألة، هو انّه إذا خرج المسافر عن محل الاقامة، و كانت المسافة بينه و بين مقصده اقل من أربعة فراسخ، و يريد الرجوع الى محل الاقامة، و الخروج عنه الى وطنه مثلا و يكون الاياب اعنى:

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: بعد ما عنون سيّدنا الأستاذ- مد ظله- هذه المسألة و ذكر الاحتمالين قلت: في وجه وجوب الصوم ما ذكرت من الملازمة بين الصوم و الإتمام، و استرضى هو مد ظله. (المقرّر).

(3)- جواهر، ج 14، ص 363.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 103

المسافة الواقعة بين المقصد و الوطن، ثمانية فراسخ ففي هذا المورد ما يظهر من

كلمات الشيخ في المبسوط، و بعض من تأخر عنه- ممن يكون له كتاب يتعرض للمسائل التفريعية- هو الحكم بالقصر مطلقا في الذهاب و الاياب و محل الاقامة، و في قبال ذلك نسب الى الشهيد الإتمام متى خرج عن محل الاقامة الى المقصد، و القصر في الاياب مطلقا اعنى: في الطريق الي منتهى السفر، و محل الاقامة الّذي يمر به في الاياب، و تبعه بعض من تأخر عنه و ان كان الاختلاف بين الشهيد رحمه اللّه و بينهم في جهتين:

الجهة الأولى: أن ظاهر عبارة الشهيد رحمه اللّه هو الوجوب في الذهاب بعد ما خرج عن محل الاقامة الى المقصد، و الظاهر دخول المقصد في الذهاب في وجوب الإتمام و كلام من تبعه ظاهر في وجوب الإتمام في الذهاب لا في المقصد، بل القصر فيه و في الاياب.

الجهة الثانية: أن ظاهر عبارة الشهيد رحمه اللّه هو وجوب القصر في الاياب و في محل الاقامة إذا مرّ به، و أمّا إذا توقف فيه و إن كان وقوفه اقل من العشرة يجب الإتمام، و الحال ان من تبعه لا يفرّقون بين المرور و بين الاقامة أقل من العشرة في محل الاقامة، و يحكمون في كلتا الصورتين بالقصر.

و اعلم أن ما يظهر بعد التتبع التام هو أن أول من تعرض لهذه المسألة هو الشيخ رحمه اللّه في المبسوط، و هو كتابه الّذي قال في أوله: بأنّه كتاب لا يكتفي فيه بذكر خصوص المسائل المتلقاة عن الأئمة عليهم السّلام، بل بنائه رحمه اللّه في هذا الكتاب هو ذكر التفريعات، و استفادة حكمها من بطون النصوص في قبال العامة، فإنهم حيث يستنبطون احكاما بآرائهم و بعض امور ليست ميزانا عندنا و موافقة

للصواب من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 104

الاستحسانات و الاقيسة، فصار الشّيخ رحمه اللّه بأن يستنبط حكم التفريعات من نفس النصوص، لأنّ يثبت بأنّا و إن كنّا أهل النص، و لا نعمل بالقياس و الاستحسانات، و لكن مع ذلك نستنبط حكم التفريعات من النصوص، و بعد كون بنائه على ذلك في هذا الكتاب، لا في مقام بيان خصوص الفتاوى المتلقاة منهم عليهم السّلام، كما هو دأب من تقدم عليه زمانا من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و بناء نفس الشّيخ رحمه اللّه في بعض كتبه الاخرى، بل هو في هذا الكتاب في مقام ذكر التفريعات، و لا يرى تعرضا لهذه المسألة في كلام أحد قبل الشّيخ رحمه اللّه، و من تعرض بعده أيضا يكون ممّن بنائه ذكر التفريعات، لا خصوص الفتاوى المتلقاة من الأئمّة عليهم السّلام.

[ليس فى المسألة اجماع فلا مجال لدعواه]

فعلى هذا لا مجال في مثل هذه المسألة للاجماع أصلا، لما قلنا مكررا من أن مورد دعوى الاجماع يكون في خصوص الفتاوى المتلقاة عنهم عليهم السّلام، فاذا رأينا في الكتب المعدة لذكر الفتاوى المتلقاة ذكر مسئلة و بيان حكم لها، فإن لم نجد في موردها نص نكشف بعد ذلك من ذكرهم وجود نص في المسألة، فعلى اي حال ليس في مثل هذه المسألة مجال لدعوى الاجماع على أحد طرفي المسألة، فما أتعب نفسه صاحب الجواهر رحمه اللّه من التمسك بقول الشّيخ رحمه اللّه و بيان وجه ذهابهم الى القصر في الذهاب و الاياب حتى في محل الاقامة، مما لا وجه له كما أن دعوى الاجماع على فتوى الشهيد رحمه اللّه أيضا ممّا لا وجه له، فلا وجه لكون المدرك في المسألة الاجماع.

بل ما يمكن أن يكون وجها لكلا القولين هو

أن يقال: إن ما يمكن أن يكون نظر الشيخ رحمه اللّه إليه في وجوب القصر في الذهاب و الاياب حتى في محل الاقامة، هو بعد خروجه عن محل الاقامة و انشائه لسفر موجب للقصر، فهو مسافر و يجب عليه القصر.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 105

[في ذكر وجه فتوى الشهيد]

و ما يمكن أن يكون نظر الشهيد رحمه اللّه و من تبعه في تلك الفتوى هو انّه في الذهاب الى المقصد حيث تكون المسافة أقل من أربعة فراسخ، فلا يجب القصر فيه، لأنّ في المسافة التلفيقية لا بدّ من كون الذهاب أربعة فراسخ كما قدمنا سابقا. «1»

______________________________

(1)- اقول: بعد ما ذكر سيدنا الاستاذ مدّ ظلّه هذا الوجه لفتوى الشهيد رحمه اللّه. قلت ردا لهذا الوجه و تقوية لفتوى الشيخ رحمه اللّه: بأنّه اما أولا فما قلنا في المسافة التلفيقية من انّه لا بد و ان يكون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، و لا يجب القصر إذا كان اقلا من ذلك و ان كان الاياب بحد يبلغ مع ضمه بالذهاب الى ثمانية فراسخ او اكثر، مثلا إذا كان الذهاب ثلاثة فراسخ و الاياب خمسة فراسخ فلا يجب القصر، فكان الغرض هو ان الذهاب لا بد و ان يكون بريدا فاذا كان اقل من ذلك، فلا يقبل هذا الذهاب لأنّ يصير مسافته جزء المسافة المحققة للقصر، و اثر ذلك عدم وجوب القصر في المثال المتقدم، و ليس المراد ان الذهاب خارج عن السفر اصلا حتى يكون معناه ان من يسافر الى مقصد و يكون ذهابه ثلاثة فراسخ، و ايابه ازيد من ثمانية فراسخ، فهو لا يكون مسافرا متى يكون في الذهاب، بل يصير إذا شرع في الاياب، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام

به، فالمسافر بمجرد خروجه من منزله فهو مسافر و يعد مسافرا و مصيره جزء للسفر، غاية الامر بعض المسافات لا توجب القصر و بعضها توجب القصر، فالذهاب الاقل من أربعة فراسخ لا يخرج عن السفر، بل خارج عما هو محقّق للسفر الموجب للقصر.

و ثانيا إن ما قلنا في المسافة التلفيقية من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ، او ما قواه- مد ظله- من كون وجوب القصر دائرا مدار كون الرجوع ليومه كلاما آخر غير مربوط بالمقام، لأنّ كلام المشهور من اعتبار كون الرجوع ليومه او كلامه (مد ظله) من اعتبار كون الذهاب في المسافة التلفيقية أربعة فراسخ اقلا هو في ما كان المجموع من الاياب و الذهاب يبلغان حد القصر.

فمورد كلام المشهور هو في ما كان الذهاب أربعة فراسخ و الاياب كذلك فاعتبروا كون الرجوع ليومه في ذلك، و امّا المسافة التلفيقية الّتي يكون الاياب فيها بنفسه ثمانية فراسخ فالذهاب و ان كان اقل من ذلك فلا يجري فيه كلامهم.-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 106

[المختار قول الشيخ و من تابعه]

اقول: إذا عرفت هذين القولين في المسألة إن ما يأتي بالنظر هو ما اختاره الشيخ من وجوب القصر في الذهاب و الاياب و المقصد حتى في محل الإقامة، و وجه ذلك هو أن هذا السفر الملفق من الذهاب و الاياب مع المقصد، و العبور عن محل الإقامة، يعدّ سفرا واحدا، لأنّا إذا راجعنا العرف نرى أن المسافر إذا خرج من منزله لأجل مقصد أو مقاصد، فمتى يكون في هذا السفر يعدّ سفره سفرا واحدا، و لا يعدّ ذهابه سفرا و إيابه سفرا آخرا، و لهذا نقول: بأن الشخص إذا سافر فإن كان له في هذا السفر مقاصد شتّى في المنازل الواقعة

بين سفره، و لكن مع ذلك سفره يكون سفرا واحدا إلّا إذا حصل قاطع من القواطع الثلاثة المتقدمة بمقتضى الدليل على متى طرأ القاطع يخرج المسافر عن كونه مسافرا، فعلى هذا من خرج عن محل إقامته يعدّ

______________________________

و كذلك ما قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ هو في ما كان المجموع من الذهاب و الاياب ثمانية فراسخ بحيث يكون ضم كل منهما الى الآخر محقّق للقصر فاعتبر (مد ظله) في هذا المقام كون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، فلا يجب القصر الّا إذا كان الذهاب أربعة فراسخ اقلا.

و امّا إذا كان الاياب بنفسه ثمانية فراسخ أو اكثر بحيث لا يكون الذهاب دخيلا في محققية القصر، فيكون الذهاب داخلا في السفر، و يجب القصر و إن كان محقّق القصر في هذا السفر هو الاياب لا الذهاب.

فعلى هذا نقول: بان الحق مع الشّيخ رحمه اللّه فانّه انشأ السفر الموجب للقصر بعد خروجه عن محل الاقامة، لا ما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه و من تبعه.

و بعد ما بينت مرادي توجه (مد ظله) الى هذا الكلام، و عطف عنان الكلام نحو هذا البيان، و اتم البحث في هذا اليوم، و اتفق لي السفر الى طهران و طال سفري ثلاثة ايام، فبعد رجوعي من طهران و حضوري في مجلس البحث قد تم هذا البحث، و لكن بين حاصل مراده و مختاره (مد ظله) في هذه المسألة، و كان راجعا الى ما خطر ببالي و قلت بحضرته، مع ما بينه من بيان امتن و ابلغ، فنذكر حاصله الآن. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 107

سفره ذهابا الى المقصد و إيابا من المقصد الى محل الإقامة، و منه الى منزله، سفرا واحدا

فاذا كان هذا السفر سفرا واحدا يجب القصر في هذا السفر على هذا الشخص، لكونه عازما و قاصدا على طي مسافة تبلغ هذه المسافة الى ثمانية فراسخ.

و إن قلت: إن الاياب يكون ثمانية فراسخ، و أمّا الذهاب الى المقصد فعلى الفرض يكون أنقص من أربعة فراسخ، فلازم ذلك القصر في الاياب و محل الإقامة حتى إذا وصل الى منزله لا الذهاب، لأنّ الذهاب بعد كونه أنقص من أربعة فراسخ فلا يمكن جعله داخلا في السفر، لأنّ الذهاب على ما اخترت لا بدّ و أن لا يكون اقلا من أربعة فراسخ في المسافة الملفقة، و إن كان انقص من ذلك فلا يجب القصر في السفر الملفق و أن كان الاياب بمقدار يبلغ من ضمه الى الذهاب بحد مسافة القصر، فعلى هذا يجب الإتمام في الذهاب لكونه انقص من أربعة فراسخ.

[توضيح المطالب]

نقول: بأن ما قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ كان في المسافة الملفقة الّتي لو انضم مجموع الذهاب الى الاياب يصير المجموع ثمانية فراسخ، ففي هذا المقام قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، فان كان أنقص من ذلك و ان كان الذهاب بحد يصير سبب ضمه الى الذهاب بالغا ثمانية فراسخ فلا يجب القصر، و قلنا في وجه ذلك: بأن حقيقة السفر هو البعد عن الوطن، و حدد الشارع هذا البعد بحد مخصوص، ففي بعض الروايات ورد بريدان، أو ثمانية فراسخ و في بعضها بريد، و في بعضها بريد ذاهب و بريد جائي، و بعد جمع الأخبار يستفاد أن محقّق القصر يكون ثمانية فراسخ امتداديه أو ثمانية فراسخ ملفقة، و اعتبرنا في الملفقة كون الذهاب بريدا أعني: أربعة فراسخ اقلا، لأنّ بعد الجمع

هذا الحدّ اعني: كون الذهاب بريدا محفوظ بحاله على ما فصّلنا سابقا، و لكن كل ذلك كما قلنا يكون في مورد يكون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 108

الذهاب و الاياب مجموعا بقدر ثمانية فراسخ، فقابلية كون الذهاب محققا للسفر الموجب للقصر تكون في ما يكون الذهاب أربعة فراسخ اقلا.

و أمّا إذا كان الاياب بنفسه محققا للقصر مثل ما نحن فيه الّذي يكون الاياب بالغا الى ثمانية فراسخ، فالذهاب غير دخيل في المسافة الموجبة للقصر، و لكن يكون داخلا في السفر، كما أن من يعزم أن يسافر الى محل يكون العبد بينه و بين منزله عشرة فراسخ فالفرسخان من تلك العشرة غير دخيلين في محققية القصر، لأنّ القصر يجب في الثمانية، و لكن مع ذلك داخل في هذا السفر و جزء له، كذلك الذهاب فيما نحن فيه داخل في السفر، فالشخص بمجرد الخروج يكون في السفر ذهابا و ايابا، و يعد سفره سفرا واحدا و يجب القصر عليه، لاشتمال هذا السفر على المسافة الايابية التي يجب القصر لاجلها لكونها ثمانية فراسخ.

فما قلنا من اعتبار كون الذهاب في المسافة التلفيقية أربعة فراسخ اقلا، ليس مربوطا بما نحن فيه و لا يصير سببا للاشكال في المقام، كما أن ما ذكره المشهور من اعتبار كون الرجوع ليومه في المسافة الملفقة، و كان الراجح تقريبا بنظرنا، يكون ظاهر كلامهم في ما كان المجموع من الذهاب و الاياب بريدان: بريد ذاهب و بريد جائي، فاعتبروا في ذلك المورد كون الرجوع ليومه، و أمّا في مثل هذا المقام و هو مورد يكون الاياب بنفسه بالغا مسافة التقصير فيجب القصر في الذهاب و الاياب، و لا يظهر منهم اعتبار كون الرجوع من المقصد

ليومه.

و من هنا يظهر أن الشّيخ رحمه اللّه و إن اختار في المسافة التلفيقية كون الرجوع ليومه في وجوب القصر و إن لم يرجع ليومه يكون مخيرا بين القصر و الإتمام، و لكن التزم بالقصر في المقام بدون تقييد القصر بكون الرجوع ليومه، لعل كان وجه ما قلنا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 109

من أن اعتبار الرجوع ليومه يكون في ما كان مجموع الذهاب و الاياب بريدان، لا في مثل المقام الّذي يكون الاياب بنفسه بريدان أو اكثر.

فظهر لك مما مرّ أن الاقوى ما اختاره الشّيخ رحمه اللّه و من تبعه في ذلك لا ما اختاره الشهيد رحمه اللّه و من تبعه.

[اختيار الشهيد تفصيلا آخر و رده]

ثمّ إنه يظهر من الشهيد الثاني رحمه اللّه تفصيل آخر في المسألة كما حكي عن كتابه المسمى بكتاب (نتائج الافكار) و هو التفصيل بين ما إذا كان المقصد الخارج إليه في الجهة المقابلة لجهة بلده أو مخالفة له، حيث لا يتحقق بالذهاب إليه القرب من بلده، و في الرجوع منه الى محل الاقامة البعد من بلده، فوافق المشهور حينئذ في التقصير، و بين ما إذا كان في طريق الرجوع الى بلده، أو في غير طريقه لكن في جهة يقرب بالذهاب إليه من بلده و يبعّد بالعود منه الى محل الإقامة من بلده، فيتمّ حينئذ في العود من بلده، لأنّ العود الى موضع الاقامة حينئذ لا يعدّ رجوعا الى البلد، و قال ما يرجع حاصله الى أن هذا التفصيل لو قيل بكونه خرقا للاجماع المركب لمخالفة هذا القول للقولين المتقدم ذكرهما نقول: ذلك ممنوع، بل القائل به أكثر من القولين.

و لكن لا يخفى عليك انّه لا وجه لهذا التفصيل، و لم نجد في شمول

أدلة القصر فرقا بين ما كان المقصد الخارج إليه في الجهة المقابلة للبلد أو في الجهة المخالفة لبلده، و بين ما إذا كان المقصد في طريق الرجوع الى بلده، لأنه في كل منهما يكون السفر سفر التقصير.

كما انّه لا وجه للتفصيل الّذي يظهر من بعض آخر، و يوجد في كلمات بعض المتاخرين من الفرق بين ما إذا كانت راحلته و اثاثه باقية في محل الإقامة، و أراد الرجوع إليه ليأخذ راحلته و متاعه و اثاثه و لا يعرض عنه كلما أراد قضاء حاجة في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 110

خارجه ذهب ثمّ عاد إليه ثمّ إنشاء السفر منه و لو بعد يومين أو يوم، بل أو اقل، و بين ما إذا لم يكن كذلك، بل إذا خرج مع كل ماله من راحلته و أثاثه الّذي كان معه و اعرض عنه، فلا يجب القصر في الصورة الاولى و يجب في الثانية، لأنه في الفرض الأوّل لا يعد انّه انصرف عن الاقامة في محل الاقامة و ترك هذا المحل، بل يكون حاله حال من يعزم على الاقامة في محل ثمّ يسافر كل يوم في الاقل من المسافة و يعود في الليل في محل الاقامة و يستريح فيه، بخلاف الثاني فانّه اعرض عن محل الإقامة و تركه.

و وجه فساد هذا التفصيل يظهر مما قدمنا في ضابط الاقامة، فان المختار عندنا في الاقامة هو التعطل عن شغل المسافرة، فتكون حقيقة الاقامة التعطل عن شغل المسافرة فمتى خرج الشخص لأنّ يسافر، فلم يكن متعطلا و يخرج بذلك عن كونه مقيما، فعلى هذا نقول في المقام: بأنّه و لو خرج عن محل الاقامة و ابقى اثاثه و راحلته في محل الاقامة،

فيصير مسافرا بعد خروجه بنظر العرف، فلا فرق في وجوب القصر فيما نحن فيه بين كون خروجه مع الاعراض و حمل اثاثه و راحلته معه، و بين كون خروجه عن محل الاقامة مع بقاء أثاثه و راحلته في محل و أراد العود إليه لأنّ يذهب براحلته و أثاثه.

نعم، على مبنى من يقول بأن صدق المقيم على من عزم على الاقامة يدور مدار جعل محل الاقامة محل استراحته و نومه في الليل يكون لهذا التفصيل وجه، فإن من يكون بنائه على الرجوع الى محل الاقامة لاخذ اثاثه و راحلته و لم يعرض عنه فليس صرف السفر مانعا عن صدق المقيم عليه، بل لا يصدق المقيم عليه إذا اعرض عنه و خرج عنه مع كل ماله من الراحلة و الاثاث، فانّه على هذا لم يكن بنائه على

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 111

جعل هذا الموضع محل استراحته و نومه في الليل، بخلاف ما إذا خرج و أراد قضاء حاجة و العود إليه ثمّ إنشاء السفر بعد ذلك، لأنه على هذا لم يعرض عنه و يكون بعد هذا المحل محل اقامته،

[على مختارنا فى الاقامة لا وجه لهذا التفصيل]

و أمّا على مختارنا فلا وجه لهذا التفصيل، فأفهم. «1»

هذا كله في ما إذا أنشأ السفر بعد الخروج عن محل الاقامة، و يكون الذهاب الى المقصد أقل من أربعة فراسخ، و الاياب يبلغ الى ثمانية فراسخ و يمرّ بمحل الاقامة في الاياب.

و أمّا إن خرج عن محل الاقامة و أنشأ سفرا لم يكن الذهاب و الاياب الى وطنه بالغا حدّ المسافة، فيجب عليه الإتمام في الذهاب و الاياب و المقصد و محل الاقامة مطلقا، لأنه بالاقامة قطع سفره و وجوب القصر عليه محتاج الى إنشاء سفر جديد

يبلغ ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة، و على الفرض ليست مسافة هذا السفر بالغة بهذا المقدار.

و أمّا إن خرج من محل الاقامة و انشأ السفر الّذي يكون بين محل الاقامة و بين المقصد الى الوطن ثمانية فراسخ أو أزيد، و لكن في الاياب يمرّ بمحل الاقامة قبل أن يبلغ ثمانية فراسخ، و يكون بنائه على العزم على إقامة عشرة أيّام مجددا في محل الاقامة، فيجب في هذا الفرض الإتمام مطلقا أيضا، لأنّ سفره قبل بلوغه الى محل

______________________________

(1)- اقول: بل على المبنى المتقدم يمكن توجيه هذا التفصيل في ما إذا كان زمان الذهاب و الاياب الى المقصد في يوم واحد او الليلة من هذا اليوم حتى يرجع الى محل الاقامة و ينام و يستريح فيه، و امّا ان كان يومين او اكثر فلا وجه لهذا التفصيل على هذا المبنى أيضا، لانه لا بدّ على هذا المبنى من جعل محل الاقامة محل استراحته و نومه في الليل، فلو لم يرجع فكونه مع ذلك محل اقامته و صدق المقيم عليه في هذا المحل مشكل، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 112

الاقامة لم يبلغ حد المسافة الموجبة للقصر، و لا يمكن ضم المسافة اللاحقة على محل الاقامة بالمسافة السابقة عليه، لأنّ عزم الاقامة يقطع السفر فمع العزم على أن يقيم مجددا في محل الاقامة لم يقصد السفر الموجب للتقصير.

[الخروج عن الوطن مثل الخروج عن محل الاقامة في كل الصور]

ثمّ انّه إن خرج عن محل الاقامة و يقصد سفرا يكون بالغا حد التقصير، و لكن يكون مرددا في انّه هل يعزم في البين على إقامة مجددة في محل الإقامة أو محل آخر قبل بلوغه ثمانية فراسخ أو لا يعزم على ذلك، فهل يجب القصر في هذا الفرض أولا؟

اعلم

أن هذا الكلام لا يختص بما إذا خرج عن محل الإقامة، بل يجري في الخروج عن الوطن أيضا مثلا إذا خرج الشخص من وطنه و أراد أن يسير الى مقصد يكون البعد بينه و بين مقصده ثمانية فراسخ أو أزيد، و لكن هذا الشخص مردد في انّه هل يعزم على الاقامة بين هذا الطريق قبل بلوغه ثمانية فراسخ أولا، فهو مع قصده طيّ مسافة تبلغ ثمانية فراسخ يكون مرددا في انّه هل يعزم على إقامة العشرة قبل بلوغه الى ثمانية فراسخ أولا يعزم على ذلك، فهل يجب عليه مع هذا التردد الإتمام أو القصر؟

وجه وجوب الإتمام عليه انّه مع هذا الترديد لم يكن قاصدا للمسافة الموجبة للقصر، و وجه وجوب القصر انّه مع هذا الترديد يكون عازما على طي مسافة التقصير، فيجب عليه القصر.

اعلم أن ما نرى من نوع المتأخرين في نجاة العباد و محشيه مطلقا إنهم حكموا في هذه المسألة بوجوب الإتمام، و لكن الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه اختار القصر كما يظهر من كلامه، و ما يأتي بالنظر هو وجوب الإتمام.

الشرط الرابع: [أن يكون السفر سائغا]

اشارة

من شرائط القصر أن يكون السفر سائغا جائزا، فالسفر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 113

الّذي يكون في المعصية لا يجوز فيه القصر، بل يجب فيه الإتمام، و الدليل على ذلك مضافا الى الشهرة عند الاصحاب.

[ذكر بعض الروايات المربوطة بالمقام]

أولا: يكون بعض الأخبار الواردة في الباب.

و يكون هو ما رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ «1» قال الباغي الصيد و العادي السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، فهي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصّلاة. «2»

و ما رواها عمار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: من سافر قصّر و أفطر إلّا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية اللّه أو رسولا لم يعصي اللّه أو في طلب عدّو أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين). «3»

و ما رواها رواية سماعة (قال: سألته عن المسافر (الى أن قال) و من سافر قصر الصّلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج الى صيد أو الى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت الى اهله لا يقصر و لا يفطر). «4»

و ما رواها إسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن أبيه (قال: سبعة لا يقصرون الصّلاة (الى أن قال) الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا و المحارب الّذي

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 173.

(2)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من

الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 114

يقطع السبيل). «1»

و ما رواها رواية ابو سعيد الخراسانى (قال: دخل رجلان على أبى الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لاحدهما: وجب عليك التقصير). «2»

لأنك قصدتني، و قال للآخر وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان.

و هذه الروايات تدلّ على الحكم المتقدم ذكره في الجملة و إن كان الكلام في بعض خصوصياته.

و أمّا ما رواها ابن ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حق) «3» فيمكن الخدشة في دلالتها على ما نحن فيه لعدم ذكر السفر فيه، و احتمال كون المراد من (سبيل حق) هو وجه الحق يعنى: لا يجوز الافطار إلّا إذا كان له وجه حق، مثل ما إذا كان الصوم له مضرا مثلا، فلا ظهور للرواية في ما نحن بصدده حتى يستشهد بها.

و ثانيا يدلّ على اشتراط عدم كون السفر معصية العموم الملتقط من الروايات الواردة في السارق و المحارب و المشيع لسلطان جائر و قاصد السلطان و من كان رسولا لمن يعصى اللّه أو كان سفره في طلب عدد أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين، فإن الظاهر عدم وجود خصوصية في تلك الموارد المذكورة في بعض الروايات، و أن الملاك اشتراط الكل في جامع يكون سببا لعدم الترخيص في القصر، و ليس هو الا معصية اللّه، و ربما يسمى مثل هذا العموم الملتقط

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 8

من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 115

بالاستقراء في ألسنتهم، فيظن من لا بصيرة له انّه هو القياس، مع أن مرادهم من ذلك تتبع الموارد المنصوصة و ملاحظة جهة الّتي يكون بها الموضوع مركبا للحكم، فاذا استفيد من جميع الموارد المذكورة عدم دخل الخصوصيات، و أن ما هو الموضوع و مركب الحكم هو الجامع بين هذه الموارد، يتعدى منها الى غيرها و هذا غير القياس.

و ثالثا أن رواية عمار المتقدمة المصرحة فيها بأن من الموجبات للاتمام و زوال حكم القصر في السفر هو كون السفر في معصية اللّه، فتدل على وجوب الإتمام في السفر الّذي يكون في معصية اللّه، فظهر لك ممّا مرّ أن هذا الشرط و اعتباره في الجهلة مما لا إشكال فيه، و إنما الكلام في بعض جهات اخرى الراجعة الى هذا الشرط:

الجهة الاولى: [الشقوق المتصورة فى السفر المحرم]

اشارة

اعلم أن السفر تارة يكون بنفسه حراما، بمعنى كون الحركة الخاصة بين محل الى محل آخر المعبر عن هذا السير بالسفر، بنفسها حراما، مثل مشايعة سلطان الجائر و الفرار من الزحف و الإباق و النشوز و عصيان الوالد.

و تارة يكون السفر بغايته حراما، بمعنى عدم وجود حرمة في نفس السفر، بل غاية الداعية الى السفر تكون حراما مثل من كان غاية سفره سعاية أو ضررا على المسلمين.

و تارة يكون السفر ضد الواجب لا يتمكن من ادائه في السفر.

و تارة يكون مقارنا لوجود حرام.

و تارة يكون السفر ملازما لعنوان آخر، يكون هذا العنوان الملازم محرما كالمرور على الأرض المغصوبة في السفر، سواء كان الطريق منحصرا بالمرور او لم يكن منحصرا.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 116

أمّا إذا كان السفر بغايته حراما فلا اشكال في وجوب الإتمام لصراحة الروايات في

ذلك، بل قد يدعى أن جميع الامثلة المذكورة في الروايات من هذا الباب.

و لهذا قد يناقش في وجوب الإتمام إذا كان نفس السفر حراما كما عن شهيد الثاني رحمه اللّه في روض الجنان «1» على ما حكى عنه فإنه قال بوجوب القصر إذا كان نفس السفر معصية بدعوى عدم دلالة الروايات إلّا على وجوب الإتمام في ما كان السفر بغايته معصية.

و لا يخفى ما فيه من الضعف فإنه، مضافا على وجود ذلك في الموارد المنصوصة المذكورة في الرواية، و هو المشيع لسلطان الجائر، يدلّ عليه قوله عليه السّلام في رواية عمّار «أو في معصية اللّه» قطعا، فلا اشكال في وجوب الإتمام أيضا إذا كان السفر بنفسه حراما.

و أمّا إذا كان السفر ضدا لواجب كالتعلم الواجب، أو اداء الدين مع مطالبة العزيم، ففي هذا الفرض تارة يقصد المسافر بسفره ترك هذا الواجب، و تارة لا يقصد ذلك.

فإن كان قصده هذا فلا اشكال في وجوب الإتمام عليه، لكون غاية سفره معصية على هذا لأنّ مقصوده هو ترك الواجب، فغاية سفره ترك الواجب فتكون غاية سفره معصية، و لا فرق في كون غاية السفر معصية بين كون الغاية فعلا حراما كسعاية او ضررا على قوم من المسلمين، و بين كون الغاية ترك واجب.

______________________________

(1)- الروض، ص 388

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 117

و أمّا إذا لم يقصد بسفره ترك الواجب، فهل يقال: بأن وجوب الإتمام في هذه الصورة يكون مبنيا على مسئلة الأمر بالشي ء و النهي عن ضده، فانّه إن قلنا بحرمة ضد الواجب فيصير السفر حراما و معصية، فيجب الإتمام، و إن قلنا بعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا يجب الإتمام، بل يجب القصر، و حيث

حققنا في الاصول عدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده، فلا يجب في هذه الصورة الإتمام بل يجب القصر.

أو يقال: بعدم ابتناء هذا على مسئلة الامر بالشي ء و النهى عن الضد، بل نحن و ما ورد في الرواية من قوله: «أو في معصية اللّه» أو العموم الملتقط الدال على وجوب الإتمام في ما كان السفر في معصية اللّه، فكلما يحكم العرف بكون هذا السفر في معصية اللّه، يجب الإتمام و إذا لم يحكم يجب القصر.

فيقال في هذه الصورة: بوجوب الإتمام بدعوى حكم العرف بكون السفر في معصية اللّه، أو يقال: بوجوب القصر لعدم صدق معصية اللّه على هذا السفر عند العرف فلا تخلو هذه المسألة من تردد.

و خلاصة الكلام أنّ المعصية قد تكون بنفس قطع المسافة أعني: يرجع إليه كركوب الدابة المغصوبة، أو المشي في الأرض المغصوبة، و قد لا تكون كذلك مثل ما إذا كان الشخص حاملا لشي ء مغصوب.

[المستفاد من كلام صاحب الجواهر التفصيل]

و يستفاد من كلام صاحب «1» الجواهر رحمه اللّه أنّه يجب الإتمام في ما لو كان من قبيل الأوّل بخلاف القسم الثاني.

______________________________

(1)- جواهر، ج 4، ص 260.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 118

[رد كلام صاحب الجواهر]

و لكن الظاهر اشتراكهما في وجوب القصر إذا كان السفر بهذين النحوين، و الميزان هو أن الدليل لا يقتضي إلّا وجوب الإتمام في ما لو كان نفس السفر معصية، فكلّ ما يعد العرف أن السفر معصية بحيث يعد بالحمل الشائع سفر معصية، فيجب الإتمام، و إلّا فلا، و حيث إنّ في المقام يكون مركب الحرمة و موضوعها هو التصرف في مال الغير فما يكون حراما هو التصرف في ملك الغير، و هذا التصرف كما بالسير كذلك يتحقّق في حال الوقوف، لأنّ كلّا منهما تصرف في ملك الغير فليس السفر بنفسه معصية حتى يشمله قوله: «في معصية اللّه» فليس لجهة الحرمة مساس بالحركة و السير الّذي ينتزع منها عنوان السفر.

نعم، يلازمه و يقارنه و لا يحكم بمجرّد ذلك بوجوب الإتمام، و صرف كون السير و الوقوف من مصاديق الحرمة، لانّهما محقّقان التصرف في ملك الغير، و يتصف بالحرمة السير و الوقوف من هذا الحيث، لا يوجب الإتمام لأنّ الميزان كما قلنا هو عد السفر معصية، و في المقام ليس السفر معصية، بل عنوان آخر محرّم و معصية، و هو التصرف، و بهذا الميزان يظهر لك عدم وجوب الإتمام في السفر إذا كان السفر مقارنا لوجود حرام، أو يكون السفر ملازما لعنوان آخر محرم، لأنه كما قلنا لا بدّ من أن يكون السفر بما هو حرام لا من باب أمر آخر مقارن له؛ أو ملازم له، لأنّ بذلك لا يقال بكون السفر معصية، فافهم.

الجهة الثانية: [صور كون بعض اجزاء السفر فى المعصية]

اشارة

لا إشكال في وجوب الإتمام في السفر إذا كان السفر بتمامه إمّا بنفسه أو بغايته «في معصية اللّه» كما لا إشكال في وجوب القصر إذا لم يكن جزء من اجزاء السفر «في معصية

اللّه» بل كان تمام اجزائه ليس «في معصية اللّه» إنما الكلام كان بعض اجزاء المسافة في السفر «في معصية اللّه» بنفسه أو بغايته و بعض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 119

أجزائه الأخر ليس «في معصية اللّه» و حيث يتصور ذلك على انحاء فنقول: إنه بحسب التصور.

تارة يكون السفر الّذي قصده المسافر بمقدار أقل مسافة يجب فيه القصر اعني: ثمانية فراسخ أو البريدان، و تارة قصد المسافر سفرا تكون المسافة اكثر من ذلك، و يتصور ذلك على انحاء ثلاثة:

تارة يعدل المسافر عن قصد الطاعة الى المعصية في أثناء المسافة حين بيتوتته في المنزل، أو يعدل عن المعصية الى الطاعة حين بيتوتته في المنزل.

و تارة أن يقصد المسافر المسافة الّتي يكون البعد بين منزله الى مقصده ثمانية فراسخ امتدادية، و لكن كانت في المعصية و عدل عن قصده حين العود من المقصد بحيث يكون إيابه لا «في معصية اللّه» فيقع الكلام في هذه الفروع الاربعة:

الفرع الأول: و هو الصورة الّتي قصد المسافر سفرا يكون بالغا بحد أقل مسافة يجب فيها القصر و هي ثمانية فراسخ، و كانت بعض المسافة «في معصية اللّه» دون بعضها الآخر.

فهل يقال: بوجوب القصر في هذا السفر مطلقا بدعوى أن مقتضى الاطلاقات وجوب القصر مطلقا في السفر، و خرج منه كل سفر يكون تمامه «في معصية اللّه» فما لم يكن تمامه «في معصية اللّه» يجب القصر لشمول الاطلاقات الدالة على وجوب القصر لهذا المورد، فاذا كان بعضه مباحا يجب القصر فى جميع المسافة حتى في العصيان، و لا يمكن الالتزام بذلك.

أو يقال: بوجوب الإتمام مطلقا بدعوى أن المستفاد من الادلة الواردة في وجوب الإتمام إذا كان السفر «في معصية اللّه» هو وجوب الإتمام

إذا لم يكن تمام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 120

المسافة «في غير معصية اللّه» فاذا كان جزء منه «في معصية» اللّه فيجب الإتمام، و عدم احتساب ما يصاحب من المعصية أصلا و لو عدل في الاثناء الى قصد الطاعة، و يؤيد قوله عليه السّلام في بعض «1» الروايات الواردة في المقام (لا كرامة) فيستظهر عدم تأثير المسافة الواقعة في حال العصيان و لو بنحو الجزئية للسبب، فاذا ألغي هذا المقدار من الجزئية و لم يبلغ ما بقي من الاجزاء حد مسافة القصر، فيجب الإتمام.

أو يقال: بأن الملاك في التقصير و الإتمام هو وقت الاشتغال بالصّلاة، فإن كان وقت الاشتغال بالصّلاة عاصيا في سفره يتم، و إن كان في هذا الحال غير عاص في سفره يقصر، بدعوى أن المستفاد من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الخ وجوب القصر إذا كان حال الاشتغال بالصّلاة مسافرا لأنّ صدق عنوان المسافر على المصلي في غير هذا الوقت لا يكون موجبا للقصر، و هكذا يكون المستفاد من قوله عليه السّلام «او في معصية اللّه» عدم جواز القصر إذا كان سفره معصية وقت الاشتغال بالصّلاة، و إذا لوحظ هذا المطلق و المقيد مع الادلة الدالة على لزوم كون السفر الموجب للقصر بريدين، يمكن استظهار وجوب القصر لو كان سفره بريدين و قصد المعصية في أوله، ثمّ عدل إذا لم يكن وقت الصّلاة غير عاص للّه تعالى.

[و الّذي يقوى فى النظر وجوب الاتمام فى هذا القرض مطلقا بتقريب آخر]

و الذي يقوى في النظر هو وجوب الإتمام مطلقا في هذا الفرض بتقريب آخر.

و هو أن المستفاد من الادلة الدالة على تحديد السفر الموجب للقصر بالبريدين هو أن البريدين أعني: هذا المقدار من المسافة يكون مركب حكم القصر و موضوعه بتمام اجزائه، لأنّ

معنى التحديد و جعل الحد ليس إلا دخالة جميع

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 121

الاجزاء فيه دخالة اجزاء العلة في المعلول، و لذا بمجرد خروج جزء مثل ما إذا كان اقل من ذلك بعشرة أذرع لا يأتى حكم وجوب القصر، فالمجموع من حيث المجموع من هذه المسافة دخيلا و مقوما في موضوع الحكم.

و المستفاد من الأخبار الدالة على وجوب الإتمام في السفر الّذي يكون في المعصية، هو إلغاء كل مسافة تكون في المعصية عن قابلية طروّ حكم القصر له، ففي الفرض بعد كون المسافة ثمانية فراسخ، و بعد فرض دخالة وجود هذه الثمانية بمجموعها بحيث لا يسري حكم القصر لو كان أنقص من ذلك بجزء، فاذا كانت بعض أجزاء هذه المسافة مثلا بريدا «في معصية اللّه» فيلغى هذا البريد عن قابلية صيرورته موضوعا لحكم وجوب القصر، و بعد الغائه لم يقبل بريد آخر لأنّ يصير موضوعا لوجوب القصر، لأنّ الموضوع لا بدّ أن يكون بريدين، فعلى هذا لا يكون موضوع لوجوب القصر، بل يجب الإتمام في هذا الفرض في كل من الحالتين اي حال المعصية و حال الطاعة.

الفرع الثاني: إذا قصد المسافر المسافة الّتي تكون ازيد من ثمانية فراسخ مثلا قصد أربع برد أعنى: ستة عشر فرسخا بقصد المعصية، ثمّ عدل الى الاطاعة أو بالعكس، و هذا على اقسام ثلاثة بحسب الفرض و التصور:

الأول: أن يقصد بالبريدين الاولين المعصية و بالبريدين الآخرين الطاعة.

الثاني: عكس ذلك بأن يقصد الطاعة بالبريدين الاولين و المعصية بالبريدين الآخرين.

الثالث: أن لا يكون كل من البريدين من أربع برد في معصية اللّه، أو في طاعة اللّه، بل يكون البريد الأوّل

في معصية اللّه، و البريد الثاني في غير معصية اللّه،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 122

و بريد الثالث في المعصية أيضا و بريد الرابع في طاعة اللّه، و صار هذا الفرض مورد الإشكال و الخلاف، فنقل عن الصّدوق و الشيخ و المحقق و الشهيد و جماعة ممّن تاخر عنهم القصر و عن العلّامة في القواعد و جماعة الإتمام.

وجه وجوب الإتمام هو أن الظاهر من الادلة اعتبار اتصال المسافة في جواز القصر، و لا يكفي الانفصال، و وجه وجوب القصر هو أن المستفاد من الادلة لزوم كون السفر بريدين في سفر واحد، سواء تخلل في اثنائه ما يوجب رفع حكم القصر أم لا.

[دفع ما قيل فى وجه وجوب القصر]

و يمكن دفع ما قيل في وجه القصر بأنّه انقطع سفره شرعا لاجل تخلل وقع في أثناء سفره، أمّا أولا فلان الشارع لم يتصرف في موضوع السفر في المقام، و انما هو تخصيص لاطلاقات حكم المسافر، فلا معنى لانقطاع السفر هنا شرعا، فلا وجه لانقطاع السفر.

و ثانيا انّه ليس من شرائط القصر اتصال السفر و المسافة نعم، نفهم من الخارج اشتراط وحدة السفر، و هذا ممّا لا شك فيه، و لكن تخلل قصد المعصية في اثناء السفر لا يوجب تعدد السفر إلّا أن يتمسّك في توجيه وجوب القصر بما ذكرناه في المقام السابق من لغوية السفر للمعصية، و عدم صلاحيته للتاثير حتى بنحو جزء السبب، فكانت المسافة المتخللة لا يحسب بشي ء عند الشارع، فتأمل.

الفرع الثالث: أن يعدل المسافر من المعصية الى الطاعة في حال بيتوتته للاستراحة في اثناء السفر لا في حال سيره، أو يعدل من الطاعة الى المعصية في حال البيتوتة لا في حال السير، و نفرض بأن المسافة الّتي يشرع بالسير فيها

بعد ذلك، المسافة البالغة حد مسافة التقصير حتى ينسد الإشكال من هذا الحيث.

فهل يجب في الأوّل القصر بمجرد العدول عن المعصية مع كونه متعطلا للسفر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 123

أم لا؟ و هل يجب في الثاني الإتمام بمجرد العدول عن قصد الطاعة مع كونه متعطلا للسفر أم لا؟

فما يأتي بالنظر هو الفرق بين فرض الأوّل و بين فرض الثاني أعني: نقول في الأوّل بوجوب الإتمام حال البيتوتة مع العدول عن قصده، و لم نقل في الثاني بوجوب القصر مع العدول، بل بالاتمام بمجرد العدول من الطاعة الى المعصية فنقول.

أمّا في صورة العدول عن المعصية الى الطاعة فيجب الإتمام على المسافر في حال البيتوتة حتى يشتغل بالسير في الطاعة و ذلك، لأنّ البيتوتة الّتي حصلت له تكون تابعة لما مضى من سفره لا لما يأتي، فانّه كما قلنا سابقا في طي الكلام في ذكر الوطن يقتضي السفر السير في مرحلة و الاقامة و التعطل في مرحلة بحسب طبعه، و الاقامة و البيتوتة في هذا المقام تابعة للسير السابق، و السير السابق كان في معصية اللّه على الفرض، فهو و إن عدل عن قصده في حال البيتوتة و لكن حيث هذه البيتوتة تابعة للسير السابق، و باعتبار تبعيته للسير يقال: إنها جزء السفر، فهذه البيتوتة بعد كونها تابعة للسير السابق محكومة بحكم متبوعه، فلا يقال متى لم يشرع في السير بعد قصد الطاعة: بأنّه مسافر و قصده ليس بمعصية اللّه تعالى، فلا تشمل عمومات وجوب القصر لهذا الفرض.

و أمّا في الثاني اعني ما إذا عدل عن الطاعة الى المعصية، فحيث إنّ الإتمام في السفر الّذي يكون في معصية اللّه، ليس من باب خصوصية اخرى موجبة للاتمام،

بل وجه وجوب الإتمام في سفر المعصية ليس إلّا لأجل عدم اجتماع شرائط القصر، فحيث لم تجتمع شرائط وجوب القصر وجب الإتمام، فوجوب الإتمام لا يحتاج الى حصول أمر زائد غير عدم وجود شرائط القصر، فمجرد عدم وجوب القصر لاجل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 124

عدم حصول شرائطه يجب الإتمام.

فعلى هذا نقول في الفرض: بأنّه بمجرد قصد المعصية و عدوله عن قصد الطاعة لم يتحقّق ما هو موضوع وجوب القصر بتمامه، فاذا لم يجب القصر لعدم حصول شرائطه فيجب الإتمام حتى حال البيتوتة، لأنّ في هذا الحال لا موضوع لوجوب القصر لطرو قصد المعصية و بعد عدم ذلك يجب الإتمام، لأنّ الإتمام لا يحتاج الى أمر زائد غير عدم حصول شرائط القصر.

و لا مجال لأنّ يقال في الفرض ما قلنا في الفرض الأوّل من كون البيتوتة تابعة للسير السابق، لما قلنا من أنّه مع العدول عن قصد الطاعة الى المعصية فليس هناك موضوع لوجوب القصر، لعدم حصول تمام شرائطه، فأفهم.

[اذا كان فى الذهاب قاصدا للمعصية و عدل فى الإياب و كان الذهاب ثمانية فراسخ امتدادية]

الفرع الرابع: و هو الصورة الّتي قصد المسافر سفرا يكون البعد بين منزله و بين مقصده ثمانية فراسخ امتدادية، و لكن كانت في المعصية و عدل عن قصده في العود من المقصد بحيث يكون إيابه لا في معصية اللّه، فهل يجب عليه في الرجوع القصر، أو الإتمام وجوه:

من أن رجوعه يعدّ في العرف حركة مستقلة، و ليس في معصية اللّه.

و من أن المجموع عند العرف يعدّ سفرا لمعصية و في معصية اللّه و أن الرجوع تابع للذهاب، كالحركات القصرية الّتي تعدّ تابعة للحركات الطبيعية، مثل رجوع الحجر المدفوع في الهواء الى الأرض، فإن رجوعه يعدّ تابعا لدفعه في الهواء، فالحركات الرجوعية حيث تكون ممّا لا

بدّ منها، لأنّ كل مسافر يرجع الى وطنه فيعدّ عند العرف ملجأ الى الرجوع، فهذه الحركات تابعة للحركات الذهابية.

و يمكن التفصيل بين ما إذا تاب بعد الوصول الى الغاية، فإن التوبة تزيل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 125

الآثار المترتبة على المعصية، و من جملتها رفع الترخص فترفعها التوبة، فيكون مرخصا في القصر كما قويناه في الاصول في مسئلة من توسط ارضا مغصوبة إذا تاب و رجع من أقصر الطرق بأن الحركات الخروجية لا تعد معصية، و لكن الفرق بيّن بين المقام و بين من توسط أرضا مغصوبة.

فإن من توسط أرضا مغصوبة فيكون خروجه أيضا تصرف في الملك المغصوب و هو حرام، فاذا تاب بعد الدخول فيكون اثر التوبة هو جعل هذا الشخص مثل من توسط أرضا مغصوبة بدون اختيار.

و أمّا الراجع من سفر المعصية فليس عليه ذنب في رجوعه، و إنما صدر منه الذنب في ذهابه، و بهذا تحقق موضوع وجوب الإتمام، و لا ترفع التوبة الموضوع المتحقق سابقا.

نعم، يمكن التفصيل على نحو آخر بأنّه إذا كان غاية سفره معصية و تحققت الغاية لا فائدة في التوبة في ذلك، و يجب الإتمام، و كذا إذا لم تتحقق الغاية في المقصد و لم يتب، و أمّا إذا لم تتحقق الغاية و تاب فيمكن القول بوجوب القصر و لعل الأقرب هذا الوجه.

الجهة الثالثة: إذا كانت الغاية ملفقة من الطاعة و المعصية.

فإن كان قصد الطاعة تابعا لقصد المعصية بحيث لو لا قصد المعصية لم منه السفر، أو كان بالعكس، فلا اشكال في وجوب الإتمام في الأول، و القصر في الثاني و إن كان كل واحد منهما جزء السبب للسفر.

فهل يجب عليه القصر، لأنّ المستفاد من الادلة تقييد الاطلاقات بالسفر الّذي يكون مستندا بالمعصية فقط، و مع

عدم ذلك فيجب القصر؟ أو يجب عليه الإتمام؟

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 126

الظاهر وجوب الإتمام فإنه يصدق على هذا السفر و يطلق عليه كون السفر في معصية اللّه تعالى.

[الجهة الرابعة: اذا اعتقد كون السفر حراما ثم انكشف الخلاف او بالعكس]

اشارة

الجهة الرابعة: إذا اعتقد كون السفر حراما، أو اقتضى الأصل ذلك و انكشف الخلاف، او اعتقد إباحة السفر، أو اقتضى الأصل ذلك و انكشف الخلاف، فهل المدار على الواقع، أو على الاعتقاد و الوظيفة الظاهرية؟

أما إذا اعتقد كون السفر حراما، او اقتضى الاصل ذلك فلا اشكال في وجوب الإتمام، لما حققنا في الأصول من اشتراك العاصي و المتجري في ما هو ملاك العصيان و صدق المخالفة، فيعد هذا الشخص عاصيا، فيجب عليه الإتمام.

و أمّا إذا اعتقد كون السفر مباحا، أو اقتضى الأصل ذلك فلا اشكال أيضا بأن المدار على الاعتقاد و ما يقتضيه الأصل.

مسئلة: لا إشكال في وجوب إتمام الصّلاة و الصيام على المسافر الّذي يريد بسفره الصيد لهوا و بطرا بحسب النصوص و الفتاوى من غير خلاف، إنما الكلام و الإشكال في مقامين:

المقام الأول: في بيان اقسام سفر الصيد، و تفصيل احكامها.

المقام الثاني: في بيان أن السفر الّذي يريد به الصيد لهوا المحكوم بالإتمام هذا السفر، هل الملاك في وجوب الإتمام فيه هو كون هذا السفر سفرا في معصية اللّه، فبناء عليه ليس عنوانا مستقلا، بل يكون من صغريات سفر المعصية، أو يكون له ملاك مستقل و هو عنوان آخر في قبال سفر المعصية.

أمّا المقام الأوّل فنقول: بأن السفر الّذي يريد المسافر الصيد: إمّا أن يكون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 127

الصيد للّهو و البطر، و إمّا أن يكون للتجارة و التكسب، و إمّا أن يكون لقوته و قوت عياله.

[الكلام فى سفر الصيد الّذي يكون للتجارة]

لا إشكال في كون سفر الصيد للهو و البطر موضوعا لوجوب الإتمام، كما لا إشكال في وجوب القصر في سفر الصيد لقوته و قوت عياله، و إنما الكلام و الإشكال في سفر الصيد الّذي

يكون للتجارة و التكسب.

فما هو المشهور بين متقدمي أصحابنا الى زمان المحقق و العلّامة رحمه اللّه هو وجوب افطار الصوم و إتمام الصّلاة، و بعبارة اخرى الفرق بين الصوم و بين الصّلاة، و للشيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» بعد ذكر الاقسام الثلاثة المتقدّمة كلام حاصله هو أنّه يتم الصّلاة و يفطر الصوم إن كان الصيد للتجارة باجماع أصحابنا و أخبارهم.

و اعلم انّه ليس لهذا التفصيل اعنى: التفصيل بين الصّلاة و الصوم عين و لا اثر في الروايات الّتي وصلت بأيدينا، بل الصيد للتجارة بحسب ما بأيدينا من الأخبار ليس مذكورا بخصوصه، فلو كنا نحن و هذه الأخبار لا بدّ لنا إمّا من الحكم بشمول عنوان صيد اللهو عليه و إن كان في غاية البعد، و إمّا بشمول عنوان طلب القوت المذكور في الرواية عليه «2» فكيف كان، فليس لنا طريق لاثبات هذا الحكم بهذه الأخبار، و لا يخفى عليك أن المسألة ليست عقلية حتى يتوهم انهم اتكلوا في هذه الفتوى الى العقل، مع انهم ليسوا أهل القياس، بل اجتنابهم عن الاخذ بالقياس و عدم كونه من مذهبنا مما يكون اظهر من الشمس، فيمكن أن يقال كما مضى منا مكررا: بأنّه من افتائهم بذلك نكشف من وجود دليل وصل إليهم و قد خفي عنا و لم

______________________________

(1)- خلاف، ج 1، ص 587- 588، مسئلة 349- 350.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 128

يصل إلينا.

و ربّما يتعجب من ذلك من لا يقف على الحال، و لكن ليس هناك موضع للتعجب بعد ما قلنا مكررا: من أن الجوامع الاربعة الموجودة بأيدينا لم يستقصوا تمام الروايات الواردة عن المعصومين

عليهم السّلام، و الحال أن صاحب الجوامع الاولية في عصر الرضا عليه السّلام المعروفة بالاصول الاربع مائة رواها، و اقوى شاهد على عدم استقصائهم هو أن من راجع هذه الاصول الاربعة يرى خلوّ الفقيه و الكافي من روايات كثيرة جمعها في التهذيب، و كذا وصل كتاب نوادر محمد بن عيسى بيد المحقق الحلّيّ، و الحال انّه لم يكن عند المشايخ المتقدمين على هذا المحقق.

مضافا الى تصريح الشّيخ رحمه اللّه بوجود الرواية في المقام، و من انّه اعتمد عليها في مقام الفتوى يستكشف اعتبارها، و ليس اعتماده برواية في الدلالة على اعتبارها أهون من شهادته بصحة رواته لو لم يكن اقوى،

[لا بأس بالركون الى الشهرة القائمة على التفصيل بين الصوم و الصلاة]

فاذا لا بأس بالركون الى الشهرة القائمة على التفصيل بين افطار الصوم و بين اتمام الصّلاة، و ما نرى في الفقه هو أن المسائل الّتي ركن فيها المتأخرون- كالمحقق و العلّامة رحمه اللّه و من لحقهم- الى اشتهار الحكم بين القدماء من دون مطالبة دليل منهم، أو وصول آية أو رواية بايديهم، كثيرة تقرب من خمسمائة مورد.

فمن الغريب ما أفاده المحقّق «1» و العلّامة رحمه اللّه «2» في المقام و تبعهما المتأخرون فالمحقّق بعد نقل الفتوى عن الشيخ، اعترض عليه و طالبه بالدليل، و الحال انّه لا فرق بين هذه المسألة و بين مسائل كثيرة ركن هو و المتأخرون فيها الى فتوى القدماء من

______________________________

(1)- المختصر النافع، ص 51.

(2)- المعتبر 2، ص 471، المعتبر، ص 252.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 129

دون مطالبة الدليل، و للشيخ رحمه اللّه أن يقول للمحقق رحمه اللّه: إن عدم وقوفكم بالدليل يكون من باب عهدكم و قصور أيديكم عما وصل إلينا، و لا يمكن لنا أن نقدم ما عندنا من

الروايات إليكم مع ذلك الفصل الطويل بيننا و بينكم.

و لعل السر في ما أفاد المحقق رحمه اللّه هو انّه يرى كون ذلك التفصيل مخالفا للاعتبار و لما يرى من دلالة بعض الروايات من التلازم بين الافطار و القصر المستفاد منها بأنه كلما قصر افطر و كلما افطر قصر «1»، و لا مجال لذلك بعد ما قلنا من النكتة الدقيقة، فافهم.

أمّا الكلام في المقام الثاني فنقول:

إن ظاهر كلام جمع من الاصحاب منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع، هو أن السفر للصيد لهوا معصية، و وجه وجوب الإتمام في هذا السفر هو هذا أعني: كون السفر معصية، و ظاهر جمع من القدماء و المتأخرين هو عدم كون وجوب الإتمام في السفر من باب المعصية، فإن الشّيخ رحمه اللّه ذكر في الخلاف هنا مسائل متعددة، و ذكر في الاولى سفر المعصية، و نقل اجماع الامامية على عدم وجوب التقصير في هذا السفر، و نقل الخلاف فيه عن العامة، و ذكر في المسألة الثانية سفر الصيد لهوا فجعل وجوب الإتمام في هذا السفر من متفردات الامامية و معقد اجماعهم، و نقل في المسألتين الآخرتين الصيد للتجارة و لطلب القوت، و هكذا جمع كثير، بل نقل عن المحقق «2» المقدس البغدادي رحمه اللّه انّه انكر حرمته اشد الانكار، و جعله كالتنزه بالمناظر البهيجة، و المراكب الحسنة، و مجامع الانس و نظائرها ممّا قضت السيرة القطعية بإباحتها و إن

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- جواهر، ج 14، ص 263.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 130

حرم الصيد للهو و التنزه لحرم جميع اقسام التنزهات.

[الظاهر أنّ الحق مع المحقق فى انكاره]

و الظاهر أن الحق مع هذا المحقق في انكاره و أن اصر

على خلافه في الجواهر، لدلالة الآيات الشريفة الكثيرة الصريحة في حلية الصيد مطلقا، و أمّا الروايات الواردة في سفر الصيد، فليس فيها ما يدلّ على حرمة سفر الصيد، بل يستفاد من رواية عمار بن مروان من جعل سفر الصيد في قبال السفر في معصيته اللّه و عطفه به، كون سفر الصيد موضوعا لوجوب الإتمام لا من باب كونه حراما و في معصية اللّه.

نعم، ربما يستشعر من خبر حماد المتقدم حرمة سفر الصيد و كونه معصية، لأنّ قوله عليه السّلام في هذه الرواية «الباغي الصيد و العادى السارق و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصّلاة» «1» فإنه يستفاد، و يستشعر من التشديد و التضييق على المسافر في سفر الصيد، أن هذا الفعل حرام عليه، و لكن إن تمسك بهذه الرواية، و قيل بأنها تدلّ على حرمة الصيد، فلازمه حرمة مطلق الصيد و لا اختصاص بما يكون الصيد لهوا، لأنّ التشديد و التضييق على مطلق سفر الصيد، و لا يمكن الالتزام بذلك اعني: بحرمة الصيد مطلقا، فلا يمكن رفع اليد عن الآيات الدالة على الاباحه و تخصيصها بهذه الأخبار.

[المستفاد من الرواية هو خصوص صيد اللهو]

نعم يمكن أن يقال: إن المستفاد من الرواية هو خصوص صيد اللهو بأن يقال:

بأن الظاهر من رواية حماد هو أن المسافر بسفر الصيد الّذي لا يحل له اكل الميتة عند الاضطرار، هو من سافر للصيد و كان غاية سفر هو الصيد بنفسه، من دون أن يقصد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 131

بذلك تحصيل القوت أو التجارة، بل كان

غاية سفره نفس الصيد من حيث انّه فعل لهوي يتنزه به، و هذا هو صيد اللهو، و لذا قد لا يكون طالب الصيد مبطرا و لاهيا بصدد قبض ما صاده و جمعه لأنّ يستفاد من الصيد لقوته أو التجارة، بل ربما يذره حتى تاكله السباع.

مسئلة: اعلم أن ما رواه في التهذيب، و هو ما رواه صفوان عن عبد اللّه قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتصيد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، و إن كان تجاوز الوقت فليقصر» «1» و الوقت كما يطلق و يراد منه الزمان، كذلك يطلق و يراد منه المكان كما ترى من اطلاق مواقيت الحج، فإن المراد من الوقت فيه هو المكان، و لعل المراد بالوقت حد الترخص إن ثبت له اطلاق على وجوب التقصير بعد المضى عن حد الترخص، فيتعارض مع الأخبار الدالة على وجوب الإتمام على المتصيد في سفره، و لا يمكن رفع اليد لاجلها عن هذا الأخبار.

و روى أيضا رواية، عن بعض أهل العسكر (قال: خرج عن أبي الحسن عليه السّلام أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فاذا عدل عن الجادة اتم، فاذا رجع إليها قصر). «2»

و من المحتمل ان يكون المراد من الرواية هو مورد لم يكن من أول شروعه في سفره قاصدا للصيد، و يحتمل وجوها أخر، و على كل حال لا دلالة لها على حرمة سفر الصيد، بل لا ظهور لها في الحرمة في ما كان الصيد لهوا، غاية الأمر تدلّ على وجوب الإتمام في سفر الصيد، و بضميمة ما أمضينا من الكلام نقول: بوجوب الإتمام

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 6

من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 132

إذا كان لهوا.

و روى هو و الصدوق في الفقيه باسنادهما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيّام و إذا جاوز الثلاثة لزمه». «1»

و الظاهر أن المراد من الثلاثة المرحلة و البريد فتوافق الرواية مع مذهب بعض العامة الّذي يقول بالقصر في ثلاثة، فتحمل على التقية من هذه الجهة اعني: من حيث جعل أقل المسافة ثلاثة برد، و عدم وجوب القصر قبل ذلك، و من جهة دلالتها على وجوب القصر بعد الثلاثة أيضا موافقة مع مذهب جماعة من العامة كما مضى نقله عن الخلاف.

الشرط الخامس: [لا يجوز التقصير حتى يتوارى عنه جدران البلد]

اشارة

كما قيل، انّه لا يجوز التقصير حتى يتوارى عنه جدران البلد الّذي يخرج منه، أو يخفى عليه الاذان، و يعبّر عنه بحد الترخص.

اعلم أن الروايات التي نقلها صاحب الوسائل رحمه اللّه في باب 6 من أبواب الصّلاة المسافر و إن كانت عشرة إلّا أن بعضها غير مربوط بالمقام مثل رواية 6 من هذا الباب مسلّما.

و عمدة ما في الباب هي رواية محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يريد السفر فيخرج، متى يقصر؟ قال إذا توارى من البيوت» «2» و هذه الرواية رواية صحيحة.

و رواية 3، و هي رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه قال: سألته عن

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 133

التقصير قال: «إذا كنت في الموضع الّذي تسمع فيه الأذان فاتم، و إذا كنت في الموضع الذي لا

تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك». «1»

فنقول: أمّا الرواية الاولى فتدل على أن السائل بعد فرض معلومية السفر الذي يجب فيها القصر، و ما لا يجب فيه القصر عنده، سئل من أبي عبد اللّه عليه السّلام بأنّه في أى زمان من الازمنة في السفر المشروع فيه القصر، يجب على المسافر القصر، فقال:

متى يقصر فاجاب عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» و الظاهر من كلامه وجوب القصر إذا توارى المسافر من البيوت يعني: إذا ذهب المسافر بحدّ يتوارى من البيوت، فيجب عليه القصر في هذا الزمان.

و المراد من الاسناد بالبيوت بقوله: حتى يتوارى من البيوت، إمّا أن يكون الاسناد الى نفس البيوت باعتبار كون أهل للبيوت، و يناسب باعتبارهم اسناد التواري من البيوت، و إمّا أن يكون المراد من التواري من البيوت هو التواري عن أهل البيوت، فيكون الاسناد على هذا الى أهل البيوت حقيقة بخلاف الأول، فإن الاسناد الى نفس البيوت حقيقة لا الى اهلها، غاية الأمر اسند الى البيوت باعتبار كون أهل للبيوت و ذوي ابصار فيها، و يمكن لهم أن ينظروا الى المسافر في مقدار من سيره و يتوارى المسافر عنهم في مقدار آخر من السير، و لهذا يقال في هذا الحال يتوارى المسافر عن البيوت، فعلى كل حال يكون المراد بحسب الظاهر من الرواية هو أن الميزان تواري المسافر عن البيوت، و هل يكون تواري المسافر من البيوت ملازما مع تواري البيوت عن المسافر بمعنى: انّه كلما يتوارى المسافر من بيوت قريته أو بلده أو كوخه كذلك يتوارى البلد أو القرية أو الكوخ أيضا عن المسافر،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 134

بحيث يكون بينهما التلازم أو ليس كذلك؟

[التوارى يختلف بحسب صغر الجسم و كبره]

اعلم أن التوارى بعد كونه في مثل المقام بحسب التباعد عن النظر، فمن الواضح أن التواري يختلف بحسب كبر الجسم و صغره، فربما يتوارى جسم عن الشخص و عن البصر لصغر حجمه و الحال انّه لم يتوار جسم آخر عنه لكبر حجمه، فعلى هذا من الواضح أن البيوت في الحجم و عظم الهيكل اعظم من الانسان، فربما يحصل التباعد بمقدار يوجب هذا المقدار تواري الانسان عن النظر، و الحال أن البيوت لم تتوار من النظر لكبر حجم البيوت و جسمها، فعلى هذا ربما يتوارى المسافر لصغر جسمه عن البيوت في حال مع عدم تواري البيت لكبر جسمها، فلا تلازم بين توارى المسافر من البيوت مع تواري البيوت من المسافر.

فبناء على هذا نقول: بأن المستفاد من ظاهر هذه الرواية وجوب القصر إذا توارى المسافر عن البيوت سواء توارت البيوت عن المسافر أم لا، فيقع الإشكال فيما هو ظاهر كلمات المشهور من جعل شرط القصر هو تواري الجد ران عن المسافر، و أن هذه الفتوى كيف تنطبق مع ما يظهر من الرواية، فإن الظاهر من الرواية هو تواري المسافر من البيوت، و الحال أنهم اعتبروا تواري الجدران عن المسافر.

فإن كان نظرهم الى ذلك من باب التلازم بين تواري المسافر من البيوت و بين تواري الجدران عنه، فكما قلنا لا تلازم بينهما.

و إن كان نظر هم الى أن الشرط و إن كان تواري المسافر من البيوت؛ و لكن حيث لا طريق للمسافر بحصول الشرط إلا بتواري البيوت منه، لأنه غير ممكن بين الطريق من الاستعلام عن بلده، أو قريته بأنّه هل توارى من البيوت أم لا،

تبيان الصلاة،

ج 2، ص: 135

فلا طريق له الى كشف ذلك إلّا بهذا الطريق أعني: بتواري البيوت عنه.

فهذا أيضا مشكل لأنه بصرف ذلك لا يمكن رفع اليد مما جعل في الرواية شرطا، و الالتزام بكون أمر آخر طريقا إليه بدون دليل عليه.

و إن كان منشأ إفتائهم هو وقوفهم على نص غير هذه الرواية الدالة على وجوب القصر إذا توارت الجدران عن المسافر، و لم يصل إلينا هذا النص، فيستكشف من فتواهم وجود نص في المسألة، فهذا أيضا مشكل.

و لكن ما يمكن أن يقال- مع ذلك في توجيه ما جعلوه شرطا على خلاف مقتضى ظاهر الرواية بحيث لا يباين فتواهم مع هذا الظاهر- هو انّه بعد كون المتعارف من البيوت في زمان صدور الرواية هو غير البيوت المتعارفة في زماننا من الابنيه المرتفعة و القصور المتعالية، بل المتعارف كان إمّا الكوخ، أو الخيمة، أو البيوت التي كانت جدرانها منخفضة لا متعالية، فكانت نظير الكوخ، فعلى هذا لا يكون بين امثال هذه البيوت و بين قامة الشخص تفاوتا كثيرا من حيث الحجم و عظم الجسم، فيكون تواري الشخص من البيت متقارب مع تواري البيوت من الشخص، فاذا توارى الشخص من البيوت يتوارى البيوت أيضا من الشخص تقريبا، بحيث لا يقع بين توارى الشخص عن البيوت و بين توارى البيوت من الشخص زمانا كثيرا، بل يكون توارى الثاني قريبا من توارى الأوّل.

فإذا كان الأمر كذلك نقول: بأن نظر المشهور- من جعل شرط القصر تواري الجدران عن المسافر- يمكن أن يكون من باب ذلك، فإنهم بعد ما يرون تواري البيوت من المسافر يحصل قريبا من تواري المسافر عن البيت، و من المفروض لا طريق للمسافر الى فهم تواريه من البيوت، فجعل

تواري البيوت منه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 136

طريقا الى فهم تواري المسافر من البيوت، فجعلوا الشرط تواري البيوت من المسافر، لأنه بذلك يتحقّق تواريه من البيوت حتما، فكما أن بعض الانجم الطالعة في الليل جعلت عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم علامة لانتصاف الليل، و لذا قلنا بأنّه في هذا الحال يجوز الاتيان بصلوة الليل لدخول النصف الثاني من الليل، و لكن لا يجوز تأخير الصّلاة العشاء الى هذا الوقت، لأنه في هذا الحال مضى نصف الأوّل من الليل، كذلك تواري الجدران من المسافر دليل على سبق تواريه من البيوت، فبهذا النحو يمكن توجيه كلامهم بحيث لا يكون منافيا مع ظاهر رواية محمد بن مسلم المتقدّمة.

[المراد من التوارى هو حصول مقدار من المسافة المحدد بهذا الحد]

اشارة

فإن قلت: إن كانت الأمر كذلك اعنى: ما هو الطريق الى هذا المقدار من البعد إن كان هو تواري البيوت من المسافر، فلم لا يكون ذلك بنفسه حدا لوجوب القصر، و لم يجعل المعصوم عليه السّلام تواري البيت من المسافر علامة و قال: «إذا توارى من البيوت».

نقول: بأنّه يمكن أن يقال: بأن الفقهاء رضوان اللّه عليهم ربما فهموا من قوله عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» أن المراد هو تواري البيوت من المسافر، فعلى كل حال يمكن توجيه كلامهم بهذا النحو، فافهم.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه يظهر من جعل تواري المسافر عن البيوت كما في الرواية، أو تواري البيوت من المسافر كما يظهر من كلام المشهور، أنّ الشرط في وجوب القصر هو حصول مقدار من البعد المحدّد بهذا الحد المذكور في الرواية، لأنّ الظاهر من الرواية من جعل التواري شرطا لوجوب القصر هو جعله شرطا باعتبار التباعد الحاصل في هذا المقدار من المسافة بين المسافر و البيوت، فلا يعتبر

الا فرض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 137

حصول التواري لا تحققه فعلا، فعلى هذا لا بدّ في حصول هذا الشرط و تحققه فرض حصول التواري بحيث لو نظر المسافر لا يرى البيوت، أو لو نظر من البيوت لا يرى المسافر.

فلو كان مانع بين البيوت و بين المسافر بحيث لا يرى فعلا بالنظر، مثل كون الاشجار بين البيت و بين المسافر تمنع عن المشاهدة، فلا جل هذا المانع حصل التواري، و لكن لو لم تكن هذه الاشجار لا تتوارى البيوت منه، فلا يكفي هذا النحو من التواري في تحقق الشرط، لعدم حصول مقدار التباعد المعتبر في وجوب القصر على المسافر.

و كذلك لو كان الجدار فاصلا بين المسافر و البيوت، و لكن لو رفع هذا الجدار ليرى البيوت فأيضا لا يكفي هذا النحو من التواري في حصول الشرط.

فرع: هل الميزان في البيوت الّتي يعتبر التوارى عنها، أو تواري البيوت عن المسافر هو كل بيت و إن كان في الارتفاع بقدر البيوت المرتفعة المتعارفة في عصرنا في بعض البلاد، أو الميزان خصوص البيوت الّتي كانت متعارفة في الصدر الأوّل مثل الكوخ، أو الميزان هو المتعارف من البيوت، فلا اختصاص بالبيوت المنخفضة تكون كالكوخ، و لا الميزان هو البيوت المرتفعة المتعالية المتداولة في هذا العصر.

فرع: بعد كون العبرة بتواري البيوت، فهل يعتبر في حصول الشرط تواري البيوت و إن كانت البيوت البيوت الواقعة في البلاد الموسّعة مثل طهران، فيعتبر التوارى من تمام بيوت البلد في مثل طهران، أو يكفي تواريه من محلته، أو يكفى تواريه من بيت نفسه.

الحق هو الرجوع في ذلك الى المتعارف بمعنى انّه يقال في القرى و الكوخ:

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 138

يعتبر التواري عن القرية

و الكوخ بحيث يتواري عن الشخص الكوخ و تمام القرية، و كذلك في البلاد المتعارفة، لأنه لا يصدق التواري في مثل تلك البلد بمجرد الخروج عن بيته او بيوت محلته، أمّا في البلاد المتسعة مثل لندن فلا بدّ من الالتزام بكفاية التواري عن المحلة كما يساعد العرف مع ذلك.

[الحقّ التواري عن نفس البيوت لا عن منارها]

فرع: هل الميزان في التوارى هو التواري عن نفس البيوت، أو لا بدّ من التوارى بحيث لا يرى قباب البلد، و مناراته، و سوره إن كان لها قباب، و منارة، و سور.

الحق هو الأوّل لأنّ الميزان على ما هو ظاهر الرواية هو التواري عن البيوت لا أمر آخر كالقباب و المنارات و السور، فاذا فرض أن المسافر بلغ بحد لو فرض ينظر الى مسكنه لا يرى بيوت مسكنه، فقد حصل شرط القصر و إن كانت قباب مسكنه و منارته و سوره مرئيا بعد.

هذا تمام الكلام في الرواية الاولى.

أمّا الكلام في الرواية الثانية اعني: رواية عبد اللّه بن سنان فهي رواية صحيحة تدلّ على وجوب القصر إذا لم يسمع الأذان، و وجوب الإتمام إذا سمع الا ذان إذا خرج للسفر، و كذلك إذا قدم من سفره يجب عليه القصر إذا لم يسمع الأذان، و الإتمام إذا سمع الاذان.

و المراد من جعل سماع الاذان و عدمه حدا لوجوب الإتمام و عدم سماع الاذان حدا للقصر هو كون ذلك كناية عن مقدار من البعد، فيجب في مقدار خاص من البعد من الوطن الإتمام و هو مقدار يسمع الاذان معه، و في مقدار يجب القصر و هو مقدار لا يسمع معه الاذان.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 139

و بعد كون ذلك كناية عن مقدار من البعد، فلا دخالة في حصول هذا

الشرط تحقق خصوص خفاء الاذان، بل يكفي في وجوب القصر عدم سماع المناجات أيضا، أو غيرها من الاصوات البالغ صوتها بصوت الأذان، و تكون معرفا كالاذان لهذا الحد، و لا يلزم تحقق سماع الاذان فعلا بمعنى انّه إذا سمع الاذان فعلا يجب الإتمام و إذا لم يسمع فعلا فيجب القصر، بل بعد كون ذلك كناية عن مقدار خاص من البعد، فيكفي التباعد بمقدار لو فرض أن المؤذن يؤذن في بلده لا يسمع صوته، و إلّا فإن قلنا باعتبار فعلية هذا الشرط، فلا بدّ أولا من الالتزام باختصاص هذا الحكم بما إذا كان المسافر في السفر، و كان موقع الاذان، لأنّ في غير هذا الوقت لا اذان حتى كان سماعه موضوع حكم و عدمه موضوع حكم آخر.

و ثانيا يلزم أن يكون هذا الحكم لخصوص غير الاصم لأنّ الاصم، لا يتمكن من الاخذ بذلك لعدم القوة السامعة له حتى إذا سمع الأذان يتم في السفر، و إذا لم يسمع يقصر في السفر، فكلا المحظورين يكونان مانعين من الاخذ بأن المعتبر فعلية سماع الاذان و عدمه، و شاهدان على أن الميزان هو مقدار من البعد الّذي لو فرض أن مؤذنا يؤذن في البلد لا يسمع في هذا الحد بحسب المتعارف، فلا عبرة بعد سماع الاصم لأنه لا يسمع الاذان حتى في البلد أيضا، و لا بمن تكون قوة سمعه شديدة بحيث يكون خارجا عن المتعارف مثل من يسمع الصوت مع بعد فراسخ كما نقل عن الشّيخ الرئيس.

و لا يلزم فعلية السماع كما قلنا، بل يكفي التقدير و الفرض بحيث يكون البعد بمقدار لو كان أذان في البلد و بنى على السماع، و لا مانع له من السماع يسمع

الاذان.

[الميزان فى السماع المتعارف من الاصوات]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أن الاذان الّذي جعل سماعه موجبا لوجوب الإتمام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 140

و عدم سماعه موجبا لوجوب القصر، هو سماع كل اذان و عدم سماعه و إن كان يؤذن المؤذّن في البيت بحيث لا يتجاوز صوته كثيرا، أو الميزان هو أذان المؤذن في المنارة، أو على سطوح البيوت؟

و هل الميزان أذان البلد مطلقا و إن كان البلد من البلاد المتسعة، أو الميزان بالبلاد الصغيرة أو القرى نظير البيوت المتداولة للاعراب من الكوخ و الخيم؟ أو الميزان في ذلك هو المتعارف؟

و هل الميزان بسماع أذان المصر من جانب مخالف من جانب سفر المسافر، مثلا يكون مشي المسافر في سفره في الجهة الشرقية من البلد، و يؤذن المؤذن في جانبه الغربي؟ أو الميزان على الاذان الاقرب من الناحية الّتي سافر المسافر، مثلا إذا سافر المسافر و كان مسيره من الجهة الغربية من البلد يعتبر في سماع الاذان و عدمه الاذان الواقع في هذه الناحية من البلد؟ أو يكفي من كل جانب و ناحية من مصر؟

و هل الميزان في سماع الاذان و عدمه هو الوقت الّذي يكون الهواء لطيفا بحيث يصل الصوت بنحو جيد؟ أو لا فرق بين ذلك و بين كون الهواء غير مساعد، أو يكون الميزان في ذلك أيضا هو المتعارف؟

و بعد ذلك كله يقع الكلام في انّه هل يكون بين العلامتين اختلاف أم لا؟

قد يقال بكون العلامتين مختلفتين، لأنه ربما لم يتحقّق احدهما و يتحقّق الآخر مثلا لا يسمع الشخص المسافر صوت الاذان و الحال انّه لم يتوار منه جدران البيوت أو بالعكس، فلازم ذلك وقوع التعارض بين الروايتين، لأنّ لازم رواية محمد بن مسلم هو وجوب

القصر بمجرد تواري البيوت سواء يسمع الاذان أو لا، و لازم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 141

رواية عبد اللّه بن سنان هو وجوب القصر إذا لم يسمع الاذان سواء توارت البيوت أم لا، فما يقال في المقام.

[في ذكر الاقوال في المسألة]

اشارة

اعلم إن هنا اقوالا: فبعضهم قال: بأنّه وقع التعارض بين الروايتين لا بدّ من الاخذ بارجحها، و قال بعض في مقام الترجيح: بأن الترجيح مع رواية محمد بن مسلم لكونها مذكورة في الكتب الثلاثة «أعني: الكافي و التهذيب و الاستبصار» فيؤخذ بها و تترك الأخرى، و قال بعض آخر في مقام الترجيح: بأن الترجيح مع رواية عبد اللّه بن سنان لكونها معتضدة برواية المحاسن و فقه الرضا عليه السّلام.

و قال بعض في مقام التعارض بالتخيير، و يظهر من بعضهم أن مرادهم من التخيير، هو التخيير الواقعي، مثل تخيير المكلف في مقام الكفارة لافطار الصوم بين الخصال الثلاثة، و يظهر من بعضهم بكون التخيير هو التخيير الظاهري الّذي مورده في التعارض بين الخبرين.

و قال بعض: بأنّه مع امكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة بما ذكر من الترجيح أو التخيير، و مختارهم في مقام الجمع الدلالي أيضا مختلف، فبعضهم قال: بأن الحد هو «مجموع منهما، بمعنى انّه إذا تحققت كلتا العلامتين معا يجب القصر و إلّا فلا، و بعضهم قال: بأن الحد أحدهما، بمعنى انّه متى تحقق احدهما يجب القصر «و غير ذلك ممّا قالوا في الاصول في البحث المعروف إذا تعدد الشرط».

[قال المحقق البهبهانى رحمه اللّه عدم التنافى بين الروايتين لما قلنا]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه قد يقال بعدم التعارض بين العلامتين أصلا، لأنّ التعارض فرع التنافي و لم يعلم بوقوع التنافي في المقام بين العلامتين خارجا، لأنّ التنافي يتوقف على كون البعد في أحد العلامتين أزيد من البعد المتحقق في ضمن حصول العلّامة الاخرى، و هذا غير معلوم كما نسب الى الوحيد البهبهانى عليه السّلام عدم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 142

التنافي بين الروايتين لاجل ما قلنا من عدم الاختلاف بينهما خارجا.

و إن أبيت

عن ذلك فلا بدّ من صرف عنان الكلام الى ما قيل في مقام التنافي بين الروايتين.

فنقول: أمّا الترجيح فلا وجه له، لعدم مرجح في إحدى الروايتين حتى يؤخذ بها و تطرح الاخرى، لأنّهما كليهما مخالفتان للعامة، لأنّ فتواهم على خلافهما، و كذلك ليست احدى الروايتين مخالفة مع الكتاب حتى يؤخذ بالموافق منهما للكتاب فلا وجه لترجيح إحداهما على الاخرى.

أمّا القول بالتخيير الواقعى فمورده هو ما إذا ورد امران بشيئين فيجمع بينهما بالتخيير، و يكون التخيير بينهما من باب التخيير الواقعي، مثل التخيير بين الخصال الثلاثة في كفارة افطار الصوم، و في المقام لا مجال للتخيير الواقعي لما يأتي من عدم وجه صحيح للالتزام بالتخيير الواقعي.

و أمّا التخيير الظاهري الّذي يقال في التعارض بين الخبرين، فلا مجال له أيضا لأنّ ذلك فرع التنافي و فرع عدم امكان الجمع الدلالي.

و أمّا الجمع الدلالي.

فإن قيل: بأنّه يقيّد منطوق كل منهما بالآخر، فيكون الاعتبار بحصول كل منهما معا، بمعنى انّه إذا تحقق تواري البيوت و خفاء الاذان معا يجب القصر، و إلا فلا.

فنقول: إنه بعد فرض التنافي بين الروايتين، بمعنى تحقق أحد العلامتين تارة مع عدم تحقق الاخرى، و خصوصا مع دعوى تسلم أن خفاء الاذان يحصل قبل تواري المسافر من البيوت، فلازمه طرح أحد الروايتين، لأنّ تواري البيوت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 143

يتحقق بعد خفاء الاذان فمتى لم يحصل التواري لا عبرة به، فعلى هذا يكون جعل خفاء الاذان علامة لغوا.

[جعل حد الترخص بخفاء الاذان و توارى البيوت من متفردات الامامية]

و الحاصل إنا نقول في هذا الباب ملخصا: بأن جعل حد الترخص خفاء الاذان و تواري البيوت على الكلام في كيفية جعلهما حدّا، يكون من جملة متفردات الامامية رضوان اللّه عليهم، و لم ينقل من غير

الاماميه من أحد علماء المسلمين جعل حد الترخص خفاء الاذان أو تواري البيوت.

بل المنقول عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك و احمد أئمتهم الاربعة، هو وجوب القصر على المسافر بمجرد خروجه من بيوت وطنه، و نقل عن قتادة وجوب القصر على المسافر بخروجه عن خندق وطنه أو جسره، و قوله ينطبق تقريبا مع قولهم.

و نقل عن بعض منهم انهم اوجبوا القصر على المسافر بمجرد خروجه من منزله، و هذا القول مطابق مع ما نقل عن ابن بابويه رحمه اللّه من الاماميه، و نقل عن حارثة بن أبي عميرة و هو الحاكم بالكوفة بأنّه اراد السفر فقصّر بمجرد ارادته السفر في منزله، و أمّ على جماعة منهم أسود بن يزيد و هو من فقهائهم، و على كل حال ترى انهم، مع اختلاف فتوى بعضهم مع بعض، مخالفون كلية مع ما هو حد الترخص عند الامامية.

و بعد ما عرفت ذلك لا إشكال في أن ما ذهب إليه الامامية ليس إلّا من باب ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لا إشكال أيضا في أن جعل حد الترخص خفاء الاذان أو تواري الجدران ليس باعتبار فعليتهما، بمعنى وجوب القصر على المسافر إذا خفى عليه الأذان أو توارى عنه الجدران فعلا، بحيث انّه لو لم يكن وقت الاذان،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 144

أو يكون المسافر أعمى و لم ير البيوت، أو كان سحاب في الهواء، لا يكونان حدّا، بل المراد هو انّه على تقدير أن المسافر يريد أن يسمع و لا مانع من السماع يسمع صوت الاذان، أو توارى عنه البيوت.

[لا اشكال فى كونها حدين من باب اعتبار بعد المنزل]

و لا إشكال أيضا في أن المراد من جعلهما حدّا، على ما يستفاد من الروايتين،

ليس إلّا من باب اعتبار بعد المنزل و المسكن، و حدّ الشارع هذا البعد بهذين الحدّين من باب أن المسافر إذا وصل الى هذا المقدار من البعد، فهو خارج عن وطنه، و لا يعدّ ضربه في الأرض بأنّه ضرب في وطنه و مسكنه، بل ضربه يكون ضربا في الأرض للسفر فيجب عليه القصر.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن قلنا بما يكون في الجواهر، و يستفاد من مصباح اللغة، من كون تواري البيوت يحصل بعد خفاء الاذان، بل يحصل خفاء الاذان في نصف فرسخ تقريبا، و يتحقّق تواري البيوت على رأس فرسخ و نصفه تقريبا بحيث يكون الفرق بينهما بفرسخ، فيكون دائما تحقق تواري البيوت بعد فرسخ عن خفاء الاذان.

فما يظهر من كلام بعض بأن مقتضى الجمع بين الروايتين هو كون مجموعهما دخيلا في اثبات وجوب القصر، بحيث إنه كلما حصل كل من العلامتين يجب القصر، و إلّا فلا أو ما يستفاد من كلام بعض أخر من كفاية تحقق احدهما في وجوب القصر، فلا يمكن الالتزام بهما.

أمّا ما قيل من كون مقتضى الجمع بين الروايتين، هو كون مجموع العلامتين شرطا في وجوب القصر.

ففيه انّه بعد فرض حصول تواري البيوت بعد خفاء الاذان دائما، فما لم تتوار

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 145

لا يجب القصر لما قلت من كون الميزان تحقق كل من العلامتين، فلازم ذلك هو كون جعل خفاء الاذان علامة لغوا، لأنه لا اثر لجعله علامة على هذا، لأنه ما لم تتوار البيوت لا اثر لخفاء الاذان، و إذا توارت فقد خفي الاذان قطعا، فلا حاجة و لا فائدة في جعل خفاء الاذان علامة و هذا واضح.

و أمّا كون الدخيل في وجوب القصر هو تحقق

احدهما و إن لم يتحقّق الآخر.

ففيه انّه مع فرض كون تحقق تواري البيوت بعد تحقق خفاء الاذان بفرسخ تقريبا، فيكون دائما تواري البيوت بعد خفاء الاذان، فاذا كان الكافي في وجوب القصر تحقق احدهما، فدائما ما به يجب القصر هو خفاء الاذان، لأنه بمجرد تحققه يجب القصر، فلازم ذلك كون جعل علامة اخرى اعنى: تواري البيوت لغوا و بلا اثر، فبهذين النحوين لا يمكن الجمع بين الروايتين، لأنّ لازم الجمعين عدم الاخذ بإحدى الروايتين دائما، إمّا الرواية الدالة على خفاء الأذان إن قيل بكون شرط القصر مجموع العلامتين و إمّا الرواية الدالة على تواري الجدران، لأنّه لو كان شرط القصر حصول احد العلامتين فقط و الفرض خفاء الأذان قبله فيصير جعل توارى الجدران علامة لغوا، فعلى هذا لا يمكن الاخذ باحد هذين الجمعين.

و لا بالتخيير الظاهري لما قدّمنا من كون مورد التخيير الظاهري، هو مورد تعارض الخبرين، فلا بدّ من أن يكون التنافي بين الخبرين و التعارض موجودا و الكلام الآن في ذلك.

و أمّا التخيير الواقعي فمعنى التخيير الواقعى هو كون المسافر مخيرا بين أن يأخذ بخفاء الاذان و يقصر بمجرد خفاء الاذان، و بين أن يقصر بمجرد توارى البيوت، و لكن لو فرض كون تواري البيوت متحققا بعد خفاء الاذان دائما، فلازم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 146

التخيير هو جواز القصر إذا خفي الاذان، و وجوب القصر إذا توارت البيوت.

و لا يمكن الالتزام بذلك، أمّا أولا فلبعد هذا الجمع بنفسه، و أما ثانيا فلأجل محذور يكون في المقام، لأنه بعد كون القصر عزيمة على المسافر فيجب القصر على المسافر، و هاتان الروايتان متعرضتان لزمان يجب القصر على المسافر، لأنّ نظر السائل و المجيب هو

بيان الحد الّذي يجب القصر على المسافر في هذا الحد بعد مفروغية وجوب القصر و أن قصر الواجب واجب في هذا الحد، فعلى هذا متى يكون القصر يكون بنحو الوجوب لا الجواز، فلا معنى لحمل القصر الّذي أمر به في الرواية الدالة على خفاء الاذان على الجواز فلا يمكن الالتزام بالتخيير الواقعي.

[الروايتين مورد اعتناء المشهور يعنى رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان]

إذا عرفت ذلك كله نقول: إن ما نرى في كلمات الاصحاب رضوان اللّه عليهم هو كون الروايتين اعني: رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان، مورد اعتنائهم و عملهم و أنهم لم يعرضوا عن أحد منهما، بل اخذوا بهما و إن كان الاختلاف عندهم في نحو دلالتهما و ما يستفاد منهما، فبعضهم قال باعتبار حصول مجموع العلامتين، و بعضهم باعتبار تحقق احدهما، فلا يمكن أن يقال باعراض الاصحاب من احدهما.

[لم يكن بين الروايتين تعارض حتى يحتاج الى الجمع بينهما]

و بعد ذلك نقول: بأنّه لا يبعد أن يكون ما جعل علامة في رواية محمد بن مسلم مساوقا مع ما جعل علامة في رواية عبد اللّه بن سنان، و بعبارة اخرى يكون تحقق خفاء الاذان مساوقا مع تحقق تواري البيوت، و لم يكن على هذا خلاف و تعارض بين الروايتين.

فنقول في بيان مساوقية أحد الحدّين مع الآخر: بأنّه من توجه الى نحو الأبنية السابقة و بيوتهم في زمان صدور الرواية الدالة على جعل تواري البيوت حد الترخص، يرى أن الأبنية السابقة ليس وضعها مثل أبنية العصر الحاضر من ارتفاع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 147

الأبنية و العمارات المشتملة على طبقات كثيرة كل طبقة فوق الاخرى، بل كانت ابنيتهم و بيوتهم نظير الكوخ المتعارف الآن في بعض اقطار العرب، غاية الأمر كانت أبنيتهم العالية ذات طبقة واحدة، و من الواضح أن أبنية الرفيعة يرى في موضع لارتفاعها و لا يرى الابنية السافلة لعدم ارتفاعها.

فإن ترى أن هذه الابنية ترى من مكان بعيد مثلا على رأس فرسخين أو فرسخ و نصف، لا تتوهم بأن الابنية المتعارفة في زمن صدور الرواية تكون كذلك أيضا، لما قلنا من تفاوتهم في الارتفاع، فاذا حوسب الأبنية السالفة يرى أن

تواري البيوت يكون تقريبا مساوقا مع خفاء الأذان.

مضافا الى ما أشرنا في طي كلامنا في المقام بأن ما ورد في رواية محمد بن مسلم هو تواري المسافر عن البيوت، لا تواري البيوت عن المسافر، فاذا كان المراد من رواية محمد بن مسلم هو تواري المسافر عن البيوت كما هو ظاهر قوله عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» و من الواضح بأن تواري المسافر و هو جسم صغير يتحقّق قبل تواري البيوت من المسافر لعظم جسمه و ارتفاعه، و الحال انّه لو فرض أن ينظر من البيوت الى هذا المسافر لا يرى هذا المسافر لصغر جسمه.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا يبعد أن يكون تواري المسافر عن البيوت مساوقا مع خفاء الاذان، لحصول تواري المسافر من البيوت قبل تحقق توارى البيوت من المسافر بكثير، فهذا أيضا شاهد آخر على كون العلامتين مساوقتين في التحقق تقريبا، كما انّه لا يبعد كون تواري البيوت مع خفاء الاذان متقاربين، بل و مساوقتين في التحقق، لا جل كون البيوت المتعارفة في زمان صدور الرواية قليلة الارتفاع كالكوخ، و الخيمة، و غاية الأمر كونها ذو طبقة واحدة، فتواري البيوت الّتي كانت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 148

معمولة في زمان صدور الرواية يتحقّق تقريبا مع خفاء الاذان. «1»

و على فرض دعوى اطلاق للبيوت، و دعوى شموله لكل ما يصدق عليه البيت حتى البيوت المرتفعة في هذا العصر، فأيضا بعد شمول لفظ البيوت لمثل البيوت المنخفضة المتعارفة في الصدر الأول، لأنّ المطلق مطلق عن القيد فيشمل لجميع الأفراد، و من جملة افرادها بعض البيوت المنخفضة المساوقة تواريها تقريبا مع خفاء الاذان مثل الابنية المتعارفة في الصدر الأول، و لا إشكال في شمول المطلق لهذا

الفرد، لأنه الفرد المتعارف في عصر صدور المطلق، و من هنا يكشف انّه لم يرد من تواري البيوت ما ينافي في تحقّقه مع خفاء الاذان، لكون بعض افراده مساوقا في التحقق مع خفاء الاذان.

فعلى هذا البيان لم يكن بين الروايتين تعارض حتى تصل النوبة الى الجمع الدلالي، أو الاخذ بعد عدم امكان الجمع الدلالى بأرجحهما إن كان أرجح في البين، و مع عدم الترجيح يعامل معهما معاملة تعارض الخبرين.

[نقل كلام الشيخ بقول المحقق الهمداني]

ثمّ اعلم أن هنا كلاما للشيخ الانصاري رحمه اللّه على ما نقله الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في مصباح «2» الفقيه، و هذا لفظه «و هذا الجمع حسن لو كان المقام مقام بيان السبب للتقصير، فيحمل على تعدد السبب كما في نظائره، لكن المقام مقام بيان التحديد، و الحمل على تعدد الحد غير مستقيم بين الاقل و الاكثر، و لعله لذا عكس المتأخرون الجمع بين الصحيحتين، فاعتبروا خفاء الأمرين انتهى».

و كان نظره الشريف الإشكال على الجمع الّذي نسب الى المشهور من

______________________________

(1)- و لعل كان نظره الشريف الى أن البيوت منزلة على المتعارف في زمان صدور الرواية.

(2)- مصباح الفقيه صفحة 751- 750

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 149

القدماء من كون حد الترخص أحدهما، فكلما تحقق أحدهما وجب القصر، و وجه الإشكال واضح لأنه على تقدير استفادة العلية من الشرط، و كونه علّة فهو يكون في كل مورد كان سببا و كان المتكلم في مقام بيان ذكر السبب، فيأخذ بالمنطوق و يرفع اليد عن المفهوم جمعا بين السببين، و في المقام ليس الأمر كذلك لأنّ ما هو السبب لوجوب القصر هو السفر و لكن له حدّ، و هو إمّا تواري الجدران، أو خفاء الاذان على ما يستفاد

من الروايتين، و لا معنى لتعدد الحد خصوصا مع كون النسبة بينهما الأقل و الاكثر، و أحدهما قبل الاخر، فلهذا لا مجال للجمع بين الروايتين بأنّه يكتفي بكل منهما حصل أولا، لأنه على تقدير التنافى فيحصل خفاء الاذان دائما قبل الآخر اعني: تواري البيوت، و هذا هو الّذي قلنا من الإشكال في هذا الجمع.

و لكن ما افاد رحمه اللّه في ذيل كلامه من قوله «و لعله لذا عكس المتأخرون الجمع الخ» يعني حكموا باعتبار تحقق كل من العلامتين حتى يفرون من الإشكال.

ففيه انّه يرد على هذا الجمع أيضا الإشكال كما نبهنا عليها سابقا، لأنه مع فرض تحقق أحد العلامتين قبل الآخر دائما، فلا معنى لكون الحد هو مجموعهما، لأنه ما لم يحصل الحد الآخر لا يجب القصر، فيكون جعل الحدّ الّذي يحصل أولا لغوا، لعدم اثر لجعله حدا أصلا.

ثمّ إن أبيت عما قلنا من عدم التنافي بين العلامتين خارجا و كونهما مساوقتين في التحقق، و قلت: بتحقق احدهما بعد الآخر بفصل كثير، فلا مجال أيضا لما قيل في مقام الجمع من التخيير، أو كون الحد هو مجموعهما، أو كون الحد أحدهما، أو غير ذلك.

نعم هنا كلام للحاج آغا رضا الهمدانى عليه السّلام في مصباح الفقيه، و هو انّه يجمع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 150

بين الروايتين بأن يقال: إن خفاء الاذان حدّ حقيقي، و تواري البيوت حدّ كاشف عما هو الحدّ الحقيقي.

بيانه أن رواية عبد اللّه بن سنان نص في وجوب القصر إذا خفي الأذان و عدم وجوب القصر إذا لم يخف الأذان، لكون ذلك منطوق الرواية لا المفهوم، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها تدلّ على كون الحدّ تواري البيوت، و مفهومه يقتضي عدم

وجوب القصر إذا لم تتوار البيوت و بعد كون التعارض بين النص و الظاهر- لأنّ رواية عبد اللّه بن سنان نص في وجوب القصر بخفاء الاذان، و عدم وجوبه بعدم حصول خفاء الاذان، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها ليست نصا في عدم وجوب القصر إذا لم تتوار البيوت، بل ليس الاظهور يستفاد من قوله «إذا توارى من البيوت»- فترفع اليد في مقام الجمع و دفع التعارض عن هذا الظهور لاجل النص، لأنّ النص مقدم على الظاهر، و يأخذ العرف بالنص في مقابل الظاهر، و نقول: معنى قوله (إذا تواري من البيوت) هو أن في هذا الحال يجب القصر، و لكن لا يدل على أن القصر وجب في هذا الحال لا قبله، فالرواية تثبت ثبوت القصر في هذا الحال، و لكن لا تدلّ على أن هذا الحال هو أول حال الّذي وجب القصر فيه، بل ربما يكون تواري البيوت كاشفا عن الحد الحقيقى، و هو خفاء الاذان باعتبار أن كشف سماع الاذان غالبا غير ميسور للمسافر لعدم كون الوقت وقت الاذان، و لكن تواري البيوت يمكن كشفه غالبا للمسافر، فجعل هذا كاشفا عن الحد الحقيقي، فاذا توارت البيوت يستكشف حصول خفاء الاذان أعني: البعد الّذي معه يجب القصر.

[الجمع الّذي ذكره المحقق الهمدانى لا بأس باختياره]

و لا بأس باختيار هذا الجمع، و يكون كلاما حسنا إذا فرض التنافي بين العلامتين في مقام الخارج و التحقق، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 151

مسئلة: قد عرفت ممّا مضى أن القصر يجب على المسافر إذا بلغ حد الترخص و هذا الحكم في ما لو خرج الشخص عن وطنه لأنّ يسافر، و بعبارة اخرى في ذهابه عن وطنه ممّا لا إشكال فيه، لكون هذا هو المتيقن من

الروايتين المتقدمتين.

[هل يعتبر حد الترخص فى الاياب او لا؟]

و هل يعتبر حد الترخص في العود الى وطنه أيضا بمعنى أن وجوب القصر في العود من سفره كان محدودا ببلوغ المسافر الى حد الترخص، فإذا بلغ في الاياب من السفر بحد لا يخفى عليه الاذان، أولا تتوارى منه البيوت لا يجب عليه القصر، بل يجب عليه الإتمام أو لا؟

لا إشكال في اعتبار ذلك في العود أيضا بمعنى وجوب القصر على المسافر متى ما لم يصل الى حد الترخص في إيابه من السفر الى الوطن، لأنه بعد كون الملاك في وجوب الإتمام ما لم يبلغ المسافر حين الخروج من وطنه، هو كونه قبل بلوغه الى هذا الحد في حكم كونه في منزله، لأنّ من يكون في أطراف بلده و توابعه لا يعدّ مسافرا، و خصوصا إن العامة، مع اختلافهم في أن بعضهم قال: بكونه مسافرا بصرف ارادته للسفر، و بعضهم بالخروج من بيته، و بعضهم بالخروج من بنيان بلده، و بعضهم بالخروج من الجسر أو الخندق، و لكن مع ذلك يكون نظرهم الى أن المسافر قبل ذلك المقدار لا يعد مسافرا، فنظر السائلين من السؤال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان إلى أنّ المسافر متى يعدّ مسافرا حتى يجب عليه القصر، و في أىّ حدّ لا يعد مسافرا و ضاربا في الأرض حتى يجب عليه الإتمام، و أنّ الأمر كما يقوله العامة، أو على نحو آخر، فحدد عليه السّلام بما بيّن في الروايتين المتقدمتين الحدّ الّذي يجب على المسافر القصر فيه.

فنقول: بأنّه إذا عاد المسافر من سفره و بلغ بحدّ يسمع الاذان و يرى بيوت بلده و مسكنه، فلا يعدّ مسافرا و ضربه في الأرض ضرب السفر، فعلى هذا كما يعتبر

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 152

حد الترخص في الذهاب يعتبر في الاياب أيضا، و خصوصا مع تصريح رواية عبد اللّه بن سنان بذلك لقوله عليه السّلام «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك».

و رواية محمّد بن مسلم، و إن لم يتعرض إلا للخروج عن الوطن، و الصورة التي يريد المسافر السفر، و ظاهره هو صورة إنشاء السفر و ذهاب المسافر، و لكن يدل على الاياب أيضا لما قلنا من عدم الفرق بحسب الملاك بين الذهاب و الاياب، فافهم.

[لا يعمل بالروايات الثلاثة الدالة على كون الترخص لا يكون فى الإياب]

فالروايات الّتي قد يتخيل أن ظهورها دال على أن المسافر يجب عليه القصر متى لم يدخل بيته، و لازم ذلك وجوب القصر حتى بعد وصول المسافر في العود من سفره الى حد الترخص- مثل رواية «1» اسحاق بن عمار و غيرها- لا يمكن الاخذ بها، و لا يوجب رفع اليد لاجلها عما قلنا من اعتبار حد الترخص في الذهاب و الإياب من السفر.

أمّا أولا فلاحتمال كون المراد من (أن يدخل أهله) في بعضها أو (بيته) في بعضها الآخر هو دخول الشخص الى بلده و حدوده المتقاربة منه، و هذا مساوق مع حد الترخص، لأنّه بدخول الشخص الى هذا الحدّ يقال: بأن الشخص دخل أهله أو منزله أو بيته.

و ثانيا لأنّه بعد كون رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان المستفاد منهما حد الترخص هو مورد اعتناء الفقهاء رضوان اللّه عليهم، بل يكون ذلك من متفرداتهم، و لم نجد بين العامة قولا موافقا له، و كون رواية اسحاق بن عمار و ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 153

يحذو حذوها موافقة لفتاوى عطاء بن رياح من العامة

الّذي أوجب القصر بمجرد خروج المسافر عن بيته، فرواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان مخالفتان للعامة و موافقتان للمشهور، فلهما هذان المرجّحان، و رواية اسحاق بن عمار و امثالها موافقة لمذهب من مذاهب العامة و أعرض عنها الاصحاب، ففي مقام التعارض بينهما لا بدّ من الاخذ برواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان و من طرح ما يعارضهما من رواية اسحاق بن عمار و غيرها.

[في ذكر مسئلة في الباب]

مسئلة: هل يكون حد الترخص مختصا بمن يخرج من وطنه و مسكنه، بمعنى أن من يخرج من وطنه يجب عليه الإتمام قبل بلوغه الى حد الترخص، و يجب عليه القصر بعد بلوغه الى هذا الحد، أولا يختص به، بل يعم هذا الحكم لكل من يريد السفر الّذي يجب فيه القصر و إن لم يكن إنشاء سفره من وطنه، مثل من سافر سفرا يبلغ عشرين فرسخا، و كان مقدار منه- مثلا عشرة فراسخ منه- سفر المعصية، بعد ذلك عدل الى الطاعة، أو كان في عشرة فراسخ منه كثير السفر، ثمّ خرج عن موضوع كثير السفر، أو كان الى عشرة فراسخ منه بلا قصد كالهائم اعنى:

المتحير، بعد ذلك قصد المسافة.

فهل يجب عليه القصر بعد عدوله الى الطاعة، أو خروجه عن عنوان كثير السفر، أو صيرورته مع القصد، بمعنى انّه بعد ما بقي من سفره عشرة فراسخ فصار سفره سفر الطاعة، أو صار خارجا عن موضوع كثير السفر، أو صار مع القصد، فعليه أن يقصر بمجرد ذلك، أو يجب عليه القصر بعد ما يخرج عن حد الترخص من هذا الموضع الّذي عدل الى الطاعة، أو خرج عن عنوان كثير السفر، أو صار قاصدا للمسافة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 154

[الحق اختصاص حد الترخص بالوطن و لا يشمل الامثلة المذكورة]

اعلم أن الحق عدم اعتبار حد الترخص لمثل الأمثله المتقدّمة، فيجب القصر عليهم بمجرد صيرورة السفر سفر الطاعة، أو صار خارجا عن كثير السفر، أو صار قاصدا للمسافة و لو لم يبلغ الى حد الترخص، لأنّ الظاهر من الروايتين المتقدمتين هو من ينشأ السفر، و بعبارة اخرى ظاهرهما هو أن المسافر الّذي يريد أن يسافر و يصير مورد صدق عنوان المسافر عليه، متى يجب عليه القصر، و أمّا من صار مسافرا و كان ضاربا في الأرض، و لم ينشأ السفر فعلا و صار مصداق المسافر قبلا، لكن لم يجب عليه القصر لعدم واجديته لما هو شرط للقصر عند الشارع، فلا تشمله الروايتان، فعلى هذا لا يشترط القصر عليهم ببلوغهم الى حد الترخص، بل يجب عليهم القصر بمجرد واجديتهم لشرط القصر.

مسئلة: هل يعتبر هذا الشرط اعني: حد الترخص في الخروج عن المحل الّذي أقام المسافر فيه عشرة أيّام مع القصد، و كذلك في الدخول الى هذا المحل، كما يعتبر ذلك، على ما مضى، في الخروج عن الوطن و في الدخول الى الوطن، أولا يعتبر ذلك في محل الاقامة؟

و بعبارة اخرى من يقيم في موضع عشرة أيّام مع القصد أو ثلاثين يوما بلا قصد، فهل يجب عليه القصر بعد خروجه عن محل الاقامة إذا بلغ حد الترخص، و كذلك إذا أراد أن يذهب الى موضع و يقيم فيه عشرة أيّام يجب عليه القصر ما قبل حد الترخص في هذا الموضع، فإذا أراد الدخول الى هذا الموضوع و دخل في محل يسمع أذان هذا الموضع، أو لم تتوار عنه بيوت هذا الموضع، فعليه الإتمام في هذا الموضع و لو لم يصل بعد الى نفس هذا الموضع، أو

لا يعتبر ذلك أعنى: حدّ الترخص، لا في الخروج عن محل الاقامة، و لا في الدخول فيه.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 155

أو نقول بالتفصيل بين الخروج و بين الورود، فاعتبر في وجوب القصر هذا الشرط اعني: حد الترخص، في خصوص صورة الخروج عن محل الاقامة في ما إذا اراد السفر الموجب للقصر، و لكن لا يعتبر هذا في الورود الى محل الاقامة، فمن يسافر و اراد بعد طي مسافة ثمانية فراسخ أو ازيد مثلا بأن يقيم في بلد، فكان الواجب عليه القصر متى لم يبلغ الى نفس هذا البلد و إن دخل الى محل الترخص من هذا البلد.

[في ذكر وجوه الثلاثة للاحتمالات الثلاثة]

اشارة

وجه عدم اعتبار حد الترخص في محل الاقامة لا في الخروج و لا في الدخول إليه، هو أن الظاهر من الروايتين هو اعتبار حد الترخص لمن يخرج من وطنه و يعود إليه لا غير الوطن، و لا أقل من انصراف الروايتين الى خصوص الخروج من الوطن الاصلي و العود إليه.

و وجه اعتبار هذا الشرط في محل الاقامة خروجا و دخولا، هو أن المسافر بالاقامة ينقطع سفره، و لذا يصير سفره سفرين: سفرا قبل الاقامة و سفرا بعدها، و الروايتان تدلّان على وجوب القصر بعد البلوغ الى حد الترخص إذا انشأ السفر «و كذلك في الدخول الى محل الاقامة، لأنّ ببلوغه الى محل الترخص من محل الاقامة، فقد دخل محل الاقامة لكون ذلك من توابع المحل، فهو كأنّه بعد بلوغه الى حد الترخص من محل الاقامة، فقد دخل محل الاقامة، أو من باب أن رواية عبد اللّه بن سنان تشمل دخول كل مورد تشمل خروجه، و بعد شمولها لخروجه عن محل الاقامة فتشمل لدخولها».

و وجه التفصيل هو أن

يقال: بأنّه بعد ما قلنا من كون الإقامة مع القصد عشرة أيّام في محل، أو بلا قصد ثلاثين يوما في محل قاطعة لموضوع السفر، و لذا لا يمكن ضمّ

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 156

اللاحق الى السابق، و يصير سفره سفرين أعني: كان سفره الى محل الإقامة سفرا و سفره بعده سفرا آخر، و لهذا ان بلغ هذا السفر بنفسه حد القصر يجب القصر و إلّا فلا.

فنقول: بأن الروايتين تشملان صورة الخروج عن محل الاقامة، لأنه بعد كون الخروج إنشاء سفر مستقل و يريد السفر، فيشمله قوله في رواية محمد بن مسلم «يريد السفر».

و أمّا وجه عدم اشتراط وجوب القصر بعدم بلوغه الى حد الترخص من البلد الّذي يريد الاقامة فيه، فلانه بعد لا يقيم في هذا البلد، و يكون مسافرا الى أن يبلغ هذا البلد و يقصد اقامة عشرة أيّام في هذا البلد، فعلى هذا لا وجه لاعتبار حد الترخص في الدخول إلى محل الاقامة.

و الأوجه هو أن يقال: باشتراط حد الترخص في وجوب القصر بالنسبة الى محل الاقامة حال الخروج لما ذكرنا وجهه.

و أمّا اعتباره في الدخول في محل الاقامة فمشكل، فعلى المسافر الاحتياط بالجمع بعد البلوغ الى محل يسمع الاذان و يرى بيوت البلد الّذي يريد أن يدخل فيه و يقيم عشرة أيّام فيه، قبل الدخول الى نفس هذا المحل، أو تأخير الصّلاة الى أن يصل الى نفس هذا المحل.

«ثمّ اتمام الصّلاة فيه ثمّ ان سيدنا الأستاذ «مد ظله» في المجلس البحث في يوم البعد قال بان اعتبار حد الترخص في محل الاقامة خروجا و دخولا مشكل و لهذا احتاطه في حال الخروج أيضا».

ثمّ إن هنا بعض الفروع تعرض لها السيّد رحمه

اللّه في العروة الوثقى في ذيل الشرط

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 157

الثامن أعنى: حد الترخص.

[ذكر الفرع الاول الذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]

(الفرع الأول: «مسئلة 68: إذا اعتقد الوصول الى الحدّ فصلى قصرا، ثمّ بان أنه لم يصل إليه وجبت الاعادة أو القضاء تماما»).

و فيه أن كلامه بإطلاقه غير صحيح، لأنّ في هذا الفرض إذا كان المسافر يعيد هذه الصّلاة قبل وصوله الى حد الترخص، فما قاله رحمه اللّه صحيح لأنّ الواجب عليه الإتمام في هذا الحال.

و أمّا إن كان يعيد بعد مضيه عن حد الترخص، الواجب عليه القصر في هذا الحال، فيجب عليه إعادتها قصرا ففي هذه الصورة لا وجه لما قاله السيّد رحمه اللّه من وجوب الاعادة تماما، فكلامه بإطلاقه غير تام.

و كذا في الفرض إذا مضى الوقت و بنى على أن يقضى هذه الصّلاة، فأيضا يصح كلامه من وجوب القضاء تاما في خصوص ما إذا مضى الوقت قبل بلوغه الى حد الترخص، فحيث أن القضاء على حسب ما فاته فيجب عليه القضاء تاما، ما فاتت عنه كانت صلاة تامة، أمّا إذا مضى الوقت بعد خروجه عن حد الترخص فيجب القضاء عليه قصرا، لأنّ القضاء تابع لما فات و آخر الوقت كان الواجب عليه القصر لخروجه عن حد الترخص، فيجب القضاء قصرا، فلا يصح كلامه في هذه الصورة، فكلامه بإطلاقه ممنوع.

ثمّ ما قال بعد ذلك «و كذا في العود إذا صلّى تماما باعتقاد الوصول الى الحد وجبت الاعادة و القضاء قصرا» فأيضا لا يصح بإطلاقه، لأنه إذا عاد من سفره و اعتقد الوصول الى حد الترخص و صلى تماما ثمّ انكشف الخلاف، فإن أعاد قبل الوصول الى حد الترخص، أو مضى الوقت قبل الوصول الى حد الترخص، فيجب

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 158

عليه أن يعيد أو يقضي قصرا و يصح كلامه في هذه الصورة.

و أمّا إن أعاد أو مضى الوقت بعد البلوغ الى حد الترخص، فيجب عليه الاعادة أو القضاء تماما.

أمّا الإعادة فلان في ظرف الاعادة يجب عليه الإتمام على الفرض لوصوله الى حد الترخص إيابا.

و أمّا القضاء فلان ما فات منه فات في هذا الحال فيجب قضائه تماما، فلا يصح كلامه بإطلاقه، بل لا بدّ من التفصيل الّذي ذكرنا.

و كذا ما قال بعد ذلك «و في عكس الصورتين بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف ينعكس الحكم، فتجب الاعادة قصرا في الاولى و تماما في الثانية» أيضا يصح في صورة و لا يصح كلامه في صورة اخرى.

ففي كل مورد يكون المسافر معيدا لصلاته في موضع القصر، و هو بعد المضي عن حد الترخص في الذهاب و قبل الوصول الى حدّ الترخص في الاياب، يجب أن يعيد قصرا، و في كل مورد كان آخر الوقت اعني: زمان فوت الصّلاة هو الحال الذي يجب القصر فيجب القضاء قصرا، و في كل مورد كان آخر الوقت الّذي فات عنه الصّلاة في موضع يجب عليه الإتمام، فيجب القضاء تماما، فافهم.

[ذكر الفرع الثاني الذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]
اشارة

(الفرع الثاني: قال مسئلة 69: إذا سافر من وطنه و جاز عن حد الترخص، ثمّ في اثناء الطريق وصل الى ما دونه إمّا لاعوجاج الطريق أو لامر آخر كما إذا رجع لقضاء حاجة، أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه الإتمام، و إذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر إذا كان الباقي مسافة»).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 159

اعلم أن ما قاله من انّه يجب عليه القصر بعد الخروج عن حد الترخص إذا كان الباقي مسافة،

و معنى ذلك عدم احتساب المسافة السابقة على المرور على حد الترخص اصلا، بل تعتبر المسافة من بعد حد الترخص، فعلى هذا إن كانت المسافة بعد ذلك ثمانية فراسخ يجب القصر، و إن كانت أقل من ذلك، و لو فرض كون المسافة السابقة على المرور من حد الترخص من وطنه الى وصوله ثانيا بحد الترخص لقضاء حاجة أو غير ذلك، بمقدار يوجب ضمها الى المسافة اللاحقة على المرور من حد الترخص بقدر ثمانية فراسخ أو أزيد، فمع ذلك لا يجب عليه القصر، لأنه على ما قاله لا بدّ من كون الباقي بعد المرور عن حد الترخص بقدر المسافة الموجبة للقصر بنفسه، لا مع ضمّه الى المسافة السابقة.

لا وجه له بل يجب عليه القصر إذا كانت المسافة الباقية، و لو مع ضمها الى المسافة السابقة على المرور، بقدر ثمانية فراسخ أو أزيد من ذلك، لأنه بعد ما قلنا من أن مبدأ السفر هو ابتداء البلد أو القرية الّتي يخرج منها، و لهذا يحسب ثمانية فراسخ من هذا الموضع اعني: إذا كانت المسافة من أول نقطة البلد أو القرية الى مقصده ثمانية فراسخ يجب القصر، لا أن يكون مبدأ السفر موضع الترخص.

فعلى هذا يجب القصر في كل مسافة تكون من أول نقطة البلد أو القرية تكون وطن المسافر و خروجه منها الى مقصده، بريدين سواء كان من حد الترخص من هذا المحل الى المقصد ثمانية فراسخ أولا.

و في المقام أيضا كذلك فانّه و إن عبر بمحل الترخص في ضمن سفره لاعوجاج الطريق أو لقضاء حاجة أو غير ذلك، و لم تكن المسافة الباقية بريدين لكن ليس هذا مبدأ سفره، بل مبدأ سفره هو خارج بلده، فاذا فرض

كون المسافة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 160

بين بلده و بين مقصده بريدين يجب القصر، و بمجرد مروره الى حد الترخص لا يوجب خروج المسافة السابقة عن قابلية انضمامها بالمسافة اللاحقة في الموجبية للقصر.

[بيان صحة كلام السيد اليزدي و عدمه]

ثمّ إن هنا كلاما آخر و هو أن ما قاله من وجوب الإتمام على المسافر في الفرض ما دام يكون في ما دون حد الترخص إذا مر عليه في ضمن السفر و وصل الى ما دونه لاعوجاج الطريق أو لقضاء حاجة أو غير ذلك، هل يكون كلامه في محله، و يجب الإتمام عليه ما دام هناك، أو ليس كذلك، بل يجب عليه القصر إذا مر في اثناء السفر بحد الترخص حتى ما دام كائنا في ما دون حد الترخص.

اعلم انّه إن كنّا و الروايتين الدالتين على اعتبار حد الترخص فهما لا تدلان إلا على اعتبار ذلك في ابتداء المقصد و في انتهاء المقصد، لأنّ رواية عبد اللّه بن سنان المصرح فيها بالطرفين ليست دالة إلّا على اشتراط ذلك مرة في ابتداء السفر ذهابا و مرة في انتهاء السفر إيابا، و أمّا غيرهما مثل ما إذا مرّ بحد الترخص في أثناء السفر غير الابتداء و الانتهاء، فلا دلالة لها على اشتراط وجوب القصر به، فالرواية لا تدلّ على وجوب الإتمام في ما دون حد الترخص في جانب الوطن إذا كان المرور في وسط السفر لا في الابتداء و انتهاء السفر.

و لكن يمكن أن يقال: بأن الملاك في جعل حد الترخص لا يبعد أن يكون هو أن المسافر لا يكون في هذا المقدار من البعد من الوطن مسافرا بنظر العرف، فإنّ من يسمع الأذان أو يرى البيوت لا يعد في نظرهم ان هذا

الشخص مسافر، فعلى هذا لا يكون جعل حد الترخص من الشارع تعبد صرف، بل ملاكه ما قلنا، فعلى هذا يمكن أن يقال: بأن المسافر إذا وصل الى ما دون حد الترخص يخرج عن كونه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 161

مسافرا بنظر العرف و لا يصدق عليه انّه ضارب في الأرض، فعلى هذا يجب عليه ما دام يكون في ما دون حد الترخص الإتمام «1».

[ذكر الفرع الثالث الّذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]

(الفرع الثالث: مسئلة 67: إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصّلاة قبل حد الترخص بنية التمام، ثمّ في الاثناء وصل إليه فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصرا و صحت»).

اعلم أن لهذه المسألة صورا تعرض السيّد رحمه اللّه لصورة واحده منها و هي:

الصورة الاول: ما إذا شرع في الصّلاة قبل حد الترخص بنية التمام، ثمّ في الاثناء وصل إليه، و كان زمان وصوله الى حد الترخص قبل دخوله في قيام الركعة الثالثة كما إذا وصل به و هو في التشهّد بعد الركعة الثانية.

______________________________

(1)- اقول: بعد ما أفاد هذا الوجه سيدنا الاستاذ (مد ظله) قلت في مجلس بحثه: بأنّه إن التزمنا بكون الملاك هذا اعني: كون الشخص في هذا الحد غير مسافر عرفا و غير ضارب في الارض، فلازمه هو جعل مبدأ السفر من حد الترخص، لأنه قبل ذلك على ما أفاده ليس الشخص مسافرا و ضاربا في الارض، و لا يطلق عليه المسافر، و الحال انّه (مد ظله) أفاد سابقا بأن مبدأ السفر هو الخروج عن نفس البلد في البلاد المتعارفة، و قال في وجهه: بأنّه قبل الخروج من بلده لا يطلق عليه انّه مسافر و ضارب في الارض.

و إن كان المسافر متى لم يخرج عن

حد الترخص لم يعد مسافرا، فلازمه عدم ورود ما استشكله على السيّد رحمه اللّه من انّه لا وجه لاعتبار المسافة البالغة ثمانية فراسخ بعد ذلك المرور في وجوب القصر.

لأنه على هذا يمكن أن يدفع الإشكال و يقال: بأنّه إذا مر بحد الترخص فخرج عن كونه مسافرا فلا يضم السابق باللاحق، فلا بدّ من كون المسافة اللاحقة بقدر البريدين.

فعلى هذا نقول: بان الاقوى وجوب الإتمام حتى في ما يكون في ما دون المسافة، فتأمل، و لكنّه (مد ظله) لم يرجح أحد طرفي المسألة، و أدام بحثه الى مسئلة اخرى).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 162

[الحق فى الصورة الاول الّتي تعرض لها السيد اليزدي رحمه اللّه هو اتمام الصلاة قصرا]

فنقول: إن الحق في هذه الصورة هو إتمامه قصرا، لا لأنّ الصّلاة على ما افتتحت، لأنّها غير مربوطة بالمقام، بل لأنه بعد كون صلاة التمام و القصر حقيقة واحدة و عدم كون القصر و الإتمام موجبا لتعدد الحقيقة، و عدم كونهما كصلاة الظهر و العصر من كونهما حقيقتين و عنوانين ممتازين كل منهما من الاخر بالقصد، فاذا قصد الظهر تقع الصّلاة ظهرا، و إذا قصد العصر تقع عصرا.

و استفدنا كونهما حقيقتين و عنوانين متميزين كل منهما عن الاخر بالقصد من بعض الروايات الواردة في العدول من العصر الى الظهر، فإن من دخل في العصر بنية العصر فيجب عليه العدول إذا التفت في أثنائها من عدم اتيان الظهر قبل العصر الى الظهر، فمن هنا نكشف عدم كونهما حقيقة واحدة و تمتاز كل منهما عن الاخرى بالقصد، و لهذا من قصد العصر يجب عليه العدول من قصده حتى تصير ظهرا، و إن كانتا حقيقة واحدة فلا يحتاج العدول من العصر الى الظهر الى القصد، بل تقع من رأس ظهرا و ان قصد العصر، لأنه

إن كانتا حقيقة واحدة فلا تنقلبا عما هما عليه من اتحاد الحقيقة.

و أمّا القصر و الإتمام فلا يوجبان تعدد الحقيقة و ليسا عنوانين، بل هما حقيقة واحدة غاية الأمر هما فردان من الصّلاة فرد منه أقصر من الآخر، و الأمر بوجوب القصر لا يوجب اختلاف حقيقة صلاة المسافر من الحاضر، بل الأمر بالقصر إشارة الى انّه يجب في السفر اتيان هذه الحقيقة ركعتان لا أربع ركعات، فعلى هذا و إن قصد القصر و الحال ان الواجب على الشخص كان الإتمام لا يوجب القصد وقوع قصرا و كذلك العكس.

فاذا عرفت كون الصّلاة المسافر و الحاضر حقيقة واحدة، و عدم تعدد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 163

عنوانهما، و عدم كونهما من العناوين القصدية الّتي تمتاز عما عداها بالقصد.

فنقول: إن في فرضنا و ان كان المفروض ان الشخص قصد الإتمام لعدم بلوغه حين الشروع بحد الترخص، و لكن إذا بلغ بحدّ الترخص حال التشهّد الأوّل أو قبل ذلك يجب إتمام الصّلاة قصرا، لأنه بعد ما لم يكن ما قصد بحسب الحقيقة مغايرا مع ما وجب عليه واقعا فعلا، و عدم تغير حقيقتها بالقصد و صيرورتها متعينة لما قصد، بل مع القصد أيضا قابلة لأنّ تصير هذه الصّلاة صلاة الإتمام كما انّها قابلة لأنّ تصير صلاة القصر.

و من المفروض ان الواجب على المسافر هو ملاحظه ظرف اتيان التكليف في القصر و الإتمام، فان كان في ظرف التكليف غير واجد لشرائط القصر يجب عليه الإتمام، و إن كان واجدا لشرائط القصر يجب عليه اتيانها قصرا، فهو في هذا الحال لبلوغه حدّ الترخص يصير مسافرا واجدا لشرائط القصر، فيجب اتيان قصرا فيجب عليه ان يسلّم بعد التشهّد الأول، لكون تكليفه القصر

في هذا الحال لتوجه أمر (قصّر) به فعلا، و قابلية ما اتى من صلاته لأنّ يصير المأمور به لامر (قصر) فلا اشكال في الاكتفاء بهذه الصّلاة، و اتيانها قصرا و عدم وجوب إتيان صلاة اخرى قصرا.

[نقل كلام العلامة رحمه اللّه فى التذكرة]

اعلم أن سيدنا الأستاد- مد ظله- بعد ما أفاد ما بينا لك من وجوب القصر في هذه الصورة، تعرض مجددا لهذه الصورة، و قال: بأنّه لم يتعرض المسألة إلّا صاحب الجواهر رحمه اللّه و الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه، و لكن تعرض لهذه المسألة العلّامة رحمه اللّه في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 164

التذكرة، و هذه عبارة التذكرة في طي كلامه في حد الترخص «و لو احرم «1» في السفينة قبل أن تسير و هو في الحضر، ثمّ سارت حتى خفي الأذان و الجدران لم يجز له القصر، لأنّه دخل في الصّلاة على تمام» ثمّ قال «مد ظله» بأن المستفاد من كلامه رحمه اللّه هو وجوب إتمام هذه الصّلاة، و عدم جواز قصد القصر و التسليم بعد التشهّد الأول، و أمّا ما ذكر في وجه ذلك من (أنه دخل في الصّلاة على تمام) فإن كان نظره الى حيث قصد الإتمام فلا يجوز له جعلها قصرا.

ففيه ما قلنا من ان الصّلاة قصرا لم تكن طبيعه اخرى غير طبيعة إتماما بل هما من طبيعة واحدة و ليستا من عناوين تتميزان بالقصد حتى يقال: إنه مع فرض قصد التمام ليست هذه الصّلاة قابلة لأن تصير صلاة قصرية، بل كما قلنا هما ليستا من العناوين القصدية حتى ان كلا منهما لا تتميزان بالقصد من الاخرى و لا تنقلبان عماهما عليه بالقصد، بل ان كان تميز بينهما فهو بالقصر و الإتمام، اعني: إذا

سلم المصلي بعد التشهّد الأوّل فتصير الصّلاة قصرا، و إن لم يفعل ذلك بل اتى بالركعة الثالثة و الرابعة ثمّ سلّم بعد التشهّد الثاني فتصير الصّلاة تماما، و ليس القصر و الإتمام كالظهرية و العصرية.

فبعد ذلك نقول: بأن هذه الصّلاة قابلة في حد ذاتها لأنّ تصير قصرا أو لان تصير تماما، و بعد خروجه عن حد الترخص يتوجه عليه أمر (قصّر) فيتمها قصرا و يكتفي بها.

و ما قلنا من عدم كونهما طبيعتين، و عدم كونهما من العناوين القصدية هو

______________________________

(1)- التذكرة، ص 189، التذكرة طبع الجديد ج 4، ص 382، المسألة 628.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 165

الذي يظهر اختياره من جل الفقهاء و من العلّامة رحمه اللّه أيضا.

و لكن يمكن أن يقال في وجه مختار العلّامة رحمه اللّه: بأن ظاهر أدلة وجوب القصر على المسافر مع الضم الى الدليل الدال على اعتبار حد الترخص في وجوب القصر هو وجوب القصر على المسافر إذا بلغ حد الترخص، و بعبارة اخرى بعد ما سأل عن القصر أمر به إذا خفي الأذان أو أمر بالقصر بتواري المسافر عن البيوت هو انك إذا بلغت حد الترخص و أردت اتيان الصّلاة، فيجب عليك إتيانها قصرا، فالدليل بحسب ما يستظهر منه هو وجوب القصر على من بلغ هذا الحد و يجب عليه اتيان الصلاة ركعتين في الصّلاة الظهر و العصر و العشاء، فلسانه هو ثبوت هذا الحكم لمن بلغ هذا الحد و لم يصل صلاة، و أمّا من شرع في صلاته و كان مثلا في التشهّد الأوّل فلا يدلّ الدليل على قصر هذه الصّلاة.

و بعبارة اخرى كما أن من صلّى في بيته و خرج للسفر و بلغ حد الترخص فلا يجب

عليه القصر، كذلك من دخل في صلاته و دخل حد الترخص في ضمن صلاته فلا يشمله الدليل، و لا يقتضي وجوب القصر عليه أن يتم ما بيده من قصرا.

فوجه وجوب اتيانها تماما لا قصرا هو ما استظهرناه من الادلة من عدم شمولها لهذا المورد، و بعد عدم شمول ادلة القصر لهذا المورد فيجب اتيان الصلاة تماما و يكتفى بها، لأنّ من لا يجب عليه القصر يجب عليه التمام.

و ما قلنا من كون القصر و الإتمام طبيعة واحدة، و عدم كونها من العناوين القصدية لا ينافي مع ذلك لأننا مع ذلك نقول: بأنّ ما استظهرناه من دليل القصر عدم شموله لهذه الصورة، لا من باب عدم قابلية المورد، بل لعدم شمول الدليل، فعلى هذا نقول بما اختاره العلّامة عليه السّلام من وجوب اتمام هذه الصّلاة أربع ركعات و الاكتفاء بها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 166

فإذا قلنا في هذه الصورة بوجوب التمام، فلا يبقى مجال للتكلم في الصورة الّتي قام للركعة الثالثة، أو كان بعد دخول ركوع الركعة الثالثة و وصل الى حد الترخص، لأنّ في كليهما يجب اتيان الصّلاة تماما لعدم شمول أدلة وجوب القصر في السفر الصورة التي صار المسافر واجدا للشرط أعني: بلغ حد الترخص و هو في الصّلاة، بل ادلة القصر على وجوب القصر بعد البلوغ الى حد الترخص لمن لم يصل بعد، فمن تجب عليه الصّلاة عليه أن يأتي بها قصرا و أما من صلى صلاته بتمام قبل ذلك أو شرع في صلاته فيجب عليه اتيانها اتماما، لأنّ كل من لا يجب عليه القصر يجب عليه الإتمام، هذا حاصل ما أفاده مد ظله مجددا «1».

ثمّ إنّه «مد ظله» بعد ذلك قال

في جواب من تمسك في المورد بالاستصحاب:

______________________________

(1)- اقول: و قد اوردت عليه (مد ظله) في مجلس البحث و قلت: كما بينت في اليوم السابق لا يكون القصر و الاتمام طبيعتين مختلفتين، و لا يكونان من العناوين القصدية و حتى لا يوجب القصد المخالف تغيرهما عما هما عليه من الحقيقة، و استفدنا من بيانك الشريف بان القصر و الاتمام لا يتميزان إلا بقصر الصّلاة و اتمامها، فإن اتى المصلي بركعتين تصير الصّلاة قصرا، و إن اتى بأربع ركعات تصير إتماما.

فعلى هذا نقول: بان ظاهر قوله (و اذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الاذان فقصر) ليس الامر بقصر الصّلاة إلّا اتيانها ركعتين، و ما أتى به من هذه الصّلاة وقعت صحيحة لا يوجب قصد الاتمام جعلها اتماما، بل الاتمام و القصر يحصل بنحو تمامية الصّلاة، فإن أتمها ركعتين فقد قصّر في صلاته، و إن اتمها على اربع ركعات فقد أتم في صلاته، و لا يستفاد من الرواية إلّا جعل الصّلاة قصرا، و هو عبارة عن اتمامها على ركعتين، فيكون مدلولها هو أنك إذا لم تسمع الاذان قصر، فهو في هذا الحال موضوع لهذا الحكم، لأنه لم يسمع الأذان و ما بيده قابل لجعله قصرا، و لان يجعله اتماما، فامر (قصّر) يقتضي اتيانها قصرا، بل نقول مورد توجه الامر على كل من يصلي قصرا هو ليس الا القصر من الصّلاة، و يجعلها قصرا اعني: يتم صلاته على ركعتين، فلا مانع على هذا من شمول ادلة القصر لهذا المورد. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 167

بأنه لا مجال للاستصحاب هنا، أمّا أولا فلانه مع الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة الى الاصل العملي، و ما استظهرناه من وجوب اتيان

الصّلاة تماما هو كان من باب الدليل الاجتهادي، لأنا بعد ما قلنا بعدم شمول ادلة القصر لهذا المورد، فتشمله العمومات الأولية الدالة على أن الصّلاة الظهر و العصر و العشاء أربع ركعات.

و ثانيا انّه لا بدّ في الاستصحاب من وجود قضية متيقنة و مشكوكة و اتحادهما حتى يتعلق الشّك بما تعلق به اليقين، فلا بدّ من اليقين السابق و اللاحق، فنقول: بأنّه ما هو المتيقن في السابق، و اي شي ء هو حتى يحكم ببقائه في حال الشك، لانّ ما توهّم هو اجراء الاستصحاب الحكمي بمعنى انّه كما كان الواجب اتمام هذه الصّلاة الّتي بيده قبل بلوغه الى حد الترخص، كذلك يجب اتمامها بعد البلوغ الى حد الترخص بحكم الاستصحاب.

فنقول: إنه ليس لنا متيقن سابق حتى يستصحب، بمعنى انّه لم يكن المتيقن وجوب إتمام هذه الصّلاة لإمكان كون الواجب قصريا واقعا، لبلوغه في الاثناء الى حد الترخص. «1»

______________________________

(1)- اقول: و لكن يمكن أن يقال: و ان لم اكن جازما باجراء الاستصحاب الموضوعي إنه بعد ان الشّك في شمول ادلة القصر لهذه الصورة و فرض عدم دليل اجتهادي في البين فيقال: إن منشأ الشك ليس الا ان هذا المصلي يكون مصداقا للمسافر الّذي يجب عليه القصر و موضوعا له أم لا لأنه على تقدير وصول النوبة الى الاستصحاب فالشك في أن الدليل الدال على القصر على المسافر يعني (إذا خفي الاذان او توارى عن البيوت) هل هو ظاهر في وجوب القصر لمن يريد ان يصلي بعد صيرورته مسافرا و بالغا حد الترخص، أو يشمل مع ذلك الصورة الّتي صار المسافر بالغا الى حد الترخص و شرع في صلاة قبلا، فمع هذا الشّك لا ندري ما هو موضوع

القصر، فيقال-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 168

[تأييد السيد ره لما قاله العلامة ره في التذكرة]

ثمّ إنّه «مد ظله» عطف عنان الكلام مجددا الى ما اختار موافقا لمختار العلّامة و قال في بيان ما اوردنا عليه: و إن من يقول بشمول ادلة القصر لهذه الصورة إن كان نظره الى ان الاعتبار في القصر هو في زمان يقصر المصلّى بمعنى: انّه بعد ما كان القصر هو القصر من الصّلاة، يعني: ليس القصر إلا اتيان الصّلاة ركعتين، و ليس الإتمام الا اتيانها أربع ركعات، فليس المورد الّذي يتوجه أمر (قصّر) إلا الحال الّذي يمكن تقصير الصّلاة و لا يقصر الا بالتسليم بعد التشهّد الأول، فيكون الاعتبار بهذا الحال ففي هذا الحال إن كان مسافرا يجب القصر و إلا يجب الاتمام و القيام للركعة الثالثة، فمن كان في الصّلاة مثلا و في التشهّد الأوّل و بلغ حد الترخص يجب عليه القصر، لأنه مسافر و المسافر يجب عليه القصر، و هذا محل القصر و الموضوع اعني: ما بيده من الصّلاة قابلا لأنّ يقصر فيها.

فقال بعد بيان الإشكال: بأنّه ننظر بأن العرف مساعد مع أن الظاهر من الدليل الدال على وجوب القصر على من بلغ حدّ الترخص، هو أن كل من سافر و عليه الصّلاة يجب عليه اتيانها و احداثها قصرا، لانّ الظاهر من الدليل هو انّه إذا

______________________________

- بأنّه قبل ذلك لم يصر موضوعا لحكم القصر فكذلك الحال، و اثره عدم وجوب القصر فاذا لم يجب القصر يجب الاتمام، و لا نتمسك في وجوب الاتمام بالاستصحاب، و لم نقل بان مقتضى الاستصحاب عدم كونه موضوع القصر فهو موضوع للتمام، حتى يقال إن ذلك مثبت بل نقول بان وجوب الاتمام كما افاده (مد ظله) غير محتاج الا الى

عدم وجوب القصر، فمن لم يجب عليه القصر للشك في حصول موضوعه يجب عليه الاتمام من باب أن من لم يجب عليه القصر يجب عليه الاتمام، فليس الاتمام محتاجا الى مئونة زائدة حتى يثبت بالاصل و يقال: بان ذلك مثبت فبهذا البيان يمكن اجراء الاستصحاب، و لكن الحق ما افاده من عدم وصول النوبة الى الاصل اصلا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 169

خفى الاذان فيجب القصر يعني ائت بالصّلاة على وجه القصر، أو يدلّ على انك قصر صلاتك، و لا معنى لتوجه الأمر بالقصر الا بعد التشهّد الأول، لأنّ بالسلام بعده يتحقق القصر، فعلى هذا كان الأمر بالقصر على من كان متلبسا بالصّلاة لأنّ به يصحّ الأمر بالقصر لا من لم يشرع بعد في الصّلاة.

لا يمكن أن يقال: باختصاص توجه أمر (قصر) بخصوص من كان في لأنه يشمل من لم يكن في الصّلاة أيضا لوجوب القصر عليه أيضا إذا سار مسافرا و خرج عن حد الترخص، بل لا بد من اعتبار جامع مستفاد من الدليل، و هو أن كل من بلغ هذا الحد يجب عليه القصر، فإن كان مشتغلا بالصّلاة فيقصر هذه الصّلاة، و ان لم يكن مشتغلا بها فيشرع فيها في ظرف وجوبها و يقصر من صلاته.

فهل المستفاد بنظر العرف من دليل القصر هو وجوب القصر على من يصلّي بعد صيرورته مسافرا بالغا حدّ الترخص، أو يشمل لمن كان حتى في الصّلاة و بلغ الحدّ.

و ما يأتي بالنظر هو أن قوله (إذا لم تسمع الأذان فقصر) هو انّك بعد عدم سماعك الاذان قصر من الصلوات الّتي تريد اتيانها بعد هذا الحد، فمن كان شرع في صلاته قبل ذلك الحدّ فغير مشمول لدليل القصر. «1»

______________________________

(1)-

أقول: و لكن لا يحتاج الأمر الى الاتعاب بهذا المقدار، بل نقول: بأن ظاهر الدليل هو الأمر بالقصر ببلوغ حد الترخص، فيجب على كل مسافر القصر، فمن كان في الصّلاة و كان في التشهد الأوّل يسلّم بعد هذا التشهّد فقد قصر صلاته، و من لم يصل بعد يشرع في صلاته و يأتي بالركعتين و يسلم بعدها فهو أيضا قصر في صلاته، كما ترى إنك إذا قلت بخادمين لك حاضرين عندك: بانكما قصّرا في صلاتكما، و كان احدهما في الصّلاة، و الآخر غير مشتغل بالصّلاة-

- فالعرف يفهم من كلامك بأن من كان منهما في الصّلاة يقصر ما بيده من الصّلاة لكونه مأمورا بالقصر، و من لم يشرع في صلاته بعد يشرع و يقصر أيضا لكونه مأمورا بذلك، فالأمر يشمل لكليهما و هما مأموران بهذا الأمر.

ثمّ إنّي نقضت عليه- مد ظله- بما إذا قصد الإقامة في محلّ و شرع في الصّلاة، ثمّ بدا له في الاثناء بأن لا يقيم، فلا اشكال بصيرورته مسافرا بمجرد البداء، لأنّ المستفاد من رواية ابي ولاد المتقدم ذكرها عند الكلام في محل الاقامة، هو وجوب الإتمام ان بقي قصده على اقامة العشرة و صلى صلاة واحدة بتمام، و ان لم يصل صلاة واحدة بتمام و بدا له في الاقامة، فعليه القصر، فهل يمكن اتيان هذه قصرا إذا لم يتجاوز من التشهّد الأوّل بحيث تكون ما بيده من الصّلاة قابلة تصير قصرا لكون تكليفه القصر فعلا، أو يجب اتيان هذه الصّلاة اتماما أو الاحتياط بأن يتم هذه الصّلاة ثمّ يأتى بصلوة اخرى قصرا، فان التزم بوجوب قصر هذه الصّلاة، عليه فنقول نقضا عليكم بعدم الفرق بين المسألتين من حيث تبدل موضوع الإتمام بالقصر،

فكما أن الدليل المثبت للقصر في السفر يشمل هذا المسافر لكونه موضوعا لوجوب القصر كذلك في ما نحن فيه.

فقال- مدّ ظلّه- في جواب ذلك: بأن بين ما نحن فيه اعني: بين ما إذا شرع في الصّلاة قبل بلوغه حدّ الترخص ثم في اثنائها وصل الى الحد و بين ما قلت فيمن قصد الاقامة و شرع في الصّلاة ثمّ بدا له في الاقامة في الاثناء، فرق لأنّ في مورد قصد الاقامة تدلّ رواية ابي ولاد بان من لم يأت بصلوة واحدة بتمام يجب عليه القصر، و لا إشكال في أن هذا الشخص الّذي في الصّلاة ممّن بدا له في الاقامة و لم يصل صلاة واحدة بتمام فيجب عليه القصر، فاذا وجب عليه القصر فبعد كون هذه الصّلاة قابلة لأنّ يجعلها قصرا فيجب عليه ان يقصرها، فوجه وجوب القصر هو شمول ذيل رواية ابي ولاد لهذه الصورة، و أمّا في ما نحن فيه فلا يمكن استظهار شمول ادلة القصر بعد ضمها بما دل على اعتبار حد الترخص لمن كان في الصّلاة و وصل حد الترخص.

أقول، كما قلت في مجلس البحث: بأن رواية ابي ولاد لا تدلّ إلّا على وجوب الإتمام بعد قصد الاقامة إذا حصل البداء بعد اتيان صلاة واحدة بتمام و وجوب القصر إذا لم يأت بصلوة واحدة بتمام، فهى تدلّ على وظيفة المسافر في محل الاقامة بعد البداء، و ان البداء ان كان بعد-

اتيان صلاة واحدة بتمام فيجب الإتمام في ما بعد ذلك متى يكون في هذا المحل، و إذا كان قبل ذلك فعليه القصر متى يكون في هذا المحل (إلّا إذا أقام مترددا في شهر أو ثلاثين يوما في هذا المحل كما يستفاد من

بعض الروايات و مضى الكلام فيه) و نحن نقول بأنّه مع ان الرواية تدلّ على وجوب أن يقصر في ما بعد إذا كان البداء قبل اتيان صلاة واحدة بتمام، و لكن من شرع في الصّلاة في حال قصد الاقامة و بدا له في أثنائها هل يكون ممّن يجب عليه القصر، و بعبارة اخرى تدلّ الرواية على وجوب القصر بعد ذلك إذا كان البداء قبل اتيان صلاة واحدة و لكن هذا الدليل يدلّ على وجوب القصر حتى بالنسبة الى من كان في الصّلاة و بدا له حتى يكون الواجب عليه القصر.

إن قلت: بأن ظاهر الدليل هو وجوب القصر على كل من لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام مع القصد فيجب عليه القصر، و حيث يجب عليه القصر فما بيده من الصّلاة بعد قابليته لصيرورتها إتماما أو قصرا و الفرض عدم بلوغه في هذه الصّلاة من المحل الّذي تقبل لانّ يجعلها قصرا، و توجه عليه أمر القصر، فلا بدّ من أن يجعلها قصرا و يتم صلاته على ركعتين، فتشمل رواية ابي ولاد هذه الصورة على ما استظهرنا منها، و هذا بخلاف ما نحن فيه اعني: ما إذا شرع في قبل بلوغه الى حد الترخص، ثمّ بلغ في اثنائها الى حد الترخص فيجب الإتمام و لا يجب اتمام ما بيده من الصّلاة قصرا، لعدم شمول ادلة القصر له، فالفرق بينهما واضح.

قلت: بأنّه كيف يستظهر من قوله عليه السّلام في رواية أبي ولاد «و ان كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرة و أتم و إن لم

تنو المقام عشر فقصّر ما بينك و بين شهر الى آخره (وسائل الشيعة: باب 18 من أبواب صلاة المسافر، حديث 1) وجوب القصر حتى بالنسبة الى الصّلاة الّتي شرع فيها حال قصد الاقامة، مع أن الظاهر من قوله عليه السّلام: «فانت في تلك بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتم و إن لم تنو المقام عشرا فقصّر» هو وجوب القصر في ما بعد ذلك، و تقول بأنّه لا يستظهر من قوله: «و اذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الاذان فقصر» وجوب القصر بمجرد عدم سماع الأذان، و كون الواجب القصر في هذا الحال، و الحال ان هذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 172

نذكر بعض احكام صلاة المسافر في المسألتين:

المسألة الاولى: لا إشكال في كون القصر في الصّلاة للمسافر الواجد لشرائط القصر عزيمة لا رخصة عندنا إلا في مواضع التخيير على ما يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى، بل هى من ضروريات مذهبنا الامامية و أمّا عند العامة تكون المسألة مورد الخلاف، و المشهور بينهم كون القصر في السفر عزيمة، و قال الشافعي بكون القصر في السفر رخصة، و اختلف أصحابه في انّه بعد كون القصر رخصة في السفر هل يكون القصر أفضل أولا؟ و كون القصر عزيمة كان مسلما عند الصحابة في الصدر الأوّل أيضا حتى أن عثمان بما فعل في منى من إتمام الصّلاة صار مورد الطعن، و على كل حال لا إشكال في كون القصر من الصلوات الرباعية عزيمة عندنا بمعنى:

وجوب القصر في السفر من الصلوات الرباعية مسلما عند الفرقة الحقة الامامية.

______________________________

الشخص الّذي يكون مشتغلا بالصّلاة فبلغ حد الترخص يكون ممّن لا يسمع الاذان، فيجب عليه القصر، و على الفرض

تكون هذه الصّلاة قابلة لأنّ يجعلها قصرا فيجب أن يجعلها قصرا و يتمها على ركعتين.

ثمّ انّه بعد بلوغ الكلام الى هذا المقام حيث تكون رواية على بن يقطين و هى الرواية 1 من الباب 10 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل و هي هذه عن على بن يقطين انّه سئل أبا الحسن الاول عن الرجل يخرج في السفر ثمّ يبدو له في الاقامة و هو في الصّلاة قال يتم اذا بدت له الاقامة.

و رواية محمد بن سهل عن أبيه و هي الرواية 2 من هذا الباب و هي هذه محمد بن سهل عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يخرج فى سفر تبدو له الاقامة و هو فى صلاته أيتم أم يقصر قال يتم اذا بدت له الاقامة دالة على وجوب اقصر ما بيده من الصّلاة اذا كان ناويا للاقامة عشرة أيام حال الشروع في الصّلاة ثمّ بدا له في أثناء الصّلاة أعنى قصد الخلاف و أنصرف عن الاقامة بانّه يجب قصر هذه الصّلاة فتدلّ الرواية على وجوب قصر ما شرع فى حال وجوب الاتمام فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 173

و ما ورد في الكتاب الكريم من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ «1» و إن كان بلفظ (لا جناح) الظاهر في حد ذاته في نفس الجواز، و لكن بعد ما ورد في تفسيره في الرواية من المعصوم عليه السّلام بان (لا جناح) في المقام يكون مثل (لا جناح) في قوله تعالى «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا» «2» و لا إشكال بكون المراد من (لا جناح) في

هذه الآية الوجوب لوجوب ذلك في الحج، كذلك (لا جناح) في هذه الآية يدلّ على الوجوب، فلا يبقى مجال للاشكال في أن القصر واجب في السفر في الصلوات الرباعية.

[بعض الروايات التى ذكرها صاحب الوسائل غير مربوطة بالمسألة]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 2، ص: 173

المسألة الثانية: بعد ما ثبت كون القصر واجبا على المسافر بشرائطه المذكورة فإن اتم في سفره مع كون القصر واجبا عليه، فهل تصح صلاته و لا يجب عليه إعادتها أو قضائها، أولا تجزى صلاته بل يجب عليه الاعادة قصرا في الوقت و قضائها قصرا في خارجه، و حيث إن للمسألة صورا مختلفة، و بينها اختلاف من حيث الحكم، فلا بدّ أولا من ذكر الأخبار الواردة في المسألة حتى يظهر حكم كل صورة من هذه الصور ممّا يستفاد من روايات الباب، فنقول:

إن ما ذكره صاحب الوسائل من الروايات في باب 17 من أبواب المسافر تبلغ الى 8 روايات، و لكن ليست رواية 3 من هذا الباب، و هي ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا اتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتم الصّلاة فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة» «3» مربوطة بما نحن فيه، و هي رواية شاذة لعدم نقل عامل بها حتى في موردها إلّا عن نادر مضافا الى وهن

______________________________

(1)- سورة النساء/ الآية 101.

(2)- سورة البقرة/ الآية 158

(3)- الرواية 3 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 174

في سندها.

و كذلك الرواية 6، و هي رواية الّتي تنتهي سندها الى محمد بن اسحاق بن عمار قال: سألت

أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة كانت معنا في السفر، و كانت تصلي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: ليس عليها قضاء» و نقلها في الوسائل و عدّها صاحب الوسائل رواية 7 فهي غير مرتبطة بالمقام، لأنّ كلامنا يكون فيمن أتم في موضع القصر و لا يجب القصر إلّا في الظهر و العصر و العشاء لا في المغرب و لا في الصبح و ليس هناك عامل بهذه لرواية منّا، فتبقى خمسة روايات:

[ذكر الروايات المربوطة بمن أتم فى موضع القصر]

احدها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد في حديث شرايع الدين «1» قال: و التقصير في ثمانية فراسخ و هو بريدان، و إذا قصرت افطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد في فرض اللّه عز و جل» و يرويها الصدوق رحمه اللّه في الخصال عن الاعمش و تروى عنه العامة، و تخرج منه الرواية في كتبهم الستة، و هو ينقل عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام في كتاب جمع فيه شرايع الدين، و لكن ليس الاعتبار في سندها، لأنّ طريق الصّدوق إليه ليس طريقا جيّدا.

و تدلّ هذه الرواية على أن من اتم في موضع القصر لم تجز صلاته، و المستفاد منها هو وجوب الاعادة و القضاء، لأنه زاد في فرض اللّه تعالى، و يشمل اطلاقها النسيان و الجهل بأقسامه، بل يمكن أن يدعى شموله للعمد أيضا جمودا على ظاهره و ان كان مورد الإشكال، لبعد أن يتم أحد عمدا في موضع القصر مع علمه بأنّه غير مجاز، و أن هذا العمل ليس مقربا و إطاعة.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 175

الثانية:

ما روي عبيد اللّه بن علي الحلبي (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: أعد) «1».

و هذه الرواية تدلّ بظاهرها على وجوب الاعادة إذا اتم المسافر في السفر و اطلاقها بظاهرها يشمل العامة و الناسي و الجاهل.

و يمكن أن يقال: بأن هذه الرواية لا تشمل العامد و الجاهل بالحكم، لأنّ عبيد اللّه لا يتم في السفر عمدا و لم يكن جاهلا بالحكم و هو يسأل عما فعل بنفسه لقوله «صلّيت» فمورد الرواية قضية شخصية، و لا يبعد أن يكون فرض سؤاله هو صورة النسيان كما يناسب ذلك مع السائل، فعلى هذا لا اطلاق لها يشمل صورة العمد و الجهل.

و لكن يمكن أن يقال في جواب ذلك: بأن قول السائل «صليت الظهر الخ» ليس السؤال عما وقع لنفسه، بل تعبيره بهذه العبارة يكون من باب ما يتداول حتى عندنا بأنّه إذا أردنا أن نسأل عن حكم مسئلة، نفرض أنفسنا مورد المسألة، مثلا نقول: وقع الدم على يدى، فليس تعبيره بلفظ «صليت» من باب كون السؤال لنفسه، و الشاهد على ذلك أنّه قال: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: أعد».

فان كنّا نحن و الجمود على ظاهر الكلام فيستفاد من ذلك أن عبيد اللّه صلّى أربع ركعات في السفر، فلمّا صنع كذلك كان أبو عبد اللّه عليه السّلام حاضرا معه في السفر، فسأل عن قصته «فقال عليه السّلام أعدو من البعيد كون الأمر كذلك، فهذا شاهد على أن السؤال يكون مجرد الفرض ليفهم حكم المسألة أو وقع لشخص أخر، فسأل ليفهم

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص:

176

حكمه، و لا أقل من عدم معلومية كون ذلك السؤال سؤالا عن قصة شخصية.

فعلى هذا لا يمكن دفع الاطلاق بأن يقال: إن السؤال يكون عن قضية شخصية و لا يسأل الحلبى عن صورة العمد و الجهل، فعلى هذا إطلاق سؤال السائل و عدم تعرضه بأن وجه إتيانه صلاة الظهر في السفر أربع ركعات كان من باب الجهل، أو العمد، أو النسيان خصوصا مع إطلاق جواب الامام عليه السّلام و ترك استفصاله، دليل على وجوب الاعادة في كل الصور، إذ لو كان بين العمد و النسيان و الجهل فرق من حيث الحكم، كان لازم عليه عليه السّلام الاستفصال أن ما أتى من صلاتك إتماما في موضع القصر كان من باب الجهل، أو العمد، أو النسيان، فمن جوابه بلا استفصال بوجوب الاعادة نكشف من كون الاعادة واجبة في كل الصور.

و لكن نقول مع ذلك كله: بأنّه يمكن دعوى عدم الاطلاق لكون القضية شخصية «1»، و على كل حال ان كان للرواية اطلاق فيكون مفادها مثل رواية اعمش.

[قد أفتى ابن أبى عقيل بوجوب الاعادة مطلقا]

و قد أفتى ابن أبي عقيل المعروف بالعمّاني بوجوب الاعادة إذا أتم في موضع القصر مطلقا في كل الصور في الوقت، و خارج الوقت و لعل كان افتائه بذلك لوصول هاتين الروايتين فقط بيده، و لم تصل بيده رواية عيص بن القاسم و أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم الّتي نتعرض لها بعد ذلك إن شاء اللّه، لأنّ رواية زرارة

______________________________

(1)- أقول: و إمكان أن يكون السؤال لنفسه، و ما قلنا من الشاهد على عدم كون السؤال لنفسه ممّا قلنا، بناء على الجمود بظاهر الرواية و بعد ذلك على ما تلونا عليك، يمكن دفعه لا يستفاد من

الحديث كون السؤال في هذا السفر عنه عليه السّلام حتى بعد ذلك، لأنه قال (و أنا في سفر) فأتى بلفظ السفر منكرا، فيدل على انّه صلّى أربع ركعات في سفر من اسفاره، فسأل بعد ذلك عن حكمه، و أجاب عليه السّلام بقوله «أعد» فعلى هذا لا يستكشف من الرواية اطلاق يشمل حال العمد و الجهل بالحكم أيضا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 177

و محمد بن مسلم ليستا في الكافي، بل تكونان في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه و هو متأخر عنه، و رواية عيص بن القاسم و ان كانت في الكافي، و لكن العماني حيث يكون معاصرا للكلينى بل كان اكبر منه سنا، لم يصل بيده الكافي، فما وصل كانت الأصول المتقدمة، و لم تكن هذه الجوامع الاربعة عند العماني فلم يصل بيده ما تقيد رواية أعمش و عبيد اللّه بن على الحلبى، فأفتى بالاعادة مطلقا.

فما نقول في بعض المواقع: بأنّه لا يمكن الاتكال بفتوى مثل ابن ابي عقيل في قبال امثال الشّيخ مع تبحره و وصول روايات بيده لم يصل بيد أمثال ابن ابي عقيل له وجه، و يظهر من تلك الموارد تمامية كلامنا، و على كل حال هاتان الروايتان على تقدير إطلاقهما تدلّان على الاعادة في الوقت و خارجه في كل الصور إذا أتم المسافر في موضع القصر.

الثالثة: ما رواه الشّيخ عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان- و ما ذكره في الوسائل عن محمد بن الحسين عن محمد بن علي النعمان غير صحيح، لأنه ليس في السند محمد بعد الحسين، بل السند كما نقلناه- عن سويد القلّاء عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن

الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات، قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى بمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه). «1»

و تدلّ هذه الرواية على وجوب الاعادة في الوقت على من أتم في موضع القصر نسيانا، و عدم وجوب الاعادة عليه في خارج الوقت.

و التعبير على ما في الرواية و إن كان تفصيلا في وجوب الاعادة و عدمها بين

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 178

تذكره في ذلك اليوم الّذي نسي الشخص فيه، و بين مضي ذلك اليوم، و لكن هذا لا يوجب الالتزام بأن مراده عليه السّلام هو التفصيل بين مضي ذلك اليوم و بين عدم مضيه، لا الوقت و خارجه، لأنّ الظاهر هو أن من نسي صلاة و أتم فيها هو صلاة اليوم من الظهر و العصر، فجوابه عليه السّلام بأنّه «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا إعادة عليه» كناية عن الوقت و خارجه، يعني إذا تذكر قبل مضي اليوم و كان الوقت باقيا، تجب الاعادة، و إن مضى اليوم و خرج الوقت، فلا تجب الاعادة، فتدل الرواية على التفصيل بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها في خصوص الناسي، و لا تشمل غير الناسي لأنّ فرض السائل النسيان لقوله «عن الرجل ينسى».

و لا يمكن أن يقال: بدلالتها على اختصاص هذا التفصيل بالناسي حتى كان اثره انّه إن دل دليل آخر على هذا التفصيل لغير الناسي صار معارضا معها، لأنّ النسيان يكون في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السّلام، بل هو عليه السّلام اجاب عما

سأل السائل، و لم يقيّد الحكم في كلامه بكونه ناسيا حتى يقال: بأن مفهوم كلامه يقتضي نفى هذا الحكم و التفصيل في غير الناسي.

ثمّ إن هذه الرواية باعتبار ما يستفاد من ظاهرها تقيد إطلاق الروايتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، لأنّ هذه الرواية قيدت وجوب الاعادة بخصوص الناسي في خصوص صورة تذكره في الوقت، و أمّا بعد خروج الوقت فلا تجب الاعادة، فهذه الرواية مقيدة للروايتين الاولتين.

[الرواية الرابعة مفصلة بين الوقت و خارجه]

الرابعة: ما رواه الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى و هو مسافر، فاتم الصّلاة، قال: إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 179

مضى فلا). «1»

و هذه الرواية تدلّ على التفصيل بين الوقت و بين خارجه في الاعادة و عدمها، بأنّه إن أتم المسافر في موضع القصر فإن كان الوقت باقيا يجب عليه الاعادة، و ان خرج الوقت فلا يجب عليه الاعادة، و شمول هذه الرواية للناسي لا إشكال فيه، بل يمكن ادعاء كون مورد سؤال السائل هو خصوص الناسي، و إن اخذ بظاهرها تشمل للجاهل أيضا سواء كان الناسي، أو الجاهل ناسيا، أو جاهلا بالموضوع، أو بالحكم.

و أمّا شمول الرواية للعالم حتى يقال بأن من أتم عالما بالحكم و الموضوع في موضع القصر، يجب عليه الاعادة في خصوص الوقت، لا في خارجه مشكل.

قد يقال: بعدم شمولها للعالم لبعد أن يتم أحد في موضع القصر مع علمه بوجوب القصر عليه، فقوله (رجل صلّى و هو مسافر فاتم الصّلاة) لا تشمل للعالم بل منصرف عنه.

و

لكن قد يقال: بشمول الرواية للعالم أيضا جمودا على ظاهر قوله (رجل صلى و هو مسافر فاتم الصّلاة) فان رجلا أتم الصّلاة و هو مسافر في الرواية أعم من أن يكون إتمامه من باب جهله، او مع علمه، أو نسيانه، و على كل تقدير على فرض شمولها و اطلاقها تصير مقيدة لرواية أعمش و عبيد اللّه، لانّهما تدلّان بإطلاقهما على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و هذه الرواية تدلّ على الاعادة في خصوص الوقت، فنتيجة الجمع بين الروايتين و بينها هو الاعادة في خصوص ما إذا كان

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 180

الوقت باقيا.

و لعل منشأ أن ابن جنيد الاسكافى أفتى بوجوب الاعادة مطلقا في خصوص ما إذا كان الوقت باقيا، هو وصول رواية اعمش و عبيد اللّه و العيص فقط بيده، و لم تصل إليه رواية زرارة و محمد بن مسلم، و لهذا افتى كذلك، لأنّ رواية زرارة و محمد بن مسلم رواها الشّيخ رحمه اللّه و لم يكن في الكافى ذكر منها، و كان زمانه مقدما على زمان الشيخ رحمه اللّه فما وصل بهذه الرواية.

[الرواية الخامسة فرقت بين العالم و الجاهل]
اشارة

الخامسة: ما رواها زرارة و محمد بن مسلم (قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السّلام رجل صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قرأت عليه آية التقصير، و فسرت له، فصلى اربعا أعاد، و إن لم تكن قرأت عليه و لم يعلمها، فلا اعادة عليه). «1»

و هذه الرواية تدلّ على وجوب الاعادة على من قرأت عليه آية التقصير يعنى: قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ

و فسرت له، و المراد من قوله (فسّرت) هو انّه فسّر له بأن القصر في السفر واجب، و ان المراد من (لا جناح) في الآية ليس الجواز، بل يكون الوجوب، و حاصله هو ان المسافر إن كان عالما بان اللّه جعل التقصير في السفر في قوله في كتابه الكريم، و عالم بأن القصر واجب في السفر، و مع ذلك أتم في سفره فيجب عليه الاعادة، و ان لم يقرأ عليه آية التقصير و لم يعلمها يعنى: يكون جاهلا بأن المسافر شرع له القصر و كان ذلك واجبا عليه، و مع ذلك قصر في سفره فلا إعادة عليه، فهذه الرواية فصلّت و فرّقت بين العالم و بين الجاهل.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 181

فمن كان عالما بوجوب القصر في السفر و مع ذلك أتم في موضع القصر، فيجب عليه الاعادة، و إن كان جاهلا بذلك و اتم في موضع القصر، فلا إعادة عليه.

و ما ورد في صدر الرواية من قوله «قال: إن كان قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلى أربعا اعاد»، هل يكون المراد انّه مع علمه بذلك أتم؟ أو يكون المراد ممّن يتم في موضع القصر مع علمه بوجوب القصر عليه، هو من نسي ذلك الحكم، فعلى الأوّل يحمل على العالم، و على الثاني يحمل على الناسي.

لا يخفى عليك انّه بعد كون إتمام الشخص في موضع القصر مع علمه بعدم صحة اتمامه و وجوب القصر عليه، بعيد لانه مع العلم كيف يتم الشخص في حال علمه بوجوب القصر عليه، و عدم صحة صلاته إن أتمها و كيف يقدم على هذا الأمر، لأنّ غرضه

ليس العناد و المخالفة، فلا بدّ من حمل الصدر يعنى من علم بوجوب القصر و مع ذلك أتم في موضع القصر على الصورة الّتي يكون الشخص ناسيا لهذا الحكم، لأنّه من الممكن أن يكون الشخص عالما بحكم، و لكن خالف هذا الحكم من باب نسيانه هذا الحكم، فيكون المراد ممّن قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له، و مع ذلك أتم هو من كان ناسيا لهذا الحكم، فعلى هذا يستفاد من صدر الرواية وجوب الإعادة على الناسي للحكم. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يكون نظره عليه السّلام بمن كان جاهلا بالخصوصيات بأن يقال: إن العالم تارة يعلم أن اللّه قال «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ» و يعلم بأن القصر يكون على سبيل الوجوب، و لكن لا يعلم خصوصيات هذا الحكم، مثلا لا يعلم بأن القصر الواجب شرّع في اي سفر و ما هو شرط فيه، مثل جهله بأنّه يشترط فيه أن لا يكون السفر معصية و غير ذلك.

و تارة يعلم به و بجميع الخصوصيات.-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 182

و على كل حال قال- مد ظله- بأن المراد ممّن قرأت عليه آية التقصير و فسرت له هو الناسي، لأنّ المناسب هو هذا كما يدلّ على ذلك ظاهر قوله قرأت عليه آية التقصير و فسرت له، الظاهر في كون القراءة و التفسير له سابقا على إتمامه و هو مناسب مع النسيان، لأنّ الناسي مع علمه سابقا ينسى و يعمل على خلاف علمه نسيانا.

[المراد من صدر الرواية هو العامة ليس فى محله]

و ما يتوهم من كون الصدر ناظرا الى العامة، لأنهم مع علمهم بالآية و مع علمهم بتفسيرها بأن أهل البيت قالوا: بوجوب القصر، مع ذلك يتمون في موضع القصر فكان المراد عن قرأت

عليه آية التقصير و فسّرت له هو العامة، ليس في محله،

______________________________

- و الظاهر من قوله «قرأت عليه آية التقصير و فسّرت» هو الصورة الاولى اعني: من علم بالآية و بتفسيرها بأن المراد من (لا جناح) الوجوب، لأنّ من قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له يكون جاهلا بالخصوصيات، فتم في موضع القصر لجهلة بالخصوصيات، مثلا أتم بعد إقامته.

مترددا في موضع مع عدم مضي شهر، لجهله بأن الاتمام لا يجوز إلا بعد مضي الشهر و غير ذلك، فيمكن أن يكون الشخص عالما بوجوب أصل القصر أعنى: التفسير و مع ذلك أتم، و لم يكن إتمامه عنادا و على خلاف ما علمه حتى يقال: بأنّه من البعيد أن يصلي الشخص أربع ركعات مع علمه بوجوب القصر فيحمل الصدر على هذا.

و أما الذيل فالمراد بمن لم يكن قرأت عليه آية التقصير و لم يعلمها هو من يكون جاهلا بالآية و التفسير و الخصوصيات جميعا، و ما احتملنا في الصدر يكون انسب مع الذيل لأنّ الذيل يدل على عدم وجوب الاعادة على الجاهل بالآية و التفسير و الخصوصيات، و لم يعلم بهذه الأمور أصلا، فالصدر يكون مقابل ذلك، و مقابله من يكون عالما و لو ببعض هذه الأمور، و هو من قرأت عليه الآية و فسّرت، فمن يكون كذلك ليس داخلا في الذيل فيجب عليه الاعادة لجهله بالخصوصيات، فعلى هذا يمكن كون المفروض من الصدر هو العالم و يجاب عما قال مد ظله بأن العالم كيف يتم مع علمه بكون الحكم هو الإتمام، بأنّه يمكن أن يكون الشخص مع علمه بوجوب القصر في السفر جاهلا ببعض الخصوصيات. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 183

لبعد كون السائل و كذا الامام عليه

السّلام في مقام بيان وظيفة العامة.

فالمراد من رواية زرارة رحمه اللّه و محمد بن مسلم- بعد ما بينّا ما يستفاد من صدرها و ذيلها- هو الفرق بين العالم و الجاهل، و أن العالم بالآية و بوجوب القصر، يجب عليه الاعادة إذا أتم في موضع القصر، و الجاهل بذلك لا يجب عليه الاعادة، و ظاهر من قوله لا إعادة عليه في الذيل هو انّه لا يجب عليه الاعادة في الوقت و خارجه، فهذه الرواية تدلّ على كون الملاك في وجوب الاعادة و عدم وجوب الاعادة هو العلم و الجهل.

فتعارض هذه الرواية مع رواية العيص الدالة على وجوب الإعادة في الوقت و عدم وجوبها في خارج الوقت، بناء على كون إطلاق لها تشمل الجاهل بالحكم و الناسي للحكم.

بيانه أن رواية العيص على تقدير اطلاقها تدلّ على وجوب الاعادة في الوقت على من أتم في موضع القصر، سواء كان من باب الجهل بكلا قسميه، أو النسيان او العلم، و على عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت على من أتم في موضع القصر سواء كان إتمامه من باب الجهل بكلي قسميه، او النسيان او العلم.

و تدلّ رواية زرارة و محمد بن مسلم على وجوب الاعادة على من اتم في موضع القصر عالما مطلقا حتى في خارج الوقت، و على عدم وجوب الاعادة على الجاهل، فيتعارض اطلاق صدرها مع رواية العيص، لأنها تدلّ على الاعادة في الوقت و خارجه لاطلاق قوله أعاد، و الحال أن رواية العيص تدلّ على وجوب الاعادة على العالم و الناسي في خصوص الوقت لا فى خارجه، و تعارض ذيلها أيضا مع رواية العيص لأنّ رواية محمد بن مسلم تدلّ على عدم وجوب الاعادة في الوقت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 184

و خارجه على الجاهل و رواية العيص تدلّ بإطلاقها الشامل للجاهل بالحكم على وجوب الاعادة في الوقت فيقع التعارض بينهما- فتكون النسبة بينهما عموما من وجه لأنّ كلا منهما أعم من جهة و اخص من جهة اخرى، لأنّ رواية العيص اعم من حيث شمولها للعالم و الجاهل و الناسي، و اخص من اجل اختصاص الاعادة فيها بخصوص الوقت عليهم- و رواية زرارة محمد بن مسلم اعم من حيث عدم الفرق بين الوقت و خارجه لدلالة صدرها على الاعادة مطلقا اعنى: في الوقت و خارجه و دلالة ذيلها على عدم وجوب الاعادة أيضا في الوقت و خارجه و أخص لدلالة صدرها و تعرضها لخصوص العالم بالحكم، و ذيلها لخصوص الجاهل بالحكم.

فرواية العيص أعم موضوعا لشمولها للجاهل و العالم و الناسي، و اخص حكما لاختصاص حكم الاعادة فيها لخصوص الوقت.

و رواية زرارة و محمد بن مسلم أعم حكما لشمولها من باب إطلاقها في وجوب الاعادة للوقت و خارجه، و اخص موضوعا لتعرضها لخصوص موضوع العالم و الجاهل بالحكم.

[في ذكر احتمالات الجمع بين الرواية العيص و زرارة و محمد بن مسلم]

إذا عرفت وجه وقوع التعارض بينهما فما يحتمل في مقام الجمع وجوه، فنورد الاحتمالات أولا ثمّ نختار ما هو الانسب في مقام الجمع فنقول: «1»

الاحتمال الاول: أن يقيد صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم و ذيلها برواية العيص، فيقال: بأن ما يستفاد من رواية زرارة و محمد بن مسلم من وجوب الاعادة في الوقت و خارجه على العالم، نقيده بما يستفاد من رواية العيص الفارقة

______________________________

(1)- اعلم ان سيدنا الأستاد- مد ظله- تعرض لهذه الوجوه بنحو الاجمال و انا أذكرها ببيان منّي.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 185

بين الوقت و خارجه فتكون نتيجة الجمع

هو وجوب الاعادة على العالم في خصوص الوقت و عدم وجوب الاعادة في خارجه، و كذلك ذيلها بأن نقيده برواية العيص فتكون نتيجة الجمع وجوب الاعادة في الوقت في الجاهل و عدم الاعادة في خصوص خارج الوقت في حق الجاهل.

فإن قيل في مقام الجمع بهذا النحو، يلزم الغاء رواية محمد بن مسلم من حيث الملاك الّذي اخذ في الحكم، فإن الظاهر منها هو كون تمام الملاك في الاعادة و عدمها هو العلم و الجهل، لا أمرا آخر فإن قيدت برواية العيص و قيل بوجوب الاعادة في خصوص الوقت للعالم بالحكم، و كذا على الجاهل بالحكم و عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت في العالم و الجاهل، فيوجب ذلك إلغاء العلم و الجهل من الملاكية من راس، و الحال أن الرواية ظاهرة بل صريحة في أن تمام الملاك هو العلم و الجهل في الوقت و خارج الوقت، فلأجل ذلك لا يمكن الجمع بهذا النحو «مضافا الى أن الالتزام بوجوب الاعادة في الوقت في حق الجاهل مخالف لفتوى المشهور».

الاحتمال الثاني: هو أن يقال في مقام الجمع بحمل رواية العيص و تعرضها لخصوص الجاهل و عدم شمولها للعالم و الناسى أصلا، فعلى هذا لا تعارض بينها و بين صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم المتعرّضة لخصوص الناسي على ما بينا، و يقع التعارض بينها و بين ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم المتعرّضة لحكم الجاهل، لأنّ ظاهر رواية زرارة و محمد بن مسلم تدلّ على عدم وجوب الاعادة في الجاهل بالحكم في الوقت و خارجه، و ظاهر رواية العيص تدلّ على وجوب الاعادة على الجاهل في الوقت و عدمها في خارجه، فيقع التعارض بينهما في الوقت،

لأنّ الاولى تدلّ على الاعادة و الثانية على عدمها، و إذا كان كذلك و لم يكن تعارض بينها و بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 186

صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم بناء على هذا، لعدم شمول لرواية العيص للعالم و الناسي، فيرتفع التعارض، بأن يقيّد ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم رواية العيص، و يقال: بعدم وجوب الاعادة في خارج الوقت و امّا في الوقت فتجب الاعادة على الجاهل فتكون النتيجة هو وجوب الاعادة مطلقا على الناسي للحكم لدلالة صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم عليه، و عدم تعارض رواية العيص معها في ذلك بناء على ما ذكر من عدم شمول رواية العيص للناسي و اختصاصها بالجاهل، و وجوب الاعادة في الوقت دون خارجه على الجاهل بالحكم جمعا بين رواية العيص و ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم، فلازم هذا الجمع وجوب الاعادة في الوقت على الجاهل بالحكم.

و المانع من الأخذ بهذا الجمع هو كون نتيجة الجمع مخالفته مع فتوى المشهور لانهم أفتوا بعدم وجوب الاعادة في الوقت و خارجه على الجاهل بالحكم، فلا اشكال في هذا الجمع إلا كون نتيجتها على خلاف فتوى المشهور.

[لا تعارض بين ذيل الرواية زرارة و محمد بن مسلم و رواية العيص]

الاحتمال الثالث: هو أن يقال في مقام الجمع: بأن رواية العيص غير شاملة للجاهل بالحكم أصلا، بل يختص الحكم فيها لغير الجاهل بالحكم إمّا لخصوص الناسي بقرينة رواية ابي بصير المتقدم ذكرها المتعرضة لخصوص الناسي، أو الاعم منه و من الجاهل بالموضوع، و على كل حال يقال: بعدم شمولها للجاهل بالحكم خصوصا مع أن تقييد ذيل رواية محمد بن مسلم زرارة و الالتزام بوجوب الاعادة في خصوص الوقت لا فى خارجه يوجب مخالفة المشهور و هو

مشكل.

فعلى هذا لا تعارض بينها و بين ذيل رواية محمد بن مسلم و زرارة الدالة على عدم وجوب الاعادة للجاهل بالحكم في الوقت و خارجه، لأنه على هذا ليست

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 187

رواية العيص متعرضة للجاهل بالحكم، و يكون التعارض بينهما من جهة صدر رواية محمد بن مسلم زرارة و على ما قلنا من كون الصدر متعرضا للناسي، لبعد كون النظر في الصدر الى العالم بالحكم، لأنّه كيف يتم الشخص مع علمه بوجوب القصر، فلا بدّ من حمل الصدر على الناسي، و بعد الحمل على الناسي فيدل صدر هذه الرواية على وجوب الاعادة على الناسي، حتى في خارج الوقت لشمول قوله فيها «أعاد» للوقت و خارجه، و الحال أن رواية العيص الشاملة للناسي بإطلاقها على وجوب الاعادة في الوقت فقط للناسى، و عدم وجوب الاعادة عليه إذا التفت بعد مضى الوقت فتعارضهما يكون بالنسبة الى الناسي في خارج الوقت.

فنقول في مقام رفع التعارض بأنّه يقيّد صدر رواية محمد بن مسلم و زرارة برواية العيص لكون رواية العيص نص في وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها ظاهرة في وجوب الاعادة في خارج الوقت، لكون دلالتها في ذلك بالإطلاق لأنّ اطلاق «اعاد» بحسب ظهوره يشمل الوقت و خارج الوقت، فيقدم النص على الظاهر في مقام الجمع العرفى، فبهذا النحو يمكن الجمع بين الروايتين لعدم وجود وجه أوجه منه لما عرفت من عدم امكان الجمع بنحو ما مضى في الاحتمال الأوّل و الثاني، فافهم.

[في ذكر الفروع بمناسبة صلاة المسافر]

فروع:

الفرع الاول: هو أن المتقين من رواية محمد بن مسلم و زرارة الدالة على معذورية الجاهل بالحكم و عدم وجوب الاعادة و القضاء عليه،

هو الجاهل الّذي يكون جاهلا باصل مسئلة وجوب القصر في السفر، لا في خصوصياته، فاذا علم باصل مسئلة وجوب القصر و قرأت عليه آية التقصير و فسرت له، و لكنه جاهل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 188

بخصوصيات هذا الحكم، مثل انّه لا يدرى شرائطه، فهو لم يكن معذورا لعدم الدليل على ذلك.

الفرع الثاني: إذا قصّر الشخص في موضع الاتمام مثل ما إذا قصر قاصد الاقامة في محل الاقامة، فلا تصح صلاته مطلقا و إن وردت رواية على عدم وجوب الاعادة عليه، و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:

إذا اتيت بلدة فازمعت المقام عشرة أيّام فأتم الصّلاة، فان تركه رجل جاهلا فليس عليه إعادة» لا يعمل بها لشذوذها فتجب الاعادة مطلقا في هذا المورد.

الفرع الثالث: لو قصّر في صلاة المغرب جهلا وجب عليه الاعادة مطلقا، و لا يعتنى بالرواية الدالة على عدم وجوب الاعادة عليه في خارج الوقت، و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة كانت معنا في السفر، و كانت تصلى المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: ليس عليها قضاء) «1» لكونها شاذة.

الفرع الرابع: من صام في السفر من باب جهله بالحكم أى: بوجوب الافطار، صح صومه لدلالة روايات على هذا الحكم، فراجع باب 2 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم من الوسائل.

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: إن كان لم يبلغه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك فليس

عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم). «2»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 189

ثمّ إنّ هنا إشكالا مشهورا فنتعرض له و لدفعه بطريق الاختصار، و نذكر تفصيله في الاصول، فنقول أمّا الاشكال فهو انّه كيف يمكن الالتزام بصحة الصّلاة الّتي اتى بها الجاهل بالحكم تماما في موضع القصر، و الحال أن الصحة متوقفة على الأمر، لأنّه إذا اتى المكلف ما هو المأمور به بما هو المعتبر فيه من الأجزاء و الشرائط يحكم بصحة ما اتى به لكونه موافقا للمأمور به، فالصحة متوقفة على الأمر.

و مع ذلك يحكم باستحقاق هذا المكلف للعقاب على ترك القصر، و الحال أن استحقاق العقاب أيضا متوقف على وجود أمر، لأنه إن كان في البين أمر و خالفه المكلف يصير مستحقا للعقاب فإن أتى المكلف بالمأمور به صحيحا فلا معنى لاستحقاق العقاب، و إن لم يكن امر متعلقا على ما أتى به فلا وجه للصحة، و كذلك لو لم يكن أمر في البين على القصر في الفرض فلا وجه لاستحقاق العقاب على ترك القصر، فليس الحكم بالصحة مع استحقاق العقاب إلا الجمع بين المتنافيين.

و كذلك ليس الحكم بالصحة بالنسبة الى ما اتى به اعنى: اتمامه في صلاته مع الحكم باستحقاق العقاب المتوقف على الأمر بالقصر إلّا الجمع بين المتنافيين، لأنه كيف يمكن كونه مأمورا بالقصر و الاتمام معا، هذا بيان الإشكال بنحو الاجمال، و فى تقريره بيانات ليس هنا مقام ذكرها.

و أمّا الدفع فانّه يقال: أمّا ما ادعى من أن المشهور هو كون الجاهل بالحكم في ما نحن فيه مستحقا

للعقاب على ترك الصّلاة القصرية ممنوع.

أما أولا فلعدم تسلم الشهرة على ذلك، و امّا ثانيا فلعدم كون الشهرة مفيدة في أمثال المقام، فعلى هذا يقال: بأنّه أما الاستحقاق للعقاب فلا وجه له، لأنه بعد اتيان المكلف بما هو مطلوب المولى، فلا وجه بعد ذلك لكونه مستحقا للعقاب.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 190

[الامر فى المورد موجود لان الأمر متعلق بطبيعة الصلاة]

و امّا ما توهّم من عدم كون أمر متعلق بالاتمام حتى لو أتم يكون مجال للحكم بالصحة لأنّ الصحة فرع وجود الأمر، فنقول: إن الامر في المقام موجود لأنّ المأمور به و ما تعلق به الأمر ليس إلا طبيعة الصّلاة، فهنا ليس إلا أمر واحد متعلق بالطبيعة اعنى طبيعة الصّلاة، و هذه الطبيعة ذات أفراد و بعد كون المأمور به هو طبيعة الصّلاة فالقصر و الاتمام ينتزع من نحوة اتيان المكلف، كما قدمنا سابقا في طى كلماتنا، فاذا سلم المكلف على ركعتين ينتزع القصر، و يقال: قصر في صلاته، و إذا سلم على أربع ركعات ينتزع منه الاتمام و يقال: أتم في صلاته، ففي الفرض هذا الشخص الجاهل بالقصر و الاتمام إذا أتى بأربع ركعات فهو اتي بركعتين أيضا غاية الأمر لم يسلم بعد الركعتين.

فإن قلنا بعدم وجوب السّلام اصلا، أو عدم كونه جزء على تقدير كونه واجبا، لا إشكال في انتزاع القصر أيضا من هذه الصّلاة و لو لم يعلم به المكلف، لعدم اعتبار القصد في الأمور الانتزاعية.

و إن قلنا بكون السّلام جزء للصّلاة فأيضا مع اتيانه بركعتين ينتزع القصر من صلاته، غاية الأمر حيث لم يسلّم على رأس ركعتين تكون صلاته مثل التي نسي المصلّى سلامها، فلا إشكال في انتزاع القصر، فعلى كل حال يكون المكلف آتيا بالمأمور به و هي

الطبيعة، و بعد اتيانه بما أمر به المولى فلا وجه لاستحقاق العقاب.

إن قلت: لو تم ما قلت و صحت صلاته في صورة الجهل فلم لا تقول في صورة العمد أيضا لكون الملاك واحد، و الحال انّه لا يمكن الالتزام به.

نقول: يمكن ترتب عنوان آخر ثبوتا على عنوان العمد صار ترتب هذا العنوان مانعا من عدم امكان الحكم بالصحة في صورة العمد، و لو لا ذلك لا مانع من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 191

الحكم في صورة العمد بالصحة بمقتضى ما قلنا.

و هذا العنوان الآخر يمكن أن يكون الآتى عمدا بأربع ركعات في السفر رادّا لصدقة المولى، كما يظهر من بعض الروايات بأن اللّه تصدق على المسافر بذلك و لم يحب أن ترد صدقته، فافهم.

[في ذكر احتمالات المسألة]
اشارة

الفرع الخامس: إذا دخل الوقت و يكون المكلف مسافرا و لم يصل صلاته حتى دخل أهله، أو دخل عليه الوقت و هو حاضر و لم يصل حتى سافر في آخر الوقت.

فالكلام تارة يقع في ما هو مفاد الادلة الدالة على وجوب القصر على المسافر و الاتمام على غيره، و تارة في أن المناط في وجوب القصر و الاتمام، هو زمان الوجوب أو حال الأداء، و أخرى في ما يستفاد من الروايات الخاصّة الواردة في المسألتين.

فنقول بعونه تعالى:

أمّا الكلام في الجهة الاولى: فيقع الكلام في انّه هل المستفاد من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الآية هو أن وجوب القصر مشروط بكون المكلف مسافرا في تمام الوقت، أو يكفى في ذلك كونه مسافرا بقدر اداء الصّلاة، أو تكون الآية من هذا الحيث مجملة لا يستفاد منها شي ء، فلا بدّ على هذا من الرجوع الى

استصحاب الحكم السابق، أو لا بدّ من الرجوع الى الادلة الاولية الدالة على وجوب الاتمام على كل أحد إلّا من يكون خروجه متيقنا، و هو صورة كون المسافر مسافرا في تمام الوقت، وجوه:

إن قلنا بأن مفاد الآية وجوب القصر على كل من كان مسافرا في تمام الوقت،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 192

فيجب في المسألتين الاتمام، لأنه على الفرض لم يكن مسافرا في تمام الوقت.

و إن قلنا بكون مفاد الآية هو كفاية كون الشخص مسافرا بمقدار أداء في وجوب القصر عليه، فيجب القصر في المسألتين، لأنه على الفرض صار مسافرا بقدر اتيان الصّلاة، لأنه في بعض الوقت في كلتا المسألتين كان مسافرا.

و إن قلنا بكون الآية مجملة من هذا الحيث، فبناء على الرجوع الى استصحاب الحكم السابق، فلا بدّ من الحكم بالقصر في ما كان في أول الوقت مسافرا ثمّ صار حاضرا اعنى: دخله أهله، لأنه إذا دخل عليه الوقت كان الواجب عليه القصر لكونه مسافرا، ففي هذا الحال يشكّ في انّه هل يجب عليه القصر في هذا الحال أو يجب عليه الاتمام لدخوله في وطنه، و على الفرض لم يكن دليل اجتهادى يثبت أحد الطرفين، فالاستصحاب يقتضي وجوب القصر، لأنه كان سابقا قبل طروّ هذا الحال فيمن يجب عليه القصر، فيجرّ الوجوب السابق الى الآن اللاحق.

و يجب عليه الإتمام في المسألة الثانية اعني: إذا كان في أول الوقت حاضرا صار مسافرا، لأنه كان الواجب عليه الاتمام في أول الوقت، ففي هذا الحال يشك في بقاء هذا الوجوب فببركة الاستصحاب يحكم بوجوب الصّلاة التمام عليه.

و أمّا لو قلنا بأنّه بعد عدم دلالة الآية على المسألتين و كونها مجملة من هذا الحيث، لا بدّ من الرجوع الى

الادلة الاولية الدالة على الإتمام على كل أحد إلّا من كان خروجه متيقّنا، ففي المسألتين يجب الاتمام، لأنه كما عرفت القدر المتيقن من الدليل الدال على القصر على المسافر، هو من كان مسافرا في تمام الوقت، فالباقى باق تحت العموم الدال على وجوب الاتمام على كل أحد.

و يحتمل هنا احتمال رابع، و هو تعارض الدليلين- الدليل الدال على وجوب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 193

القصر على المسافر مع الدليل الدال على وجوب الإتمام على كل أحد- و الرجوع الى التخيير. «1»

أمّا الكلام في الجهة الثانية، اعنى: التكلم في ما هو مناط وجوب القصر و الاتمام، و أنه هل المناط فيه هو كون المكلف مسافرا حين الوجوب أو حين الاداء، فيظهر من الجهة الاولى لأنه إما يستفاد من الآية الشريفة بأن المناط هو زمان الوجوب أو الأداء، أو لا يستفاد منها شي ء، فإن استفيد منها فياخذ بها و إلّا فالمرجع كما قلنا هو استصحاب الحكم الثابت سابقا، و أمّا الرجوع الى الادلة الاولية في غير مورد ما تيقن خروجه منها بالأدلّة الدالة على وجوب القصر في السفر على المسافر فيستفاد من الجهة الاولى حال الجهة الثانية «بل هي عبارة اخرى عن الجهة الاولى لأنّ ما هو مفاد الآية هو عبارة اخرى عن المناط المستفاد من الآية».

أما الكلام في الجهة الثالثة، اعني: ما يستفاد من الأدلة الخاصّة في المسألتين فنقول بعونه تعالى: إنه لا بدّ لنا من ذكر الروايات الواردة في المسألة الاولى من المسألتين، لأنّ لها دخلا في كشف حكم المسألة الثانية.

اعلم انّه لا إشكال في وجوب القصر على المسافر في ما لو صلى في السفر، و لا إشكال في عدم وجوب تأخير الصّلاة على المسافر

حتى يصل الى وطنه، و هذا مسلم و لا يحتمل أحد غير ذلك، و إنما الكلام في ما إذا بلغ المسافر الى وطنه مع بقاء الوقت و أراد أن يصلى في الوقت فنقول:

______________________________

(1)- أقول: و لكن ذكر هذا الوجه يكون على سبيل الاحتمال، و إلّا فلا تصل النوبة الى هذا المقام، لأنه ان كان لدليل القصر لسان يشمل المسألتين حيث انّه خاص، يخصص به الادلة الدالة على وجوب الاتمام على كل احد. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 194

[في ذكر الاقوال فى المسألة من الخاصة و العامة]

إن المشهور بين القدماء و المتأخرين هو وجوب الاتمام.

و قيل بوجوب القصر عليه كما هو المحكى من الذكرى و روض الجنان و عن العلّامة رحمه اللّه في المنتهى و النّهاية.

و قيل بالتخيير بين القصر و الاتمام كما حكى عن ابن الجنيد.

و قيل بالتفصيل بين ضيق الوقت و سعته، فيجب القصر مع ضيق الوقت و الإتمام مع سعته كما حكي ذلك عن الشّيخ رحمه اللّه في مسائل الخلاف.

و قال في السرائر ما حاصله: انّه لم يقل بهذا التفصيل أحد منا و لا من مخالفينا سوى شيخنا أبي جعفر، و هو منه لم يكن اعتقادا بل أو رده ايرادا، هذا ما وصل إلينا من اقوال الخاصّة.

و أمّا العامة فالظاهر إجماعهم على وجوب الاتمام، و الاظهر هو ما ذهب إليه المشهور من وجوب الاتمام بحسب الادلة، فنتعرض للأخبار الواردة في الباب فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها اسماعيل بن جابر «بسند صحيح» (قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يدخل عليّ وقت الصّلاة و أنا في السفر فلا اصلى حتى أدخل أهلى، فقال: صلّ و اتم الصّلاة. قلت: فدخل عليّ وقت الصّلاة و أنا في أهلى أريد السفر فلا اصلى حتى

اخرج، فقال: فصل و قصر، فان لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه» و رواه الصّدوق باسناده عن اسماعيل بن جابر مثله. «1»

و حلف الامام عليه السّلام في قوله «فان لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه» يحتمل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 195

أن يكون من باب كون القصر عزيمة في السفر، فالمخالفة الّتي تكون مرادا و حلف عليها، هي المخالفة في وجوب القصر على المسافر، لا أن يكون الحلف في انّه لو خالفت ما بينت من الحكم- فيمن كان مسافرا و لم يصل حتى دخل اهله، أو كان حاضرا و لم يصل حتى سافر- في وجوب الاتمام في الأوّل و القصر في الثاني، لبعد ذلك لعدم كون هذا الحكم مشهورا من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى تكون مخالفته مخالفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الثانية: ما رواها بسند صحيح العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصّلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصليها، قال:

يصليها أربعا، و قال: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته). «1»

الثالثة: رواية محمد بن مسلم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصّلاة و هو في الطريق فقال: يصلى ركعتين، و ان خرج الى سفره و قد دخل وقت الصّلاة فليصل أربعا). «2»

فيحمل على أن من اراد أن يدخل اهله لا يجب عليه الصبر الى أن يدخل اهله ثمّ يصلى صلاته اربعا، بل يجوز أن يصلى في الطريق ركعتين و لو كان عالما

يدخل اهله قبل مضى الوقت.

كما ما رواها اسحاق بن عمار (قال سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصّلاة فقال: ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 196

خروج الوقت فليقصر) «1» تحمل على المورد الّذي يريد المسافر أن يقدم من سفره و يدخل اهله، فاجاب عليه السّلام بأنّه ان كان لا يخاف فوت الوقت يعني: يصلي بمنزله قبل فوت الوقت، فعليه الصبر و الاتمام بعد الدخول و إلّا فعليه القصر.

و إن كان الشّيخ رحمه اللّه استند في ذهابه الى التفصيل بين سعة الوقت و ضيقه بالاتمام في الأوّل و القصر في الثاني في بعض كتبه بهذه الرواية، و لكنها محمولة على ما ذكرنا.

و يؤيد ما قلنا بل يدلّ ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصّلاة، فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل و ليقصر) «2» و قوله (فليدخل) دال على عدم وصوله بعد الى موضع يجب عليه الاتمام.

و عليه أيضا يحمل ما روى عن الشّيخ رحمه اللّه بسند صحيح، و هي ما رواها منصور بن حازم (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصّلاة قبل أن يدخل اهله، فسار حتى يدخل أهله، فإن شاء قصر و إن شاء

أتم و الاتمام أحب الي) «3» يعني: إن شاء لا يدخل اهله و يقصر وجوبا و إن شاء يدخل اهله و يتم وجوبا «4».

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- أقول: و لكن قوله عليه السّلام (فسار حتى يدخل اهله) ثمّ بعد ذلك قال (إن شاء قصر و إن شاء

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 197

فلا يستفاد منها التخيير في السفر كما ذهب إليه أبو علي محمد بن الجنيد الاسكافى البغدادى رحمه اللّه.

و بالجملة فلا منافاة بين صحيحة اسماعيل بن جابر و صحيحة عيص بن قاسم الدالتين على انّه يجب الاتمام بعد دخول المسافر على أهله و بين صحيحة محمد بن مسلم القابلة للحمل على ما ذكرنا مع ما ذكرنا من تأييد بعض الروايات على هذا الحمل، مضافا الى انّه بعد كون روايات محمد بن مسلم رواية واحدة و إن نقلت بطرق مختلفة و إن كان الاختلاف في متنها بحسب اختلاف نقل الناقلين، و لكن بعد كون متن بعض طرق النقل عنه غير معارض مع رواية اسماعيل بن جابر و رواية عيص بن قاسم، فلا وجه لمعاملة التعارض بين رواية محمد بن مسلم و رواية اسماعيل بن جابر و رواية عيص بن قاسم، فلا إشكال في هذه الصورة اعنى: ما اذا بلغ المسافر الى وطنه مع بقاء الوقت و أراد أن يصلي في الوقت في انّه يجب الاتمام عليه.

و أمّا الكلام في ما إذا دخل عليه الوقت و لم يصل ثمّ سافر في الوقت، في انّه هل يجب عليه

القصر بعد ما صار مسافرا في الوقت، أو يجب عليه الاتمام و فيها أيضا اقوال:

[في ذكر بعض الاخبار الدالة على كون المدار بحال تعلّق الوجوب]

المشهور هو ان الاعتبار بحال تعلق الوجوب، و ذهب جماعة من الفقهاء منهم العلّامة رحمه اللّه في أكثر كتبه، الى أن الاعتبار بحال تعلق الوجوب مع ذهابه في المسألة السابقة الى كون الاعتبار بحال الأداء، و عمدة مستندهم الروايات:

______________________________

اتم) ظاهر في أن التخيير يكون بعد الوصول الى منزله و دخوله الى أهله، فالرواية في حد ذاتها تدلّ على التخيير في هذه الصورة، فتامل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 198

الأولى: ما رواها فضالة بن أيوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم:

(و إن خرج الى سفره و قد دخل وقت الصّلاة فليصل أربعا). «1»

الثانية: ما رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: إذا زالت الشّمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتم، فاذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر). «2»

الثالثة: ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام (أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر و العصر في السفر حتى دخل اهله، قال: يصلي أربع ركعات). «3»

الرابعة: ما روى عنه عن احدهما عليهما السّلام إنه قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتى يخرج (قال: يصلي أربع ركعات في سفره، و قال: إذا دخل على الرجل وقت الصّلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصّلاة الّتي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره). «4»

و يمكن أن يخدش في كلها.

أما الرواية الاولى: فلكونها معارضة مع صحيحة اخرى عن محمد بن مسلم و هي رواية 1 من هذا الباب،

و هي هذه عن محمد بن مسلم في حديث (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، فقال: إذا خرجت

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 14 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 199

فصلّ ركعتين). «1»

لكونها ظاهرة في انّه يجب القصر مع كون خروجه الى السفر بعد زوال الشمس، مع امكان حمل الرواية الأولى على ما لا ينافى صحيحة اسماعيل بن جابر المتقدمة، «2»- بعد كونها صريحة في كون الميزان و المعيار هو حال الاداء- بأن يحمل على أن المراد من الرواية الأولى، هو انّه إذا أراد الشخص أن يدخل أهله، فيصلى ركعتين قبل دخوله و يصلي اربعا قبل خروجه الى السفر إن اراد الخروج الى السفر.

و أمّا الرواية الثانية: فلاشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به، و هو أن الظاهر منها عدم دخول وقت العصر بالزوال حيث قال عليه السّلام فيها: «قصّر العصر»، و الأمر بتقصير خصوص العصر ليس إلّا من باب كون خروجه من منزله قبل دخول وقت العصر، و هذا مع فرض زوال الشّمس لا يساعد الا مع عدم دخول وقت العصر بمجرد الزوال، و هذا مخالف مع مذهب الامامية، و هذا يوجب الوهن في الرواية.

و أمّا الرواية الثالثة: فبعد كون الرواية مروية عن ابن إدريس، و هو ينقل عن كتاب جميل بن دراج نقول: بأنّه لم يثبت عندنا كون هذا الكتاب لجميل بن دراج و هكذا نقول

في الرواية

الرابعة الّتي نقلها المجلسي رحمه اللّه عن كتاب محمد بن الحسن المثنى الحضرمي الّتي تدلّ على ما ذهب إليه العلّامة رحمه اللّه في غير التبصرة.

فعلى هذا نقول: بعد عدم وجود دليل يعارض صحيحة اسماعيل بن جابر

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 200

المتقدمة، و هي الرواية 2 من الباب 21 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و على تقدير وجود معارض لها فنقول: لا بدّ من تقديم رواية اسماعيل بن جابر لكونها موافقة للكتاب، و هو قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الخ؛ لكون المستفاد من إطلاقها هو وجوب القصر على من يكون متلبسا بالسفر فعلا و كذلك الرواية موافقة مع ما سبق مساق الآية، و هو قوله عليه السّلام: الصّلاة في السفر ركعتان و نحوها، فالاظهر هو كون الاعتبار بحال الأداء بحسب الادلة، فيجب الاتمام في المسألة الاولى و القصر في المسألة الثانية، فافهم.

[لو كان المكلف حاضرا في بعض الوقت و غائبا فى بعض الوقت و لم يصل حتى خرج الوقت فما تكليفه]

الفرع السادس: لو كان المكلف حاضرا في بعض الوقت و مسافرا في بعضه الآخر و لم يصل صلاته حتى خرج الوقت، فيقع الكلام في انّه هل يجب عليه اتيان قضائها اتماما أو قصرا، أو هو مخير بين القصر و الاتمام؟ و بعبارة اخرى هل يجب عليه مراعات حال الوجوب أو حال الاداء، أو هو مخير بينهما؟ فنقول بعونه تعالى:

إنه تارة يقال في الفرع الخامس: بأن الاعتبار يكون على وقت تعلق الوجوب ففي ما نحن فيه أيضا يعتبر مراعات وقت تعلق الوجوب، فان كان في وقت تعلق الوجوب حاضرا يجب عليه قضائها

إتماما، و إن كان في ذلك الوقت مسافرا فيجب قضائها قصرا.

و تارة يقال في الفرع السابق: إن الميزان هو وقت الاداء و لزوم رعاية هذا الحال، فنقول: إنه بعد كون مختارنا في الفرع السابق هو كون الاعتبار بحال الاداء فينبغى أن يتكلم مرة في ما هو مقتضى القاعدة، و اخرى في ما يقتضي الدليل الخاص.

أمّا مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الدليل الخاص، فهو كون الاعتبار بحال

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 201

الفوت، لأنّه بعد كون المكلف مخيرا بالتخيير العقلى بين القصر و الاتمام في الوقت بمعنى: أن له أن يجعل نفسه موضوعا للاتمام اعنى: يتوقف في وطنه و لا يسافر، و له أن يجعل نفسه موضوعا للقصر بأن يسافر في الوقت، ففي آخر الوقت ان لم يصل يتعيّن عليه ما يجب عليه في آخر الوقت، فإن كان حاضرا في هذا الحال كان الواجب عليه الاتمام، و إن كان مسافرا كان الواجب عليه القصر، فعلى هذا يجب عليه في مقام القضاء ما وجب عليه في آخر الوقت لوجوب قضاء ما فات منه، و قبل مضي الوقت ما فات منه صلاة، و قد فات منه ما هو تعين عليه في آخر الوقت، فإن كان في هذا الحال تكليفه الاتمام يجب القضاء اتماما، و إن كان تكليفه القصر يجب عليه قضائها قصرا.

[رد توهم كون المكلف مخيرا بين القصر و الاتمام]

و قد يتوهم أن مقتضى القاعدة هو التخيير بين القصر و الاتمام، لأنّ المأمور به هو طبيعة الصّلاة في هذا الوقت الموسع المحدود بين الحدين، ففي كل جزء من هذا الزمان إذا اتى بهذه الطبيعة فقد امتثل الأمر باعتبار كونه آتيا بالطبيعة لا باعتبار كونه آتيا بالفرد، فكما أن المأمور به إذا كان عملا في

مكان موسع يكون المكلف مخيرا في اتيان هذا العمل في أي جزء من أجزاء هذا المكان، و اذا اتي بالعمل في نقطة من نقاط هذا المكان فقد امتثل الأمر المتعلّق بالعمل في هذا المكان باعتبار امتثاله للأمر المتعلّق بطبيعة هذا المكان، لا باعتبار اتيانه العمل في هذه النقطة من هذا المكان، كذلك في ما نحن فيه، فبعد كونه مخيرا في تمام الوقت في اتيان الطبيعة و لم يأت بها حتى انقضى الوقت، و على المفروض كان المكلف في بعض الوقت مكلف بالاتمام و في بعضه بالقصر لكونه حاضرا في بعضه، و مسافرا في بعضه فكذلك هو مخير في مقام قضاء الطبيعة بين القصر و الاتمام.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 202

و لكن هذا توهّم فاسد:

أما أولا: فلأن كون المكلف مأمورا في الوقت باتيان الطبيعة، و كونه مخيرا في القصر و الاتمام من باب تخييره في جعل نفسه موضوع الاتمام أو موضوع القصر، لا يوجب كونه في مقام القضاء أيضا مخيرا بين القصر و الاتمام، لأنّ تخييره في الوقت كان باعتبار اختلاف حالاته، لأنه في حالة كان حاضرا و في حالة كان مسافرا، فهو قهرا كان في جزء من الوقت مأمورا بالاتمام، و في جزء منه مأمورا بالقصر، و امّا في خارج الوقت فليس له اختلاف حالات حتى يكون باعتباره مخيرا بين الاتمام و القصر.

بل يمكن أن يقال: إن ما قلت من كون وجه التخيير في القضاء هو التخيير في الأداء لكون القضاء تابعا للاداء، يقتضي كون الواجب عليه الاتمام، لأنه بعد كون القضاء تابعا للاداء، و لاجل هذا قلت: بأن التخيير في الاداء يوجب التخيير في مقام القضاء، نقول: إن المكلف يجب عليه الإتمام في الوقت

بمقتضى الادلة الاولية إلا إذا كان في البين خصوصية موجبة للقصر، و المفروض عدم حصول هذه الخصوصية. «1»

و ثانيا: أن المستفاد من الادلة الدالة على أن ما فات من المكلف من الصلوات في الحضر يجب قضائها إتماما و لو في السفر، و ما فات منه في السفر يجب

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مد ظله أخيرا في ضمن الجواب، و ذكرناه في طى قولنا (بل الخ) لا يأتي بالنظر تماميته، لأنه بعد كون المكلف حاضرا في بعض الوقت و مسافرا في بعضه الآخر، و يكون القضاء تابعا للاداء فلم يكون المكلف مكلفا في مقام القضاء بخصوص الصّلاة الاتمامية، فالحق في الجواب هو ما قاله قبل ذلك من أن كون التكليف بالطبيعة في الوقت لا يوجب تخيير المكلف بين القصر و الاتمام في مقام القضاء، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 203

قضائه قصرا و لو أن يؤتى بها في الحضر، هو أن المأمور به في القضاء تخصص بخصوصية الاتمامية و القصرية، فلو فرض كون المأمور به حال الأداء هو نفس الطبيعة، كما هو الحق كما قلنا، و لكن هذا غير مناف مع كون التكليف في القضاء مع تعلقه بالطبيعة، تعلق بها و بالخصوصية الاتمامية و القصرية لدلالة أدلة القضاء على ذلك، فعلى هذا لا بد من ملاحظة حال الفوت، و ان التكليف حال الفوت هو خصوص الصّلاة الاتمامية أو القصرية.

و ربّما يقال: بلزوم رعاية أول الوقت، فإن كان في اوّل الوقت حاضرا يجب قضاء الصّلاة إتماما، و ان كان مسافرا يجب قضائها قصرا، بدعوى اجماع الاصحاب من الصدوق رحمه اللّه في رسالته، و المفيد رحمه اللّه و السيد المرتضى رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في بعض

كتبه، مستدلا على ذلك بأن اوّل الوقت هو اوّل زمان توجه التكليف على المكلف و وجب عليه، فيستقر عليه ذلك ان لم يأت بعد ذلك ببدله، قياسا ما نحن فيه بالمرأة الحائض، فإن المرأة إذا دخل عليها الوقت و مضى عليها مقدار زمان يسع لأداء الصّلاة مع شرائطها بحسب حالها فحاضت، فيتعين عليها التكليف و يجب عليها القضاء، فبمجرد كونها في اوّل الوقت واجدة للشرائط تعين عليها الصّلاة و إن حاضت بعد ذلك الوقت الّذي كان موسعا بمقدار اداء الصّلاة، فكما أن الاعتبار في توجه التكليف بوجوب القضاء على الحائض يكون باول الوقت كذلك في ما نحن فيه.

و فيه أما أولا: فلعدم تحقق الاجماع بمجرد فتوى جماعة من الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و امّا ثانيا: فنقول: إنه بعد كون الوقت موسعا لم يتعين التكليف عليه بمجرد دخول الوقت، بل هو مخير في كل جزء من أجزاء الوقت بأن يجعل نفسه موضوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 204

الاتمام فيتم، أو موضوع القصر فيقصر.

[لا يقاس ما نحن فيه بالحائض]

و قياسه بالمرأة الحائض قياس مع الفارق، لأنّ الحائض تعين عليها التكليف في اوّل الوقت بحسب الواقع في الفرض الّذي تصير حائضا بعد مضي زمان من الوقت يسع لأداء الصّلاة مع كل ما يعتبر فيها بحسب حالها، غاية الأمر هي تتخيل جواز تأخير الصّلاة لكونها محكومة بالحكم الظاهري بجواز تأخير الصّلاة بمقتضى الاستصحاب، فاذا حاضت يكشف عن تعيين الوجوب عليها هكذا، بخلاف ما نحن فيه.

و ربّما يؤيد هذا القول ما رواها موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه سأل عن رجل دخل وقت الصّلاة و هو في السفر فأخر الصّلاة حتى قدم و هو يريد يصليها إذا قدم إلى اهله،

فنسي حين قدم الى اهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: «يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك»). «1»

و لكن نسبة الوقف الى موسى بن بكر الواسطي الراوي عن زرارة- على ما حكي عن الشّيخ رحمه اللّه في الفهرست و الرجال، و كذا عن العلّامة رحمه اللّه في الخلاصة- تجعل الرواية موهنة، و مجرد عدم تعرض النجاشي و الكشي لمذهبه لا يصير دليلا على كونه إماميا كما قيل «القائل المامقاني في رجاله».

و على فرض كون المستفاد من عدم تعرضها كونه اماميا في نظر هما فنقول:

إنّه بعد كون كلام الشّيخ رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه صريحا في كونه واقفيا لا بد من تقديم كلامهما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 205

على كلام النجاشى و الكشى، لكون كلام الشّيخ و العلّامة صريحا، فيقدم على ما هو المفهوم من كلامهما، مضافا الى عدم معروفية العمل بهذه الرواية من الاصحاب رضوان اللّه عليهم.

و احتمال كون منشأ فتوى من أفتى على ما يطابق مضمونها، هو كون مضمونها موافقا للقاعدة بنظره كما هو صريح كلام ابن إدريس رحمه اللّه في السرائر، فافهم.

ثمّ إنّه قد يستعان بهذه الرواية للقول بالتخيير و يقال: إن قوله عليه السّلام في ضمن الرواية «كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك» دليل على التخيير، لأنه لم يقل كان يجب أن يصلي عند ذلك.

و فيه انّه يمكن أن يكون وجه أولوية أداء الفريضة في أول وقتها، و لو لم يكن على سبيل الوجوب، موجبا لتعين رعاية اوّل الوقت في مقام القضاء، كما ان هذا ظاهر استدلال الامام

عليه السّلام، لأنه عليه السّلام بعد ما بين ان الواجب هو قضاء الصّلاة قصرا عليه علل ذلك بقوله «لان الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك».

إذا عرفت كل ذلك فهمت انّه لا وجه للالتزام بتعين رعاية اوّل الوقت، و كذا لا وجه للتخيير إلا بمقتضى توهّم كونه موافقا للقاعدة، و قد بينا ما هو الحق بمقتضى القاعدة، فلا شبهة للزوم مراعات وقت الفوت في مقام القضاء، فإن كان حال الفوت حاضرا يجب قضائها إتماما، و إن كان مسافرا حال الفوت يجب قضائها عليه قصرا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الاتمام.

و أمّا ما يتراءى من بعض الكلمات بأن الاحتياط يقتضي مراعات آخر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 206

الوقت كما عن بعض، أو مراعات اوّل الوقت كما عن بعض آخر، فلا نعلم له وجها، فافهم.

خاتمة: قد مرّ مما بينا في مباحثنا السالفة في صلاة المسافر أن مذهب الامامية رضوان اللّه عليهم تبعا لأئمتهم عليهم السّلام، استقر على تعيين القصر على المسافر إلّا ما خرج و بيناه في طى مباحثنا السابقة.

[المشهور من زمان الشيخ هو تخيير المسافر فى الاماكن الاربعة]

و لكن المشهور من زمان الشّيخ رحمه اللّه هو تخيير المسافر في الأماكن الاربعة إلّا من صاحب المدارك رحمه اللّه، فخص التخيير بخصوص الحرمين، و عن السيّد المرتضى رحمه اللّه وجوب الاتمام فيها، و عن الصّدوق رحمه اللّه انّه لا فرق بين الاماكن، و حمل الروايات الدالة على جواز الاتمام بل استحبابه على استحباب نية الاتمام «بان ينوي المسافر في هذه المواضع الاربعة مقام عشرة ايام»، و تبعه من متأخرى المتأخرين الوحيد البهبهاني رحمه اللّه و السيد البحر العلوم رحمه اللّه.

و يمكن أن يكون مستند الصدوق

رحمه اللّه و من تبعه شهرة اتيان الصّلاة قصرا في زمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام، كما نقل عن الشّيخ أبي جعفر محمد بن قولويه رحمه اللّه عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه المتوفي سنة 300 عن أيوب بن نوح وكيل الهادى عليه السّلام انّه قال:

أنا اقصر، و هو نقل عن صفوان بن يحيى المتوفى سنة 208 الّذي هو من أصحاب الاجماع انّه كان ممّن يقصر، و يشهد بذلك روايتان:

الأولى: ما رواها علي بن مهزيار (قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام أن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام و التقصير للصّلاة في الحرمين، فمنها ان يأمر بتتميم الصّلاة، و منها أن يأمر بقصر الصّلاة بأن يتم الصّلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصر ما لم ينو عشرة أيام، و لم ازل في الاتمام فيها الى أن صدرنا في حجنا في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 207

عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا اشاروا إليّ بالتقصير إذا كنت لا انوى مقام عشرة أيام، فصرت الى التقصير و قد ضقت بذلك حتى اعرف رأيك، فكتب إليّ عليه السّلام بخطه:

قد علمت يرحمك اللّه فضل الصّلاة في الحرمين على غيرهما، فانا احبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصّلاة، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: انّى كتبت أليك بكذا و اجبتنى بكذا، فقال: نعم، فقلت: اى شي ء تعنى بالحرمين؟ فقال:

مكة و المدينة الحديث). «1»

وجه الدلالة قول الراوى «فإن فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير» فإن كلامه ظاهر في أن المشهور عند فقهاء الأصحاب هو القصر فيهما ما لم ينوي مقام عشرة أيام.

الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن عيسى عن على بن حديد

(قال: سألت الرضا عليه السّلام فقلت: إن اصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر، و بعضهم يتم، و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد اللّه بن جندب انّه كان يتم، فقال: رحم اللّه بن جندب، ثمّ قال لى: لا يكون الاتمام إلا أن تجمع الى اقامة عشرة أيام، وصل النوافل ما شئت، قال: ابن حديد و كانت محبتى أن تأمرنى بالاتمام). «2»

وجه الدلالة انّه يظهر من صدر الرواية كون القصر معروفا عند الاصحاب، و لا مجال لأنّ يقال: إن الشهرة قائمة على جواز الاتمام، لأنّ هذه الشهرة تكون بين المتأخرين، و الشهرة عند القدماء مقدمة عليها.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 33 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 208

و لكن الاقوى مع ذلك كله و ما هو الاظهر، ثبوت أصل الحكم في الجملة لأنّ فقه الامامية من زمان أبي جعفر الباقر عليه السّلام، و هو اوّل زمان وجد فيه الفقهاء، و صنف الكتب الفقهية كان باقيا الى زمان مصنفى الكتب الاربعة و الاصحاب رضوان اللّه عليهم في كل زمان أخذوا طبقا بعد طبق و خلف بعد خلف، و هذه الروايات أخذ كل لاحق من سابقة الى زمان الامام عليه السّلام، تدلّ على أن الحكم كان ثابتا في الجملة.

[منشأ اختلاف الاقوال اختلاف الاخبار]

و منشأ اختلاف الاصحاب كان اختلاف بيانات الأئمة عليهم السّلام، و لعل سر اختلاف بياناتهم عليهم السّلام كان من باب بنائهم على عدم إفشاء هذا الحكم الّذي لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، كما يشير إليه، بل تدلّ عليه بعض الروايات:

منها ما رواها حماد بن عيسى عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: من مخزون علم اللّه الاتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه، و حرم رسوله، و حرم امير المؤمنين عليه السّلام، و حرم الحسين بن علي عليه السّلام). «1»

و منها ما رواها مسمع عن أبي ابراهيم عليه السّلام (قال: كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما و يقول: إن الاتمام فيهما من الأمر المذخور). «2»

و منها ما رواها معاوية بن عمار (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن من الأمر المذخور الاتمام في الحرمين). «3»

و منها مرسلة حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من الأمر المذخور اتمام الصّلاة في أربعة مواطن: بمكة، و المدينة، و مسجد الكوفة،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 209

و الحائر). «1»

و غيرها من الروايات، فالاخبار على ذلك مستفيضة، بل متواترة، فلا مجال للاشكال في أصل الحكم. «2»

فاصل الحكم في الجملة مسلم و انما الكلام في جهة اخرى و هو تعيين حد المواضع الأربعة ففيها مسائل:

المسألة الأولى: في ما هو راجع الى الحرمين، فنقول: إن لسان الروايات مختلفة.

فمنها ما عبر فيها بالحرمين، أو الحرم و هو اكثرها مثل «3» ما رواها مسمع «4»، ما رواها علي بن مهزيار «5»، و ما رواها عبد الرحمن «6»، و ما رواها زياد القندي «7»، و ما رواها محمد بن ابراهيم الخضيني «8»، و ما رواها عثمان بن عيسى «9»، و ما رواها

______________________________

(1)- الرواية 29 من الباب 25 من

ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: و الدليل على تخيير المسافر في هذه الامكنة بين القصر و الاتمام هو بعض الروايات مثل الرواية 9 و 10 من هذا الباب، و على كون الاتمام افضل أيضا بعض الروايات مثل الرواية 10 من هذا الباب و غيرها. (المقرّر).

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(6)- الرواية 6 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(7)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(8)- الرواية 15 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(9)- الرواية 17 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 210

عمر و بن مرزوق «1»، و ما رواها قائد الحناط «2»، و ما رواها علي بن حديد «3»، و ما رواها معاوية بن وهب «4»، و غيره من هذا الباب. «5»

و منها ما عبر فيها بلفظ مكّة و المدينة، مثل الرواية 3 من هذا الباب، و 5 و 7 و 8 و 9 و 15 و 29 و 27 من هذا الباب.

و منها ما عبر فيها بلفظ المسجد، مثل الرواية 11 و 14 و 22 و 23 و 24 و 25 من هذا الباب.

[فى مقام الجمع بين الروايات الواردة]

إذا عرفت حال الروايات الواردة في الباب نقول: إنه يمكن أن يقال على سبيل الاحتمال: بأن يجمع بين هذه الطوائف الثلاثة من الروايات بجواز العمل و الاخذ بكل منها، بأن يجعل ظهور كل من الطوائف قرينة على رفع اليد عن ظهور كل من الطائفتين

الآخرتين، مثلا يقال بمقتضى ظهور الروايات المصرّحة فيها بلفظ المسجد برفع اليد عن ظهور ما يدلّ على كون الحد الحرم أو مكّة و المدينة، و ان المراد منها هو المسجد، و هكذا يقال في كل من الطائفتين الآخرتين.

و ما ينبغى أن يقال في مقام الجمع بين الروايات الّتي فيها ذكر الحرمين و بين ما فيها ذكر مكّة و المدينة: بأن المراد أيضا ممّا فيه ذكر الحرم أو الحرمين هو مكّة و المدينة كما يشهد بذلك الرواية 4 من الباب المذكور، فإن في ضمنها بعد ما قال علي بن

______________________________

(1)- الرواية 30 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 31 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 33 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 27 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 17 و 20 و 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 211

مهزيار «اى شي ء تعنى بالحرمين» قال أبو جعفر عليه السّلام «مكة و المدينة»، فإن هذه الرواية صريحة في أن المراد من الحرمين هو مكة و المدينة، فبقرينة هذه الرواية يرتفع التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات.

و بعد كون المراد من الطائفتين بعد الجمع هو مكّة و المدينة، يقع الكلام في كيف يمكن التوفيق بين هذه الروايات الّتي يكون مفادها أن الحكم ثابت لمكة و المدينة و بين ما يدل على ثبوت الحكم في خصوص المسجدين.

فنقول: لما لم يكن في البين ما يدلّ على تعدد الحكم هو اتحاد الحكم في المقام غاية الأمر متعلق هذا الحكم الواحد إما يكون مكّة و المدينة و إما

يكون المسجدين.

و حيث لا يمكن الجمع بينهما بحمل الروايات الدالة على أن الحكم ثابت في المسجد على الاستحباب المؤكد و حمل الروايات المعبر فيها مكّة و المدينة على مرتبة من الاستحباب، يمكن أن يقال: بأن الاحوط هو الاقتصار في هذا الحكم بخصوص المسجدين.

لانّ الروايات الدالة على كون الحكم في مكّة و المدينة و إن تكن ظاهرة في كون متعلق الحكم هو مكّة و المدينة، لكن من المحتمل كون المراد منهما و التعبير بهما خصوص المسجد، و بعد هذا الاحتمال حيث يكون الحكم بالتخيير في المواضع الاربعة خلاف القاعدة، لأنّ القاعدة الاولية وجوب القصر على المسافر، فالاحوط الاقتصار على خصوص المسجدين، بل يمكن أن يكون هذا اقوى من باب كون الدوران في المقام بين التعيين و التخيير.

إلا أن يقال: بأن الروايات المصرحة فيها لفظ مكّة و المدينة، مع عدم اجمالها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 212

و كثرتها خصوصا الرواية الّتي ما رواها علي بن مهزيار «1» تكون كالنص في الاطلاق، و سريان الحكم الى تمام مكّة و المدينة سواء كان المسجد أو غير المسجد من مكّة و المدينة و مفسرة لباقى الروايات.

و لكن يمكن أن يقال في ردّ ذلك: بأنّه بعد ما احرز وحدة الحكم كما ذكرنا تكون الروايات المصرحة فيها لفظ مسجد الحرام و مسجد الرسول أقوى ظهورا من الروايات المصرحة فيها الحرمين، لأنّ منشأ ظهور الروايات المصرحة فيها بالمسجد هو الخصوصية الّتي صارت دخيلة فيها، و هي خصوصية المسجدية، و هذه الخصوصية أمر وجودى، و امّا منشأ ظهور الروايات المصرحة فيها مكّة و المدينة في كون تمام الموضوع في الحكم هو مكّة و المدينة بدون خصوصية، لخصوص المسجد هو أمر عدمى، لأنّ هذا الظهور

لم يحصل إلا عن عدم ذكر المسجد، فعلى هذا يكون ظهور الأوّل اولى من الثاني، لأنّ الظهور الناشئ من الأمر الوجودى أقوى من الظهور الناشئ من الأمر العدمى، فافهم.

[الكلام فى المراد من الكوفة]

المسألة الثانية: في ما هو راجع الى الكوفة، فنقول بعونه تعالى: إن الروايات على ثلاثة أنحاء منها المعبر فيها بلفظ الكوفة مثل ما رواها زياد القندى. «2»

و منها المعبر فيها بالحرم مثل ما رواها حماد بن عيسى. «3»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 213

و منها المعبر فيها مسجد الكوفة مثل ما رواها عبد الحميد خادم اسماعيل «1»، و ما رواها حذيفة بن منصور «2»، و ما رواها ابو بصير «3»، و مرسلة حمّاد. «4»

و الظاهر ان المراد من حرم امير المؤمنين عليه السّلام أيضا هو الكوفة، أو خصوص مسجد الكوفة سمي حرما لاحترامه بخلافة امير المؤمنين عليه السّلام.

و امّا الكلام في الكوفة كالكلام في الحرمين، و القول بالاقتصار في الحكم بخصوص مسجد الكوفة أقوى لكثرة الروايات، و كون الحكم على خلاف القاعدة كما قلنا:

المسألة الثالثة: في ما هو راجع الى حائر الحسين عليه السّلام

روحي له الفداء، فالامر اشكل لاختلاف التعبيرات.

ففي بعضها التعبير بحرم الحسين عليه السّلام، مثل ما رواها «صحيحة» حماد بن عيسى. «5»

و ما رواها حذيفة بن منصور «6»، و ما رواها أبو بصير «7».

و في بعضها التعبير بقوله «عنده» مثل ما رواها ابو شبل. «8»

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 23 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 29 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(6)-

الرواية 23 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(7)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(8)- الرواية 12 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 214

و في بعضها بقوله «عند قبر الحسين» عليه السّلام مثل ما رواها الزياد القندى «1»، و مرسلة ابراهيم بن ابي البلاد. «2»

و في بعضها التعبير بلفظ (الحائر) مثل مرسلة حماد بن عيسى. «3»

و لم يقع في الفتاوى إلا الاخير أعنى (الحائر) و سمي مزاره المقدس حرما لاحترام التربة الشريفة بوقوع شهادته عليه السّلام فيها، و الظاهر أن لفظة (عند) في قوله عند قبر الحسين عليه السّلام، أو (عنده) من الالفاظ الّتي تكون مقولة بالتشكيك.

و يطلق الحائر على الأرض المنخفضة المطمئنة، و على ما دار عليه سور المشهد و المسجد، و على ما تحير فيه الماء و لم يخرج.

و هل يكون المراد من الحائر هو المعنى الأوّل باعتبار أن محل شهادته كان منخفضا و أطرافه مرتفعا في غير جهة القبلة.

أو يكون المراد ما دار عليه سور المشهد و المسجد من باب أن البناء الّذي بنى عليه في زمان الصادق عليه السّلام كان مسجدا، و هو اوّل بناء بني عليه، ثمّ خربه هارون الرشيد، ثمّ بناه ابنه الامين، ثمّ خربه المتوكل أربع مرات، ثمّ بناه المعتصم، و هكذا يخربونه و يبنونه مرة بعد اخرى.

أو يكون المراد من الحائر موضع تحير الماء عند قبره الشريف، و عدم تجاوزه كما قيل، وجوه لا سبيل لنا الى تعيين أحدها، و طريق الاحتياط هو الاقتصار على

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 22 من الباب 25 من

ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 29 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 215

القدر المتيقن.

ثمّ انّه قد يطلق عليه الحير أيضا كما ينادى بذلك ما رواه الكلينى رحمه اللّه «1» في الكافى عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أبي هاشم الجعفري قال: بعث إليّ ابو الحسن عليه السّلام في مرضه و إلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة و أخبرني محمد ما زال يقول: ابعثوا الى الحير، ابعثوا الى الحير، فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا اذهب الى الحير، ثمّ دخلت عليه و قلت له: جعلت فداك أنا أذهب الى الحير؟ فقال:

انظروا في ذلك (الى أن قال) فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال: ما كان يصنع بالحير و هو الحير فقدمت العسكر فدخلت عليه فقال لي: اجلس حين اردت القيام فلمّا رأيته انس بي ذكرت له قول علي بن بلال فقال لى: ألا قلت له: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يطوف بالبيت و يقبل الحجر و حرمة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المؤمن اعظم من حرمة البيت و أمره اللّه عز و جل أن يقف بعرفة، و انما هي مواطن يحب اللّه أن يعبد فيها، فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب اللّه أن يدعى فيها الخ الحديث» و في آخر الحديث كما فى الكافى (هذه الفاظ ابى هاشم ليست الفاظه).

[في ذكر الروايات الدالة على تعيين الحرم]

و امّا الحرم و ان وقع التعبير به في صحيحة حماد بن عيسى «2»، إلا أن الروايات في تعيين مقدار الحرم عن الأئمة عليهم السّلام مختلفة، ففي مرفوعة منصور بن العباس رواها

الشيخ رحمه اللّه «3» الى أبي عبد اللّه قال: حرم الحسين فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر».

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 76 من ابواب المزار من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- التهذيب، ج 6، ص 72، ح 4؛ الرواية 2 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 216

و في رواية اسحاق بن عمار «1» قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن لموضع قبر الحسين عليه السّلام حرمة معلومة من عرفها و استجار بها اجير، قلت: فصف لي موضعها قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة و عشرين ذراعا من قدامه، و خمسة و عشرين ذراعا عند راسه، و خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعا من خلفه، و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة الحديث».

و رواه ابن قولويه في المزار، و روى الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و احمد بن محمد جميعا عن الحسن بن محبوب مثله.

و روى الصّدوق في ثواب الاعمال مثله، إلا انّه زاد و خمسة و عشرين ذراعا مما يلى وجهه، هكذا في الوسائل.

و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سمعته يقول:

قبر الحسين عليه السّلام عشرون ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة».

و مع وجود اختلاف هذه التعبيرات لا يعلم أن المراد أي مقدار من هذه المقادير و إن كان نفس كل من هذه الروايات غير معارضة مع الاخرى لإمكان حملها على اختلاف المراتب، فالقدر المتقين هو كون حد حرمه الشريف عشرون ذراعا مكررا كما هو مفاد

الرواية الاخيرة.

و هل يكون هذا المقدار محاط بالحرم الشريف فعلا، أو بقى منه شي ء كل محتمل

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 588، ح 6؛ الرواية 3 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

(2)- التهذيب، ج 6، ص 71، ح 2؛ الرواية 6 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 217

و حيث إن الحكم استحبابى فالاحتياط في كل مورد شك فيه متعين للزوم تحصيل اليقين بالبراءة.

هذا تمام الكلام في امهات المسائل الراجعة الى صلاة المسافر، و عليك باستخراج الفروع الغير المذكورة.

و هو من جملة ما استفدت من بحث سيدنا الاعظم و أستاذنا المعظم الّذي انتهت إليه الرئاسة في هذا العصر آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائى البروجردي متع اللّه المسلمين بطول بقائه مع بعض ما خطر ببالى القاصر و انا العبد الذليل علي الصافي الكلبايكاني و الحمد للّه أولا و آخرا على حسن التوفيق و صلى اللّه على رسوله و على آله و نسأله التوفيق و البلوغ الى المراتب العالية العلمية و العملية.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثاني من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على مباحث قواطع السفر

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء الثالث

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 5

كتاب الصّلاة و فيه مقاصد

المقصد الاوّل: في المقدمات

اشارة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الصّلاة و السلام على محمّد و آله أجمعين و لا سيما على بقية اللّه فى الارضين و اللعنة الدائمة على اعدائهم من الآن الى قيام يوم الدين

كتاب الصّلاة و فيه مقاصد المقصد الاول: في المقدمات و هي ست:

المقدمة الاولى: فى اعداد الفرائض و النوافل
[الكلام في عدد الفرائض]

يظهر للمراجع في كتب الفقهيّة اختلاف في عدد الفرائض و نوافلها حيث عدّ بعضهم عدد الفرائض ستة و بعضهم سبعة و بعضهم تسعة لكن ما أطبق عليه النص و الفتوى بل لا خلاف فيه بين العامة و الخاصة كون عدد فرائض اليوميّة سبع عشرة ركعة.

للظهر أربع ركعات و للعصر أربع ركعات و للمغرب ثلاث ركعات و للعشاء أربع ركعات و للصبح ركعتان.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 8

[الكلام في النوافل]
اشارة

و كذا لا خلاف في كون نافلة الصبح ركعتين قبل اداء فريضة الصبح و لا خلاف أيضا في كون نافلة الليل احدى عشر ركعة و ان وقع الخلاف في الوصل بين ركعتى الشفع و ركعة الوتر حيث ذهب العامة الى الوصل حتّى قال ابو حنيفة بوجوب الوصل و الامامية بعدم الوصل.

و امّا سائر النوافل فقد وقع الخلاف فيه بين المسلمين و المشهور بين الشيعة أنّ عددها أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان ركعات قبل العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان عن جلوس بعد العشاء و ركعتان للفجر و يصير مجموع عدد فرائض اليوميّة و نوافل الليليّة و النّهاريّة احدى و خمسون ركعة.

و دليلهم في ذلك الروايات:

[في ذكر الطائفتين من الاخبار]

منها ما رواه فضل بن يسار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدّان بركعة و هو قائم الفريضة سبع عشرة و النافلة أربع و ثلاثون ركعة). «1»

و منها ما رواه أحمد بن ابي نصر عن الرّضا عليه السّلام (قال قلت لابي الحسن أن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلّى أربعا و أربعين و بعضهم يصلّى خمسين فأخبرنى بالذي تعمل به أنت كيف هو حتّى أعمل بمثله فقال: أصلّي واحدة و خمسين ركعة ثمّ أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية و أربعا بعد الظهر و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين قبل العشاء الآخرة و ركعتين بعد العشاء عن قعود تعدّ ان بركعة من قيام و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتى الفجر و الفرائض سبع

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب اعداد الفرائض

و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 9

عشرة فذلك احدى و خمسون). «1»

و منها ما رواه اسماعيل بن سعد الأحوص (قال: قلت للرّضا عليه السّلام كم من ركعة قال أحدى و خمسون ركعة). «2»

و منها ما رواه فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون (قال:

و الصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات و العصر أربع ركعات و المغرب ثلاث ركعات و العشاء الآخرة أربع ركعات و الغداة ركعتان هذه سبع عشرة ركعة و السنة أربع و ثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل فريضة الظهر و ثمان ركعات قبل فريضة العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان من جلوس بعد العتمة تعدّ ان بركعة و ثمان ركعات في السّحر و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين و ركعتا الفجر) «3».

و في قبال هذه الأخبار بعض الأخبار الاخر الدال على خلافها:

منها ما دلّ على كون النوافل أربعا و أربعين و هما روايتا زرارة عن ابي جعفر و عن ابي عبد اللّه عليهما السّلام (حيث قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام انّى رجل تاجر أختلف و أتّجر فكيف لى بالزوال و المحافظة على صلاة الزوال و كم نصلّى قال تصلّى ثمانى ركعات إذا زالت الشّمس و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فهذه اثنا عشرة ركعة و تصلى بعد المغرب ركعتين و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 13 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

10

و منها ركعتا الفجر و ذلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة). «1»

(حيث قال قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام ما جرت به السنه في الصّلاة فقال ثمان ركعات الزّوال و ركعتان بعد الظهر و ركعتان قبل العصر و ركعتان بعد المغرب و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر و ركعتا الفجر). «2»

و ما دلّ على كون النوافل ستا و أربعين ركعة و هو رواية ابي بصير (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التطوع بالليل و النهار فقال الّذي يستحبّ ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشّمس و بعد الظّهر ركعتان و قبل العصر ركعتان و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة و من (في) السّحر ثمان ركعات و الوتر ثلاث ركعات مفصوله ركعتان قبل صلاة الفجر و أحبّ صلاة الليل آخر الليل). «3»

[في طريق الجمع بين الاخبار]

و يمكن الجمع بينها بحملها على مراتب الفضل بأنّ فعل أربع ركعات لنافلة العصر مجز و يثاب عليه و لكن فعل ثمان ركعات أفضل و لكن لا يمكن ذلك في نافلة العشاء لعدم ذكر نوع آخر لانّ الأخبار.

أو يقال بان بعد كون صدور رواية البزنطى في زمن الرضا عليه السّلام.

في جواب السائل عن كون الأصحاب يختلفون في صلاة التطوع و مقصوده السؤال عن فعل الإمام عليه السّلام لرفع الاختلاف و جوابه بانى أصلي واحدة و خمسين ركعة يرفع التعارض بينها بذكر فعله النافلة كذلك فلا مورد لروايات الّتي زمن صدورها قبل زمانه عليه السّلام.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 14

من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 11

ثمّ إنّه يقع التعارض بين الأخبار المتقدّمة و خبر رواه الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (إنّه كان يقول إذا زالت الشّمس عن كبد السّماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الاوّابين و ذلك بعد نصف النّهار). «1»

فهذه الرواية مع كونها محمولة على التقية لموافقتها لمذهب أبى حنيفة كما أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفية ضعيفة السند بحسين بن علوان لكونه من الزيديّة فلا يمكن الاعتماد عليها.

ثمّ إنّه كما عرفت ان المستفاد من الروايات كون نافلة العشاء ركعتان بعد العشاء عن جلوس تعدّ ان ركعة من قيام.

و هذه عند الامامية كذلك لهذه الروايات و ليس عند العامّة كذلك بل قال بعضهم بعدم تشريعها و قال بعضهم بانّها ركعتان عن قيام و قال أبو حنيفة بكونها ثمان ركعات أربع منها قبل فعل العشاء و أربع بعد فعلها.

يقع الكلام في أمور:
الأمر أوّل [نافلة كل فريضة عمل مستقل:]
اشارة

أن المستفاد من أخبار الباب كون نافلة كل فريضة عملا مستقلا و لا ربط لها بنافلة فريضة اخرى بمعنى إنّه يجوز فعل نافلة فريضة و ترك نافلة فريضة اخرى.

و كذا يستفاد منها ان النافلة إذا كانت أزيد من صلاة واحدة مثل نافلة الظهر

______________________________

(1)- الرواية 4 الباب 28 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 12

و المغرب و العشاء كلّها عمل واحد و معنون بعنوان نافلة الظهر أو العصر أو المغرب و ان كان بعد كل ركعتين تسليم لكن الأمر المستحبى متعلق بكلّها و لا يترتب الاثر المطلوب ألّا بفعل ثمان ركعات كما في نافلة

الظهر و العصر أو أربع ركعات كما في نافلة المغرب

[في ذكر كلام صاحب الجواهر]

خلافا لصاحب الجواهر حيث قال بجواز اتيان بعضها في كل النوافل و أقام عليه أربعة وجوه:

الوجه الأوّل: الاصل

الوجه الثاني: تحقق الفصل المقتضى للتعدد

الوجه الثالث: عدم وجوب إكمال النافلة بالشروع فيها

الوجه الرابع: ان النوافل شرّعت لتكميل الفرائض فيكون لكل بعض قسط منه فيصح الإتيان به وحده.

و كل الوجوه قابلة للاشكال أمّا الاصل فلا اصل يتصوّر في المسألة الا استصحاب عدم الاشتراط الموجود قبل التشريع و الاستصحاب و ان كان عرش الاصول لكنّه فرش الأدلّة و مع وجود الأخبار في المسألة الدالة بظاهرها على كون نافلة كل صلاة مركبّة مأمور بها فلا مجال لجريان الأصل مع انّه ليس للمستصحب حالة سابقة معلومه و استصحاب العدم الازلى بناء على جريانه لا يحرز بها كون الموضوع المتعلّق به الطلب هو لا بشرط بقية النوافل.

مضافا الى ان المستفاد من الأدلّة هو الارتباط بين اجزاء نوافل كل فريضة و الارتباط مغاير مع الاشتراط لانّ مع الارتباط كون متعلق الأمر الاستحبابي تمام الأجزاء لكن مع كون الأمر واحدا له أبعاض متعددة حسب تعدد أبعاض متعلقه و هذا ليس معنى اشتراط الأجزاء بعضها ببعض.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 13

و امّا تحقق الفصل فلا يوجب التعدد بما هو نافلة و بما هو معنون بعنوان النافلة و إن كان كل صلاة بالتسليم غير صلاة اخرى و لكن الآمر متعلق بعنوان النافلة لا بعنوان الصّلاة.

و امّا عدم وجوب الاكمال بالشروع و جواز فعل بعضها لا يدلّ على صدق عنوان المأمور به على ذلك البعض و هو عنوان النافلة و كون الناقص مصداقا لعنوان المأمور به.

و امّا كون تشريع النوافل لتكميل الفرائض لا

يوجب كون كل جزء له قسط من الدخالة في التكميل مستقلا بل عنوان النافلة شرّعت لتكميل الفرائض و صدق العنوان متوقف على فعل تمام اجزائها.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني رحمه اللّه]

قال المحقق الهمدانى قدّس سرّه في مصباح الفقيه «1» إنّه لا ينبغى الاستشكال في جواز الاقتصار فى نافلة المغرب على ركعتين و في نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه «2» بل الظاهر جواز الاتيان بركعتين من نافلة العصر فى غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فان ظاهرها بشهادة السياق ان كل واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة و للمكلف الإتيان بكل منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات الى ما عداها من التكاليف.

و بهذا ظهر انّه يجوز الإتيان بست ركعات أيضا من نافلة العصر لقوله عليه السّلام في

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 34، ج 9.

(2)- الرواية 1 و 2 و 3 من الباب 14 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 14

موثقة سليمان بن خالد صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشّمس (قبل الظهر) و ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر. «1»

فان ظاهرها كون ست ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلة و في خبر عيسى بن عبد اللّه القمى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام إذا كانت من هاهنا من العصر فصلّ ستّ ركعات. «2»

و يظهر من بعض الأخبار جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضا على أربع ركعات كخبر الحسين بن علوان المروى عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (أنّه كان يقول إذا زالت الشّمس عن كبد

السماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين و ذلك بعد نصف النهار). «3»

ثمّ قال و هل يجوز التخطّى عمّا يستفاد من النصوص بالإتيان بركعتين من نافلة الزوال أو ست ركعات أو ركعتين من نافلة الليل أو أربعا أو ستا عازما من أول الأمر وجهان، ثمّ نقل كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه و ردّه (ثمّ قال فالأظهر عدم الفرق بين النوافل و جواز الاقتصار على البعض في الجميع و ان كان الأحوط في غير الموارد الّتي استفدنا جوازها بالخصوص من النصوص المعتبرة عدم قصد الخصوصيّة الموظّفة ألا على سبيل الاحتياط الى آخر كلامه). «4»

و يردّ عليه بأنّا قلنا بأنّ هذه الروايات الدالّة على كون نافلة المغرب ركعتين

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 13 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من باب 14 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من باب 28 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(4)- مصباح الفقيه، ج 9، ص 40.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 15

أو كون نافلة العصر أربعا أو ركعتين، أو نافلة الزوال أربعا، تكون مورد الأعراض عند العلماء بعد كلام الرّضا عليه السّلام في رواية محمد بن ابي نصر السائل عن اختلاف الأصحاب في عدد التطوّع، و استخباره عن عمل الّذي يعمله المعصوم عليه السّلام و قوله عليه السّلام أنا أصلّي واحدة و خمسين، و كيفية فعل النوافل و ذكر عدد كل نوافل النّهاريّة و الليلية.

و لو فرض العمل بهذه الأخبار لا بدّ من العمل بها في مواردها و لا يجوز التعدّى الى غيرها، لأنّا قلنا بضعف سند رواية حسين بن علوان المروى في قرب الاسناد الدالّة على كون نافلة الظهر أربع ركعات،

لأنّه من الزيدية، مع أنّها محمولة على التقيّة لموافقتها لمذهب أبى حنيفة، و مع ذلك لا يمكن استفادة ذلك الحكم من أخبار نافلة العصر، لانّ التفريق بين النوافل في مقام العمل لا ينافى كون المطلوب و المأمور به تمام ثمان ركعات، لأنّه كان من سيرتهم التفريق بين فريضة الظهر و العصر و الاتيان بفعل صلاة الظهر في وقت فضيلتها، و كذا صلاة العصر في وقت فضيلتها، و لذا قد يأتون بنافلة العصر بعضها بعد صلاة الظّهر، و بعضها قبل صلاة العصر، فلا منافاة بين جواز التفريق و فعل النافلة في وقتين، و كون مجموعها مطلوبا واحدا من حيث المجموع و لها أمر واحد استحبابى، فعلى هذا لا منافاة بين الأخبار المعمول بها و الأخبار الّتي دلت على التفريق في الفعل الدالّة على كون نافلة العصر ثمان ركعات مثل رواية سليمان بن خالد «1» المتقدّمة الدالّة على فعل ست ركعات بعد الظهر و ركعتين قبل فريضة العصر، و رواية رجاء بن أبي الضحّاك الدالة على ان الرّضا عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 13 من ابواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 16

صلّى ستا من نافلة الظهر ثمّ أذّن ثمّ صلّى ركعتين و كذا نافلة الظهر. «1»

الأمر الثاني: في صلاة الغفيلة
اشارة

و تنقيح المقال فيها يتوقف على ذكر الأخبار الواردة فيها و تحقيق ما تقضيه قواعد الجمع بينها فلهذا نذكر الاخبار أوّلا:

منها ما روى الشّيخ عن هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ( «من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الاولى الحمد و ذا النون إذ ذهب مغاضبا- إلى قوله:- و كذلك ننجى المؤمنين» و في الثانية الحمد و قوله «و عنده مفاتح

الغيب» الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال اللّهم أنّي أسألك بمفاتح الغيب الّتي لا يعلمها ألّا أنت أن تصلّى على محمد و آل محمّد و أن تفعل بى كذا و كذا و يقول اللّهم أنت ولىّ نعمتي و القادر على طلبتى و تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد و آله لما قضيتها لي و سأل اللّه حاجته أعطاه اللّه ما سأل). «2»

و منها ما رواه السيّد الزاهد رضى الدّين ابن طاوس رضى اللّه عنه في كتاب فلاح السائل باسناده عن هشام بن سالم نحوه و زاد، (فان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لا تتركوا ركعتى الغفيلة و هما ما بين العشاءين). «3»

و منها ما رواه الصّدوق مرسلا قال (قال رسول اللّه و في كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تنفّلوا

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 20 من ابواب بقية الصّلاة المندوبة.

(3)- فلاح السائل ص 248 مستدرك الوسائل ج 6 ص 303 ابواب بقية الصلات المندوبة الباب 15، حديث 3.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 17

في ساعة الغافلة و لو بركعتين خفيفتين فانّهما تورثان دار الكرامة «1» قال و في خبر آخر دار السّلام و هى الجنّة و ساعة الغافلة ما بين المغرب و العشاء). «2»

منها ما رواه الشّيخ في المصباح عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (انّه قال أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الاولى الحمد و إذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرّة و في

الثانية الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة فان فعل ذلك في كلّ شهر كان من المؤمنين فان فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين فان فعل ذلك في كلّ جمعة مرّة كان من المخلصين فان فعل ذلك كل ليلة زاحمنى في الجنّة و لم يحص ثوابه الا اللّه تعالى). «3»

و منها ما رواه الصّدوق في الفقيه عن الباقر عليه السّلام (أنّ إبليس يبثّ جنوده جنود جنود الليل من حين تغيب الشّمس الى مغيب الشفق و يبثّ جنود النّهار من حين يطلع الفجر الى طلوع الشّمس و ذكر ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول أكثروا ذكر اللّه عزّ و جلّ في هاتين الساعتين و تعوّذوا باللّه عزّ و جلّ من شرّ ابليس و جنوده و عوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنّهما ساعتا غفلة). «4»

و بعد ذكر الأخبار لا بدّ من البحث في جهتين:

الجهة الأولى [هل التنفل متحد مع صلاة الغفيلة]

: هل التنفّل المأمور به في ساعة الغافلة المستفاد من رواية الّتي رواها الصّدوق مرسلا و مسندا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله متحد مع صلاة الغفيلة الّتي يستفاد

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب بقية الصلوات المندوبة من الوسائل.

(4) مصباح الفقيه، ج 1، ص 318.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 18

استحباها من رواية هشام بن سالم و كذا مع صلاة الوصية الّتي يستفاد استحباها من رواية الّتي رواها الشّيخ في المصباح عن الصّادق عليه السّلام أو لا.

الجهة الثانية:
اشارة

هل تكون صلاة الغفيلة و الوصية متّحدتين مع نافلة المغرب بحيث لو صلهما المصلّى يكون فعلهما بمنزلة نافلة المغرب و يكون مسقطا عنها أو لا.

أما الكلام في الجهة الاولى فلا ريب في كون الإتيان بصلاة الغفيلة و الوصيّة امتثالا أمره صلّى اللّه عليه و آله بقوله (تنفّلوا في ساعة الغافلة) لانّه لا يستفاد من هذا الأمر ألّا مطلوبيّة ايجاد طبيعة التنفّل في ساعة الغافلة و هي ما بين المغرب و العشاء فالأمر فيها أمر بطبيعة التنفل و هى تحصل في ضمن أىّ فرد فما يصدق عليه النافلة يكون محصّلا للغرض و مسقطا للأمر و ان كان بحسب المفهوم يغاير عنوان المأخوذ في هذه الروايات مع العنوان المأخوذ في تلك الروايات لكن في مقام الامتثال يتداخل كلا العنوانين فباعتبار مقام الأمر و الطلب متغايران لكن بحسب مقام الامتثال يتداخلان و يتصادقان على أمر واحد لانّ المقصود اشتغال هذا الزمان بذكر اللّه تعالى و ترك الكلام بما لا يعينه و عدم اجتماع الناس

على ذكر الغيبة و الكذب و الأمور الباطلة و لذا أمرهم بالتنفل و الذكر و هو كما يحصل بأربع ركعات يقرأ فيها الحمد و سوره قصيرة كذلك يحصل بصلاة الغفيلة و الوصية لكن لا بدّ من قصدهما فلو قصد الغفيلة و الوصية حصل كلا العنوانين و التنفّل لأنّهما من الأمور القصدية و لو لم يقصدهما يتحقّق الامتثال بالنسبة الى الأمر المتعلّق بالتنفّل فقط.

[في ذكر الوجوه الثلاثة للاحتمالات الثلاثة]
اشارة

أما الكلام في الجهة الثانية فالمحتمل فيه على سبيل منع الخلو ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: كون المراد من نافلة المغرب هو صلاة الغفيلة و صلاة الوصية و كونهما متّحدين مع نافلة المغرب ذاتا و عنوانا فهما مصداقان لها قهرا و ذكرهما في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 19

روايتى المصباح من باب كونهما بيانا لكيفية فعل نافلة المغرب.

الوجه الثاني: كونهما متغايرين مع نافلة المغرب عنوانا و ذاتا فلا يصدق عنوان نافلة المغرب عليهما عكس الوجه الأول.

الوجه الثالث: امكان تصادقهما مع النافلة بحسب الخارج في مقام الامتثال و ان كان بينهما و بين النافلة تغايرا بحسب المفهوم و الذات.

فما يمكن ان يقال في بيان وجه الأوّل هو أنّه حيث كان المسلمون بنائهم على أداء نافلة المغرب بين صلاة المغرب و العشاء فقول الصادق عليه في روايتى المصباح يكون بيانا لكيفية أداء النافلة و كون الأثر المطلوب يترب على النافلة إذا فعلها المصلّى بهذه الكيفية المعهودة بحيث لو صلّى بأربع ركعات بغير هذه الكيفية لا يشرع له فعل صلاة الغفيلة و الوصية لعدم تعلق أمر بهما مستقلا بعنوان خصوص الغفيلة و الوصية بل الأمر بهما بعنوان نافلة المغرب.

و ما يمكن ان يكون وجها لاحتمال الثاني هو انّه بعد استقرار سيرة المسلمين على فعل نافلة المغرب بين

الصلاتين بأربع ركعات فقول الصادق عليه السّلام في رواية المصباح باستحباب أربع ركعات بين العشاءين لا يفهم العرف بكون ذلك بيانا لنافلة المغرب.

بل يفهمون باستحباب أربع ركعات اخر بعنوان الغفيلة و الوصيّة بحيث لو صلّهما المصلّى لا يأت بنافلة المغرب و لو صلّهما منضمتين الى نافلة المغرب فقد أنى بنافلة المغرب و الغفيلة و الوصيّة.

و ما يمكن ذكره وجها لاحتمال الثالث هو ان نافلة المغرب بعنوانها تعلّق بها أمر استحبابى مستقل غير مشروطة بكيفية مخصوصة و لا بشرط بها و صلاة الغفيلة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 20

و الوصيّة أيضا تعلّق بكلّ واحد منهما أمر مستحب مستقل بكيفية مستقلة غير مشروطتين بكونهما قبل نافلة المغرب أو بعدها فلا اشكال حينئذ بإتيان صلاة الغفيلة و الوصية بعنوان نافلة المغرب أيضا و يتحقّق الامتثال بالنسبة الى أمر النافلة و الغفيلة و الوصية لكن بالنسبة إلى أمر صلاة الغفيلة و الوصيّة يكون أمرهما استقلاليا و بالنسبة الى أمر النافلة حيث تكون مركبّة مأمور بها يكون أمر كلّ منهما ضمنيّا حيث تعلّق أمر واحد بنافلة المغرب المركّبة من صلاتين مرتبطتين و كل صلاة متعلق بالأمر الضمنى.

فعلى هذا بناء على الوجه الأوّل ليس في البين ألّا أمر واحد مستحب و على الوجه الثاني يكون أمر ان مستحبين متباينين لا يمكن تداخلهما و على الوجه الثالث كذلك أمران مستحبان يمكن تداخلهما.

[الكلام في صلاة الغفيلة و الوصية]

نعم في مثل صلاة الغفيلة و الوصية اشكال من حيث كونهما من العناوين القصديّة الّتي لا يكفى الإتيان بهما من دون قصدهما أو لا تكون كذلك مثلا لو صلّى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 22

أربع ركعات بكيفية صلاة الغفيلة و صلاة الوصيّة و قصد بها نافلة المغرب هل تداخل العناوين

و تقع مصداقا لتمامها أو لا تقع مصداقا الّا لما قصد فيه وجهان و احتمالان.

الأمر الثالث: في وجوب الجلوس في صلاة الوتيرة و عدمه.
اشارة

وجه وجوب الجلوس فيها هو إجماع الفقهاء على ثبوت الجلوس في هذه الصلاة المسماة بالوتيرة إلى زمان الشهيد الأوّل (قدّس) بل المذكور في كتبهم ان نافلة العشاء ركعتان من جلوس تعدّ ان بركعة من قيام مع كون بنائهم ذكر الفتوى بعين الفاظ أخبار الصادرة من المعصومين عليهم السّلام كما ترى هذا التعبير في رواية ابي نصر البزنطي «1» (و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام) و في رواية فضيل ابن يسار (الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّ بركعة مكان الوتر). «2»

و كذا في رواية اعمش عن جعفر بن محمد عليهما السّلام (و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة). «3»

و رواية ابي عبد اللّه القزوينى (قال قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام لأىّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود فقال لأنّ اللّه فرض سبع عشرة ركعة فاضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثليها فصارت أحدى و خمسين ركعة فتعدّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 23

انّ هاتان الركعتان من جلوس بركعة) «1» و غير ذلك من الروايات واردة.

[في ذكر الروايتان الدالتان على جواز القيام]

و في قبال هذه الروايات الدالة على لزوم الجلوس و الاجماع و التسالم الى زمان الشهيد قدّس سرّه روايتان ظاهرتان في جواز القيام بل في كونه افضل من القعود.

الأولى: رواية الحارث بن المغيرة النصرى عن الصّادق عليه السّلام (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول

صلاة النهار ستّ عشرة ركعة ثمان إذا زالت الشّمس و ثمان بعد الظهر و أربع ركعات بعد المغرب يا حارث لا تدعهنّ في سفر و لا حضر و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيها و هو قاعد و أنا أصلّيهما و أنا قائم و كان رسول اللّه يقول ثلاث عشرة ركعة من الليل). «2»

الثانية: رواية سليمان بن خالد عد ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشّمس قبل الظهر و ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر و أربع ركعات بعد المغرب و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيها مائة آية قائما أو قاعدا و القيام أفضل و لا تعدّهما من الخمسين). «3»

لكن بعد ورود الأخبار الكثيرة الدالة على الجلوس و كون ركعتين من هذه الصلاة تعدّ ان بركعة من قيام و قد ذكرها القدماء في كتبهم و أفتوا بمضمونها بل لفظ فتاواهم عين الفاظ الأخبار الصادرة من المعصومين عليهم السّلام و كان بنائهم على الافتاء في هذه الكتب بعين الفاظ الأخبار مثل النهاية و المقنعة و عدم العمل بهذين الروايتين مع أنهما بمرأى منهم يكشف ذلك عن إعراضهم عنهما و عدم العمل بهما من الأصحاب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(3)- الرواية 16 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 24

قبل الشهيد الأوّل و لا يمكن الجمع بين الأخبار المتقدمة و هذين الخبرين بالتخير بعد عدم عمل القدماء و المشايخ العظام الذين اطّلعوا على أقوال المعصومين و وصلت الأحكام إليهم يدا بيد.

فلا بدّ من

حملهما على التقية لإن القول بأنّ نافلة العشاء الآخر، يأتي بها جالسا لم يفت به أحد من العامة.

مع ان القول باتيان الركعتين عن قيام ينافي مع الأخبار الكثيرة الدالة على ان مجموع الفرائض و النوافل أحدى و خمسون ركعة و قد ذكرنا تسالم الأصحاب على ذلك أيضا بعد كلام الرضا عليه السّلام في رواية البزنطى (فقال اصلى واحدة و خمسين ركعة). «1»

الأمر الرابع: في سقوط الوتيرة في السفر و عدمه.
اشارة

لا يخفى عليك ان سقوط نافلة الظهرين في السفر و عدم سقوط نافلة المغرب و الصبح من المسلّمات و لا خلاف و لا اشكال فيه.

انما الخلاف في نافلة العشاء اعنى الوتيرة بانّه هل تسقط في السفر كما هو المشهور عندنا أو لا تسقط كما قال بذلك الشّيخ منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا المقام

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]

أمّا ما دلّ على السقوط روايات كثيره:

منها رواية حذيفة بن منصور عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء). «2»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 25

و منها رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء الا المغرب فأنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر و ليس عليك قضاء صلاة النهار و صلّ صلاة الليل و اقضه). «1»

و منها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعد هما شي ء ألّا المغرب ثلاث). «2»

و منها رواية ابي يحيى الحنّاط (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال يا نبيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة) «3» و عموم التعليل في الجواب يدلّ على سقوط نافلة العشاء.

أمّا ما دلّ على عدم سقوط الوتيرة فروايتان الاولى ما رواها فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (في حديث) قال و أنّ ما

صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها) لانّ الركعتين ليستا من الخمسين و أنّ ما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع «4».

فهذه الرواية أخص من الروايات المتقدمة فالقاعدة تخصيصها بها و لكن حيث كان في طريق رواية فضل بن شاذان عبد الواحد بن محمد عبدوس النيسابورى و علي بن محمّد بن قتيبة و لم يثبت توثيقهما لا يمكن التخصيص مع أن في المسألة الاجماع على السقوط.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 16 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 21 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 29 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 26

الأمر الخامس: الأخبار الواردة في سقوط النوافل في السفر

تشمل لأربع ركعات المزيدة في يوم الجمعة على نافلتها لأنها من النوافل و ان كان محلّها في خصوص يوم الجمعة فما دلّ على سقوط التطوّع في السفر يشملها فلا وجه للترديد في سقوطها بعد اطلاق أخبار السقوط و حملها على خصوص الرواتب لأنّها من الرواتب في يوم الجمعة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 27

المقدّمة الثانية: فى المواقيت
[في ذكر بعض الآيات الدالّة على الوقت]
اشارة

أعلم إنّه لا ريب في أن الفرائض اليوميّة واجبات موقتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها و لا تأخيرها عنها بلا خلاف بل عليه اجماع علماء الإسلام و من ضروريات الدين و الفقه كون الوقت شرطا لها و يدلّ على ذلك الآيات الشريفة:

منها قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً. «1»

و منها قوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً «2».

و المراد من الدلوك هو الزوال و هو ميل الشّمس عن وسط السماء و انتقالها عن دائرة نصف النهار و المراد من الغسق انتصاف الليل و قد بيّن في هذه الآية أوقات الصلوات الخمس الواجبة أربع منها يستفاد من صدرها و واحدة منها من

______________________________

(1)- سورة الاسراء، الآية 78.

(2)- سورة الاسراء، الآية 79.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 28

ذيلها و هي صلاة الصبح لانّ المراد من قوله تعالى و قرآن الفجر هو صلاة الصبح كما دلّ على ذلك خبر زرارة الآتى.

و منها قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ «1».

و المراد من طرفى النّهار أمّا صلاة الصبح و العصر و أمّا صلاة الصبح و المغرب فعلى الأوّل يكون المراد من قوله زلفا المغرب و العشاء و على الثاني يكون المراد

منه خصوص العشاء و لا يكون المراد من قوله زلفا من الليل صلاة الليل المعهودة لانّ الخطاب و ان كان الى النّبي صلّى اللّه عليه و آله لكنّ المراد بعث كلّ النّاس على إتيان الفرائض و الواجبات و صلاة الليل لا تكون واجبة حتى لزم على النّاس أقامتها فلا يشملها الآية الشريفة كما توهّمه بعض.

و منها قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «2».

بناء على المعروف بين المفسّرين من أنّ الموقوت هو ما جعل اللّه له الوقت لا المفروض و المأمور به الى غير ذلك من الآيات و لا يخفى أنّ أوقات الفرائض موسّعة بمعنى ان متعلق الأمر في الفرائض الأمر الكلى المقيّد وقوعها في وقت وسيع مثلا في الظهرين وجب على المكلف اتيان ثمان ركعات من الزوال الى الغروب أو المغرب و هو مخيّر في إيجاد الكلّى في ضمن أىّ فرد منها شاء لانّ كلّ فرد من أفراد الكلى

______________________________

(1)- سورة الهود، الآية 114.

(2)- سورة النساء، الآية 103.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 29

مصداقه و محصّله و التخير عقلىّ لا شرعىّ فلا اشكال في جواز كون الواجب موسّعا.

فإذا عرفت اعتبار الوقت في الفرائض لا بدّ من ذكر وقت كل فريضة مبدئه و منتهاه فنذكر تمام احكامها في ضمن مطالب:

المطلب الاوّل: في ابتداء وقت الظهرين
اشارة

يستفاد من قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

كما قلنا أوقات الصلوات الأربع الظّهرين و العشاءين كما بين ذلك في الأخبار:

[في ذكر الروايات الواردة في ذكر اوّل وقت الظهرين]

منها ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّا فرض اللّه عزّ و جلّ من الصّلاة فقال خمس صلوات في الليل و النهار فقلت هل سماّهنّ اللّه و بيّنهنّ في كتابه قال نعم قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها زوالها و فيما ما بين دلوك الشّمس إلى غسق الليل و أربع صلوات سماّهنّ اللّه و بيّنهنّ و وقّتهنّ و غسق الليل هو انتصافه). «2»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس دخل الوقتان الظهر و العصر فإذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «3»

______________________________

(1) سورة الاسراء، الآية 78.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 30

و منها رواية عبيد ابن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر و العصر فقال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا إلّا أنّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس). «1»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالنّاس الظهر و العصر حين زالت الشّمس في جماعة من غير علّة). «2»

و منها رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

(قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضى مقدار ما يصلّى المصلّى أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشّمس مقدار ما يصلى المصلّى أربع ركعات فإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتى تغيب الشّمس). «3»

و منها ما رواه منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السّلام (قال سمعته يقول إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين). «4»

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في هذا الباب يعنى الباب الرابع من ابواب المواقيت من الوسائل بلغت حدّ التواتر و استقرت سيرة المسلمين من زمن النبي و الائمة عليهم السّلام على ذلك إلى يومنا.

[في ذكر الاخبار المعارضة مع الاخبار المتقدمة]

و في قبال الآيات و الأخبار المذكورة بعض الأخبار دلّ على أنّ وقت صلاة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب المواقيت و نوافلها من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 10 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 31

الظهر لا يدخل الّا بعد صيرورة الفي ء قدما و وقت صلاة العصر لا يدخل الّا بعد صيرورة الفي ء قدمين أو وقت الظهر صيرورة الفي ء قدمين أو ذراعا و وقت العصر صيرورة الفي ء أربعة أقدام أو ذراعين.

منها ما رواه زرارة بن أعين و بكير بن أعين و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية العجليّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان). «1»

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه

السّلام (قال سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشّمس و وقت العصر ذراعان عليه السّلام من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشّمس). «2»

و منها ما رواه المحاربى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سأل أبا عبد اللّه اناس و أنا حاضر (إلى أن قال) فقال بعض القوم أنّا نصلى الأولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد اللّه النصف من ذلك أحبّ إلى). «3»

و لا يخفى عليك ان هذه الأخبار لا تنافي مع ما تقدم من الأخبار من كون أوّل الزوال أوّل وقت الظهر و العصر لأنها لا تدلّ على أن وقت الظهر لا يدخل الّا بعد تحقق القدم و القدمين أو الذراع و أوّل وقت العصر بعد قدمين أو ذراع أو أربعة أقدام أو ذراعين فيحمل هذه الأخبار على أنّ التأخير لأجل اتيان النافلة و اختلافها في المقدار من جهة اختلاف المصلّين في إتيانها من حيث الخفة و البطء

______________________________

(1)- الرواية 1- 2 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 22 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 32

و الشاهد على ذلك الحمل روايات:

منها صحيحة الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور حازم جميعا (قالوا كنّا نقيس الشّمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ألا أنبّئكم بأبين من هذا إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر ألّا أنّ بين يديها سبحة و ذلك إليك أن شئت طوّلت و أن شئت قصّرت). «1»

و منها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال أ تدري

لم جعل جعل الذّراع و الذّراعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك ان تتنفّل من زوال الشّمس إلى أن تبلغ ذراعا فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة). «2»

و أوضح منها ما رواه أحمد بن يحيى (قال كتب بعض أصحابنا إلى ابى الحسن عليه السّلام روى عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين فكتب عليه السّلام لا القدم و لا القدمين إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات فان شئت طوّلت و ان شئت قصّرت ثمّ صلّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة و هى ثمان ركعات ان شئت طوّلت و ان شئت قصّرت ثمّ صلّ العصر). «3»

[في ان لا حاجة لحمل الاخبار على التقية]

و لا حاجة لحمل هذه الأخبار على التقية بعد كون زوال الشّمس أوّل وقت الظهر مجمعا عليه عند المسلمين و لم يكن فتوى العامّة غير ذلك.

[في ذكر بعض الاخبار الدالة على كون اوّل الوقت افضل]

ثمّ إنّه وردت روايات دالة على استحباب الصّلاة في أوّل وقتها مثل (أفضل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 20 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 5 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 33

الوقت أوّله) «1» أو (أوّله رضوان اللّه و آخره عفو اللّه) «2» أو (و الصلاة في أوّل الوقت أفضل) «3» (و غير ذلك المذكور في الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل).

أنّ ما الكلام وقع في أنّه هل ينافي اطلاق هذه الأخبار الأخبار الدالّة على أنّ وقت الظهر هو بعد صيرورة الفي ء قدما أو قدمين أو ذرعا أو ذراعين أو لا.

الظاهر عدم التنافى و بقاء هذه الأخبار على إطلاقها لأنّ المراد من ذلك الأخبار ليس بيان استحباب تأخير صلاة الظهر من أوّل وقتها بل المراد بيان وقت يشترك فيه الفريضة و النافلة و جواز مزاحمة النافلة للفريضة و لم يكن في مقام بيان استحباب تأخير الظهر مطلقا سواء كان قاصدا للنافلة أو لم يكن قاصدا لها أو لم يشرّع في حقّه النافلة من جهة كون المصلّى مسافرا بل المقصود بيان امكان النافلة و مزاحمتها للفريضية و ليس في مقام بيان استحباب تأخير الظهر حتّى يقيّد بها إطلاق هذه الأخبار.

ثمّ انّه حكى عن بعض القول بكون التأخير إلى أن يصير الفي ء ذراعا أفضل سواء أراد اتيان النافلة أو لا و الظاهر أنّ نظرهم إلى أنّ الجمع بين الأخبار الدالّة على دخول وقت

الظهر بالزوال و الأخبار الدالّة على دخوله بعد ذراع أو قدم يقتضي حمل الطائفة الثانية على كون التأخير أفضل و يمكن تأيد هذا الجمع بأخبار.

منها الأخبار الدالّة على أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّى الظهر بعد زراع و العصر

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 16 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 18 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 34

بعد ذراعين. «1»

و منها ما رواها عبيد بن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل وقت الظّهر قال ذراع بعد الزوال قال قلت في الشتاء و الصيف سواء قال نعم). «2»

و منها ما رواها محمّد بن فرج (قال كتبت أسأله عن أوقات الصّلاة فأجاب إذا زالت الشّمس فصلّ سبحتك و أحبّ ان يكون فراغك من الفريضة و الشمس على قدمين). «3»

[في الروايات الدالّة على استحباب التعجيل]

لكن في قبال هذه الأخبار الأخبار الدالّة على استحباب التعجيل و كون أوّل الوقت و هو زوال الشّمس أفضل تقدم بعضها و نذكر بعضها أيضا.

منها ما رواها زرارة (قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام أصلحك اللّه وقت كلّ صلاة أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره قال أوّله ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ان اللّه عزّ و جلّ يحبّ من الخير ما يعجّل). «4»

و منها ما رواها ابي بصير (قال ذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام أوّل الوقت و فضله فقلت كيف أصنع بالثمانى ركعات قال خفّف ما استطعت). «5»

و لا يمكن حملها على كون المراد من أوّل الوقت أوّل الذراع أو أوّل الذراعين لاباء أكثر الأخبار عن هذا الحمل

مع أن المشهور عند الشيعة استحباب التعجيل

______________________________

(1)- الروايات 10- 24- 28 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 25 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 31 من الباب 8 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 12 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 9 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 35

و عدم استحباب التأخير.

المطلب الثاني: في آخر وقت الظهر
اشارة

قد عرفت اتفاق المسلمين على أن وقت الظهر يدخل بمجرد الزوال و أنّ أوّل وقت الظهر هو بعد الزوال عند الامامية و جمهور العامة لكن آخر وقت الظهر صار مورد الخلاف بين العامّة و الخاصّة، فعند العامّة أربعة أقوال على ما ذكره صاحب تذكرة الفقهاء رحمة اللّه في مجلد 2 ص 302 في مسئلة 26 و عند الخاصّة تبلغ إلى عشرة اقوال عن ما قاله صاحب مفتاح الكرامة في مجلد 2 ص 18 و المشهور بينهم امتداد وقت الظهر إلى ان يبقى إلى الغروب اختيارا من الوقت مقدار أربع ركعات كما قال العلّامة الهمداني رحمه اللّه في مصباح الفقيه مجلد 9 ص 100 و نسبه العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء في مسئلة 28 ص 306 من المجلد 2 إلى أكثر علمائنا و هو الظاهر من الأخبار و الأخبار الظاهرة في غيره تحمل على بيان مراتب الفضل فكل صلاة يأتي بها قريبا من الزوال فهي أفضل من غيرها (قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة لكل وقتان أوّل و آخر). «1»

هذا الكلام قد اشتهر في كلماتهم كما ورد في الأخبار «2» لكن اختلفوا في المراد منها قال المرتضى و ابن جنيد فالأوّل وقت الفضيلة و الآخر وقت الأجزاء

لقول الباقر عليه السّلام أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصّلاة فصلّ

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 300، مسئلة 23.

(2)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 36

الفريضة فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتّى تغيب الشمس «1» و غيره من الأخبار،

[في ذكر قول الشيخان: الاول وقت من لا عذر له و الثاني لمن له العذر]

و قال الشيخان الأوّل وقت من لا عذر له و الثاني لمن له العذر لقول الصّادق عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان (قال لكلّ صلاة وقتان و أوّل الوقت أفضله و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا ألّا في عذر من غير علّة). «2»

و هذا الخبر محمول على الفضيلة لدلالة قوله عليه السّلام (أول الوقت أفضله) و أفعل التفضيل يقتضي التشريك في الجواز فلا يستفاد من الخبر ألا كراهة التأخير بمعنى الجواز و أقلّ ثوابا و استحباب التقديم مؤكدا بحيث لا ينبغى تركه من غير عذر و يستفاد هذا المضمون من بعض الأخبار مثل قول الصادق عليه السّلام أن فضل الوقت الأوّل على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا. «3»

و مثل قول الرضا عليه السّلام و الصلاة في أوّل الوقت أفضل. «4»

و مثل قول الصادق عليه السّلام أوّله رضوان اللّه و آخره عفو اللّه و العفو لا يكون ألّا عن ذنب «5» ثمّ إنّه لا يمكن ان يكون مراد من قال بعدم جواز التأخير إلى آخر الوقت الحرمة الوضعية بمعنى خروج وقت صلاة الظهر و صيرورته قضاء لبعد هذا الاحتمال و لا يمكن استفادة ذلك من الأخبار فلا بدّ أن يكون المراد الحرمة التكليفية و ترتب العصيان على التأخير من دون عقاب فيرجع هذا القول إلى ابن

جنيد

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 15 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 18 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 16 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 37

و المرتضى و هو الأقوى.

المطلب الثالث: في أوّل وقت صلاة العصر
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة أوّل وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر و التحقيق انّه إذا زالت الشّمس اختص الوقت بالظهر إلى ان يمضى مقدار أربع ركعات في الحضر و ركعتين في السفر و هو قدر أدائها ثمّ يشترك الوقتان إلى ان يبقى للغروب مقدار العصر أمّا أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها ذهب إليه أكثر علمائنا (إلى ان قال) و قال بعض علمائنا إذا زالت الشّمس دخل وقت الصلاتين ألا أن الظهر قبل العصر و به قال ربيعة لقول العبد الصالح عليه السّلام إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين. «1»

أعلم ان هذه المسألة المسألة المعروفة المبحوثة بين الأصحاب بالأوقات المشتركة و المختصة و تظهر الثمرة بين القولين في ما إذا صلّى العصر في وقت الظهر نسيانا فعلى القول المشهور بين الأصحاب يجب عليه اعادة الصّلاة لوقوعها في غير وقتها لاختصاص أوّل الوقت بالظهر و لكن بناء على مبنى الصّدوق و غيره القائلين بالاشتراك الصحة و عدم لزوم الاعادة لأنّها وقعت في وقتها و الترتيب بين الصلاتين شرط في حال الذكر و الأقوى قول المشهور و منشأ القولين اختلاف الأخبار الواردة في المواقيت فقسم منها دال على الاشتراك.

[في ذكر الاخبار المربوطة باوّل وقت العصر]

منها رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس دخل الوقتان

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 306، مسئلة 28.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 38

الظهر و العصر فإذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «1»

منها ما رواها عبيد بن زرارة (قال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظهر و العصر فقال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا الّا أنّ هذه قبل هذه أنت في

وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشّمس). «2»

و منها ما رواه عبيد بن زرارة أيضا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (الى أن قال) منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروب الشّمس ألّا أنّ هذه قبل هذه). «3»

و منها رواية ثالثة لعبيد بن زرارة رواها عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ألّا أنّ هذه قبل هذه). «4»

و منها ما رواها الصباح بن سبابة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين). «5»

و غير ذلك من الاخبار الكثير الواردة الدالة على الاشتراك، و قسم منها دال على الاختصاص:

أحدها: ما رواه داود بن ابى زياد و هو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضى بمقدار

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 21 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 39

ما يصلّى المصلّى أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشّمس مقدار ما يصلّى المصلّى أربع ركعات فإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتّى تعيب الشّمس). «1»

ثانيهما ما رواه الحلبى في حديث (قال سألته عن رجل نسى الأولى و العصر جميعا ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشّمس فقال أن كان في وقت لا

يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ يصلّ العصر و ان هو خاف ان تقوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا و لكن يصلّى العصر في ما قد بقى من وقتها ثمّ ليصلّى الأولى بعد ذلك على أثرها). «2»

[في ان لا يمكن طرح الطائفتين من الاخبار الدالّة على الاشتراك و الاختصاص]

ثمّ أعلم انّه لا يمكن طرح كلا الطائفتين من الأخبار الدالة على الاشتراك و الاختصاص امّا ما دلّت على الاشتراك لا مجال للإشكال فيها من حيث السند لكثرتها أولا، و مع هذه الكثرة لا يمكن الطعن في سندها و انكار صدورها مع ان المشهور القائلين بالاختصاص لم يطرحوا هذه الأخبار، بل حملوها على الاختصاص كما نرى من عبارة السيّد رحمه اللّه في الناصريات حيث قال (و الذي نذهب إليه انّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ثمّ يختص أصحابنا بأنّهم يقولون إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر و العصر الّا أنّ الظهر قبل العصر و تحقيق هذا الموضوع أنّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان) حيث علمت أوّل روايات الاشتراك بقرينة أخبار الاختصاص و التّأويل فرع القبول.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 18 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 40

و لا يمكن أيضا طرح الخبرين الدالين على الاختصاص لانّ رواية فرقد و ان كانت مرسلة بابهام الواسطة ألا ان ذلك منجبر بعمل الأصحاب بها، و لا تضرّ ذلك بحجيتها مع عمل أكثر الأصحاب بها

[في الجمع بين الاخبار فى الباب]

فبعد كون كلا الطائفتين حجّتين لا بدّ من الجمع الدلالى بينهما و جعل إحداهما قرينة على الاخرى، و بعد كون رواية داود بن فرقد أظهر في الدلالة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك، بل يمكن ان يقال ليس لها ظهور منعقد بل ظهورها بدوى يرتفع بسبب رواية فرقد لأنّ قوله عليه السّلام (إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت

الظهر و العصر ألّا أن هذه قبل هذه) دالّ على دخول وقت مجموع الصلاتين لا دخول وقت كل واحد منهما، و لو سلّم أنّ لها الظهور فرواية داود بن فرق بمنزلة الاستثناء.

فنتيجة الطائفتين أنّه إذا زالت الشّمس و مضى مقدار وقت أربع ركعات الّذي هو وقت يختص بالظهر يشترك الصلاتين في الوقت، و لا يمكن ان يجعل روايات الاشتراك قرينة على عدم الاختصاص ببيان أن التعبير بانّه (ألا أنّ هذه قبل هذه) لأجل اعتبار الترتيب فما يكون ظاهرا في رواية داود بن فرقد في كون أوّل الوقت، مختصا بالظّهر لأجل هذه العبارة يحمل على أنّ العصر مرتّب على الظهر، فاوّل الوقت بالظّهر لأجل كون العصر مرتبا عليه لا لاجل كون أوّل الوقت مختصا بالظهر، لأنّه لا يناسب مع ذيل الرواية، لأنّه لو كان لبيان الترتيب لكان اللازم في مورد لم يأت المكلف بالصلاتين و قد بقى مقدار أربع ركعات ان يأتي بالظهر لانّ الظهر مقدم و العصر مرتّب عليه، فلو صلّى العصر لم يكن مرتّبا على الظهر فدلالة الذيل على سقوط التكليف بالنسبة إلى الظهر دليل على كون الوقت مختصا بالعصر كما أنّ أوّل الوقت مختص بالظهر.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 41

[في القول بالاشتراك ممّا انفردت به الامامية]

ثمّ أعلم ان القول بالاشتراك من أوّل الوقت أو بعد مضى مقدار أربع ركعات مما انفردت به الامامية،

[في ان العامّة قالوا بتباين الوقتين]

و الّا عند العامة كان من المنكرات، و وقت كل صلاة عندهم مباين مع صلاة أخرى، مثلا وقت الظهر عند بعضهم يكون من أوّل الزوال إلى ان يصير الظل مثلا، ثمّ يخرج وقت الظهر و يصير قضاء و يدخل وقت العصر، و عند بعضهم من أوّل الزوال الى ان يصير مثلين ثمّ يدخل وقت العصر ألا إنّه حكى عن ربيعة «1» القول بدخول الوقتين بالزّوال، لكن هذا القول عندهم شاذ لا يعبأ به.

و بالجملة فالسيرة المستمرة بين العامة الى زماننا هذا هو التفريق بين الصلاتين بمعنى أنّهم يصلّون الظهر أوّل الزوال ثمّ يتفرقون إلى مشاغلهم و منازلهم إلى ان يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه على اختلاف نظرهم، ثمّ يجمعون لاتيان صلاة العصر و لا يجمعون بينهما و كان الجمع عندهم منكرا مع ورود روايات من طرقهم دالة على أنّ رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين مثل رواية انس بن مالك في جواب ابي أمامه قال صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ دخلنا على أنس و هو يصلى العصر فقلنا يا أبا عمرة ما هذه الصّلاة قال العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّتي كنّا نصلّى معه. «2»

و مثل رواية ابن عباس (قال ألا أخبركم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السفر كان إذا زالت الشّمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال و إذا سافر قبل

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 308.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2،

ص 307 نقلا من صحيح البخاري، ج 1، ص 144- 145.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 42

الزوال أخّر الظهر حتّى يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر). «1»

و مثل ما روى أيضا من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في الحضر و السفر من غير عذر. «2»

فعلى هذا يكون ورود أخبار الاشتراك لبيان الحكم الواقعي و انّ الحق في خلافهم و يجوز الاتيان بصلاة العصر بعد صلاة الظهر بلا فصل كما عليه الجمهور، و ليس المراد من الاشتراك الاشتراك في كل جزء من الوقت حتّى يلزم التنافي بينها و بين أخبار الاختصاص، مع أن الترتيب بين الصلاتين كان أمرا واضحا عند المسلمين، حتّى ان العامة الذين قالوا بتباين الوقتين ذهبوا في موارد الجمع إلى اعتبار الترتيب و وقوع العصر عقيب الظّهر، فلا يكون قول المعصوم في هذه الأخبار إذا زالت الشّمس دخل الوقتان دالا على عدم اعتبار الترتيب، بل يكون ردا على العامة القائلين بوجوب التأخير، و يكون معنى الروايات انّه لا يجب بعد اتيان صلاة الظهر انتظار مضىّ مدّة حتّى يصير الظلّ مثل الشاخص أو مثليه بل يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقا لدخول وقت العصر بعد اتيان الظهر بلا فصل، لأنّ المتبادر من هذا الكلام ان كلا العملين عمل واحد يدخل أوّل وقته بالزوال كما لو قيل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر يتبادر منه ان أوّل الشروع فيها هو الزوال و لا يتبادر منه أنّ بالزوال دخل وقت الركعة الآخرة و المراد من هذه العبارة أنّ وقت كلا الصلاتين يدخل بالزوال ردّا على قال بأنّ بالزوال يدخل وقت الظهر و بعد مضى مقدار معين يدخل وقت العصر.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء،

ج 2، ص 307 نقلا من سنن البيهقى، ج 3، ص 163.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 307 نقلا من صحيح مسلم و سنن الترمذي و سنن النسائى.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 43

لا يقال هذا التوجيه وجيه في مثل إذا زالت الشّمس دخل وقت الصلاتين و لا يتّجه في مثل إذا زالت الشّمس دخل الوقتان لانا نقول ليس المراد من دخول الوقتين دخول زمانين فإنّه محال بل المراد و المقصود تعدد العمل فعلى هذا لا فرق بين التعبيرين في أفهام جواز الشروع في الصلاتين متعاقبا ردّا على العامّة القائلين بوجوب تأخير العصر كما هو المتداول عندهم.

و ان قلت بأنّ ظاهر أخبار الاشتراك دخول وقت العصر بالزوال.

قلنا نرفع إليه عن هذا الظهور بملاحظة رواية داود بن فرقد الصريحة في الاختصاص لا سيما بملاحظة ذيلها.

فان قيل ان الاختصاص لا يلائم مع عدم كون الوقت المختص للظهر له حد معين بل يختلف بحسب حالات المكلفين من جهة السفر و الحضر و المرض و الصحّة.

قلنا لم يدلّ دليل على عدم قبول الوقت للنقصان و الزيادة و لو كان الحدّ شرطا فلا بدّ من تعين الحدّ في مقدار القدم و القدمين و المثل و المثلين مع اختلافها بحث الفصول و الأيّام من حيث الطول و القصر مع انّها جعلت حدّا بلا مشخص، و مع ما قلنا في توجيه الأخبار الدالة على الاشتراك مع رواية داود بن فرقد لا نحتاج إلى توجيه ذكره المحقق الهمداني رحمه اللّه في مصباح «1» الفقيه و حمل الوقت بالنسبة إلى العصر على الشأنى و بالنسبة الى صلاة الظهر على الفعلى و جعل قوله عليه السّلام (الّا أنّ هذه قبل هذه) قرينة عليه، لانّ ما ذكرنا

هو المتبادر من الكلام في مقابل العامة الملتزمون بتأخر صلاة العصر و عدم الجمع بين العصر و الظهر، و كون وقتهما متباينين و كيف كان فلا وجه لتوهّم عدم امكان رفع اليد عن الروايات الكثيرة الدالّة على الاشتراك

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 103.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 44

لأجل رواية مرسلة و هى رواية داود بن فرقد، لانّ الرواية الواحدة كافيه لتقييد الروايات الكثيرة مع كون ضعف سندها من جهة الإرسال منجرا بعمل الأصحاب بها مع أنّه يمكن ان تكون بأيديهم روايات لم تصل إلينا لأنّ الكتب الأربعة لم تكن جامعة لجميع الأخبار الموجودة في الجوامع الأوليّة الدائرة بين الأصحاب و لذا ترى روايات في بعضها و لم تكن في بعض آخر و بالجملة تبيّن اختصاص أوّل الوقت بالظهر.

[في ان آخر الوقت مختص بالعصر بمقدار اداء الوظيفة]

و أمّا اختصاص آخر الوقت بصلاة العصر فيدل عليه أيضا رواية داود بن فرقد و رواية الحلبى المتقدمتان و كذا صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر معا و ان طهرت في آخر الوقت العصر صلّت العصر «1» و يمكن استفادة اختصاص أوّل الوقت بالظهر من هذه الصحيحة بعدم القول بالفصل.

ثمّ إنّه بعد ما أثبتنا كون أوّل الوقت مختصا بالظهر و آخره بالعصر يقع الكلام في مقدار الاختصاص بأنّه اى مقدار من الوقت من أوّله مختصا بالظهر و أى مقدار منه مختصا بالعصر، فهل يكون مقدار أربع ركعات من أوّله مختصا بالظهر، سواء كان حاضرا أو مسافرا أو خائفا، فلو كان مسافرا و صلّ ركعتين يجب عليه الصبر يمضى مقدار ركعتين أخيرين، فيمضى مقدار أربع ركعات ثمّ يشرع في صلاة العصر، أو المراد منها

اتيان الظهر و ان الاعتبار بمقدار اتيان صلاة الظهر بحسب وظيفة الفعلية للمكلّف سواء كان أربع ركعات أو ركعتين أو ركعة واحدة كما إذا شرع في الظهر قبل الزوال و قد دخل الوقت في الركعة الثانية و كان مسافرا فانّه يجوز له الشروع في

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 49 من ابواب الحيض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 45

صلاة العصر بعد الركعة الواقعة في الوقت.

الظاهر هو الثاني، و لفظ أربع ركعات الواردة في رواية داود بن فرقد مورد الغالب، و المراد بها هو الإتيان بالظهر، و كان لفظ أربع ركعات كناية عن اتيان الظهر بأى نحو كان، مع انّه قد ورد في رواية زرارة عن ابى جعفر ما يدلّ على ذلك (قال قلت لابي جعفر عليه السّلام بين الظهر و العصر حدّ معروف فقال لا) «1» يعنى بعد الظهر وقت العصر سواء كان الظهر أربع ركعات أو اثنين أو ركعة واحدة كما ذكرنا.

[في ان ليس للاربع في اخبار الاشتراك موضوعية]

و بالجملة و لو كانت رواية داود بن فرقد أظهر من حيث الدلالة على الاختصاص و كون الأربع لها موضوعيه، لكن روايات الاشتراك و رواية زرارة من حيث الدلالة على جواز الاتيان بالعصر بعد اتيان صلاة الظهر أقوى ظهورا منها من كون الأربع لها موضوعية و ان كان المصلّى مسافرا، فمن حيث الدلالة على الاختصاص رواية فرقد أظهر و من حيث جواز الإتيان بصلاة العصر بعد صلاة الظهر و بعد الفراغ من الظهر و ان كان مسافرا روايات الاشتراك و رواية زرارة أظهر، من كون الأربع لها موضوعية فلا بدّ من حملها على الغالب من كون صلاة الظهر يأتى بها أربع ركعات.

فممّا ذكرنا يظهر صحة ما قاله المحقق رحمه اللّه من

صحة صلاة من شرع في الظهر قبل دخول وقتها بزعم دخول الوقت، ثمّ انكشف عدم الدخول الا لحظة من صلاة الظهر و وقت المختص بالظهر هذه اللحظة فيجوز له الشروع في صلاة العصر بعد صلاة الظهر فورا و بلا فاصلة لدخول وقتها بعد الفراغ من صلاة الظهر.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 46

أمّا الكلام في معنى الاختصاص

المراد من الاختصاص و كون الوقت مختصا بصلاة الظهر هو عدم دخول وقت الشريكة أي العصر ما لم يمض المقدار المعين و هو مقدار أربع ركعات للحاظر و ركعتين للمسافر و للخائف و المضطر بحسب حالهما و لا يصحّ اتيان العصر في ذلك الوقت، و نسبة صلاة العصر في ذلك الوقت كنسبة صلاة الظهر إلى ما قبل الزوال و لم يذكر لفظ الاختصاص في آية و لا رواية، و مدرك هذه المسألة رواية داود بن فرقد، و لا يستفاد منها الا ما قلنا من عدم صحة صلاة الثانية في وقت صلاة الاولى، لأنّها وقعت في غير وقتها، و امّا اتيان سائر الصلوات الواجبة و المستحبة غير صلاة المرتبة على تلك الصّلاة فلا مانع له، و لو كان الصّلاة صلاة العصر الفائتة من اليوم السابق لعدم ترتب ذلك الصّلاة على الصّلاة الظهر من هذه اليوم خلافا لصاحب الجواهر رحمه اللّه من القول بعدم صحة قضاء صلاة العصر من اليوم السابق في ذلك اليوم.

فرع بعد ما قلنا باختصاص العصر بمقدار إتيانها من آخر الوقت فلو ظنّ المصلّى ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف انّه باق بمقدار أربع ركعات ففيه أربعة وجوه:

أحدها وجوب اعادة العصر لانه وقع في غير وقته لانّ الوقت للظهر و كان مختصا

به فإتيان صلاة العصر في هذا الوقت اتيانها في غير وقتها لانّ للظهر وقتين أحدهما مقدار إتيانها من أوّل الزوال ثانيهما مقدار إتيانها قبل الوقت الّذي كان مختصا بالعصر و متصلا بالعصر فوقعت في هذا الفرض صلاة العصر في وقت المختص بصلاة الظهر فتكون باطلة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 47

ثانيها وجوب اتيان صلاة الظهر أداء لانّ دليل الدال على ان آخر الوقت مختص بصلاة العصر منصرف إلى صورة عدم اتيان صلاة العصر و امّا بعد اتيانها فلا يشمل هذا المورد (فلا يستفاد منه الاختصاص و بعد عدم كون الوقت مختصا بالعصر و لم يأت بالظهر وجب عليه اتيان الظهر لعدم اتيانه و بقاء وقته.

ثالثها وجوب الاتيان بالظهر قضاء لانّ وقت الظهر خرج بدليل الدال على اختصاص آخر الوقت بالعصر و عدم قبول انصرافه الى صورة عدم الاتيان بالعصر بل مطلقا آخر الوقت مختصا بالعصر فيجوز الاتيان بالظهر قضاء بل يجب فورا ان قلنا بالمضايقة في قضاء الفوائت.

رابعها عدم وجوب اعادة العصر لإتيانها، و عدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا اداء و لا قضاء، لانّ معنى الاختصاص عدم صحة الشريكة في هذا الوقت اداء و قضاء، و اختاره صاحب الجواهر رحمه اللّه (لانّ معنى الاختصاص عدم صحة الشريكة فيه قضاء اذ هى لا تكون فيه الا كذلك ضرورة خروج وقتها فمن ترك العصر في وقت اختصاصه و اراد صلاة الظهر فيه قضاء لم يصحّ له). «1»

[في ان لم يرد لفظ الاختصاص في آية و لا رواية]

و فيه انّه لم يرد لفظ الاختصاص في آية و لا رواية حتّى يفسر بما ذكره كما قلنا سابقا، بل مرادهم من هذا اللفظ ما يستفاد من رواية داود بن فرقد من عدم دخول وقت العصر ألا بعد

مضى مقدار اداء الظهر من أوّل الوقت و خروج وقت الظهر إذا بقى من الغروب مقدار أربع ركعات، و لازم ذلك انّه إذا وقعت صلاة الظهر قبل الغروب وقعت قضاء و ليس معنى الاختصاص بطلان صلاة القضاء من الظهر في

______________________________

(1)- الجواهر، ج 7، ص 93.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 48

ذلك الوقت المختص بالعصر، كما ذكره صاحب الجواهر، فمع بطلان الانصراف فالمختار وجه الثالث من جواز اتيان الظهر قضاء أو وجوبه و تعينه بناء على المضايقة، و ان كان الأحوط الاتيان بالظهر بقصد ما في الذمّة من غير نيّة الأداء و القضاء و لا يمكن المساعدة على الوجه الأوّل لعدم دليل على ان للظهر وقتين.

[في ان اذا بقي من الغرب مقدار خمس ركعات وجب اتيان الظهر ثمّ العصر]

فإذا بقى من الغروب مقدار خمس ركعات وجب الإتيان بالظهر ثمّ بالعصر فان وقت الظهر باق بمقدار ركعة فيشملها عموم (قوله عليه السّلام من أردك ركعة من فقد أدركها).

و من عبّر مثل صاحب الجواهر بلفظ الاختصاص و فسرّه بعد صحة الشريكة و قال بالصحة في هذه المورد التزم بان المراد بعدم صحة الشريكة في وقت الاخرى عدم صحتها إذا وقعت بتمامها في الوقت المختص بالاخرى و امّا إذا وقع بعضها فلا يكون منافيا للاختصاص و هذا الحكم جار في العشاءين فان من أدرك مقدار خمس ركعات من نصف الأوّل من الليل يجب عليه تقديم المغرب و ان كانت الركعتان منها وقعتا في خارج الوقت لانّ معنى الاختصاص خروج الوقت بالنسبة الى المغرب بتمامه لا عدم صحة المغرب اذا وقع بعضه فى الوقت المختص بالعشاء.

قاعده من ادرك
اشارة

و حيث أن مدرك الحكم في هذه المسألة قاعدة من ادرك، فالحريّ أن نذكر مدركها من الاخبار مع قطع النظر عن الشهرة المحقّقة عليها، حيث قال المحقق الهمداني رحمه اللّه فمتى أدرك من الوقت مقدار اداء ركعة جامعة لشرائط الصحة بحسب

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 49

ما هو مكلّف به في ذلك الوقت من الطهارة المائية او الترابية (لزمه ادائها) بلا خلاف فيه على الظاهر بل فى المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب و عن المنتهى قال لا خلاف فيه بين أهل العلم. «1»

فنقول وردت الروايات من العامة و الخاصّة على أن مدرك ركعة من في وقتها مدرك تمام الوقت و وقعت صلاته بعبارات مختلفه.

أما من طرق العامّة روى البخارى في صحيحه، ج 1، ص 151 و المسلم في صحيحه ج 1- 433/ 607 و السنائى فى سننه ج 1،

ص 274 و احمد فى مسنده ج 2، ص 271 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال (من ادرك ركعة من الصّلاة فقد ادرك الصلاة).

و هذه الرواية عامة شاملة لجميع الصّلاة الخمس و لكن المحتمل ان تكون مرتبطة بصلوة الجماعة و ن من ادرك ركعة من الجماعة فقد أدرك الصّلاة و لا تكون مرتبطة بادراك الوقت.

و روى البخارى أيضا فى صحيحه ج 1، ص 151 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشّمس فقد ادرك العصر).

و روى البخارى أيضا في صحيحه، ج 1، ص 163 و ابو داود فى سننه، ج 1 ص 112، و 412 و ابن ماجه فى سننه ج 1، ص 229 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (من أدرك من الصبح ركعة قبل ان تطلع الشّمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشّمس فقد أدرك العصر).

و هذه الروايات الاربع غير شاملة لتمام الصّلاة الخمس.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ج 9، ص 350- 351.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 50

[في الاخبار الواردة من طرق الاماميّة]

و أما الأخبار الواردة من طرق الإماميّة:

الاوّل: رواه عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (فى حديث) (قال فأن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشّمس فليتمّ و قد جازت صلاته). «1»

الثاني: ما رواه أصبغ بن نباتة قال (قال أمير المؤمنين عليه السّلام (من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشّمس فقد أدرك الغداة تامّة). «2»

الثالث: ما رواه عمار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال ... (فان صلى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشّمس فيتمّ

الصّلاة و قد جازت صلاته و أن طلعت الشّمس قبل ان يصلى ركعة فليقطع الصّلاة و لا يصلّى حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها). «3»

الرابع: مرسلة الشهيد في الذكرى (قال روى عن النبيّ عليه السّلام أنّه قال (من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصلاة). «4»

الخامس: مرسلة المحقق في المعتبر حيث روى مرسلا في المعتبر قوله عليه السّلام (من أدرك ركعة من الوقت كمن أدرك الوقت). «5»

و لا يخفى عليك أن مع اشتهار هذه الاخبار و العمل بها و الفتوى على طبقها لا يبقى مجال للاشكال في سندها بإرسال او ضعف السند.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 30 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(5)- المعتبر، ج 2، ص 47.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 51

فبعد كون المرسلتين العاميتين تشملان لجميع الصلوات الخمس يمكن التمسك بهما.

و امّا من حيث الدلالة فقد يقال بأنّها غير ناظرة الى حيثية الأدائيّة او القضائيّة بل غاية ما يستفاد منها كون الصّلاة صحيحة في هذه الصورة أى صورة درك ركعة منها في الوقت و عدم لزوم أعادتها.

فانّه يقال أن ظاهر الرواية ان من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك ما يتوقّع من الوقت و هو كون تمام صلاته في الوقت فتكون اداء كمن أدرك جميع الوقت فقوله في رواية عمّار جازت صلاته دالّ على هذا لأنّ جواز هذه الصّلاة الّتي وقعت ركعة منها في الوقت كجواز الصّلاة الّتي وقع تمامها في الوقت.

كما أنّه قد يقال لا تشمل الروايات العامد و من تساهل حتّى ضاق

الوقت بل تشمل الغافل، و من انكشف له بعد الصّلاة او في أثنائها انّه لم يبق من الوقت ألّا مقدار أداء ركعة، لكن المستفاد من الرواية بيان وظيفة من لم يصلّ حتّى ضاق الوقت و لم يبق ألا مقدار ركعة من الصّلاة، سواء كان عامدا او غافلا او ناسيا او معتقدا لدرك تمام الصّلاة في الوقت، و لا دلالة له على خصوص الغافل او المعتقد لادراك الوقت، فعلى هذا وقعت الصّلاة اداء بتمامها، و كون إدراك ركعة من الوقت مثل ادراك جميع الوقت في كون الصّلاة وقعت اداء لا قضاء بتمامها و لا ملفقة من الأداء و القضاء بمعنى كون الركعة الواقعة في الوقت اداء و غيرها وقعت قضاء.

[في ما حكي عن السيد ره كما نقله الجواهر في غير محلّه]

فما حكى عن السيّد رحمه اللّه من كون هذه الصّلاة وقعت قضاء بتمامها كما في الجواهر ج 7، ص 268 او من بعض آخر من كونها ملفقة من الادائيّة و القضائيّة كما أشار إليه في المبسوط، ج 1، ص 72 في غير محلّه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 52

فقد ظهر لك أنّه يظهر من الأخبار شمول الحكم لجميع الصلوات و أن كان موردها صلاة العصر و الغداة، و يساعد على ذلك فهم العرف لالغاء الخصوصية من موردها، و عدم فرق بين الصلوات الخمس و عدم خصوصية لصلاة العصر و الغداة لهذا الحكم، و كذا فهم العلماء من العامة و الخاصة إطلاق الحكم لكلها و عدم الاختصاص بالعصر و الغداة، ثمّ بعد ما قلنا من صحة قاعدة من ادرك و شمولها لجميع الصلوات الخمس، فاذا بقى من الوقت الى الغروب مقدار خمس ركعات للحاظر، او ثلاث ركعات للمسافر- يجب على المكلف الإتيان بالصلاتين الظهر و العصر، و كذا

اذا بقي الى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاظر او أربع ركعات للمسافر- يجب عليه أيضا الجمع بين المغرب و العشاء، و هذا الحكم كما ادعاه في الخلاف ج 1، ص 272، مسئلة 14 ممّا لا خلاف فيه بين الاصحاب لكن يظهر من المحقق الحائرى رحمه اللّه في كتاب صلاته ص 16- 18 الاشكال في هذا الحكم بالنسبة الى الظهر و المغرب من جهة أنّ الاختصاص الّذي استفدناه من رواية داود بن فرقد معناه عدم صحة وقوع الشريكة في وقت المختص بصلوة اخرى لا اداء و لا قضاء و لا كلا و لا بعضا، فعلى هذا لا وجه لإتيان صلاة الظّهر الا في ما اذا بقى مقدار ثمان ركعات الى الغروب، و كذا لا وجه لاتيان صلاة المغرب ألا اذا بقى الى انتصاف الليل مقدار سبع ركعات لأن لا تقع صلاة الظهر و المغرب في وقت المختص بالعصر و العشاء، و امّا في صلاة الغداة او صلاة العصر و الغداة فحيث وردت الروايات بصحتهما نقول به.

[في كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]
اشارة

و امّا مرسلة المحقق و ان كانت عامّة شاملة لجميع الصلوات، لكنّها لم تثبت و يحتمل ان تكون مأخوذة من الروايات بإلغاء الخصوصية عن موردين، لكن التعدّى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 53

عن مورد الروايات و الغاء الخصوصية يحتاج الى العلم بعدم مدخلية الخصوصية في الحكم في المورد كما في المفهوم الموافقة المبحوث عنها في الاصول، لانّ الخصوصيّات المأخوذة في الحكم قد يعلم عدم دخالتها في الحكم فيتعدّى عن مورده الى غير المورد بالمفهوم الموافقة و امّا مع عدم العلم بذلك لا يمكن تسرية الحكم عن خصوص مورده.

و في ما نحن فيه لا يمكن هذه الدعوى بالنسبة الى الظهر

و المغرب لانّ الصبح و العصر و العشاء لا تزاحم مع وقوع بعضها خارج الوقت أحدا من الواجبات لعدم وجود واجب بعدمها و أما الظهر و المغرب فمع مزاحمتهما للعصر و العشاء لا يمكن الغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد عدم ذكرهما في الروايات.

مع أن أدلّة وجوب اتيان الصلاة في وقتها و وجوب تعجيل أدائها في وقتها و عدم جواز فوت وقتها يعارض مع قاعده من ادرك و لا مرجح لتقديمها عليها اداء الظهر تماما يوجب وقوع بعض العصر في خارج وقتها و مع عدم ذكر الظهر و المغرب في اخبار قاعدة من ادرك كيف يقدم دليلها على أدلّة وجوب اتيان العمل في وقته.

[في الجواب عن اشكال المحقّق الحائري رحمه اللّه]

و الجواب عن اشكاله رحمه اللّه كما قلنا سابقا في جواب صاحب الجواهر رحمه اللّه لم يردّ فى آية و لا رواية كلمة الاختصاص حتّى يفسّر بعدم صحة الشريكة في وقت المختص بالآخر و نتمسك بإطلاقه بل ما يدلّ عليه رواية داود بن فرقد بأنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت مختص بالظهر و مقدار اربع ركعات من آخر الوقت مختص بالعصر و لا دلالة فيها على عدم صحة الشريكة في وقت المختص بالآخر و لو بعضا.

[في كون القاعدة حاكمة على الادلة الاولية]

و ما دلّت عليه الروايات و أدلّة الأوليّة وجوب الإتيان بالصّلاة في وقتها اداء بتمام أجزائها لكن بعد ورود قاعدة من ادرك و صيرورتها عند المشهور مورد القبول

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 54

و صار ضعفها و ارسالها منجرا بعملهم بها تكون هذه القاعدة حاكمة على الأدلّة الاوليّة و مفسرة لها بأنّ تحقق عنوان الأدائية لا يكون متقوّما بكون جميع أجزائها واقعة في الوقت بل يحصل العنوان و لو بدرك الوقت مقدار ركعة و مع هذه القاعدة بإتيان صلاة العصر و لو بركعة منها في وقتها المختص بها يحصل امتثال الامر بايجاد الصلاة أداء و ليس في البين ما دلّ على وجوب التعجيل و المبادرة حتّى نقول بتعارض قاعده من ادارك مع الدليل الدال على التعجيل بالنسبة الى صلاة العصر و لو كان في البين دليل لكان الكاشف عنه الاجماع و الإطلاق مع كون الاجماع دليلا لبيا يقتصر على المتيقّن مع أنّه منصرف عن هذه الصورة.

و لو سلّمنا وجوب التعجيل و عدم كون القاعدة حاكمة على الأدلة الاوليّة لكن مقتضى أدلّة شرطية الترتيب و كون اتيان الظهر أوّلا من شرائط الوجوديّة لصلاة العصر لا بدّ من تقديم الظهر

ليتحقق الشرط و مع امكان اداء الظهر كذلك لا بد من تقديمها لإيجاد شرط وجود صلاة العصر كما دلّت على ذلك رواية الحلبي المتقدمة الواردة فيمن نسى الظهر و العصر ثمّ تذكر عند غروب الشّمس حيث قال عليه السّلام لأنّ كان في وقت لا يخاف قوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر و أن هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعا» «1» فأنّ ببركة قاعدة من أدرك يصدق على الشخص الناسي لصلاة الظهر و العصر أنّه لا يخاف فوت أحدهما بل يدرك كلا الصّلاة من اداء فوجب عليه إتيانهما بتقديم الظهر على العصر و أن كان بعض الظهر وقع في وقت العصر و بعض العصر وقع في خارج وقته لانّ ذلك بمقتضى الجمع بين الادلّة كما عرفت.

______________________________

(1)- الرواية 18 من الباب 4 من أبواب المواقيت الصلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 55

الكلام في معرفة الزوال و علامته

قد عرفت انّ وقت الظّهر يدخل بزوال الشّمس انّما الكلام في علامته قال صاحب الجواهر «1» (و يعلم الزوال) الّذي قد أنبطت الصّلاة به المعبّر عنه في الكتاب العزيز بدلوك الشّمس بأمور أشهرها فتوى و رواية زيادة الظلّ الحاصل للشاخص بعد نقصانه او حدوثه بعد انعدامه كما في مكّة و صنعاء و المدينة في بعض الأزمنة و هذه العلّامة اى زيادة الظلّ بعد نقصانه قد وردت في النصوص كما في مرفوعة سماعه «2» و خبر على ابن حمزه «3» و مرسل الفقيه «4» و امّا حدوثه بعد انعدامه فهى في بعض أيّام السنه فيها.

قال صاحب الجواهر و هذه العلّامة (اى زيادة الظل بعد نقصانه) مع أنّها لا خلاف فيها بين الأصحاب و دلّت عليها النصوص

السابقة و يشهد بها الاعتبار تامة النفع يتساوى فيها العامى و العالم اذ ليس هى الا وضع مقياس في الأرض بأىّ طور. «5»

أمّا العلّامة الثانية و هي ميل الشّمس الى جانب الحاجب الأيمن لمن أستقبل القبلة قال صاحب الجواهر هي لمن كان من اهل العراق فقد ذكرها غيره من الاصحاب بل في جامع المقاصد نسبتها إليهم لكن مع التقيد بما سمعت بل في المدارك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 99.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 11 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- جواهر الكلام، ج 7، ص 102.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 56

و غيرها تقيده أيضا بمن كان قبلته نقطة الجنوب منهم كاطرافه الغربيّة دون اوساطه و أطرافه الشرقيّة. «1»

و أمّا البلاد الّتي قبلتها منحرفة عن نقطة الجنوب الى طرف المغرب فتعرف القبلة بهذه العلّامة بعد مضىّ زمان كثير.

أعلم ان المعتبر هو العلم بالزوال بأىّ طريق حصل و العلامتان المذكورتان ليس لهما الموضوعية بل لو ثبت بعلامة اخرى غيرهما يكفى لإتيان الصّلاة و لو لم تصر زيادة الظل محسوسة كما قال بعض من وجوب التأخير حتّى تصير زياده الظلّ محسوسة.

المطلب الرابع: في أوّل وقت المغرب
اشارة

قال العلّامة في التذكرة «2» أوّل وقت المغرب غروب الشّمس بإجماع العلماء و اختلف علمائنا في علامته فالمشهور و عليه العمل اذا ذهب الشفق المشرقى و قال بعضهم سقوط القرص و عليه الجمهور كافة و منشأ اختلاف الأصحاب في الغروب من كونه استتار القرص عن النظر او ذهاب الحمرة المشرقيّة اختلاف الاخبار فطائفة منها دالّة على كون الغروب يتحقّق باستتار القرص.

[في الاخبار الواردة في اوّل وقت المغرب]

منها ما رواه زرارة قال (قال ابو جعفر عليه السّلام وقت المغرب اذا غاب القرص فان رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصّلاة). «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 104.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 310.

(3)- الرواية 17 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 57

و منها ما رواه جابر عن ابي جعفر عليه السّلام قال (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا غاب القرص أفطر الصائم و دخل وقت الصّلاة). «1»

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت المغرب من حين تغيب الشّمس الى ان تشتبك النّجوم). «2»

و منها ما رواه داود بن أبى يزد قال (قال الصّادق جعفر بن محمد عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب). «3»

و منها رواية اسماعيل بن الفضل الهاشميّ عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى المغرب حين يغيب الشّمس حيث تغيب حاجبها). «4»

و منها حديث 30 و 19 و 22 و 23 و 16 من الباب المذكور.

و طائفة منها دالة على تحقق المغرب بذهاب الحمرة من المشرق:

منها ما رواه على بن احمد بن أشيم عن

بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سمعته يقول وقت المغرب اذا ذهبت الحمرة من المشرق و تدرى كيف ذلك قلت لا قال لانّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا- و رفع يمينه فوق يساره- فاذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا). «5»

و منها مرسلة ابن ابي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت سقوط

______________________________

(1)- الرواية 20 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 26 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 21 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 37 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 3 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 58

القرص و وجوب الافطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق فاذا جازت قمة الرأس الى ناحية المغرب فقد وجب الافطار و سقط القرص). «1»

و منها ما رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن بكر بن محمد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (سأله سائل عن وقت المغرب فقال ان اللّه يقول في كتابه لإبراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي «2» فهذا أوّل الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل). «3»

و منها ما رواه شهاب عبد ربّه قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام يا شهاب اني أحبّ اذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا). «4»

و منها ما رواه شريح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب فقال إذا تغيّرت الحمرة

في الافق و ذهبت الصفرة و قبل ان تشتبك النجوم). «5»

و منها ما رواه العمّار الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أنّ ما أمرت أبا الخطاب ان يصلّى المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشّمس فجعل هو الحمرة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- سورة الانعام، الآية 7.

(3)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 59

الّتي من قبل المغرب و كان يصلّى حين يغيب الشّفق). «1»

و منها ما رواه عبد اللّه بن وضّاح (قال كتبت الى العبد الصالح عليه السّلام يتوارى القرص و يقبل الليل ثمّ يزد الليل ارتفاعا و تستتر عنّا الشّمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و يؤذّن عندنا المؤذّنون أ فأصلّي حينئذ و أفطر أن كنت صائما او أنتظر يذهب الحمرة الّتي فوق الجبل فكتب إليّ أرى لك ان تنتظر حتّى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك). «2»

و منها رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال (قال لى مسّوا بالمغرب قليلا فان الشّمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا). «3»

[في ذكر الاخبار الدالّة على كون المغرب ذهاب الحمرة المشرقية]

ثمّ أعلم أنّه في رواية محمد بن شريح لم يقيّد الحمرة بالمشرقيّة او ما يدلّ على كون المراد منها الحمرة المشرقيّة من مطلع الشّمس و غيره فيمكن ان يكون المراد الحمرة المغربيّة و على ذلك يكون المراد بيان آخر فضيلة وقت المغرب، و أن قلنا بقرينة الأخبار كون المراد الحمرة المشرقية و الذيل دالّ على بيان آخر وقت فضيلة المغرب، فعلى هذا

الرواية متعرضة لبيان كلا الوقتين أول الفضيلة و آخرها و المراد من تغيّرها هو تغيّرها الى السواد كما قال و ذهبت الصفرة.

و منها ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر (قال اذا غاب الحمرة من هذا الجانب- يعنى من المشرق- فقد غابت الشّمس من شرق الأرض و غربها). «4»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 60

و مثل هذه الرواية 7 و رواية 11 من هذا الباب و الظاهر كلها رواية واحدة قد نقلها صاحب الوسائل بعنوان رواية 1 و 7 و 11 و لم يذكر في الرواية المغرب و الصّلاة و الصوم لكن الظاهر منها أنه عليه السّلام بصدد بيان محقّق المغرب الّذي يترتّب عليه في الشرع احكام من دخول وقت الصّلاة و جواز إفطار الصوم عند الغروب و غيرهما من الاحكام كما ان الظاهر من الرواية كون المراد بمشرق الارض و مغربها تمام الأراضى المتساوية السطح لارض المصلّى بحيث لا يرى الشّمس احد من سكّان هذا الأراضى لا صرف غروبها عن نظر ذلك المصلّى فقط- و نقل صاحب الوسائل في كتاب الحج في باب الإفاضة من عرفات بعض الاخبار الّذي دلّ على مذهب الإماميّة من كون محقّق الغروب ذهاب الحمرة المشرقية.

[في ما تقع المعارضة بين الاخبار]

ثمّ انّه كما ترى أنّ هذه الاخبار تعارض مع الاخبار المذكورة الدالة على ان الغروب بتحقق باستتار القرص فأن أمكن الجمع بينهما فهو و الّا لا بدّ من أعمال قاعده التعارض من الترجيح او

التساقط.

و ليكن على ذكرك ان التعارض بينهما في صورة كون المراد من غروب الشمس و استتارها عن نظر المصلّى و لو لوقوع مانع و حاجب مثل الجبل او كون المراد منه استتارها عن افق مكان المصلّى بحيث لا يراها احد من سكان هذا المكان و لو لم يكن في البين مانع من الجبل و غيره.

كما أنّه لو كان المراد من الغروب استتار الشّمس عن افق جميع الاراضى المتساوية لارض المصلّى من حيث الافق.

او كون المراد استتارها عن افق الحقيقي المنصّف لكرة الارض لا يكون بين الطائفتين تعارض و تكون الطائفة الثانية حاكمه على الطائفة الاولى و شارحة لها

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 61

بأنّ المراد من غيبوبة الشّمس أحد هذه المعانى فلا يكون بينهما تعارض اصلا كما قلنا بان الظاهر من رواية بريد بن معاوية ذلك المعنى اعنى غيبوبة الشّمس من جميع الاراضى المتساوية السطح لمكان المصلّى.

[في ترجيح الاخبار في الباب]

فان لم تقبل ما قلنا قلت و لا طريق للجمع بينهما فلا بدّ من ترجيح الأخبار الدالّة على كون المراد الحمرة المشرقية لانّ من المرجحات مخالفة العامة و لا ريب في ان تمام فرق المسلمين مخالف مع الاماميّة في هذا فتوى و عملا كما تراهم الآن يصلّون بمجرد استتار القرص و يفطرون صومهم فمع فتوى المشهور من الامامية على طبق هذه الاخبار و ان المراد من الغروب و غيبوبة الشّمس هو ذهاب الحمرة في مقابلهم يكشف كون فتواهم و عملهم بهذه الاخبار لا جل كون فتوى ائمتهم عليهم السّلام على ذلك و نقل هذه الأخبار عنهم عليهم السّلام على كون المراد من غيبوبة الشّمس استتارها صدت تقيّة و من المعلوم أن بنائهم على مراعاة التقية في مثل هذا

التى كانت عند تمام فرق المسلمين من الضروريّات و كان اعتقادهم ان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على هذا أيضا.

ثمّ أن الظاهر من مرسلة ابن ابى عمير حركة الحمرة من المشرق الى المغرب تدريجا بعد تجاوزه عن قمة الرأس لكن الحس و الوجدان بخلاف ذلك لانّ المحسوس بالعيان رفع الحمرة من المشرق تدريجا و أسواد الافق و اذا تمّ الرفع يصير لونها ضعيفا الى ان لا ترى العين من الحمرة أثرا فعند ذلك توجد حمرة ضعيفة في جانب المغرب فوق الافق تنخفض بالتدريج مع الاشتداد الى أن غابت عن النظر بتمامها.

فأن أمكن حملها على ما ذكرنا من حدوث الحمرة في جهة المغرب و زوال الحمرة الّتي في جهة المشرق بعد تجاوزها عن قمة الرأس فالمستفاد منها ما دلّت عليه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 62

ساير الروايات.

كما أنّ المراد من غيبوبة الشّمس زوالها من جهة المشرق بالكليّة بحيث نظر الشخص الى تلك الجهة و لم ير الحمرة الّتي كانت موجودة فيها.

ثمّ انّه قد يجمع بين الطائفتين من الاخبار المتقدمة بوجهين آخرين الأوّل ما قاله العلّامة الحائرى رحمه اللّه في كتاب صلاته ص 14 من حمل أخبار الدالّة على اعتبار ذهاب الحمرة على الفضيلة و الاستحباب و لكن لا يمكن قبوله لانه تصرف في ظاهر هذه الأخبار من غير ان يدلّ عليه دليل.

و الجمع الثاني هو ان المراد بذهاب الحمرة هو ذهابها من الأفق و أن لم يصل الى قمة الرأس فضلا عن التجاوز عنها و الذهاب بهذا الحد مقارن لاستتار القرص.

و الجواب عنه ان المراد بزوال الحمرة و ذهابها هو ذهابها و زوالها بالكليّة بحيث لا ير الشخص الحمرة اصلا في جهة

المشرق كما دلت عليه مرسلة ابن ابى عمير.

[لا يكون المراد من الحمرة استتار القرص]

مع انّه لو كان المراد من الحمرة استتار القرص كما قاله سائر الفرق من المسلمين لا وجه للتعبير بغير استتار القرص و إلقاء الشبهة بين المسلمين في التعبير عن استتار القرص بشي ء آخر غير ما نفهم من الأخبار الدالّة على كون علامة دخول وقت المغرب استتار القرص مع كون عملهم على عدم الاختلاف و ايجاد الاتحاد مهما أمكن.

ان قلت لو كان عمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه على طبق ما يقوله الشيعة من كون محقق المغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة فكيف لا يفهم المسلمون ذلك الى زمان صدور الأخبار من المعصوم عليه السّلام.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 63

قلت لا منافاة بين كون عمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك كما يقوله الاماميّة و مع ذلك يخفى على المسلمين عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعدم توجّه المسلمين و عدم اهتمامهم بضبط نحوة افعاله و خصوصياتها و كانوا مثل السمك في الماء لا يعلم ان حياته بالماء و بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علموا ما فات منهم من البركات و حدث الاختلاف في الاحكام بعد هذه المصيبة العظمى و توجّهوا بانهم لم يستفيدوا منه كما هو حقّه فعلى ما ذكرنا لا وجه للجمع بين الأخبار الّا بما قلنا و لو لم يقبل و تصل التوبة الى الترجيح فالترجيح مع الطائفة الثانية لمخالفتها مع العامّة و مع كون عمل المشهور على طبقها.

[في ان مال المحقّق البهبهاني رحمه اللّه الى القول باستتار القرص]
اشارة

قد مال المحقّق الوحيد البهبهانى رحمه اللّه الى القول باستتار القرص على ما نقله صاحب الجواهر رحمه اللّه عنه لبعض الاخبار المتقدمة مع وجه آخر و هو انّه لو اعتبرت الحمرة

المشرقيّة من حيث دلالتها على زوال القرص في الغروب لاعتبرت المغربيّة بالنسبة الى الطلوع المعلوم خلافه «1» و مراده رحمه اللّه أن ذهاب الحمرة لو كان دليلا على الغروب بالنسبة الى وقت المغرب لكان وجود الحمرة المغربيّة في الصبح دليلا على طلوع الشّمس لانّ بذهابها زالت الشّمس بقولكم فبوجدها طلعت الشّمس فعلى هذا لو أخّر صلاة الصبح الى وقت ظهور الحمرة المغربيّة صارت قضاء لكون ظهور الحمرة دالا على طلوع الشّمس مثل ذهابها الدال على زوال الشمس.

[ردّ صاحب الجواهر كلام المحقّق البهبهاني]

و قد ردّه صاحب الجواهر بأربعة وجوه فمن أراد فاليراجع.

و يمكن القول بالفرق بين المقامين بأن المناط في صلاة المغرب بدخول الليل و التعبير بالغروب من أجل ما عليه المسلمون و صلاة المغرب من الصّلاة الليليّة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ص 118، ج 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 64

فلا بدّ من وقوعها في الليل و الليل لا يتحقّق الا بغيبوبة الشّمس مع زوال الحمرة المشرقيّة.

بخلاف صلاة الصبح فإنّها من الصلوات اليوميّة و الاعتبار فيها بطلوع الشّمس و لا يضرّ ظهور الحمرة المغربيّة في جهة المغرب كما يظهر ذلك من رواية بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال سأله سائل عن وقت المغرب فقال أن اللّه تعالى يقول في كتابه لابراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي «1» فهذا اوّل الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق). «2»

(و كذا يظهر من قوله تعالى أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «3») لانّ حكم صلاة المغرب و الافطار من حيث الوقت واحد و قد علقهما اللّه تعالى بدخول الليل و علامة دخوله ذهاب الحمرة المشرقيّة من قمة الرأس لا نفس الاستتار.

فعلى ما قلنا و قاله المشهور من ان وقت

صلاة المغرب زوال الحمرة المشرقيّة يمتدّ وقت صلاة العصر الى الزوال لعدم الفصل بين أخر وقت العصر و أوّل وقت المغرب لأنّ آخر صلاة العصر الغروب و أوّل وقت صلاة المغرب الغروب و بعد وضوح الغروب في كلام الشارع بذهاب الحمرة المشرقيّة فيكون المراد منه ذلك مطلقا و في كل مورد يكون الغروب مبدأ لشي ء او منتهاه.

كما ظهر بذلك وقت صلاة العشاء حيث يكون وقتها بعد مقدار ثلاث ركعات بعنوان صلاة المغرب لأنّ المستفاد من الاخبار كون دخول وقت كلا الصلاتين

______________________________

(1)- سورة الانعام، الآية 76.

(2)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- سورة البقرة، الآية 178.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 65

بغروب الشّمس ألّا أنّ هذه قبل هذه و من جملة هذه الاخبار رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل ألّا أنّ هذه قبل هذه). «1»

المطلب الخامس: في آخر وقت المغرب
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء مسئلة 31 و آخره للفضيلة الى ذهاب الشفق و للاجزاء الى ان يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء لانّ عبد اللّه بن عباس قال الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلّى المغرب و العشاء و لو لم يكن الوقت ممتدّا لما وجب لان عذرها قد عمّ الوقت.

و من طريق الخاصّة قول الصادق عليه السّلام ان اللّه أفترض اربع صلوات صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروبها ألّا أنّ هذه قبل هذه و اثنان وقتهما من غروب الشّمس إلى انتصاف الليل ألّا أنّ هذه قبل هذه و لأنّ وقت العشاء يمتدّ الى الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنّهما صلوتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر و العصر و قال

الشّيخ و المرتضى و ابن أبى عقيل آخره للمختار الى ذهاب الشفق و للمضطرّ الى الانتصاف بقدر العشاء و في قول آخر للشيخ آخره ثلث الليل و فى رواية الى ربع الليل و به قال ابن الجنيد و هو قول المرتضى و للمضطر الى ان يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.

و قال الثورى و ابو حنيفة و أحمد و اسحاق و داود و ابو ثور و ابن المنذر

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 66

و الزهرى آخره غيبوبة الشفق المغربى و حكاه ابو ثور عن الشافعى لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال (وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق و ثور الشفق هو انتشار الشفق و قال الشافعى فى الجديد و القديم أنّ لها وقتا واحدا و هو قول مالك و هو يدخل بسقوط جميع القرص و قال مالك يمتدّ وقتها الى طلوع الفجر و به قال عطاء و طاوس كما يقول فى الظهر و العصر). «1»

و امّا اختلاف علمائنا فى هذه المسألة لأجل اختلاف الروايات واردة فهى على طوائف:

الطائفة الاولى: ما دلّت على ضيق وقت المغرب:

فمنها رواية زيد الشحام (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت المغرب فقال ان جبرئيل أتى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحدة و أنّ وقتها وجوبها). «2»

و منها رواية أديم بن الحرّ (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه يقول أنّ جبرئيل آمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصلوات كلّها فجعل لكل صلاة وقتين ألا المغرب فانّه جعل لها وقتا واحدا. «3»

فهذان الخبرين يدلّان على الضيق اما

حيث لم يكن فى علمائنا القائل بالضيق فلا بد من حملهما على شدّة كراهة التأخير و مع دلالة الأخبار الآتية على التوسعة فلا يمكن الآخذ بهذين الخبرين.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ح 2، ص 311- 312.

(2)- الرواية 1 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 67

الطائفة الثانية: ما دلت على امتداد وقته الى زوال الشّفق:

منها ما رواه حريز عن زرارة و الفضيل قالا (قال ابو جعفر عليه السّلام ان لكلّ وقتين غير المغرب فان وقتها واحد و وقتها وجوبها و وقت فوتها سقوط الشّفق). «1»

و منها رواية اسماعيل بن مهران (قال كتبت الى الرضا عليه السّلام (الى ان قال) فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها الى البياض في افق المغرب). «2»

و منها ما رواه اسماعيل بن جابر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشّمس الى سقوط الشّفق). «3»

و منها ما رواه عن بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (الى أن قال) (و آخر ذلك غيبوبة الشّفق).

لكن لا بدّ من حمل هذه الاخبار على كونها بصدد بيان الوقت الأوّل للمغرب بقرينة الاخبار الآتية الدالة على امتداد وقت صلاة المغرب الى ربع الليل او نصفها او الى الفجر و حمل ذلك الأخبار على بيان وقت الثاني للمغرب.

و المراد من الوقت الأوّل وقت الفضيلة و من الوقت الثانى وقت الأجزاء.

الطائفة الثالثة: ما دلّت على امتداد وقت المغرب الى ربع الليل او ثلث الليل:

منها ما رواه عمر بن يزيد عمّن قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام وقت المغرب فى

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 14 من الباب 18 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 68

السفر الى ثلث الليل). «1»

و منها ما رواه عمر بن يزد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت المغرب فى السفر الى ربع الليل). «2»

و منها ما رواه عمر بن يزيد (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام وقت

المغرب فى السفر الى ربع الليل). «3»

ذكره فى الوسائل مكررا و لا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضا على بيان مراتب الفضيلة بقرينة الأخبار الآتية الدالّة على امتداد وقت صلاة المغرب الى الانتصاف او الى الفجر.

الطائفة الرابعة: ما دلّت على امتداد وقت صلاة المغرب الى ان يبقى من انتصاف الليل مقدار اربع ركعات.

منها رواية داود بن الفرقد عن بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (الى ان قال) (فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «4»

و منها ما رواه عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غربت الشّمس

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 69

فقد دخل وقت الصّلاتين الى نصف الليل). «1»

و منها مرسلة الكلينى و روى أيضا الى نصف الليل. «2»

الطائفة الخامسة: ما دلّت على امتداد وقت المغرب الى ان يبقى من الفجر اربع ركعات.
اشارة

فبعضها دال على امتداد الوقت الى الفجر مطلقا.

مثل رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تقوت الصّلاة من أراد الصّلاة لا تقوت صلاة النّهار حتّى تغيب الشّمس و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس). «3»

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 69

و بعضها واردة فى خصوص الحائض

مثل رواية ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشّمس صلّت الظهر و العصر). «4»

و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ عليه السّلام (قال اذا طهرت

المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشّمس صلّت الظهر و العصر). «5»

______________________________

(1)- الرواية 24 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 70

و رواية داود الزّجاجىّ عن أبى جعفر عليه السّلام (قال اذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشّمس صلّت الظهر و العصر و أن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب و العشاء الآخرة). «1»

و رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا ظهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر و أن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء). «2»

[في ذكر بعض الاخبار في خصوص النائم و الساهى]

و بعضها واردة فى خصوص النائم و السّاهي.

مثل رواية أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء او نسى فأن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كليتهما فليصلّهما و أن خشى أن تقوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و أن أستيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب العشاء الآخرة قبل طلوع الشّمس فأن خاف ان تطلع الشّمس فتفوته أحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها ثمّ ليصلّها). «3»

و رواية ابن مسكان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أن نام رجل او نسى ان يصلّى المغرب و العشاء الآخرة فأن أستيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما

كليتهما فليصلّهما و أن خاف ان توفته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و أن أستيقظ بعد الفجر فليصلّ

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 49 من أبواب الحيض من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 49 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 71

الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشّمس). «1»

و كذا روى عبد اللّه بن سنان مثله. «2»

و يستفاد من هذه الطائفة امتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر و تخالف مع الطائفة الرابعة الدالّة على امتداد وقتها الى انتصاف الليل و لا يمكن رفع اليد عن الطائفة الخامسة من جهة السند لانّ فيها الرواية الصحيحة و لا يمكن حملها على التقيّة لأنّه كما عرفت من العامة لم يقل أحد بامتداد الوقت الى طلوع الفجر الّا مالك فلا وجه لحمل هذه الطائفة على صدورها تقية لانّ أكثرهم مخالف مع المالك فى هذا الحكم فلم يكن الحكم بينهم مشهورا يقال ان الرشد في خلافهم.

[كلام الشيخ صريح في عدم اعراض المشهور]

كما انّه لا يمكن دعوى الاعراض بأنّ المشهور أعرضوا عن هذه الاخبار الدالّة على الامتداد الى طلوع الفجر فيسقط عن الحجيّة لانّ الشّيخ نقل فى المبسوط و الخلاف من الاماميّة القول بامتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر. «3»

و أختار هذا القول صاحب المدارك بالنسبة الى المضطرّ قال في المدارك و المعتمد امتداد وقت الفضيلة الى ذهاب الشفق و الاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء للمضطر الى ان يبقى ذلك من الليل و هو اختيار المصنف رحمه اللّه فى المعتبر. «4»

و قال أيضا في المدارك و حكى فى المبسوط عن بعض علمائنا قولا بامتداد

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 62

من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 74- 75؛ الخلاف، ج 1، ص 261، مسئلة 6.

(4)- المدارك، ج 3، ص 54.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 72

وقت المغرب و العشاء الى طلوع الفجر. «1» و هذا المقدار كاف فى عدم ثبوت الأعراض مضافا الى ان الشّيخ قال فى موضع من الخلاف اذا ادرك بمقدار يصلّ فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف و أن أدرك أقلّ من ذلك لم يلزمه عندنا و كذلك القول في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر «2» و هذا صريح فى عدم أعراض المشهور.

ثمّ أنّه قد يقال بتوهّم التعارض بين هذا الكلام الظاهر فى كون امتداد وقتهما الى الفجر اجماعيا عند الخاصّة و العامّة، مع الكلام السابق من كون امتداد وقتهما منسوب من بين العامّة الى المالك، و مقتضاه عدم كون الامتداد إجماعيّا، لكن يدفع هذا التوهّم بأنّ العامة مع قولهم بكون الوقتين متباينين فى الظهر و العصر و المغرب و العشاء لكن المسلم عندهم جواز الجمع بين الصلاتين في بعض الموارد مثل السفر و ضيق الوقت و المطر مثلا، كما قال الاماميّة مطلقا، لكن الوجه في جواز الجمع عندهم غير الوجه عند الاماميّة لانّ الوجه عند الاماميّة بقاء وقت صلاة الاولى مع دخول وقت الثانية، فاذا صلّى بعد الزوال صلاة الظهر ثمّ بلا فصل العصر فقد وقع كليهما فى الوقت، لانّ وقت العصر دخل بمجرد الفراغ من الظهر، و كذلك لو صلّى فى آخر الوقت كليهما لانّ الظهر وقع فى وقته لبقاء الوقت بمقدار اربع ركعات بالمغرب، فعلى هذا لا يختص جواز الجمع بين الصلاتين

بمورد خاص من العذر و المطر و العلّة و السفر، بل يجوز فى كل مورد كما عرفت الروايات الدالة على اشتراك الظهرين فى الوقت و كذا العشاءين، ألّا أنّ هذه قبل هذه.

______________________________

(1)- المدارك، ج 3، ص 54.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 272، مسئلة 14.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 73

و أمّا وجه الجمع عند العامّة ليس من جهة بقاء وقت الأوّل و دخول وقت الثّاني، بل من باب وقوع أحدى الصلاتين فى الوقت المختص بالاخرى، و كان إحداهما صارت ضيقا لوقوع الاخرى فى وقتها، و ذلك يحتاج الى دليل خاص كما ورد فى السفر و المطر و العلّة و الضيق، فعلى هذا ظهر كون مورد الّذي ادّعى الشيخ رحمه اللّه عدم الخلاف فيه هو مورد الاتفاق بين الخاصّة و العامّة و ان كان الوجه عند العامة، الضيق و عند الامامية بقاء وقت كليهما فظهر عدم أعراض المشهور عن أخبار بقاء وقت المغرب و العشاء الى الفجر و لو فى خصوص مواردها.

و بعد كون رواية عبيد بن زرارة لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها.

فهل يؤخذ بأخبار الواردة فى خصوص النائم و الساهى و الحائض فيكون الوقت. فى حقهم أوسع و يمتدّ الى طلوع الفجر او يتعدّى الى كل ذى عذر بإلقاء خصوصية مواردها او يتعدى حتّى الى العامد و يقال باستفادة الاطلاق منها و أن كان بالنسبة العامد يقال بعصيانه بالتأخير عن نصف الليل و ان كانت صلاته مجز لكنة عاص بالتأخير لاجل الأخبار الدالة على حرمة التأخير عن انتصاف الليل وجوه.

و لا يخفى ان الظاهر من الأخبار الواردة فى خصوص الحائض هو وجوب إتيان الصلاة عليها لبقاء وقتها و امتدادها الى الفجر.

[الجمع بين الطائفتين الرابعة و الخامسة]
اشارة

فبعد عدم ثبوت الاعراض

و استفاده العموم من الطائفة الخامسة لا بد من الجمع بين الطائفة الرابعة و الخامسة بأحد وجوه الثلاثة:

الوجه الاول [حمل ما دل على امتداد الوقت الى الانتصاف على بيان آخر وقت المختار]

: ان يحمل أخبار الدالة على امتداد الوقت الى الانتصاف على بيان آخر وقت المختار و الأخبار الدالّة على امتداد الوقت الى الفجر على بيان آخر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 74

وقت المضطر.

الوجه الثانى: ان يحمل أخبار الدالّة على الانتصاف على بيان آخر وقت الفضيلة

و أخبار الدالة على الفجر على بيان آخر وقت الاجزاء.

و الجمع بهذين الوجهين دالّ على شي ء واحد و هو بيان ذكر الوقتين لكلّ صلاة أمّا بالاختيار و الاضطرار كما قال به الشيخ رحمه اللّه و من تبعه و امّا بالفضيلة و الأجزاء كما قال غيرهم و هذا هو الاقوى.

الوجه الثالث [حمل الطائفة الخامسة على التقية]

: ان يحمل اخبار الدالّة على امتداد الوقت الى الفجر على التقية لموافقتها مع العامة، امّا مطلقا كما قال به المالك، و امّا فى موارد جواز الجمع كما قال به غيره، فلا بدّ من طرحها و الأخذ باخبار الانتصاف لانّ هذه الاخبار فى مقام بيان الحكم الواقعى، و هذا الوجه هو المستفاد من فتاوى الاصحاب قدس اللّه أسرارهم فى كتبهم المعدّة لذكر فتاواهم و ان كان الجمع بينهما باحد الوجهين المتقدمين مقدما لانّهما من الجمع الدلالى و هو مقدم على الجمع بهذا النحو فبناء على عدم ثبوت الاعراض كما قلنا فطرح الاخبار مشكل و الأحوط عدم قصد الأداء و القضاء بالنسبة الى الحائض و النائم و الساهى بعد انتصاف الليل و الإتيان بقصدها فى الذمّة.

المطلب السادس: فى بيان أوّل وقت العشاء
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في تذكرة الفقهاء مسألة 32 أوّل وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب لكن الأفضل تأخيرها الى سقوط الشفق و هو اختيار المرتضى فى الجمل و ابن الجنيد لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي عليه السّلام جمع بين المغرب و العشاء من غير خوف و لا سفر و فى رواية أخرى من غير خوف و لا مطر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 75

و من طريق الخاصّة قول الصادق عليه السّلام اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل ألا أن هذه قبل هذه.

و عن الصادق عليه السّلام صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغرب و العشاء قبل الشفق من غير علة فى جماعه.

و للشيخ قول آخر أول وقتهما سقوط الشفق و هو قول آخر للمرتضى و قول الجمهور كافة لانّ جبرئيل أمر النبي صلّى اللّه عليه

و آله و سلّم أن يصلّى العشاء حين غاب الشفق و فى اليوم الثانى حين ذهب ثلث الليل و هو محمول على الاستحباب. «1»

مسألة 33 و اختلفوا فى الشفق فذهب أصحابنا الى انّه الحمرة لا البياض و به قال ابن عمرو ابن عباس و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و الزهرى و مالك و الشافعى و الثورى و ابن أبى ليلى و أحمد و إسحاق و أبو ثور و داود و ابو يوسف و محمد لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الشفق الحمرة فاذا غاب الشفق و جيت الصّلاة و قال ابو حنيفة و زفر و الاوزاعى و المزنى انّه البياض لانّ أبا مسعود الانصارى قال رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلى هذه الصّلاة حين يسود الأفق و لا حجة فيه لانه اذا غابت الحمرة اسود الافق لانّ البياض ينزل و يخفى على انّه يجوز تأخيرها الى ذلك.

و حكي عن أحمد ان الشفق البياض فى الحضر لانّ فى الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فاذا غاب البياض علم الدخول. «2»

اذا عرفت ما قلنا علمت أن أوّل وقت العشاء عند اصحابنا رضوان اللّه تعالى

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 312، مسألة 32.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 313- 314، مسئلة 33.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 76

عليهم مختلف فيه فبعضهم مثل الشّيخ فى قول و كذا المرتضى فى قول ان أوّل وقت العشاء غيبوبة الشفق.

و القول المشهور بينهم ان أوّل وقت العشاء غيبوبة الشّمس و مضى مقدار صلاة المغرب لانّ الصادق عليه السّلام قال اذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصلاتين الا ان هذه قبل هذه.

و امّا

عند العامة فهو سقوط الشفق و غيبوبتها بمعنى البياض و دليلهم استمرار عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ليكن على ذكرك ان استمرار عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على تأخير اتيان العشاء لا يدلّ على عدم دخول وقتها قبل زوال الشفق بل كان عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمراعاة فضيلة وقت العشاء و درك فضيلة الجماعة كما دلّ على ذلك ما رواه ابن عباس من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين من غير خوف و لا علّة و هذا الخبر عند العامّة مردود لانّه على خلاف مسلكهم.

[وجه اختلاف الاقوال عندنا اختلاف الاخبار]

و امّا وجه الاختلاف فى أوّل وقت العشاء عندنا هو اختلاف الاخبار الواردة فبعضها دل على جواز اتيان العشاء قبل سقوط الشفق و بزوال يدخل وقت المغرب و العشاء الا ان هذه قيل هذه.

[في ذكر الاخبار الواردة في بيان اوّل وقت العشاء]

الرواية الاوّلى: ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال اذا زالت الشّمس دخل الوقتان الظهر و العصر و اذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 77

الرواية الثانية: مرسلة الصّدوق قال (قال الصادق عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد حل الافطار و وجبت الصّلاة و اذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة). «1»

الرواية الثالثة: مرسلة داود بن فرقد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضى مقدارها يصلى المصلّى ثلاث ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «2»

الرواية الرابعة: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غربت دخل وقت الصلاتين ألّا ان هذه قبل هذه). «3»

الرواية الخامسة: ما رواه زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة فى جماعة و أنّ ما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته). «4»

الرواية السادسة: ما رواه اسماعيل بن مهران (قال كتبت الى الرضا عليه السّلام ذكر أصحابنا أنه اذا زالت الشّمس

فقد دخل وقت الظهر و العصر و اذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة ألا ان هذه قبل هذه فى السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى

______________________________

(1)- الرواية 19 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 78

ربع الليل فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق). «1»

الرواية السابعة: ما رواه زرارة (قال سألت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام عن الرجل يصلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقالا لا بأس). «2»

الرواية الثامنة: ما رواه إسحاق بن عمّار (قال سألت أبا عبد اللّه يجمع بين المغرب و العشاء فى الحضر قبل أن يغيب الشّفق من غير علة قال لا بأس). «3»

الرواية التاسعة: ما رواه عبيد اللّه و عمران ابني على الحلبيين (قالا كنّا نختصم فى الطريق فى الصّلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق و كان منّا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبى عبد اللّه فسألناه عن الصّلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا بأس بذلك قلنا و أىّ شي ء الشفق فقال الحمرة). «4»

الرواية العاشرة: ما رواه إسحاق البطيخى (قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمّ ارتحل). «5»

الرواية الحادية عشرة: ما رواه الحلبى عن ابى عبد اللّه فى حديث (قال لا بأس بأن تعجّل العشاء الآخرة فى السفر قبل ان يغيب الشّفق). «6»

الرواية الثانية عشرة: ما رواه ابو عبيده (قال سمعت أبا جعفر يقول كان

______________________________

(1)- الرواية

14 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 7 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(6)- الرواية 4 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 79

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذنه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا). «1»

الرواية الثالثة عشرة: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ قال ان اللّه أفترض أربع صلوات وقتها زوال الشّمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروب الشّمس ألّا أن هذه قبل هذه و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل ألّا ان هذه قبل هذه). «2»

الرواية الرابعة عشرة: ما رواه جميل بن درّاج (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ما تقول فى الرجل يصلّى المغرب بعد ما يسقط الشفق فقال لعلّة لا بأس قلت فالرجل يصلّى العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق قال لعلّة لا بأس). «3»

فيستفاد من هذه الاخبار جواز اتيان صلاة العشاء قبل سقوط الشفق و بعد اداء صلاة المغرب اما مطلقا او فى السفر او لعلّة.

[في ذكر الاخبار الدالّة على دخول وقت العشاء بعد سقوط الشفق]

و في قبال هذه الاخبار أخبار أخر الدالة على عدم دخول وقت العشاء الآخرة قبل ذهاب الشفق و أول وقتها بعد سقوط الشفق أعنى الحمرة.

منها

ما رواه عمران بن على الحلبىّ (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام متى تجب العتمة قال اذا غاب الشفق و الشفق الحمرة فقال عبيد اللّه أصلحك اللّه أنّه يبقى بعد

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 22 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 19 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 80

ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان الشفق انّما هو الحمرة و ليس الضوء من الشّفق). «1»

و منها ما رواه بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن وقت المغرب فقال اذا غاب القرص ثمّ سألته عن وقت العشاء الآخرة فقال اذا غاب الشفق قال و آية الشفق الحمرة ثمّ قال بيده هكذا). «2»

و منها ما ورد فى حديث بكر بن محمد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال و أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل). «3»

[الجمع بين الاخبار بحمل الطائفة الثانية على التقية]

فلا بدّ فى مقام الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الثانية على التقية لاتفاق العامة على عدم دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق و عدم جواز إتيانها و كثرة روايات الطائفة الاولى مع كون الشهرة المحققة من زمان العلّامة رحمه اللّه على طبقها بل القائل بهذا القول قبل زمان العلامة كثير و بهذا يظهر الاشكال فى ما قاله الشيخ رحمه اللّه فى الخلاف «4» من أن بعد الشفق اتيان صلاة العشاء متيقّن جوازها و امّا قبل الشفق مشكوك وجه الاشكال ظهور أخبار الطائفة الاولى فى دخول وقت العشاء بمجرد إتيان المغرب و مع كونها مخالفة للعامة

لا يمكن رفع اليد عنها فلا بدّ من العمل على طبقها للشهرة و لكونها فى خلاف العامة و كلاهما من المرجحات.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 23 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 23 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الخلاف، ج 1، ص 262، مسئلة 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 81

المطلب السابع: فى بيان آخر وقت صلاة العشاء
[في ذكر الاقوال العامّة و الامامية]

قال العلّامة رحمه اللّه فى التذكرة الرابعة ان وقت العشاء يمتد الى نصف الليل و هو مذهب الاكثر و قال المفيد فى المقنعة و الشّيخ فى جملة من كتبه آخره ثلث الليل و قال فى المبسوط آخره ثلث الليل للمختار و نصف الليل للمضطر و حكي عن بعض علمائنا امتداد الوقت للمضطر الى طلوع الفجر و المعتمد امتداد وقت الاجزاء للمختار الى الانتصاف و للمضطر الى طلوع الفجر «1» نقل الشّيخ فى الخلاف «2» اقوال أربعة عن العامّة:

القول الاوّل: امتداد وقت العشاء الى ربع الليل.

القول الثانى: امتداد وقت العشاء للمختار الى نصف الليل و للمضطر الى طلوع الفجر.

القول الثالث: امتداد وقت العشاء الى طلوع الفجر مطلقا.

القول الرابع: امتداد وقت العشاء الى الثلث للمختار و الى الفجر للمضطر.

و امّا عند الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم أيضا أربعة:

الاول: كون آخر وقت العشاء الفجر.

و الثانى: نصف الليل.

و الثالث: ربعها.

و الرابع: ثلثها.

و القول المعروف بينهم هو الثانى و القول الأوّل شاذ عندهم و الاخبار الدالة

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 59 و 60.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 265، مسألة 8.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 82

عليه يحمل على التقية لانّ القول بامتداد وقت العشاء الى الفجر كان معروفا عند العامّة و هذه الاخبار مخالفة لما عليه

المشهور من الامامية فلا يجوز العمل على طبقها.

[في ذكر الاخبار الدالّة على كون آخر وقت العشاء انتصاف الليل]

و امّا الاخبار الدالة على كون آخر وقت العشاء انتصاف الليل فنذكرها.

منها ما رواها زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّا فرض اللّه عزّ و جل من الصّلاة فقال خمس صلوات فى الليل و النّهار فقلت هل سمّاهنّ اللّه و بينهنّ فى كتابه قال نعم قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها زوالها و فيما بين دلوك الشّمس الى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن اللّه و بينهنّ وقتهنّ و غسق الليل هو انتصافه ثمّ قال تبارك و تعالى قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً فهذه الخامسة). «1»

و منها مرسلة الصّدوق قال (قال الصادق عليه السّلام اذا غابت الشّمس فقد حلّ الافطار و وجبت الصّلاة و اذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل). «2»

و منها ما رواها داود بن فرقد عن بعض اصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال اذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضى مقدار ما يصلّى المصلّى ثلاث ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّى المصلّى اربع ركعات و اذا بقى مقدار ذلك فقد خرج

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 83

وقت المغرب و بقى وقت العشاء الى انتصاف الليل). «1»

و منها ما رواها معلّى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال آخر وقت العتمة نصف الليل). «2»

[في حمل ما دلّت على كون آخر وقت العشاء الى الثلث على الفضيلة]

و امّا ما يدلّ على امتداد وقت العشاء الى الثلث فروايتان:

الرواية الاولى:

ما رواها معاوية ابن وهب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشّمس فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشّمس فأمره فصلى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ثمّ أتاه من الغد الى ان قال ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال ما بينهما وقت). «3»

الرواية الثانية: ما رواها ذريح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال أتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأعلمه مواقيت الصّلاة الى أن قال و صلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل ثمّ قال ما بين هذين الوقتين وقت). «4»

فالجمع بينهما و الروايات الدالة على أن آخر وقت العشاء انتصاف الليل بحمل هاتين الروايتين على وقت الفضيلة و حمل الروايات الدالة على كون آخر وقت

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 84

العشاء نصف الليل على الأجزاء.

المطلب الثامن: فى وقت صلاة الفجر أوّلا و آخرا
اشارة

قال العلّامة عليه السّلام فى تذكرة الفقهاء أوّل وقت الغداة طلوع الفجر الثاني و هو البياض المعترض فى أفق السماء و يسمى الصبح الصادق لانه صدقك عن الصبح و سمّى صبحا لانّه جمع بين حمرة و بياض و لا عبرة بالاول الكاذب

الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان و يسمى الخيط الأسود و هو قول العلماء كافة. «1»

قال أيضا و أخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح و للأجزاء الى طلوع الشّمس و به قال ابو حنيفة و قال الشّيخ وقت المختار الى ان يسفر الصبح و للمضطر الى طلوع الشّمس و به قال الشافعى و أحمد. «2»

قال صاحب المدارك أجمع العلماء كافة على ان أوّل وقت الصبح طلوع الفجر الثّاني المستطير فى الافق اى المنتشر الّذي لا يزال فى زيادة و يسمى الصادق لانّه يصدق من رواه عن الصبح و يسمى الأوّل الكاذب و ذنب السرحان لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان. «3»

و اختلف الاصحاب فى آخره فذهب المفيد رحمه اللّه فى المقنعة و الشيخ فى جملة من كتبه و المرتضى و ابو الصلاح و ابن البراج و ابن زهره و ابن إدريس الى طلوع الشّمس.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316، مسئلة 35 و 36.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316، مسئلة 35 و 36.

(3)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 61.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 85

قال الشّيخ فى الخلاف وقت المختار الى ان يسفر الصبح و وقت المضطر الى طلوع الشّمس و قال ابن أبى عقيل آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية و للمضطر طلوع الشّمس و المعتمد الاوّل. «1»

[في الاخبار الدالّة على كون أوّل صلاة الفجر طلوع الفجر الصّادق]

و قد عرفت ممّا ذكرنا من عبارت تذكرة الفقهاء و مدارك الاحكام اتفاق المسلمين على أن أوّل وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثانى أعنى الصادق و مضافا الى دعوى الاجماع تدلّ عليه الروايات الكثيرة:

منها ما رواها على بن عطية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال الصبح (الفجر) هو الذي اذا رأيته كان معترضا كانّه بياض نهر سوراء).

«2»

و منها ما رواها ليث المرادي (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ الصّلاة الصّلاة الفجر فقال اذا أعترض الفجر فكان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم و تحل الصّلاة صلاة الفجر قلت أ فلسنا فى وقت الى ان يطلع شعاع الشّمس قال هيهات أين يذهب بك تلك صلاة الصّبيان). «3»

و منها ما رواه هشام بن الهذيل عن أبى الحسن الماضى عليه السّلام (قال سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء). «4»

و منها مكاتبة ابى الحسن بن الحصين الى أبى جعفر الثاني عليه السّلام (معى جعلت

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 62.

(2)- الرواية 2 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 86

فداك قد أختلف موالوك (مواليك) فى صلاة الفجر فمنهم من يصلّى اذا طلع الفجر المستطيل فى السماء و منهم من يصلّى اذا أعترض فى أسفل الافق و استبان و لست أعرف أفضل الوقتين فأصلّى فيه فان رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين و تحدّه لى و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبين (تبين) معه حتّى يحمّر و يصبح و كيف أصنع مع الغيم و ما حدّ ذلك فى السفر و الحضر فعلت إن شاء اللّه فكتب عليه السّلام بخطه و قرأته الفجر رحمك اللّه هو الخيط الأبيض المعترض و ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل فى سفر و لا حضر حتّى تبيّنه فان اللّه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه

فى شبهة من هذا فقال: و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فالخيط الأبيض هو المعترض الّذي بجرم به الأكل و الشرب فى الصوم و كذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة). «1»

و منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى ركعتى الصبح و هى الفجر اذا أعترض الفجر و أضاء حسنا). «2»

[ما دلّت على ان وقت الامساك هو طلوع الفجر الصّادق]

و تدلّ هذا الأخبار على أن وقت صلاة الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني المسمى بالفجر الصادق و أن أول وقت الإمساك للصوم هو ذلك الوقت لانّ بمقتضى الآية الشريفة أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ.

و هذه الاخبار يستفاد أن وقت الامساك طول النهار و أول النهار هو طلوع الفجر الثاني لقوله عليه السّلام فى جواب السائل عن وقت يحرم الطعام على الصائم و تحل

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 87

الصّلاة صلاة الفجر (اذا أعترض الفجر) و كذا في المكاتبة (فالخيط الأبيض هو المعترض الّذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم كذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة).

و المستفاد من هذه الاخبار كون الفجر الصادق متصل بالأفق و يكون أفقيّا و يشتدّ ضوئه تدريجا لانّه عليه السّلام قال في وصفه (هو الخيط الأبيض المعترض و ليس هو الأبيض صعدا) «1» و قال أيضا (يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراه) «2» او قال (كأنه بياض نهر سوراء). «3»

[المشهور انّ آخر وقت الاجزاء طلوع الشمس]

امّا آخر وقت صلاة الصبح فلا خلاف في كونه طلوع الشّمس و ان وقع الخلاف في كون طلوع الشّمس آخر وقت الاجزاء او آخر وقت المضطر و الاول أقوى و هو كون طلوع الفجر وقت الفضيلة و طلوع الشّمس وقت الاجزاء و أن الافتراق بين الوقتين بذلك لا من باب المختار و المضطر كما قال به الشّيخ من كون آخر وقت المضطر طلوع الحمرة المشرقية و هو أسفار الصبح.

و يدلّ على ما قلنا مضافا الى الاجماع اخبار:

منها ما رواه الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال وقت الفجر حين ينشق

الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغى تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت لمن شغل او نسى او نام). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 17 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 27 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 88

و لفظ ينبغى ظاهر في تأكد الاستحباب و دلالتها على كون الوقتين بالاجزاء و الفضيلة ظاهرة.

و منها عبد اللّه ابن يعنى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال لكل صلاة وقتان و أوّل الوقتين أفضلهما و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلّل الصبح السماء. و لا ينبغى تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت من شغل او نسى او نهى او نام). «1»

منها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام (قال وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشّمس). «2»

و منها رواية عبد بن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس). «3»

و امّا جعل آخر وقت الاجزاء طلوع الشّمس كما عن المشهور فلم يدلّ دليل عليه لكن بعد كون هذا مشهورا بين الأصحاب نكشف من كون حكمهم هذا مستندا الى نص معتبر عندهم و لم يصل إلينا كما نقول في تمام الفتاوى المشهورة اذا لم نصل الى نص دال عليه هكذا.

و يستفاد من هذه الاخبار أيضا ان الاتيان بصلاة الفجر في الغلس أفضل من تأخيرها بعد الإضاءة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 26 من أبواب المواقيت

من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 26 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 89

المطلب التاسع: في وقت فضيلة العصر و العشاء
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة آخر وقت العصر للفضيلة اذا صار ظلّ كل شي ء مثليه و للاجزاء الى الغروب عند أكثر علمائنا. «1»

و قال أيضا أوّل وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب لكن الأفضل تأخيرها الى سقوط الشّفق. «2»

قد عرفت بأن لصلاة الغدة و الظهر و المغرب وقتين وقت الفضيلة و الاجزاء و أنّ أوّل وقتها وقت الفضيلة و أن إتيانها في أوّل وقتها أفضل من تأخيرها.

و امّا العصر و العشاء فعند العامة وقتهما مباينا مع الظهر و المغرب فاوّل زوال الشمس وقت المختص بالظهر يعنى لم يدخل وقت العصر ألّا بعد مضى مقدار المثل و كذا وقت العشاء لم يدخل أوّل الغروب الا بعد زوال الشفق.

و امّا عندنا فوقت الظهر يدخل بزوال الشّمس بعد مضىّ مقدار اداء صلاة الظهر و وقت العشاء يدخل بغروب الشّمس بمقدار اداء صلاة المغرب فعلى هذا ما نقول هل نقول بأنّ الافضل الاتيان بهما في أوّل وقتهما مثل صلاة الظهر و الصبح و المغرب و أن التأخير الى آخر وقتهما وقت الاجزاء.

او ان الافضل تأخير العصر الى المثل و العشاء الى زوال الشّفق او التفصيل بين العصر فإتيانها في أوّل الوقت افضل و بين العشاء فتأخيرها الى زوال الشفق أفضل.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 308، مسئلة 29.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 312، مسئلة 32.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 90

و الدّليل على الأوّل العمومات الدالة على أن أوّل الوقت افضل. «1»

و الدليل على الثانى ما ورد من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يفرّق بين المغرب

و العشاء و بين الظهر و العصر «2» و كان ذلك لاراك الفضيلة لعدم وجه لنفس التفريق بما هو.

و لا شك في كون عمل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مستمرا على التفريق بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء و ان كان قد يجمع «3» بينهما مع العلّة من مطر او ريح او بلا علّة لكن كان ذلك في جنب التفريق كان نادرا و لا وجه للتفريق مع كونه مشقة على الناس و عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الّا كون التأخير أفضل فكيف يجمع بين فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع الروايات الدالة على ان أوّل الوقت أفضل مطلقا مع أن وقت العصر يدخل بزوال الشّمس و وقت العشاء يدخل بغروب الشمس.

[في نقل كلام الجواهر و مصباح الفقيه]

و قال صاحب الجواهر «4» فلا يبعد استحباب التفريق زمانا بينهما و أن اختلف فتارة يكون الى المثل و تارة يكون الى الذرعين و ربما كان أزيد او أنقص.

و اختار المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه التفصيل بين العصر و العشاء فى الحكم حيث قال و ألّا العشاء الآخرة أيضا مطلقا فان الافضل تأخيرها حتّى يسقط الشفق الاحمر- و قال أيضا أن القول باستحباب التفريق بين الظهرين و تأخير العصر الى ان يمضى أربعة أقدام او المثل هو الأقوى و ان كان تقديمها من أوّل الوقت بعد اداء الظهر و نافلتها من باب المسارعة الى المغفرة و تعجيل الخير أيضا حسنا

______________________________

(1)- الرواية 9 و 11 و 18 من الباب 3 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 و 5 و 8 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 1 و

2 و 3 من الباب 32 و الرواية 6 و 7 من الباب 31 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- جواهر الكلام، ج 7، ص 310.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 91

بل أحسن. «1»

و لكن يشكل عليه ان هذا الوجه يجرى بعينه في العشاء أيضا فلا وجه للتفصيل بينها و بين العصر مع أن الامر بالاستباق و المسارعة ليس أمرا مولويّا استحبابيا ناشئا عن ملاك الاستحباب بل الأمر إرشادي.

[في الاخبار الدالّة على خلاف عمل العامّة]

مع انّ ما ينبغى ان يقال انّ استمرار فعل النّبي على ما قيل من تأخيره صلاة العصر الى أنّ يصير ظلّ الشاخص مثله لم يثبت بل الّذي ثبت بالروايات الكثيرة أن عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على الاتيان بالعصر بعد الذراعين فيظهر عدم صحة ما يقول به العامّة في مقام العمل من كون وقت العصر يشرع بعد بلوغ ظلّ الشاخص الى مثله و كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملتزما بذلك فنذكر بعض هذه الروايات ليتضح ما قلنا.

منها ما رواه الصّدوق باسناده عن الفضيل بن يسار و زرارة بن اعين و بكير بن أعين و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية عن أبى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان). «2»

و منها ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشّمس و وقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشّمس ثمّ قال ان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قامة و كان اذا مضى منه ذراع صلّى الظهر و اذا مضى منه ذراعان صلّى

العصر ثمّ قال. تدرى لم جعل الذراع و الذرعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك أن تنفل من زوال الشّمس الى ان يمضى ذراع فاذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة و اذا بلغ

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 82.

(2)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 92

فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة). «1»

و منها ما رواه صفوان الجمّال (قال صلّيت خلفت أبى عبد اللّه عليه السّلام عند الزوال فقلت بأبي أنت و أمّى وقت العصر فقال ريثما تستقبل إبلك فقلت اذا كنت في غير سفر فقال على أقلّ من قدم ثلثي قدم وقت العصر). «2»

و منها ما رواه اسماعيل الجعفيّ عن ابى جعفر عليه السّلام (قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا كان فيئي الجدار ذراعا صلّى الظهر و اذا كان ذراعين صلّى العصر قال قلت انّ الجدار يختلف بعضها قصير و بعضها طويل فقال كان جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ قامة). «3»

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث قال كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ان يظلّل قامة و كان اذا كان الفي ء ذراعا و هو قدر مريض كنز صلّى الظهر فاذا كان ضعف ذلك صلّى العصر). «4»

و منها ما رواه على بن حنظلة قال (قال لى ابو عبد اللّه عليه السّلام القامة و القامتان الذّراع و الذّراعان في كتاب على عليه السّلام). «5»

يمكن ان يكون المراد أن القامة فسرّت في كتابه

عليه السّلام بالذراع او ان في كتابه عليه السّلام ذكر بدل القامة الذراع.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 10 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 14 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 93

[في ذكر بطلان عمل العامّة]

فيستفاد من هذه الاخبار و غيرها بطلان عمل العامّة من تأخير صلاة العصر الى ان يصير في ء الشاخص مثله و أن عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن على ذلك لعدم انطباق عملهم على أقوال من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتمسك بقولهم و هم عدل القرآن.

و امّا صلاة العشاء فلا يمكن كشف استحباب تأخيرها الى زوال الشفق من استمرار فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك على فرض ثبوته اذ يمكن كون وجهه امورا أخر و صرف تسالم العامّة على كون تأخيره أفضل قولا و فعلا لا يدلّ على استحبابه كما عرفت في وقت العصر من كون تسالمهم على كون وقته عند في ء الشاخص الى المثل لا أصل له لانّ بنائهم في ذلك عل امور لا يمكن الركون إليه مثل التمسك بقول ابى هريرة و غيره الّذي روا عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسة آلاف حديث مع عدم كونه واجدا لصلاحية أخذ الحديث و قلة صحبته مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

نعم يمكن استفادة أفضلية تأخير العشاء الى زوال الشّفق من الروايات «1» الواردة عن الاهل البيت

عليهم السّلام.

فعلى هذا يكون للعشاء وقتا أجزاء و هو بعد مضى مقدار ثلاث ركعات من اوّل غروب الشّمس و مقدار اربع ركعات بقين من انتصاف الليل و وقت فضيلة و هو عند زوال الشفق.

و لكن للعصر وقتان وقت الفضيلة أوّل وقتها و هو بعد مضى مقدار اربع ركعات من أوّل الزوال لصلاة الظهر و وقت الاجزاء و هو ما بقى من غروب الشّمس مقدار أربع ركعات و أما الى أربعة زراع فهو لمكان النافلة.

______________________________

(1)- الروايات 5 و 3 و 1 من الباب 10 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 94

[ليس بعنوان الجمع بين الصلاتين خصوصية]

و لا يخفى عليك ان تعبير بعض المتأخرين عن ذلك المسألة بأنّه هل الجمع بين الصلاتين المشتركين في الوقت أفضل او التفريق بينهما لا وجه له لانّ عنوان الجمع و التفريق ليس لهما حكم و خصوصية بل هما من العناوين المنطبقة على الفعل قهرا لان من يقول بان أوّل الوقت أفضل و أوّل وقت العصر بعد مضى مقدار اربع ركعات من زوال الشّمس بعنوان صلاة الظهر ينطبق على فعله عنوان الجمع بين الصلاتين و ان كان غرضه درك فضيلة كلا الوقتين لاجل وقوع كل صلاة في وقت فضيلته و امّا عند من قال بأنّ وقت فضيلة العصر بعد ذراعين و أراد درك كلا الفضيلتين و صل الظهر في أوّل زوال الشّمس و أخر العصر الى بعد زراعين كان غرضه ادراك الفضيلتين و ان كان ينطبق عليه التفريق فعلى هذا لا يكون لصرف الجمع و التفريق و عنوانهما مزية و خصوصية يكون.

نعم قد يكون نفس عنوان الجمع موضوعا لحكم مثل سقوط الاذان حيث هو حكم على الجمع بين الصلاتين و يبحث فيه بان

النافلة بين الصلاتين لا يضرّ بعنوان الجمع و يصدق الجمع مع اتيان النافلة و الفصل بين الصلاتين بالنافلة لا يكون مضرّا بعنوان الجمع او لا يأتى حكمها بعدا إن شاء اللّه.

المطلب العاشر: في أوقات النوافل
اشارة

و نبحث فيها في ضمن جهات:

الجهة الاولى: وقت نافلة الظهرين.
[في ذكر الاقوال الثلاثة في وقت نافلة الظهرين]
اشارة

فيها ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: امتداد وقتها بامتداد وقت فريضة هذه النافلة نافلة لها فكما

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 95

ان صلاة الظهر يمتدّ وقتها الى ان يبقى مقدار اربع ركعات قبل الغروب كذلك يمتدّ وقتها نافلتها الى هذا الوقت و لا تصير قضاء و ما يمكن ان يكون دليلا على هذا القول اطلاقات أدلّة النوافل بعد عدم ظهور لما دلّ على الذراع او زراعين او المثل و المثلين في كونه وقتا للنافلة.

القول الثاني: امتداد وقت نافلة الظّهر الى المثل و نافلة العصر الى المثلين و ما يمكن ان يكون دليلا لهذا القول أيضا اطلاقات أدلّة النوافل بعد كون جعل المثل و المثلين آخر وقت الفريضة بالنسبة الى المختار.

القول الثالث: امتداد وقت النافلة الى الذراع في نافلة الظّهر و الى الذّراعين في نافلة العصر او الى القدمين في نافلة الظّهر و الى أربعة أقدام في نافلة العصر على اختلاف التعابير.

[في نقل كلام العلامة في التذكرة]

و ما يمكن ان يكون دليلا لهذا القول كلام العلّامة رحمه اللّه في التذكرة قال العلّامة في تذكرة الفقهاء مسألة 37 وقت نافلة الظهر من الزوال الى أن يصير ظلّ كل شي ء مثله و نافلة العصر حتّى يصير الظّل مثليه.

قاله الشيخ في الخلاف «1» و الجمل «2» و المبسوط «3» و في النهاية «4» نافلة الظهر حتّى تبلغ زيادة الظّل قدمين و العصر أربعة أقدام لقول الصّادق عليه السّلام كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قامة فاذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر و اذا مضى

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 257، المسألة 4.

(2)- الجمل و العقود، ص 174.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 67.

(4)- النهاية، ص 60.

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

96

ذراعان صلّى العصر ثمّ قال أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان لمكان الفريضة لك أن تنتقل من زوال الشّمس الى أن يمضى ذراع فاذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة و اذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة و هو يدلّ على بلوغ المثل و المثلين لأنّ التقدير أنّ الحائط ذراع فحينئذ ما روى من القامة و القامتين جار هذا المجرى لقول الصادق عليه السّلام في كتاب على عليه السّلام القامة ذراع.

و قال الشافعى في أحد الوجهين وقت نافلة الظّهر ما لم تصلّ الفرض و فى الآخر ما لم يخرج وقت الفرض.

و قال أحمد كلّ سنة قبل الصّلاة فوقتها من دخول وقتها الى فعل الصّلاة و كلّ سنة بعدها فوقتها من فعل الصّلاة الى خروج وقتها. «1»

و يستفاد من كلامه رحمه اللّه أنّ وقت نافلة الظهرين يدخل مع دخول وقت فريضتهما و هو زوال الشمس فزوال الشمس اوّل وقت الفريضة و النافلة، و أنّ ما الاختلاف في آخر وقت النافلة هل يمتدّ وقتها بامتداد وقت الفريضة او امتدادها الى الذراع في نافلة الظهر و ذراعين في نافلة العصر او امتدادها الى المثل في نافلة الظّهر و المثلين في نافلة العصر، و عرفت من كلام العلّامة اختيار قول الثاني يعنى الذراع في نافلة الظّهر و الذّراعين في نافلة العصر لقول الصادق عليه السّلام فإذا مضى من فيئه ذرع صلّى الظّهر و اذا مضى ذراعان صلّى العصر ثمّ قال أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان لمكان الفريضة و في بعض الروايات (لمكان النافلة) «2» و المراد من جملة لمكان الفريضة ان كان هو أنّه قبل الذراع و الذراعين وقت المختص

بالنافلة فدلّت

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316 و 317.

(2)- الرواية 3 و 4 من الباب 8 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 97

الرواية على كون وقت النافلة مباينا مع وقت الفريضة و هذا المعنى مخالف للاجماع لانّه يجوز الاتيان بالفريضة من أوّل الزوال اجماعا.

بل المراد منها أنّ نافلة الظّهر الى الذّراع تزاحم فريضة الظّهر و اذا بلغ الفي ء الى الذراع فلا تزاحم النافلة الفريضة بل الافضل تأخير النافلة عن الفريضة لا أنّه يخرج وقت النافلة و تصير نافلة الظهر قضاء و كذا بالنسبة الى نافلة العصر فانّها الى ان يصير الفي ء الى الذّراعين تزاحم صلاة العصر و بعد وصول الفي ء الى الذّراعين فلا تزاحم نافلة العصر فريضة العصر لا أنّه يخرج وقتها و يمكن استفادة ذلك من قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدّمة حيث قال عليه السّلام بدأت بالفريضة و تركت النافلة حيث تدلّ على جواز الاتيان بالنافلة بعد الفريضة اذا بلغ الفي ء الى الذّراع او الى الذّراعين فيستفاد من الروايات جواز مزاحمة النافلة الفريضة الى الذراع او الى الذراعين و يكون ادراك ثواب النافلة افضل من ادراك كون الفريضة في اوّل الوقت و بعد بلوغ الفي ء الى الذّراع او ذراعين ينعكس الأمر يعنى درك أوّل وقت فضيلة الوقت أفضل من درك النافلة لا ان تصير النافلة قضاء.

ثمّ اعلم انّ وقت النافلة كما قلنا أوّل الزوال و قد حكى عن بعض جواز اتيانها قبل الوقت و تمسّكوا لذلك بروايات:

منها رواية محمد بن مسلم (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل يشتغل عن الزّوال أ يعجّل من أوّل النّهار قال: نعم اذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النّهار

كلّها). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 98

منها رواية عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: صلاة التطوع بمنزلة الهديّة متى ما أتى بها قبلت). «1»

و منها رواية محمد بن عذافر قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلاة التطوع بمنزلة الهديّة الهدية متى ما أتى بها قبلت فقدّم منها ما شئت و أخّر منها ما شئت). «2»

و منها رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال نوافلكم صدقاتكم فقدّموها أنى شئتم). «3»

و لا يمكن الركون الى هذه الأخبار لجواز التعجيل في النافلة لضعف سندها و عدم الصراحة في جواز تعجيل النافلة و لكن رواية محمد بن مسلم و اسماعيل بن جابر واردتان في صورة علم الرجل باشتغاله عن النافلة يمكن العمل بهما و الفتوى على طبقها و لكن بعد اعراض المشهور عنهما صارتا بمنزلة العدم.

فالقول الأوّل و هو كون وقت النافلة مثل الفريضة من حيث الاول و الاخر يكون متّبعا عدم ظهور ما دلّ على الذراع و الذراعين في التوقيت.

الجهة الثانية: في وقت نافلة المغرب

قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة، مسألة 38 وقت نافلة المغرب بعدها الى ان تذهب الحمرة المغربية و يه قال الشافعى و وجهه لانّه وقت يستحبّ فيه تأخير العشاء فينبغى اشتغاله بالنافلة و لقول الصّادق عليه السّلام كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّى ثلاثا المغرب و

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 37 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 99

اربعا بعدها «1»

و المشهور بين الاصحاب شهره عظيمه بل حكى الاجماع عليه كون وقتها يمتدّ الى ذهاب الحمرة المغربية كما في الجواهر «2» حيث قال و يمتدّ وقتها من بعد المغرب في المشهور و بين المتأخّرين كما في الدروس الى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار اداء الفريضة المسماة بالشفق بل في البيان و الذخيرة دعوى الشهرة عليه من غير تقييد بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا نعلم فيه مخالفا بل في المعتبر نسبته الى علمائنا بل كما عن المنتهى الاجماع عليه لانّه المعهود من فعلها عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و غيره و ممّا ورد فيه من النّصوص. «3»

قد عرفت من كلام الجواهر ان ما يمكن ان يستدلّ به لكلام المشهور ثلاثة:

الاوّل: استمرار فعل النبي و الائمة على الاتيان بنافلة المغرب قبل الشفق.

و الثاني: المنساق من النصوص الواردة في الباب ذلك.

و الثالث: دلالة غير واحد من الأخبار بضيق وقت فريضة المغرب فضلا عن نافلته و يمكن الاشكال فيها.

و امّا الاشكال في الاول فانّ فعل النّبي حيث لا لسان له لا يدلّ ألّا على كون ما قبل الشّفق يصحّ فيه الاتيان بنافلة المغرب و لا يدلّ على خروج وقت النافلة بذهاب الحمرة المغربية و يمكن كون الاتيان قبل زوال الشفق لكون ذلك الزمان وقت الاجزاء او وقت الفضيلة و امّا كون المنساق من الروايات ذلك فنمنع ذلك لأنّه لا يستفاد منها الّا التحريص و الحثّ على فعلها لا توقيتها الى الشّفق.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 317 و 318.

(2)- جواهر الكلام، ج 7، ص 186.

(3)- الرواية 6 و 15 و 16 من الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 100

و امّا ما دلّ على عدم جواز النّافلة في وقت الفريضة لما روى جماعة منهم ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام اذا دخلت الفريضة فلا تطوّع «1» و يرد عليه أوّلا ان وقت العشاء يدخل من أوّل غروب الشّمس و ثانيا أن وقت ذهاب الحمرة المغربية ليس وقتا مختصّا بالعشاء و لكن مقتضى ما ذكرتم لا يجوز مزاحمة العشاء في ذلك الوقت باتيان النافلة لا خروج وقتها.

فملخص الكلام لم نجد ما يثبت توقيت نافلة المغرب الى الشّفق.

فنأخذ بمقتضى الاطلاقات الواردة في نافلة المغرب فنقول بجواز تأخير الى ما بعد الشّفق و اتيانها الى مقدار ما بقى الى انتصاف الليل مقدار اربع ركعات للعشاء.

الجهة الثالثة: في بيان وقت نافلة العشاء

و قال أيضا في التذكرة في ذيل مسئلة 38 و أمّا وقت الوتيرة فيمتدّ بامتداد وقت العشاء لانّها نافلة تتبعها فيمتدّ وقتها بامتداد وقت متبوعها و للشافعى وجهان أحدهما امتداد وقت نافلة العشاء الى طلوع الفرج لانّه وقت العشاء عنده و الثّاني الى ان يصلّى الصبح. «2»

و يعرف من كلام العلّامة رحمه اللّه أن وقتها يمتدّ بامتداد وقت فريضتها كما يظهر ذلك من كلمات الاصحاب قدس اللّه أسرارهم مثل المعتبر «3» و المبسوط «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 318.

(3)- المعتبر، ج 2، ص 54.

(4)- المبسوط، ج 1، ص 74.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 101

و النهاية «1» بل ادّعى المحقّق في المعتبر «2» تحقّق الاجماع عليه بل يمكن استفاده امتداد وقتها بامتداد وقت فريضتها بالإطلاقات الواردة مع عدم معارض لها و توقيت لها من حيث الوقت ثمّ هنا مسئلتان:

المسألة الاولى: لو أخّر فريضة العشاء و أتى بها في آخر وقتها من

النّصف او الفجر فهل يجوز له اتيانها بعد أداء فريضتها بعنوان الأداء او تصير قضاء الظاهر أنّ امتداد وقت العشاء الى النصف او الفجر مع نافلتها لانّها من تتمتها فلا يستفاد التأخير من الأدلّة بل تصير قضاء.

المسألة الثانية: يظهر من الجواهر «3» و غيره «4» أنّ البعدية المعتبرة في نافلة العشاء البعديّة العرفية و يعتبر فيها عدم الفصل الطويل فلو أخر الوتيرة الى أخر وقتها مع اتيان الفريضة في أوّل وقتها لم يشرع له الاتيان بها و لكن لا يمكن استفادة ذلك من الادلّة على كون الوتيرة بعد العشاء لأنّ المنساق منها ان البعدية في مقابل القبلية مثل نافلة الظهرين و يكون المراد منها كون نافلة العشاء بعد صلاتها لا قبلها.

الجهة الرابعة: في وقت صلاة الليل
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه و وقت صلاة الليل بعد انتصافه و كلّما قرب من الفجر كان أفضل و عليه علمائنا. «5»

______________________________

(1)- النهاية، ص 60.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 53.

(3)- جواهر الكلام، ج 7، ص 191.

(4)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 47.

(5)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 318، مسألة 39.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 102

يدلّ كلامه الشريف على الحكمين:

الحكم الاوّل: كون أوّل وقت صلاة الليل بعد انتصافه.

الحكم الثاني: أنّه كما قرب من الفجر كان أفضل.

امّا حكمه الاوّل فلا اشكال فيه و عليه الفتوى من الاصحاب لمّا قال عليه علمائنا و يدلّ عليه بعض النصوص «1» و ان كان فيه مثل مرسلة الصّدوق ألّا ان ضعفها منجر بعمل الاصحاب بها و مطابقة فتواهم لها و لم يسمع الى الخلاف الّذي ذكره صاحب الجواهر «2» من بعض المتأخرين مع كون عمل أهل البيت عليهم السّلام على ذلك و يحمل كما ذكره رحمه اللّه على الأفضل.

و أمّا حكمه الثّاني و هو أنّه كلما قرب من الفجر كان أفضل قال صاحب الجواهر بلا خلاف معتدّ به بل فى المعتبر و عن الناصرية و الخلاف و المنتهى و ظاهر التذكرة الاجماع عليه. «3»

انّما الكلام فى الدليل اللّفظى عليه و فلا بدّ من ذكر الاخبار المربوط ثمّ ننظر هل يمكن استفادة ذلك منها او لا:

الرواية الاولى: ما رواه معاوية بن ذهب (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أوّل ذلك). «4»

الرواية الثّانية: ما رواه أبان بن تغلب (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام أىّ ساعة

______________________________

(1)- الرواية 2 و 3 و 4 من الباب 43 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- جواهر الكلام، ج 7، ص 192 و 193.

(3)- جواهر الكلام، ج 7،

ص 196؛ الخلاف، ج 1، ص 533؛ المعتبر، ج 2، ص 54.

(4)- الرواية 1 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 103

كان رسول اللّه يوتر فقال على مثل مغيب الشّمس الى صلاة المغرب). «1»

الرواية الثالثة: ما رواه مرازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت له متى اصلّى صلاة الليل قال صلّها في آخر الليل). «2»

الرواية الرابعة: ما رواه اسماعيل بن سعد الأشعري (قال قلت لابى الحسن الرضا عليه السّلام من ساعات الوتر قال أحبّها إليّ الفجر و سألته عن أفضل ساعات الليل قال الثلث الباقى). «3»

الرواية الخامسة: ما رواه الشهيد في الذكرى عن ابن أبي قرّة عن زرارة (أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الوتر أوّل الليل فلم يحبه فلمّا كان الصبحين خرج أمير المؤمنين عليه السّلام الى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر (ثلاث مرّات) نعم ساعات الوتر هذه ثم قام فأوتر). «4»

و يستفاد منها كلام المشهور بل و المجمع عليه من كون كلّما قرب من الفجر كان أفضل.

الجهة الخامسة: في وقت نافلة الصبح
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه ركعتا الفجر لعلمائنا قولان أحدهما أنّهما يدخلان بطلوع الفجر الأوّل قاله المرتضى لقول الصّادق عليه السّلام صلّهما بعد ما يطلع الفجر و الثّاني بعد صلاة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 54 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 104

الليل و أن لم يكن قد طلع الفجر أختاره الشيخان لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل الركعتان قبل الغداة أين موضعهما

فقال قبل طلوع الفجر و عنه عليه السّلام أنّهما من صلاة الليل و الاقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل و استحباب تأخيرهما الى طلوع الفجر الاوّل جمعا بين الادلّة. «1»

[في ان اوّل وقت نافلة الصبح طلوع الفجر]

فكما عرفت من كلام العلّامة رحمه اللّه أنّ أوّل وقت نافلة الصبح طلوع الفجر الكاذب فى قول و قد قامت الشهرة على ذلك و القول الثاني ان اوّل وقتها بعد صلاة الليل و هو اختيار الشيخين و نسب هذا القول في الحدائق الى المشهور «2» لما ورد فى بعض الاخبار من كونها من صلاة اللّيل فلا بدّ من ذكر الاخبار الواردة في الباب و هو على ثلاث طوائف:

[في ذكر الطوائف الثلاثة من الاخبار]
الطائفة الاولى: ما تدلّ على اتيانها قبل طلوع الفجر الصادق.

منها ما رواه ابن ابي نصر البزنطي (قال سألت الرضا عليه السّلام عن ركعتى الفجر فقال أحشوا بهما صلاة الليل). «3»

و منها ما رواه ابو بصير (قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام متى اصلّى ركعتى الفجر فقال لى بعد طلوع الفجر قلت له أنّ أبا جعفر عليه السّلام أمرنى أن اصلّيهما قبل طلوع الفجر فقال يا أبا محمّد أنّ الشّيعة أتوا أبى مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ و أتوني شكّاكا فأفتيهم بالتّقية). «4».

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 319.

(2)- الحدائق الناظرة، ج 6، ص 240.

(3)- الرواية 1 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 105

و منها رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال سألته عن ركعتى الفجر قبل الفجر او بعد الفجر فقال قبل الفجر أنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أ تريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوّع اذا دخل عليك وقت الفريضة فأبدأ بالفريضة). «1»

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي قال: نعم). «2»

و منها ما رواه محمد بن

مسلم (قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أوّل وقت ركعتى الفجر فقال سدس الليل الباقي). «3»

و منها ما رواه محمد بن أبي نصر (قال قلت لأبى الحسن عليه السّلام و ركعتى الفجر أصلّيهما قبل الفجر او بعد الفجر فقال قال أبو جعفر عليه السّلام أحش بهما صلاة الليل و صلّهما قبل الفجر). «4»

و منها ما رواه زرارة (قال قلت لابي جعفر عليه السّلام الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما فقال قبل طلوع الفجر فاذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة). «5»

الطائفة الثانية: ما دلّت على كون وقتهما بعد الفجر معيّنا.

الاوّل: ما رواه ابن الحجاج قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّهما بعد ما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 7 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 106

يطلع الفجر). «1»

الثانى: ما رواه يعقوب بن سالم البزاز قال (قال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّهما بعد الفجر و أقرأ فيهما في الاولى (قل يا أيّها الكافرون) و في الثانية (قل هو اللّه أحد)). «2»

الثالث: ما رواه اسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه عليه السّلام (قال صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك فان كان بعد ذلك فابدأ بالفجر). «3»

دلّت الاوّل و الثانية على كون وقتها بعد الفجر و في دلالة الثالثة على ذلك منع لانّ المراد من كون الضوء بحذاء رأسك هو الفجر الكاذب لانّ الفجر الكاذب يطلع على شكل العمودى.

الطائفة الثالثة: دلّت على التخيير

بين الاتيان بها قبل الفجر او معه او بعده.

منها ما رواه ابن ابي يعفور (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ركعتى الفجر متى اصلّيهما فقال: قبل الفجر و معه و بعده). «4»

و منها رواية اسحاق بن عمّار (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال قبل الفجر و معه و بعده). «5»

و منها ما رواه محمّد بن مسلم (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ركعتي الفجر

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 51 من أبواب

المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 107

قال صلّهما قبل الفجر و مع الفجر و بعد الفجر). «1»

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال صلّهما مع الفجر و قبله و بعد). «2»

و تكون هذه الطائفة شاهدة الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين لكون هذه الطائفة نصّا في مدلولها و هو التخيير و الطائفة الاولى ظاهرة في التقديم و الطائفة الثانية أيضا ظاهره فى التأخير و بنصّها ترفع اليد عن ظاهرهما، مع أنّه يمكن أن يقال بأنّ الامر في الطائفة الاولى لا يدلّ على الوجوب لكونه واردا في مقام توهم الحضر، لانّ بناء العامّة على إتيانها بعد الفجر كما كان بناء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، فربّما يتوهّم منها لزوم التأخير فتكون أخبار هذه الطائفة وردت على دفع هذا التوهّم، فلا تدلّ الّا على الجواز كما أنّه لا يبعد حمل الاخبار الواردة في الطائفة الثانية الدالّة على وجوب التأخير صدرت لاجل التقية لانّه كما قلنا كان بناء العامة على التأخير كما دلّ على ذلك ما رواه ابو بصير. «3»

و القول في وجه الجمع بين الطائفتين بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الثانية هو الفجر الكاذب و المراد من الفجر في الطائفة الاولى هو الفجر الصادق فيجمع بينهما لان بعد الفجر الكاذب و قبل الفجر الصّادق كلاهما سواء و هو من الليل و يستمر وقت صلاة الليل الى الفجر الصادق لا يمكن المساعدة عليه لانّ المتبادر من الفجر

من الطائفتين هو الفجر الصّادق فعلى هذا يكون المصلّى مخيرا في إتيان ركعتى الفجر

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 52 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 108

قبل الفجر او بعده او معه و لكن يشكل الامر فى المراد من قبل الفجر و تحديده فذهب جماعة مثل الشيخ فى المبسوط و المحقق فى الشرائع الى أن قبل الفجر أوّل طلوع الفجر الكاذب «1».

[يستفاد من كلام الاصحاب جواز تقديم نافلة الصبح قبل الفجر]

قال بعض آخر قبل الفجر و هو اوّل وقت نافلة الصبح بعد الفراغ من صلاة الليل مثل النّهاية «2» و يكون مستندهم الاخبار الدالة على الاحشاء بهما فى الصّلاة الليل «3» و لا يخفى ان المشهور على القول الاوّل و ذكروها هذا القول فى كتبهم «4»- «5» المعدّ نقل الفتاوى المتلقّاة من أهل البيت عليهم السّلام و نقل هذا القول فى هذه الكتب يدلّ على وجود نصّ عليه و لكن لم يصل إلينا و في صورة التعارض نأخذ به لانّه موافق لفتوى المشهور.

ثمّ أنّه قد عرفت من اختيار بعض بكون أوّل وقتهما بعد الفراغ من صلاة الليل أنّه يجوز تقدمهما على الفجر و الاحشاء بهما فى صلاة الليل انّما الكلام و الاشكال في أنّ تقديمها مختص بهذه الصورة يعنى بصورة ضمّهما مع صلاة الليل او يجوز تقديمهما حتّى في صورة انفرادهما عن صلاة الليل وجهان من حيث أنّهما مستحبا و صلاة مستقلا و عنوانا في مقابل عنوان صلاة الليل يجوز تقديمهما على الفجر و من أن القدر المتيقن من جواز التّقديم صورة ضمهما مع صلاة الليل فلا

______________________________

(1)- المبسوط، ج

1، ص 76؛ الشرائع، ج 1، ص 63.

(2)- النهاية، ص 61؛ السرائر، ج 1، ص 203.

(3)- الرواية 8 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 16 من الباب 50 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(5)- مثل المبسوط و المعتبر و المراسم و شرايع الاسلام.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 109

يشرع اتيانهما مستقلا قبل الفجر الّذي أوّل وقتهما.

الجهة السادسة: في آخر وقتهما

قال العلّامة رحمه اللّه و آخر وقتهما طلوع الحمرة فيقدم على الفريضة الى أن تطلع الحمرة و أن ظهرت الحمرة و لم يصلّهما بدأ بالفرض و قضاهما بعد الغداة «1» فالمشهور امتداد وقتهما الى ان تطلع الحمرة المشرقية و لكن لم يدلّ دليل على ذلك غير ما رواه على بن يقطين كما ذكر في التذكرة قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل لا يصلّى الغداة حتّى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما او يؤخرهما قال يؤخرهما «2» و دلالتها على امتداد وقتهما الى طلوع الحمرة محل نظر لكن يستفاد منها عدم مزاحمتهما لفريضة الصبح فيصلّى الفريضة أوّلا.

فلو قلنا بامتداد وقتهما الى الحمرة فمقتضى هذه الرواية صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة او أنّ المراد من الامتداد الى الحمرة جواز مزاحمتهما للفريضة الى ذلك الوقت و لا يجوز اتيانها بعد ذلك الوقت من دون ان تصير قضاء وجهان.

قال في الشرائع و يجوز ان يصلّهما قبل ذلك و الافضل اعادتهما بعد «3» و الظاهر ان نظره الشريف الى رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام حيث قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول أنى لاصلّى صلاة الليل و أفرغ من صلاتي و اصلّى الركعتين فأنام

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 319 و 320.

(2)- الرواية

1 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الشرائع، ج 1، ص 63.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 110

ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر فاستيقظت عند الفجر أعدتهما «1» و كذا رواية حمّاد بن عثمان قال: قال لى أبو عبد اللّه عليه السّلام ربّما صلّيتهما و عليّ ليل فان قمت (في بعض النسخ نمت) و لم يطّلع الفجر أعدتهما «2» لو كان المراد من الركعتين هو نافلة الصبح فى الرواية الاولى و كذا المراد من ضميرهما في الرواية الثانية و لا يمكن إثبات ذلك مضافا الى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني اعنى الفجر الصّادق مع أنّ الكلام في استحباب أعادتهما بعد الفجر الاوّل فلا يمكن جعلهما دليلا على هذا الحكم فتأمّل.

الرواية الثانية: نافلة الصبح لكن المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني يعنى الفجر الصّادق و الحال أن المدعى هو استحباب اعادتهما بعد الفجر الكاذب و الدليل لا يناسب مع المدعى مع أنّ الدليل و هو الرواية الاولى مقيّدة بالنوم و كذا الرواية الثانية على نسخة فكما قال الجواهر ألّا أنّه كان عليه تقييده كالمحكى عن ابن فهد في المحرر بما اذا نام بعد دسّهما في صلاة الليل و نحوه ممّا اشتملا عليه لا الاطلاق. «3»

الجهة السابعة: فى التطوع وقت الفريضة
اشارة

و أعلم أنّه قد اختلف في اتيان النوافل المبتدأة و كذا قضاء النوافل المرتبة فى وقت الصّلاة الفريضة الّتي تكون هذا الزمان وقتها قال صاحب الجواهر بعد كلام

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 51 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- جواهر الكلام، ج 7، ص 235.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 111

الشرائع (و تصلّى النوافل

ما لم يدخل وقت الفريضة و كذا قضاؤها) بلا خلاف و لا اشكال لإطلاق الأدلّة و عمومها أما اذا دخل فالاقوى في النفر جوازه أيضا وفاقا للشهيد و المحقّق الثاني و الكاشانى و الخراسانى و ظاهر القاضى فيما حكي عنه و المدارك «1» و هو الاقوى و ذهب كثير من القدماء على المنع مثل الشيخ و المفيد. «2»

[في ما دلّ على جواز التطوع وقت الفريضة]

و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار فلنذكر الاخبار أوّلا حتّى يظهر الحال فيها فبعضها يدلّ على الجواز.

منها رواية اسحاق بن عمّار (قال قلت أصلّي في وقت فريضة نافلة قال نعم في أوّل الوقت اذا كنت مع أمام تقتدى به فاذا كنت و درك فابدأ بالمكتوبة). «3»

و منها رواية سماعة (قال سألته (سألت أبا عبد اللّه) عن الرّجل يأتي المسجد و قد صلّى أ يبتدئ بالمكتوبة او يتطوع فقال ان كان في وقت حسن لا بأس بالتطوع قبل الفريضة فان كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حق اللّه ثمّ لتطوع ما شاء الّا هو (الامر) موسّع أن يصلّى الانسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل ألّا أن يخاف فوت الفريضة و الفضل اذا صلّى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة و ليس بمحضور عليه ان يصلّى النوافل من اوّل الوقت الى قريب من آخر الوقت). «4»

و هذه الرواية صريحة في جواز التطوع في صورة ما لم يخف المصلّى

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 7، ص 241.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 126؛ النهاية ص 62؛ المقنعة، ص 212.

(3)- الرواية 2 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 35 من أبواب المواقيت من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 112

فوت الفريضة.

و منها ما رواه محمّد بن مسلم (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اذا دخل وقت الفريضة أتنفّل او أبد بالفريضة قال أن الفضل أن تبدأ بالفريضة و انّما أخّرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الاوابين). «1»

فانّ الظاهر منها جواز التنفل في وقت الفريضة.

و منها ما رواه عمر بن يزيد انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرواية الّتي يروون أنّه لا يتطوع في وقت فريضة ما حدّ هذا الوقت (قال اذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له أنّه النّاس يختلفون في الإقامة فقال المقيم الّذي يصلّى معه). «2»

و منها رواية أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشّمس فقال يصلّى ركعتين ثمّ يصلّى الغداة). «3»

[في ما دلّ على المنع من التطوع وقت الفريضة]

و ما دلّ على المنع أيضا روايات:

منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قال لى رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الاذان و الاقامة كما يضع النّاس فقلت أنّا اذا. ردنا ان نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فاذا دخلت الفريضة فلا تطوع). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 و 3 من الباب 36 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 61 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 113

و منها رواية زياد أبى عتاب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال سمعته يقول اذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرّك ان تترك ما قبلها

من النافلة).

و منها رواية بخيّة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام تدركني الصّلاة و يدخل وقتها فابدأ بالنافلة قال فقال ابو جعفر عليه السّلام لا و لكن أبد أبا المكتوبة و أقض النافلة). «1»

و منها رواية أديم بن الحرّ (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا يتنفّل الرّجل اذا دخل وقت فريضة قال و قال اذا دخل وقت فريضة فابدأ بها). «2»

و منها رواية أبى بكر عن جعفر بن محمّد عليه السّلام (قال اذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع). «3»

و غير ذلك من الروايات الدّالّة على المنع مثل رواية 8 و 10 و 11 و من هذا الباب بعد التأمّل في الروايات المجوّزة و المانعة مع كون سيرة المستمرة من الرسول الاعظم و الائمة عليهم السّلام و جميع المؤمنين على اتيان النوافل المرتبة الموقتة مثل نافلة الظهرين و المغرب و الغداة في اوّل وقتها و هو اوّل زوال الشّمس و أوّل غروبه و أوّل طلوع الفجر، و مع كون هذه الاوقات اوقات فرائضها و ورد أخبار في أنّ أوّل الوقت أفضل و كونه رضوان اللّه لا يدخل في أذهانهم بعد ما سمعوا الاخبار المانعة عدم الجواز من النوافل بل يفهمون منها ان أوّل أوقات الفضيلة للفريضة و كون اتيانها في هذا الوقت أفضل فعلى هذا لا يكون المراد من النهى في أخبار المانعة ألا الارشاد الى أنّ الافصل الابتداء بالفريضة لفراغ الذمّة ممّا هو أهمّ من النافلة و درك

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 35 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3،

ص: 114

فضل المبادرة الى الفضيلة.

لا النهى التكليفى و الوضعى او الارشاد الى وجود المنقصة في النافلة او كونها أقلّ ثوابا من فعلها في غير وقت الفريضة.

و مع ذلك لا ينبغى الشكّ في عدم جوازها اذا ضاق الوقت بحيث لو أتى بها خرج وقت الفريضة.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 115

المقدّمة الثالثة: في القبلة
اشارة

اعلم ان القبلة و التوجّه إليها في بعض الامور ممّا تكون معتبرة في الإسلام بل و ساير الأديان، غاية الأمر كانت القبلة عند اليهود البيت المقدس و كذلك عند النصارى، نعم يظهر من بعض كتبهم كون القبلة عند النصارى مشرق الشّمس و عند المجوس بيوت النيران و في الإسلام تكون الكعبة المعظّمة.

و كون الكعبة قبلة في دين الإسلام يكون من المسلّمات بل من الضروريّات في الجملة و ان كان اختلاف فيها في بعض خصوصياتها الّذي نتعرض له إن شاء اللّه تعالى، فكونها الكعبة المعظّمة اجمالا ممّا لا كلام فيه.

و أعلم أنّه بعد ما بعث محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرّسالة، فكانت قبلة المسلمين مدّة البيت المقدس و يحوّلون عند الصّلاة وجههم نحوه، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّى كانت في المكّة المعظّمة- اعنى: ثلاثة عشر سنة- و بعد ما هاجر إلى المدينة المنورة مدة سبعة عشر شهرا أو تسعة عشر شهرا يصلّي و كان توجّهه إلى البيت المقدس، ثمّ بعد ما عيّر اليهود النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين بذلك- كما يظهر من بعض الأخبار، أو لأجل بعض مصالح

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 116

اخر مثل أنّه لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه، كما يظهر من الآية «1» الشريفة- أمره اللّه بأن يحوّل

وجهه إلى الكعبة، فقال اللّه تعالى قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «2».

و المراد بقوله (فلنولّينّك) المشتق من ولى، هو فلنجعلنّك تلى سمتها كما يظهر ذلك من الكشاف أيضا، و يقال بمن يتوجّه نحو احد: بأنّه ولّاه، و يكون المراد من الشطر في قوله تعالى (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) هو الجانب، فيكون المراد إنا نولّيك قبلة ترضيها فولّ وجهك إلى جانب المسجد الحرام.

[الكعبة قبلة للمسلمين بما لا اشكال فيه]

و بالجملة يكون الكعبة قبله للمسلمين و اعتبارها في ما يعتبر فيه التوجّه إلى القبلة- كالصّلاة و الذبح- من الضروريّات في الجملة ممّا لا أشكال فيه، كما يظهر من الكتاب الكريم و بعض الروايات.

ثمّ انّه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: في أنّ القبلة هل هو عين الكعبة لمن تمكّن من التوجّه نحوها بلا مشقّة، كالمصلّي في بيوت مكّة، وجهتها لغيره كالبعيد كما نسب إلى بعض من الفقهاء، أو أنّ الكعبة قبلة لمن كان في المسجد الحرام، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم قبلة لمن خرج عن الحرم، كما يظهر من ظاهر عبارة المحقق رحمه اللّه في الشرائع و بعض آخر من الفقهاء، فلا بدّ أوّلا من التعرّض لأخبار الباب ثمّ، التعرّض لما هو حقّ في المقام.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

(2)- سورة البقرة الآية 144.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 117

فنقول: إنّه يظهر من ظاهر بعض الروايات «1» كون القبلة هي الكعبة، و توجد روايات في غير هذا الباب أيضا تدلّ على كون القبلة هي الكعبة في حدّ ذاتها، و في قبال تلك الأخبار يوجد بعض الروايات الدالة على كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم

قبلة لمن كان خارجا من الحرم. «2»

و رواية منها تدلّ على كون البيت قبلة لمن في المسجد و المسجد قبلة لمن في مكة، و مكة قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة الدّنيا و هي الرواية 4 من هذا الباب، و هذه الروايات الأربعة و ان كانت بظاهرها معارضة مع الطائفة الأولى من الروايات، و لكن بعد ضعف سندها و اشتمال بعضها بما لا يلتزم به القائل بهذا القول، لان ظاهرها هو كون المسجد قبلة لمن في الحرم، و اطلاقها يقتضي كون المسجد قبلة لمن في الحرم و لو كان متمكنا من التوجّه إلى نفس الكعبة، و هذا ما لا يلتزم به حتّى القائل بكون المسجد قبلة لمن في الحرم «3» فلا يمكن العمل بها، فتبقى الطائفة الأولى الدالة على كون الكعبة قبلة، غاية الأمر يكون فيها كلام آخر، و هو أن القبلة نفس الكعبة أو الجهة، و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

[في الكلام في كون نفس الكعبة قبلة او الجهة]
اشارة

و اعلم ان الشّيخ قد التزم بالقول الثاني لا من باب الجمع الدلالى أو السندي بين الطائفتين من الروايات، بل لاستحالة الالتزام باستقبال عين الكعبة، لانه لا بد

______________________________

(1)- و هي 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 10 و 12 و 13 و 14 و 16 و 17 من الباب 2 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الروايات 1 و 2 و 3 من الباب 3 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- اقول: و كذلك الرواية الرابعة منها مشتملة على ما لا يلتزم به القائل بهذا القول و هو ان المكة قبلة لمن في الحرم لا المسجد، لانها دالة بظاهرها على ان

الكعبة قبلة لمن في المسجد و المسجد قبلة لمن في مكّة و مكة قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارج الحرم.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 118

في الاستقبال و التوجه الى الشي ء المحاذاة الحقيقة بحيث لو رسم خط من المستقبل (بالكسر) يصل إلى المستقبل (بالفتح) فإذا فرض صفّ طويل يكون أطول من كل جانب من الكعبة بمراتب، فلو رسم خط من ناحية المصلّين في الصف لم يصل الى الكعبة، فهذا شاهد على عدم كون عين الكعبة قبلة لكلّ مكلّف.

و النقض به بانّه لو فرض صفّ يكون طوله أزيد من طول الحرم- اعنى: أربعة فراسخ- فكيف تقول بصحة صلاتهم و كونهم متوجّهين إلى الحرم الّذي تقول بكونه قبلة لمن يكون خارج الحرم، و الحال أنّه لو فرض أنّه يرسم خط من كل نقطة من هذا الصف، لم يصل كل خط من الخطوط الى الحرم، فما تقول أنت في هذا الفرض، نقول في الصف الطويل بالنسبة الى عين الكعبة في غير محله.

لأنّه للشيخ أن يقول: بان ما فرضت من صف أطول من الكعبة كان له الخارجيّة من صدر الأوّل الى الآن، لأنّ نوع الصفوف في الجماعة اطول من طول الكعبة، لأنّ العرض و طول الكعبة لم يكن كثيرا، و ربما يبلغ عشرين زراعا أو اقل من ذلك، فخارجيّة هذا النحو من الصفوف من الصدر الأوّل الى الآن، و عدم انكار في الشرع منه دليل على انهم كانوا مستقبلين لما هو القبلة، و هذا لا يقبل الّا مع كون المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارجه و لا يمكن جمعه مع كون العين قبلة مطلقا، و هذا بخلاف الصفّ الّذي فرضته من

كونه اطول من طول الحرم، لعدم خارجية الصّلاة في الصفّ بهذا النحو لا في الصدر الأوّل و لا بعد ذلك الى الآن، فلا مانع من الالتزام بعدم توجه مثل هذا الصف الى الحرم، فلا يرد هذا النقض.

و يأتي عند التعرض لكون القبلة هي الكعبة أو الجهة بيان منّا من كون الصف الطويل محاذيا حقيقة للكعبة، لأنّ الارض دوريّا، و به يجاب عن الشّيخ إذا عرفت

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 119

ذلك، فاعلم أن هنا بعض الفروع نتعرّض لها:

[في ذكر بعض الفروغ مربوطة بما نحن فيه: الفرع الاول و الثاني]

الفرع الأول: هل يكون حجر اسماعيل على نبيّنا و آله و عليه السّلام داخلا في الكعبة بحيث انّه لو التزمنا بكون القبلة هو نفس الكعبة فكما يكفي التوجّه إلى الكعبة في الصّلاة كذلك يكفي التوجّه إلى الحجر، و لو لم يكن توجه المصلّى إلى نفس الكعبة اصلا، و بعبارة اخرى يكون الحجر داخلا في ما هو القبلة للمصلي كما يدخلونه في الكعبة حين الطواف، فيطوفون حول البيت و الحجر، أو لا يكون الحجر داخلا، فإذا توجه احد إلى الحجر و لم يكن متوجها إلى نفس الكعبة اصلا- مثلا يكون في المسجد فيقف في حيال الحجر، و لا يكون وجهه و مقاديم بدنه متوجّها إلّا إلى الحجر لا الكعبة- فلم يكن متوجّها إلى القبلة، الحق الثاني، لأنّ المتبادر من الكعبة هو نفس البيت و ليس الحجر جزء البيت، لأنّ ظاهر الادلّة هو كون القبلة هو الكعبة، و ليس الحجر بحسب ما يتبادر من الكعبة جزئه، فلا يكفي توجّه المصلّي نحوه في الصّلاة، بل لا بدّ من توجهه إلى نفس البيت.

الفرع الثاني: ما يستفاد من ظاهر الآية هو وجوب التوجّه نحو الكعبة لقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

أو فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فهل يكون المراد من الوجه، الّذي يجب استقباله، هو خصوص الوجه في قبال ساير مقاديم البدن و لازمه كفاية توجه الوجه و ان لم يكن مقاديم بدنه متوجّها إلى الكعبة اصلا- مثل ما إذا أدبر وجهه إلى يمينه أو شماله- أو الوجه مع مقاديم البدن، أو الوجه مع خصوص ما يكون حيال الوجه من مقاديم البدن.

وجه كون الواجب هو خصوص الوجه هو الجمود بظاهر الآية، لأنّ ظاهر الآية و هو قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ أو فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ و المراد من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 120

الوجه معلوم.

وجه كون الواجب هو الوجه مع تمام مقاديم البدن هو أن الأمر بتولّي الوجه شطره يكون كناية عن مقاديم البدن، لا خصوص الوجه، و لذا لا يكفي بالوجه فقط إذا لم يكن ساير مقاديم البدن مستقبلا إلى القبلة، كما فرض في المثال المتقدم.

وجه كفاية الوجه مع ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن هو أنّ الظاهر من الدليل هو توجّه الوجه، غاية الأمر ظاهر توجّه الوجه بوضعه الطبيعي لا يمكن إلا مع توجه ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن، فبالملازمة نفهم من قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ان الواجب توجه الوجه مع مقدار من مقاديم البدن يكون ملازما مع توجه الوجه.

إن قلت: إن ظاهر الدليل هو توجّه الوجه، فلا دخالة لأزيد من ذلك حتّى ما يحاذى الوجه من مقاديم البدن.

نقول: بأنّه مع أنّ العرف يفهم أنّ المراد من استقبال الكعبة و التوجّه نحوه هو توجّه الوجه ببدنه بمقدار اللازم للتوجّه بالوجه، و أن ظاهر الدليل هو التوجّه بالوجه، و المنساق منه هو كون الوجه موضوعا للحكم بوضعه الطبيعي، و كونه بوضعه الطبيعي مساوق و ملازم مع مقدار

من مقاديم البدن المحاذي للوجه، فقول الثالث أقوى، فعلى هذا تظهر الثمرة في ما كان المصلّى مستقبلا بوجهه و ما يحاذيه من مقاديم بدنه إلى الكعبة، و لكن يكون الزائد على ذلك من مقاديم بدنه مثلا جانبه الأيمن أو الايسر غير مستقبل للكعبة، مثل ما إذا وقف في أحد أطراف الأربعة من البيت بحيث كان جانب يمينه أو يساره خارجا عن محاذات البيت، و لكن يكون وجهه مع ما يحاذي من مقاديم بدنه مستقبلا للقبلة، فيكفي هذا المقدار من الاستقبال

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 121

و التوجه، فما يظهر من العلّامة عليهما السّلام من اعتبار التوجّه بتمام مقاديم البدن لم نفهم وجهه.

الفرع الثالث:
اشارة

بعد ما عرفت من كفاية استقبال الوجه و مقدار من مقاديم البدن الملازم للوجه، فهل يجب التوجّه بتمام الوجه، أو يكفي التوجّه ببعض الوجه؟ و على تقدير كفاية التوجّه ببعض الوجه، فهل يكتفي بالتوجه بأي موضع كان من أجزاء الوجه، أو يكتفي بموضع خاص من الوجه؟

فنقول مقدمة: بأن وجه الإنسان يكون بحسب الخلقة غير مستوية، و يكون تقريبا بشكل الدائرة- يعني: لا يكون كل جزء منه متساويا في سطحه- فسطح الوجه يكون بشكل الدوري، فإذا تنظر إلى الوجه و الجبين من أذن إلى أذن آخر، تراه كنصف الدائرة بحيث إنه لو رسم خط من طرف من الجبين إلى طرف الآخر يكون خطا دوريا لا خطا مستقيما.

فعلى هذا لو فرض جعل نقطة وسط الوجه و الجبين مركزا، و رسم منه خط مستقيم إلى مقابله، و رسم خط من جانب أيمن الجبين مثلا و خط آخر من جانب يساره بطور المستقيم إلى مقابله، فترى أن هذه الخطوط يخرج من نقاط مختلفة، و يلتقط مع نقاط

مختلفة لا في نقطة واحدة، بل كلما يستطيل كل من هذه الخطوط الثلاثة يزيد في تباعد كل منها من الآخر، لأنه بعد كون المبدأ في نقاط و تخرج من خط دوري و يرسم كل منها مستقيما، فكلما يزيد في طول خط يزيد في بعد كل منها من الآخر (كما ترى في الحاشية).

[في كون تمام اجزاء الوجه مستقبلا محال]

فإذا كان الأمر كذلك و عرفت هذه المقدمة فيشكل الأمر في هذا الفرع، لأنّه إن قيل بوجوب توجه كل الوجه بحيث يكون كل جزء جزء من الوجه مستقبلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 122

للقبلة، فهو غير معقول بهذا النحو، لأنّه مع ما قلنا ظهر لك عدم امكان توجه الوجه إلى الكعبة بحيث يكون أبعاض الوجه متوجّها إليه بحيث لو رسم من كل جزء من الوجه خط مستقيم يلاقى مع الكعبة، لما قلنا من ان الخطوط لا يكون فيها التوازي حتى ينتهي إلى نقطة واحدة، فهذا شاهد على عدم اعتبار التوجّه بتمام الوجه بهذا النحو.

و إن قيل بتوجه بعض الوجه- أعنى: بكفاية الاستقبال ببعض الوجه- فهل نقول بكفاية كلّ جزء جزء من الوجه، فيكفي التوجّه مثلا بالجزء الواقع في وسط الوجه، و كذلك بالجزء الواقع في يمين الوجه أو في يسار الوجه.

و الحال انّه على ما قلنا لو توجّه بنقطة وسط الوجه، لم يتوجّه إلى القبلة طرف يمين الوجه، و كذا يسار الوجه، و هكذا مع التوجّه بكل طرف إلى القبلة لازمه عدم التوجّه إلى الطرف الآخر.

أو نقول: بلزوم التوجّه بوسط الوجه و أن لم يتوجه طرف اليمين و يسار الوجه إلى القبلة، لأنّ هذا هو الاستقبال بالوجه.

أو نقول: بأن الاستقبال إلى الشي ء و جعل الوجه حياله يكون امرا عرفيّا و ما تصرّف فيه

الشارع، فإذا توجه الشخص نحو شي ء بحيث يكون مقاديم وجهه نحوه يقال بأنّ وسط الوجه متوجها إليه، فالوجه و إن كان كرويا تقريبا و لكن لا معنى للأمر بالتوجه بالوجه مع كون وضعه هكذا إلا بهذا النحو، فعلى هذا لا بأس بكون يمين الوجه أو يسار الوجه غير مواجه و مستقبل إلى القبلة، لأنه لا معنى لجعل شي ء كروي حيال شي ء إلا بان يكون نقطة منه مواجها بهذا الشي ء و ان كان بعض نقاطه غير مواجه إليه، فيكفي البعض، و البعض هو وسط الوجه، لأنّه لو توجه يمين الوجه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 123

أو يسار الوجه فقط إلى القبلة مع عدم استقبال وسط الوجه فلا يعدّ استقبالا للوجه إلى الكعبة عرفا فما نقول في المقام.

إذا عرفت ما بيّنا لك يقع الكلام في انّه هل القبلة هو الكعبة أو جهتها؟

اعلم انّه قد بينا سابقا بأنّه اختلفت كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم في ما هو القبلة، فيظهر من بعضهم كونها هو نفس الكعبة، و يظهر من بعضهم كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارج الحرم، و بعضهم قالوا: بكون القبلة هو نفس الكعبة للقريب المتمكن من التوجّه إليها، وجهة الكعبة للبعيد الغير المتمكن من الاستقبال إلى نفس الكعبة، و قد عرفت حال بعض الروايات الواردة الدالة على كون القبلة نفس الكعبة، و حال ما دل على كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن في خارجه، و أنه في مقام التعارض يؤخذ بالطائفة الأولى لما قلنا من ضعف سند الطائفة الثانية الدالة على القول الثاني، و هي

روايات إحداها رواية «1» من الباب [3] كان في سندها حفص و قد ضبط صاحب الوسائل رحمه اللّه و كذا صاحب الجواهر رحمه اللّه جعفر.

أما الكلام في أنّ القبلة هي نفس الكعبة أو جهتها، فنقول: إنّ ما يظهر من المحقق «2» في بعض كلماته هو كون المراد من الجهة السمت، فجهة الكعبة أي سمت الكعبة، فإن كنا في مقام بيان ما هو المراد من الجهة أو السمت، فلا بدّ من أن يقال: بعد ما كان من الاعتبارات اعتبار جهات الستة- الفوق و التحت و اليمين و اليسار و الشمال و الجنوب- و بعد إلغاء الفوق و التحت تبقى جهات أربعة، فكل من هذه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 65.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 124

الأربعة جهة، فالشي ء إما في جهة اليمين، أو اليسار أو الشمال أو الجنوب، فقهرا يكون معنى استقبال جهة شي ء هو أن الشخص إن كان بين المشرق و المغرب، فتوجّهه إمّا بجهة الشمال أو بجهة الجنوب و بالعكس إذا كان بين الشمال و الجنوب، فيتوجّه إما إلى المشرق أو إلى المغرب، فقهرا يكون المراد بالجهة إمّا بين المشرق و المغرب، و إما ما بين الجنوب و الشمال، فإذا كان كذلك، فيكون المراد بالتوجه و استقبال جهة الكعبة التوجه إلى الجهة الّتي تكون الكعبة فيها، فإن كانت الكعبة في جهة الجنوب فلا بدّ من التوجه إلى الجنوب، يعني: إذا فرض دائرة و رسم خطان يتقاطع كل منها الآخر بحيث تصير الدائرة ذو قوائم أربعة، فإذا كانت القبلة في جنوب المصلّي يجب استقباله إلى ناحية الجنوب، و إذا كانت في جهة الشمال يجب استقباله إلى

جهة الشمال و هكذا.

[الظاهر من القائلين بالجهة كون القبلة أضيق ممّا قلنا]

و هذا و إن كان الظاهر من الجهة، و لازمه ما قلنا من كفاية التوجّه إلى احد جهات الأربعة الّتي تكون القبلة في هذه الجهة، و لكن ما يظهر من نوع كلمات «1» القائلين بكون القبلة الجهة، كونها أضيق من ذلك، فإن المستفاد من كلام بعضهم هو كون المراد بالجهة كل جانب يحتمل المكلف الكعبة في هذه الجهة، لا ما بين المشرق و المغرب، أو الجنوب و الشمال.

فإن كان المراد من جهة الكعبة هذا فلازمه اختلاف القبلة باعتبار المصلّين، لانّ الأشخاص مختلفة من حيث الاحتمال، فربما يحتمل احد كون الكعبة في جهة تكون دائرته وسيعة، و الحال أن الآخر لا يحتمل إلا كونها في دائرة أضيق من ذلك، فعلى هذا يكون اللازم من هذا القول عدم كون الجهة أمرا كانت لها واقعيّة مضبوطة لاختلافها باختلاف نحوة احتمال المكلفين من اطلاعهم بوضع الجهات، و الجغرافيا،

______________________________

(1)- نهاية الاحكام، ج 1، ص 392؛ تذكره الفقهاء، ج 3، ص 7؛ الذكرى ج 3، ص 160.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 125

و الاسطرلاب و غير ذلك، و عدم اطلاعهم بهذه الامور.

فإذا نقول: إن كان مرادهم من الجهة هذا، فلا يناسب كون ذلك ما هو موضع حكم الواقعي في القبلة بعد كون موضوع حكم الواقعي أمرا غير مضبوط مختلفا بحسب حال المكلفين من حيث سعة احتمالهم أو ضيقه في ما هو الجهة، مضافا إلى أن ما هو القبلة يكون أمرا له واقعيّة في حدّ ذاته مع قطع النظر عن المكلفين، نعم يمكن أن يكون حكما ظاهريّا بمعنى إرجاع كلام القائل بالجهة على هذا إلى حكم ظاهري، و هو انّه بعد عدم امكان الوصول إلى ما هو موضوع حكم

الواقعي أعني: القبلة الحقيقة، ففي مقام الظاهر يكتفي بما يحتمل المكلف كون القبلة فيه.

و بعبارة اخرى لا بدّ من الاكتفاء في مقام الظاهر من التوجّه و الاستقبال إلى الجهة الّتي يحتمل كون القبلة أعنى: الكعبة في هذه الجهة و الجانب، فعلى هذا لا نفهم من كلام القائلين بالجهة ما يمكن أن نجعله موضوع حكم الواقعي في القبلة.

إذا عرفت ما يمكن ان يقال في وجه كلام القائل بالجهة و ما هو لازم كلامهم، اعلم أن ما يظهر من صاحب الجواهر «1» و الاجلّ من المحققين من المتأخرين هو كون القبلة للقريب و البعيد عين الكعبة بدعوى ظهور الآية، و كذا بعض الروايات الدالّة على كون القبلة عين الكعبة، و حيث إن ما كان الاشكال في كون الكعبة هو القبلة هو ما استشكله الشيخ «2» من انّه لو التزمنا بكون القبلة عين الكعبة فما تقولون في الصف الطويل الّذي يخرج من حيال الكعبة بحيث إذا رسم خط من ناحية المصلين لم يتلقط إلى الكعبة، و الضابط في المحاذاة الحقيقية هو هذا أعنى: إذا رسم خط

______________________________

(1)- جواهر، ج 7، ص 331- 332.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 77.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 126

مستقيم من المستقبل (بالكسر) يصل إلى المستقبل (بالفتح) و إلّا ليست المحاذاة حقيقة ففي الصف الطويل الخارج عن حدّ الكعبة لاستطالته لا يمكن الالتزام بكونه مستقبل القبلة، فهذا شاهد على عدم كون الكعبة قبلة، لانه لو كانت عينها القبلة كان اللازم بطلان صلاة المصلّين في الصفّ الطويل و هذا ممّا لا يلتزمون به.

[في جواب صاحب الجواهر عن الشيخ]

قال صاحب الجواهر رحمه اللّه في جوابه: بان ما قلت صحيح، لكن هذا في المحاذاة الحقيقية، و لا يعتبر ذلك في الاستقبال و

المحاذاة العرفية، لأنّ العرف لا يعتبرون في كون شي ء مستقبلا لشي ء آخر ما اعتبر في المحاذاة الحقيقة، بل إن كان اشخاص في مقابل شي ء و لو لم يكن الاستقبال بحيث يصل الخط الخارج من صف المستقبلين إلى هذا الشي ء يعدّ استقبالا بصرف كونهم في مقابله، و هذا يختلف باختلاف القرب و البعد من المستقبل (بالفتح) فربما يكون المستقبل (بالكسر) قريبا من المستقبل (بالفتح) بحيث يكون متصلا به، ففي هذا المورد إن كان على يمينه أو يساره لا يعدّ حتى عند العرف مستقبلا بوجهه إليه، و كلما يبعد من المستقبل (بالفتح) يزيد دائرة الاستقبال، فربما يكون الصفّ الواقع بفاصلة عشرين ذراعا في قبال شي ء عند العرف مستقبلا له و أن لم تكن المحاذاة حقيقية، و هكذا فربما يكون البعد اكثر يصل الأمر بمقام يكون الصف الطويل الّذي يكون مثلا أربعة فراسخ مستقبلا لشي ء صغير عند العرف و إن لم يكن الاستقبال حقيقيّا لعدم وصول الخط الخارج من افراد الصف إلى هذا الشي ء، و لهذا صار من المشاهير بان الشي ء كلّما ازداد بعدا ازدادت جهة محاذاته سعة كما ترى في الشّمس و القمر و النجوم، فإنّ كلّ احد يمكن جعلها مستقبلا لوجهه مع عدم كون المحاذاة حقيقية، و بهذا يندفع اشكال الشّيخ رحمه اللّه الصف الطويل الذي فرضه و جعله سببا لامتناع الالتزام بكون القبلة عين الكعبة و ان لم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 127

يكن محاذيا بالمحاذاة الحقيقية للكعبة، و لكن الاستقبال إلى الكعبة مثل ساير موارد الاستقبالات يكون عرفيّا و ما تصرف فيه الشارع بالخصوص، و عرفت بان ما قال رحمه اللّه لا يعتبر في المحاذاة العرفية، فعلى هذا يندفع الاشكال، هذا حاصل ما قاله

صاحب الجواهر رحمه اللّه و بعض من تأخر عنه.

و اعلم ان الأمر و ان كان كما قال من عدم ورود الاشكال في الصف الطويل و صدق المحاذاة عليهم مع الكعبة، لكن ليس وجهه ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه من كون المحاذاة أمرا عرفيّا و لا يعتبر المحاذاة الحقيقية، بل وجهه هو انّه مع كون المعتبر المحاذاة الحقيقية و لكن مع ذلك يكون الصف الطويل مستقبلا للقبلة، لأنّ الصف الطويل و إن كان طوله أزيد من فراسخ و لو يرى مستقيما بحيث لا يكون انحناء فيه أصلا، و لكن بعد كون الأرض كرويا، ففي كل نقطة من الأرض يفرض هذا الخط المستطيل مع فرض توجهم إلى نقطة خاصة و هي عين الكعبة، فلا محالة ينتهي كل خط رسم من كل نقطة من هذا الصف إلى النقطة الواقعة فيها الكعبة، لأنه مع استواء الصف و استقامته بحسب ما يرى بالحسّ، و لكن حيث يكون الصف واقعا على شي ء كروي و هو الأرض، فلا محالة يكون الصف أيضا كرويّا و إن كان لا يرى بالحسّ لسعة الدائرة.

فعلى هذا من الواضح أن بعد كون اهل الصفّ متوجّهين إلى الكعبة و هي المركز بالنسبة إليهم، فمن أي موضع من هذا الصف المستدير بحسب الواقع رسم خط، مع توجه كل نقطة إلى المركز و هو الكعبة، فيصل كل هذه الخطوط إلى الكعبة، فالمحاذاة على هذا تكون حقيقية، فالسّر في ذلك هو هذا لا ما وجّهه صاحب الجواهر رحمه اللّه و بعض من تأخر عنه. فبهذا البيان و إن كان يظهر لك بأنّه يفرض في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 128

الصف الطويل المحاذاة الحقيقيّة، و لكن مع ذلك يقع الكلام في

ما هو القبلة، لانه بعد عدم تماميّة وجه الّذي ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه لكون القبلة عين الكعبة، فما ينبغي أن يقال في المقام؟

[في ان المراد من الجهة السمت كما قال فى المعتبر]

فهل نقول بكفاية الجهة كما يظهر من بعض الفقهاء رضوان اللّه عليهم و قد مرّ بعض الكلام فيها، و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ القائلين بالجهة عباراتهم مختلفة فمن المحقق رحمه اللّه يظهر كما في المعتبر «1» بانّ المراد من الجهة هو السمت الّذي فيه الكعبة، و يظهر من حاصل مراد بعضهم أن المراد بالسمت، الجانب الّذي يظنّ كون الكعبة في هذا الجانب، و يظهر من بعضهم مثل ما يظهر من كشف اللثام أن السمت الّذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها، و يقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه.

و ما قلنا سابقا من أنّ لازم هذا عدم كون واقعيّة محفوظة للقبلة مع قطع النظر عن علم المكلف و احتماله أولا و اختلاف القبلة بحسب نحوة حصول العلم وسعة دائرة الّتي يحتمل كون الكعبة في هذه الدائرة بحسب اختلاف المكلفين ثانيا، يمكن أن يدفع بأن المراد من السمت الّذي يحتمل، إن كان هو السمت الّذي من شأنه كون الكعبة في هذا السمت فلها واقعية محفوظة، و هي الجانب الّذي يكون فيه شأنية كون القبلة فيه، و لا يختلف باختلاف المكلفين، لانه بعد كون الشأنية مرادا، فشأنية كون القبلة في جانب لا يختلف باختلافهم، لأنه لا بد من جعل السمت بمقدار يكون له شأنية كون الكعبة في أحد أبعاض هذا المقدار، فالمكلفون و إن كانوا مختلفين بحسب القطع و الاحتمال الفعلى و لكن غير مختلفين من حيث الشأنية.

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 65.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 129

و يظهر من فاضل المقداد و المحقّق

الثاني في شرح الألفيّة في مقام تعيين السمت كلام غريب، فانّه قال أولهما على ما في الجواهر: «1» جهة الكعبة الّتي هي القبلة للنائى خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين، و يمرّ بسطح الكعبة، فالمصلّي حينئذ يفرض نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع عليه على زاوية قائمة، فذاك هو الاستقبال، و إن كان على حادّة و منفرجة، فهو إلى ما بين المشرق و المغرب.

و قال ثانيهما: إنها ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه، وقع على خط جهة الكعبة بالاستقامة، بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان، فلو كان الخط الخارج من موقف المصلي واقعا على خط الجهة لا باستقامة، بحيث يكون إحدى الزاويتين حادة و الاخرى منفرجة، فليس مستقبلا لجهة الكعبة.

[يشكل الالتزام بكون عين الكعبة قبلة للبعيد]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 129

و وجه غرابته هو أنّ لازم هذا القول عدم كفاية التوجّه بعين الكعبة في بعض الموارد، لأنّه لو وقع المصلّى على نقطة لو رسم خط من موقفه إلى الخط الواقع بين المشرق و المغرب يتشكل زاوية حادة و منفرجة لا زاوية قائمة، لما توجّه إلى القبلة، و لما صحت صلاته و إن تلاقى هذا الخط مع عين الكعبة، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

هذا بعض الكلام في الجهة و ما يظهر من كلمات القائلين بها.

و كان قول آخر هو كون عين الكعبة قبلة القريب و البعيد، و قول آخر ما اختاره الشّيخ رحمه اللّه من كون الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد لمن في الحرم، و

الحرم لمن في خارجه، و قد عرفت عدم تمامية قول الثالث كما قدمنا وجهه، و يبقى القول

______________________________

(1)- الجواهر، ج 7، ص 336.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 130

بكون عين الكعبة قبلة مطلقا، أو القول بكون الكعبة قبلة للقريب و المتمكن من التوجه إليها، و جهتها قبلة للبعيد.

و لا يخفى ان الالتزام بكون عين الكعبة قبلة للبعيد ممّا يشكل الالتزام به، لأنه مع قطع النظر عن عدم وجه وجيه لصحّة هذا القول، يوجب ذلك مشقة شديدة و العسر و الحرج الّذي نطمئن بعدم ارضاء الشارع به، و عدم أمره بالمكلّفين مع هذا الحرج، لانه لو كان الأمر هكذا يلزم على كل مكلف تحصيل نقطة الواقعة فيها الكعبة كي يتوجه نحوها، و هذا موقوف على تحصيل الهيئة و الاصطرلاب، و من الواضح عدم امكان ذلك لنوع المكلفين، و نرى انّه ليس البناء من الصدر الأوّل إلى الآن على ذلك بل يحولون وجوههم إلى جهتها كما ترى في أوّل الأمر أنّه بمجرد تحويل القبلة إلى الكعبة جاء رجل و قال لبني عبد الاشهل في المسجد: بأنّه حول القبلة إلى الكعبة فحولوا وجوههم نحوه و شطره بدون تفحص عن عين الكعبة.

و لا تقل: إنّهم يعلمون في أي جهة وقعت الكعبة، لأنه ليس الأمر كذلك، فهذا شاهد على عدم كون الواجب التوجّه نحو عين الكعبة.

فعلى هذا نقول: ما يأتي بالنظر في هذا المقام هو ما اختاره المحقق رحمه اللّه بأن القبلة الجهة، و المراد بالجهة السمت الّذي فيه الكعبة، و نزداد بصيرة لك كون الأمر كذلك بأن يقال: إنّه قد تعرّضنا لفرع سابقا، و هو أن الوجه الّذي يجب التوجّه به إلى القبلة هل هو تمام الوجه أو يكفي بعضه،

و على تقدير كفاية البعض هل يكون الكافى وسط الوجه بعد فرض كفاية البعض، أو يكفي أحد طرفي الوجه، و قلنا بان وضع الوجه و الجبين كما ترى يكون دوريّا، و ليس سطح الوجه سطحا مستويا، بل يكون من بين الاذنين بشكل نصف الدائرة تقريبا، بل يكون بين الصدغين أيضا محدبا و دوريّا لا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 131

مستويا بحيث إذا خرج من كل جزء من أجزاء الوجه خط مستقيم يتشكل خطوطا مثلاثة، و كلما يبعد كل خط من مركزه يزيد في البعد عن الآخر تقريبا بقدر ربع الدائرة إذا طوّل كلّ من الخطين، فكلّما يستطيل كل من الخطين يزيد في بعد هما إلى ان يكون البعد بينهما بفراسخ كثيرة.

[في ان ليس الملاك كون الجهة بنفسها كافية بل لملازمتها مع الاستقبال]

فعلى هذا نقول: بان الوجه في كفاية الجهة للبعيد هو انّه بعد كون المراد بالجهة هو السمت، ففي السمت الّذي وقعت الكعبة المكرمة إذا فرض توجه الشخص نحو هذا السمت، فيكون بتوجهه إلى هذا السمت الّذي فرض ربع الدائرة تقريبا متوجه بوجهه إلى الكعبة لأنّ الخطوط الخارجة من كل نقطة من وجهه يتلاقى أحدها عين الكعبة، لأنّه بالبيان المتقدم عرفت بأنّه لو فرض مقاديم الوجه هو المقدار الّذي يكون بين الحاجبين فالفاصلة بين الخط الخارج من كل من طرفي الوجه إذا وصل إلى محيط الدائرة تكون تقريبا بقدر ربع الدائرة، فالكعبة واقعة في هذا الربع من الدائرة، مثلا إذا كان الشخص واقفا في نقطة الشمال و توجه بوجهه نحو نقطة الجنوب الواقعة في سمتها الكعبة فالخطوط الخارجة من وجهه إذا وصل بنقطة الجنوب، يتلاقى مع ربع من الدائرة الواقعة في وسطها نقطة الجنوب تقريبا، فالمستقبل (بالكسر) أستقبل بوجهه عين الكعبة، لكن لا بتمام وجهه

بل بنقطة من وجهه.

فالقول بكفاية الجهة يكون لأجل هذا، لا من باب كفاية المحاذاة و الاستقبال العرفي و لو لم تكن المحاذاة بينهما حقيقية، و كفاية صرف كون البعيد محاذيا للجهة و لو لم يكن مستقبلا بجزء من وجهه لعين الكعبة، بل منشأ كفاية الجهة للبعيد هو كون المستقبل (بالكسر) على ما قلنا مواجها بوجهه لعين الكعبة لكن لا بتمام وجهه، بل بجزء من وجهه، و منشأ كفاية جزء الوجه في الاستقبال للبعيد هو ظاهر قوله تعالى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 132

فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ و لا يمكن اعتبار أزيد من ذلك للبعيد لموجبية العسر و الحرج، مضافا إلى ما يظهر من قصة بنى عبد الاشهل و تحويل وجوههم إلى الكعبة بمجرد سماعهم تحويل القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة، و الحال أنهم لا يعرفون عين الكعبة.

فبهذا البيان يظهر لك كفاية الجهة، و ان وجه كفايتها هو ان التوجّه بالجهة، كما قلنا ملازم مع الاستقبال بالوجه و لو بجزء منه، لا كون الجهة كافية بنفسها و لو لم تكن ملازما لاستقبال العين لعدم دليل على كفاية هذه المعنى من الجهة.

و يؤيّد ما قلنا رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: اين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله). «1»

ما رواها معاوية بن عمار (أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة). «2»

[ما دلّ على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة لا يكون امر تعبديا]

و يستفاد من الروايتين كون ما بين المشرق و المغرب قبلة بحسب الظاهر، فيحتمل

ان يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ما يتفاهم منه العرف من أن ما بينهما أي: ما بين المحل الّذي تطلع الشّمس و تغرب كما يرى في كل يوم، و يحتمل أن يكون المراد ممّا بينهما المحل الّذي يكون بين المشرق و المغرب، و هذا المحل ليس إلا المحلّ الّذي يكون وسط الموضع الّذي تطلع الشّمس و تغرب و بعد كون المحل الّذي تطلع الشّمس و تغرب، مختلفا بحسب الفصول فإن في أوائل الصيف إذا حوسب ما

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 133

بينهما يكون تقريبا بقدر نصف الدائرة، و هكذا تضييق الدائرة الفاصلة بينهما باعتبار تغيير محل الطلوع و غروب الشّمس حتّى يكون في أوائل الخريف الفصل بينهما تقريبا بقدر ربع الدائرة، فما بين الفصلين طلعت الشمس و غربت باعتبار تغيير الفصول، ففي ما بين نصف الدائرة إلى ربع الدائرة يكون تقريبا محل طلوع و غروبها، فلا يصح أن يقال بهذا المقدار ان هذا ما بين المشرق و المغرب، لأنّ كل موضع من هذا المقدار كان موضع المشرق و المغرب باعتبار طلوع الشّمس فيه، و غروبها فيه لا ما بينهما، فما بينهما هو كل موضع لا تطلع بعده فيه الشّمس و لا غربت فيه حتّى يصح أن يقال: ان هذا الموضع ما بينهما، و الاحتمال الثاني أقوى بحسب ما قلنا من الدقة اللطيفة.

فعلى هذا الاحتمال يكون ما بين المشرق و المغرب أيضا تقريبا بقدر ربع الدائرة كما قلنا بأن الفصل بين طرفي الوجه أعنى: الربع المقدم من الوجه يكون كذلك فعلى هذا الاحتمال ما

ورد في الروايتين من كون ما بين المشرق و المغرب قبلة هو ربّما يكون من أجل كون ما بين المشرق و المغرب في حدّ الجهة الواقعة فيها الكعبة، و لهذا جعله قبلة، لا أن يكون حكما تعبديا صرفا، فهذا الحكم على هذا مؤيد لما قلنا من أن المراد من الجهة هي الربع الدائرة تقريبا الواقع في نقطة منه القبلة لا محالة.

و لكن يأتي منا كلام بعد ذلك يضعف الأخذ باحتمال الثاني في الروايتين، فافهم.

و يمكن ان يؤيد المطلب أيضا بما ورد في حق الغير المتمكن من تحصيل القبلة بالصّلاة إلى أربع جوانب، مثل الرواية 5 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 134

وجه التأييد أن المتحير إذا صلى إلى أربع جهات، فصلاته وقعت متوجها إلى جهة الكعبة، لأنّ الكعبة واقعة في أحد من أربع جوانب إذا فرض كون كل جانب ربع الدائرة كما قلنا، فلعلّ وجه الحكم بالصّلاة إلى أربع جوانب في هذه الصورة، كان من باب انّه إذا فعل كذلك، فقد توجه إلى الجهة الّتي تكون الكعبة فيها حتما، لكونها في احد من أربع جوانب يكون كل جانب ربع الدائرة، فعلى هذا يمكن أن تصير هذه الرواية مؤيدة لما قلنا.

[لا اشكال في ان التوجه بتمام الوجه الى عين الكعبة غير مأمور به للبعيد]

و على كل حال لا اشكال في أن التوجّه بتمام الوجه إلى عين الكعبة غير مأمور به للبعيد:

أما أولا فلان ظاهر الآية و هو قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ أو قوله فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هو التولي بالوجه إلى شطر الكعبة، و الشطر عبارة اخرى عن الجانب و السمت و بالفارسية (سو) و التوجّه بالسمت إلى الشي ء ليس الا عبارة عن التوجّه إلى الطرف الّذي يكون هذا الشي ء

واقعا فيه، لا التوجه بعين الشي ء.

و ثانيا قصة خبر تحويل القبلة إلى اهل مسجد القباء أعني: بني عبد الاشهل أيضا على ما في الرواية، شاهد على ذلك، لأنّه بمجرد وصول الخبر بهم بتحويل القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة حولوا وجوههم نحو الكعبة، و من الواضح أنهم فهموا من ذلك وجوب التوجّه إلى جانب الكعبة لا إلى العين، لأنّه لم يكن لهم طريق إلى تعيين عين الكعبة بالاصطرلاب أو الهيئة و غير ذلك، فهم توجّهوا إلى جانبها و لم يصر فعلهم مورد طعن اصلا.

و ثالثا يكفي لنا السيرة من الصدر الأوّل إلى الآن من توجههم إلى جهة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 135

الكعبة و عملهم بذلك، و لو كان البناء من الصدر الأوّل على التوجّه بالوجه إلى عين الكعبة لكان ذلك مشهودا، و لكان اللازم على كل مكلف من تحصيل بعض الطرق المعد لتحصيل عين الكعبة من الهيئة و غيرهما.

و رابعا يكون التكليف بالتوجّه إلى عين الكعبة موجبا لمشقة عظيمة و حرج شديد، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام بذلك. فعلى هذا نقول: بأنّ الحق هو كون القبلة للبعيد الغير المتمكّن من التوجّه بعين الكعبة هو الجهة و المراد بالجهة هو المقدار الّذي تكون الكعبة واقعة في أحد نقطة من نقاط هذا المقدار، و هذا المقدار يكون تقريبا بقدر ربع الدائرة و ما بينا من وضع الوجه و كونه كرويا، و ما أسلفنا من البيان كان لطيفة في مقام تشريح المطلب، و وقوع نقطة من نقاط ربع المقدم من الوجه متوجّها إلى عين الكعبة، و كان بيانا لسر كفاية الجهة، لأنّ وجه كفايتها ليس إلّا من باب كون الكعبة واقعة في الجهة، و إلّا لو

كانت خارجا عن حدود الجهة، فكيف يمكن القول بكفاية الجهة، لأنّ وجه كفاية الجهة ليس إلا من باب كونها جهة الكعبة و شطرها.

[في ان يؤيد كون القبلة الجهة جعل ثلاث علامات لاهل العراق]

و يؤيد ما قلنا من كفاية الجهة أيضا ما ذكره المحقق رحمه اللّه «1» من جعل علامات ثلاثة لأهل العراق (حيث قال: و أهل العراق و من والاهم يجعلون الفجر على المنكب الايسر، و المغرب على الأيمن، و الجدى محاذى خلف المنكب الأيمن و عين الشمس عند زوالها على الحاجب الأيمن) لأنه لو كانت القبلة للبعيد عين الكعبة، و كان البناء على هذه الدقّة، لما يناسب جعل هذه العلامات لأهل العراق مع الاختلاف بين هذه العلامات.

______________________________

(1)- الشرائع، ج 1، ص 66؛ جواهر الكلام، ج 7، ص 359.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 136

[ثلاثة علامات لساكن صقع واحد دليل على كون القبلة اوسع من عين الكعبة]

لأنّ مقتضى الأولى استقبال نقطة الجنوب، و مقتضى الثانية الانحراف عن نقطة الجنوب إلى طرف المغرب بمقدار معتد، به و مقتضى الثالثة الانحراف من نقطة الجنوب إلى جانب المشرق، فكون هذه العلامات علامة لساكن صقع مخصوص دليل على كون القبلة للبعيد أوسع من ذلك، و هو يناسب مع الجهة مع أن في نفس احدى من العلامات الثلاثة أيضا اختلاف إلى الآن بين الفقهاء في المراد منها و هي الجدى.

و لأن ظاهر ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام، (قال: سألته عن القبلة، فقال: ضع الجدي في قفاك و صلّ) «1» هو جعل المصلّي الجدي في قفاه، و حيث ان الراوي يكون محمد بن مسلم و هو سئل عن القبلة، فالظاهر كون الجدي علامة لمن كان مثله، و هم أهل العراق و من والاهم، و المراد بالقفا يحتمل أن يكون ظهر الرأس أعني الربع الواقع خلف الرأس و هو مؤخر العنق كما في اللّغة، و يحتمل أن يكون المراد منه تمام الخلف مقابل قدام البدن، باعتبار انّه إذا اطلق القفا يفهم منه

ذلك عند العرف.

فخلاف في الرواية في ما هو المراد من القفا و خلاف آخر في أن العلّامة جعلت لاىّ موضع من الأرض، فلو فرض كون الحكم لاهل العراق باعتبار كون السائل- كما قلنا و هو محمد بن مسلم- عراقيّا و لكن ليس حال تمام العراق بوزان واحد، و ليسوا كلهم في نقطة واحدة بالنسبة إلى الكعبة، لاختلاف بلاد العراق من حيث جهات الأربعة. و رواية اخرى و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال:

قال رجل للصادق عليه السّلام: إنّي أكون في السفر و لا اهتدى إلى القبلة بالليل، فقال:

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 137

أ تعرف الكوكب الّذي يقال له: جدي؟ قلت: نعم. قال: أجعله على يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك). «1»

و في هذه الرواية أيضا مواقع من الكلام، و الخلاف أولا بأن جعل هذه العلّامة علامة لكل احد في كل موضع كان، فهذا ممّا لا يمكن، لأنه لا يمكن أن يكون شي ء واحد بوضع واحد علامة لكل جهة من جهات الأربعة بحيث يجعل الجدي كلهم على وضع خاص، حتّى يكونوا متوجّهين إلى القبلة، فلا بدّ من كونها علامة لجهة خاصة، فيقع الكلام في ان هذه الجهة أيّ جهة من الجهات، و لا يمكن الحكم بكونها علامة لاهل العراق مثل رواية محمد بن مسلم، لأنّ روايتها باعتبار السائل كانت قابلة له، و هذه الرواية لم يعين السائل فيها، بل قال: قال رجل للصادق عليه السّلام، و لا نعلم بان هذا الرجل كان عراقيا او غير عراقي، فعلى كل حال هذا أحد مواقع النظر حتّى نختار بعدا ما هو الحق

فيها.

و ثانيا أن رواية الاولى تدلّ على جعل الجدي في القفا، و هذه الرواية تدلّ على ان في السفر الّذي لم يكن في طريق الحج، لا بدّ من جعل الجدي على يمينه، و في طريق الحج بين كتفيه، فبين الروايتين مخالفة بحسب الظاهر.

و ثالثا كلام آخر في ما هو المراد من الكتف، و أنّه هل هو المفصل الواقع بين عظم العضد و المنكب أو غير ذلك، فغرضنا أن نفس هذه العلّامة يكون نحو علامته مورد الخلاف، فأنّ كان الأمر غير موسّع لكان اللازم الدقّة في جعل العلّامة لا الاتساع بمقدار لا يناسب إلا مع كون القبلة الجهة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 138

ثمّ إنّ ما قلنا في طي كلماتنا من كون رواية زرارة و معاوية بن عمار المذكورين في الباب «1» مؤيدين المطلب، بناء على كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب ما قلنا من أن ما بينهما ليس إلا الموضع الّذي لا تطلع بحسب اختلاف الفصول فيه الشّمس و لا غربت فيه، و هو آخر موضع الّذي تطلع الشّمس فيها، و تغرب فيها فما بينهما مع عدم الطلوع و الغروب للشمس بعد ذلك ما بين المشرق و المغرب، و هو تقريبا ليس إلا ربع الدائرة إذا فرض رسم دائرة تلاقي نقطة الجنوب و الشمال و المشرق و المغرب، يمكن أن يقال بأنّ بين روايات آخر قرينة على الاحتمال الآخر الّذي ذكرناه، لا هذا الاحتمال، و هو كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب ما بين ما تطلع الشّمس و تغرب في كل يوم بحسب ما يتراءى عند العرف، فلنذكر هذه الروايات حتّى يتبين لك الحال

إن شاء اللّه تعالى:

[في ذكر بعض الروايات حتّى يظهر الحال]
اشارة

الرواية الأولى: ما رواها معاوية بن عمار (انّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة). «2»

و ظاهرها في حدّ ذاته هو كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و يحتمل أن يكون المراد ممّا بينهما هو ما بين محلّ طلوع الشّمس و غروبها في كل يوم، فما بين المحل الّذي يرى الشخص ان الشّمس طلعت منها و غربت هو القبلة.

و يحتمل أن يكون المراد ما قلنا من أنّ المراد المحل الّذي واقع بين آخر نقطة تطلع الشّمس منها، و آخر نقطة تغرب منها الشّمس و لم تطلع بعدها الشمس، فهذا

______________________________

(1)- الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 139

الموضع ما بينهما، و هو مقدار ربع الدائرة تقريبا من طرفى نقطة الجنوب، أو من طرفي نقطة الشمال بحيث تكون نقطة الجنوب أو الشمال بين هذا الربع من الدائرة، و هل لها إطلاق بحيث يقال: بكون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا بدون التقييد بالاضطرار أو بصورة الجهل أم لا، يأتي الكلام في ذلك.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلّا إلى القبلة. قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله.) «1»

و هذه الرواية أقوى ظهورا من الأولى في كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، لأنّه يكون عليه السّلام في مقام بيان الحدّ، فهل لها اطلاق أم لا؟

يحتمل

أن يكون لها إلّا طلاق لأنّه بعد ما كان عليه السّلام في مقام الحد (فقال: ما بين المشرق و المغرب قبلة) فلو كان هذا قبلة لخصوص من كان جاهلا بالقبلة فصلّى، بانّ كون صلاته إلى غير القبلة، فكان اللازم عليه البيان.

و لكن يحتمل أن يقال: بأنّ الرواية الثانية و كذا الأولى تكون في مقام بيان الحد الّذي لا يمكن الخروج عن هذا الحد في القبلة أصلا، و اعتبار ذلك مطلقا و هذا لا ينافي مع اعتبار أضيق من هذا الحدّ للأشخاص مخصوصة، و هم القادرون و العالمون بجهة الكعبة أو عينها، فالروايتان على هذا ليستا إلا في مقام كون ما بين المشرق و المغرب قبلة في الجملة، فلا إطلاق لهما تشملان لكل من المكلفين، و هذا الاحتمال و إن كان ضعيفا بالنسبة إلى الاحتمال الأوّل إذا كنا و هاتين الروايتين فقط، و لكن يأتي بعد ذلك بعض روايات آخر شاهد على الاحتمال الثاني.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 140

[في ذكر الرواية الثالثة و الرابعة]

الرواية الثالثة: ما رواها عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال: إن كان متوجّها في ما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه الى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصّلاة ثمّ يحوّل وجهه الى القبلة ثمّ يفتتح الصّلاة.) «1»

الرواية الرابعة: ما رواها حسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليه السّلام: (أنه كان يقول: من صلّى على غير القبلة، و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة

عليه إذا كان في ما بين المشرق و المغرب.) «2»

و يستفاد من هاتين الروايتين كون قبلة مجعولة أضيق دائرة ممّا بين المشرق و المغرب و المأمور به التوجّه إليها أولا، و في الفرض تخيّل الشخص توجّهه إليها و الحال انّه غير متوجه إليها، فعلم بعد ذلك، فقال: إن كان ما بين المشرق و المغرب فلا يضرّ انحرافه عن القبلة الأصلية، لأنّ الظاهر منهما خصوصا الأخيرة هو انّه صلّى على غير القبلة، و هو يرى أنّه على القبلة، فمن المعلوم أن هذه القبلة غير ما بين المشرق و المغرب.

فعلى هذا بعد ضم هاتين الروايتين إلى الأولى و الثانية نفهم عدم إطلاق لهما أيضا، و عدم كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى للمتمكن و العالم بالقبلة الأصليّة الّتي دائرتها اضيق ممّا بين المشرق و المغرب.

و من هنا يظهر أنّ ما احتملنا في الرواية الاولى و الثانية- من كون المراد ممّا بين المشرق و المغرب، هو بين آخر نقطتين الّتي تطلع الشّمس فيها و تغرب عنها،

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 10 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 141

مائلا بطرف نقطة الجنوب من طرف المشرق و المغرب، و هو تقريبا ربع الدائرة من الدور إذا فرض تقسيم الكرة بأربعة، فربع الدائرة الواقعة في طرف نقطة الجنوب أو الشمال هو ما بين المشرق و المغرب- لا يساعد مع الروايتين الاخيرتين، مع ما التزمنا من كون القبلة الجهة للبعيد، لأنّه بعد ما استفاد من الروايتين بأن غير ما بين المشرق و المغرب قبلة اخرى يجب التوجّه بها أولا، و لهذا لو لم يتوجه بها جهلا

اكتفى الشارع بالتوجّه إلى ما بين المشرق و المغرب فلمّا التزمنا بأنّ المراد من قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) ما قلنا من الاحتمال المذكور في الفوق، و هو ربع الدورة تقريبا، فلا بدّ من أن نلتزم بان القبلة الأصلية المأمور بها أولا تكون أضيق من ربع الدورة، فمع التزامنا بالجهة للبعيد، فلازم ذلك التزامنا بأن الجهة أضيق من ربع الدورة، و الحال انّه كما قلنا يكون حدّ الجهة تقريبا ربع الدورة.

فمن هنا نقول: بان ما احتملنا في المراد ممّا بين المشرق و المغرب ليس احتمال يمكن الأخذ به، فلا بدّ من الاخذ بالاحتمال الأول، و هو كون المراد من قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) هو ما بين ما تطلع الشّمس في كل يوم و تغرب الشمس، فكل المواضع الّتي ما بين المشرق و المغرب قبلة، سواء كان اليوم يوم الصيف أو الخريف، فيكون تقريبا نصف الدائرة ما بين المشرق و المغرب، فإن اخذنا بالروايات المذكورة الدالة على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فلا بدّ من الالتزام بكون ما بين نصف الدائرة قبلة، فهذا المقدار أوسع من القبلة المأمور بها أولا و هو الجهة، لأنها ربع الدورة تقريبا فافهم.

و بالجملة بعد اللتيا و اللتي ما اخترنا في المقام هو كون الجهة قبلة للبعيد من باب كون التوجّه بالوجه إلى شطر الشي ء و جانبه هذا و قلنا في مقام المراد من الجهة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 142

بما حاصله يرجع إلى انك لو فرضت المستقبل (بالكسر) اعني: المكلف بالتوجه بالقبلة كمركز دائرة و قطبها، و فرضت دائرة حول هذا القطب و المركز، فهذه الدائرة يتم على أربعة جهات جهة المشرق، وجهة

المغرب، و جهة الجنوب، وجهة الشمال، فهذه الدائرة إذا قسمت على أربعة جهات فكل ربع من هذه الدائرة يحسب جزء لجهة من الجهات الأربعة، فربعها يعدّ جهة المشرق، و ربعها جهة المغرب، و ربعها جهة الجنوب، و ربعها جهة الشمال، فكلما أستقبل الشخص الواقع في مركز الدائرة في أحد من الجهات الأربعة بوجهه فهو مستقبل قهرا لربع هذه الدائرة، لأنّ شطر كل نقطة من هذه الجهات الأربعة ليس إلا الربع من هذه الدائرة الواقعة هذه الجهة في هذا الربع منها.

ثمّ بعد ما بينا لك من كون وضع الوجه و الرأس أيضا كرويّا بحيث إنّه لا يكون الوجه و الجبهة مستويا، بل يكون دوريّا، و لهذا يكون الرأس أيضا قابلا للتقسيم بأربعة أجزاء، و يكون كل جزء بقدر ربع الدائرة، فربع من هذه الدائرة المفروضة هو سمت القدام من الرأس الواقع فيه الوجه، فإذا فرض أن الرأس يكون له طرف القدام و طرف الدبر، و طرف اليمين، و طرف الشمال مثل الكرة المفروضة لها المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال، فربع من هذه الدورة أعنى: الرأس يكون جزء القدام من الرأس الواقع فيه الوجه، و ربع طرف الخلف مقابل الوجه، و ربع منه طرف اليمين، و ربع منه طرف الشمال، فمن يستقبل لشي ء تارة يكون من الأشياء الّتي ليست لها قدام و لا خلف و لا يمين و لا شمال كالشجر مثلا، و تارة يكون من الاشياء الّتي لها هذه الجهات مثل الإنسان، فإن له قدام و خلف و يمين و شمال، فإذا أمر بمثل الإنسان بالاستقبال بقدامه بشي ء فلا بدّ من استقباله بربع المقدم من رأسه أعنى: بوجهه، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 143

هذا الربع جزء القدام لأنّه لا يعدّ جزء اليمين و لا الشمال و لا الخلف.

[في ان المراد من الآية هو وجوب التوجه بشطر الكعبة بالوجه]

إذا عرفت ذلك نقول: ان الظاهر من الآية وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هو وجوب التوجّه بشطر الكعبة بالوجه و معنى الاستقبال بالوجه، ليس إلا جعل الوجه في جانب الكعبة و شطرها و سمتها، و حيث إن الوجه كما عرفت يكون كرويّا بحيث إذا خرج خطان من طرفي الوجه أعنى: الربع المقدم من الوجه يتشكل مثلث إذا يستطيل هذان الخطان و يصلان بالكرة يقعان على طرفي ربع الدائرة المتوجه إليها، فيكون الوجه في قبال ربع الدائرة قهرا، فإذا فرض كون الكعبة في الربع الدائرة الربع الّذي فيه نقطة الجنوب مثلا، أو نقطة اخرى، فإذا استقبل بوجهه إلى هذه الجهة وقع وجهه محاذيا لجانب الكعبة و سمتها بحيث لو خرج خطوط من كل نقطة من وجهه يصل أحد منها إلى الكعبة لا محالة.

فهذا هو السر في كفاية الجهة، فالجهة كافية باعتبار كون المحاذي بالوجه للجهة محاذيا للعين أيضا غاية الأمر لا بتمام وجهه، بل ببعض وجهه، و هذا المقدار من التوجه كاف للبعيد مع ما قلنا من أن التوجّه بتمام الوجه إلى نفس نقطة خاصة مع كون وضع الوجه كرويا غير معقول، لأنّ الخطوط الخارجة من الشي ء الكروي لا يمكن أن يتلاقى كلها إلى هذه النقطة الخاصّة و ان كان يمكن ذلك للقريب لقربه بها، و لو يمكن دعوى عدم امكان التوجّه بتمام أيضا له إذا كان الشخص مثلا في الخطوط الخارجة من الوجه لا يتلاقى كلها الكعبة، نعم القريب المتمكن من الاستقبال بعينها يجب عليه ذلك، لأنّ جانبها و شطرها هو هذا بخلاف البعيد.

فعلى ما قلنا يظهر لك

حدّ السمت، و هو ربع الدورة تقريبا، و وجه كفاية الجهة هو كون الكعبة فيها، فما قلنا من الجهة هو القبلة للبعيد لما قدّمنا وجهه من أوّل كلامنا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 144

إلى هنا فظهر لك بحمد اللّه كفاية الجهة و حدّها و سرّ كفايتها، و الحمد له أولا و آخرا هذا تمام الكلام في ما هو القبلة.

[لو لم يتمكّن من تحصيل العلم بالقبلة فما يكون تكليف المكلّف]
اشارة

الجهة الثانية: وقع الكلام بعد ذلك في أمر آخر، و هو انّه لو تمكن المكلف من تحصيل القبلة بالعلم، أو ببعض العلامات المفيدة للعلم أيضا (لانّه بجعل الجدى في موضع خاص أيضا يحصل القطع بجهة الكعبة و شطرها) فهو، و إن لم يتمكّن من تحصيل العلم بالقبلة فما يكون تكليف المكلف في هذه الصورة؟

[في ذكر روايات الواردة في المقام على طوائف ثلاثة]
اشارة

اعلم أنّ روايات الواردة في المقام على طوائف ثلاثة:

الطائفة الأولى:

ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة.) «1»

و ظاهرها تدلّ على كفاية المظنة إذا لم يعلم أين وجه القبلة، لأنّ المراد بالتحرّي هو الظّن، و هنا كلام آخر و هو أنّه هل يكتفي بالظن في حال عدم العلم ما لم ينكشف الخلاف، فلو كشف الخلاف لم يجز ما فعل على طبق ظنه، أو يجزي ما فعل مطلقا، و لو كشف الخلاف لظاهر قوله (يجزي التحري أبدا).

ما رواها سماعة (قال: سألته عن الصّلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشّمس و لا القمر و لا النجوم. قال: اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك.) «2»

و روى عن سماعة ببعض طرق آخر باختلاف يسير في متن الحديث (و ليست الرواية مضمرة و إن ترى انّه نقل عن سماعة (قال: سألته) و لم يذكر ممّن سأله، سماعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 6 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 6 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 145

يروي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، و له كتاب فذكر في اوّل كتابه سألت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ قال في صدر كل رواية و سألته و سألته و هكذا إلى آخر كتابه، ثمّ بعدا نقل عن كتابه كل رواية مجز عن الآخر فصار التقطيع سببا لتوهم كون الرواية مضمرة، فالرواية مسندة و منتهى سندها إلى أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام).

و هذه الرواية تدلّ على كفاية الظن و العمل بالاجتهاد في القبلة مع عدم التمكّن من تحصيل القبلة بالعلم أو بالعلامات.

[في ذكر الطائفة الثانية و الثالثة]

الطائفة الثانية: ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن

أبي جعفر عليه السّلام (ثمّ إنّه قال: يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم اين وجه القبلة). «1»

ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قبلة المتحير، فقال: يصلّي حيث يشاء) «2».

و الظاهر من الروايتين هو جواز توجّه المصلّي إلى أي جهة شاء إذا كان متحيرا في القبلة و لم يعلم بوجهها.

الطائفة الثالثة: ما رواها محمد بن علي بن الحسين عليهم السّلام قال: روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة انّه يصلّي إلى أربعة جوانب) «3».

ما رواها محمد بن يعقوب (قال: و روي أيضا انّه يصلّي إلى أربع جوانب) «4».

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- اقول: و يحتمل كونهما رواية واحدة لأنّ الأولى رواها زرارة و محمد بن مسلم فيمكن ان نقلها تارة زرارة بنفسه./ الرواية 3 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 146

و هاتان الروايتان نقلهما الصّدوق رحمه اللّه و الكليني رحمه اللّه مرسلة، و يمكن وصول رواية إليهما و لهذا نقلا كذلك، و يمكن أن تكون هذه الرواية الّتي نقلا روايته تكون هذه الرواية نذكرها الآن، و هي ما رواها خراش (بالراء أو بالدال على اختلاف الضبط) عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت: جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا اطبقت علينا أو اظلمت فلم نعرف السّماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه) «1».

فهذه الرواية تدلّ على أن السائل قال: إن المخالفين

يقولون بنا بأنكم تعملون بالاجتهاد مثلنا في مورد القبلة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه.

[ظاهر كل هذه الطوائف معارض مع الاخر]

إذا عرفت ان في المقام طوائف ثلاثة من الروايات، فنقول: ظاهر كل طائفة من هذه الطوائف معارض مع الأخرى، فأنّ مقتضى الطائفة الأولى هو وجوب العمل بالظن مع فقد ما يوجب تحصيل العلم، و لو كان العلم حاصلا من جعل علامة لان ذلك يوجب العلم بالجهة، فعلى هذا تدلّ هذه الطائفة على العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد عن جهة الكعبة، لأنّ ظاهر التحرّي كما نرى في موارد استعماله هو تحصيل الظنّ.

و مقتضي الطائفة الثانية هو ان المتحيّر في القبلة يصلّي حيث يشاء، و إطلاقه يشمل ما إذا كان المتحير في القبلة الواقعية ظانا بالظنّ الغير المعتبر على كون القبلة في جهة من الجهات الأربعة، فبينهما التعارض و كذلك مع الطائفة الثالثة، لأنّ مقتضى

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 147

الطائفة الثالثة هو الصّلاة إلى أربع جوانب على من لم يتمكّن من أن يعرف القبلة، سواء كان ظانّا بجهة على أن القبلة فيها أوّلا، و معارضة مع الطائفة الثانية لأنّها دلّت على الصّلاة بايّ جهة شاء، و هذه الطائفة تدلّ على الصّلاة على أربع جوانب، فبينهما تعارض أيضا.

إذا فهمت ذلك نقول: بأنّه يمكن رفع التعارض بين الطائفة الأولى و بين الثانية أوّلا فبان لفظ المتحيّر الوارد في الطائفة الثانية (يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة) لا يشمل الظان لأنّ الظان لم يكن متحيرا، فيمكن دعوى عدم شمول المتحير للظان أصلا، فلا إطلاق له يشمل الظانّ.

و ثانيا أنّه بعد عدم

إمكان تحصيل العلم إذا أمكن الظن، فهو مقدم و يكون بناء العقلاء على الاخذ به، و لهذا قالوا في الانسداد بأنّه بعد عدم إمكان الاحتياط أو عدم وجوبه يتنزل بالظن، فلا وجه لمن يكون ظانّا بالقبلة و امكان موافقة الظنّية بأن يرفع اليد عنها و يكتفي بالموافقة الاحتمالية و يصلّي حيث يشاء. «1»

و ثالثا على فرض شمول المتحير للظان أيضا، و عدم الالتزام بما قلنا ثانيا فنقول: بأنّ النسبة بين الطائفة الأولى و الثانية تكون العموم و الخصوص المطلق، لأنّ الطائفة الأولى أخص من الثانية، لكون موردها خصوص الظانّ، و الثانية أعم لأنها تشمل الظان و غير الظان، مثل من يكون شاكا في جهة القبلة، فعلى هذا لا بدّ من تقديم الخاص على العام، لكون ذلك جمعا عرفيّا، فيجمع بينهما بتقييد الطائفة الثانية أو تخصيصها بالاولى، فنتيجة الجمع بينهما هو انّه مع امكان الاجتهاد و تحصيل

______________________________

(1)- أقول: و لكن ليس هذا إلا دعوى الانسداد في المورد و لزوم الاخذ بالظن المطلق، و كيف يمكن الالتزام به لمن لم يلتزم به في غير المورد. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 148

الظن يجب تحصيله و العمل به، و مع عدمه يصلّي حيث يشاء، فبهذا يجمع بين الطائفة الأولى و الثانية.

و امّا تعارض الطائفتين مع الطائفة الثالثة، فنقول: أما التعارض بين الأولى و الثالثة فكما قلنا كان من باب أن مقتضى الطائفة الأولى هو الاخذ بالظن و الصّلاة على الجهة الّتي يظنّ كون القبلة فيها، و مقتضى الثالثة هو وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب لمن لم يعرف القبلة و لو كان ظانّا، حتّى أن في رواية خراش فرض أنّه لا يجوز الاجتهاد، و لا بدّ من الصّلاة بأربع

جوانب.

فنقول في مقام رفع التعارض بينهما: بان الكلام تارة يقع في الطائفة الأولى مع ما روى الكليني رحمه اللّه و الصدوق رحمه اللّه من الطائفة الثالثة: بأنّه يصلّي إلى أربع جوانب.

و تارة يقع الكلام في التعارض بين الطائفة الأولى و بين رواية خراش من الطائفة الثالثة.

أما الكلام في الأوّل فنقول: تارة نقول: بأنهما مرسلتان لأنّ الكليني رحمه اللّه و كذا الصدوق رحمه اللّه قالا (و روى) و لم يبينا ممّن روى، فعلى هذا بصرف نقلها مرسلة ليس لنا الحكم بحجيتهما، و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه: بأن الصّدوق رحمه اللّه- على ما قال في أول كتابه- لا ينقل إلا رواية تكون حجة عنده أيضا لا يفيد لنا، إذ ربما تكون الرواية حجة عنده، و لكن لو وصل بايدينا لم نر فيها مقتضى الحجية، فمع إرسالهما لا يمكن التعويل عليهما، إذ ربما لو وصل بايدينا سندها ما كان السند معتبرا عندنا.

و تارة نقول- كما هو الحقّ- بأنّهما و ان كانتا مرسلتين، و لكنّ المشهور، عمل بهما فيجبر ضعف سند المرسلتين بعمل المشهور فعلى هذا تكون المرسلتين حجّة، فإذا كان كذلك نقول: أما مرسلة الكليني رحمه اللّه فهو كما يظهر من نقله وارد في المتحير، لأنه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 149

بعد ما روى عن زرارة بسنده قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قبلة المتحير فقال يصلّي حيث يشاء) فبعد ذلك قال الكليني رحمه اللّه: و روى أيضا انّه يصلّي إلى أربع جوانب) و من الواضح انّه يقول (و روى أيضا أنّه) يعني المتحير يصلّي إلى أربع جوانب، فنقول في مقام الجمع بينها و بين الطائفة الأولى الدالة على العمل بالاجتهاد و الظن، ما قلنا

في مقام الجمع بين الطائفة الأولى و الثانية من أولا و ثانيا و ثالثا.

و أمّا مرسلة الصّدوق رحمه اللّه فنقول- مع امكان دعوى انصرافها عن الصورة يتمكّن الشخص من تحصيل الظن، لأنّ المفروض فيها كما يظهر من متن المرسلة (محمد بن علي بن الحسين قال: روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة انّه يصلّي إلى أربعة جوانب) الصورة الّتي لا يتمكن الشخص من الاجتهاد لأنّه في مفازة، و الغالب عدم امكانه في ذلك الموضع من تحصيل ظن اجتهادي على جهة الكعبة، فلهذا صورة التمكن من الظن خارج عن فرض المرسلة- بأنّه على فرض اطلاق لها فأيضا يقيد إطلاقها بالطائفة الأولى، لأنها خاص و هذه المرسلة عام، لأنّها وردت في خصوص المتمكن من تحصيل الظن، و هذه عام تشمل الظن و الشك، فيحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، فتكون النتيجة هي وجوب تحصيل الظن و العمل به أوّلا، ثمّ لو لم يتمكن فالصّلاة إلى أربعة جوانب.

و امّا الكلام في رواية خداش (أو خراش) فالتعارض بينها و بين الطائفة الأولى الدالة على إجزاء التحري و الاجتهاد الظني يكون بالتباين، لأنّ رواية خراش نص في عدم جواز الاخذ بالاجتهاد، و وجوب الصّلاة إلى أربعة جوانب، و لكن بعد كون نفس خراش و من يروي عن الخراش من المجاهيل، و لم يعين خراش ممّن يروي لأنّ الطريق هكذا- عن خراش عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 150

و مضافا إلى عدم عامل بهذه الرواية من الاصحاب، فلا يمكن التعويل عليها في مقابل ما ورد من إجزاء التحري إذا لم يعلم اين وجه القبلة، هذا كله حال التعارض و الجمع بين الطائفة الأولى

و الثالثة.

و امّا الكلام في التعارض بين الطائفة الثانية و بين الثالثة، فنقول: مقتضى الطائفة الثانية الصّلاة إلى أي طرف شاء إذا كان الشخص متحيرا و لا يعلم بجهة القبلة، و مقتضى الطائفة الثالثة هو وجوب الصّلاة إلى أربع جهات لمن لا يعلم، فيقع بينهما التعارض.

فنقول: بان رواية خراش حيث لا يمكن العمل بها في موردها، و هو مورد التمكن من الاجتهاد الظنّي، و كون سندها ضعيفة، فغير قابلة لأنّ يعوّل عليها إن كان المستند في الصّلاة بأربع جوانب هذه الرواية فقط، و لكن بعد كون مرسلة الكليني رحمه اللّه و مرسلة الصّدوق رحمه اللّه دالّتان على الصّلاة بأربع جوانب لمن لا يهتدي وجه القبلة، و كون ضعف سندهما منجبرا بعمل المشهور بمضمونهما، و كونهما موافقين للاحتياط، فلا بد من العمل بهما و الصّلاة إلى أربع جوانب، و الروايتان الدالتان على جواز الصّلاة للمتحير حيث يشاء- أعنى: الطائفة الثانية من الروايات- و ان كان ظاهر هما الصّلاة إلى أي طرف شاء، و لكن مع كون مضمونهما مخالفا للاحتياط، و كون ظاهرهما الغاء شرطية القبلة من رأس، لأنّ لسانهما إتيان الصّلاة حيث يشاء، لا يمكن العمل بهما في قبال المرسلتين المنجبرتين بعمل الاصحاب، و كونهما على وفق الاحتياط، حتّى لو وصل التعارض بينهما بمقام لا يمكن ترجيح المرسلتين عليهما، و أغمضنا عن كون الترجيح لهما لكونهما موافقتين للمشهور، و بلغ أمر تعارضها إلى التساقط فأيضا مقتضى القاعدة هو الاخذ بمضمون المرسلتين، لكونهما موافقتين

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 151

للاحتياط، لأنّ مقتضى الادلة الاولية الدالة على اعتبار شرطية، القبلة هو الاحتياط في تحصيل الشرط لا إسقاط الشرط من رأسه، و يحصل الاحتياط بإتيان الصّلاة إلى أربع جوانب،

لأنّه بعد ما بينا في المراد بجهة القبلة بأن جهتها تكون تقريبا ربع الدائرة من المحيط الّذي فرض كون الشخص مركزها، فمن يعلم كون الكعبة في أي ربع من الدائرة- مثلا يكون الشخص في نقطة الشمال، و يعلم كون الكعبة في نقطة من ربع الدائرة من نقطة الجنوب- فيتوجه نحوها، و امّا من لا يعلم كون الكعبة في أي ربع من هذه الأربعة، فلا بدّ من أن يصلّي إلى أربع جهات حتّى يعلم بذلك أنّه يحصل الشرط، و توجّه نحو الكعبة و شطرها و جهتها، فعلى هذا يكون من صلّى بأربع جهات فقد تيقن ببراءة ذمته و إتيان صلاته واجدة لشرط القبلة.

[الصّلاة الى اربع جوانب يؤيد ان القبلة الجهة]

و من هنا يظهر أن ما قلنا في وجه الامر بالصّلاة الى أربع جوانب يؤيد ما قلنا في مقام بيان المراد من الجهة الّتي قبلة للبعيد يكون كلاما تماما بناء على عدم كون هذا الحكم حكما تعبّديا صرفا، كما أنّه لا يبعد عدم كونها حكما تعبديّا صرفا، بل ليس الحكم بالصّلاة إلى أربع جوانب بحسب ما يفهم العرف إلّا من باب كون هذا العمل مؤديا إلى العمل بالشرط، و وقوع الصّلاة متوجّها إلى جهة الكعبة، لأنّه بعد تقسيم الدائرة على أربعة أجزاء و بعد كون الجهة في أحد من هذه الأجزاء الأربعة من الدائرة ببيان المتقدم في تحديد الجهة، فإذا فرض عدم تمكّن الشخص من تحصيل الربع الّذي هو جهة الكعبة من هذه الأربعة، فإذا صلّى متوجّها إلى كل ربع من هذه الدورة صلاة، فقد علم ببراءة ذمته، و تحصيل الشرط و إتيانها بصلوة واجدة لشرط القبلة.

و حكم الشارع بالصّلاة بأربع جوانب يكون من هذا الباب، لا أن يكون

تبيان الصلاة، ج 3، ص:

152

إعمال تعبّد من الشارع في الفرض، كما أنّه ما قلنا سابقا من أنّ ما دلّ على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبله يؤيدنا بناء على عدم حمله على ما يأتي بنظر العرف ممّا بين المشرق و المغرب، و هو كل موضع تطلع في كل يوم من أحد طرفيه الشّمس و تغرب من طرفه الآخر، بل على ما احتملنا من كون ما بينهما هو الموضع الّذي لا تطلع فيه الشمس و لا تغرب فيه في أحد من الفصول، و يكون بينهما، و تقريبا بقدر ربع الدائرة، فإذا تمكن من تحصيل المشرق و المغرب و تحصيل العلم بالربع الّذي جهة الكعبة فيه فهو، فإذا كان في نقطة الجنوب يتوجّه بنقطة الشمال و بالعكس، و كذلك إذا كان في نقطة المشرق بالمغرب و بالعكس، و في الرواية و ان ورد (ما بين المشرق و المغرب قبلة) لكن يفهم منه أن ما بين الشمال و الجنوب قبلة بهذا المنوال.

[مع التمكّن من الصّلاة الى الجهة لا يجب عليه الصّلاة الى اربع جوانب]

فعلى كل حال مع التمكن من ذلك لا يجب عليه الصّلاة بأربع جوانب بناء على ما احتملنا، لأنّه يتمكّن من تحصيل الجهة و هي الربع من الدورة و هو ما بين المشرق و المغرب، و لو لم يتمكن فيجب عليه الصّلاة إلى أربع جوانب. «1»

ثمّ على ما قلنا من كون الصّلاة إلى أربع جوانب حكما موافقا للاحتياط و لا يبعد عدم إعمال تعبد من الشارع فيه، بل ليس منشأه إلا ما يفهم العرف من أنّه إذا فرض عدم إمكان تحصيل الربع من الدائرة الّتي هي جهة الكعبة، فلا بدّ خروجا لعهدة التكليف من الصّلاة إلى جهات أربعة، يظهر لك بأنّه لا حاجة إلى ما ذكره «2» صاحب الجواهر

رحمه اللّه و أتعب نفسه من الاشكال و ردّه، فقال رحمه اللّه بعد ما قال في طي

______________________________

(1)- أقول: و قد مضى الاشكال في عدم امكان الالتزام بما احتمله مدّ ظلّه في المراد ممّا بين المشرق و المغرب حتّى يكون المجال لما أفاد هنا. (المقرر)

(2)- جواهر، ص 410، ج 7.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 153

كلماته (بانّ مقتضى العلم الاجمالي هو الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى لو لم يكن الدليل على العمل بالظن، نقول على الاحتياط بمجرد عدم إمكان تحصيل العلم التفصيلي ثمّ قال: و المناقشة بأنّ الأربع غير محصّلة لليقين بالجهة، ضرورة تعدد المحتملات فيها، و عدم انحصارها فتسقط، كما في كل مقدّمة غير محصورة يستلزم الإتيان بها العسر و الحرج المنفيين بالآية و الرواية، و بأنّه متّى سقط بعض أفراد مقدمة اليقين سقط الجميع، لأنّها إنّما وجبت تحصّلا لليقين بالمكلّف به، فوجوب الأربع حينئذ إن كان فهو ليس إلا من الدليل لا القاعدة المزبورة، يدفعها أن ظاهر الخبر المزبور أو صريحه كالفتاوى كون الأربع تحصيلا لليقين و إلّا كان الأمر أسوأ حالا من العامّة المكتفين بالصّلاة إلى جهة من الجهات بلا مقتض لتخصيصها، و هذا هو الاجتهاد المنكر عليهم، فلا بدّ حينئذ من إرادة تحصيل اليقين بما بين المشرق و المغرب.

ثمّ قال بعد اسطر و من ذلك يعلم سقوط المناقشة المزبورة بعد الاغضاء عن الثانية منها لما ستعرفه إن شاء اللّه، كالمناقشة بأنّه لو كان ذلك مقدمة لليقين المذكور لاجتزى بالثلاث، ضرورة حصول جهة ما بين المشرق و المغرب بالصّلاة إلى ثلاث جهات على وجه يقسم فيه الفضاء مثلثا، فإنه يقطع بعدم خروجها عن الخطوط الثلاثة كما هو واضح، إذ يدفعها أيضا احتمال أن

ذلك جار مجرى ما في أذهان غالب الناس من الجهات الأربع الخ.

فإنّه على ما قلنا فهمت بأن ذلك- أعنى: الصّلاة إلى أربع جوانب- موافق للاحتياط، و لا يمكن الاحتياط بأقلّ من ذلك، لما قلنا من كون الجهة الربع من الدائرة، فلا بدّ من الصّلاة بأربع جهات حتّى وقعت صلاة منها على جهة الكعبة، فلا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 154

حاجة إلى إطناب الكلام بما أطنب مع ما يكون فيه مجال من الاشكال لو لم نقل بما قلنا ثمّ إنه بعد كون الصّلاة بأربع جوانب من باب الاحتياط لحصول الاحتياط بها و عدم إعمال تعبّد فيها من الشارع، بل هو ارشاد إلى ما يحكم به العقل في مقام براءة الذمّة من التكليف مع جهله بالجهة.

[مع امكان تحصيل الظن يجوز الصّلاة الى اربع جوانب]

فنقول: هل يجزي هذا النحو من الامتثال- أي إتيان الصّلاة بأربع جوانب- حتى مع التمكن من تحصيل الظن، أو لا يصح هذا النحو من الامتثال؟

أعلم أنّه بعد الاكتفاء بالامتثال الإجمالي في مقابل الامتثال الظنّي فيصحّ الصّلاة إلى أربع جوانب و ترك التحري و تحصيل الظن، لأنّ ما يستفاد من الروايتين الدالتين على العمل بالظن الاجتهادي يستفاد منه الاجزاء و الاكتفاء به، لأنّ الرواية الأولى تدلّ على صرف الاجزاء لأنه قال (يجزي التحري) و الرواية الثانية و إن كانت بصورة الأمر، لأنه قال (اجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك) و لكن بعد عدم كون موضوعية لنفس الاجتهاد، لعدم كون وجوب نفسى للاجتهاد، بل الغرض تحصيل الظن بما هو الشرط للصّلاة- أعنى: القبلة- فلا يستفاد منهما إلا العمل بالظن و إجزائه، لا وجوب العمل به بحيث لا يجوز الاحتياط في هذا الحال خصوصا بقرينة الرواية الأخرى لقوله (يجزي التحرّي) فافهم.

ثمّ إنّه كما بينا

سابقا ما يمكن أن يقال في أصل المسألة هو ما قلنا من وجوب التوجه بالوجه إلى جهة الكعبة، و بيّنا ما هو المراد من الجهة، و لم نجد وجها معقولا غير ما قلنا من كفاية الجهة للبعيد، لأنّ ما قيل من كون القبلة عين الكعبة للقريب و البعيد إما بدعوى أن الشي ء كلما ازداد بعدا جهة محاذاته أزداد سعة، و الشاهد حكم العرف بذلك، و أنّه يرى العرف صفّا مستطيلا مقابلا لشي ء و متوجّها إليه إذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 155

كان الفصل بينهما كثيرا، و لو أنّه إذا رسم خطوط من هذا الصف إليه لم يصل كلّها به، و لا إشكال في أن الاستقبال إلى الكعبة كذلك- أعنى: ليس المأمور به إلا استقبالا عرفيا- لعدم تعيين وضع آخر من الشرع على خلاف حكم العرف، فيكفي استقبال العرفي.

أو بدعوى أن الشرط هو التوجّه إلى عين الكعبة فالقريب المتمكن يمكن له العلم بكون توجهه إلى العين، و البعيد و إن كان يجب عليه التوجّه بالعين و لكن بعد عدم تمكنه من تحصيل العلم، فيجب التوجّه نحو عين الكعبة بأحد أمارات ظنية، فيختلف تكليف القريب و البعيد في الحكم الظاهري، فالاول يجب عليه العلم، و الثاني يجب عليه العمل بغير العلم ممّا يكون حجة له، لا يمكن الالتزام به.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت ما قلنا من أن المتحير المتمكن من إتيان الصّلاة بأربع جوانب يجب عليه ذلك، فنقول فيمن لا يتمكن من إتيان الصّلاة بأربع جوانب لضيق الوقت، بل لا يتمكن إلا من الصّلاة بجانب واحد: إنه يجب عليه الصّلاة إلى جانب واحد، أما أولا فلأنّ مورد رواية زرارة و محمد بن مسلم و رواية اخرى من

زرارة مثل هذا المورد، لأنّه بعد ما قلنا في مقام رفع التعارض بين الأخبار بأنّه مع التمكن من الظن الاجتهادي يكون هو مقدما، ثمّ بعده تصل النوبة إلى الاحتياط و الصّلاة على أربع جوانب، ثمّ بعد ذلك يصلّي الى متى شاء، فلا بدّ له من إتيان الصّلاة بجهة واحدة يكون متمكنا منها، و ثانيا لأنّ بذلك تحصل موافقة الاحتمالية للتكليف.

[من لا يتمكن من الصّلاة الى اربع جوانب لضيق الوقت يكفى الصّلاة الى جانب واحد]

ثمّ إنّه إذا لم يتمكّن من الصّلاة بأربع جوانب لضيق الوقت و لكن يتمكّن من الصّلاة ببعض الجوانب أزيد من جانب واحد، مثلا بجانبين أو بجوانب ثلاث لبقاء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 156

الوقت بهذا المقدار، فهل يجب إتيان الصّلاة بكل جانب يكون متمكنا، أو لا يجب ذلك بل يكتفي الصّلاة بجانب واحد في هذه الصورة.

[قد يقال بانّ الواجب صلاة واحدة مع سعة الوقت الى جانبين او ازيد]
اشارة

قد يقال: بعدم وجوب الصّلاة إلّا بجانب واحد و لو كان الوقت باقيا بقدر أن يصلّي بجانبين أو جوانب ثلاثة لأنّ الرواية الدالة على الصّلاة على أربع جوانب إن كان فيها إعمال تعبد فهي تدلّ على الصّلاة إلى أربع جوانب، و إذا لم يتمكن لضيق الوقت منها فلا دلالة لها على الصّلاة إلى جوانب ثلاثة، و يشمل المورد رواية زرارة و محمد بن مسلم بأنّه (يصلّي متّى شاء) و إن لم يكن فيها إعمال تعبد، بل كان الحكم فيها موافقا لما يحكم به العقل من الاحتياط، لأنّ الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية، فموردها لا بدّ و أن يكون موردا يكون التكليف بحيث تحصل بها موافقة أمر المولى بالاحتياط.

و بعبارة اخرى يكون مورد حكم العقل بالاحتياط ما إذا كان تكليف المولى منجزا على كل تقدير بحيث إذا كان في كل طرف من الاطراف- و في الفرض في كل جانب من الجوانب- يكون منجزا و يحكم العقل بأنّه إن كان هنا يصح العقاب و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا حكم للعقل بوجوب الاحتياط، و المقام يكون كذلك، لأنّه إن كانت القبلة في الجهة الّتي لا يتوجّه إليها لضيق الوقت غير الجهات الثلاثة أو الجهتين يمكن له التوجّه بها، فليس تكليف المولى منجزا لعدم قدرة العبد على إطاعته مثل ما

إذا خرج أحد أطراف المعلوم بالاجمال عن محل الابتلاء، فعلى هذا لا حكم للعقل بوجوب الاحتياط، فلا يجب عليه إلا الصّلاة بجانب واحد.

و لكن مع ما بيّنا في الأصول من أن العقل كما يحكم تارة بموافقة القطعية للتكليف، و لازمه حفظ التكليف و رعايته، بحيث إنه لو كان المكلف به في كل طرف

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 157

من الأطراف أطاعه و لم يخالفه.

كذلك تارة يقتضي صرف موافقته الاحتمالية في طرف واحد إن لم يبق إلّا طرف واحد، و موافقته في بعض الاطراف المتمكن من حفظه إن كان أزيد من طرف واحد، فلو فرض كون التكيف المحرم المعلوم بالاجمال مرددا بين أربعة اشياء فإن تمكن من رعايته في جميع الأطراف، فيجب حفظ التكليف و الاجتناب من كل الاطراف، و إن لم يتمكن من حفظه إلا في طرف واحد، فيجب موافقته الاحتمالية و الاجتناب من هذا الطرف، و إن أمكن حفظه في ضمن طرفين أو ثلاثة اطراف بحيث كان الممكن له تركها، فيجب الاجتناب عنها و موافقة الاحتمالية بهذا النحو، لأنّ العقل حاكم بحفظ مراد المولى و ما كلف به حتّى الامكان، و يصح احتجاج المولى بالعبد لو ترك ذلك إن صار تركها مصادفا مع ترك التكليف المعلوم بالاجمال، لأن الحاكم في باب الاطاعة و المعصية هو العقل، و هو يحكم بصحة احتجاج المولى و عدمه في كل مورد، و يحكم بصحة احتجاج العبد بالمولى و عدم صحته، و في مثل هذه الموارد يرى صحة احتجاج المولى بالعبد. «1»

______________________________

(1)- إن قلت: إن الميزان في العلم الاجمالي بناء على وجوب موافقة القطعية، هو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن الأطراف من باب مقدمة العلمية، و هذا كما أنتم

معترف، فرع كون المعلوم بالاجمال بين الأطراف منجّزا على كل تقدير، بمعنى انّه إن كان في كل طرف من الأطراف كان منجزا، و هذا لا يفرض ألّا في ما كان جميع الاطراف بهذا النحو، و امّا إذا فرض كون بعض الاطراف بحيث لو فرض كونه هو المعلوم ليس التكليف به منجزا، فلا معنى للاجتناب عن ساير الاطراف، لأنّ المعلوم يحتمل كونه في البعض، الذي لو كان المعلوم هذا البعض لا يكون المعلوم بالاجمال تكليفه منجزا، مثل ما إذا خرج أحد الأطراف عن محل الابتلاء، ففي المقام بعد كون

المكلف غير متمكن من الصّلاة بأربع جوانب، بل متمكن إلى جانبين أو ثلاثة جوانب، فالمكلف و إن كان يعلم بكون القبلة في أحد جوانب الأربعة، و لكن بعد ما يكون المفروض انّه إن كانت الكعبة في الجهة الّتي لا يمكن له التوجّه إليها، و ليس هو مكلف بالتوجه به و إن كانت الكعبة فيها، لعدم تمكّنه من ضيق الوقت، فليس التكليف المعلوم إجمالا منجزا على كل تقدير، لأنه على تقدير كونه في الجهة الرابعة الّتي لا يتمكن من جهة ضيق الوقت من التوجّه نحوها لم يكن التكليف منجزا في حقه، فعلى هذا لم يكن العقل حاكما على لزوم إتيان الصّلاة بجوانب المتمكنة و لو لم يتمكن من جانبه الآخر.

هذا ما أتى بنظري، و قلت له مد ظلّه في مجلس البحث، و قال جوابا نقول: بأن العلم كما يقتضي تارة بحكم العقل لزوم موافقته القطعية، فإن كان المعلوم مجملا بين الأطراف يجب الاحتياط في جميع الاطراف من الاجتناب إن كان التكليف المعلوم بالاجمال تحريميا، كذلك تارة يقتضي بحكم العقل موافقته الاحتمالية بحيث إذا فرض كون المعلوم مشتبها بين أطراف

لا يتمكن من الاجتناب عن جميع الأطراف، و لكن يتمكن من بعضها، فيحكم العقل بالاجتناب عنها و يصح للمولى الاحتجاج على العبد لو ارتكب هذا البعض و صار مصادفا مع ارتكاب المحرم الواقعي، فعلى هذا لو فرض أن الأطراف أربعة و صار الاجتناب من أحدها خارجا عن قدرة المكلف، فيجب عليه بحكم العقل الاجتناب من أطرافه الثلاثة الباقية، و لا يمكن أن يكتفي في مقام موافقة الاحتمالية بالاجتناب عن طرف واحد من هذه الثلاثة و ارتكاب طرفين الآخرين، لانه لو صادف كون المعلوم بالاجمال في هذين الطرفين يكفي عند العقل لحصول مصححية الاحتجاج، و كذلك إذا كان المعلوم بالاجمال طلب فعل و صار مشتبها بين أطراف أربعة مثلا، فكما يحكم العقل بوجوب الإتيان بجميع المحتملات من باب مقدمة العلمية، كذلك فيما لا يتمكن من موافقة، القطعية بما يمكن له من الموافقة فتارة لا يتمكن إلا من الموافقة الاحتمالية بفعل احد الاطراف فقط، و تارة يتمكن من أزيد من ذلك مثل ما إذا لم يتمكن من فعل طرفي المحتملات أو طرف واحد من المحتملات، فالعقل يحكم حفظا للواجب المعلوم في البين الذي يكون التكليف به معلوما فعلا، بإتيان طرفي الآخر أو اطراف ثلاثة حتّى لو صادف كون

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 159

[في ذكر بعض الفروع مربوطة بما نحن فيه]
اشارة

ثمّ إن هنا بعض الفروع ينبغي التعرض له:

[الكلام في الفرع الاوّل]

الفرع الأول: المتحير الّذي لا يتمكّن لأجل ضيق الوقت من الصّلاة إلى أربع جوانب، و لا ثلاثة جوانب، و لا جانبين، و لم يكن مقصرا في ذلك، بل يتمكن من الصّلاة إلى جانب واحد فقط، فيكون تكليفه الصّلاة إلى أيّ جهة شاء لدلالة رواية زرارة و محمد بن مسلم على هذا، بل كما قلنا يكون موردها، فلا إشكال في كون تكليفه ذلك، كما لا إشكال في إجزاء هذه الصّلاة و عدم حاجة إلى القضاء سواء نقول بأن في هذه الصورة تسقط شرطية القبلة، كما لا يبعد كون ظاهر الروية هذا،

______________________________

المعلوم في الاجمال بين احدها لم يكن للمولى على العبد حجة.

و في المقام يكون الأمر كذلك، لأنّه بعد كون الواجب في الصّلاة التوجّه إلى القبلة، و هي شرط فيها، و يعلم المكلف المتحير إجمالا بكون القبلة في أحد من جهاته الأربعة، و على الفرض لا يكون متمكنا لضيق الوقت من الصّلاة إلى كل هذه الجوانب الأربعة لتحصيل الموافقة القطعية، و لكن يتمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب، فيجب بحكم العقل موافقة المعلوم بالاجمال بهذا النحو، لأنه بعد معلومية تكليف المولى و كونه مريدا له، فيجب بحكم العقل حفظ مأمور به المولى مهما أمكن، و هو في المقام يكون بذلك النحو، فلو ترك الصّلاة بجانب منها أو جانبين، و اكتفي بجانبين آخرين أو جانب واحد، و صادف كون مطلوبه في ما ترك العبد، فيصح بحكم العقل احتجاج المولى، و يستحق العبد العقاب على ترك مطلوب المولى بحكم العقل.

اقول: هذا غاية ما يمكن لي أن احرر و أقول في مقام بيان مراده مد ظله العالي، و لكن مع ذلك عندي مورد

الاشكال أوّلا لما قلت في ضمن (إن قلت) المتقدم و ثانيا لأنه بعد عدم كون المورد- أعنى: صورة التمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب- موردا يشمله ما ورد في المرسلتين بالصّلاة على أربعة جوانب، لأنّ موردهما ما إذا كان الشخص متمكنا من الصّلاة على أربع جوانب، و على الفرض لا يتمكن من ذلك لضيق الوقت، فيكون المورد من مصاديق الرواية الدالة على انّه يجزي المتحير الصّلاة إلى أي جهة شاء، لأنه متحير لا يعلم بالقبلة، و لا يتمكن من الصّلاة إلى أربع جوانب، فيكون تكليفه الصّلاة إلى أي جهة شاء فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 160

و سواء نقول بأن شرطية القبلة محفوظة بحالها، غاية الأمر حيث لا يمكن حفظها بنحو اليقين، و لا يمكن موافقتها القطعية، يكفي موافقتها الاحتمالية، لصراحة الرواية على إجزاء الصّلاة بهذه الحالة بأيّ طرف شاء، هذا كلّه فيمن لم يكن مقصرا في تأخير الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت.

[الكلام في الفرع الثاني]
اشارة

الفرع الثاني: لو كان المتحيّر في جهة القبلة مقصرا في تأخير الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت، و لم يتمكن لضيق الوقت إلا من إتيان صلاة بجهة واحدة من الجهات الأربعة- مثلا صار متحيّرا في القبلة في وقت يكون متمكنّا من أن يصلّي بأربع جوانب، لكن أخّر الصّلاة و لم يصلّ أربع صلوات عمدا و عن تقصير صار الوقت مضيّقا، بحيث لا يتمكن فعلا إلا من أن يصلّي صلاة واحدة بجهة واحدة لعدم بقاء الوقت إلّا بهذا المقدار- فلا إشكال في وجوب الاتيان فعلا بالصّلاة الواحدة المتمكنة عنها، لوجوب ذلك بحكم العقل لاجل لزوم موافقة عنده، و لكن الكلام في جهتين:

الجهة الأولى [من الفرع الثاني:]

في إجزاء هذه الصّلاة و الاكتفاء بها بحيث لا يكون الواجب عليه بعد الوقت إتيان صلوات ثلاثة إلى جهات أخر غير جهة الّتي يصلّي نحوها هذه الصّلاة حتى كان مصليا إلى أربع جهات أحدها في الوقت، و ثلاثة منها في خارج الوقت أو يجب عليه قضاء صلوات ثلاثة اخر في خارج الوقت حتّى يعلم بوقوع صلاة منها إلى جهة الكعبة.

الجهة الثانية: [من الفرع الثاني:]
اشارة

بعد فرض إجزاء صلاة واحدة في هذا الحال يقع الكلام في أنّ هذا الشخص هل يكون معاقبا على تأخير الصّلاة حتّى ضاق عليه الوقت لأنّه بتقصيره صار الوقت مضيقا بحيث لم يتمكن من الصّلاة بثلاثة جوانب اخر، لأنّه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 161

كان متمكنّا قبل ضيق الوقت من الإتيان بكل هذه الأربعة، أو لم يكن معاقبا على ذلك.

و اعلم مقدمة بأن فرض كلامنا يكون على وجوب حفظ شرطية الوقت للصّلاة مهما أمكن بحيث يجوز رفع اليد لأجل حفظ هذا الشرط من بعض الشرائط و منها القبلة، لما نرى من تتبّع الموارد أن الشارع ألغى شرطية بعض الشرائط إذا دار الأمر بين حفظ هذه الشرائط، و بين حفظ شرطية الوقت، كما ترى في نفس المورد أعنى: القبلة، فإن الشارع على ما يستفاد من رواية زرارة و محمد بن مسلم أسقط شرطية القبلة أو اكتفي بموافقة الاحتماليّة لحفظ شرطية الوقت حتّى تقع الصّلاة في وقتها، و إلّا فلو فرض عدم الاعتناء بشرطية الوقت لكان اللازم ان يأمر بأربع صلوات للمتحير مطلقا، لأنه متمكن على ذلك إما في الوقت و إما في خارجه، فالكلام يقع في الجهتين المذكورتين مع مفروغية اعتبار شرطية الوقت، و وجوب حفظه حتّى الامكان، و عدم رفع الشارع يده عنه حتّى في هذا

الحال.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى:

أما الكلام في الجهة الأولى: يعني: في إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب قضاء الصّلاة (إما بأن يصلّى بثلاثة جوانب اخر بعد الوقت، و إما بصلوة اخرى إذا فرض علمه بجهة القبلة بعد الوقت) فلا يبعد أن تكون المسألة مبنية على ما اسلفناه في طي كلامنا في الفرع السابق بأنّه إن قلنا بكون القبلة شرطا حتّى في هذا الحال للمتحير الّذي لا يتمكّن من الصّلاة إلى أربع جوانب، و كانت رواية زرارة و محمد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 162

بن مسلم «1» و زرارة «2»- المستفاد منهما بأنّه يصلّي حيث يشاء- ناظرة إلى وجوب موافقة الاحتمالية الّتي يحكم بها العقل، و وجه الحكم بأنّه يصلّي حيث يشاء كان من باب انّه بأيّ جهة يصلّي فقد أدرك جهة واحدة، و بذلك حصلت الموافقة الاحتمالية للتكليف، فيجب عليه إتيان صلاة في الوقت إلى جهة و صلوات ثلاثة إلى جهات ثلاثة اخر حتّى يعلم بأنّه أتى بالتكليف المتعلّق بالصّلاة إلى القبلة.

و إن قلنا بأن شرطية القبلة ساقطة في هذا الحال كما هو المستفاد من ظاهر روايتي زرارة، و محمد بن مسلم و زرارة، لأنّ المستفاد منها أن المتحير يصلّي إلى أي جهة شاء، و هذا التعبير مناسب مع سقوط الشرطية في هذا الحال، فلا بدّ من اكتفاء الشارع بصلوة واحدة في هذا الحال، لأنه بعد عدم شرطية القبلة، و معنى ذلك عدم وجوب التوجّه إليها في هذا الحال، و عدم وجوب كون صلاته واجدا لهذا الشرط، فهذا المكلف يصلّي صلاته إلى جهة و صلاته واجدة للشرائط، و مقتضي القاعدة هو إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب القضاء، لأنه أتى بالمأمور به كما أمر

المولى، و حيث أنّ الظاهر عندنا سقوط شرطية القبلة، فلا اشكال في وجوب إتيان المكلّف في هذا الحال بصلوة واحدة إلى أي جهة شاء، و سقوط القضاء عنه و إجزائها «3».

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- أقول: أولا ما المانع من شمول نفس الروايتين لهذا المورد أعنى: من لم يتمكن إلا من صلاة واحدة، و كان عدم قدرته على أزيد من ذلك لتقصيره، لأنّ الروايتين مطلقتان و تدلان على أن المتحير يصلّي إلى أي جهة شاء إذا لم يتمكن من الصّلاة بأربع جوانب بعد جمعهما مع المرسلتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب، و على الفرض هذا الشخص

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 163

و امّا الكلام في الجهة الثانية: بعد ما أمضينا من إجزاء هذه الصّلاة و عدم وجوب القضاء بالإتيان إلى جوانب اخرى، يقع الكلام في أنّه هل يكون معاقبا على التأخير حتّى صار غير متمكن من الإتيان بكل هذه الجوانب الأربعة، أو لم يكن معاقبا على ذلك؟

اعلم انّه بعد ما أمضينا الكلام مكررا في أن المكلّف إذا دخل عليه وقت الصّلاة توجه إليه التكليف بإتيان الصّلاة، و لا يدعو الأمر الا نحو طبيعة الصّلاة فما هو المأمور به ليس إلا طبيعة الصّلاة، غاية الأمر أنّ هذه الطبيعة لها أفراد مختلفة ففرد، منها الحاضر، و فرد منها المسافر، و فرد منها الصحيح، و فرد منها المريض، و فرد منها المتوضى، و فرد منها المتيمم، و فرد منها من يجب عليه صلاة الكامل المختار، و فرد منها من لا يجب عليه إلا الصّلاة المجعول حال الخوف، و فرد منها

صلاة الغريق، و كل هذه الافراد فرد الطبيعة الصّلاة بحيث لا فرق بينها في المصلحة القائمة بالطبيعة.

فالمريض الّذي يصلّي قاعدا أو مضطجعا يكون واجدا لما يكون الكامل المختار واجدا له من حيث المصلحة الصلاتية، غاية الأمر يكون مكلف فردا لفرد

______________________________

موردهما فعلا.

و ثانيا على فرض منع ذلك و التزامنا بعدم سقوط شرطية القبلة حتّى في هذا الحال فهو يصلّي الى جهة صلاته، و إذا مضى الوقت فهو شاك في أن ما أتى من الصّلاة هل وقعت إلى القبلة حتّى لا يجب القضاء، أو لم تقع إلى القبلة حتّى كان القضاء واجبا، فإن قلنا بان القضاء تابع لصدق الفوت فهو شاك في أنّه هل فات عنه الفريضة أم لا، و استصحاب عدم إتيان الصّلاة لا يكفى في وجوب القضاء، لأنه لا يثبت الفوت، لأنّ ذلك مثبت، و إن قلنا بان الفوت ليس الا عدم الاتيان، فمقتضى عدم إتيانها هو وجوب القضاء. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 164

من هذه الطبيعة، و مكلف آخر فردا لفرد آخر من الطبيعة، فالحاضر يكون موردا لتكليف أربع ركعات، و المسافر لركعتين، و هكذا فإذا دخل الوقت، مثلا زالت الشمس، فعلى المكلف بحكم العقل التخيير في كل جزء من أجزاء الواقع بين الحدين، فله أن يصلّي في أول الوقت، و في وسطه و في آخره.

فالمكلف بعد ما يرى من أن لها أفرادا مختلفة، فلا بدّ من ملاحظة حال نفسه، فإن كان في زمان من هذه الأزمتة الواقعة بين الحدين يريد أن يأتي بصلوة الظهر، فإن كان مسافرا فيصلّي ركعتين، و إن كان حاضرا فيصلّى أربع ركعات، و إن كان صحيحا يصلّي قائما، و إن لم يتمكّن من القيام يصلّي قاعدا، و إن

كان واجد الماء يصلّي مع الوضوء، و إن كان فاقد الماء يصلّي متيمما.

فكذلك إن كان عالما بجهة الكعبة يصلّي نحوها، و إن كان متحيرا و يكون الوقت باقيا بقدر أن يصلّي إلى أربع جوانب، فيصلّي أربع صلوات، و إن لم يكن الوقت باقيا إلّا بمقدار إتيان صلاة فيصلّي حيث يشاء، و في كل هذه أنحاء أدرك مصلحة المكامنة في طبيعة الصّلاة.

إذا عرفت ذلك، ففي ما نحن فيه بعد كون الصّلاة الواقعة في هذا الحال من هذا المكلف فردا للصّلاة واجدة للمصلحة الكامنة في طبيعتها، و ليس الأمر من المولى إلا بإتيان هذه الطبيعة، و ليس الأفراد، المختلفة مجعولة إلا لمن يكون موردا لكل فرد من الافراد بحيث لا يريد المولى من العبد إلّا إتيان كل أحد فردا من هذه الأفراد بشرط كونه موردا لهذا الفرد، و منطبقا عليه، و لم يجب تحصيل مورديّة فرد على العبد، و لا حرم عليه إخراج نفسه عن مورديّة فرد و ادخاله في مورديّة فرد آخر، فلا وجه لكونه مستحقا للعقاب إذا أختار فردا من الطبيعة، و صيّر نفسه مورده،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 165

و أخرج نفسه من مورديّة فرد آخر، فعلى هذا لا مورد للحكم باستحقاق العقاب نحن فيه.

إن قلت: إنّ لطبيعة الصّلاة و إن كانت أفرادا كثيرة، و لكن ليس كل فرد واجدا لما في الفرد الآخر من المصلحة، مثلا لا إشكال في أن الصّلاة مع الطهارة المائية واجدة لمرتبة من المصلحة لم تكن هذه المرتبة في الصّلاة مع الطهارة المائية واجدة لمرتبة من المصلحة لم تكن هذه المرتبة في الصّلاة مع الطهارة الترابية، فعلى هذا لا يجوز تفويت المصلحة بلا عذر و من تقصير، فلا يجوز تفويت

الماء و جعل نفسه غير متمكن من الوضوء عن تقصير، و هكذا في ما نحن فيه تكون الصّلاة إلى أربع جوانب واجدة لمرتبة من المصلحة، و لهذا كانت واجبة، و لم تكن في الصّلاة إلى أي جهة شاء هذه المرتبة من المصلحة، لأنّ بها يحفظ شرطية القبلة حتما، و باتيان صلاة واحدة الى اى جهة شاء في صوره التحير لا يعلم بحفظه الشرط، و بهذه لا يعلم بذلك.

نقول: بأنّ ما يدعوا إليه أمر الصّلاة ليس إلّا إلى ما في هذه الطبيعة من المصلحة الكامنة الّتي صارت سببا لتعلق الأمر بها، و ليس على العبد إلا إطاعة أمر المولى، و إيجاد ما أمر به في الخارج، و عدم إيجاد ما نهى عنه المولى، فعليه اطاعة الأمر و النهي، و في المقام ليس أمر الصّلاة إلا داعيا و باعثا إلى إيجاد طبيعة الصّلاة، فإذا دخل وقت صلاة الظهر مثلا، فهو مخير بتخيير العقلى بين ايقاعها في أي جزء من اجزاء وقتها، فإذا أراد أن يأتي بها المكلف في أحد أبعاض هذا الوقت فينظر أنّه مورد أي فرد من أفراد طبيعة الصّلاة، فإن كان مسافرا يأتي بالطبيعة في ضمن هذا الفرد و إن كان حاضرا فيأتي بها في ضمن الفرد الواجب على الحاضر، و هكذا فالصحيح يصلّي قائما، و المريض يصلّي قاعدا و هكذا، و يمكن له في ضمن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 166

الوقت صيرورة نفسه موردا لفرد و اخراج نفسه من موردية فرد آخر، فالحاضر يسافر، و المسافر يرجع إلى وطنه، فمن له الماء يجوز له تفويت الماء حتّى يكون تكليفه التيمم، و كذلك من يتمكن من الصّلاة إلى أربع جهات لسعة الوقت، فله التأخير إلى

مقدار يصير مورد تكليف إتيانها إلى أي جهة شاء.

[فلا وجه لكون العبد معاقبا]

فعلى هذا بعد إتيان المكلف بطبيعة الصّلاة و عدم كون الواجب عليه حفظ مورديته لفرد، لعدم دليل على عدم جواز أن يجعل الحاضر نفسه مسافر، أو بالعكس، و عدم دليل لعدم جواز جعل واجد الماء، نفسه فاقد الماء و كذلك عدم دليل على عدم جواز المتمكن من الصّلاة إلى أربع جوانب أن يجعل نفسه مضطرا بحيث لا يتمكن إلا من الصّلاة بجانب واحد، فبعد إتيان المكلف بطبيعة الصّلاة، و كون هذا الفرد من الصّلاة واجدا لما في الفرد الآخر من المصلحة الكامنة في طبيعة الصّلاة، و عدم كون الواجب على المكلف إذا صار مورد فرد منها أن يحفظ مورديته له، و لو فرض كون مصلحة زائدة في هذا الفرد باعتبار مشخصات الفردية فلا يجب عليه حفظ هذه المصلحة، و لا يحرم عليه تفويتها لعدم دليل على ذلك، فلا وجه في المقام لاستحقاق العقاب على التأخير و صيرورته غير متمكن من إتيان الصّلاة إلا بجانب واحد لضيق الوقت، لعدم دليل على ذلك.

[فالقول بعدم استحقاق العبد للعقاب قوى]

فالقول بعدم استحقاق العقاب في ما لو تأخر عمدا و عن تقصير، و ترك الصّلاة إلى أربع جوانب حتّى ضاق الوقت بحيث لا يتمكن إلا من صلاة واحدة، قوى في حد ذاته إلّا انّ ما يظهر من تتبع الكلمات هو التزام القدماء باستحقاق العقاب، فمع قطع النظر عن ذلك لا دليل على استحقاق العقاب، هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 167

الفرع الثالث:
اشارة

بعد ما قلنا من كون تكليف المتحير الغير المتمكن من تحصيل العلم أو الظن بالقبلة، هو الصّلاة إلى أربع جوانب، فلو صار المكلّف متحيرا في وقت الظهر و العصر، فيكون الواجب عليه إتيان كل من الصّلاة الظهر و العصر إلى أربع جهات اعنى يجب عليه إتيان ثمانية صلوات، و هذا ممّا لا اشكال فيه.

إنّما الاشكال في انّه هل يجب عليه في هذا الفرض إتيان أربع صلوات للعصر الواجب إتيان كل منها إلى جهة، بعد ما أتى بكل من الصلوات الأربعة الّتي يأتي بها احتياطا بقصد اطاعة أمر صلاة الظهر، فإذا أتى بمحتملات الأربعة للظهر حتّى قطع بأنّه أتى بها إلى القبلة، فيجوز له الشروع في الصلوات الأربعة احتياطا للعصر.

أو يجوز له إتيان كل من الصلوات الأربعة للعصر بعد كل من الصلوات الأربعة للظهر، بأن يشرع في الصّلاة فيأتي بالظهر إلى جهة، ثمّ يأتي بالعصر بعدها إلى هذه الجهة، ثمّ يأتي بظهر آخر إلى جهة اخرى، فيأتي بعصر بعدها إلى هذه الجهة، و هكذا إلى آخرها:

وجه الأول: أنّه بعد اعتبار الترتيب بين الظهر و العصر بمعنى أنّ العصر يشترط أن يكون مترتبا على الظهر، فمهما لم يأت بمحتملات الظهر، أعنى: لم يصلّ الظهر إلى أربع جهات، فإن أتى ببعض محتملات العصر،

فهو لا يعلم بكون عصره واجدا لشرطية الترتيب، لأنّه من المحتمل كون الظهر المأتي بها قبل هذا العصر غير واقع إلى جهة القبلة، فصارت فاسدة، و على تقدير فساد الظهر ليس عصره واقعا بعد الظهر، فيجب عليه أن يأتي بمحتملات العصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر.

و أمّا وجه جواز إتيان كل محتمل من المحتملات الأربعة من العصر بعد إتيان كل واحد من محتملات الظهر، فهو انّه بعد كون الواجب على المكلف الإتيان بأربع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 168

صلوات لكل من الظهر و العصر في الفرض من باب عدم علمه تفصيلا بجهة القبلة، و يكون من باب الاحتياط، و علم الاجمالي بكون القبلة واقعة في أحد من الجهات الأربعة، و اثر الاحتياط ليس إلا ان المكلف يعلم بإتيان جميع المحتملات بأن صلاته صارت واقعة إلى القبلة، و إذا أتى بكل من المحتملات لا يدري كون هذا صلاته، لعدم علمه حال إتيان هذا المحتمل بأنّه واجد لشرط القبلة، فهو لا يدري تفصيلا عند إتيان كل من هذه المحتملات بكونه هو صلاة ظهره، بل يعلم إجمالا أن أحدا منها يصير صلاة ظهره، فليس عند إتيان كل منها جازما في نيته، لأنّه لا يمكن له أن ينويه ظهرا مسلّما، لاحتمال عدم كونها إلى القبلة، فإذا كان كذلك، فإن أتى بكل من محتملات العصر بعد كل من محتملات الظهر- أعنى: أتي بظهر، ثمّ بعصر، بظهر، ثمّ بعصر، ثمّ بظهر، ثمّ بعصر، ثمّ بظهر، ثمّ بعصر- يدري أيضا بأنّه اتى بعصره واقعا واجدا لشرط الترتيب، لأنّ أحدا من هذه الصلوات الآتية بعنوان العصر صارت واقعة بعد الظهر قطعا.

[في ذكر اشكال عدم الترتيب بين الظهر و العصر و الجواب عنه]

إن قلت: إن هذا المكلف متى يأتى بعصر بعد ظهر واحد، لا

يدري بواجديته لشرط الترتيب، لاحتمال كون ظهره إلى غير القبلة حين الإتيان بهذا العصر و امّا إذا اتى بها بعد كل من المحتملات الظهريّة فيعلم تفضيلا بكون صلاة عصره واجده لشرط الترتيب فمع قدرته على تحصيل ذلك تفصيلا لا وجه للاكتفاء بموافقة الاجمالية.

أقول: مع عدم اعتبار الجزم في النية و كفاية هذا النحو من القصد، و كفاية إتيان الظهر و لو لم يعلم حين إتيان المحتملات بأنّها الظهر أم لا، لكفاية علمه بعد إتيان كل من محتملات الظهرية و العصرية بهذا النحو، بأنّه أتى صلاة الظهر إلى القبلة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 169

و أتى بالعصر إلى القبلة واجدة لشرط الترتيب، إن في المقام لا يوجب هذا النحو من الإتيان بالظهر و العصر إجمالا زائدا على الاجمال الحاصل في الظهر على أي حال، لأنّه بعد كون الظهر الواقع إلى القبلة أمره دائر بين المحتملات الأربع بحيث لا يعلم بوقوع صلاة ظهره إلى القبلة إلا بعد إتيان جميع محتملات الظهر، فعلى هذا إن اتى بالعصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر بعد وقوع كل من محتملات العصر في جهتها و إن كان يعلم بوقوع صلاة العصر بعد الظهر، لكن لتردده في جهة القبلة يجب أربع صلوات حتّى كانت أحدها إلى القبلة، فإن أتى باحد محتملات العصر بعد أحد محتملات الظهر و هكذا إلى الآخر، فلا يوجب هذا إجمالا زائدا على ما في الظهر و يكون لا بدّ منه، لأنّ منشأ الإتيان بثمانين صلوات ليس إلا التردد في القبلة، و هذا الاجمال واقع لا محالة، لأنّ الظهر لا بد من إتيانها إلى أربع جهات لأجل إجمال القبلة، فكما انّه يصح لأجل هذا الاجمال الإتيان بأربع صلوات و امتثال

الاجمالي، و عدم اشكال في عدم الجزم في النية، كذلك يصح في العصر امتثال الاجمالي لاجل تحصيل شرطية الاستقبال و الترتيب، و المكلف إذا أتى بهذا النحو فهو يعلم عند إتيان كل عصر يقع منه بعد ظهر بأنّه إن كانت ظهر الواقعة منه إلى هذه الجهة واقعة إلى القبلة فعصره أيضا واقعة إلى القبلة و واقعة مترتبة على الظهر لوقوعها بعد الظهر الصحيح، و إن لم تكن ظهره واقعة إلى القبلة فعصره أيضا لم تقع لفقدها لشرطى الاستقبال و الترتيب، فلا بدّ له من الإتيان بسائر المحتملات كي يقطع بحصول المكلف به مع شرط القبلة و الترتيب.

فعلى هذا الوجه لا إشكال في إتيان كل عصر بعد كل ظهر في الفرض نعم، إتيان تمام محتملات العصر بعد الفراغ عن تمام محتملات الظهر، يكون أحوط، و لكن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 170

لا إشكال في إتيانها بنحو المتقدم.

إن قلت: إنّه بعد ما أتى باحد محتملات الظهر فإذا اتى بأحد محتملات العصر فحيث يكون شاكا في أنّ هذا العصر واجد للترتيب أم لا، لأنه شاك في أن ظهره وقعت إلى القبلة حتّى كانت عصره واجدة للترتيب أم لا، فمقتضى استصحاب عدم إتيان الظهر هو عدم كون العصر واجدة للشرط، لأنّ بالاستصحاب يثبت عدم إتيان الظهر، فبعد عدم إتيان الظهر، و لو بالاستصحاب، يعلم كون عصره غير واجدة لشرط الترتيب، فعلى هذا يعلم بعدم كون عصره صحيحة.

و امّا إن أتى بمحتملات العصر بعد إتيان جميع محتملات الظهر، فهو قاطع حين إتيان كل من المحتملات العصر بأنّها إن كانت عصرا تكون واجدة لشرط الترتيب، و هذا واضح.

نقول: بأنّه ما قلت من الاستصحاب ليس أثره إلا إتيان عصر آخر واجدة للشرط،

و عدم الاكتفاء بهذا العصر المحتمل فقط، و نحن ملتزمون بذلك، و لهذا لا بد من إتيان جميع محتملات العصر على هذا الفرض بعد كل محتمل الظهرية- أعنى: يأتي بظهر، ثمّ عصر، و هكذا- فإذا فرغ من كل المحتملات يعلم بأن ظهره و عصره وقعت إلى القبلة، و يعلم أيضا بأن ما هو عصره وقع واجدا للشرط، كما انّه قبل الإتيان بجميع المحتملات يعلم انّه إذا أتى بهذا النحو فقد أدى صلاة ظهره و عصره و الحال أنهما واجدان للشرائط المعتبرة فيهما، فعلى هذا نقول: إنه يجوز الإتيان في الفرض بالعصر بكلا النحوين المتقدمين و لا يرد اشكال أصلا.

الفرع الرابع:

هل يجوز في ما كان تكليف المكلف إتيان كل من الظهر و العصر أو المغرب و العشاء إلى أربع جهات، أن يصلّي العصر أو العشاء في الجهات

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 171

الأربعة الّتي صلّى الظهر أو المغرب، فيها أو يصح أن يأتي بهما إلى أربع جهات اخر، مثلا لو فرض انّه رسم خطين متقاطعين بحيث يتشكل أربع زوايا قائمة، و كان أحد من الخطوط الأربعة إلى نقطة المشرق، و الآخر إلى نقطة المغرب، و الثالث و الرابع إلى نقطة الجنوب و الشمال، و صلّى الظهر أو المغرب على هذه الجهات الأربعة، فهل يجوز له أن يتوجه حال صلاة العصر أو العشاء إلى نقاط أربعة مخالفة مع النقاط الأربعة المذكورة الّتي صلّى الظهر أو المغرب إليها، أو لا بدّ من إتيان العصر أو العشاء إلى النقاط الأربعة المذكورة لا غيرها.

اعلم أنّ الكلام لا بدّ و أن يكون في موضعين:

الموضع الأول: يقع الكلام في انّه على فرض جواز إتيان كل من المحتملات العصر بعد كل من المحتملات

الظهر، هل يجوز إتيان العصر بعد الظهر في جهة غير الجهة الّتي صلّى الظهر، بأن يصلّي ظهرا إلى جهة، ثمّ بعدها يصلّي عصرا إلى جهة مخالفة للجهة الّتي صلّى الظهر أم لا؟

فنقول: في هذه الصورة بعدم الجواز أعنى: جواز الوضعي أعنى: عدم صحة العصر، لأنّه لو صلّى كذلك فيقطع ببطلان صلاة عصره إجمالا، لأنّ عصره إما فاقدة لشرط الترتيب إن كانت صلاة عصره إلى القبلة، لأنه على هذا يعلم بكون صلاة ظهره واقعة إلى غير جهة القبلة، و إما واقعة إلى غير القبلة، لاحتمال عدم كون الجهة التي صلّى العصر إليها هي القبلة، فعلى هذا لا إشكال في عدم الجواز في هذه الصورة.

الموضع الثاني: فرض الكلام الصورة الّتي أتى المكلف بجميع محتملات الظهر، و أنه بعد إتيان الظهر متيقن بأنّ أحدا منها وقعت إلى القبلة، فهل يجوز أن يأتي بمحتملات العصر إلى نقاط أربعة غير النقاط الأربعة الواقعة إليها الظهر، أو

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 172

لا بدّ من إتيان محتملات العصر إلى الجهات الأربعة الّتي صلّى إليها محتملات الظهر.

فنقول: في هذا المقام بجواز ذلك على ما قلنا في جهة القبلة من انّه إذا قسّم كل دائرة بأربعة اجزاء، فتكون جهة الكعبة في ربع من الدائرة الربع الّذي واقع فيه الكعبة بحيث لو فرض خروج خطوط من مقاديم بدن الإنسان و وجهه ليصل خط من هذه الخطوط إلى الكعبة، ففي كل موضع إذا فرض كون المكلف مركزا و يرسم حوله دائرة يتقاطع هذه الدائرة الكعبة، ففي كل ربع من الدائرة تكون الكعبة واقعة في هذا الربع، يجب على هذا المكلف التوجّه نحو هذا الربع من الدائرة، فعلى هذا لو فرض ان الكعبة في ربع من

الدائرة، ففي كل موضع يكون الإنسان فوجهه واقع إما مستقبل القبلة، أو مستدبرها، أو إلى يمين القبلة، أو إلى يسار القبلة، ففي كل نقطة رسم خطوطا أربعة بحيث يحصل منها زوايا أربعة قائمة، و كان رأس كل خط متوجها إلى نقطة، فلو صلّى متوجها إلى هذه النقاط الأربعة الّتي يتوجه نحوها رأس هذه الخطوط، فهو يعلم بوقوع أحد منها إلى جهة القبلة، فإذا صلّى إلى هذه الجهات الأربعة فقد وقع أحد من صلواته إلى القبلة، فإذا رسم بهذا النحو خطوطا أربعة و صلّى الظهر في كل من هذه الخطوط، فإذا بنى بأن يصلّي العصر إلى نقاط أربعة اخر غير نقاط الأربعة الّتي صلّى الظهر إليها، بأن رسم خطوطا أربعة متقابلة على خلاف نقاط الّتي صلّى الظهر إليها، و صلّى هكذا، فيقع عصره صحيحا واقعة أحدى منها إلى القبلة، لأنّه بعد ما فرضنا من أن في كل موضع يقع الإنسان المصلي، و يفرض مركز دائرة، و يرسم حوله دائرة تتقاطع نقطة منها الكعبة، فإذا صلّى إليها محتملات العصر في غير نقاط الأربعة الّتي صلّى إليها محتملات الظهر، و لكن بعد كون كل من محتملات الظهر و كذا العصر واقعة إلى نقطة من نقاط كل ربع من الدائرة، و تكون الكعبة على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 173

الفرض واقعا في أحد من ربع الدائرة، فتقع واحد من المحتملات الظهر و العصر لا محالة إلى القبلة، و لا نريد من إتيان المحتملات إلّا هذا، فلا فرق بين أن يكون كل نقطة من نقاط الأربعة الّتي صلي العصر إليها موافقا مع كل نقطة من نقاط الأربعة التي توجه إليها حال صلاة الظهر، أو مخالفا لأنّه على كل حال تقع

أحد من محتملات الظهر و أحد من محتملات العصر إلى جهة الكعبة، فعلى مبنانا لا إشكال في ذلك «1».

الفرع الخامس:
اشارة

قال في العروة «2»: من عليه صلاتان كالظهرين مثلا مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من الوقت مقدار ثمان صلوات، بل كان مقدار خمسة أو ستة أو سبعة، فهل يجب إتمام جهات الأولى و صرف بقية الوقت في الثانية، أو يجب إتمام جهات الثانية و إيراد النقص على الأولى؟ الأظهر الوجه الأول، و يحتمل وجه ثالث و هو التخيير.

اعلم انّه بعد فرض وجوب حفظ الوقت، و أهمّيته من القبلة، فيقع الكلام في هذا الفرع.

______________________________

(1)- أقول: و يظهر من بعضهم في مقام جواز إتيان محتملات العصر إلى غير جهات الّتي صلّى محتملات الظهر بأن رواية زرارة و محمد بن مسلم و زرارة تدلّان على أن المتحير يصلّي إلى أربع جهات في هذا الحال، و إطلاقهما يقتضي إتيانها الى كل أربع جهة، فالمصلي للعصر تكليفه ذلك، و بحسب إطلاق هذه الروايتين يجوز له إتيان محتملات العصر إلى أربع نقاط متقابلة سواء كانت موافقة مع نقاط الواقعة فيها محتملات الظهر أم لا.

و لكن بعد عدم إعمال تعبد للروايتين و كونهما موافقتين مع حكم العقل، فلا بدّ من أن تدور مدار حكم العقل، فإن حصل بذلك موافقة القطعية يجوز و الّا فلا، و حيث قلنا بحصول الموافقة بهذا النحو، فيصح إتيان العصر بهذا النحو، فتأمل.

(2)- العروة الوثقى، ص 392، ج 1، مسأله 14.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 174

[في ذكر وجه ورود النقص على الظهر و العصر]

فنقول: إنّ وجه كون ورود النقص على صلاة الظهر و وجوب إتيان العصر إلى أربع جهات هو أن يقال: بأن المستفاد من رواية «1» داود بن فرقد من كون آخر الوقت بمقدار إتيان أربع ركعات مختصا بالعصر، هو أن آخر الوقت بمقدار لا يمكن إتيان العصر بعد

مضيّ هذا المقدار مختص بها، و ليست خصوصية لأربع ركعات، لأنّ وقت أدائها يصير مختلفا، فإذا كان مسافرا فلا يحتاج إلا إلى مقدار وقت يصلّي فيه ركعتين، و إذا كان حاضرا أربع ركعات، و إذا كان متوضئا فبمقدار نفس صلاة العصر من آخر الوقت، و إذا كان غير متوضأ فبمقدار أن يتوضأ و يصلّي العصر، فالميزان كون آخر الوقت بمقدار أداء العصر مختصّا به، و يختلف ذلك الزمان بحسب اختلاف امكان اداء العصر.

فعلى هذا نقول في المقام بانّه بعد عدم امكان اداء العصر و براءة الذمّة منها إلّا باتيان اربع صلوات، فلا بدّ من كون آخر الوقت بمقدار اداء اربع صلوات مختصا بالعصر.

فعلى هذا لا بد من ان يرد النقص بصلوة الظهر بمعنى وقته إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار اداء العصر.

و امّا وجه كون النقص واردا بصلوة العصر و اتيان اربع صلوات للظهر، فهو أن يقال بأنّه بعد ما لا يدلّ رواية داود بن فرقد إلّا على كون آخر الوقت بمقدار اتيان اربع ركعات مختصا بالعصر، و ان قلت بعدم موضوعية لاربع ركعات، لأنّ المسافر الّذي تكليفه ركعتان، فليس آخر الوقت مختصا بالعصر إلا بقدر ركعتين،

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من أبواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 175

و لكن المقدار الممكن هو ان يقال ان الرواية تدلّ على أن آخر الوقت بمقدار يتوقف اتيان العصر في هذا الوقت بحسب ما يعتبر فيه واقعا من الركعات و الاجزاء و الشرائط، فهو مختص بالعصر، و لا يستفاد من الرواية ازيد من ذلك، فالمتحير الذي كان تكليفه بحكم العقل الصّلاة إلى اربع جوانب، فكيف يمكن ان يقال بان آخر الوقت بمقدار ستة عشر

ركعة مختص بالعصر، لدلالة رواية داود على ذلك، فلا يظهر من هذه الرواية كون هذا المقدار من الوقت مختصا بالعصر.

فعلى هذا يكون المكلف في الوقت المشترك، و لا بدّ له من اتيان الظهر أوّلا صحيحا، ثمّ اتيان العصر لترتب العصر عليه، و كون شرط من شرائطه وقوعها بعد الظهر فما لم يأت بالظهر على ما هو عليه، و هو في الفرض ليس إلا باتيان اربع صلوات لا يمكن له اتيان العصر، لعدم حصول شرطه و هو اتيان الظهر الصحيح الجامع لاجزاء و الشرائط، و حيث ان الاظهر وجه الثاني فالمتعين ورود النقص على العصر، فيأتي بجميع محتملات الظهر أولا، ثمّ يأتي بما يمكن له في الوقت من اتيان محتملات العصر، ثمّ ان السيّد رحمه اللّه قال و يحتمل وجه ثالث و هو التخير، و كانه بعد ما قال الاظهر الوجه الأول، و يحتمل وجه ثالث و هو التخير كون هذا الاحتمال مورد الاعتناء أيضا، و لكن الاظهر الوجه الأول، و لم نجد للمتحير وجها وجيها يمكن الاعتناء به، لأنّ الأمر دائر بين الاحتمالين، أما الاستظهار من رواية داود بن فرقد بكون آخر الوقت بمقدار اداء العصر بأي نحو يمكن اتيانه شرعا و عقلا مختصا بالعصر، فلا اشكال في ان النقص لا بد و ان يرد بالظهر، لانّه لا يمكن اداء العصر لمن كان متحيرا إلا بإتيان اربع صلوات، و على الفرض يكون الوقت بهذا المقدار مختصا بالعصر فعلى هذا لا بد من ان يأتي ببعض محتملات الظهر حتّى إذا بقى مقدار اداء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 176

اربع صلوات من الوقت، فإذا بلغ هذا الوقت فقد خرج الظهر، و لا بدّ من صرف الوقت في

صلاة العصر.

[لا يمكن اختصاص آخر الوقت بالعصر]

و ان لم نقل بذلك و قلنا بأن آخر الوقت مختص بالعصر بمقدار امكن للمكلف اتيان العصر بما هو تكليفه بحسب الواقع، و امّا ازيد من ذلك مثل ما نحن فيه الّذي ليس الالزام باتيان اربع صلوات إلا من باب حكم العقل، فلا يمكن اختصاص آخر الوقت بالعصر حتّى فى هذا الفرض، لأنّ رواية داود ليس إلا في مقام بيان ما هو وقت للظهر و العصر المكلف به واقعا اشتراكا و اختصاصا، و بعد ما قلنا بان الاظهر هذا فالنقص يرد على العصر لبقاء وقت المشترك بمقدار اداء محتملات الظهر، و ما لم يأت بالظهر على وجهها لا يمكن له اتيان العصر، لأنّ من شرائط العصر الترتيب اعنى كونها مرتبا على الظهر، فلا بدّ من صرف الوقت أوّلا في الظهر ثمّ في العصر بمقدار يكون باقيا «1».

______________________________

(1)- أقول ثمّ أنّي قلت في مجلس البحث بانّه يمكن بأن يكون وجها للتخيير بان يقال بعد كون الوقت كما افاد مد ظله في غير مقدار اداء اربع ركعات في آخر الوقت مشتركا بين الظهر و العصر بحيث يمكن له اتيانهما في هذا الوقت غاية الأمر يشترط في العصر ان يكون مترتبا على الظهر ففي المقام نقول بان الوقت مشترك بينهما و ليس له لضيق الوقت اتيان كل من محتملات الظهر و العصر فلا يمكن له إلا حفظ شرط القبلة في احد من الظهر و العصر فإذا كان كذلك فيحكم العقل بالتخيير بين حفظ الشرط في الظهر و رفع اليد عن شرط القبلة في العصر و لازمه عدم وجوب الاتيان بتمام اربع صلوات في العصر و بين حفظ الشرط في محتملات العصر و رفع اليد عن شرط

القبلة في الظهر و لازمه جواز الاقتصار بالموافقة الاحتمالية من حيث القبلة في الظهر و امتثال القطعي في العصر بالنسبة إلى شرط القبلة.

ان قلت بعد اعتبار الترتيب بين الظهرين و اشتراط وقوع العصر بعد الظهر فما لم يأت بجميع

محتملات الظهر لا يجوز له الشروع في العصر لفقد شرط و هو الاتيان بالظهر الصحيح فلا بدّ من حفظ الشرط في الظهر و الاتيان بجميع محتملات الظهر ثمّ الاتيان بعد ذلك بما يمكن له من اتيان محتملات العصر فالترتيب مانع من الحكم بالتخيير.

أقول ان فرض كون القبلة شرطا حتّى في هذا المورد في الظهر فصحيح ما قلت من انّه لا يمكن له الشروع في العصر إلا بعد اتيان الظهر بماله من الاجزاء و الشرائط و لكن هذا مصادرة لانا فعلا نبحث في ذلك إذ لا ندري بان شرطية القبلة محفوظة حتّى فى هذا الحال حتّى لا يجوز له الشروع في العصر قبل ذلك فإن كان الشرط معتبرا في الظهر لا يصح عصره إلا بعد اتيان جميع محتملات الظهر و ان كان الشرط معتبرا في العصر فما اتى من بعض محتملات الظهر وقع صحيحا لعدم كون القبلة شرطا في الظهر فيجوز له الشروع و حفظ الشرط في العصر ففي هذا المورد لا ندري بصرف الشرط في أي من الظهر و العصر فيكون مقتضى حكم العقل التخيير في المقام و بهذا يمكن ان يقال ان لاحتمال التخيير وجه ثمّ.

بعد ما قلت ذلك اجرى البحث سيدنا الأستاذ مدّ ظلّه في الجواب عن ذلك و هذا حاصل ما افاده مدّ ظلّه و قال بانّه لو صرفنا النظر عما قلنا في وجه ورود النقص على الظهر من كون الوقت المختص بالعصر بمقدار

يمكن له بحسب حاله أداء العصر و لو مع ما يكون مقدمة لها بحكم العقل فلا اشكال في أن الحق هو وجوب اتيان جميع محتملات الظهر و ورود النقص بالعصر لانه على الفرض يكون الوقت مشتركا بين الظهر و العصر و ما لم يأت بالظهر لا مجال للاتيان بالعصر لانها مشروط بوقوعها بعد الظهر فالحال يكون ظرف اتيان الظهر و هو متمكن من اتيان الصّلاة إلى القبلة فيجب عليه ذلك و على الفرض لا يمكن تحصيل القبلة إلا باتيان اربع صلوات فلا بدّ من اتيانها ثمّ بعد اتيان محتملات الظهر يكون ظرف اتيان العصر فهو ان كان متمكنا من اتيانها في الوقت مع شرط القبلة فعليه ذلك و ان لم يمكن له ذلك لضيق الوقت فيسقط الشرط و يجب عليه اتيان العصر بلا شرط فيجب عليه اتيان ما يمكن له من بعض محتملات العصر أما إلى جهة أو جهتين أو ثلاثة جهات في الفرض من باب وجوب موافقة الاحتمالية في هذه الصورة و قد مرّ وجه لزوم موافقة الاحتمالية بقدر الامكان.

ان قلت انّه بعد دخول الوقت يكون التكليف بالنسبة إلى كل من الظهر و العصر فعليا بحيث يجب تحصيل شرائطهما و مقدماتهما و العصر و ان كان مترتبا على الظهر في الوجود و لكن مع ذلك يكون كالظهر فكما لا يجوز تقويت مقدمات الظهر كذلك لا يجوز تفويت مقدمات العصر و بعبارة اخرى يكون قبل اتيان الظهر كالواجب المعلق فكما لا يجوز تفويت واجب المعلق و يجب تحصيل مقدماته و ليس كالواجب المشروط كذلك لا يجوز تفويت مقدمات العصر و يجب تحصيل مقدماته فكما يجب حفظ شرطية القبلة للظهر كذلك يجب للعصر فعلى هذا و

لو كان العصر مشروطا بكونه مترتبا على الظهر في الوجود و لكن بعد كون القبلة شرطا في كل من الظهر و العصر و بعد كون الظهر و العصر من حيث هذا الشرط على السواء في الوقت اعنى كما يدعوا امر الظهر باتيانه مع الشرط كذلك العصر بحيث لا يجوز للمكلف الغاء هذا الشرط في الظهر في ذاته و كذا في العصر في حدّ ذاته و لهذا لو لم يكن هذا الشرط شرطا في الظهر فلا بدّ له من اتيان العصر مع هذا الشرط و لا يجوز له عمل يوجب عدم تمكنه بعد اتيان الظهر من عدم اتيان العصر مع القبلة ففي المورد بعد ما لا يمكن للمكلف حفظ هذا الشرط في كل من الظهر و العصر و بعد كون كل منهما في عرض واحد بالنسبة إلى هذا الشرط و ان كان احدهما مترتبا على الآخر و بعد عدم كون المكلف قادرا إلا على حفظ شرط القبلة في احدهما فقط لأنّ الوقت لم يسع لازيد من ذلك فله قدرة لا يمكن صرفها إلا في احدها فبعد عدم ترجيح في احدهما على الآخر فيحكم العقل بكون المكلف مخيرا بين ان يأتي الظهر إلى اربع جهات حتّى كان الآتي بها مع القبلة و يرد النقص في العصر و بين عكس ذلك.

اقول انّه و لو فرض كون الأمر كذلك اعنى كان العصر بالنسبة إلى شرط القبلة بعد دخول الوقت مثل الظهر اعنى يكون الواجب عليه فعلا اتيانها مع القبلة و لو لم يأت بعد بالظهر و كان بحيث لا يجب تفويت شرطه في حدّ ذاته و كان نظير واجب المعلق و لكن مع ذلك بعد كون المكلف به أوّلا

الظهر بحيث ان هذا الزمان ظرف اتيانه و بعد ذلك يكون طرف اتيان العصر فعلى هذا يكون في هذا الظرف مأمورا باتيان الظهر و على الفرض يكون قادرا على ان يأتي بها مع الشرط فلا بدّ من اتيانها إلى القبلة فإذا اتى بمحتملات الظهر فيصل ظرف اتيان العصر ففي هذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 179

الفرع السادس:

من لم يتمكن إلا من الصّلاة إلى اربع جهات لضيق الوقت، و لم يصل الظهر و لا العصر، فهل يجب ان يصلّي إلى اربع جهات بقصد الظهر أو بقصد العصر، أو يجب اتيان ثلاثة منها إلى ثلاث جهات بقصد الظهر، و واحدة منها إلى أي جهة شاء بقصد العصر.

اعلم انّه بعد ما قلنا من ان القدر المتيقن من اختصاص آخر الوقت بالعصر

______________________________

الظرف بعد ما يرى عدم تمكنه من الصّلاة إلى اربع جوانب و عدم قدرته على حفظ الشرط فيسقط شرطيته الشرط فعدم صرف القدرة في العصر ليس إلا من باب انّه بعد صرف قدرته في الظهر لم تصل النوبة إلى العصر و لم يبق له زمينة يمكن معها حفظ الشرط و هو و ان كان متمكنا من عدم صرف القدرة في الظهر حتّى يكون متمكنا من صرف القدرة في العصر و لكن بعد كونهما طوليا فالعقل لا يحكم في هذا المورد بالتخيير بل يحكم بتقديم الظهر و اتيانها مع الشرط لتقدم ظرف وجوده على العصر و صرف القدرة في حفظ الشرط للظهر و اتيان جميع محتملاتها و ورود النقص على العصر (خصوصا مع ما افاد سيدنا الأستاذ مد ظله في مطاوي كلماته المتقدمة في الفرع السابق من ان المكلف مأمور بإتيان الطبيعة في ما بين الحدين ففي كل آن

يكون بصدد اتيانها فيرى نفسه بانّها مورد أي فرد من افراد الطبيعة فيأتي بهذا الفرد منها ففي المقام من لم يأت بالظهر و لا يكون متمكنا من اتيان جميع محتملات الظهر و العصر لضيق الوقت و لم نقل بكون ازيد من مقدار اربع ركعات من آخر الوقت مختصا بالعصر ففي هذا الوقت المشترك يكون هذا المكلف بالنسبة إلى الظهر مأمورا باتيان اربع صلات لانه مورد هذا الفرد من الطبيعة و على الفرض يكون قادرا على ذلك و إذا فرغ من الظهر و وصل ظرف اتيان العصر فهو يرى انّه مورد فرد آخر منها أما صلاة واحدة فيصلى حيث يشاء أو صلاتين أو صلوات ثلاث فيجب عليه ذلك لاجل ما قلنا من لزوم موافقة الاحتمالية بهذا النحو هذا حاصل ما افاده مد ظله في هذا المقام و لبعض آخر من الفقهاء رضوان اللّه عليهم في دوران الأمر بين فقط التيام في بعض الاجزاء دون بعض الآخر و انه لا بدّ من صرف القدرة على جزء المقدم أو يكون ضميرا كلمات من أراد فليراجع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 180

هو مقدار اداء اربع ركعات فقط، و يكون باقي الوقت بعد مضى مقدار اربع ركعات من اوّل الزوال مشتركا بين الظهر و العصر، ففي الفرض بعد بقاء الوقت بقدر اتيان اربع صلوات، فكما قلنا في الفرع السابق من وجوب حفظ الشرط من جانب الظهر، لان الآن ظرف اتيانه و هو متمكن من حفظ الشرط، و بعد ما قلنا من وجوب موافقة الاحتمالية بقدر الامكان و انّه لو لم يتمكّن الشخص من اتيان الصّلاة إلى أي جهات، و تحصيل موافقة القطعية، فيجب موافقة الاحتماليّة بهذا النحو، اعنى باتيان الظهر

إلى ثلاث جهات، و بعد اتيانها كذلك فلا يبقى على الفرض إلا مقدار اداء اربع ركعات من الوقت، فيجب اتيان صلاة العصر في هذا الوقت، و حيث لم يدر اين وجه القبلة، فيكون تكليفه اتيان العصر إلى أي جهة شاء لدلالة الرواية على ذلك، فافهم.

الفرع السابع:

من كان تكليفه الصّلاة إلى اربع جهات، فصلّى إلى جهة أو جهتين أو ثلاث جهات، فعلم اجمالا أو تفصيلا بوقوع أحدى منها إلى جهة الكعبة، فلا اشكال في الاكتفاء بذلك و عدم وجوب الاعادة إلى الجهة الّتي كانت إلى الكعبة، لأنّ المطلوب ليس إلا وقوع صلاته إلى القبلة، و قد أتى بمطلوب المولى، و لا يلزم ان يكون عالما حين العمل بكون صلاته إلى القبلة، و لذا يكفي الامتثال الإجمالي و الصّلاة إلى اربع جوانب كي يعلم ان بهذا النحو صلّى إلى القبلة، و في الفرض صلّى إلى القبلة فلا حاجة إلى اعادة الصّلاة ثانيا إلى القبلة، كما لا يجب بعد ذلك اتيان ما بقي من المحتملات، فلا يجب في الفرض مع فرض وقوع صلاته إلى القبلة ان يأتي بثلاث صلوات بعد فرض اتيانه بصلوة إلى جهة، و علمه بعد ذلك بكون صلاته إلى القبلة أو إلى جهتين بعد صلاته إلى جهتين، و علم بكون أحدى منها المعينة أو غير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 181

المعين إلى القبلة أو إلى جهة في ما إذا صلى إلى جهات ثلاث و علم بوقوع احدى منها إلى القبلة، لأنّ الزام المكلف بالصّلاة إلى أربع جهات كان من باب حكم العقل، حتى يعلم بامتثال التكليف المتعلّق بالصّلاة إلى القبلة، و بعد علمه بامتثال التكليف، و وقوع صلاته إلى القبلة، فلا يجب إتيان بقية المحتملات

إلى باقي الجهات الأربع.

و مرسلة الصّدوق و الكليني لا يستفاد منهما أن في المورد كان اعمال تعبّد من الشارع بل ليس مفادهما إلا مفاد حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة، فلا يمكن أن يقال: انّ ظاهرهما هو الصّلاة إلى أربع جوانب، و لو علم في الأثناء بوقوع ما أتى من أربع صلوات إلى القبلة، فافهم.

كما أنّه لو اتى ببعض من المحتملات أعنى: ببعض جهات الأربعة و علم بعدم كونها جهة الكعبة، فيجب اتيان الصّلاة إلى باقي الجهات حتّى يعلم بوقوع صلاته إلى جهة الكعبة، لأنّ الميزان هو حصول الامتثال و لا يحصل الامتثال القطعي إلا بذلك بحكم العقل.

الفرع الثامن:

هل يجب على من يكون متحيرا في ساير الصلوات الواجبة الاتيان إلى أربع جهات، مثلا إذا ظهرت آية موجبة لصلاة الآيات، و كان متحيرا في القبلة، يجب عليه أن يصلّي صلاة الآيات إلى أربع جهات أولا يجب ذلك، بل يسقط عنه التوجّه إلى القبلة في هذا الحال، فيصلّي حيث يشاء.

اعلم انّه بعد اعتبار القبلة في الصلوات الواجبة، فيجب حال التحير حفظ القبلة و امتثال الاجمالي، و هو لا يحصل إلا بالصّلاة إلى أربع جوانب، فيكون حال ساير الصلوات حال صلاة اليومية في هذا الحال.

نعم، قيل بعدم وجوب الصّلاة إلى أربع جوانب في صلاة الميت، و ليس وجهه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 182

إلا أن يقال: بأن الدليل الدال على الصّلاة إلى أربع جوانب ليس له إطلاق يشمل حتى صلاة الميت، و تكون الروايتان الدالتان على ذلك في مقام اعمال التعبد لا ما يحكم العقل من حفظ الأطراف لتحصيل موافقة المعلوم بالاجمال، و يقال بعد ذلك: بأنّه لا يجب موافقة القطعية في العلم الاجمالي، و الّا فلو كان للدليل

إطلاق أو قلنا بوجوب موافقة القطعية في العلم الاجمالي، فلا يتم هذا الكلام.

و بعد ما قلنا من أن مدلول الروايتين ليس إلا الارشاد بما يحكم به العقل، من أنّه بعد وجوب وقوع الصّلاة إلى القبلة، و عدم طريق إلى تحصيل القبلة، فيحكم العقل بوجوب إتيان أربع صلوات إلى أربع جهات، حتّى يعلم بامتثال التكليف الاجمالي، اعنى وجوب الصّلاة إلى القبلة المتردد أمرها بين أربع جوانب، فليس لهذا الكلام أعنى: الاشكال في صلاة الميت وجه، بل يجب مع التحير في جهة القبلة من أربع صلوات بالميت كي يعلم بامتثال التكليف، كما أنّه يكون الأمر كذلك في ساير الصلوات الواجبة.

نعم يمكن ان يقال في خصوص صلاة العيدين، و صلاة الجمعة بانّه مع التحير يجزي اتيان صلاة واحدة إلى أي جهة شاء، لانه بعد كون هذه الصلوات وضعها على اجتماع الناس، و بمقتضى السياسة الدينية و حضور الإمام أو من نصبه الإمام و عظمتها في الخارج، فبحسب وضعها منافية من إتيانها إلى أربع جهات، فلا يبعد الاكتفاء بصلوة واحدة إلى جهة واحدة، و لكن لم نقل بذلك مسلما، و لا نجزم بذلك، بل كان إبداء احتمال في المسألة.

الفرع التاسع:
اشارة

هل يجري ما قلنا في المتحيّر من الاحتياط في اربع جوانب في قضاء الأجزاء المنسية، و سجدتي السهو، بمعنى وجوب إتيانهما في صورة التحير إلى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 183

أربع جهات أم لا يجري؟

فإن قلنا بالاول، فإن نسى التشهّد مثلا، و لم يدر أين وجه القبلة، يجب عليه أربع تشهدات إلى أربع جهات، و إذا حصل له موجب سجود السهو و لم يدر وجه القبلة، يجب عليه تكرار سجود السهو إلى أربع جهات.

و ان قلنا بالثاني، فلا يجب إلا

تشهد واحد أو سجدتي السهو مرة إلى أي جهة شاء.

أعلم أن اعتبار القبلة في الأجزاء المنسية و كذا في سجدتي السهو مسلم، فيجب حالهما التوجّه إلى القبلة، سواء نقول بكون أجزاء المنسية جزء للصّلاة، غاية الأمر محلّها في هذه الصورة بعد الصّلاة، أو قلنا بكونها مثل سجدتي السهو واجبات مستقلة، لأنّ المنساق من أدلتهما اعتبار ما يعتبر في الصّلاة من الشرائط فيهما و منافات منافيات الصّلاة فيهما، إنما الكلام في المقام يكون هنا في جهات:

[في ذكر بعض الجهات في المقام]
اشارة

الجهة الأولى: هل يفرض صورة في الأجزاء المنسية كان الواجب فيها إتيانها إلى أربع جهات أم لا؟

الجهة الثانية: في انّه بعد فرض ذلك، و عدم وجود ما يمنع عن الاتيان بأربع جوانب، هل يجب فيها الاحتياط أم لا يجب ذلك؟

الجهة الثالثة: على تقدير وجوب الاحتياط، هل يجب الاحتياط باتيانها إلى أربع جهات، أو اقل من ذلك؟

الجهة الرابعة: بعد كون الفصل باحد المنافيات مضرّا بينها و بين الصّلاة، فما هو التكليف و ما يصنع المكلف؟

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 184

[الكلام في الجهة الاولى و الثانية]

أما الكلام في الجهة الأولى: فاعلم أنّه إن قلنا بأنّ قضاء أجزاء المنسية تكون واجبات مستقلة المشروعة عند نسيان هذه الاجزاء، و لم تكن جزء للصّلاة، فلا إشكال في انّه يفرض صورة في الأجزاء المنسية يكون الشخص متحيرا فيها في القبلة، لأنه بعد كونها واجبات مستقلة و غير مربوطة بالصّلاة، فلا يضرّ الفصل بالمنافيات بينها و بين الصّلاة، فعلى هذا يمكن فرض صورة كان الشخص متحيرا في القبلة فيها، مثلا صلّى صلاته ثمّ خرج عن موضع صلّى صلاته، و بلغ إلى محل لم يدر أين وجه القبلة، فتوجه بأنّه نسي تشهدا من هذه الصّلاة أو سجودا منها، فيجب عليه إتيانه مع القبلة، و حيث لم يدر وجه القبلة فيجب بمقتضى العلم الاجمالى و تحيره أن يتشهّد أو يسجد إلى أربع جهات حتّى يعلم باتيان التشهّد أو السجدة إلى القبلة الواقعية.

و إن قلنا بكونها جزء للصّلاة، غاية الأمر تغير محلّها و إلّا فهي جزء لها، فلازم ذلك مضرية المنافيات بينها و بين الصّلاة حتّى تصير قابلة لصيرورتها جزء للصّلاة، فكما أن وقوع المنافيات مضرا إذا حصلت بين أجزاء و موجبا لبطلانها، و عدم قابلية ضم اللاحق بالسابق،

كذلك بين الصّلاة و بين أجزاء المنسيّة، فيشكل الأمر، و لا يمكن فرض صورة كان التكليف فيها إتيان أجزاء المنسية إلى أربع جهات.

الكلام في الجهة الثانية: إن قلنا بعدم كون المنافي مضرّا بينها و بين الصّلاة، فيمكن فرض صورة وجوب الاحتياط في الأجزاء المنسية «1» فلا بدّ له من

______________________________

(1)- أقول: فرضت صورة في المجلس البحث و أعطف سيدنا الأستاذ مدّ ظله عنان الكلام

إلى تنقيحه و هو أنّه قلت: إذا صلّى المتحيّر إلى أربع جهات لوجوب الاحتياط عليه فبعد تماميّة أربع صلوات علم اجمالا بنسيان تشهّد أو سجدة من أحدى هذه الصلوات الأربع فيجب عليه بحكم العقل الاحتياط في التشهّد أو في السجدة حتّى يقطع بموافقة أمر المولى بقضاء التشهّد أو السجدة لأنّه يعد علمه بنسيان التشهّد في أحدى صلواته الأربعة المأتي بها، فهو يعلم بوجوب تشهد عليه و لا إشكال في وجوب وقوع التشهّد إلى القبلة فلا بدّ بمقتضى العلم الاجمالي بهذا التكليف الاحتياط و يأتي الكلام في ما تكون مقتضى الاحتياط و استرضاه مدّ ظله و نقحه و قال: هل نقول هكذا أو نقول: بأنّه بعد ما يعلم بأنّ أحدى من هذه الصلوات كانت واقعة إلى القبلة احدا من هذه الجهات الأربعة الّتي صلّى إليها كانت فيها القبلة فهو فعلا لا يدري بأنّ هذا التشهّد نقص من هذه الصّلاة الواقعة واقعا إلى القبلة أو من أحدى من صلوات ثلاثة اخر فمقتضى قاعده الفراغ في هذه الصّلاة الواقعة الى القبلة هو تماميتها فيها، فلا يجب عليه قضاء التّشهد لامكان كون التشهّد الناقص من غيرها أعنى: من أحدى من الثلاثة الآخر و ان كان من أحدى منها فلا يجب قضاء تشهدها، لأنّ الصّلاة الواقعة إلى

القبلة إن كان مع التشهّد فلا يضرّ عدم تشهد أحدى منها، لأنّ وجوب هذه الثلاثة كان بحكم العقل و من باب المقدمية.

و لكن مع ذلك قال: بأنّ الحقّ الأوّل و وجوب الاحتياط لأنّ بعد علم الاجمالي بنسيان التشهد من أحدى من أربع صلوات فيحكم العقل بأنّ ما هو معلوم و إن كان مرددا في الاطراف يجب حفظه فأن فرض كون المعلوم بالاجمال منطبقا على الصّلاة الواقعة إلى القبلة واقعا، فكانت بلا تشهّد و يصحّ للمولى العقاب و ليس حكم العقل في الأطراف المعلوم بالاجمالي إلّا هذا الحكم التعليقي و هو أنّه على فرض كون المعلوم في أحد الأطراف و تعمل فى أحد الاطراف ما يفوت مطلوب المولى المعلوم بالاجمال يصح له أن يعاقب العبد فكذلك في المقام و بعد العلم الاجمالي لا تجري قاعدة الفراغ سواء كانت أصلا أو أمارة لأنّه لا مجال لاجراء الاصل أو الامارة على خلاف العلم و لا فرق في العلم بين الإجمالي و التفصيليّ.

و كما أنّه يمكن أن يقال بأنّه لو أخذنا بالتعليل أعنى: قوله (لانّه حين العمل اذكر) في قاعدة الفراغ فلا تجري لأنّه لا يمكن له أن يدعي نفسه أنّه كان أذكر أو بأن نقول: بعدم إطلاق لها

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 186

الاحتياط، كما أن الأمر يكون هكذا لو صلّى إلى أربع جهات، و علم ينقص ركن من أركان الصلوات الأربعة عمدا أو سهوا أو ترك جزء غير ركني عمدا من أحدى منها فيجب بحكم العقل تجديدها، أعنى: اتيان اربع صلوات مجددا، لأنّ العقل يحكم بذلك، فعلى هذا إن فرض عدم مضرّيّة وجود المنافي بين الصّلاة و بين اجزاء المنسية، فيمكن فرض صورة كان الواجب الاحتياط في الاجزاء

المنسية باتيانها بعد الصّلاة أزيد من مرّة واحدة بنحو تحصل الاحتياط.

الكلام في الجهة الثالثة:

بعد ما قلنا بوجوب الاحتياط فرضا، فكيف طريق الاحتياط بحكم العقل، فهل يجب اتيان تشهدات أربعة أو سجدات أربعة، أو يكتفي في الفرض المذكور بأقل من ذلك؟

لا إشكال في انّه بعد كون الواجب في التشهّد المنسي، أو السجدة المنسيّة، التوجّه إلى القبلة، فهو في الفرض يعلم بوجوب قضاء تشهّد أو سجدة عليه، و لا يعلم أين وجه القبلة، فيجب إتيانه إلى أربع جهات مثل المتحيّر في أصل الصّلاة، لأنّ هذا مقتضى تنجيز العلم الإجمالي، فإذا تشهّد أو سجد إلى أربع جهات يعلم

______________________________

تجري حتّى مع العلم الاجمالي.

(أو بأن يقال: ان قاعدة الفراغ في كل من أربع صلوات معارضة مع الأخرى و لا يمكن أن يقال: بان قاعدة الفراغ تجري فقط في أحدى من هذه الصلوات الأربعة و هي الصّلاة الواقعة إلى القبلة واقعا لا غيرها، لأنّه لا اشكال في أجزائها في كل منها مثلا لو صلّى هذا المتحير الواجب عليه بحكم العقل أربع صلوات إلى أربع جهات إلى جهة شك بعد إتمامها بأنّه هل زاد في صلواته أو نقص منها، فتجري قاعدة الفراغ و ببركتها يكتفي و يصلّي إلى باقي الجهات و بعد ذلك فبعد العلم الاجمالي لا يمكن له إجراء القاعدة في كل من الأربعة و الحكم بإتيان تشهّداتها، لأنه يعلم بعدم إتيان تشهّد أحدى منها. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 187

بامتثال الأمر المتوجّه إليه بقضائه.

الكلام في الجهة الرابعة:
اشارة

بعد ما فرض كون الفصل بأحد المنافيات مضرا إذا وقعت بينها و بين الصّلاة ما لا يكون بعيدا بل هو الأقرب فعلى هذا لا يمكن للمصلّى الإتيان بجزء المنسى إلى الأربع لتحصيل إبراء الذمّة، لأنّه لو كان جزء المنسىّ من أجزاء أحد الصلوات الثلاثة الّتي أتى بها إلى

جهات ثلاثة قبل صلاة الرابعة الّتي صلّاها الى جهة رابعة، فقد وقع المنافي بين جزء المنسى و بين الصّلاة نسى منها هذا الجزء، لأنّ كل صلاة وقعت بعد الصّلاة الّتي نسى جزئها، فهي من المنافيات.

فعلى هذا بعد عدم علم بأنّ التشهّد المنسي أو السجدة المنسية، نسى من أي صلاة من هذه الصلوات الأربع، فهو لا يدري بأن هذا الجزء، الّذي يقضيها وقع بعد الصّلاة الّتي نسى عنها هذا الجزء أو فصل المنافي بينهما، فلا يمكن له تحصيل البراءة بصرف اتيان التشهّد أو السجدة إلى أربع جهات كما انّه إذا أتى بأربع تشهدات أو أربع سجدات إلى أربع جهات قضاء فإن كان التشهّد أو السجدة المنسية من الأخيرة من الصلوات الأربع، و أتى بالتشهد أو بالسجدة المنسية إلى الجهة صلّى هذه الصّلاة، فلم يتخلل المنافي بين الصّلاة و بين الجزء المنسي، و لكن بعد ما لا يدري بكون ما نقص من هذه الصّلاة لاحتمال ورود النقص إلى أحد الصلوات الثلاثة، الواقعة إلى الجهات الثلاثة فهو يحتمل وقوع التشهّد الواقع إلى الجهة صلّى الصّلاة الأخيرة متخللا بين الجزء المنسي و الصّلاة الّتي نسى جزئها، فعلى هذا لا يمكن له إتيان الجزء المنسي متصلة بالصّلاة الّتي نسى هذا الجزء منها بحيث لم يقع بينهما فصل بأحد المنافيات.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 188

فالمكلف فى هذا المورد يعلم بعدم أثر في إتيان التشهّد أو السجدة إلى أربع جهات، فلا معنى للعمل بهذا النحو، لأنّ الغرض من إتيانهما إلى أربع جهات هو قضاء ما نسى منه واقعا في أحد صلواته الأربعة، بأنّه إذا أتى بهما إلى أربع جهات فأتى بما نسى منه في صلواته، فإن كان المنسي من الأولى فأتى به

إلى الجهة الواقعة فيه صلاته الأولى و هكذا، و بعد كون تخلل المنافي مضرّا فهو يعلم بأن بهذا العلم أعنى:

الاتيان إلى أربع جهات، لا يمكن له تحصيل الموافقة القطعية، لأنّه لو كان المنسي في أحد من الصلوات الأربعة غير الأخيرة أعنى: الصّلاة الرابعة، و أتى بالتشهد أو السجدة أولا إلى الجهة الواقعة إليها الرابعة، فاتيان التشهّد أو السجدة إلى الجهات الأخرى لا ينفع لتحصيل الموافقة القطعية، لأنه وقع المنافي بين الصّلاة و بين الجزء المنسيّ في هذه الصورة، فهو لا يتمكّن من تحصيل الموافقة القطعيّة بهذا النحو.

[مع تحلل المنافى بين الجزء المنسي و الصّلاة لا يمكن له الاحتياط]

و بعد ذلك فلا بدّ من الاحتياط بنحو آخر، و هو ما ينبغي أن يبحث عنه في هذه الجهة أعنى: الجهة الرابعة من الجهات الأربعة الّتي قلنا بوقوع الكلام في هذه الجهات.

فإذا نقول في هذا المقام: بأنّه بعد كون تخلّل المنافي بين الصّلاة و الجزء المنسي مضرّا، فكما قلنا لا يمكن تحصيل الموافقة القطعية بالإتيان بالجزء المنسي إلى أربع جهات بل لا بدّ له من الاحتياط بنحو آخر، ففي الفرض بعد ما كان تكليفه إلى أربع جوانب، و بعد فرض إتيان الصلاة إلى أربع جوانب، و بعد فرض العلم الاجمالي بنسيان تشهد أو سجدة من أحدى من هذه الصلوات، و بعد عدم إمكان موافقة القطعية باتيان جزء المنسي إلى أربع جهات، فهو يعلم فعلا إما بوجوب قضاء الجزء المنسي عليه، لاحتمال كون المنسي من الصّلاة الواقعة أخيرا من الصلوات الأربعة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 189

التي يمكن إتيان جزئها المنسي بدون وقوع المنافي، و إما بوجوب إتيان أصل الصّلاة عليه، لاحتمال كون المنسي من غير الأخيرة، و لهذا حصل الفصل، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و حيث

إن القبلة غير معلوم فيجب الاحتياط بتكرار الصّلاة مكررا.

[في ذكر طريق الاحتياط]

و طريق الاحتياط على هذا على الفرض يحصل باتيان الجزء المنسي أولا إلى الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، ثمّ اتيان صلوات ثلاثة إلى جهات ثلاثة اخر غير هذه الجهة، لأنّه إما نسى التشهّد أو السجدة من الصّلاة الأخيرة من أربع صلوات، أو من غيرها، فإن كان منها فإذا تشهد أو سجد بعدها إلى الجهة الّتي وقعت الأخيرة إليها، فقد أتى بالمكلف به، و حصلت الموافقة القطعيّة، و ان كان المنسيّ من غيرها أعنى: من أحدى من ثلاثة صلوات اخر، فلا يمكن له قضاء الجزء المنسيّ بلا فصل بينه و بين الصّلاة الّتي نسى منه هذا الجزء، لفصل الصّلاة الأخيرة أقلا بينها و بين الجزء المنسي، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و إذا أتى بثلاث صلوات إلى جوانب ثلاثة بعد إتيان الجزء المنسي إلى الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، فهو يعلم بامتثال التكليف للصّلاة، لأنّ القبلة إما في الجهة الّتي صلّى الصّلاة الأخيرة إليها، فهو صلّى إلى القبلة، و على الفرض لو كان المنسي منها فقد أتى بجزء المنسي بلا فصل بعدها، و إن كانت القبلة إلى أحدى من الجهات الثلاثة الاخر، فحيث لم يتمكن من قضاء الجزء المنسي إن كان المنسي من أحدى منها لحصول المنافي بينها و بين الجزء المنسي، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، و حيث لم يدر وجه القبلة، فهو لو إلى جهات ثلاثة بعد الصّلاة الرابعة و بعد قضاء الجزء المنسيّ، فهو يعلم بوقوع صلاة صحيحة منها إلى القبلة، لأنّه على هذا صلّى إلى أربع جهات كما هو حقّه.

فبهذا النحو يحصل احتياط في المقام، فافهم، فظهر لك ممّا

مرّ حال المسألة و جهاتها بحمد اللّه و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و آهل و اللعن على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 190

أعدائهم.

[الكلام في الخلل في القبلة]

الجهة الثالثة: في الخلل و يقع الكلام فيه في طي مطالب:

المطلب الأول: يقع الكلام في حكم ما إذا صلّى إلى جهة، ثمّ تبيّن خطائه و عدم كون القبلة فى هذه الجهة، فلا بدّ أوّلا من ذكر أخبار الواردة في الباب، ثمّ بيان ما يستفاد منها، و بيان حكم المسألة، فنقول بعونه تعالى: إن الأخبار الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ما تدلّ بظاهرها في حدّ ذاتها على وجوب استقبال القبلة فيما إذا تبيّن له كونها على غير القبلة في أثنائها، لما بقي من صلاته، و أمّا إذا فرغ من صلاته، و تبيّن كون صلاته على غير القبلة فلا يعيدها، و هي رواية القاسم بن الوليد (قال: سألته عن رجل تبين له و هو في الصّلاة أنّه على غير القبلة، قال: يستقبلها إذا أثبت ذلك، و ان كان فرغ منها فلا يعيدها.) «1»

و هذه الرواية مضمرة، لأنّ القاسم لم يعيّن ممّن يروي، و قال فقط (سألته) مضافا إلى أنّه لم يذكر في الرجال شي ء في حق القاسم إلا أنهم قالوا: له كتاب، و تدلّ بظاهرها على ما قلنا، غاية الأمر ينبغي التكلم فيها في بعض جهات اخر، و هو في أنّ الرواية هل تدلّ على كون الدخول في الصّلاة مع التحرّي عن القبلة، و قام في الصّلاة إلى الجهة الّتي توجه نحوها بمقتضى اجتهاده.

أو كان عالما بكون القبلة إلى الجهة الّتي توجّه نحوها و تبين بعدا خطائها.

أو كان ساهيا أو ناسيا عن القبلة اصلا، أو كان للرواية

إطلاق يشمل كل

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 191

الصور، و تدلّ على أنّ من توجه بجهة بأيّ نحو كان، ثمّ ثبت كون القبلة في غير هذه الجهة، فإن كان التبين في أثناء الصّلاة يستقبلها، و ان كان بعد الفراغ فلا يعيدها.

و أيضا هل تدلّ الرواية على عدم الإعادة في الوقت و القضاء فى خارجه إذا تبين بعد الفراغ من الصّلاة، بمعنى أن لها إطلاق يشمل كل من الوقت و خارجه.

أو تدلّ على عدم الوجوب إن كان في خارج الوقت، و أمّا في الوقت فلا ظهور لها معتدّ به.

و أيضا هل تدلّ الرواية على أن الحكم المذكور ثابت حتّى في ما إذا تبين كون الخروج عن القبلة بالغا حدّ اليمين و اليسار او أكثر من ذلك، مثل ما كان مستدبرا للقبلة، أو ليس لها اطلاق يشمل مطلق تبين الخروج من القبلة، بل لا يدلّ إلا على عدم وجوب الاعادة في ما إذا كان الانحراف إلى ما بين اليمين و اليسار، و لم يبلغ بهذا الحدّ اعنى: حدّ اليمين و اليسار، فهذه جهات لا بد من التكلم فيها.

[الكلام في الجهات المختلفة في الطائفة الثانية من الروايات]

الطائفة الثانية: ما تدلّ بظاهرها على وجوب إعادة الصّلاة في صورة تبين كونها على غير القبلة، و هي ما رواها معمر بن يحيى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى، قال:

يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) «1» الحديث. (و نقل العامة معمرا مخففا، و في رجال أصحابنا معمر مشددا). «2»

و تدلّ الرواية على وجوب الاعادة بعد الصّلاة لمن تبين له وقوع

صلاته على

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- و قد نقل سيدنا الأستاذ مد ظله في أطراف شخصيته و ما روى عنه العامة مطالب مفيدة.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 192

غير القبلة غاية الأمر يقع الكلام في الرواية أيضا في جهات:

الاولى في أنّه هل تدلّ على مطلق من صلّى على غير القبلة سواء كان دخوله في الصّلاة إلى الجهة الّتي توجهه نحوها، ثمّ انكشف عدم كونها القبلة، من باب العلم بذلك، أو التحرى و الاجتهاد، أو السهو في القبلة، أو نسيانها، أو يختص بصورة التحري فقط، او مع العلم، و لا تشمل السهو و النسيان.

الثانية في أنّها هل تدلّ على خصوص صورة كونه مستدبر القبلة ثمّ انكشف له ذلك، أو على مطلق كونه على غير القبلة، و إن كان مقبلا إلى يمين القبلة أو يسارها.

الثالثة في أنّها هل تدلّ على وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، بل لها خصوصية في ذلك بقرينة قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) لأنّ ذلك قرينة على مضى الوقت و دخول وقت صلاة اخرى، أو تدلّ على وجوب الاعادة في خصوص ما إذا انكشف كونه على غير القبلة في الوقت، و امّا بعد الوقت فلا ظهور لها يشمل بعد الوقت، و كان قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) يعني دخل وقت صلاة العصر إن كان ما صلّى على غير القبلة الظهر، أو العشاء إن كان ما صلّى غير القبلة المغرب، فالمراد بدخول وقت صلاة اخرى، هو دخول وقت صلاة مترتبة عليها، و إن كان الوقت مشتركا بينهما، فهذه جهات يأتي الكلام فيها في طى كلامنا.

الطائفة الثالثة: ما قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية، قال:

قد رويت رواية أن من صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة، و هذا هو الاحوط و عليه العمل انتهى «1»، و هي تدلّ على أن من صلّى إلى دبر القبلة يجب

______________________________

(1)- النهاية، ص 64.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 193

عليه إعادة الصّلاة بعد خروج الوقت.) «1»

و احتمال كون نظر الشّيخ رحمه اللّه من الرواية الّتي رويت إلى رواية معمّر المتقدمة ذكرها، و أنّه استظهر منها وجوب الإعادة حتّى في خارج الوقت، و لهذا قال رويت رواية بعيد، لأنّ رواية «2» معمر ليس فيها كون وقوع صلاته مستدبر القبلة و الحال أنّه رحمه اللّه قال رويت رواية على أنّ من صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة الخ، فعلى هذا هي أيضا رواية في الباب.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على عدم وجوب الاعادة على من صلّى على غير القبلة في صورة التحرّي، و هي ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثمّ في الاعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة قال: يعيد، و لا يعيدون فانّهم قد تحروا.) «3»

و قد يستشكل في الرواية نظرا إلى أنّه ما الفرق بين الأعمى و غيره، حتّى تجب الاعادة عليه دون غيره، لأنّ الاعمى أيضا دخل في الصّلاة حتما بعد السؤال و الفحص عن القبلة، فدخل فيها بعد التحري و الاجتهاد مثل القوم فما الفرق بينه و بينهم حتّى يقال: يعيد و لا يعيدون، معللا بأنّهم قد تحرّوا، فهذا سبب لو هن الرواية. «4»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية

7 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(4)- أقول: قلت في مجلس البحث بعد ما أفاد مدّ ظله ما تقدم: بأنّه بعد صراحة قول الإمام عليه السّلام في عدم وجوب الاعادة على القوم، لأنّهم قد تحرّوا، فيمكن أن يكون المعلوم بين السائل و الامام عليه السّلام بأن الاعمى دخل بغير التحري و لم ينقل تمام القضيّة في الرواية فبعد إمكان

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 194

و اعلم أن هذه الطوائف من شواذ الأخبار في هذا الباب، و العمدة في الباب

[ذكر الطائفة الخامسة من الروايات المربوطة بالمقام]

هي الطائفة الخامسة و السادسة من الروايات، فنقول:

أما الطائفة الخامسة: فهي ما يمكن أن يستفاد منها بحسب الظاهر في ذاتها، وجوب الإعادة إذا كان الخروج عن القبلة بالغا إلى المشرق و المغرب أو أزيد، و عدم وجوب الإعادة إذا لم يبلغ بهذا الحدّ، بل كان غير بالغ حدّ اليمين و الشمال أو المغرب و المشرق، و هي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه قال: لا صلاة إلا إلى القبلة قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله. قال:

قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد.) «1»

و ظاهر هذه الرواية تدلّ على أنّ الصّلاة الواقعة إلى غير القبلة ليست بصلوة، و أنّ القبلة حدّها ما بين المشرق و المغرب، و بعد ما قال (فمن صلّى لغير القبلة أو صلّى في يوم غيم في غير الوقت يعني: صلّى الصّلاة في غير وقته في يوم غيم، يعيد الصّلاة) يستفاد بأن الصّلاة الواقعة إلى المشرق و مغرب الكعبة أو أزيد من ذلك محتاجة إلى الاعادة، و امّا إذا لم يبلغ الانحراف عن

القبلة إلى هذا الحدّ، بل كان ما بين المشرق و المغرب، فلم يصرح فيها بعدم وجوب الإعادة، و لكن يستفاد ذلك من قوله عليه السّلام في جواب (أين حدّ القبلة) قال (ما بين المشرق و المغرب قبلة) لأنّه إذا كان ما بين

______________________________

ذلك لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله عليه السّلام من أن وجه عدم وجوب الإعادة على القوم كان من باب تحرّيهم، و وجوب الإعادة على الاعمى كان من باب عدم تحريه فسكت مدّ ظله و لم يقل شيئا و لعله استرتضى مدّ ظلّه ما قلت. (المقرر)

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 195

المشرق و المغرب قبلة، فالصّلاة الواقعة ما بين المشرق و المغرب واجدة لشرط القبلة فلا تجب الإعادة، غاية الأمر كلام آخر هنا في أن ما بين المشرق هل هو قبلة مطلقا، أو لخصوص البعض الموارد:

الرواية الثانية: ما رواها معاوية بن عمار انّه سئل الصادق عليه السّلام (عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال: قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة.) «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على عدم وجوب الإعادة على من انحرف عن القبلة، و لم يبلغ إلى المشرق و المغرب أو أزيد، بل كان انحرافه أنقص من ذلك يعني:

بين المشرق و المغرب، و امّا بالنسبة إلى ما إذا كان الانحراف الى المشرق و المغرب أو اكثر، فالرواية غير دالة عليه (إلا على مبنى سيدنا الاستاد مد ظله في المفهوم فانّه يقول على هذا بأنّ قوله (ما بين المشرق و المغرب قبلة) له المفهوم بمعنى

وجود الدليل على كون القبلة إلى هذا الحد، و عدم الدليل على أزيد من ذلك نعم، لو ورد الدليل على أزيد من ذلك لم يكن منافيا مع هذه الرواية).

الرواية الثالثة: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجّها بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحول وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصّلاة.) «2»

و هذه الرواية متعرضة لصورة كون توجه المصلي في ضمن الصّلاة، و أنه في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 196

صورة كون الانحراف في ما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و هذا تدلّ على صحة ما مضى بهذا النحو من صلاته، و امّا إن كان الانحراف إلى دبر القبلة فما مضى من صلاته تقع فاسدة، و لا بدّ من قطع الصّلاة و اتيانها مجددا إلى القبلة، و لم تتعرض الرواية لصورة تبين الانحراف بعد الصّلاة، فليست مربوطة بمسألتنا إلا ان يقال: بأنّه لا فرق بين تمام الصّلاة و أبعاضها، فإذا لم يكن الانحراف بأزيد من بين المشرق و المغرب موجبا لبطلان بعض الصّلاة و إعادتها من رأس، فكذلك لا يوجب لبطلان تمام الصّلاة و إعادتها، و إذا كان الانحراف بحد المشرق و المغرب أو أكثر مضرا و موجبا لفساد بعض الصّلاة، فكذلك في كل الصّلاة لعدم الفرق بين بعض الصّلاة و تمامها فتامل.

الرواية الرابعة:

ما رواها الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السّلام: انّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة و هو يرى انّه على القبلة، ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق و المغرب.) «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم وجوب الاعادة إذا تبيّن بعد الصّلاة كونه منحرفا من القبلة و لكن إلى ما بين المشرق و المغرب لا أكثر من ذلك و تدلّ على وجوب الاعادة على الانحراف أكثر من ذلك بالمفهوم لقوله (إذا كان ما بين المشرق و المغرب).

[الطائفة السادسة من الروايات المربوطة بالمقام]

الطائفة السادسة: ما يمكن أن يستفاد منها الفرق في وجوب الاعادة بين الوقت و خارج الوقت إذا كان منحرفا عن القبلة و هي روايات:

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 197

[في ذكر بعض الروايات الواردة في المقام]

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنك صليت و انت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد.) «1»

فهذه الرواية فرقت بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها إذا تبين وقوع الصّلاة على غير القبلة.

الرواية الثانية: ما رواها يعقوب بن يقطين (قال: سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشّمس و هو في وقت أ يعيد الصّلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة و إن كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه.) «2»

الرواية الثالثة: ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة، ثمّ يضحي فيعلم انّه قد صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده.) «3»

الرواية الرابعة: الرواية 9 من هذا الباب بنقل الوسائل، و لم نتعرض للرواية 5 و 8 من هذا الباب لأنّ سندهما أيضا ينتهي إلى عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه، و متن الروايتين و إن كان مختلفا في الجملة مع متن الرواية الأولى الّتي

رواها عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عليه السّلام خصوصا الرواية 8، الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه لأنها

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 198

متعرضة للسؤالين أحدهما عن الاعمى، و لكن مع ذلك من كان له تتبع في الروايات يدري بأن كلها ليست إلا رواية واحدة، غاية الأمر عبد الرحمن نقل ما وقع بينه و بين المعصوم عليه السّلام على الاختلاف لا أن عبد الرحمن سئل عن المسألة ثلاث مرات، و على كل حال تدلّ كلها على التفصيل بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها.

[قد يقال بالجمع بين الطائفة الخامسة و السادسة بالعموم و الخصوص من وجه]

و على كل حال قد يقال: بأن النسبة بين الطائفة الخامسة و بين الطائفة السادسة تكون عموما من وجه، لأنّ الطائفة الخامسة خاص من جهة و عام من جهة، خاص من جهة، ان الاعادة اوجبت فيها في خصوص ما إذا كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أكثر، لأنها دلت على عدم وجوب الاعادة إذا كانت الانحراف أقل من ذلك، و دلت على وجوب الاعادة فيما إذا كان الانحراف بالغا المشرق و المغرب أو اكثر، و عام من جهة ان وجوب الاعادة فيها غير مختصّة بالوقت بل تعم الوقت و خارجه.

و الطائفة السادسة خاص من جهة و عام من جهة، خاص من جهة اختصاص الاعادة بما إذا كان تبين الانحراف في الوقت، و امّا إذا كان بعد الوقت فلا تجب الإعادة، و عام من جهة وجوب الاعادة في الوقت لمن انحرف عن القبلة سواء كان انحرافه بأقل من

المشرق و المغرب أو بالمشرق و المغرب و اكثر.

فإذا كان كذلك فحيث انّه ما يرى من كلمات المشهور من القدماء هو أنهم فصّلوا بين ما إذا كان تبين الانحراف في الوقت فتجب إعادة الصّلاة، و بين ما إذا كان تبيّن الانحراف في خارج الوقت فلا تجب الاعادة، فيؤخذ بالطائفة السادسة من الأخبار و يقيد بها الأخبار الطائفة الخامسة في مورد التعارض، و تكون النتيجة هو

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 199

وجوب الاعادة مطلقا حتّى في ما إذا لم يكن الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب.

و هذا النحو من التوجيه فى مقام رفع التعارض بين الطائفتين من الروايات، هو ما اختاره صاحب الحدائق رحمه اللّه، و لكن ليس كلامه في محلّه، و ليس هذا هو الجمع بين الطائفتين من الروايات، بل هذا يوجب طرح الطائفة الخامسة من الروايات، لأن بين الطائفة الخامسة و السادسة لم تكن منافات و معارضة في بعض الجهات، مقتضى كل من الطائفتين عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت بالنسبة إلى من انحرف عن القبلة، في صلاته بمقدار لم يبلغ المشرق و مغرب القبلة، لأنّ الطائفة الخامسة تدلّ على عدم وجوب الاعادة فى هذه الصورة مطلقا في الوقت و خارجه، و الطائفة السادسة تدلّ على عدم الاعادة فى هذه الصورة أيضا في صورة خروج الوقت، فتعارضهما يكون بالنسبة إلى ما كان الانحراف كذلك و لكن تبين بعد ذلك في الوقت، فإن مقتضى الطائفة الأولى من الطائفتين هي عدم وجوب الاعادة، لكون الانحراف ما بين المشرق و المغرب، و تدلّ هذه الطائفة على كون منشأ عدم وجوب الاعادة هو أن ما بين المشرق و المغرب قبلة، و الحال أن الطائفة الثانية من هاتين الطائفتين

تدلّ على وجوب الإعادة في هذه الصورة، فإن قلنا بترجيح الطائفة الثانية و لازمه وجوب الإعادة في الوقت مطلقا إذا كانت صلاته إلى غير القبلة سواء كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أزيد، أو يكون أقل من ذلك، فيوجب ذلك طرح الطائفة الأولى، لأنّ الطائفة الأولى نص في أن عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة مستندة إلى كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فإن رفع اليد عن ذلك و يقال بوجوب الإعادة فى هذا الفرض و تقييد الطائفة الأولى الدالة على عدم وجوب الإعادة في الفرض بالطائفة الثانية، فيوجب ذلك طرح الطائفة الأولى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 200

من رأس، لأنّ بذلك رفع اليد عما تكون الطائفة الأولى نص فيه، و هو كون ما بين المشرق و المغرب علّة لعدم وجوب الاعادة لا خروج الوقت، فهذا ليس جمع بل طرح الطائفة الأولى، فلا وجه لما ذهب إليه صاحب الحدائق رحمه اللّه فى المقام.

[نقول ان التعارض بين الطائفتين يدوى اذا عرض على العرف]

إذا عرفت ذلك نقول في مقام الجمع فى هذا التعارض البدوي بين الطائفتين:

بأنه بعد كون لسان الطائفة الأولى هو عدم وجوب الاعادة في ما إذا كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب لوقوعها إلى القبلة، لأنّ المستفاد منها كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و يكون لسان الطائفة الثانية فيه وجوب الاعادة إذا صلّى إلى غير القبلة و تبين ذلك في الوقت، و امّا لو تبين في خارجه فلا تجب الاعادة، فإن عرض الطائفتين من الروايات على العرف يرى أن الطائفة الأولى تحكم بعدم وجوب الاعادة في الفرض لكون صلاته واقعة إلى القبلة، و الطائفة الثانية تحكم بوجوب الاعادة في الوقت لكونها واقعة على غير القبلة، فلم ير

العرف فيهما منافات و معارضة، و بلسان الاصطلاحي يكون لسان الطائفة الأولى لسان الورود أو الحكومة على الطائفة الثانية، لأنّه إما تدلّ على كون ما بين المشرق قبلة حقيقة بدون اعمال تعبد و تنزيل فتكون واردا على الطائفة الثانية، و امّا تدلّ على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة تنزيلا و تعبدا فتكون حاكما على الطائفة الثانية و على كل حال لا تعارض بينهما.

و امّا بالنسبة إلى ما كان الانحراف بالغا حدّ المشرق و المغرب و أزيد، فإن توهّم كون التعارض بينهما بنظر البدوي لأنّ الظاهر من الاطلاق في الطائفة الأولى أعنى: الخامسة هو وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، و الطائفة الثانية أعنى الطائفة السادسة من الروايات المتقدمة ذكرها نصّ في الفرق بين الوقت و خارجه،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 201

فلا بدّ من تقييد الأولى بالثانية، فتكون النتيجة الاعادة في الوقت إذا كان الانحراف بالغا إلى المشرق و مغرب القبلة أو أزيد، و عدم الاعادة في خارج الوقت في هذه الصورة، هذا كله في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات.

و هنا كلام آخر في بعض ما يمكن أن يكون معارضا بالنسبة إلى خارج الوقت مع الطائفة السادسة أعنى: الأخبار الّتي كان مفادها التفصيل بين الوقت و خارجه، و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه.

ثمّ ان من الغريب انّه لم نر في كلمات القدماء عدم وجوب الاعادة مطلقا إذا كان الانحراف ما بين المشرق و المغرب، بل يظهر من كلماتهم على سبيل الإطلاق ما يستفاد من الروايات المفصلة من وجوب الإعادة في الوقت و عدمها في خارجه إذا صلّى على غير القبلة بدون ذكر عما إذا كان الانحراف ما بين المشرق و

المغرب، فكيف لم يذكروا هذه الصورة فانّه لا يجب الاعادة مطلقا فيها مع دلالة الروايات عليها، كما قلنا بأن مقتضى الجمع بينها و بين الروايات المفصّلة هو عدم وجوب الاعادة مطلقا إذا كان الانحراف ما بين المشرق و مغرب القبلة.

و يمكن أن يقال في توجيه عدم تعرضهم لصورة الانحراف في ما بين المشرق و المغرب، هو أن هذا المقدار من الانحراف لا يكون انحرافا عن القبلة كما قلنا في حاشيتنا على العروة: بأن القبلة هو ما بين محل شرق الشّمس و غربها في أول الجدي لا المشرق و المغرب العرفى، و هو كل مورد يطلع فيه الشّمس و يغرب فيه، لأنه على ما قلنا كون ما بين المشرق و المغرب تقريبا بقدر ربع الدائرة، فيساوق مع ما قلنا في المراد من الجهة، فلا يبعد أن يكون نظرهم إلى ذلك، فعدم تعرضهم بصورة الانحراف البالغ هذا الحدّ كان من باب عدم كونه انحرافا، لأنه لم يزد تقريبا من ربع الدائرة الّتي

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 202

تكون تقريبا هو المراد من الجهة الّتي يجب التوجّه إليها، فبهذا النحو يمكن توجيه كلامهم، و يمكن أن يكون هذا وجه عدم تعرضهم، و على كل حال لم نر في كلامهم إلا الحكم بالاعادة في الوقت و عدمها في خارجة إذا صلى إلى غير القبلة، و لم يتعرضوا لصورة ما بين المشرق و المغرب أصلا فتأمل.

[يقع الكلام في بعض الجهات]

ثمّ إنّه يقع الكلام في بعض الجهات الأولى في انّه كما قلنا في طي كلماتنا السابقة يقع الكلام في أن الروايات الدالة على التفصيل بين الاعادة في الوقت و خارجه، أو ما دل من الروايات على عدم الاعادة مطلقا في ما كان الانحراف ما

بين المشرق و المغرب هل تدلّ على خصوص ما إذا كان دخول المصلّى في الصّلاة بعد التحري عن القبلة فشرع في الصّلاة بعد تحصيل الاجتهاد الظنى على جهة، ثمّ تبين بعد الصّلاة عدم كون هذه الجهة هي الجهة القبلة، أو يعم الدخول مع التحري و الدخول مع العلم بكون جهة هي القبلة ثمّ تبين بعد الصّلاة خلاف ذلك، أو يعم صورة دخل في الصّلاة و توجه إلى غير جهة القبلة ناسيا أو ساهيا ثمّ تبين له بعد الصّلاة انّه توجه إلى غير القبلة، أو تشمل حتّى الصورة الّتي دخل في الصّلاة و توجه الى غير جهة القبلة مع كونه شاكا في القبلة، أو يشمل حتّى صورة توجّهه إلى غير القبلة عمدا.

لا اشكال في عدم دخول صورة الاخيرة، أما الأخبار المفصّلة بين الوقت و خارجه، فهي صريحة في أنّه صلّى على غير القبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كونها على غير القبلة، و أمّا إن كان من أوّل الصّلاة عالما بكون الجهة الّتي يتوجه نحوها غير القبلة فمن الأوّل بيّن عنده كون صلاته على غير القبلة، لا أنّه بعد الصّلاة تبين ذلك، فهذا شاهد على خروج هذه الصورة عن موردها مسلما.

[لا يمكن الالتزام بكون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا]

و كذلك الأمر بالنسبة إلى الطائفة الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 203

لأنّ احتمال كون هذه الروايات دالة على أن المشرق و المغرب قبلة مطلقا بحيث كان الشرط من أول الأمر حتّى بالنسبة إلى العالم بجهة القبلة هو كفاية التوجّه إلى ما بين المشرق و مغرب القبلة و لو لم يكن حال الاضطرار، أو حال الالتفات بين الصّلاة أو بعدها احتمال، لا يمكن الالتزام به فانّه و إن كان

قد يتوهّم ذلك من رواية زرارة أعنى: الرواية الأولى من هذه الطائفة المتقدمة ذكرها، حيث ان فى هذه الرواية بعد السؤال عن حدّ القبلة قال عليه السّلام (ما بين المشرق و المغرب قبلة) إلا أنّه بعد ظهور رواية الرابعة من هذه الطائفة على أن القبلة المشروعة أولا و بالذات هي مرتبة اخرى غير ما بين المشرق و المغرب، لأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام فيها (إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم) في ما يعلم كونه على غير القبلة في أثناء الصّلاة، هو أنّ القبلة المشروعة أوّلا مرتبة اخرى تكون دائرتها أضيق ممّا بين المشرق و المغرب، و هي مرتبة يجب على كل أحد، مع قطع النظر عن طرو بعض الطواري، مثل ما كان من باب الخطاء في الاجتهاد، و لهذا بمجرد الالتفات يجب التوجّه إلى هذه المرتبة من القبلة، فهذا شاهد على أن ما بين المشرق و المغرب ليس قبلة مطلقا و لعل المراد من قوله عليه السّلام في رواية زرارة و غيرها (ما بين المشرق و المغرب قبلة) هي القبلة الّتي لا بد من التوجّه إليها أقلا، فهذه المرتبة مرتبة لا يصح خلوّ الصّلاة من هذه المرتبة من القبلة إلّا في ما دل دليل من خارج على اغتفار خلو الصّلاة حتّى من هذه المرتبة من القبلة و هي ما بعد الوقت، فيمكن ان يقال في مقام الثبوت بكفاية القبلة الظاهرية للصّلاة في هذا الحال، أعنى بعد الوقت أو إسقاط شرطية القبلة.

و على كل فكل من الطائفتين غير شاملين لصورة الدخول في الصّلاة إلى غير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 204

القبلة عالما عامدا، ثمّ نقول بعد ذلك:

بأنّ ما كان دخوله في الصّلاة متوجّها إلى جهة انكشف بعد الصّلاة عدم كونها القبلة إن كان بعد التحرّي و الاجتهاد، فهي القدر المتيقّن من الروايات المفصلة خصوصا التصريح في بعضها على ذلك، مثل ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثمّ يضحى، فيعلم انّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده.) «1»

[منشأ عدم القضاء في خارج الوقت اجتهاده]

فإنّ مفروض السؤال يكون في يوم غيم في قفر من الأرض، و من الواضح أنّ في أمثال هذا الوقت يكون وقت التحري و إلّا فإن كانت الشمس، طالعة فيعلم بالقبلة بالشمس، فالظاهر أنّ دخوله كان بالتحري، و أصرح من ذلك أنّه قال (و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده،) فمنشأ عدم القضاء في خارج الوقت يكون اجتهاده فيدل ذلك على أنّ دخوله في الصّلاة إلى الجهة الّتي يعلم بعدا كونها غير القبلة كان مستندا إلى الاجتهاد، ثمّ انكشف خطاء اجتهاده، و لا إطلاق لسائر الروايات يشمل ما إذا كان دخوله شاكّا أو ناسيا أو ساهيا للقبلة، لأنّ روايات الباب ظاهرة أو صريحة أو متيقنها صورة كان دخولها في الصّلاة و توجهها إلى الجهة التي ينكشف بعدا كونها غير القبلة عن اجتهاد.

و امّا شمول روايات الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة لصورة النسيان و السهو و عدم شمولها فيأتي الكلام فيها.

و توهّم دلالة رواية يعقوب بن يقطين، و هي هذه: (يعقوب بن يقطين قال:

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 205

سألت عبدا صالحا

عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصّلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه. «1» على الاعم من صورة التحرى و غيره بتقريب أنّ الرواية تدلّ على أن السائل سئل سؤالين: أحدهما عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، و الثاني عمن تحرى و صلّى على غير القبلة لأنّ بعد سؤال الأوّل (قال و إن كان قد تحري بجهده أ تجزيه صلاته) فأجاب عليه السّلام عن كلا السؤالين بوجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، و حيث إنّ الظاهر من السؤال الثاني يكون خصوص صورة دخوله متحريا عن القبلة، فالصورة الأولى تكون غير ذلك و هي ما كان دخولها شاكّا في القبلة أو ساهيا أو ناسيا أو يقال: بأنّ السؤال لو فرض أنّه سؤال واحد، و لكن سياق الكلام دليل على أن السائل سئل عن صورة لم تشمل كل الأفراد، ثمّ فرض صورة تكون الأولى بعدم الاشكال، و أداها مصدرا بان الوصلية و قال (و ان كان قد تحرى القبلة بجهده الخ) و لكن الإمام عليه السّلام بدون تعيين خصوص صورة التحري أو غيرها، أجاب بما يفيد وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، فاسد جدا.

لأنّه كما قلنا يكون وضع السؤال و فرض السحاب مناسبا مع كون الدخول مع الاجتهاد و التحرّي، لأنّ في أمثال هذه المواقع يتحرّى الشخص و يعمل بمقتضى تحريه، و ما تقدم من أنّ السائل سئل سؤالين، أو سؤالا واحدا بيّن أولا تمام

مراتبه، ثمّ مرتبة من مراتبه بقوله (و ان كان قد تحرى الخ) واضح البطلان، لأنّ السؤال ليس

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 206

إلا سؤال واحد، أو أقلا كون السؤال سؤالين غير معلوم، و قوله (و إن كان قد تحرّى الخ) و إن كان إن فيه إن الوصلية، فليس معناه ما توهم، بل المراد، و اللّه اعلم، هو أن السائل بعد ما سئل عن الصّلاة في يوم سحاب، و أنه يعيد أولا يعيد، كان في مقام بيان فهم وجوب الاعادة و عدمها، و أنه تجب الاعادة في هذه الصورة و إن كان صلاته إلى الجهة الّتي صلّى كان مع التحري، فالمراد هو أنّه مع كون ذلك مع التحرّي تجب الاعادة أم لا، فليس في البين إلا سؤال واحد و هو عن الصّلاة على غير القبلة مع التحري، و لا أقل من عدم ظهور للرواية يشمل غير صورة التحرّي.

[روايات عبد الرحمن رواية واحدة لا ثلاثة]

و من هذا يظهر لك حال ساير الروايات مثل الروايات الّتي تنتهى سند كل منها إلى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه التي قلنا بانّها رواية واحدة، «1» لا أن تكون روايات ثلاثة، و كذلك الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

الأعمى إذا صلّى لغير القبلة فإن كان في وقت فليعد، و إن كان قد مضى الوقت فلا يعيد). «2»

حيث ان ظاهرها أو متيقنها صورة التحري، لأنّ الاعمى أيضا يسأل و يتحرى حتما عن القبلة و يدخل في الصّلاة فلا يستفاد من الروايات صورة و النسيان و السهو.

و امّا صورة القطع أعنى: ما إذا قطع من طريق إلى كون جهة هي القبلة، فصلّى

إلى هذه الجهة، ثمّ انكشف بعد ذلك خطاء قطعه، فهل يقال بهذا التفصيل فيها أعنى: وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه أو لا؟

______________________________

(1)- الروايات 1 و 5 و 8 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 207

الظاهر أنّ القطع يكون مثل الاجتهاد الظني، و عدم كون فرق بينهما من هذا الحيث، كما أنّ الروايات بعضها ان كان ظاهرها مورد التحري، و لكن نعلم بأنّ الميزان في عدم الاعادة في خارج الوقت في الصورة الّتي تحرى عن القبلة ليس إلا من باب أن دخوله كان على طبق ما قرّر له من الوظيفة و الطريق على تحصيل شرط القبلة، سواء كان ذلك اجتهاد ظنّى أو القطع.

[في الروايات الدالّة على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة]

أما الكلام في الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، «1» و أنّها هل تدلّ على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة لخصوص من تحري في القبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كون انحرافها إلى ما بين المشرق و المغرب لا أزيد أو يشمل من دخل في الصّلاة عالما بكون جهة قبلة، ثمّ تبين بعد الصّلاة كونه منحرفا عن القبلة بما بين المشرق و المغرب، و كون قطعه جهلا مركبا، أو تعم الناسي و الساهي و الغافل عن التوجّه إلى القبلة حال الصّلاة، ثمّ تبين له بعد الصّلاة، و كان انحرافه بما بين المشرق و مغرب القبلة.

أو يقال: ان المستفاد من الرويات خصوصا رواية زرارة منها، هو كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، و إطلاق هذا الكلام يقتضي كون هذا الحد قبلة حتّى للعالم المختار، و لا اختصاص لها بصورة

التحري أو القطع أو النسيان و السهو.

اعلم أن شمول الروايات لصورة النسيان و السهو مسلم إن لم نقل بأنّ مورد السؤال في بعضها هو من نسى القبلة و انحرف عنها إلى ما بين المشرق و المغرب، مثل رواية معاوية بن عمار أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 و الرواية من الباب 10 و الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 208

ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فقال له: قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة) فإنّه من المحتمل بل لا يبعد أن يكون المستفاد من قوله (يقوم في الصّلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ) انّه متى قام في الصّلاة لم يكن ملتفتا إلى القبلة كي يتوجّه نحوها، بل نسى أو غفل فدخل فيها و الحال أنّه منحرف عنها، فلما صلّى نظر فرأى انّه انحرف عن القبلة، فلا يبعد أن يكون مساق السؤال عمن نسى القبلة.

و على كل حال إن لم نقل بذلك فلا وجه لاختصاص مورد الروايات بخصوص المتحرّي، نعم يمكن دعوى شمول الروايات خصوصا رواية زرارة للناسي و المتحري، بل و القاطع، و لو نقول بعدم كون المستفاد منها كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى للعالم المختار، و لكن لا يبعد شمولها للقاطع بكون جهة هي القبلة و الناسى و المتحري.

[شمول للروايات للمختار و المضطر مشكل]

و أمّا شمولها لكل مورد حتّى يقال: بأنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة للمختار و المضطر، فهو مشكل و لا يمكن الالتزام به، لدلالة رواية عمار، «1» لأنّها تدلّ على أنّ

من توجه في أثناء الصّلاة بكونه منحرفا بما بين المشرق و المغرب يجب عليه التوجّه إلى القبلة و تحويل وجهه نحوها، فهذا دليل على أنّ القبلة المفروضة أولا التوجه إليها هي أضيق دائرة ممّا بين المشرق و المغرب.

و احتملنا سابقا بأن يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ليس المشرق و المغرب الاعتدالي أعنى: ما بين كل نقطة تطلع الشّمس منها أو تغرب فيها، بل يكون ما بين آخر نقطة تطلع الشّمس منها أو تغرب فيها و لم تتجاوز طلوع أو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 209

غروبها من هذه النقطة، بحيث إذا فرض دائرة و يفرض نقطة، منها محل شرق الشّمس بحسب ميلها الأعظم، و هو في أول سرطان، ثمّ كلما يمضي من الأيام تطلع الشمس في نقطة اخرى بحيث يصير بمضى كل يوم من بعد سرطان الفصل بين مشرقها و مغربها في هذه الدائرة المفروضة أنقص من الفصل الحاصل بين مشرقها و مغربها في أول سرطان إلى أول الجدي، ففي هذا اليوم يكون الفصل بين المشرق و مغرب الشّمس أنقص من جميع أيام السنة، ففي كل موضع من هذه الدائرة المفروضة من أول سرطان إلى أول الجدي يكون مشرق الشّمس و مغربها في نقطة من الدائرة، فتمام هذه المواضع موضع شرق الشّمس و غربها، فليست هذه المواضع من الدائرة المفروضة ما بين المشرق و المغرب، بل نفس المشرق و المغرب، لأنّ كلها موضع شرقها و غربها، و ما هو ما بين المشرق و المغرب يكون كل موضع من الدائرة يكون بين موضع شرقها و غربها، و هو على ما قلنا بين موضع من الدائرة

تطلع الشمس منها في أول الجدي و تغرب منها في هذا اليوم، فعلى هذا يكون المراد بما بين المشرق و المغرب ما بين المشرق و المغرب في أول الجدي.

و إذا كان هذا هو المراد فينطبق تقريبا مع ما قلنا في توجيه الجهة، لأنّ بهذا النحو يكون ما بين المشرق و المغرب تقريبا ربع الدائرة المفروضة، و الجهة تكون بهذا المقدار تقريبا فيوافق مفاد هذه الروايات تقريبا مع ما بينا في المراد من الجهة، إلا أنّه بعد دلالة رواية عمار أنّ القبلة المفروضة، أولا أضيق مما بين المشرق و المغرب، فلا يمكن أن يقال بأنّ روايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة مفادها ينطبق مع ما قلنا في ما هو قبلة للبعيد الغير المتمكن من التوجّه إلى عين الكعبة أعنى: الجهة، لأنه قلنا بأن الجهة و شطر المسجد الحرام تكون تقريبا هي الربع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 210

من الدائرة المفروضة الّتي تكون الكعبة فى هذا الربع.

[توضيح المراد من الجهة و البيان الاول]

و نقول بعونه تعالى توضيحا لمرادنا من الجهة: بأنّه ربما يحتمل أن يكون تكليف البعيد هو عين تكليف القريب، فكما أن الواجب على القريب من الكعبة هو التوجه بعينها كذلك يجب على البعيد أيضا التوجّه بعين الكعبة، فعين الكعبة قبلة للقريب و البعيد ببيانين:

الأول: أن يقال: بكون الواجب على كل مكلف هو استقبال عين الكعبة غاية الأمر يختلف الاستقبال بالنسبة إلى القريب و البعيد، مثلا انت إذا كنت قريبا من شي ء بحيث يكون الفصل بينك و بينه ذراعا مثلا، فلا بدّ من صدق المقابلة و كونك مستقبلا له بأن يكون مقاديم وجهك مقابلا له بحيث لو خرج خط من جانبك يكون مستقيما يصل به، حتّى لو

كان هذا الجسم المقابل لك إنسانا لا بد و ان يكون تمام مقاديم بدنك مقابلا لتمام مقاديم بدنه، فلو كان نصف بدنك غير مقابل له لا يصدق الاستقبال و كونكما متقابلين، و لكن إذا فرض صيرورتك بعيدا منه مثلا كان هذا الشي ء أو هذا الشخص بعيدا عنك بالف ذراع، فلا يعتبر في صدق استقبالك له ما اعتبر في صدق استقبالك له في حال قربك به، فلو كان جزء من بدنك غير مقابل له يصدق الاستقبال مع ذلك، و كلما يكون البعد أكثر يكون الأمر أسهل، فربما يصدق الاستقبال في البعيد لشي ء لو فرض كونه قريبا منه لم يصدق الاستقبال اصلا.

فعلى هذا يقال في المسألة هكذا و أنّ الواجب على القريب و البعيد هو و استقبال عين الكعبة، غاية الأمر يختلف صدق الاستقبال بالنّسبة إلى القريب و البعيد، و لهذا ترى أن صفا من الناس إن كان قريبا من شي ء لا يكون مستقبلا لهذا الشي ء إلّا أحد منهم لقربهم بهذا الشي ء، فليس إلّا أحد أهل الصفّ مقابلا له، و ساير

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 211

أهل الصف ليسوا مقابلين له، بل يكونون واقعين في طرفيه، و لكن لو باعدوا عن هذا الشي ء يكونون كلهم مستقبلين له في حدّ من العبد عند العرف، و هذا واضح البيان.

[البيان الثاني في المراد من الجهة]

الثاني: و هو لا يتفاوت مع بيان الأوّل في النتيجة، غاية الأمر أنّ بيان الأوّل قال من قال به: بأن الاستقبال يختلف في القريب و البعيد بحسب صدق العرفي، و يقال في بيان الثاني: بأن معنى التوجّه إلى الكعبة و تولية الوجه نحوها ليست إلا جعل مقاديم البدن محاذيا لها في حال الصّلاة مثلا، فيقال بأن الواجب هو كون كل

مكلف محاذيا للكعبة حال الصّلاة سواء كان قريبا أو بعيدا، غاية الأمر تختلف المحاذاة بالنسبة إلى القريب و البعيد.

فكما قلنا في المثال السابق في البيان الأوّل ترى أن في مرتبة لا تصدق المحاذاة إلا بكون الشخص مقابلا لشخص آخر مقابلة حقيقية لقربه به، و لكن في مرتبة اخرى يكون مع العبد بينهما تصدق المحاذاة، و لو لم تكن محاذاة، حقيقية، فنحن نقول:

بان القبلة عين الكعبة و يجب التوجّه نحوها مطلقا على القريب و البعيد، و لكن بعد ما نرى ان الشارع لم يأمر إلا بتولية الوجه نحوها و قال اللّه تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» و لم يبين موضوع حكمه، فلا بدّ من الرجوع إلى العرف، و نرى بأنّ العرف لا يحكم إلا بلزوم تولية الوجه نحوها، و أنّ معناها ليست إلا جعل مقاديم البدن محاذيا لها، و نرى بأنّ المحاذاة تختلف بنظر العرف للقريب و البعيد، فالبعيد ليس معنى توجهه نحوها، و تولية وجهه بعين الكعبة إلا محاذاته و تولية وجهه بها بنحو يصدق عرفا بأنّه متوجه إلى عين الكعبة، فالبعيد يتوجه بالعين غاية الأمر يكون التوجه و المحاذاة مختلفا في نظر العرف للقريب و البعيد.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 212

[حاصل كلام من قال بان عين الكعبة قبلة للقريب و البعيد]

هذا حاصل كلام من يقول: بأنّ الواجب هو التوجّه بعين الكعبة للقريب و البعيد، و لكنّ السرّ في أن قبلة البعيد أوسع من القريب ليس إلا من باب أن العرف يحكم بصدق الاستقبال أو محاذاة شي ء لشي ء إذا كان بينهما البعد مع عدم هذا الصدق عنده ان كان بينهما القرب، و هذا هو وجه ما يقال: من أن الشي ء كلما ازداد بعدا ازداد جهة محاذاته سعة، و

لكن قلنا في صدر البحث بأنّ هذا الكلام غير تمام أعنى: لا يمكن أن يقال بذلك بمجرد دعوى صدق العرفي، و قلنا بأنّه بعد كون الواجب هو التوجّه إلى شطر المسجد الحرام لانه تعالى قال فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» نقول في مقام بيان المراد من الشطر بأنّ الشطر هو السمت و الجهة، و لا إشكال في أنّ الواجب على البعيد الغير المتمكّن من التوجّه بعين الكعبة ليس بها، لكونه موجبا لمشقة عظيمة، بل العسر و الحرج، بل أزيد منهما، و لا اشكال في أنّه لا يمكن أن يقال: بان الواجب عليه هو التوجّه بالعين، غاية الأمر يحكم العرف بأنّ التوجّه بالعين يحصل بما قلنا في ضمن بيانين لما قلنا من الاشكال في ذلك أن نغضّى أعيننا و نقول بصدق العرفي بدون أن نفهم أن العرف موافق معه أم لا، و لو فرض حكمهم فما منشأ حكمهم بذلك، و إذا بلغ الأمر إلى هنا كما قلنا سابقا نقول: بأن الشطر هو السمت و الجهة، و الواجب على البعيد هو تولية الوجه شطرها و سمتها و جهتها كما يظهر من الآية ان الواجب، هو التوجّه إلى شطر المسجد الحرام.

و نقول في وجه ذلك و سره: بأن بعض الاشياء ممّا ليس له قدام و لا خلف، و هذا مثل الاشجار و الاحجار، و بعض الاشياء يكون لها قدام و خلف كالانسان، فترى أن له قداما و له خلفا، فإن امر بالتوجه إلى الاشياء الّتي ليس لها قدام و لا

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 143.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 213

خلف، أو امر بتوجه هذه الاشياء مقابلا لشي ء آخر، فبكل جانب منها إذا توجه الشخص في فرض الأمر

بالتوجه و الاستقبال إليه حصل التوجّه و الاستقبال، و كذلك بتوجيه أي جانب منها إلى شي ء آخر في فرض وجوب توجيه هذه الاشياء و استقبالها لشي ء آخر يحصل الاستقبال و المحاذاة، و هذا واضح.

و إن كان المأمور به هو توجه أشياء الّتي لها قدام و خلف و استقبالها لشي ء آخر، فترى انّه لا يكفي في تحقق الاستقبال استقبال كل جانب منها إلى الشي ء الواجب استقباله، فإذا أمر الإنسان بأنّك استقبل شيئا أو توجه شطر شي ء، فلا يكفي في امتثال الأمر توجهه و استقباله لكل جانب من جوانبه، بل لا بدّ من التوجّه بجانب يكون قدام بدنه فيه في صدق الاستقبال.

[توضيح كون القبلة الجهة]

إذا عرفت ذلك فلتعرف مطلبا آخر، و هو أنّ الجهات تكون ستة الفوق و التحت و القدام و الخلف و اليمين و الشمال، و الفوق و التحت ليسا مربوطا بجهة كلامنا، فيبقى القدام و الخلف و اليمين و الشمال، و الإنسان له قدام و خلف و يمين و شمال، فإذا فرض راس الإنسان كرة كما أنّ رأسه يكون بشكل الكرة، و فرض تقسيم هذه الكرة أعنى: الرأس بأربعة أجزاء، فالربع من هذه الكرة يكون قدام الإنسان، و ربعها خلفه، و ربعها يمينه، و ربعها يساره، فقدّام الإنسان هو الربع الدورة من الرأس الّذي يكون الوجه واقعا فيه.

و إن حوسب الوجه فكذلك يكون بحسب وضعه كرويا، فانظر إلى الحدّ الّذي يكون جبهة للانسان، فإنّ القدر المسلم من الجبهة هو ما بين العينيين، فمقدم الرأس بين الحاجب و منبت الشعر من طرف الطول، و بين العينيين من طرف العرض يكون هو الجبهة، و هذا المقدار لو لوحظ يرى أن وضعه يكون بشكل الكرويّ، و ليس

تبيان الصلاة،

ج 3، ص: 214

عرض الجبهة عرضا مستويا، بل يكون كرويا بحيث انّه إذا اخرج خط مستقيم من نقطة منه، و خرج خط اخر مستقيم من نقطة اخرى، فلا يصلان بمحلّ واحد كما ترى في الكرة، فكل خط من الخطوط الخارجة من الجبهة كلّما يبعد من الجبهة يصير أبعد من الخط الآخر الخارج منها.

فبعد كون وضع الجبهة، و كذلك الوجه كرويّا، فلو فرض بكون الإنسان مركزا للدائرة، فالدائرة المرسومة حول هذا المركز و القطب، يكون ربع من هذه الدائرة حول مقاديم بدنه المشتمل على الوجه، و ربعه الآخر محاذيا لخلفه، و ربعه محاذيا ليمينه، و ربعه محاذيا ليساره.

فإن كان المطلوب من الإنسان استقباله لشي ء، فلا بدّ من أن يستقبله بقدام نفسه، لا جوانبه الأخرى، ففي صدق استقباله يكفي كون الربع من رأسه الواقع مقابل وجهه، و مقاديم بدنه بهذا المقدار مقابلا لهذا الشي ء، و وجه صدق الاستقبال بهذا النحو ليس إلا من باب أن هذا الشي ء الواقع في موضع إذا أستقبله الإنسان بوجهه، يكون محاذيا له، فإن كان قريبا منه يرى بالحس كون تمام وجهه مقابلا له، و أمّا اذا كان بعيدا فلا يمكن استقباله بكل نقطة من وجهه، لأنه كما قلنا بكون وضع الوجه و الجبهة كرويا فالخطوط الخارجة من نقاط الوجه، لا يمكن أن يتلاقى كلها إلى نقطة واحدة.

[في ذكر المراد من الآية الشريفة]

إذا عرفت ذلك نقول في ما نحن فيه: بأن الظاهر من قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ هو وجوب تولية الوجه شطر المسجد الحرام، أي: جانب مسجد الحرام و سمته فالبعيد يجب عليه التوجّه إلى جانب المسجد الحرام و السمت الذي يكون فيه المسجد الحرام، فبعد ما فهمت من كون وضع الوجه كرويّا و

من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 215

المسلم وجوب تولية الوجه نحوه لقوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فإذا بنى الشخص على تولية وجهه نحو المسجد الحرام، فبحسب طبع وجهه و وضعه، لا بدّ من أن يجعل وجهه شطره، و أن كان بعيدا عن المسجد الحرام، فإذا كان المسجد في موضع و بنى على تولية الوجه شطره فلا يمكن له تولية تمام الوجه للمسجد بحيث يكون بتمام وجهه مستقبلا للكعبة، لأنه بعد كون وجهه كرويّا فالخطوط الخارجة من نقاط وجهه لا تصل إلى نقطة واحدة، بل كلما يبعد عن المسجد فالفرج بين الخطوط الخارجة من نقاط وجهه يصير أكثر بحيث ربما يكون البعد بين كل خط خارج من نقطة مع الخط الخارج من نقطة اخرى فراسخ كثيرة، مع كون الخطين خارجين من نقتطين المتصلتين من الوجه بالآخر، فعلى هذا لا يمكن للشخص البعيد الاستقبال بتمام الوجه، بل لا بد من كفاية الاستقبال بجزء من الوجه.

فعلى هذا نقول في توجيه الجهة و ما يستفاد من ظاهر قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ بأنّ المكلّف النائي من المسجد الحرام إذا فرض كونه مركزا لدائرة تتلاقي محيط هذه الدائرة الكعبة المكرمة، فإذا أمر بهذا الإنسان باستقبال وجهه إلى الكعبة، فلا بدّ له من تولية وجهه شطر المسجد الحرام أعنى: إلى جانب و شطر تكون الكعبة واقعة فيها، فإذا ولى وجهه نحوها، فلو فرض خطوط خارجة من وجه هذا الإنسان مع كون الوجه كرويا، فتلاقي هذه الخطوط إلى المحيط في الجانب الّذي تكون الكعبة فيه، فحيث إن الوجه ربع الدائرة تقريبا من الرأس فتتلاقى الخطوط الخارجة من الوجه ربعا من الدائرة المحيطة بهذا المركز أعنى:

الإنسان المكلف باستقبال الكعبة، ففي كل موضع

يكون المكلف و يفرض نفسه مركزا و يفرض دائرة تتلاقي محيطها الكعبة، فربع من هذه الدائرة الواقعة فيه الكعبة

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 216

محاذيا لوجه المكلف المفروض واقعا في مركز هذه الكرة، هو جانب الكعبة و شطرها و سمتها، لأنه يتلاقى أحد الخطوط الخارجة من حدّ الجبهة و الوجه إلى الكعبة لا محالة، لما قلنا في ضمن المطالب المتقدم، و لا يمكن له الاستقبال بأزيد من ذلك بحيث يتلاقى تمام الخطوط الخارجة من عرض الوجه إلى الكعبة، لما قلنا من كون الوجه بخلقته كرويّا، و لهذا مع كون الكعبة بعيدا منه ربّما يحاذي بنفس وجهه مع موضع بعيد من الكعبة بفراسخ، و هذا لاقتضاء وضع الوجه في الإنسان.

فبهذا البيان يمكن أن يقال: بأنّ المراد من الجهة اللازم اعتبار التوجّه نحوها، هو الربع من الدائرة الواقعة في قطعة من هذا الربع الكعبة، و بهذا البيان عرفت ما هو قبلة للبعيد، و يمكن أن يكون وجه حكم العرف للبعيد بأنّ الاستقبال و المحاذاة يصدق للشي ء و إن لم يكن محاذاة حقيقية ما قلنا لك.

[ما فهمت في ما نحن فيه]

فبما قلنا في المقام فهمت.

أولا ما هو قبلة للبعيد الغير المتمكن من التوجّه بعين الكعبة، و أنّه إذا توجّه إلى ربع الدائرة الّتي تكون الكعبة واقعة فيه، فقد توجه شطر المسجد الحرام و إن كان ليس ما توجّه من وجهه، إلى الكعبة إلا نقطة من وجهه، لأنّه لا يمكن أزيد من ذلك.

و ثانيا يمكن أن يكون وجه حكم العرف بصدق الاستقبال و المحاذاة للبعيد مع عدم كون الشخص محاذيا في مقابل الكعبة بالدقة العقلية و حقيقة، هو ما قلنا من أنّه يرى العرف عدم امكان أزيد من ذلك، و وقوع جزء من

أجزاء وجهه مستقبلا للكعبة، فعلى هذا لسنا مخالفا مع من يقول بكفاية استقبال العرفي و المحاذاة العرفية، إلّا انّا بينّا منشأ لحكم العرف، و بينّا أنّ في الربع من الدائرة الّتي تكون الكعبة في نقطة من نقاطه إذا توجّه الشخص شطر هذا الربع، فقد ولى وجهه شطر المسجد الحرام

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 217

و جانبه و سمته، مع ما ذكرنا سابقا من بعض المؤيدات للمطلب:

[في ذكر بعض المؤيدات للمطلب]

و كان أحدها هذه الروايات الدالة على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة بناء اعلى ما احتملنا من كون المراد بما بين المشرق و المغرب هو ما بين المشرق و المغرب في أول الجدي.

و لكن قلنا: بأنّ رواية عمار، «1» الدالة على أنّ القبلة.

شي ء تكون دائرتها أضيق ممّا بين المشرق و المغرب، و لهذا مع فرض وقوع بعض صلاته إلى غير القبلة قال في رواية عمار (إن كان متوجها في ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصّلاة) منافية مع ما احتملنا من قابلية انطباق الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، مع ما قلنا بأنّ قبلة البعيد هو شطر المسجد و جانبه الّذي يكون تقريبا بقدر الربع من الدائرة.

و الثانية من المؤيدات ما وردت في بعض الروايات الواردة في أحكام الخلوة، و هي هذه الرواية: محمد بن الحسن عن المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عيسى بن

عبد اللّه الهاشمي عن ابيه عن جده عن علي عليه السّلام قال: (قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا) فإن الأمر بالتشريق و التغريب يدلّ على أنّ امر القبلة يكون أوسع من نفس التوجّه بالعين، فليس أمرها بهذا الضيق، بل يكون بحد

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 218

من الوسعة يلزم في حال التخلي التشريق و التغريب عن القبلة حتّى لا يكون في هذا الحال مستقبلا للقبلة و لا مستدبرا لها). «1»

الثالثة ما قلنا سابقا: بأنّ الأمر بالتوجه بنفس العين و استقبالها استقبالا حقيقيا بحيث يكون متوجّها لها بالدقة العقلية موجبا للعسر و الحرج و المشقة، و كيف يمكن للمكلفين البعيدين عن الكعبة ذلك، فهذا شاهد على أن أمرها أوسع من ذلك.

الرابعة ما ورد في بعض الروايات بأنّه إذا حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام كان بنو عبد الاشهل في مسجدهم مشتغلين بالصّلاة، فاخبروا بذلك فحوّلوا وجوههم حال الصّلاة نحو الكعبة، فإنّه إن كان الواجب التوجّه إلى نفس العين فكيف هم توجّهوا نحوها، و كيف صاروا عالمين بها حال الصّلاة، فتحويل وجههم إلى الكعبة بدون فحص و تحقيق ليس إلّا من باب أنّهم كانوا عالمين بجهة الكعبة فقط، و هي أمر سهل.

و على كل حال لا يمكن أن يقال في هذا المقام إلّا ما قلنا من أنّ قبلة البعيد هو حدّ يكون تقريبا بقدر الربع من الدائرة الّتي تكون الكعبة واقعة فيها، و هو بيان يناسب مع العين باعتبار أنّ حدّ القبلة هو نقطة يقع أحد خطوط الخارجة

من الوجه إلى الكعبة لا محالة، و يناسب مع القول بالجهة، لأنّه إذا صرنا في مقام بيان شطر الشي ء و جانبه و جهته، فهذا البيان أنسب بيان له، لما قلنا في طي بياناتنا بأن الربع من مقدم الوجه هو قدام الشخص و الوجه في هذا الربع، فإذا أوجب الاستقبال على المكلف، لا بد و أن يكون بهذا الربع، و هذا ينطبق مع الجهة و فهمت بأنّ ما بينا في وجه

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 10 من أبواب احكام الخلوة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 219

كون القبلة هو الربع من الدائرة تقريبا للبعيد يمكن أن يكون وجه حكم العرف بصدق الاستقبال و المحاذاة في هذا الحدّ حدّ للبعيد مع عدم كون الشخص مستقبلا و محاذيا للشي ء بالمحاذاة الحقيقية.

هذا تمام الكلام في أصل المطلب و إن كنا بينا ذلك في صدر المبحث، و لكن نبيّن مجددا كي يتضح المطلب كاملا، ثمّ إنه بعد ذلك نعطف عنان الكلام إلى الجهة الّتي كنا باحثا لها، و هي الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، و قلنا: بأن هذه الروايات تشمل صورة النسيان بل يمكن دعوى كون مورد بعض منها خصوص صورة دخوله في الصّلاة ناسيا للقبلة.

[في ذكر الاشكال العمدة في الروايات]

و لكن إشكال العمدة في الروايات هو أنّه كلما تتبعنا في كلمات القدماء من الأصحاب رضوان اللّه عليهم كالمفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و غيرهما لم نجد متعرضا للمسألة أعنى: ظاهر كلماتهم هو التفصيل بين الوقت و خارجه مطلقا إذا انحرف المصلي عن القبلة بدون استثناء ما إذا كان الانحراف بين المشرق و المغرب، بل قالوا بوجوب الاعادة مطلقا إذا تبين بعد الصّلاة منحرفا عن القبلة

إذا كان الوقت باقيا، و عدم وجوب الاعادة إذا تبين وقوع صلاته منحرفا عن القبلة و كان التبين بعد الوقت.

نعم، يظهر من الشيخ رحمه اللّه استثناء صورة كونه مستدبرا للقبلة، فإنّ في هذه الصورة أوجب رحمه اللّه الاعادة و إن كان التبين بعد خروج الوقت، و نقل رواية في النهاية تدلّ على هذا، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه بعد ذلك.

فظاهر عبارات القدماء هو التفصيل مطلقا بين الوقت و خارجه، و لم ير من أحدهم الإفتاء على طبق الروايات الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة و أنّ

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 220

الانحراف إذا كان بهذا المقدار و تبين بعد الصّلاة لا تجب الاعادة و ان كان الوقت باقيا، فلأجل ذلك قد يخلج بالبال وهن في هذه الروايات بدعوى إعراض الاصحاب عنها، فإن ثبت إعراضهم فلا يبقى مقتضى الحجية فيها، لعدم بناء للعقلاء في هذه الصورة، بل كلما ازداد صحة ازداد سقما، لأنّه مع ما يرى من صحة سندها و لكن بعد ما نرى من أنّ بطانة الفن و القدماء لم يعتنوا بها و لم يفت على طبقها نكشف من ذلك أنّهم يرون في هذه الروايات ما لا يمكن معها الاعتماد بكون الروايات صادرة في مقام بيان حكم اللّه الواقعي، و المورد يمكن أن يكون من هذا القبيل، لأنه كيف لم يفت على طبق مضمونها أحد، منهم.

[ادعاء الاعراض يكفي في وهن الروايات ان كان اعراضا]

فمن هذا يدعي إعراض و إن كان ذلك إعراضا فيكفي في وهن الروايات، نعم يرى تعرض الشيخ رحمه اللّه و إفتائه في أحد كتبه على طبق رواية عمار. «1»

و أنه إذا تبين للمصلي الانحراف في أثناء الصّلاة- بأنّه إذا كان الانحراف بما بين المشرق

و المغرب فليحوّل وجهه إلى الكعبة، و يتم الصّلاة، و إن كان الانحراف بأكثر من ذلك فليقطع الصّلاة.

و لكن لا يكفي تلك الفتوى في صورة كون التبين في أثناء الصّلاة و إفتائه على طبق هذه الرواية لاثبات كون ساير الروايات الّتي موردها صورة كون التبين بعد الصّلاة، و أنه إن كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب فلا يعيد، و إن كان الانحراف بأزيد من ذلك فليعد، مورد اعتناء الشّيخ رحمه اللّه لأنه يمكن أن يكون الشّيخ أخذ برواية عمار لكون مقتضى الحجية موجودا فيها بنظره الشريف، و لكن مع ذلك لم يكن ساير

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 221

الروايات الّتي موردها صورة كون تبين الانحراف بعد الصّلاة مورد اعتنائه، و الدليل على ذلك عدم إفتائه بمضمون هذه الروايات، فهذا هو الاشكال العمدة في هذه الروايات.

فما نقول في المقام، فهل نقول و نلتزم: بطرح هذه الروايات، و ردّ علمها إلى أهلها بدعوى إعراض الاصحاب عنها من باب عدم تعرضهم لها أعنى: الافتاء على طبقها، و نقول نحن أيضا: بالتفصيل مطلقا بين الوقت و خارجه إذا تبين الانحراف بعد الصّلاة، و وجوب الاعادة في الوقت و عدمه في خارجه؟

أو نقول: بأن صرف عدم تعرضهم لها، و عدم إفتائهم على طبق هذه الروايات لا يكفي لاثبات كون الروايات ممّا أعرض عنه الاصحاب و نتيجة ذلك أنّه نقول: بعدم وجوب الاعادة حتّى في ما اذا تبين الانحراف بعد الصّلاة و كان الوقت باقيا إذا كان الانحراف بما بين المشرق و المغرب في صورة النسيان، أو بعض صور اخر بمقدار الّذي يستفاد من الروايات، و أنّ موردها صورة كون

دخوله في الصّلاة ناسيا للقبلة أو غيره من الصور أو كلها أو بعضها «1» و يبقى الكلام في أمر

______________________________

(1)- أقول: اعلم أن سيدنا الاستاد مدّ ظله بعد ما أفاد ما ذكرت لك قال ما حاصله يرجع إلى أنّه يمكن أن يقال: بعدم ثبوت الاعراض، لأنه ليس في البين إلّا عدم تعرض الفقهاء، و عدم إفتائهم بمفاد الأخبار الدالة على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، و لكن لم يرجح أحد طرفي المسألة بعد ما تكلمات معه، فما اختار الاعراض و لا عدمه، و المسألة بعد ذلك مشكلة.

و على كل حال أنا أقول: بأنّه على تقدير عدم الاشكال في هذه الروايات من حيث السند فكما أفاد مد ظله في أول تعرضه للروايات، و بينا لك، تشمل هذه الروايات صورة كون دخول المصلي في الصّلاة ناسيا عن القبلة، لأنّ ظاهر بعض الروايات يشمل النسيان، بل يمكن كون

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 222

آخر أشرنا إليه سابقا، و هو ما نتعرض له في الجهة الثانية إن شاء اللّه و نقول:

الجهة الثانية: بعد ما فهمت بأن الطائفة السادسة من الروايات كانت دالة

______________________________

موردها النسيان و أقول: بأنّه لا يبعد شمولها لصورة التحري و الاجتهاد، و أنه إذا كان دخوله في الصّلاة و توجهه إلى جهة باعتقاد كونها القبلة بمقتضى اجتهاده الظني و تحريه لأنّ الرواية 5 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل تدلّ على هذا، و هي ما رواها الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام أنّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة و هو يرى على القبلة، ثمّ عرف بعد ذلك، فلا اعادة عليه إذا كان

في ما بين المشرق و المغرب) فظاهر قوله (و هو يرى انّه على القبلة) هو أنّ ذلك كان بحسب اعتقاده لا من باب كونه ناسيا للقبلة اصلا فعلى هذا تدخل صورة دخوله في الصّلاة باجتهاد إلى جهة من باب أنّه يرى كونها القبلة، بل و كذلك صورة القطع لأنه أولا ظاهر قوله (يرى) هو ان دخوله كان باعتقاد كونها القبلة سواء كان اعتقاده ظنيا أو قطعيا، مضافا إلى أن منشأ كفاية التحري و الاجتهاد الظني، و عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة ليس إلا من باب كون دخوله في الصّلاة لا مع المسامحة و عدم الاعتناء و التعلل بأمر القبلة، بل دخل و توجه إلى جهة بحسب ما يقتضي الطريق و الحجة، فلا فرق بين القطع انكشف بعد الصّلاة كونه جهلا مركبا و بين الاجتهاد الظني.

فعلى هذا شمول هذه الروايات لهذه الموارد الثلاثة (صورة القطع و الاجتهاد الظني و النسيان غير بعيد، فعلى هذا بناء على عدم اشكال في الروايات من حيث السند، هذا المقدار يكون مقدار دلالتها، و لا يمكن الالتزام بدلالتها على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا حتّى كان الجائز من أول الأمر التوجّه الى ما بين شرق القبلة و غربها لما قلنا من أن المستفاد من بعض روايات الباب هو كون القبلة المجعولة أولا أضيق من ذلك غاية الأمر ما بين المشرق و المغرب قبلة لبعض الموارد، و هو صورة النسيان و الاجتهاد و القطع.

هذا ما يمكن أن يقال في المقام، فتكون النتيجة على هذا هو أنّ الانحراف ان كان ما بين المشرق و المغرب و تبين بعد الصّلاة، فلا تجب اعادة الصّلاة لا في الوقت و لا خارجه

في الصور المتقدمة أعنى: النسيان و الاجتهاد الظني و القطع، و ان كان الانحراف بأزيد من ذلك، فتجب الاعادة في خصوص الوقت لا في خارجه، فهذا ما يمكن أن يقال في مقام الجمع بين الطائفة الخامسة و بين السادسة من الروايات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 223

على التفصيل في الاعادة و عدمها بين كون تبين انحراف المصلي عن القبلة في الوقت و خارجه إذا كان الانحراف أزيد ممّا بين المشرق و المغرب، و إطلاقها يقتضي ما كان الانحراف بالغا حدّ نفس المشرق و المغرب او أزيد إلى صورة يكون الانحراف إلى دبر القبلة أعنى: النقطة المقابلة للقبلة، مثل ما إذا توجّه إلى نقطة الجنوب باعتقاد كونها القبلة ثمّ تبين بعد الصّلاة كون نقطة مقابله أي نقطة الشمال هي القبلة.

يقع الكلام في أنّه هل يوجد في الأخبار رواية تكون معارضة مع هذه الطائفة بالنسبة إلى خارج الوقت أم لا؟

اعلم أن رواية معمّر بن يحيى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبينت القبلة و قد دخلت وقت صلاة اخرى، قال: يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) «1» الحديث، لا يكون مدلولها منافيا مع الرواية المفصلة، لأنّ ما يمكن أن يقال في وجه المعارضة بينهما هو أن يدّعي بأن الظاهر من قوله (و قد دخل وقت صلاة اخرى) هو أن تبين وقوع صلاته على غير القبلة كان بعد الوقت، فمع ذلك أمر باعادتها، لأنّه قال عليه السّلام (يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) ليس وجها وجيها.

أمّا أولا: فلما قلنا سابقا من احتمال عدم كون المراد من دخول وقت صلاة اخرى وقت صلاة يدخل وقتها

بخروج وقت الصّلاة الأولى كالمغرب بالنسبة إلى الظهر و العصر، أو الصبح بالنسبة إليهما، و المغرب بل يكون المراد منها الصّلاة المترتبة على صلاة و إن كان الوقت مشتركا بينهما كالعصر بالنسبة إلى الظهر، أو

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 224

العشاء بالنسبة إلى المغرب، ففي هذا المورد أيضا يطلق (و قد دخل وقت صلاة اخرى) فعلى هذا ليست الرواية لاجل الحكم فيها باعادتها قبل الثانية معارضة مع الرواية المفصلة، لأنّ على هذا كان الحكم باعادة الصّلاة قبل الأخرى كان من باب كون الوقت باقيا.

[ليست الرواية اصلا في مقام بيان هذا الحيث]

و ثانيا و هو العمدة في الجواب، هو أن الرواية ليست أصلا في مقام بيان هذا الحيث، بل الرواية تكون في مقام بيان أنّ الفائتة تجب تقديمها على الحاضرة أم لا أعنى: إذا كان الواجب عليه صلاة قضائية يجب تقديمها على الحاضرة، فإذا كانت الرواية في مقام بيان ذلك، فلو فرض أنّ ما عليه من قضاء الصّلاة كان لأجل وقوعها على غير القبلة و لكن لا إطلاق للرواية في هذا الحيث، لأنّه ليس في مقام بيان ذلك.

فعلى هذا يمكن أن يكون المورد موردا يجب قضاء الصّلاة و إتيانها حتّى بعد الوقت، مثل أن يكون موردها موردا صلّى على غير القبلة عمدا أو جهلا بالحكم بناء اعلى القضاء في الموردين، فلا إطلاق لها يشمل وجوب القضاء حتّى في صورة التحرّي أو العلم حتّى تكون الرواية معارضة مع ما نفي الاعادة في خارج الوقت. «1»

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 224

______________________________

(1)- أقول: إن ما أفاده

مد ظله يشكل الالتزام به مع سياق الرواية، لأنّ السائل على ما يحكي متن الرواية، حيث قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى على غير القبلة ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى قال: يعيدها قبل أن يصلّي هذه الّتي قد دخل وقتها) كان نظره إلى فهم حال من صلّى على غير القبلة، لا عن لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة و عدمه، فلا بد أن يقال في مقام يرى تعارض بينها و بين الروايات المفصلة إمّا بما قال أوّلا في توجيه الرواية، و امّا بأن يقال: بعد كون ظاهر رواية معمّر هو وجوب الاعادة حتّى في خارج الوقت

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 225

و على كل حال يكون مدلول رواية معمّر هو وجوب الاعادة في خارج الوقت في مطلق من صلّى على غير القبلة سواء كان انحرافه إلى المشرق و المغرب، أو أزيد من ذلك، أو كان بحد الاستدبار.

[الكلام في رواية عمّار]

و امّا رواية عمار «1» و هي هذه (عن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصّلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها في ما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصّلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصّلاة).

فتوهم كونها معارضة مع الروايات المفصلة بين الوقت و خارجه في الاعادة و عدمها، بأن يقال: إنها تدلّ على وجوب إعادة الصّلاة و افتتاحها ثانيا إذا تبين وقوعها مستدبرا للقبلة، و إطلاقها يقتضي وجوب الاعادة حتّى في صورة خروج الوقت مثل ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة فتبين

له وقوع ما مضى من أجزاء صلاته إلى دبر القبلة و خرج الوقت في هذا الحال، أعنى: في أثناء الصّلاة، فيجب بمقتضى إطلاق هذه الرواية قطع صلاته و افتتاحها مجددا، فعلى هذا تدلّ على وجوب الاعادة في صورة الاستدبار حتّى بعد خروج الوقت، فتعارض مع الروايات المفصلة، لأنها دالة على عدم الاعادة في خارج الوقت مطلقا حتّى في صورة وقوع مستدبرا.

______________________________

(1)- و ليس قابلة للتقييد باخبار المفصلة لأنّ موردها خصوص خروج الوقت، فهي نص في هذه الصورة، و مع ذلك قال (يعيد) بأن العمل بها في قبال الروايات المفصّلة، غير ممكن للزوم طرح الروايات المفصّلة ففي مقام التعارض لا بدّ من ترجيح الروايات المفصّلة لكون العمل على طبقها، فالمرجح لها. (المقرر)

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 226

[في ذكر اشكال و الجواب عنه]

و إن قلت: ان الرواية متعرضة لما إذا تبين الخروج عن القبلة و وقوع ما مضى من صلاته على دبر القبلة في أثناء الصّلاة، و الروايات المفصلة لما تبين الانحراف بعد الصّلاة، فموردهما مختلف فلا تعارض بينهما.

أقول بأنّه بعد وجوب الاعادة إذا تبين في الأثناء في صورة الاستدبار مع أن بعض صلاته وقعت مستدبرا، ففي صورة تمامية الصّلاة إن لم تكن الاعادة ثابتة بالأولوية في صورة الاستدبار، فلا أقل من انّه لا فرق مسلما في هذا الفرض بين وقوع بعض الصّلاة مستدبرا في وجوب الاعادة أو وقوع كلها مستدبرا.

و لكن لا مجال لهذا التوهّم حيث ان الرواية مشعرة أو ظاهرة في ما كان تبين الانحراف مستدبرا في الوقت، لأنه من الواضح أنّ الشخص يصلّي صلاته في الوقت، ففرض صورة كان الشخص مشتغلا في الوقت بالصّلاة ثمّ تبين له انحرافه

عن القبلة، و أجاب عليه السّلام بما يستفاد منه وجوب اعادة هذه الصّلاة إذا كان الانحراف بالغا حدّ الاستدبار، فمورد السؤال و الجواب هو مورد يكون الوقت باقيا، ففرض شمولها لخارج الوقت بعيد في الغاية.

نعم هنا رواية رواها الشّيخ الطوسي شيخ الطائفة رحمه اللّه و هي هذه (محمد بن الحسن في النهاية (قال: قد رويت رواية انّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصّلاة، و هذا هو الأحوط و عليه العمل انتهى). «1»

و هذه الرواية تارة يقع الكلام في مقدار دلالتها و أنها هل تعارض مع

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 11 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 227

الروايات المفصلة أم لا، و تارة يقع الكلام في حجيتها و اعتبارها، و أنها هل تكون رواية اخرى غير ما ذكرنا من أخبار الباب أولا.

[الكلام في مقدار دلالة الرواية]

أما الكلام في مقدار دلالتها، فهي تدلّ على انّه من صلّى و وقع ما صلّيها إلى استدبار القبلة تجب إعادتها في صورة علم بعد خروج الوقت بوقوع صلاته مستدبرا للقبلة، فهي خاص بالنسبة إلى الأخبار المفصّلة، لأنّها تدلّ على وجوب الاعادة في خصوص الاستدبار في خصوص بعد الوقت، فلا بدّ من تقييد أخبار المفصلة بها، و تكون النتيجة هو وجوب الاعادة إذا كان الانحراف بالغا إلى المشرق و المغرب و أزيد من ذلك حتّى صورة الاستدبار في الوقت مطلقا، و لا تجب الاعادة بعد الوقت إلا في خصوص ما إذا كان مستدبرا في صلاته إلى القبلة.

و لا وجه لأنّ يقال: بأن النسبة بين هذه الرواية و الروايات المفصلة تكون عموما من وجه، بأن يقال: ان هذه الرواية خاص باعتبار تعرضها لخصوص

صورة الاستدبار و عام باعتبار دلالتها على الاعادة بعد الوقت و خارجه، و الروايات المفصلة عام باعتبار تعرضها لصورة وقوع الصّلاة على غير القبلة- سواء كان وقوعها على غير القبلة بحد الاستدبار، أو إلى المشرق و المغرب أو الأزيد من المشرق و المغرب أنقص من الاستدبار- و خاص باعتبار دلالتها على وجوب الاعادة في خصوص الوقت، فإذا كانت النسبة عموما من وجه فلم تقدمت هذه الرواية على الروايات المفصلة، و ما وجه ترجيح تقديمها.

لأنّا نقول: بأنّه يكون المجال لهذا الكلام في الرواية السابقة أعنى: رواية عمار، على فرض دلالتها على ما توهّم و على فرض تعارضها مع الروايات المفصلة، لأنها على هذا كانت مطلقة بالنسبة إلى الوقت و خارجه، لأنها على ما ذكرنا في وجه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 228

التوهم تدلّ على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و أمّا رواية الشّيخ فليست كذلك أعنى: ليست مطلقة من حيث الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و ليس شمولها لخارج الوقت في وجوب الاعادة بالإطلاق، بل هي نص في وجوب الاعادة في خارج الوقت، لأنّ المفروض فيها هو صورة العلم بعد الوقت باستدبارها للقبلة، فهي خاص أو مقيّد، فيجب تقييد المطلقات بها، فتكون النتيجة ما قلنا.

[الكلام في اعتبار الرواية الّتي رواها الشيخ رحمه اللّه]

و امّا الكلام في اعتبارها و كونها رواية مستقلة غير الروايات الاخر المذكورة في الباب و عدمها، فنقول: بأنّ ما يمكن أن يكون منشأ للاشكال في الرواية من هذا الحيث أمور:

الأمر الأول: أن يقال: بأنّ هذه الرواية مرسلة لأنّ الشّيخ أرسلها بدون أن يذكر سندها، و من تنتهي الرواية إليه فليست بحجة، إذ ربما انّه رحمه اللّه لو ذكر سندها لم نعتمد على كل من يكون في طريق الرواية،

أو بعضها، لاحتمال عدم كونه ثقة عندنا.

الأمر الثاني: أن عمل الفقهاء كالسيد رحمه اللّه و ابن ادريس رحمه اللّه و ابن جنيد رحمه اللّه على التفصيل بين الوقت و خارجه مطلقا سواء بلغ الانحراف بحد الاستدبار أو لا.

الأمر الثالث: انّه يحتمل كون نظر الشّيخ رحمه اللّه في ما (رويت) إلى رواية معمر بن يحيى، أو إلى رواية عمار المتقدم ذكرهما، و فهم رحمه اللّه من أحدهما بأن في صورة الاستدبار تجب الاعادة في خارج الوقت، و ذكرنا وجه أن تكون الروايتان دالتين على وجوب الاعادة في خارج الوقت في ما تقدم عند التكلم عن الروايتين.

الأمر الرابع: أن بعض كلمات الشّيخ في بعض كتبه دليل على عدم كون تلك العبارة منه رواية مستقلة غير ساير الروايات، فانّه في التهذيب ذكر الروايات و لم يتعرض لهذه الرواية، بل في الخلاف عبارته صريح في أنّ دليل من يقول بوجوب

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 229

الاعادة حتّى في خارج الوقت في خصوص الاستدبار هو رواية عمار، فعلى هذا ما قال في النهاية ليس نظره الشريف إلى أنّ رواية اخرى غير ما بايدينا وصل إليه، بل نظره إلى ما قال من انّه (رويت الخ) هي رواية عمار بقرينة ما قال في الخلاف، فنقول في الجواب:

أمّا ما في الأمر الأوّل فما توهّم من أنها مرسلة إلى آخر ما ذكر، فنقول: إن الشيخ رحمه اللّه عادل و قد أخبر بورود رواية عن أحد المعصومين عليهم السّلام و إن لم يصرّح بذلك، لأنّ من الواضح أن نظره الشريف من ورود رواية هو ورودها عن أحدهم عليهم السلام، و خبر العادل حجة، فلا يضر إرسالها في حجيتها.

أما ما في الثاني فاعلم أن بعض الاعاظم

من الفقهاء إما روا هذه الرواية على اختلاف في التعبير كالسيد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات و الشيخ رحمه اللّه في النهاية و بعض آخر، و إما افتوا على طبق ذلك كالمفيد رحمه اللّه و بعض آخر، و امّا السيّد المرتضى رحمه اللّه و ابن ادريس رحمه اللّه فعدم إفتائهما على طبق هذه الرواية يكون من باب أنهما لم يعملا على الخبر الواحد، و أمّا ابن جنيد رحمه اللّه فحيث إنه ليس الواصل إلينا وضع فقاهته و إحاطته حتى يمكن لنا التوقف لأجل عدم إفتائه بذلك في قبال الشيخ رحمه اللّه و المفيد و غيرهما من الفقهاء لأنّه ليس اثر له إلا كتاب (المختصر الاحمدي في الفقه المحمدي) و يظهر من العلّامة رحمه اللّه أن هذا الكتاب وصل بيده، و أمّا بعد العلّامة رحمه اللّه فلم نقف على هذا الكتاب، فعمل على طبق هذه الرواية المشهور من الفقهاء و إن كان لها ضعف من أجل ارسالها فهي منجبرة بعمل الاصحاب و إن لم يظهر من كلماتهم استنادهم بها في الفتوى، بل يكفي صرف مطابقة فتوى المشهور مع الحكم المستفاد من الرواية في جبر ضعف سندها.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 230

[الكلام في الامر الثالث و الرابع في الرواية الّتي رواها الشيخ]

أما في الأمر الثالث فانّه كيف يمكن أن يقال بكون نظر الشّيخ رحمه اللّه في قوله (رويت) إلى رواية معمر بن يحيى أو رواية عمار، لأنه كما قلنا لا يستفاد منهما وجوب إعادة الصّلاة بعد الوقت في خصوص الاستدبار، و لا يستظهر ذلك منهما، فكيف يستند رحمه اللّه بهما مع عدم ارتباطهما بما قال من أنّه (رويت رواية أنّ من صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه اعادة الصّلاة، و هذا

هو الأحوط و عليه العمل) و كيف يمكن أن يقال باختفاء أمر واضح عليه رحمه اللّه و أنه تخيل دلالة أحد الروايتين على هذه الفتوى فقال هكذا في النهاية فمن هنا نعلم أن نظره الشريف ليس إلى الروايتين، بل هي رواية اخرى غيرهما.

و امّا في الأمر الرابع فنقول: أنّ عدم تعرض الشيخ رحمه اللّه لهذه الرواية الّتي- ذكرها في النهاية- في التهذيب، و كذا الاستدلال لوجوب الاعادة في صورة الاستدبار برواية عمار في الخلاف لا ينافي أيضا مع كونها رواية مستقلة، لأنّ عدم الذكر في بعض كتبه أو الاستدلال لوجوب الاعادة في خارج الوقت في صورة الاستدبار برواية عمار في بعض كتبه، لا يوجب أن يكون ما نقل من الرواية في كتابه الآخر أعنى: النهاية، هو رواية عمار. فإذا لا يبعد كون ما ارسله رواية مستقلة الدالة على وجوب الاعادة في خارج الوقت لو تبيّن استدباره للقبلة.

و عدم ذكر لها في الجوامع الأربعة (الكافي و التهذيب و الاستبصار و من لا يحضره الفقيه) لا يوجب انكار الرواية، لأنّه كانت جوامع اخر سابقة على هذه الجوامع، و ربّما أخذ الشّيخ منها و لم يصل إلينا هذه الجوامع. «1»

______________________________

(1)- أقول: و مع ذلك كله و لو أنّ سيدنا الاستاد مدّ ظله استوفي الكلام فى هذه الرواية، و جاء

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 231

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و الحمد للّه أولا و آخرا، و في الخلل بعض مسائل اخر لم يتعرض له سيدنا الاستاد مدّ ظلّه.

الجهة الرابعة: في عدم اشتراط الاستقبال في النوافل.
اشارة

لا إشكال في جواز إتيان النافلة حال السفر، بل في مطلق حال المشي و إن لم يكن في السفر، و يدل على ذلك بعض الروايات، و لا حاجة إلى تعرضها

مفصلا، فارجع باب 15 من أبواب القبلة من الوسائل، فإنّ بعض الروايات صريحة في عدم شرطية الاستقبال في النوافل حال السفر و حال المشي، و بعض الروايات يمكن ان يكون دليلا على ذلك بالملازمة، لأنه بعد دلالتها على جواز النافلة حال المشي و الركوب فغالبا يكون المشى و الركوب ملازما مع الخروج عن القبلة، لأنّ الطريق ليس مستقيما، فهو بانحراف الطريق ينحرف عن القبلة، فمن جواز إتيانها حال المشي و الركوب مع كون ذلك ملازما للانحراف عن القبلة نكشف بالملازمة عدم شرطية القبلة للنافلة فى هذا الحال.

فهذا لا إشكال فيه كما انّه لا إشكال في عدم شرطية الاستقبال في حال السفر و مطلق المشي في النافلة حتّى في حال تكبيرة الاحرام، لأنه و إن تدلّ على شرطية القبلة في النافلة في هذا الحال الرواية 12 من الباب 15 من أبواب القبلة من

______________________________

بتحقيقات و نكات، و لكن لم نفهم كون ما ارسله في النهاية رواية اخرى غير ساير روايات الباب مع تصريحه في الخلاف بأن ما يخصص العمومات الدالة على وجوب الإعادة في الوقت و عدمها في خارجه، في خصوص خارج الوقت في صورة الاستدبار هو رواية عمّار، فإذا نظنّ ظنّا قويا بكون نظره في النهاية أيضا إلى رواية عمار، فلا يمكن احراز رواية اخرى حتّى يحكم بمقتضاها بأن في صورة الاستدبار تجب الاعادة حتّى في ما تبين الاستدبار بعد الوقت، و لكن الاحتياط حسن. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 232

الوسائل، إلا أن الرواية 6 بنقل الكليني (لا على ما رواه الشّيخ رحمه اللّه من الباب 15 من أبواب القبلة من الوسائل) تدلّ على عدم اشتراط القبلة فيها حتّى في هذا الحال.

[الكلام في انّه هل القبلة ليست شرطا في النوافل او شرطا خرج حال السفر و حال المشي منه]

هذا ممّا لا

اشكال فيه، انما الاشكال في أنّه هل القبلة غير معتبرة اى لا تكون شرطا في النافلة أصلا بحيث يجوز إتيانها إلى غير القبلة حتّى في حال الاستقرار، أو ليس كذلك، بل القبلة شرط فيها، غاية الأمر خرج حال السفر و حال المشي، و يبقى الباقي، و لا يخفى عليك أنّ الكلام يكون في دخلها و عدم دخلها شرطا، فإن كانت شرطا فإن نافلة بدون الشرط لم تقع صحيحا، و إن لم تكن شرطا فيها فتقع النافلة بدون وجودها صحيحة، و ليس الكلام في أنّ القبلة واجب فيها بالوجوب التكليفي، أو ليس بواجب حتّى يتوهم أحد و يقول: انّه كيف يمكن أن تكون القبلة واجب في النافلة مع كون نفس النافلة مستحبة، فمن أجرى البحث إلى هذا المقام، و توهم كون النزاع في كون القبلة واجبا فيها بالوجوب التكليفي و عدمه، فقد بعد عن طريق الصواب بمراحل، بل النزاع يكون في الوجوب الوضعي، و هو عبارة عن أن القبلة شرط فيها أولا.

[الامر الاول من الامور الّتي تمسّك به في هذا الباب]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إن ما تمسك به في هذا الباب بعض امور نعترض لها:

الأمر الأول: و هو الّذي تكون العمدة في المسألة، الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنّه قال: لا صلاة ألّا إلى القبلة: قال: قلت: أين حد القبلة؟ قال:

ما بين المشرق و المغرب قبلة كله. قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 233

غير الوقت؟ قال: يعيد.) «1»

وجه الاستدلال هو المستفاد من قوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) أنّه نفي الصلاتيّة من صلاة ليست إلى القبلة و بعد كون لا صلاة مفيدا للعموم فيعم هذه العبارة لكل صلاة،

فكل صلاة من الصلوات يعتبر فيها القبلة سواء كانت صلاة فريضة أو نافلة. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- أقول: و أوردت عليه مد ظله في المجلس البحث و قلت: بأنّ قوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) على فرض اطلاقها في حدّ ذاته بحيث يشمل النافلة، و لم يكن مختصا بالفريضة، و لكن ذيل الرواية و هو قوله (فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال يعيد) مناف مع كون الاطلاق لقوله (لا صلاة إلا إلى القبلة) لأنّ وجوب الاعادة المستفاد من قوله عليه السّلام (يعيد) لا يساعد إلا مع كون (لا صلاة الا الى القبلة) مختصا بالفريضة، لأنّ في الفريضة تجب الإعادة إذا وقعت على غير القبلة لا النافلة.

و قال مدّ ظله في الجواب: بأنّ (يعيد) ليس الا في مقام بيان عدم وقوع الصّلاة الواقعة على غير القبلة واجدة للشرط و أنّه لأجل كونها غير واجدة للشرط لم يأت بها المكلف، فلو كان المكلف في مقام تحصيل مطلوب المولى فلا بدّ له من اعادتها مع القبلة، فعلى هذا في الفريضة الواقعة بدون شرط القبلة لا بد له في مقام حفظ مطلوب المولى من اعادتها مع الشرط، و ان كانت نافلة و كان في صدد تحصيل مطلوب استحبابى المولى فلا بدّ له أيضا من إعادة النافلة الواقعة بلا شرط مع الشرط مجددا فقوله عليه السّلام (يعيد) لا ينافي مع كون (لا صلاة إلا إلى القبلة) شاملة للفريضة و النافلة، فقوله عليه السّلام (بعيد) يدلّ على أنّه بعد ما (لا صلاة إلا إلى القبلة) فمن صلّى إلى غير القبلة لم يأت صلاته و لم يوجد مطلوب المولى،

بل لا بد له من الاعادة فى مقام تحصيل مطلوب المولى، فإن كان مطلوبه وجوبيا فتجب الاعادة قهرا، و ان كان مطلوبه استحبابيا لا تجب الاعادة، بل إن كان في مقام إتيان مطلوب استحبابي المولي فيستحب له الاعادة في ما يكون أمر الاستحبابي باقيا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 234

[الامر الثاني لاشتراط القبلة مطلقا]

الأمر الثاني لاشتراط القبلة مطلقا: ما قيل من عدم معهودية الصّلاة مستقرا إلى غير القبلة عند المتشرعة بل يرون ذلك من المنكرات.

و فيه انّه لا عبرة بما قيل، فإنه لو فرض كون المعهود عندهم هو الصّلاة إلى القبلة، فلا يصير ذلك وجها لعدم جواز غير ذلك عندهم، بل يمكن أن يكون مختارهم من الصّلاة إلى القبلة يكون من باب كون الأفضل إتيانها إلى القبلة، لا لزوم ذلك بحيث يكون مع فقدها الصّلاة باطلة، و لا يمكن دعوى السيرة في العدميّات و إلّا فلا بد من الالتزام بعدم جواز كل فعل لم يصدر من المتشرعة (و من هذا القبيل بعض امور اخر تمسك به لاعتبار القبلة في النافلة حال الاستقرار).

أما الروايات الّتي تمسك بها لعدم اعتبار القبلة في النافلة مطلقا حتّى حال الاستقرار (منها الروايات الواردة في سقوطها حال السفر بدعوى عدم فرق بين السفر و غيره، كما يظهر من مطاوي كلمات الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه. «1»

و فيه انّه مع الفرق الواضح بين السفر و المشي و بين حال الاستقرار، كما يظهر من بعض روايات الباب من أن ذلك ضيق في السفر، انّه لو لم يثبت الفرق من أين

______________________________

و لكن كما قلت لا يمكن أن يقول كذلك، لأنه و ان كان دخل القبلة في الصّلاة بنحو الشرطية، و معناه عدم تمامية الصّلاة إلا متوجها

إلى القبلة، لا أنها واجب بالوجوب التكليفي، و الاعادة تكون من باب عدم حصول ما هو شرط في الصّلاة و لكن مع ذلك بعد عدم اتيان الصّلاة مع شرائطه، فالاعادة، واجبة بالوجوب التكليفي لا الوجوب الشرطي بحيث يكون المكلف معاقبا على ترك الاعادة، لأنه ما اتى بما وجب عليه و هو الصّلاة كما امر بها، فقوله عليه السّلام (يعيد) في الرواية ظاهر في الوجوب و على هذا الظهور يستفاد أن قوله في الصدر (لا صلاة إلا إلى القبلة) ليس لها إطلاق يشمل النافلة. (المقرّر).

(1)- مصباح الفقيه، ص 111.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 235

اثبت عدم الفرق حتّى يقال: بأنّه كما لا تعتبر القبلة حال السفر و المشي كذلك لا تعتبر حال الاستقرار.

و منها ما رواها محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن زرارة (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: الصّلاة في السفر في السفينة و المحمل سواء؟ قال: النافلة كلها سواء تؤمي ايماء أينما توجهت دابتك و سفينتك، و الفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلّا من خوف، فإن خفت أومأت، و امّا السفينة فصلّ فيها قائما و توخّ القبلة بجهدك، فإن نوحا عليه السّلام قد صلّى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة و هي مطبقة عليهم. قال:

قلت: و ما كان علمه بالقبلة فيتوجهها و هي مطبقة عليهم؟ قال: كان جبرئيل عليه السّلام يقومه نحوها. قال: قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال: أما النافلة فلا إنما تكبّر على غير القبلة اللّه اكبر، ثمّ قال: كل ذلك قبلة للمتنفّل أينما تولّوا فثمّ وجه اللّه). «1»

وجه الدلالة ذيل الرواية قال (أما النافلة الخ) فهو يدلّ على عدم كون النافلة مشروطة بالقبلة مطلقا.

[الاحتياط مراعاة القبلة في النوافل في حال الاستقرار]

و فيه انّه

إذا تأملنا في الرواية نرى أنّها أيضا مخصوصة بحال السفر، فالذيل لا يدل إلا على عدم اشراطها بالقبلة حال السفر في السفينة و على الدابة، و لا إطلاق لها يشمل لكل مورد حتّى حال الاستقرار.

و منها ما ورد في باب الالتفات عن القبلة حال الصّلاة، و هي الرواية رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 13 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 236

الفريضة و التفت إلى خلفه، فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود.) «1»

و رواه الحميري في قرب الاسناد «2» عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر من أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «3»، و قال مد ظله بان هذه الرواية وردت في الالتفات عن القبلة و انّه من القواطع و هذه الجهة غير ما نحن فيه و هو بيان شرطية القبلة للصّلاة و عدمها، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد كون الالتفات قاطعا نستكشف كون التوجّه نحو القبلة واجبا، و من عدم كونه قاطعا نستكشف عدم شرطيته.

هذه جملة ممّا يمكن أن يقال في طرفي المسألة، و لكن الاحتياط هو مراعات القبلة في النوافل حال الاستقرار، فافهم.

[الجهة الخامسة: في عدم جواز اتيان صلاة الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة]

الجهة الخامسة: لا اشكال في عدم جواز إتيان صلاة الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة، و جواز ذلك حال الضرورة، كما لا إشكال في جواز إتيان

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من أبواب القواطع من

الوسائل.

(2)- قرب الاسناد ص 107 ح 381.

(3)- (و ربّما يتوهم أن هذه تدلّ على اعتبار القبلة في النافلة في الجملة، لأنّ مورد الروايات ليس العمد، لبعد توجه أحد في الفريضة إلى دبر القبلة، فيكون موردها صورة النسيان، و في النافلة في صورة كونه ناسيا قال (لم يقطع ذلك صلاته) فهذا دليل على أن القبلة معتبرة فيها في الجملة، غاية الأمر في صورة النسيان لا تعتبر ذلك، و لكن قوله في ذيل الرواية في النافلة (لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود) دليل على أن الالتفات المفروض للسائل كان عمدا، لأنه قال في النافلة (لا يعود) يعني: لا تجدد هذا العمل، فإن كان فعله أوّلا ناسيا لا معنى للنهي عن العود، فهذه الرواية لا تبعد دلالتها على عدم اشتراط القبلة في النافلة بحيث مع عدمها كانت النافلة باطلة، نعم يمكن أن يقال بكون ذلك مستحبا في النافلة، و بعد ما قلت بدلالة الرواية على عدم الاشتراط تمّ البحث، و لم يتعرض سيدنا للرواية و أنها تدلّ على ذلك أم لا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 237

النافلة على الراحلة مطلقا حتّى في غير حال الضرورة، و يدل على الحكمين بعض ما ورد في الباب، فارجع باب 14 و باب 15 من أبواب القبلة من الوسائل، إنما الكلام في موردين:

[الروايات المتعارضة في النافلة المنذورة]

المورد الأول: في النافلة الّتي صارت واجبة بالعرض مثل ما لو نذر إتيان نافلة، فإنها نافلة ذاتا و صارت واجبة بالعرض، و أن حكمها حكم النافلة بعد طروّ حيث الوجوب، أو حكم الفريضة حتّى يجوز إتيانها على الراحلة على الأول، و لم يكن جائزا على الثاني.

الأمر الثاني: يقع الكلام في الفريضة الّتي صارت نافلة بالعرض مثل صلاة المعادة،

فإن من صلّى فرادى مثلا يستحبّ له إتيان صلاته مجددا و إعادتها جماعة، فهل يجوز إتيان مثل هذه الصّلاة على الراحلة بدعوى كونها نفلا فعلا فحكمها حكم النافلة، أو لا يجوز ذلك بدعوى كون حكمها حكم الفريضة و إن صارت نفلا بالعرض.

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول: إنّ في الباب تكون روايتان يمكن دعوى شمولهما للمورد أعنى: للنافلة الّتي صارت فريضة بالعرض، فلا يجوز اتيانها على الراحلة.

الرواية الأولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يصلّي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء، و يؤمى في النافلة إيماء). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 238

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام:

أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض راكبا؟ فقال: لا إلا من ضرورة). «1»

وجه الاستدلال هو أن قوله في الرواية الأولى (لا يصلّي على الدابة الفريضة) و قوله في الثانية (أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض) تدلّ على أن الفريضة لا يجوز إتيانها على الدابة أو راكبا، و المراد من الفريضة ليس خصوص الفرائض المعهودة، بل إطلاقها يشمل كل فريضة، و منها هذه الفريضة، و هي النافلة صارت فريضة بالعرض.

و في قبال الروايتين وردت رواية اخرى، و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه أن يصلّي كذا و كذا، هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟ قال: نعم). «2»

و هذه الرواية تدلّ

بظاهرها على جواز نافلة المنذورة على الدابة، فإن فرض إطلاق للروايتين المتقدمتين، فيقيّد إطلاقهما بهذه الرواية، فمقتضى الجمع بينهما و بين هذه الرواية هو جواز إتيان هذا القسم من النافلة على الراحلة، فلو لم يكن وجه آخر لجواز إتيان نافلة المنذورة على الراحلة، لكفي لنا هذه الرواية.

و ربّما يتوهّم أنّ النسبة بين الروايتين و بين هذه الرواية تكون عموما من وجه، لأنّ الروايتين أعم من حيث شمولهما لما هو فرض ذاتا و ما هو فرض بالعرض، و خاص باعتبار دلالتهما على عدم جواز إتيان الفريضة على الدابة راكبا في خصوص غير حال الضرورة، و أمّا في حال الضرورة فيجوز إتيان الفريضة

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 14 من أبواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 239

بمقتضى الروايتين، و رواية علي بن جعفر اعم من جهة، و هي ظهورها في جواز إتيان نافلة المنذورة على الدابة حتّى في غير حال الضرورة، و أخص باعتبار كون موردها خصوص نافلة المنذورة، فإذا كانت النسبة بينهما عموما من وجه فلم قدّمت رواية علي بن جعفر عليهما و قيدت بها الروايتين، بل يمكن العكس و تكون النتيجة جواز إتيان نافلة المنذورة على الدابة في خصوص حال الضرورة، فما وجه ما قلت من تقييدهما بهذه الرواية حتّى كانت النتيجة جواز اتيان نافلة المنذورة على الدابة مطلقا.

و لكن هذا توهّم فاسد، لأنه أولا يمكن منع شمول الفريضة الواردة في الروايتين على اختلاف التعبير فيهما للمورد، و كون إطلاق لهما يشمل المورد، لإمكان منع ذلك.

و ثانيا لو فرض تسليم ذلك نقول: بأنّ مورد تعارض الروايتين مع رواية علي بن جعفر يكون في

النافلة المنذورة في غير حال الضرورة، لأنه لو كانت الضرورة فلا إشكال في الجواز و إن كانت الصّلاة فريضة اصلية فالتعارض فى هذا المورد، لأنّ مقتضى إطلاق الروايتين عدم جواز إتيان نافلة المنذورة في غير حال الضرورة، و مقتضى إطلاق هذه الرواية جواز اتيانها في غير حال الضرورة.

فإذا كان الأمر كذلك، فحيث ان الميزان في مقام الجمع الدلالى هو الأخذ بأقوى الظهورين بحكم العرف، فنقول: بأنّه نرى أنّ رواية علي بن جعفر بحسب ظاهرها أقوى ظهورا لشمولها لمورد غير الضرورة من الروايتين، بل يمكن ادعاء أنّ نظر السائل فيها إلى خصوص حال غير الضرورة، خصوصا لو قلنا: بأنّ مثل علي بن جعفر- مع كون مسئلة جواز الصّلاة على الراحلة من المسائل الّتي مورد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 240

تعرض العامة- فهو كيف لا يدري مع جلالته بأنّ الصّلاة حتّى الفريضة يجوز اتيانها على الراحلة حال الضرورة، فلا بدّ و أن يكون سؤاله راجعا إلى مورد نذر النافلة في غير حال الضرورة، فعلى هذا تكون الرواية نصا في غير مورد الضرورة، فتقدم على الروايتين بلا إشكال لأنّهما مطلقتان و هي مقيّدة.

هذا كله بمقتضى ما يستفاد من الروايات في الباب، و يمكن أن يقال: بعدم شمول بعض الروايات الدالة على عدم جواز إتيان الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة للنافلة الّتي صارت واجبة بالعرض بأن يقال: إنّ ما يدلّ من الروايات على عدم إتيان الفريضة على الراحلة في غير حال الضرورة فيه احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يكون المراد من الفريضة هي الطبائع المعنية في الخارج مثل الفرائض اليومية، فتكون الروايتان في مقام بيان عدم جواز إتيان هذه الطبائع مع عدم الضرورة على الراحلة، و على هذا تكون

الفريضة في الرواية الأولى و المفروض في الرواية الثانية إشارة إلى الطبائع المعينة الّتي تكون فريضة، فإن كان الأمر هكذا فلا يشمل لفظ الفريضة و الفروض إلا هذه الطبائع، و لا يشمل للنافلة المنذورة.

و بعبارة اخرى يكون المراد من الفريضة و المفروض ما كان فرضا ذاتا لا ما صار واجبا بالعرض، فإن النافلة المنذورة نافلة واجبة لا الفريضة.

[المراد من الفريضة ما كان ذاتا واجبا لا بالعرض]

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الفريضة و المفروض في الروايتين ما يكون فرضا غير مشير إلى الطبائع المعينة، و بعبارة اخرى ما هو فرض فعلا، و إن لم يكن فرضا ذاتا، فيشمل النافلة المنذورة أيضا لانها فريضة فعلا.)

و الأقوى الاحتمال الأول، فإنّ الفريضة بحسب إطلاقها تكون إشارة إلى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 241

الطبائع المعينة، فلا تشمل للنافلة المنذورة، و بعبارة اخرى الفريضة تكون ما هي فريضة ذاتا، لا ما تكون فريضة فعلا.

فنقول: قد تحصل أن النافلة الّتي عرضها الوجوب يجوز إتيانها على الراحلة حتى في غير حال الضرورة.

أما الكلام في المورد الثاني أعنى: في الفريضة الّتي صارت نفلا بالعرض مثل الفريضة المعادة، فنقول: إنّه لا يبعد عدم جواز إتيانها على الراحلة في غير حال الضرورة، لأنّ شمول الادلة الدالة على إتيان النافلة على الراحلة حتّى مع عدم الضرورة لما نحن فيه غير مسلم، مضافا إلى أنّ ما بينا لك في المورد الأوّل من أنّ الظاهر من الفريضة بنظر العرف يكون إشارة إلى الطبائع المعينة الّتي تكون فريضة لا إلى كل ما يصير واجبا، كذلك نقول: بأنّ الظاهر من النافلة، الطبائع بحسب وضعها الشرعي تكون نافلة، و بعبارة اخرى نافلة ذاتا لا ما صار نفلا بالعرض.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 242

هذا تمام الكلام في هذه المسألة

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلى اللّه على رسوله و آله و سلم.

هذا تمام المباحث الّتي تعرّضها سيدنا الاستاد مدّ ظله في القبلة، و قد قرّرنا ما أفاده مد ظله مع بعض ما خطر ببالي القاصر، و قد فرغ من المباحث المتعرضة لها في القبلة في اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 1370 و أنا الاقل على الصافي الگلپايگاني اللهم اجعل عواقب امورنا خيرا.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 243

المقدّمة الرابعة: في الستر و الساتر
اشارة

و بعد لما فرغ سيدنا المعظم و استادنا الاعظم آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي متعنا اللّه بطول بقائه عن المباحث المتعلقة بالقبلة، شرع في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 1370 في المباحث الراجعة إلى الستر و الساتر، و أسأل اللّه لأنّ يوفقني لفهم ما يقول مد ظله، و تحريره مع ما يخطر ببالي القاصر، و يجعلني من أهل العلم و العمل، و يوفقني لترويج دينه و يجعل عاقبة أمري خيرا.

فنقول بعونه تعالى يقع الكلام:

تارة فى الستر أعنى ما يجب على المكلف ستره من بدنه امّا بالوجوب النفسى و اما بالوجوب الشرطى:

فالاوّل: ما يجب على كل مكلف ستره من بدنه مطلقا و لو في غير حال الصلاة و معنا وجوبه النفسى أنّه يستحق الثواب على فعله و العذاب على تركه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 244

و الثّاني: ما يجب عليه ستره من بدنه حال الصلاة بالوجوب الشرطي أعنى لو ستر هذا المقدار من بدنه فقد أتى بشرط صلاته، و إن لم يستر حال الصّلاة و صلّى بدون ذلك، فصلاته فاقدة للشرط، و ليس على ترك نفس هذا الشرط عقاب، بل الثواب و العقاب يدور مدار إتيان الصّلاة واجدة

للشرائط و عدم اتيانها.

و تارة في الساتر أعنى: ما به يستر المكلف نفسه، و فى هذا المقام ليس السّاتر بما هو ساتر مورد الكلام، و إن كان كلام في هذا المقام فيكون في اللباس الذي يلبس المكلف و لو لم يستر به، فيقع الكلام في أنّ اللباس الّذي يصير ساترا لا بدّ و أن يكون خاليا عن بعض الموانع، و يأتي الكلام فيها إن شاء الله، ففي هذا المقام يقع الكلام في ما هو مانع.

إذا عرفت ذلك ظهر لك ما هو السر في التعبير في كلماتهم بأنّ الكلام يكون في الستر و الساتر، لأنّ البحث في الستر من حيث غير ما يبحث في الساتر فافهم.

و اعلم أنّ الكلام ليس في مقدار يجوز النظر على المكلف من الرجال و النساء، و ما لا يجوز النظر، بل الكلام في الستر الواجب عليهم، فإن ثبت وجوب الستر في مورد أو عدمه في مورد آخر، فلا يلازم ذلك مع عدم جواز النظر و جواز النظر به، إذ ربما قلنا بوجوب الستر في مورد، و لم نقل بعدم جواز النظر إليه، أو قلنا بعدم وجوب الستر و لكن قلنا بحرمة النظر إليه.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 245

المورد الاوّل: يقع في الستر
اشارة

ثمّ إنّ الكلام في المورد الأوّل اعنى فى الستر يقع في مقامين:

المقام الأول: في المقدار الّذي يجب على المكلف ستره من بدنه مطلقا و لو في غير حال الصّلاة.

و المقام الثاني: في المقدار الّذي يجب ستره من بدنه في خصوص حال الصّلاة.

أما الكلام في المقام الأوّل فنقول- بطريق الاختصار، لأنّ المقام ليس مقام تعرضه بنحو المستوفي- إنّ التكلم في هذا المقام يقع تارة في الستر الواجب على الرجال، و تارة يقع في الستر

الواجب على النساء.

[يقع الكلام في مفاد آية الشريفة من سورة النور الآية]

أما الستر الواجب على الرجال، فنقول: اعلم أنّ المسلم عند المسلمين من الخاصة و العامة هو وجوب ستر العورتين على الرجال بمعنى: وجوب ستر القضيب و الانثيين و المقعد، و هذا المقدار مسلم عند الفريقين، و يدل على ذلك قوله تعالى في

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 246

سورة النور قال عزّ من قال قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ الخ «1» فأوجب سبحانه تعالى غضّ البصر عليهم، و حفظ فروجهم، و نحن نتكلم في الجهات الراجعة إلى مفاد الآية في طي امور:

الأمر الأول: يقع الكلام في مفاد قوله تعالى يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ فقال الأخفش بكون (من) في قوله (من ابصارهم) زائدة، و قال بعض بكون (من) هنا للتبعيض، فان كانت من زائدة فتكون المعنى انّه يجب غض أبصارهم، و إن كانت من هنا للتبعيض فإمّا يكون التبعيض باعتبار الابصار أعنى: يجب الغض عن ابصار بعض الامور، و ليس الأمر بحيث يجوز ابصار كل شي ء، و لا أن يكون الحرام ابصار كل شي ء، بل الابصار جائز إلى بعض الاشياء و حرام بالنسبة إلى بعض الاشياء، و إمّا يكون التبعيض باعتبار المبصر (بالفتح) أعنى: لا يجوز أن ينظر المرء إلى كل ما يكون مبصرا.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لا يمكن أن يقال: بعدم جواز النظر إلى كل شي ء على المؤمنين باعتبار أن اللّه تعالى يقول (يغضوا من أبصارهم) فهو عز شانه لم يعين مورد عدم جواز النظر، و حذف المتعلّق يفيد العموم، فلا يجوز النظر إلى شي ء من الاشياء، لأنّ بطلان ذلك مسلم من الدين، لأنه بالضرورة يجوز النظر إلى بعض الاشياء، فوجوب الغض لا إشكال في كونه بالنسبة إلى بعض المواضع

و بعض الأشياء، كما أنّ (من) إن كانت للتبيض يقتضي ذلك.

و ما يمكن أن يقال فى هذا المقام هو انّه إذا لوحظ قوله تعالى (يغضوا من

______________________________

(1)- سورة النور، الآية 30.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 247

أبصارهم) مع قوله (و يحفظوا فروجهم) ترى أن البلاغة تقتضي كون مورد وجوب الغض هو المورد الّذي يجب حفظه من أن ينظر إليه، فكأنّ اللّه تعالى في مقام إثبات أمرين: أحدهما وجوب حفظ الفرج من أن ينظر إليه، و ثانيهما وجوب الغض عن ذلك، يعني لا تنظر إلى عورة الغير، و لا تجعل عورتك معرضا لأنّ ينظر إليه، بل أستره عن الناظر، فالبلاغة مقتضية لأنّ نقول: ان المراد هو وجوب غض البصر عن عورة الغير فبناء على هذا ما يأتي بالنظر هو كون المراد وجوب غض البصر على الرجال عن عورات غيرهم، لا وجوب غض البصر مطلقا عن كل شي ء، لعدم وجوب في ذلك بالضرورة من الدين، نعم بمقتضى شان نزول آية المباركة هو وجوب الغض على الرجال أزيد من عورات النساء، لأنّ رواية 4 من الباب 104 من أبواب النكاح من الوسائل تدلّ على ذلك، فارجع الرواية.

[في وجوب ستر العورة على الرجال]

الأمر الثاني: اعلم أن الواجب على الرجال هو ستر العورتين بمعنى وجوب ستر القضيب و الانثيين و المقعد، و هذا المقدار كما قلنا مسلم عند الفريقين، و المشهور عند العامة وجوب الستر من السرّة إلى الركبتين، بل قال أبو حنيفة بوجوب ستر نفس الركبتين أيضا و المقدار الثابت من الآية أيضا هو العورتين، لأنّ قوله (و يحافظوا فروجهم) و ان كان المراد من الفرج لغة معنى أخص من شموله لكلا العورتين إلا ان الفرج بحسب إطلاقه العرفي يطلق على العورتين.

الأمر الثالث: يقع

الكلام في الناظر الّذي يجب على الرجال ستر العورة منه، لا إشكال في وجوب الستر عن النساء، و كذا الرجال، و كذا الصبي المميز، و أمّا الصبي الغير المميز الّذي لا يلتفت إلى هذه الخصوصيات، و لم يكن فرق في شعوره بين العورة و غيرها فوجوب الستر عنه غير معلوم، و أمّا المجنون فإن كان مثل الصبي

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 248

الغير المميز، فهو أيضا وجوب الستر عنه غير معلوم، لعدم اطلاق لقوله (و يحافظوا فروجهم) يشمل لهذا المجنون، و أمّا المجنون الّذي له المشاعر، و مع جنونه يتلفت إلى هذه الخصوصيات، فلا يبعد وجوب ستر العورة عنه، و كذلك يجب ستر العورة عن الخنثى على الرجال.

و أمّا الكلام في أنّه يجب الستر في خصوص صورة العلم برؤية الناظر، أو مع الظن بذلك، أو حتّى مع الاحتمال فيأتي الكلام فيه بعد التكلم في وجوب الستر على النساء، و الجهات الراجعة إليها بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى.

هذا تمام الكلام في الجهات الراجعة إلى الستر الواجب على الرجال بطريق الاختصار.

[الكلام في الستر الواجب على النساء]

و أمّا الكلام في الستر الواجب على النساء فنقول: إنّه تارة يقع الكلام يستفاد من بعض الآيات الشريفة، و تارة يقع الكلام في ما يستفاد من الروايات.

أما الكلام في بعض الآيات فنقول: قال اللّه تعالى في سورة النور «1» قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ الخ.

تدلّ الآية على وجوب غض البصر عليهنّ و ستر الفروج، لأنّ المراد من حفظ الفرج هو الستر، كما يدلّ عليه ما روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على

ما في مجمع البيان «2» المستفاد منه أن كل آية من الآيات القرآنية الّتي فيها حفظ الفرج، فالمراد

______________________________

(1)- سورة النور، الآية 31.

(2)- مجمع البيان، ج 7 و 8، ص 138.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 249

منه حفظه عن الزنا إلا هذه الآية، فإن المراد منه ستره، و المراد من قوله (و لا يبدين زينتهن) ليس النهي من ابداء نفس الزينة، لأنّ إظهارها بدون أن تكون في البدن لا مانع منها، فإنه لا يحرم إبداء الخلخال مثلا بنفسه، بل المراد عدم جواز إبدائها إذا كانت في مواضعها، فالنهي يكون من الزينة الواقعة في مواضعها من البدن كما أنّ المناسب ذلك، لأنّ إظهارها فى حال وقوعها في مواضعها موجب لتهييج الشهوة، و لكن استثنى منها ما ظهر منها، و يأتي الكلام إنشاء اللّه في ما هو المراد ممّا ظهر منها.

و المراد من قوله (وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ) كما يظهر من بعض التفاسير أيضا هو القاء الخمار أعنى: المقنعة و بالفارسية (چارقد) على صدورهن و لا يصنعن كما تصنع قبل ذلك من إلقاء ذيل الخمار و أطرافه على ظهورهن بحيث يكشف بذلك جيوبهنّ و صدورهن، بل وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ يعني:

يسترن صدورهن بالخمار، و امّا أنّه تعالى تكرر قوله (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فلعله كان قوله أولا (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) لبيان عدم جواز إبدائها إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا، و ذكره ثانيا كان لاجل أن يعلمن انّه لا يجوز إبداء الزينة إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ الخ، فهذا ما يستفاد من الآية، و ما ينبغي أن يقال فيها بنحو الاجمال.

و قوله تعالى في سورة الاحزاب يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ

ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً «1» الجلباب أكبر من خمار المرأة، و هو الّذي يغطي رأسها و وجهها، فالظاهر من قوله تعالى هو وجوب ستر الرأس و الوجه بالجلباب، لأنّ المراد من قوله (يدنين عليهن) هو الستر على أنفسهنّ بالجلباب، كما يقال: أدنى عليك ثوبك كما قال

______________________________

(1)- سورة الاحزاب، الآية 59.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 250

الكشاف، أي: أرخى عليك ثوبك، و الجلباب بعد ما يكون ثوبا يغطي الرأس و الوجه، فالمراد ستر الوجه و الرأس بالجلباب، فيستفاد من هذه الآية وجوب ستر الرأس و الوجه بالجلباب.

[الكلام في الروايات الواردة في الباب]

أما الكلام في الروايات فنقول: ان الكلام في الروايات المتمسكة بها لوجوب ستر تمام البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين، بعد ما لا إشكال في وجوب ستر غير الوجه و الكفين على النساء بالضرورة عند المسلمين من الخاصّة و العامة، فنحن نكون في مقام بيان ذكر ما يمكن أن يستدل بها على وجوب الستر على النساء الوجه و الكفين فنقول:

منها ما روي في طرق العامة (المرأة عورة) و على نقل بعضهم (جسد المرأة عورة) أو (بدن المرأة عورة) أو (النساء عورة) و روي أيضا في طرقنا، فقد روي هذا المضمون على اختلاف في اللفظ مع إضافة في رواياتنا.

أحدها: ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال عليه السّلام: إنما النساء عىّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العي بالسكوت.) «1»

و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر مثله، إلا انّه ترك

لفظ إنما، و رواه الشّيخ في المجالس و الاخبار باسناده عن هشام بن سالم مثله.

ثانيها: ما رواها محمد بن الحسن في المجالس و الاخبار تنتهي سندها إلى فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن جدها علي بن ابى طالب عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 24 من أبواب النكاح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 251

النساء عيّ و عورات فداووا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت). «1»

ثالثها: ما رواها محمد بن يعقوب و تنتهي سندها إلى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تبتدءوا النساء بالسلام، و لا تدعوهن إلى الطعام فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: النساء عيّ و عورة فاستروا عيّهنّ بالسكوت و استروا عوراتهنّ بالبيوت.) «2»

أما ما روى في طريق العامة (النساء عورة) أو (جسد المرأة) أو (بدن المرأة) أو (المرأة عورة) فهي و ان كانت من النبويات و النبويات إذا لم تكن في طرقنا ضعيفة في حدّ ذاتها إلا أنّ هذه الرواية منجبرة بعمل أصحابنا حتّى أن العلّامة (ره) قال في المنتهى عند التعرض لمسائل الستر (مسئلة: و جسد المرأة البالغة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرأة عورة الخ) فهذا الكلام أعنى: قوله بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم، كاف في انجبار ضعف سند الرواية، مضافا إلى ورود هذا المضمون مع اختلاف يسير في طرقنا، و هي الروايات الثلاثة المتقدّمة.

[الكلام في تشبيه النساء بالعورة]

أما الكلام في دلالة هذه الرواية و هي (المرأة عورة أو بدن المرأة

أو جسد المرأة أو النساء عورة) فنقول: إنّه من الواضح أنّ العورة عبارة عن السوأة، و من الواضح أنّه ليست المرأة عورة بهذه المعنى، فإذا كنّا نحن و هذا الاطلاق مع ما يرى من المراد من العورة عند العرف، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شبه النساء بالعورة، و ما يكون وجه شبهه بحسب نظر العرفي، هو أنّ العورة كما تجب سترها و لا يجوز كشفها، كذلك يجب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 24 من أبواب النكاح من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 131 من أبواب النكاح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 252

ستر النساء.

و هذا البيان أبلغ تشبيه و أحسن بيان في التشبيه، لأنّ التشبيه تارة يكون بألفاظ الدالة على التشبيه، و تارة من غاية الشباهة بين المشبه و المشبه به يلقى المتكلم ألفاظ الدالة على التشبيه، و يحمل المشبه على المشبه به فتارة يقول: زيد كالاسد، و تارة يقول: زيد الاسد، فالثاني دليل على قوة الشباهة عند المتكلم و البلاغة في هذا النحو، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقل (المرأة كالعورة) بل قال (المرأة عورة) فبعد معلومية عدم كونها عورة حقيقة، فنفهم من هذا الاستعمال تنزيل المتكلم المرأة منزلة العورة، فبعد ما نرى من انّه نزّلها منزلة العورة و شبهها بها، فلا بدّ من كونها بنظر المتكلم شبيهة بها في جهة، فإذا نعرض هذا الكلام و هذا التشبيه بالعرف انّه أي شبه من شبهها أظهر من غيرها بالعورة، فنرى بنظر العرفي أن وجه شبه الظاهر هو كونها مثلها في لزوم التستر خصوصا مع صدور هذا الكلام من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهو بمقتضى

شارعيته لا يرى من وجه تشبيه المرأة بالعورة إلا كونها مثلها في وجوب السّتر.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد ما بينا، يستفاد من الرواية أن المرأة يجب سترها، فيجب أن تكون مستورة بتمام بدنها من الرأس و الوجه و اليدين و ساير بدنها، لأنه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة) و لم يختص كونها عورة بغير وجهها و كفّيها، خصوصا إن كان الوارد (جسد المرأة) أو (بدن المرأة) فهو أظهر في إثبات كون الحكم لتمام بدنها، لأنّ وجهها و كفّيها من بدنها و جسدها أيضا، هذا كله في ما ورد في طرق العامة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة) أو تعبيرات اخر.

[في ذكر الروايات الواردة بطرقنا]

و أمّا الكلام في ما وردت في طرقنا، و هي ما ذكرناها، تدلّ على أنّ كلام

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 253

الصادر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان (النساء عيّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العيّ بالكسوت) أو باختلاف يسير في روايتي الأخرى المتقدمة ذكرهما، فنقول: بأنّه يستفاد منها ان النساء عيّ و عورة فكما قلنا يظهر ان النساء شبيهة بالعورة لعدم كونهنّ عورة حقيقة، و وجه التشبيه ليس إلا من باب أن العورة كما يجب سترها كذلك النساء، و قال في الذيل (فاستروا العورة بالبيوت) فهذا شاهد على كون التشبيه و كونها منزلة العورة في لزوم الستر، فلذا قال (فاستروا العورة بالبيوت) و هذا غاية الاهتمام بسترهم، لأنهنّ إن وقفن في البيوت فأجود في سترهن، و لهذا امر بسترهن بأعلى مرتبة كي تستر وجوههنّ و ساير أعضائهن، فبناء على كون كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما

يكون في طرقنا فأيضا يستفاد وجوب الستر من الروايات على النساء حتّى الوجه و الكفين. «1»

______________________________

(1)- أقول: و بعد ما أفاده مد ظله في هذا المقام، و بيّن لتوجيه الرواية بنحو تفيد وجوب ستر تمام البدن حتّى الوجه و الكفين على النساء، بيانا شافيا، عرضت عليه بعض ما خطر بذهني من الاشكال، فقلت: أولا ان كون إطلاق العورة على المرأة في الرواية إطلاقا تنزيليا و بعنوان التشبيه يصح، إذا لم يكن في البين معنى مناسبا للاستعمال في المعنى الحقيقي، و أمّا إن كان في البين معنى يصح حمل اللفظ على المعنى الحقيقي، فلا حاجة إلى التكلف و كون الحمل على وجه التشبيه.

فنقول: ان العورة على ما نرى في كلام اهل اللغة ليست معناها منحصرة بالسوأة أعنى:

بالمعنى المصطلحة عند العرف، و ما يتبادر من هذا اللفظ حين إطلاقها في نظرهم فعلا، بل على ما ذكر أهل اللغة، كما يرى، لها معان اخر: منها أن العورة كل أمر يستحيي منه، و كل أمر ممكن للستر، و كل شي ء يستره الإنسان من اعضائه انفة و عفة و حياء و الخلل في الثغر و غيره، و غير ذلك.

فعلى هذا ما يناسب من هذه المعاني مع هذا الكلام، يمكن أن يكون ما يستحيي منه، أو ما يرى من مجمع البيان (7- 8 ص 347) عند ذكر تفسير آية، أو بعدها في سورة الاحزاب قال: و العورة كل شي ء يتخوف منه في ثغر أو حرب، بناء على هذا قال: بأن قوله تعالى (و يقولون إن بيوتنا عورة و ما هي بعورة) يقولون إن بيوتنا غير حصينة، فيحتمل أن يكون معنى من معاني العورة كل ما يتخوف منه لجهة.

فعلى هذا يمكن أن

يقال: بأن إطلاق العورة على المرأة يمكن أن يكون إما من باب أنّ المرأة بحسب وضعها ممّا يتخوف منه، لكونها معرضا لوقوع الشهوة، و الايقاع في الشهوة أو من باب أنّه ممّا يستحيي منه، كما يرى أنّ كل من يكون صاحب الغيرة يستحيي منه، فعلى هذا لا حاجة إلى كون هذا الاطلاق في الرواية تشبيها بالعورة بمعنى السوأة، فإن كنا نحن و نفس قوله (المرأة عورة) فيمكن كون المراد منه أن المرأة ممّا يستحيي منها، أو يتخوف منها أعنى: ينبغي الاستحياء منها، أو ينبغي التخوف منها، يعني: يواظب عنها، لكون وضعها ممّا يتخوف منها لكونها معرضا للفتن و الشهوات.

فعلى هذا تكون هذه الرواية من الأوامر الاخلاقية الدالة على التعفف، كما ينادي بذلك بعض الروايات، و إن كانت الرواية ما وردت في طرقنا فالاولى بالمطلوب، لأنّ الذيل شاهد على ذلك، فانه ليس حبسهنّ في البيوت و سترهن في البيوت واجب مسلما، فهذا شاهد على بيان شدة الاهتمام بالمواظبة عنهن، فلا يستفاد منها وجوب سترهن حتّى وجوههنّ و كفوفهن.

و ثانيا لو سلم أنّ اطلاق العورة على المرأة كان تشبيها بالسوأة، و لكن نقول: ما ادعى مدّ ظلّه من كون أظهر وجوه الشبه هو تشبيهها بالعورة في وجوب الستر، لأنه لا يمكن دعوى كونها منزلة العورة في جميع الآثار و الاحكام يمكن عدم تصديقه، لأنه يمكن كون وجه التشبيه هو وجوب التحفظ، فكما يجب حفظ الفرج من الوقوع في الفجور، كذلك يجب حفظ النساء بحيث لا يقعن في الفجور و المعاصي، أو كما لا يجوز النظر إلى العورة كذلك لا يجوز النظر إلى النساء، و أنى ذلك و وجوب ستر الوجه و الكفين عليهن.

و ثالثا مع قطع النظر

عن ذلك كله و تسليم كونها العورة أي كالسوأة، إذا نراجع إلى وضع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 255

[في ذكر الرواية الّتي نقلها في مجمع البيان]

و من الروايات المتمسّكة بها على وجوب ستر مطلق البدن عليهنّ حتّى الوجه و الكفين، الرواية الّتي نقلها في مجمع «1» البيان عند ذكر آية (و القواعد من النساء الخ) في سورة النور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: للزوج ما تحت الدرع، و للابن و الاخ ما فوق الدرع، و لغير ذي محرم أربعة أثواب درع و خمار و جلباب و إزار.

اعلم، أن الدرع القميص و بالفارسية (پيراهن)، فالمراد أن للزوج ما تحت

______________________________

النساء، و أنهنّ بحسب خلقتهنّ فتنة، و لا فرق في ذلك كونهنّ ساترات الوجوه أو لا، بل نفس ارائتها و لو مع ستر الوجه معرض للشهوات و الآفات، بل في هذا الحيث صرف منظر حجمها و قامتها مورث للفتنة، و لعل أن ما ورد في بعض الروايات المستفاد منها الأمر بحبس النساء في البيوت، أو عدم رجحان اختلاطهن، حتّى تكلمهنّ مع الرجال، يكون لأجل هذا.

و رابعا على ما في نقل مسعدة بن صدقة قال في ذيل الرواية (فاستروا عوراتهنّ بالبيوت) فإن كانت المرأة عورة بتمامها يجب سترها فلم قال (فاستروا عوراتهنّ بالبيوت) فهذا الكلام شاهد على أن ما يجب سترها عليهم هو عوراتهن، و لا مطلق بدنهن.

و بعد ما أوردنا ما خطر ببالنا أجاب سيدنا الاستاد مد ظله، و أعاد ما أفاده في وجه كون المراد من الرواية هو وجوب ستر تمام البدن على النساء، و قال: لا يبعد أن يكون هذا الكلام الصادر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع كون وضعه بحسب شارعيته في

مقام بيان الحكم، أن وجه الظاهر الّذي تشبه النساء بالعورة، هو كونهنّ مثل العورة في وجوب الستر، مع انّه إن كان إطلاق العورة عليهنّ من باب كونهنّ ممّا يستحيي منهن، فأيضا يمكن أن يستفاد وجوب الستر عليهنّ من هذه الرواية، فإنّه على هذا يكون المراد أن النساء يستحيي منهن، أو مكمونات للستر، أو ما يتخوف منهنّ، فأيضا ليس غرضه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفس الإخبار بذلك، بل يكون في مقام بيان الحكم، فأيضا يمكن أن يقال: بأنّه يستفاد من هذا الكلام وجوب الستر عليهنّ حتّى الوجه و الكفين، خصوصا مع ما في ذيلها على ما في طرقنا من قوله (فاستروا العورة بالبيوت) فمن هذا يستفاد ان النظر في قوله (النساء عيّ و عورة) يكون إلى وجوب سترهنّ، و إن فرض كون ستر هنّ في البيوت لم يكن واجبا، لكن في صورة وجود الناظر يجب الستر عليهنّ. (المقرر)

(1)- مجمع البيان، ج 7 و 8، ص 105.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 256

القميص، فيحل له تحت قميص زوجته، فهذا المقدار مقدار ينحصر له (و اقله يكون كناية من جواز الحظ منها حتّى بما تحت القميص من تمام بدنها) و يجوز للأب و الأخ ما فوق القميص، يعني: هذا المقدار هو المقدار الّذي لهما، و لا يجب على المرأة التستر منهما في هذا المقدار، و لغير ذي محرم أربعة أثواب يعني: يجب التستر على النساء لغير ذي محرم بأربعة أثواب: الدرع و هو القميص، و هو يستر البدن إلا الرأس و مقدار من الصدر إلى القدمين، بل لعل كان القميص المتداول سابقا بحيث يجر ذيله في الأرض، فلا يظهر معه حتّى القدمين، و الخمار و هو

المقنعة يستر الرأس و الجيب و الصدر، غاية الأمر حيث كان تلقى بعض النساء أطراف الخمار على ظهورهن، فقال اللّه تعالى (و ليضربن بخمرهن على جيوبهن) يعني يسترن بالخمار و يضعن أطرافه بحيث يستر به الصدر، فيستر به لو القى أطرافه الجيب و الصدر، و الجلباب كما قلنا هو ثوب يكون أكبر من الخمار يستر به الرأس و الوجه، و الازار ثوب يغطي به و يستر به تمام البدن، و يكون تقريبا مثل ما نقول بالفارسية (چادر).

فيستفاد من ذلك أن المرأة يجب ستر بدنها من غير ذي محرم بهذه الأثواب الأربعة، و إذا وجب الستر على المرأة بهذه الأربعة مع ما يستر هذه الأثواب الأربعة، فيستر جميع البدن حتّى الوجه و الكفين، فتدل الرواية على ستر جميع البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين، و هو المطلوب. «1»

و من الروايات المتمسك بها لوجوب ستر جميع البدن على المرأة حتّى الوجه و الكفين ما ورد في باب كيفية إحرام المرأة، و هي ما رواها الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة، فقال: احرمي و اسفري و ارخي

______________________________

(1)- أقول: و لم يتعرض مد ظله لسند الرواية و أن سندها صحيح أولا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 257

ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: إلى اين ترخيه؟

قال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها، قال: نعم.) «1»

و بهذه الرواية كما تمسك لوجوب الستر حتّى الوجه و الكفين على المرأة الرواية، تدلّ على أن النقب عليها غير جائزة حال الاحرام بالخصوص، فإن كان كشف الوجه جائزا عليها مطلقا لم يقل الإمام عليه السّلام

(احرمي و اسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك) فيستفاد أن هذا الحكم أعنى: الاسفار مخصوص بهذا الحال خصوصا مع ما قال بعد ذلك (فانك ان تنقبت لم يتغير لونك)، فيستفاد بأن البناء في حال الاحرام حيث يكون على الارتياض، و تحمل المشاق، و العمل على خلاف الميول النفسانية، كما يرى من غير ذلك من بعض محرمات حال الاحرام، فامرت النساء بعدم النقب لأجل أن تغير وجههنّ من شعاع الشّمس، فلحال الاحرام خصوصيّة جوزت كشف الوجه بخلاف غير حال الاحرام.

كذلك تمسك لعدم وجوب ستر الوجه على النساء بدعوى أن قول من سئل كما في الذيل الرواية (فقال رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال تغطي عينها قال: قلت: يبلغ فمها، قال: نعم) يدلّ على جواز كشف الوجه في الجملة، لأنه بعد ما امر بتغطية عينها و إرسال الثوب و إرخائه من فوق رأسها إلى عينها و فمها فيجوز كشف ما دون الفم. «2»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 48 من أبواب تروك الاحرام من الوسائل.

(2)- أقول: و قد تعرض سيدنا الاستاد مد ظله للرواية و قال فقط: بأنّه تمسك بها لكل من طرفى المسألة و لم يتعرض لدفع ما توهّم من الاستدلال بها على جواز كشف الوجه على

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 258

و ممّا يؤيد المطلب، بل يمكن كونه دليلا ما ورد في بعض الروايات من وجوب تستر نساء المسلمين عن المرأة الغير المسلمة، معللا بأنهنّ يذكرن أوصافهنّ لرجالهن، فإذا كان ذلك مبغوضا، فكشف الوجه لنفس الأجنبي محرم مسلما، فهذا دليل أو مؤيد على وجوب الستر على النساء مطلقا حتّى الوجه و الكفين. «1»

[يجب الستر على المرأة كما قلنا في حاشيتنا على العروة و في الوجه و الكفّين بطريق الاحتياط]

فعلى هذا نقول: إنّه كما قلنا في حاشيتنا على العروة يجب الستر على المرأة

حتى الوجه و الكفين، غاية الأمر في غير الوجه و الكفين بطريق الفتوى، لأنّ هذا المقدار مسلم عند كل المسلمين، بل يعد من الضروريات، و بالنسبة إلى خصوص الوجه و الكفين بطريق الاحتياط الواجب رعايته، و نقول توضيحا- لئلا يتوهم أحد أنّ ما يرى في زماننا من خروج بعض النساء مكشفات بدون ساتر متبرجات يظهرن وجوههن، و رءوسهنّ و أيديهنّ و أرجلهنّ بوضع فجيع، يمكن كونه على وفق

______________________________

النساء، و لكن يظهر بما أفاده بطلان ذلك بأنّه مع دلالة الصدر على أن كشف الوجه يجوز في خصوص حال الاحرام كما أفاده مد ظله، فلا اشكال في أنّ الذيل لا ينافي مع الصدر، لأنه بعد أمر الإمام عليه السّلام بالاسفار و إرخاء الثوب و إرساله من فوق الرأس، سأل السائل بأنّه إلى أين ترخيه، ففي الحقيقة سئل عن الحد الّذي يجوز الارخاء، و عن الحد الّذي يجوز كشفه من الوجه في خصوص حال الاحرام، و جواب الامام عليه السّلام راجع إلى أنّ الارخاء يكون إلى العين، بل يبلغ الفم، و ما دونه يجوز كشفه فقط في حال الاحرام، فلا ينافي الصدر مع الذيل، فعلى هذا تكون الرواية دليلا على وجوب ستر الوجه على النساء، غاية الأمر هذه الرواية يخصص عموم وجوب ستر الوجه عليهنّ بحال الاحرام، بمعنى جواز ذلك بمقدار الّذي عيّن في هذه الرواية أو غيرها في خصوص هذا الحال. (المقرر)

(1)- أقول: و مما يدلّ على الوجوب تستر الوجه الرواية 10 من الباب 48 من أبواب تروك الاحرام من الوسائل، و هي ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن المحرمة، فقال: إن مربها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستتر

بيدها من الشّمس الحديث. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 259

مذاق الشرع- بأن الستر في غير الوجه و الكفين على النساء واجب مسلما عند المسلمين من العامة و الخاصة، بل يعدّ هذا المقدار من الضروريات، فيوجب إنكاره الكفر، و كيف يمكن عد أمثال هذه النساء من المسلمين و داخلا في ربقتهم مع إنكارهنّ هذا الأصل المسلم، و حربهنّ مع اللّه و رسوله، و مخالفتهنّ لهما عيانا و جهارا، و هل هذا إلا إعلان الخلاف مع الدين.

نعم، إن كان خلاف يكون في خصوص وجوب ستر الوجه و الكفين، فيوجد من الفقهاء من أشكل في وجوب سترهما عليهن، و لكن مع ما بينّا من الآية و الروايات يظهر حالهما، و أنّ مقتضى الاستظهار من الآية و الروايات هو وجوب الاحتياط بالتستر في الوجه و الكفين على النساء.

[الكلام في جواز النظر و عدمه]

ثمّ إنّه كما يظهر من مطاوي كلماتنا تارة يقع الكلام في وجوب المقدار الّذي يجب ستره على النساء، و مضى الكلام فيه و تارة يقع الكلام في جواز النظر و عدمه، فهذا مقام آخر، فإن قيل فرضا: بعدم وجوب ستر الوجه و الكفين على النساء، فهذا لا يلازم مع جواز النظر، لأنّه- على ما هو الحق المستفاد من روايات كثيرة- لا يجوز النظر إلى بدن المرأة الأجنبية حتّى الوجه و الكفين، فإن قال أحد بعدم وجوب ستر الوجه و الكفين من الناظر المحترم على النساء، فلا يلازم ذلك لأنّ يقول: بجواز النظر إلى وجوههنّ و كفوفهن، مع ما قلنا بأن مع ما بينا في الآيات و الروايات لا يمكن تجويز كشف الوجه و الكفين عليهن، هذا تمام الكلام في الستر الواجب بالوجوب التكليفي بالمقدار الّذي يناسب التكلم فيه في هذا المقام.

[الستر الواجب على الرجال و النساء فيما اذا كان عالما بوجود الناظر مسلم]

ثمّ اعلم أن الستر الواجب على كل من الرجال و النساء في المقدار الّذي يجب ستره على الرجال و في تمام البدن على النساء، إنما يجب الستر في ما يكون عالما

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 260

بوجود الناظر الّذي يجب الستر منه، و كذا مع الظن بوجود الناظر، لأنّ معنى التحفظ عن الناظر و وجوب الستر عليهم من أن ينظر إليهم، هذا، بل و كذا مع الاحتمال المتساوي الطرفين، لأنّ في هذه الصورة يقتضي التحفظ و التستر بنظر العرف ذلك.

نعم، يبقى الكلام في صورة احتمال وجود الناظر مع كون الاحتمال احتمالا موهونا ضعيفا، فيكون احتمال عدم وجود الناظر أقوى و يظهر من صاحب الجواهر وجوب الستر حتّى في هذه الصورة.

اعلم أنّ مع العلم بوجود الناظر، و كذا مع الظن يجب الستر، و كذلك مع

كون معرضيته للنظر و إن كان بالاحتمال، و امّا لو لم تكن المعرضية، بل يكون احتمالا موهونا، ففي وجوب الستر في هذه الصورة و عدمه وجهان «1».

[في ذكر موارد اختلاف الستر الشرطي و الستر التكليفي في الصّلاة]

المقام الثاني: في الستر الواجب في الصّلاة بمعنى كونه شرطا في بحيث لو أتى بالصّلاة بدونه ما كان آتيا بالمأمور به، لكونها فاقدة للشرط، لا أن يكون بمخالفته مستحقا للعقاب، و بين هذا الستر الّذي يكون شرطا في الصّلاة، و بين الستر الواجب بالوجوب التكليفي في غير حال الصّلاة اختلاف في بعض الخصوصيات:

الأول: أنّ في الستر الواجب في غير حال الصّلاة لا تعتبر خصوصيّة في

______________________________

(1)- أقول: و لم يختر مدّ ظلّه وجوب الستر في هذه الصورة بنحو التسلّم و لكن الالتزام بوجوب الستر حتّى في هذه الصورة مشكل، لأنّ وجوب حفظ الفرج في الآية كان معناه الستر بمقتضى الرواية و وجوب الستر لا يقتضي الستر حتّى في هذه الصورة فلا بدّ من الاختصار في مورد عدم وجوب الستر بصورة العلم بعدم وجود الناظر و لا يأتى بنظر العرف من وجوب التحفيظ و التستر هذا المقدار من الستر، نعم كما ذكر سيد الاستاد مد ظله قال الشافعي: بوجوب الستر حتّى مع العلم بعدم وجود الناظر و هو دعوى بلا دليل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 261

الساتر، بل يكفي بأيّ شي ء كان حتّى بالوحل، أو باليد، او بالدّخول في الماء إن لم ير ما يجب ستره من تحت الماء، بخلاف الستر الّذي شرط في الصّلاة، فيجب فيه ساتر خاص حال الاختيار مثلا لا يجوز الطلى بالطين حال الاختيار.

الثاني: أنّ الستر الواجب بالواجب التكليفي لا يعتبر فيه إلا بحيث لا يراه الناظر، فلا يلزم كونه ملتصقا ببدنه، فلو وقع في

موضع و نصب ساترا، و لو بفواصل بينه و بين الناظر، ليكفي في حصول الستر، أو ستر نفسه بتوقفه في بيت مشدود الباب لا يراه أحد، بخلاف الستر الواجب في حال الصّلاة، فيجب ان يكون ملتصقا به بحيث يعد كونه لا بساله و لباسا له.

الثالث: أن المعتبر في الستر الواجب في غير حال الصّلاة هو ستر تمام البدن حتى الوجه و الكفين على النساء على ما بينا، و لكن لا يجب ستر الوجه و الكفين في الصّلاة، بمعنى عدم شرطية ستر الوجه حتّى للنساء في الصّلاة.

ثمّ اعلم أنّ الكلام يكون فعلا في الستر الّذي يكون شرطا في الصّلاة و ذكر بعض خصوصياته، و يكون كلاما آخر في بعض ما يكون لبسه مانعا للصّلاة، بمعنى اعتبار كون اللباس في حال الصّلاة ممّا لا يكون من أجزاء هذا البعض، مثل عدم كونه من أجزاء غير المأكول، أو الميتة، أو عدم كونه من الذهب و الحرير للرجال و غير ذلك.

و على كل حال لا إشكال في أنّ الستر الّذي شرط في الصّلاة بالنسبة إلى الرجال في المقدار ليس إلا ستر العورتين، لعدم الدليل على إلا زيد من ذلك، نعم ستر العجان أحوط و ان لم يكن دليل عليه، و كذلك لا يجب ستر غير العورتين بما بين السرة و الركبة على الرجال، لعدم اقتضاء دليل على ذلك و إن كان ذلك موافقا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 262

للمشهور بين العامة و نادر من فقهائنا.

[في ذكر الروايات في الستر الواجب على النساء في الصّلاة]

و أمّا الستر الّذي شرط في الصّلاة بالنسبة إلى النساء فنقول: لا إشكال بأنّ الواجب على المرأة الحرة ستر تمام البدن حال الصّلاة ما عدا الوجه و الكفين و القدمين، فإنّه يأتي الكلام فيها

بعد ذلك، أما شرطية ستر البدن ما عدا ما استثنى الذي يقع الكلام فيه بعدا، فيظهر من الروايات الواردة في الباب فنذكر الروايات أولا، ثمّ المقدار الّذي يستفاد منها، فنقول:

منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناد عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: صلّت فاطمة عليها السّلام في درع و خمار على رأسها ليس عليها أكثر وارت به شعرها و أذنيها.) «1»

تدلّ على أنّ فاطمة عليها السّلام تارة صلّت في درع و هو عبارة عن القميص و خمار و هو عبارة عن المقنعة و بالفارسية (جارقد)، و تدلّ على جواز الاكتفاء بهذا المقدار للستر الشرطى في الصّلاة، لأنّ أبا جعفر عليه السّلام نقل فعل فاطمة عليها السلام، و لا يبعد دلالتها على أن الوجه الّذي يجوز كشفه حال الصّلاة أوسع دائرة من الوجه المعتبر غسله في الوضوء، لأنّ في الوضوء لا يكون الصدغان داخلا في الوجه (كما يستفاد من الرواية المنقولة في أبواب الوضوء).

[في الروايات الواردة في الستر الشرطي لصلاة المرأة]

و بمقتضى هذه الرواية قال (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فبعد كون خمارها بنحو يواري شعرها و أذنيها، فلا يواري به صدغيها خصوصا مع أن نظر المعصوم عليه السّلام من بيان ذلك، لعله يكون لأجل بيان أنها عليها السّلام كشفت

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 263

وجهها حين الصّلاة، فمن هذه الفقرة يستفاد كون الوجه المستثنى من الستر الشرطى في الصّلاة هو الوجه العرفي «1» ثمّ في طي ما أفاده، كما يظهر من بعض روايات الباب، ظهر حال الجيب و أنه يجب ستره لما نرى في بعض الروايات الدالة على اشتراط أن تلتفّ في

الملحفة بحيث يستر جمع البدن، فلا إشكال من هذا الحيث).

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال:

تلتف فيها، و تغطي رأسها، و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك

______________________________

(1)- ثمّ قلت لسيدنا الاستاد مد ظله: بأنّه ان كنا و ظاهر قوله عليه السّلام (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فيمكن أن يقال: إن بعض جيدها عليهما السّلام و جيبها لم يكن مستورا، لأنّ القميص المتداول في زمانها، و كذا الخمار لا يستر الجيد و الجيب، و لهذا قال اللّه تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ كما أنّ هذا الاشكال جار في الستر الواجب في الصّلاة، بأنّه يجب ستر الجيب أم لا لأنّه إن كان وضع الدرع أعنى: القميص بنحو المتداول، فهو لا يستر الجيب، فقد اكتفى على ما في بعض الروايات للستر الشرطى في الصّلاة بالدرع و القميص، فلا يلزم ستر الجيب إلّا أن يقال: إن الآية وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ دلّت على إرسال الخمار بنحو يستر الجيب، و لكن دلت الآية بستر الجيب بالخمار في الستر الواجب بالوجوب التكليفي، و لا منافات بين وجوب ستره في غير حال الصّلاة و عدم وجوب ستره حال الصّلاة، فعلى هذا الرواية على عدم وجوب ستر الجيد في المقدار الّذي يظهر حين إرسال الخمار على الظهر كما كان متعارفا و على عدم وجوب ستر الجيب حال الصّلاة، بمعنى عدم شرطية سترهما للصّلاة.

و اجاب مد ظله بأنّه من الواضح أنّها عليها السّلام لم تجعل الخمار على رأسها

على الوضع الغير المتعارف، مثلا تشد على رأسها بحيث لا يصل إلى الموضع الّذي يصل الخمار بوضعه المتعارف فعلى هذا كان جيدها مستورة بالخمار، و أمّا ما قلت من الاشكال بالنسبة إلى الجيب فلم يتوجه مدّ ظله إليه حتّى يظهر ورود إشكالي و عدمه بنظره الشريف، و لعل يجي ء توضيح لذلك بعد ذلك إن شاء اللّه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 264

فلا بأس. «1»

[التكلّم في مفاد الروايات]

تدلّ الرواية على الاكتفاء في مقام تحصيل الستر الشرطى في الصّلاة بأن تلفت ملحفة واحدة بنفسها، و تغطي رأسها، و المراد بالملحفة هو ثوب يستر جميع البدن، و يكون تقريبا مثل ما يقال به بالفارسي (جادر) و لا يبعد دلالتها على أن تمام ما وجب سترها في الصّلاة بالملحفة يكون سترها شرطا للصّلاة، لا أن ما هو شرط لها يكون في ضمن ما يستر.

و بعبارة اخرى حيث يقع الكلام في أنّه ما يستفاد من روايات الباب من ستر تمام البدن إلا ما يأتي استثنائه بعدا من الوجه و غيره، هل الشرط في الصّلاة تمام ما يستر بالخمار و الدرع، أو بثلاثة أثواب، أو بالملحفه من البدن، أو ليس كذلك، بل الشرط في الصّلاة يكون بعض ما يستره الأثواب من البدن، و الامر بلبس هذه الاثواب و الستر بها يكون من باب أنّ المقدار الّذي يكون الشرط في الصّلاة ستره من البدن يستر قهرا بهذه الأثواب.

و هذه الرواية من الشواهد على أنّ تمام ما يستر من البدن بهذه الأثواب، هو ممّا يكون ستره شرطا في الصّلاة، لأنّه بعد السؤال عن الصّلاة في الملحفة (قال عليه السّلام:

تلتف فيها و تغطّي رأسها و تصلّي فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا

بأس) فالظاهر من هذه الفقرة وجوب التلفف فيها و تغطية الرأس و جواز خروج الرجل منها لو لم تقدر على غير ذلك، فهذا شاهد على أنّ ما تستره الملحفة من بدنها شرط في الصّلاة بتمامه.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 265

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا). «1»

و روى هذه الرواية، مع اختلاف في متنها، الكليني تنتهي سندها إلى محمد بن مسلم، و هي ما عدها صاحب الوسائل الرواية 8 من هذا الباب، و لم يكن في الجهة التي نحن في مقامه فرق بينهما، و تدلّ على أن المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا بحيث تستر معهما بدنها.

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن يونس بن يعقوب (أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال: نعم. قال: قلت: فالمرأة؟

قال: لا، و لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده.) «2»

و هذه الرواية مع قطع النظر عن دلالتها على وجوب ستر المرأة رأسها إذا كانت بالغة لانه (قال: لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا في الصورة الّتي لا تجد الخمار) تدلّ على عدم شرطية ستر الوجه في الصّلاة في حق غير البالغة، لأنّه قيّد عدم الصلاحية بلا خمار لما إذا حاضت المرأة.

و من المعلوم أنّ القميص أعنى: الدرع ثوب تلبسه النساء حتما، إذ ما من أحد حتّى الرجال إلا و يلبس ثوبا

يستر عورته و يستر بدنه من الحرارة و البرودة، فلهذا لم يذكر في الرواية و تعرض فقط للزوم الخمار للمرأة، لأنّ الخمار قد يظن عدم لبسه.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 266

و منها ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن العلي بن خميس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة تصلّي في درع و ملحفة ليس عليها ازار و لا مقنعة؟ قال: لا بأس إذا التفتّ بها، و ان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا.) «1»

و تدلّ هذه الرواية على الاكتفاء بالدرع و الملحفة إذا التفتّ بها، و لا يبعد دلالتها على كون تمام ما يستر بهما من البدن ستره شرط في الصّلاة لقوله عليه السّلام (لا بأس إذا التفت بها و إن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا).

و منها الرواية الّتي قال فيها (أي محمد بن علي بن الحسين) و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة، منهم المرأة المدركة تصلي بغير خمار. «2»

و منها ما رواها ابن أبي يعقور (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: ازار و درع و خمار، و لا يضرها بأن تقنّع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما و تقنّع بالآخر. قلت: فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال:

لا بأس إذا تقنعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا.) «3»

و المراد بالازار هو ثوب يلبس فوق الثياب (و قوله تصلي المرأة في ثلاثة أثواب) يحمل على الاستحباب لدلالة بعض

الروايات على كفاية الثوبين: درع و خمار، مضافا إلى أن ذيل الرواية يدلّ على كفاية الثوبين الدرع و الملحفة.

و منها ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 267

قال: درع و ملحفة فتنتشرها على رأسها و تجلّل بها.) «1»

و منها ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: ليس على الاماء أن يتقنّعن في الصّلاة، و لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلا في ثوبين.) «2»

و منها ما رواها جميل بن دراج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تصلّي في درع و خمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمّها عليها.) «3»

و ضمّ الملحفة المستفاد من هذه الرواية بالدرع و القناع يكون مستحبا لا شرطا واجبا، لدلالة بعض الرواية على كفاية الدرع و الخمار.

و منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلّي في درع و مقنعة؟ قال: لا يصلح لها إلا أن لا تجد بدا). «4»

يحمل (لا يصلح) على الكراهة، لا عدم كفاية الدرع و المقنعة، لحصول الشرط لما يستفاد من بعض الروايات كما بينّا عدم لزوم أزيد من ثوبين.

و منها ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في ملحفة و مقنعة و لها درع؟ قال: لا يصلح

لها إلا ان تلبس درعها. «5» قال: و سألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار و ملحفة

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 14 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 15 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 268

و مقنعة و لها درع؟ قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصّلاة الّا و عليها درع. «1» و قال سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في إزار و ملحفة تقنّع بها و لها درع؟ قال: لا يصلح أن يصلّي حتّى تلبس درعها). «2»

(فما يستفاد من هذه الرواية و ما قبلها من عدم الاكتفاء بالملحفة و المقنعة إلا مع الدرع، يحمل على الكراهة، لأنّ لفظ (لا يصلح) شاهد على هذا، مضافا إلى دلالة بعض روايات الباب على الاكتفاء في الستر الّذي شرطناه في الصّلاة بالثوبين، فظهر لك ممّا مر عدم تعارض بين هذه الروايات، فافهم).

[الكلام في بعض الخصوصيات: الخصوصية الاولى]

هذه الروايات الواردة في المسألة، و المستفاد منها في الجملة شرطية ستر البدن على المرأة حال الصّلاة، و انما الكلام في بعض الخصوصيات:

الخصوصية الأولى: ما قلنا في طي كلماتنا من أن كل ما يستر من البدن بالثوبين كما في بعض الروايات، أو الدرع و الخمار كما في بعضها، أو الملحفة مع المقنعة كما في بعضها، هل هو شرط في الصّلاة، بمعنى أنّ تمام أجزاء البدن ممّا يستر بالدرع و الخمار يشترط في الصّلاة ستره على المرأة، أو ليس كذلك،

بل يستفاد من الروايات كون ما يجب ستره في الصّلاة من بدنها بالوجوب الوضعي يستر بالدرع و الخمار، و على ذلك لا يلزم كون تمام ما يستر بهما من بدنها شرطا، بل الشرط في جملة ما يستر بالثوبين في الجملة، و امّا ما هو من حيث المقدار هل هو تمام ما يستر بالثوبين، أو بعض ممّا يستر بهما، فلا يستفاد من الرواية، و قلنا في ضمن ذكر الروايات: بأنّه لا يبعد دلالة بعض الروايات على كون الشرط تمام ما يستر بهما

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 17 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 269

من بدنها.

الخصوصية الثانية:
اشارة

لا إشكال في عدم شرطية ستر الوجه للصّلاة على المرأة، فيجوز كشفه لها حال الصّلاة في الجملة أولا، لأنّ الثابت من بعض الروايات المتقدمة كفاية الدرع و الخمار، و من الواضح أن الدرع هو القميص، فلا يستر به الوجه، و كذلك الخمار المقنعة، و به أيضا لا يستر الوجه إذا القى بحسب وضعه المتعارف.

و ثانيا لدلالة رواية سماعة المصلي و هي هذه عن سماعة، قال: سألته عن المرأة تصلّي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و ان أسفرت فهو افضل. «1»

مضافا إلى ما ادعى من عدم الخلاف في عدم وجوب ستره، أو نقل الاجماع عليه، و المخالف قليل، مثل ما نقل عن ابن حمزة في الوسيلة من انّه يجب على المرأة ستر جميع بدنها إلا موضع السجود، أو ما نقل من الغنية و الجمل و العقود من عدم استثناء الوجه، أو ما نقل من اشارة السبق بأنّه قال: المرأة تكشف بعض

وجهها و أطراف يديها و قدميها، و ان كان مراد الأخير هذا لعلّه لم يكن مخالفا في المسألة، بل قال بعض الوجه، لأنه يجب ستر مقدار من الوجه من باب المقدمة.

و على كل حال لا كلام في أصل استثناء الوجه في الجملة، و إنّما الاشكال في أنّ الوجه الّذي يجوز كشفه في الصّلاة، هل هو الوجه العرفي الّذي يدخل فيه الصدغان، أو الوجه المعتبر غسله في الوضوء؟ و هو أضيق دائرة من الوجه العرفي،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 33 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 270

و هو ما دارت عليه الابهام و الوسطى، فلا يدخل فيه الصدغان.

[قد يقال بانّ الوجه هو الوجه العرفي و قد يقال بانّ الوجه الوجه الوضوئي]

قد يقال: بأن الوجه هو الوجه العرفي، لأنه المراد من الوجه، و قد يقال: بأن الوجه هو الوجه الوضوئي بأنّه بعد تحديد الشارع في الوضوء الوجه بهذا الحد، فينزل أحكام الشرعية الثابتة للوجه على هذا الوجه «1» ثمّ إنّه لا يستفاد من هذه الرواية الناقلة عن فعل فاطمة عليها السّلام جواز كشف الجيد على النساء تمسكا بقوله (ليس

______________________________

(1)- أقول: إذا بلغ كلامه مدّ ظله الى هنا قلت له: بأنّه ان كان في ما نحن فيه في الأدلة لفظ (الوجه) فكان مجال لأنّ يبحث في أنّ الوجه هل هو الوجه العرفي أو الوجه الوضوئي، و يظهر من الحاج آقا رضا هذا البحث مع عدم مجال لهذا النزاع، بعد عدم ذكر من (الوجه) في روايات الباب. و إذا قلت ذلك صار مدّ ظله في مقام ذكر وجه لكون المراد هو الوجه العرفي، و هو ما بينا في ذيل التعرض عن رواية الفضيل من دلالة ما ذكر أبو جعفر عليه السّلام من فعل فاطمة عليها السلام،

فإنه عليه السّلام قال في ضمن الرواية (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) فتدل هذه الرواية على أنّ وضع خمارها كان بنحو لا يستر معه إلا شعرها و أذنيها، فإذا كان خمارها هكذا فلا يستر به صدغيها لأنّ الرواية تدلّ على أنّ بخمارها سترت عليها السّلام فقط شعرها و أذنيها لا غيرهما فلم تستر به صدغيها، فتدل هذه الرواية على أن الوجه الّذي يجوز كشفه في الصّلاة هو الوجه العرفي لأنّ الصدغين داخل في الوجه العرفي، غاية الأمر لا يمكن التعويل على هذه الرواية، لأنّ سند الصّدوق رحمه اللّه إلى الفضيل يكون ضعيفا، و احتمال عدم كون الفضيل الراوي لهذه الرواية هو الفضيل بن ثابت.

أقول: و لكن بنظري لا يستفاد من الرواية هذه الجهة، لأنّ الخمار إذا وضع على الرأس بحيث يستر به الشعر فقهرا يستر به الصدغين، لأنّ مقدم الرأس بين الصدغين أيضا منبت الشعر، فلو ستر الخمار تمام الشعر، فقهرا يستر تمام الصدغين، و لا أقل بعضهما، و لا أقل من أنّه لا يستفاد من صرف قوله (ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) كون الصدغين ممّا لا يجب ستره حال الصّلاة، و كون الوجه الخارج هو وجه العرفي، و كان الجائز كشف وجه العرفي لهنّ حال الصّلاة، فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 271

عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها) بأنّ الظاهر من هذه الفقرة، هو أنّ ما سترت عليها السّلام ما كان إلا الشعر و الأذنين فالخمار لا يستر إلا شعرها و أذنيها، و الدرع لا يستر الجيد فكان جيدها مكشوفة، فتدل على جواز كشف الجيد حال الصّلاة، أعنى: عدم شرطية ستر الجيد للصّلاة.

لأنّه من الواضح

أنّها عليها السّلام أرسلت خمارها بحسب وضعه الطبيعي، و إذا ارسل هكذا يستر به الجيد، مضافا إلى أنّ المستفاد من ساير روايات الباب هو ستر تمام البدن ما عدا الوجه و الكفين و القدمين- سمعت الكلام في الوجه، و تسمع الكلام في الكفين و القدمين إن شاء اللّه).

و إذا لم يثبت من دليل أنّ الوجه المستثنى من وجوب الستر هو الوجه العرفي، أو الوجه في باب الوضوء، و بلغ الأمر إلى اجراء الأصول فنقول: و ان قلنا في دوران الأمر بين الاقل و الاكثر الارتباطي بالبراءة الشرعية و العقلية، و لكن في المقام لا تجري البراءة في مقدار الزائد على الوجه في الباب الوضوء، لأنّه بعد كون شرط إجراء البراءة، كما حقّقناه في الأصول هو الفحص، فلم ندر بأنّ الخمار بحسب وضعه المتداول في زمان صدور الرواية و السابق مطلقا، كان بحيث يستر به أطراف الوجه، فلم يبق مكشوفا إلّا مقدار الوجه في باب الوضوء، أو يكشف وجه العرفي، و حيث لم تتفحص فصحا تاما، فلازمه عدم حصول شرط إجراء البراءة، فالاحتياط الاقتصار في كشف الوجه بمقدار الوجه في باب الوضوء.

الخصوصية الثالثة:
اشارة

ممّا استثنى من البدن- الّذي يكون ستره شرطا في الصّلاة- الكفان من المرأة، و نقل عن المعتبر و المنتهى نسبة عدم وجوب سترهما إلى علمائنا، و نقل الاجماع صريحا عليه عن الروض، بل نقل إجماع العلماء على ذلك إلّا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 272

من أحمد و داود، و على كل حال ما يمكن الاستدلال به مع قطع النظر ممّا نقل من الاجماع.

أولا: ما ذكرنا من انّه هل الشرط للصّلاة في حق المرأة هو ستر تمام ما يستر بالثوبين من بدنها أو لا يعلم

ذلك، بل ما ندري هو ان المرأة إذا سترت بدنها بثوبين الخمار و الدرع مثلا فقد ستر المقدار الّذي هو شرط في الصّلاة، و امّا كون تمام ما يستر بهما شرط أو بعضها فغير معلوم، فلم يثبت من هذه الادلة كون الكفين لازم الستر فى الصّلاة و كون سترهما شرطا و إن ستر الكفين بالدرع. «1»

و ثانيا: فلأنه بعد دلالة بعض ما ذكرنا من الروايات على كفاية ما يستر من بدنها بالدرع و الخمار في حصول الستر الّذي هو شرط في الصّلاة، و بعد وضوح عدم ستر الكفّين بالدرع و الخمار لانّ الخمار ليس وضعه بحيث يستر به الكفّين و كذا الدرع فان كم الدرع ليس طوله بحيث يستر به حتى الكفّين بل كما ترى لا معنى لانّ يطول الكم حتّى يستر به الكفين، مع احتياج الإنسان لرفع قسمة من الحوائج بكفه، فكيف يمكن ستره، فعلى هذا لا يستفاد من الروايات شرطية ستر الكفين مع كون

______________________________

(1)- أقول: قلت له مد ظله: بأنّه كما يظهر من بياناتك الشريفة قلت بامكان دلالة بعض الروايات على كون تمام ما يستر بالثوبين شرطا في الصّلاة للمرأة و خصوصا دلالة رواية زرارة المتقدمة على ذلك لأنه (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة؟ قال: درع و ملحفة الخ) فلا يكفي أدنى من ذلك لانه قال (أدنى ما تصلي المرأة و من الواضح أن سؤال السائل منه عليه السّلام ليس الا من جهة حكم الشرعي و انّه بأىّ مقدار من لباس المرأة يحصل الستر الذي شرط في الصّلاة لها فقال (درع و ملحفة) فلا يكفي أدنى من ذلك فبمقدار يستر بهما من بدنها يشترط ستر

هذا المقدار من بدنها في الصّلاة فلهذا لا يكفي هذا الوجه لاثبات عدم شرطية ستر الكفين في الصّلاة فصرف النظر مدّ ظله عن هذا الوجه و لعله استرضى ما قلت. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 273

سترهما خلاف العادة.

فما يظهر من صاحب الحدائق رحمه اللّه من الإشكال في ذلك و أنّه يستر الكفين بكمّ الدرع و كون وضعه بهذا النحو، فاسد لما قلنا من أن العادة تقتضى خلافه، مع احتياجها في مشاغلها بكشفهما، و أنّ المشهور من الفقهاء المتقدمين على صاحب الحدائق قائلون بجواز كشفهما لم يفهموا من الروايات كون كمّ الدرع بحيث يسترهما إما لعدم كون وضع كم الدرع بحيث يسترهما بحسب متعارفه في أزمنتهم و أزمنة صدور الروايات، و إما من باب كون المتعارف منه مختلفا، فبعض الدروع و إن كان يستر كمّها الكفين، و لكن بعضها ليس كذلك، فأيضا لا يكون المتعارف كما صاحب الحدائق رحمه اللّه حتّى يقال ان المتعارف ستر الكفين بالكم، فينزل الاطلاقات الواردة في الروايات على المتعارف، لأنه إن كان المتعارف بحيث لا يستر الكفين به، أو كان متعارفه مختلفا، فأيضا لا يستفاد من الادلة شرطية سترهما.

و من هنا يظهر لك أنّ ما قال صاحب الحدائق رحمه اللّه «1»- بعد ما ادعى كون المتعارف في زمانه على ستر الكفين بكمّ الدروع- و لو شككنا في أن قبل ذلك أعنى:

زمان صدور الرواية كان المتعارف هكذا، أو على غير هذا النحو، فببركة أصالة عدم النقل نقول بكون المتعارف في السابق مثل الحال، فاسد لأنّه بعد ما نرى من فتوى المشهور على جواز كشف الكفين، و وجه فتواهم ليس إلا عدم كون الكفين مستورين بالكمّ بحسب ما يرون من المتعارف، فلا يشملهما

ما ورد في الرواية المستفاد منها ستر المرأة بالدرع و الخمار، فنرى أنّ المتعارف كان مطلقا على خلاف ما توهّم صاحب الحدائق، أو كان مختلفا، فلا شك في المتعارف حتّى يستدل بأصالة

______________________________

(1)- الحدائق، ج 7، ص 9.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 274

عدم النقل لأنّهم متقدّمون عليه، فالتعارف قبل صاحب الحدائق على خلاف ما تخيله، فلا وجه لما قاله.

[الحقّ عدم شرطية ستر الكفّين للمرأة في الصّلاة]

فالحقّ عدم شرطية ستر الكفّين للمرأة في الصّلاة لما قلنا من أن المتعارف إمّا على كشف الكفين و عدم سترهما بالكمّ أو لا أقل من كون المتعارف من الدرع مختلفا، فبعضه يسترهما، و بعضه لا يسترهما فأيضا لا يمكن استفادة سترهما من الروايات.

و لو فرض عدم كفاية ما بيّنا للدلالة على جواز كشف المرأة كفيها حال الصّلاة، و شكّ في أنّه يشترط سترهما عليها في الصّلاة أم لا، فنقول بعد ما حققنا في الأصول إجراء البراءة الشرعية و العقلية في الأقل و الأكثر الارتباطي في ما شك في شرطية شي ء أو جزئيته، فنقول في المقام: بعد ما لا ندري بأنّ سترهما في للمرأة شرط أو لا فتكون مجري البراءة، فلا يعتبر سترهما.

و ما قلنا في الوجه: بأنّ إجراء البراءة مشكل لأنّ شرطها الفحص، و لا ندري بحصول الفحص بمقدار اللازم أم لا، لا يجري في الكفين، لأنّ فتوى مشهور القدماء دليل على عدم كون الدرع بحيث يستر بكمّه الكف، ففي الحقيقة تكون الشهرة كافية في الفحص اللازم، فحصل شرط اجراء البراءة، و لهذا مع الشّك نحكم بعدم شرطيّة ستر الكفّين للنساء في الصّلاة ببركة أصالة البراءة.

الخصوصية الرابعة:

ممّا استثنى ممّا يكون ستره شرطا في الصّلاة من بدن المرأة القدمان منها على ما هو المشهور بين فقهائنا، ظاهرهما و باطنهما، و للعامّة قولان في المسألة، فبعضهم قالوا بعدم شرطية سترهما، و بعض بخلافه، و من علمائنا من يظهر من ظاهر كلامه التفصيل بين الظاهر و الباطن، فأوجبوا الستر في الباطن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 275

بمعنى كون ستر باطنهما شرطا في الصّلاة، و عدم كون ستر ظاهرهما شرطا فيها.

و لكن على ما يظهر من صاحب الجواهر رحمه

اللّه «1» لم تكن هؤلاء مفصّلا في المسألة، لأنّه قال: بأن من اقتصر في شرطية الستر بخصوص الظهر لعله ليس نظر إلى وجوب ستر الباطن كما ظن باعتبار استتاره غالبا بالأرض أو الثياب، فلا حاجة إلى كشفه، بل يكون منشأ اقتصاره بالظّهر من باب كون ستر الباطن مفروغا عنه.

و لا يبعد صحة ما ادعاه رحمه اللّه لأنّه لو لم يستر الظهر من القدم بالدرع، فلا يستر به الباطن، و ليس بحسب المتعارف في الحال و سابقا ثوب يغطي به الباطن بالخصوص مع كشف الظاهر من القدم، و ليس الأمر بحيث يستر الباطن بالارض أو بالثياب، لأنّ المرأة تروح و تمشي، و يظهر باطن قدميها، فلعل عدم ذكر الباطن، في كلمات هذا البعض كان من باب مفروغية ستر الباطن و على كل حال ما هو دليل على عدم شرطية ستر القدمين لها، ظاهرهما و باطنهما، هو انّه بعد الاكتفاء بالدرع و الخمار للصّلاة، كما هو لسان بعض الروايات المتقدمة.

فيقال: إنّ الدرع بحسب متعارفه إما ليس مطلقا طويل الذيل بحيث يستر به القدمين، أو و ان فرض أنّ بعض الدروع يستر القدم لكن ليس مطلقا فعلا و لا سابقا كذلك، بل يكون بعض منها بحيث يكشف القدمان معها، خصوصا مع أنّ نوع النساء بحسب العادة، لأجل ابتلاءاتهنّ و مشاغلهن، لا يمكن كون دروعهنّ بحيث تجرّ على الأرض و تزاحم في المشي و الحركة و القيام و القعود، فعلى هذا لم يثبت كون المتعارف منها ما يستر به القدم، حتّى يدعي أن المطلقات الواردة فيها الدرع تنزّل على

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 183.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 276

المتعارف، فيثبت كون ستر القدمين شرطا، بل إما يكون

المتعارف على خلاف ذلك، و إما لا أقل من كون المتعارف منها مختلفا، و الشاهد على أنّ بالدرع لا يستر القدم هو فتوى المشهور، لأنّ فتواهم ليس إلا من باب ما رأوا من عدم ستر القدم بالدرع بحسب ما كان المتعارف في أزمنتهم، فعلى هذا لا يشترط ستر القدمين الظاهر و الباطن حال الصّلاة على النساء، و امّا ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» من انّه إذا لم يكن ستر الوجه و الكفين شرطا، فبالأولوية لا يشترط ستر القدمين ممّا لا يمكن لنا قبوله، لعدم أولوية للقدمين فالعمدة ما قلنا. «2»

الخصوصية الخامسة:
اشارة

هل يجب على المرأة ستر شعرها حال الصّلاة بمعنى أنّ ستر شعرها أيضا شرط في الصّلاة أم لا؟

يظهر من كلام صاحب الجواهر «3» رحمه اللّه أنّ صاحب المدارك رحمه اللّه لم يجب ستر

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 172.

(2)- أقول: و قال سيدنا الاستاد مدّ ظلّه بعد ذلك: و لو شككنا في أنّ ستر القدمين شرط للصّلاة على المرأة أولا، يمكن أن يقال بعدم إجراء البراءة في المقام من باب أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المرأة عورة أو النساء عيّ و عورة أو بدن المرأة أو جسد المرأة عورة) دل على كون بدنها بتمامه عورة، فما ندري بخروجه نقول بعدم جواز كشفه حال الصّلاة.

قلت له في الطريق: بأنّه كما يظهر من إفاداتك الشريفة سابقا أيضا كان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (النساء عي و عورة) في مقام بيان وجوب ستر بدنها بالوجوب التكليفي، و أنّي له بالوجوب الشرطي في الصّلاة، و على فرض تمامية دلالة هذه الرواية، و عدم دليل على جواز كشف الوجه، أو

الكفين، أو القدمين حال الصّلاة، فلو كشفت هذه المواضع، فقد خالفت حكما تكليفيا و لا ربط لذلك بالوجوب الشرطي الّذي أثره بطلان الصّلاة مع عدم الشرط، و لم يتعرض بعد لما قال، و لعله استرضى ما قلت. (المقرر)

(3)- جواهر جلد 8 ص 168- 169.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 277

الشعر عليها تمسكا بالرواية الّتي قلنا بكونها متحدة مع الرواية 7 من هذا الباب، لكون راويهما محمد بن مسلم، و نذكر هما مجددا لتوضيح المطلب، و نقول:

الرواية الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا.) «1»

فهل يكون قوله عليه السّلام (إذا كان كثيفا) راجعا إلى كل ما ذكر من الدرع و المقنعة، أو يكون راجعا إلى خصوص الدرع، فعلى الأوّل يكون المراد أنّ المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع و المقنعة كثيفا، و على الثاني يكون المراد انّه إذا كان الدرع كثيفا.

يمكن أن يقال باحتمال الثاني من باب أن لفظ (كان) يكون مذكرا و مفردا فيرجع ضميره إلى الدرع، لأنه مذكر، و يمكن أن يقال باحتمال الأوّل من باب أنّ الضمير و إن كان مذكرا و لا بدّ من إرجاعه إلى المذكر، لكن هنا يرجع إليه و إلى ما بعده، لأنّ التكلم بهذا النحو يكون متداولا، فيكون المراد أن الدرع و المقنعة إذا كانا كثيفين و لا يبعد أن يكون هذا الاحتمال أقوى، لتداول هذا النحو من الكلام في الاستعمالات.

و يذكر صاحب الوسائل رواية اخرى، و هي ما رواها الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن

العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم في حديث (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال:

إذا كان كثيفا فلا بأس به، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا، يعني:

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 278

إذا كان ستيرا). «1»

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، و اختلاف بعض الفاظ المتن يحتمل من نفس محمد بن مسلم تارة نقل هكذا و تارة هكذا، أو من بعض ناقليها منه، فعلى هذا ليستا روايتين.

و على كل حال في هذه الرواية بعد قوله (و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة) قال (إذا كان الدرع كثيفا) بخلاف الرواية الأولى فإن فيها (إذا كان كثيفا) فتمسك صاحب المدارك لعدم اعتبار ستر الشعر على المرأة حال الصّلاة بهذه الفقرة من الرواية الأخيرة، بدعوى أنّه بعد ما قال (إذا كان الدرع كثيفا)، فلا يعتبر كون المقنعة كثيفا أي ستيرا، لأنّ في الرواية اعتبر في خصوص الدرع كونه ستيرا، و إذا لم تكن المقنعة ستيرا، فيظهر الشعر من تحتها فجواز عدم كونها ستيرة شاهد على جواز كشف الشعر حال الصّلاة.

و لا يخفى عليك فساد هذا التوهم:

أما أوّلا: فلانه كما قلنا ليست رواية الأولى و الثانية روايتين، بل رواية واحدة رواها محمد بن مسلم، و بعد الاختلاف في مضمونهما لا يمكن الاستناد بكل منهما في مورد الاختلاف، فإن كان ما صدر من الإمام عليه السّلام ما في الرواية الّتي رواها الصدوق رحمه اللّه ففيها (إذا كان كثيفا) و هو كما قلنا يناسب مع كون النظر إلى كون كل من الدرع و

المقنعة كثيفا، و إن كان ما صدر ما في الرواية على ما رواها الكليني رحمه اللّه ففيها (إذا كان الدرع كثيفا) فهي تدلّ على خصوص كثافة الدرع، فمع الاختلاف في هذه

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 279

الفقرة لا يمكن الاعتماد بكليهما، فلا دليل على اعتبار كون خصوص الدرع ستيرا و كثيفا، حتّى يقال بعدم اعتبار ذلك في المقنعة.

و ثانيا: لو فرض عدم دلالة هذه الرواية إلا على كون الدرع ستيرا، فيدلّ بعض روايات اخر من هذا الباب تعرضنا لها على اعتبار كون المقنعة ستيرا بحيث لا يرى ما تحتها، فهذا دليل على شرطية ستر الشعر فانظر في الأخبار المتقدمة، ففيها ما قلنا خصوصا الرواية المتقدمة، و هي ما رواها علي بن جعفر (أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلّي قال: تلتفت فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس.) «1»

فهي صريحة في لزوم تغطية الرأس بالملحفة، و من الواضح أن تغطية الرأس لا تحصل إلا بتغطية الشعر، بل في الرواية خصوصية اخرى، و هي أنّ في صورة عدم القدرة على ستر جميع البدن و الدوران بين ستر الرأس أو الصدر و اليدين و بين الرجل بلزوم ستر الرأس و جواز كشف الرجل، فهذا أيضا مؤيد لأنّ ستر الرأس لازم الحفظ حتّى في صورة الدوران.

و ثالثا: و هو ما يظهر من كلام صاحب الجواهر رحمه اللّه «2» و هو أنّه بعد شرطية ستر الرأس مسلما فعلى لزوم اعتبار كون الساتر من جنس خاص، و لا يكتفي

بساترية بالشعر، فلا بدّ لأجل ستر الرأس من كون الخمار ستيرا، و إلّا لم يستر الرأس.

ثمّ إنه بعد شرطية ستر الشعر، فهل يشترط ستر الشعر الخارج من رأسها

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 28 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- جواهر الكلام، ج 8، ص 269.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 280

و أرسل إلى ظهرها على خلاف المتعارف أولا؟ يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» بانّ الخمر المتعارفة كانت بحيثية بحسب وضعها المتعارف بعد إرسال ذيلها يستر بها شعر المرأة، و على كل حال فالاحوط ستر الشعر مطلقا على النساء حال الصّلاة.

[في الخصوصية السادسة و السابعة]

الخصوصية السادسة: بعد استثناء الوجه عما يجب ستره حال الصّلاة على المرأة من بدنها، هل يجوز كشف ظاهر الوجه فقط، أو يجوز حتّى باطن الوجه، فيجوز كشف الفم و الاسنان، أو باطن العين حال الصّلاة أولا.

اعلم أنّه بعد ما فهمت بأنّ لفظ (الوجه) لم يكن في لسان الروايات، و ما يكون ليس إلا شرطية ستر ما يستره الخمار و الدرع، فكل مقدار لا يسترهما يجوز كشفه، و من الواضح أنّ المقدار الّذي لا يستر الخمار من الوجه خارج، فلا فرق في هذا المقدار بين الباطن و الظاهر، لأنّ هذا الموضع من البدن يجوز كشفه، مضافا إلى أنّا نعلم بأنّه لم يعتبر ستر العين أو ضم الشفتين في حال الصّلاة، بل مع أنّها تقرأ في الصّلاة لا يمكن لها ضم شفتيها إلا بأن تستر تمام وجهها حتّى لا يرى باطن فمه، فعلى هذا يجوز كشف المقدار من الوجه الخارج عن بدنها الّذي ستره شرط ظاهره و باطنه.

الخصوصية السابعة: بناء على شرعية عبادة الصبي و الصبية، فاعلم أنّ ستر الرأس غير معتبر في صحة صلاة

الصبية، فيجوز كشف رأسها حال الصّلاة إلى أن تبلغ، فإذا بلغت فحكمها حكم النساء، لدلالة بعض الروايات على ذلك، فانظر إلى الباب 29 حديث 3 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فإنّ فيه ما يدلّ

______________________________

(1)- جواهر جلد 8 ص 167 و 168.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 281

على ذلك.

[في الخصوصية الثامنة و التاسعة]
اشارة

الخصوصيّة الثامنة: الأمّة يجوز كشف رأسها حال الصّلاة، فليس لها ستر الرأس شرطا في الصّلاة، لدلالة بعض الروايات على ذلك، فانظر إلى الباب 29 من أبواب لباس المصلي من الوسائل حديث 1 و 2 و 4 و 11.

الخصوصية التاسعة: يقع الكلام في صلاة العاري، فنذكر أوّلا اخبار الباب، ثمّ نبين مقدار دلالتها، و بعض الخصوصيات الراجعة إليها فنقول:

الرواية الأولى: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل قطع عليه، أو غرق متاعه، فبقي عريانا و حضرت الصّلاة كيف يصلّي؟

قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم.) «1»

الرواية الثانية: ما رواها أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: العاري الّذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع). «2»

و اعلم أنّ هذه الرواية مع قطع النّظر عن الارسال فيها، لأنّ أيوب يروي عن بعض أصحابه، فيها حذف الواسطة أيضا، لأنّه على ترتيب الطبقات الّتي بين كل طبقة مع طبقة اخرى، و بيّنا في طبقاتنا، لا يمكن أن يروي أيوب بن نوح بواسطة واحدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل لا يمكن أن يروي عنه عليه السّلام إلا بواسطتين، فعلى هذا

______________________________

(1)- الرواية 1 من

الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 282

لا بدّ و أن يكون واسطة اخرى غير بعض أصحابه في طريق الرواية، و قد حذفت الواسطة، فافهم.

[حول الرواية الثالثة الواردة في الصّلاة العاري]

الرواية الثالثة: ما رواها ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصّلاة، قال: يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى جالسا). «1»

و هي ما رواها أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن عبد اللّه مسكان عن أبي جعفر عليه السّلام على ما نقلها صاحب الوسائل، و هي آخر رواية ذكر في هذا الباب، و هي الرواية 7 من هذا الباب أعنى 50 و إن كان الطريق على نهج ذكر صاحب الوسائل نقلا عن المحاسن، فقد حذفت الواسطة، لأنّه بحسب الطبقات لا يمكن أن يكون ابن مسكان راوي الرواية عن أبي جعفر عليه السّلام.

و لكن يمكن أنّ البرقي في المحاسن نقل الرواية بطريق المتقدم لكن عن أبي عبد اللّه، كما أنّ الظاهر ذلك، لأنّ صاحب الوسائل ذكر الرواية ينتهي سندها بابن مسكان «2» و هو يروي عن أبي عبد اللّه، فما نقل أنّ عبد اللّه بن مسكان «3» يروي الرواية عن أبي جعفر عليه السّلام اشتباه من صاحب الوسائل.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد كون نقل البرقي دالّا على أنّ ابن مسكان يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فلم يرد إشكال حذف الواسطة، لأنّ ابن مسكان يمكن أن يروي

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى

من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 46 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 50 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 283

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أوّلا و أنّه و إن لم تكن روايته هذه بلا واسطة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لأنّ بنقل الشّيخ رحمه اللّه روى الرواية ابن مسكان عن بعض أصحابه عنه عليه السّلام، و احتمال إسقاط بعض أصحابه في نقل البرقي، و كانت الرواية فيها الارسال من هذا الحيث إلا أنّ بعد كون ابن مسكان من الأجلاء و تصحيح ما يصح عنه، فلا يضرّ الارسال بصحة الرواية ثانيا، فافهم.

الرواية الرابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال في حديث: و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب، فليتقلّد السيف و يصلّى قائما). «1»

الرواية الخامسة: الرواية الّتي عدها الرواية الخامسة صاحب الوسائل من هذا الباب بعد قوله (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله) (قال: و روي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصّلاة أنّه يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى جالسا). «2»

فهذه مرسلة رواها الصدوق رحمه اللّه، و لا يبعد كونها هي الرواية الّتي رواها ابن مسكان أعنى الرواية الثالثة فى الباب 50.

الرواية السادسة: ما رواها زرارة (قال قلت: لأبي جعفر عليه السّلام: رجل خرج من سفينته عريانا، أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه، فقال: يصلّي إيماء، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته، يجلسان فيوميان إيماء و لا يسجدان و

لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما. قال: و إن كانا في ماء أو بحر لجىّ لم يسجدا عليه، و موضوع عنهما فيه

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 50 من أبواب النجاسات عن المحاسن في الوسائل.

(2)- مرسلة الصّدوق 3 من الباب 5 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 284

يؤميان في ذلك إيماء رفعهما توجه و وضعهما). «1»

الرواية السابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن قوم صلوا جماعة و هم عراة قال يتقدمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس.) «2»

الرواية الثامنة: ما رواها إسحاق بن عمار (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قوم قطع عليهم الطريق، و اخذت ثيابهم، فبقوا عراتا و حضرت الصّلاة، كيف يصنعون؟

فقال: يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومي إيماء بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم.) «3»

الرواية التاسعة: ما رواها أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام أنّه (قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يؤمى إيماء يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلوا كذلك فرادى). «4»

الرواية العاشرة: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلا ثوب واحد، و أجنب فيه و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال:

يتيمّم و يصلّي عريانا قاعدا يؤمى إيماء). «5»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 50 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 51 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)-

الرواية 2 من الباب 51 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 52 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 46 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 285

و لكن رواها الشّيخ و ذكر بدل قوله (قاعدا يؤمى إيماء) (قائما يومي إيماء) نقلها صاحب الوسائل، و هي رواية 3 من هذا الباب، فافهم.

الرواية الحادى عشر: ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (من رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة، و ليس عليه إلا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى. قال:

يتيمّم و يطرح ثوبه، فيجلس مجتمعا، فيصلّي فيومي إيماء). «1»

[الكلام في فهم المراد من الروايات يقع في امور]
اشارة

هذا ما ورد من الروايات في هذا الباب، و أمّا فهم المراد منها فيقع الكلام فيه في طي أمور:

الأمر الأول:

هل يجب على العارى أن يصلّي قائما، أو قاعدا، او يجب عليه القيام إن لم يره احد، و يجب أن يصلّي جالسا إن يراه أحد.

اعلم أنّ الرواية 1 و 4 و إن كانت دالة على القيام، و الرواية 6 و 7 و 8 و 9 و 10 (بناء على ما نقلها الكليني رحمه اللّه و امّا بناء على ما نقلها الشّيخ رحمه اللّه تكون من الروايات الدالة على القيام) و 11 تدلّ على وجوب الجلوس، و يتوهّم التعارض بين ما يعتبر القيام و بين ما يعتبر الجلوس إلّا أنّه بعد دلالة رواية 3 و رواية 5 (بناء على كونها غير رواية 3) على التفصيل بين الصورة الّتي يراه أحد و بين الصورة لا يراه أحد، فأوجبت الجلوس في الأوّل و القيام في الثاني، فيجمع بهما بين الروايات الدالة على اعتبار الجلوس مطلقا و بين الروايتين الدالتين على القيام مطلقا في صورة وجود الناظر و عدمه، لأنّ بالروايتين المفصلتين يقيد إطلاق كل من الطائفتين.

و إن قلت: إنّ الرواية الأولى تدلّ على أنّ مع وجود الناظر يجب القيام في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 46 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 286

الصّلاة على العاري، لأنّه قال فيها (إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم) فالحكم إن اصاب حشيشا يستر به عورته، شاهد على فرض صورة وجود الناظر، فالذيل يقول و إن لم يصب شيئا بقرينة المقابلة يكون في صورة

وجود الناظر، و مع ذلك قال (أومأ و هو قائم) فعلى هذا بعد دلالة الرواية باعتبار القيام في خصوص صورة وجود الناظر، فتكون هذه الرواية معارض مع الرواية الدالة على التفصيل، لأنّ ما دل على التفصيل كان لسانه الجلوس في صورة وجود الناظر، و هذه الرواية تدلّ على القيام و مورده خصوص صورة وجود الناظر.

فنقول: بأنّه بعد دلالة الروايتين على التفصيل أوّلا أنّ الرواية الأولى ليست صريحة على كون المفروض صورة وجود الناظر حتّى يكون الذيل صورة وجود الناظر بقرينة الصدر، و ثانيا و لو فرض كون اللازم ستر العورة بالحشيش في صورة وجود الناظر، و لكن الذيل مطلق و قال (إن لم يصب شيئا يستر به عورة أومأ و هو قائم) فإطلاقه يقتضي وجوب الإيماء قائما سواء كان ناظر أو لا، فأيضا نقيّده بما دل على التفصيل.

الأمر الثاني:
اشارة

هل يجب على العاري أن يركع و يسجد مثل حال الاختيار، أو يجب عليه أن يؤمى ايماء بالركوع و السجود، أو نقول بالتفصيل.

اعلم أنّ الرواية الأولى تدلّ على الايماء بالركوع و السجود و هو قائم، و الرواية 6 و 9 و 10 بنقل الكليني رحمه اللّه و 11 تدلّ على الجلوس و الايماء بالركوع و السجود، و الرواية 2 تدلّ على أنّ العاري يسجد و يركع إذا وجد حفيرة، و الرواية 8 تدلّ على اتيان المأمومين في ما إذا كان الإمام و المأموم عاريا بالركوع و السجود و

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 287

الإمام يؤمى ايماء و أنّ كلا من الإمام و المأموم يجلسان.

فيمكن أن يقال في هذا المقام: بأنّه بعد دلالة غير الرواية 2 و 8 على الايماء، و دلالتهما على الاتيان بالركوع و السجود بأنّ

الأمر في غيرهما بالايماء كان من باب عدم الأمن من الناظر، و الأمر في هاتين الروايتين بالركوع و السجود يكون من باب عدم وجود الناظر فبهذا يجمع بين الروايات، و يقال: بوجوب الركوع و السجود إذا لم يكن معرضا لوجود الناظر، و الايماء بهما إذا كان مورد المعرضية لوجود الناظر، هذا كله في ما يأتي بالنظر البدوي.

و لكن بعد التأمّل يظهر أنّ الجمع بين الروايات بجعل الركوع و السجود للعاري في خصوص حال الأمن من أن يراه أحد، و الايماء بهما لصورة عدم الأمن من أن يراه أحد موجب للاشكال، و كذلك الجمع بين الروايات في الأمر الأوّل بأنّ العاري إذا لم يره أحد يصلّي قائما، و إذا يكون معرضا لأنّ يراه أحد يصلّي جالسا موجب للاشكال، فلا بدّ أوّلا من ذكر الاشكال، ثمّ التكلم في وروده و عدم وروده فنقول بعونه تعالى:

فالاشكال في الجمع بين الروايات بالنسبة إلى الركوع و السجود بالالتزام بأنّه إذا كان معرضا لأنّ يراه أحد فيومي بهما، و إن كان مأمونا من أن يراه أحد فيكون تكليف العاري إتيان الركوع و السجود بحمل ما ورد في رواية إسحاق بن عمار و رواية أيوب بن نوح من الاتيان بالركوع و السجود على صورة الأمن من المطلع، و حمل بعض الروايات المتقدمة الدالة على الايماء بهما على صورة عدم الأمن من المطلع، فهو أنّه إن كان مورد رواية إسحاق بن عمّار- و هي الرواية الثامنة- صورة الأمن من المطلع على ما قلتم، فما وجه الأمر بالجلوس، لأنّه قال (يتقدمهم إمامهم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 288

فيجلس و يجلسون خلفه، فيومي ايماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون)

و إن كان مورد

عدم الأمن من المطلع و لهذا أمر بالجلوس، فما وجه أمرهم بالركوع، فلا يساعد الجلوس مع كون التكليف الركوع و السجود، فلا يمكن حمل الرواية على صورة الأمن من المطلع، لأنّ المفروض فيها الجلوس، و هو على ما قلتم في مقام الجمع بين الروايات الدالة على القيام، و بين الروايات الدالة على الجلوس:

بأنّ الأوّل صورة الأمن من المطلع، و الثاني صورة عدم الأمن، فمع فرض كون مورد الجلوس صورة عدم الأمن من المطلع، و فرض في رواية إسحاق بن عمار الجلوس المحمول على صورة عدم الأمن من المطلع، كيف يحمل الأمر بالركوع و السجود في هذه الرواية على صورة الأمن من المطلع، فلا يمكن الجمع بين الجلوس المأمور به في هذه الرواية و بين الركوع و السجود.

و أمّا الاشكال الوارد على الجمع المتقدم بين الروايات من حيث القيام و الجلوس من حمل ما دلّ على وجوب القيام على العاري على صورة الأمن من المطلع، و حمل ما دلّ من الروايات على الجلوس على صورة عدم الأمن من المطلع بقرينة رواية ابن مسكان المتقدم، فهو أنّه في فرض القيام، و هو صورة الأمن من المطلع على ما قلتم، فلم أوجب الايماء كما في الرواية الأولى، لأنّه إن كان القيام في صورة الأمن من المطلع فيتم ركوعه و سجوده أيضا كما ينبغي، فلم يؤمى بهما مع أنّك قلت بأنّ الايماء بالركوع و السجود يكون في خصوص صورة عدم الأمن من المطلع.

هذا كلّه في الاشكالين الواردين على الالتزام بالجمع بين الروايات بوجوب القيام و الركوع و السجود في صورة الأمن من المطلع و وجوب الجلوس و الايماء معا في فرض عدم الأمن من المطلع.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 289

[الكلام في الاشكالين الواردين على الجمع بين الروايات]

اعلم أنّه إن كان الاشكال منحصرا بالاشكال الأول، أعني: بخصوص ما في رواية إسحاق بن عمار، فيمكن أن يقال: بأنّ منشأ الأمر بالجلوس فيها، و مع ذلك الأمر بالركوع و السجود على خصوص المأمومين غير مناف مع كون وجوب القيام في صورة الأمن من المطلع، و الجلوس في صورة عدم الأمن من المطلع، و كون وجوب الايماء في صورة عدم الأمن من المطلع، و الركوع و السجود في صورة الأمن من المطلع، لأنّه من الممكن أنّ عدم الأمن من المطلع في خصوص مورد هذه الرواية كان من نفس المأمومين، بأن يرى كل أحد منهم سوأة الاخر، لا من غيرهم، فعلى هذا أمر بالجلوس و الايماء بالركوع و السجود على الإمام، لأنّه متى يقدم على القوم، فلو كان الواجب عليه الركوع و السجود يظهر دبره و يراه القوم، فلأجل ذلك أوجب عليه الايماء بهما.

و أمّا المأمومين فحيث إنّهم حال الصّلاة في الجماعة يقفون في صف واحد، فيرى كل واحد قبل من يكون قريبا متصلا به لظهور قبلهم فيكشف قبلهم و لم يستر قبلهم إن كانوا قائمين حال الصّلاة، و أمّا إن جلسوا فلا يظهر قبلهم و يستر بما بين الفخذين، فلهذا أمر عليهم بالجلوس لكي لا يكشف قبلهم مع وجود الناظر، و أمّا حيث لم يكن ناظر غيرهم و هم على الفرض حال الصّلاة واقفون في صف واحد، فليس ناظر يرى دبرهم، فلهذا أمر عليهم بالركوع و السجود، فعلى هذا يرتفع الاشكال بأنّ وجه الجلوس عليهم كان من باب أنّهم إن قاموا حال الصّلاة يرى قبلهم، و يجب الجلوس إن يرهم أحد، و وجه الركوع و السجود عليهم مع فرض كونهم جالسين هو الأمن من

الناظر من حيث دبرهم، «1» و على كل حال يمكن أن

______________________________

(1)- أقول: و انّي و إن توجّهت بهذا التوجيه أيضا و قلت له مد ظله، و لكن إن كان وجه الأمر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 290

يجاب عن هذا الاشكال بهذا النحو.

[و امّا ما قيل في الجواب فكلام غير تام]

و أمّا ما قيل في مقام الجواب: إنّ الوارد في ذيل الرواية (و هم يركعون و يسجدون على وجوههم) بأنّ المراد أنّهم يركعون و يسجدون على الوجه الّذي يجب عليهم، فليست الرواية إلا في مقام بيان ذلك، فعلى هذا ليست الرواية متعرضة للوجه و النحو الّذي يجب عليهم الركوع و السجود فإن ثبت بالروايات الاخر كون ركوع العاري و سجوده بالايماء فلا ينافي مع الروية.

فكلام غير تمام، أمّا أوّلا فلأنّ معنى (على وجوههم) ليس إلا أنّهم يسجدون على وجوههم، يعني: كل واحد يسجد بوجهه، و ثانيا أنّه مع فرض أنّه أمر على ما يستفاد من الرواية بأنّ الإمام يؤمى بالركوع و السجود، ثمّ قال (و هم يركعون و يسجدون) فمن الواضح أنّ المراد أنّهم يركعون و يسجدون بنحو الركوع و السجود الواجب على المختار.

كما أنّه إن قيل ببعض توجيهات باردة اخرى لكون المراد من قوله (و هم يركعون و يسجدون على وجوههم) غير الركوع و السجود الواجب حال الاختيار، مما لا يعتني به، لوضوح دلالة الرواية على كون الركوع و السجود بنحو المتعارف

______________________________

بالجلوس في هذه الرواية و الركوع و السجود ما ذكر من أن عدم الأمن من الناظر يكون للمأمومين في خصوص قبلهم لا دبرهم، فيقال: بأنّه بناء على هذا كان اللازم أن يأمر بالامام بالقيام و الايماء، لأنّه إن كان عدم الأمن فقط من ناحية أنفسهم لا من الخارج، فعلى الفرض

حال الصّلاة يقفون المأمومين خلفه، فلا يرون قدام الإمام، فكشف القبل جائز، لكونه مأمونا من أن يراه أحد، و يجب على الجمع المتقدم القيام مع الأمن من المطلع، و إن قلت بأنّه لو قام فيري دبره، لأنّهم في خلفه، نقول: بأنّ الدبر مستور بالآيتين، إلا أن يقال: بعدم الاكتفاء بهذا النحو من الستر. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 291

منهما حال الاختيار، هذا بالنسبة إلى هذا الاشكال.

[امّا الكلام في اشكال آخر]

و أمّا الكلام في الاشكال الآخر، و هو أنّه مع فرض القيام لم يؤمى بالركوع و السجود مع كون الفرض فرض الأمن من المطلع بقرينة رواية ابن مسكان.

فنقول: إذا بلغ الأمر إلى هنا لا بد لنا من إشباع الكلام في صلاة العاري، و الروايات الواردة في المقام بنحو يظهر ما هو الحق في المقام و يرتفع الاشكال.

فاعلم أنّ الكلام في صلاة العاري مرة يقع في ما إذا يصلّي فرادى، و مرة يقع الكلام في صلاة الجماعة للعراة، و في الأوّل تارة يقع في أنّ تكليفه القيام أو الجلوس، أو القيام في صورة و الجلوس في صورة اخرى، و تارة يقع الكلام في أنّ العاري يركع و يسجد في صلاته، أو يؤمى بهما، أو أن في أي صورة تكليفه الركوع و السجود، و في أي صورة تكليفه الايماء بهما.

أما الكلام في وظيفته إذا يصلّي صلاته بالفرادى، فالكلام في هذه الصورة في مقامين الأوّل في ان وظيفته القيام، أو الجلوس أو التفصيل بين الجلوس و القيام، فنقول: إنّ المستفاد من بعض روايات المتقدمة القيام، و من بعضها الجلوس: قد يقال بوجوب الجلوس كما هو قول بعض، و قد يقال بالقيام مطلقا كما هو قول بعض، و قد يقال بالتخيير بين القيام

و الجلوس مطلقا كما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه «1».

[في ما نقل بالتفصيل في المسألة]

و لكن ما يظهر بالنظر هو ما قدّمنا من التفصيل بين الجلوس و القيام، بأن يصلّي العاري جالسا مع عدم الأمن من المطلع، و أن يصلّي قائما مع الأمن من المطلع، لأنّ بعض روايات الباب و إن تدلّ على القيام مطلقا، و بعضها على الجلوس مطلقا،

______________________________

(1)- الجواهر، ص 200.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 292

و لكن بعد دلالة رواية ابن مسكان- و عدم ورود الخدشة في سندها و إن كان فيها ابهام الواسطة، لأنّ ابن مسكان روى عن بعض أصحابه و هذا البعض مبهم، و لكن بعد ما روى الرواية البرقي، و ينتهي السند إلى ابن مسكان و يروي ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و قابل بأن يروي ابن مسكان بلا واسطة عنه عليه السّلام أوّلا و كون جلالة ابن مسكان بحيث لا يضرّ ابهام الواسطة بصحة الرواية ثانيا، فيأخذ بروايتها- فنقول بالتفصيل المتقدم في المسألة. إذا عرفت ذلك نقول: لا يرد إشكال في الروايات في هذه الجهة، و هل يمكن ان يقال: بأنّ في هذه الصورة راعي الشارع مضافا إلى الستر الّذي واجب بالوجوب التكليفي، الستر الّذي هو شرط في الصّلاة، أو لم يراع إلا الستر الّذي واجب نفسي فقط، لأنّه يحتمل أن يكون الستر الشرطي محفوظا في هذا الحال أيضا في حال الجلوس و القيام، غاية الأمر مستور بالبدن عورتيه و يكفي مستوريتهما بالبدن في هذا الحال بنظر الشارع. «1»

و على كل حال على هذا النحو من التفصيل من القيام و القعود في صورة عدم وجود الناظر، و في صورة المعرضية لوجود الناظر، لا يرد إشكال في الروايات من

______________________________

(1)-

أقول: و ان احتمل ذلك سيدنا الاستاد دام اللّه بقائه، و لكن بعد ما اوردت مع أخي الأغر أيده اللّه بأنّه إن كان الستر الشرطي ملحوظا في هذا الحال، فما معنى التفصيل بين وجود الناظر و عدمه بقرينة رواية ابن مسكان، لأنّ في الستر الشرطي يعتبر الستر، و إن لم يكن ناظر، مضافا بأنّه إن حصل الستر الشرطي و التكليفي بالبدن فلم انتقل التكليف من القيام إلى الجلوس، بل يجب لحفظ القيام حال الصّلاة، القيام مع فرض ستر البدن على ما قلت مطلقا، و لا معنى للجلوس أصلا، لأنّه و لو فرض وجود ناظر، و لكن بعد مستورية العورتين بالبدن، فيجب أن يصلّي قائما، فلا معنى للتفصيل بين القيام و الجلوس، فرفع اليد مدّ ظلّه عن هذا الاحتمال، و عطف عنان الكلام إلى مطلب آخر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 293

حيث القيام، لأنّ الاشكال المتقدم هو أنّه لا يجتمع الايماء مع القيام كما في رواية علي بن جعفر بأنّه إن كان القيام من باب الأمن من المطلع فلا مانع من السجود و الركوع، فلم امر بالايماء بهما، و يأتي جواب هذا الاشكال في المقام الثاني، فعلى هذا من حيث القيام و الجلوس لا إشكال في الروايات. «1»

[الكلام في المقام الثاني]
اشارة

أما الكلام في المقام الثاني، و هو أنّه هل يجب على العاري الركوع و السجود في

______________________________

(1)- أقول: و اوردت في مجلس البحث إيرادا بأنّه لا يرتفع الاشكال بعد، و هو أنّه بناء على ما أفاده مد ظله فلو فرض كون الستر الشرطي معتبرا حتّى في هذا الحال في الصّلاة، فلا معنى للتفصيل بين القيام و الجلوس، لأنه تستر العورة حال القيام بالبدن، و يحصل الستر الشرطي بهذا

النحو، فلم ينتقل من القيام إلى الجلوس، و إن فرض كون الظاهر من الروايات حفظ الستر التكليفي في هذا الحال فقط، كما يظهر من التفصيل الظاهر من رواية ابن مسكان من الفرق بين وجود الناظر و عدمه، فالجلوس في الأوّل و القيام في الثاني فأيضا يبقى الاشكال في الروايات إن قيل بهذا التفصيل، لأنّه مع فرض حصول الستر التكليفي بالبدن، كما هو الحق و لا إشكال فيه، و إن كان الاشكال في ساترية البدن في مقام الستر الشرطي، فنقول: إنّه مع فرض ستر الدبر بالاليتين، و ستر القبل بالفخذين، أو باليدين، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس إن كان يراه أحد مع فرض مستورية عورته و إن يراه أحد.

فالأخذ بالروايات و الالتزام بأنّا نفهم بأنّ وجه الحكم بالقيام في صورة الأمن من المطلع، و بالجلوس في صورة عدم الأمن من المطلع، يكون من باب أهمية حفظ الستر التكليفي، أو الستر التكليفي و الوضعي على القيام الواجب في الصّلاة بدون اعمال تعبد في الروايات، في غير محله.

لأنّه إن التزمنا بالتعبد فنستريح من الاشكال، و إلّا فلا، و أنّ الالتزام بالتعبد في رواية ابن مسكان مع التصريح بوجه لزوم القيام في صورة، و الجلوس في صورة اخرى، مشكل، فلا يمكن دفع الاشكال إلا باحد النحوين: إما برفع اليد عن رواية ابن مسكان و الالتزام إما بالتخيير، أو بالقيام مطلقا، أو بالجلوس مطلقا، و إما من الالتزام بأن البدن ليس ساترا حتّى في الستر التكليفي، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 294

صلاته حال كونه عاريا، أو يجب عليه الايماء بهما حال الصّلاة، فنقول: إن كل رواية من روايات الباب المتعرضة لهذه الجهة- أعنى: تكليف العاري في الركوع

و السجود- تدلّ على أن العاري يؤمى بهما في صلاته (و هي رواية علي بن جعفر، و رواية زرارة، و رواية أبي البختري، و رواية سماعة، و رواية حلبي) إلّا رواية أيوب بن نوح و هي الرواية الثانية، و رواية إسحاق بن عمار و هي الرواية الثامنة، فنقول:

[في ان رواية أيوب بن نوح لا يعتني بها في قبال الروايات]

أما رواية أيوب بن نوح فلا يعتني بها في قبال هذه الروايات، لما قلنا من ضعف سندها من جهة إبهام الواسطة، لأنّه يروي عن بعض أصحابه، و لم يعين شخصه، و من جهة حذف الواسطة لما قلنا من أن بحسب الطبقات لا يمكن أن يروي بواسطة واحدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل لا بد من واسطتين أحدها بعض اصحابه، و لا بدّ من شخص آخر يروي عنه هذا البعض، و لم يكن في الطريق عين و لا اثر منه، فلهذا سندها ضعيف.

فيبقى في المقام ما يعارض الروايات الدالة على الايماء- سواء كان يصلّي قائما كرواية علي بن جعفر، أو جالسا كغيرها من الروايات- رواية إسحاق بن عمار فقط، فنقول: إنّه إن كان من الروايات الدالة على الايماء ما يرد فيها الجلوس و الايماء (مثل رواية زرارة، و أبي البختري، و سماعة، و حلبي) فإن فيها مع فرض الجلوس في الصّلاة أمر بالايماء بهما فقط، فيمكن أن يحتمل أحد و يقول: بأنّها غير معارض مع رواية إسحاق بن عمار، لأنّ الأمر بالجلوس و الايماء فيها كان من باب عدم الأمن من المطلع، كما حملنا الروايات الدالة على أن يصلّي جالسا على هذه الصورة، فلهذا أمر بالجلوس و الايماء كي يستر عورته من الناظر، و نحمل رواية إسحاق بن عمار على ما قلنا سابقا، و هو صورة

كون عدم الأمن من المطلع من ناحية نفس أشخاص قطع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 295

عليهم الطريق، و اخذت ثيابهم فبقوا عريانا، فإن الناظر منحصر بأنفسهم، فلهذا أمر بالإمام بالجلوس و الايماء، لأنّه لو بنى على أن يركع و يسجد يبدو عورته، لأن المأمومين في خلفه، و أمّا المأمومين فجلوسهم كان من باب أنهم لو قاموا حال الصّلاة، فلا يستر عورة كل واحد منهم من الاخر، فلا يأمن كل واحد منهم بالنسبة إلى قبله، و لهذا امرهم بالجلوس، و أمّا حيث لا يكون ناظر من الخارج غيرهم، و إذا وقفوا في صف واحد حال الجماعة يكونون مأمونين من أن ينظر إلى دبرهم، فلهذا امرهم بأنّ يركع المأمومين و يسجدوا.

و لكن بعد دلالة رواية علي بن جعفر، و هي الرواية الأولى من الروايات قدّمنا ذكرها، على أن العاري يصلّي قائما و يؤمى بالركوع و السجود، و فرضنا بأنّ مورد وجوب القيام في الصّلاة هو مورد عدم وجود الناظر، و في فرض الأمن من المطّلع فمع فرض الأمن من المطّلع و عدم وجود من يراه، امر بالقيام و امر بالايماء بهما في صحيحة علي بن جعفر، فعلى هذا لا يمكن رفع التعارض بينها و بين رواية إسحاق بن عمار بالوجه المتقدم، لأنّه و لو حمل كون المأمومين بالركوع و السجود لأجل الأمن من المطلع على خصوص دبرهم، و لكن يعارضها ممّا رواه علي بن جعفر، لأنّ في خصوص هذا الفرض أعنى: الأمن من المطلع أمر عليه السّلام بالايماء بهما، فلا يمكن الجمع بهذا النحو بين الطائفة من الروايات الدالة على الايماء و بين رواية إسحاق بن عمّار الدالة على الركوع و السجود.

فإذا لا يوجد وجه جمع بينهما

و يقع التعارض بينهما، ففي مقام التعارض لا بد من رفع اليد عن رواية إسحاق بن عمار أولا لكون ما يعارضها هو رواية علي بن جعفر، و هي رواية صحيحة، و لا يمكن رفع اليد عنها لأجل هذه الرواية، فلا بدّ من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 296

طرحها في قبال الصحيحة، مضافا إلى أنّ الركوع و السجود مع كونه عاريا يوجب جعل المصلي نفسه بوضع يكون مستنكرا، و لا يبعد عدم كونه مناسبا مع الهيئة الصلاتية، لأنّه إذا ركع و سجد يبدو دبره، و لم يكن هذا الوضع مرضيا، كما أنّ في رواية زرارة قال (و لا يسجد ان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما) فتركهما صار لازما لأن لا يبدو خلفهما، فهذا دليل على عدم كون كشف الدبر مرضيّا ثانيا، فافهم.

[في وجوب الايماء بالركوع و السجود على العاري]

ثمّ من الأمر بالايماء في كل من حالتى القيام و القعود في رواية علي بن جعفر و غيرها ممّا مر ذكرها نفهم أنّ الشارع لا يرفع اليد حتّى في هذا الحال الّذي يكون المكلف عاريا عن الستر الشرطي بالنسبة إلى خصوص الدبر للأمر بالايماء بالركوع و السجود، و من الواضح أنّ هذا لم يكن تعبدا صرفا، بل نفهم أنّ وجهه هو حفظ شرطية الستر بالنسبة إلى خصوص الدبر، و كون الفرق بينه و بين القبل، و على كل حال نقول: بوجوب الايماء بالركوع و السجود على العاري «1» هذا تمام الكلام في

______________________________

(1)- أقول: لا يستفاد كون الستر الشرطي شرطا حتّى في هذا الحال متمسكا بهذه الروايات الدالة على الايماء حال القيام و الجلوس في خصوص الدبر لا القبل، بدعوى أنّ القبل لا يجب ستره بالستر الشرطي حال القيام المفروض عدم وجود الناظر،

لأنّه بعد كون البدن ساترا و لزوم الستر به فيجب ستر القبل باليد أيضا حتّى حال القيام.

و لا يمكن دعوى الفرق بين اليد و ساير أعضاء البدن بأن يقال: إنّ خصوص الاليتين من البدن يقبلان لأنّ يصيرا ساترا، فمن الأمر بالايماء نفهم ان الدبر مستور بهما، لأنّه لا فرق بينهما و بين اليد.

فنقول: إنّه يمكن دعوى لزوم حفظ شرطية ستر القبل أيضا في هذا الحال، لأنّ بعد كون البدن قابلا لصيرورته ساترا للستر الشرطي فالقبل مستور حال القيام و الجلوس إما بالفخذين و إما باليدين، أو بكل من الفخذ و اليد، بل كما قلنا في المقام الأوّل لا نفهم التفصيل الوارد في رواية ابن

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 297

هذين المقامين و أنت إن تنظر إلى كلمات من تعرض لهذه المسألة ترى أنهم لم يأتوا بشي ء كاف لفهم المطلب في المقام، و غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام ما أفاده مدّ ظله في هذا المقام. «1»

______________________________

مسكان الّتي جعله مدّ ظلّه شاهدا للجمع بين الروايات الدالة على القيام و بين الروايات الدالة على الجلوس، لأنه إن كان البدن قابلا لصيرورته ساترا للستر التكليفي أو الوضعي، فما معنى الانتقال من القيام إلى الجلوس في صورة وجود الناظر، لأنّ العورتين مستوران حال القيام القبل بالفخذين، أو اليدين، و الدبر بالاليتين، فالعورة مستورة و إن كان الناظر موجودا، لهذا قلت:

لا يمكن توجيه الروايات إلا بنحو المتقدم بيانه فتامل. (المقرر)

(1) أقول: ثمّ يمكن أن يورد على رواية إسحاق بن عمار و يجعل ممّا يوهنها بأنّه إن كان حفظ الركوع و السجود أهمّ من الستر الواجب بالوجوب الشرطي في الصّلاة، و لهذا رفع اليد عنه و امر بأن المأمومين يركعون

و يسجدون، فلم شرّعت لهم الجماعة الّتي أثرها أنّ الإمام يؤمى بهما، و يرفع اليد عن الركوع و السجود، فإن كان حفظهما أهمّ من الستر الشرطى في الصّلاة، فكان اللازم أن لا يشرع لهم الجماعة حتّى يصلّون إما في صف واحد فيركعون و يسجدون مع عدم ناظر غيرهم كما فرض لدفع الاشكال من الرواية، أو يتباعدون فيصلّون و يركعون و يسجدون، و ان كان حفظ الستر أهمّ منهما فلم امر بالمأمومين بالركوع و السجود و ترك الستر بالنسبة إلى الدبر.

و إن قلت: إن الإمام يؤمى لأنّ يصلّوا جماعة.

قلت: مع كون الجماعة مستحبا، فكيف يرفع اليد عن الركوع و السجود الواجب لاجل المستحب، فهذا أيضا اشكال في الرواية لنا لا نفهم وجه دفع له، فيصير من موهنات الرواية.

ثمّ إنّه مدّ ظلّه لم يتعرض في البحث عن جماعة العراة، و أنّه هل يشرع لهم الجماعة أم لا؟

وجه عدم المشروعية ما يستفاد من رواية أبي البختري، و هي الرواية التاسعة بترتيب المذكور منّا، فإن فيها قال (فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلّوا كذلك فرادى) و لكن ما يخطر ببالى- و إن لم ار من يقول به في مقام الاشكال في الرواية في هذا المقام- هو أنّه بعد ما فرض

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 298

ثمّ إنّه إن قلنا بالتفصيل بين القيام و الجلوس في الصّلاة على العاري، كما اخترنا ذلك، فمورد القيام هو صورة يكون مأمونا من أن يراه أحد، و بعبارة اخرى لا يكون معرضا لأنّ يراه أحد، و الجلوس في صورة كونه معرضا لأنّ يراه أحد، لا أن يجمد بظاهر رواية ابن مسكان بانّه (يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن راه أحد صلّى

جالسا) و يقال: إنّه يجب الجلوس في خصوص مورد يراه أحد، و بعبارة اخرى يكون الناظر موجودا و يعلم به، بل من الواضح أن المراد هو ما قلنا بان الميزان هو المعرضية و عدم المعرضية، فإن كان في معرض أن يراه أحد يصلّي جالسا، و الّا فلا، هذا تمام الكلام في صلاة العاري.

الخصوصية العاشرة:

هل يكون المعتبر في الستر الّذي شرط في كون الساتر من جنس خاص، و مما يكون متداولا من الثياب، أو لا يختص بكونه ثوبا، بل يكفي كل ما يستر به العورة و إن كان طينا، بل و بدن الشخص، أولا يعتبر أن يكون خصوص الثياب، بل يكفي غيره مثل الحشيش، و لكن لا يكفي كل شي ء حتى

______________________________

في هذه الرواية أن العاري يصلّي جالسا و يؤمى بالركوع و السجود، فإن فرض كونهم جماعة، فهم بعد كونهم جالسين يستر عوراتهم بالاليتين و الفخذين، فإن كان من ينظر بهم من أنفسهم، أو من الخارج فلا تبدو عوراتهم حتّى يجب عليهم التباعد لأنّ لا يرى عوراتهم، فهذا شاهد على أن قوله (فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى) ليس دالا على وجوب التباعد و الفرادى، فعلى هذا لا دلالة لهذه الرواية على عدم مشروعية الجماعة في حقهم خصوصا مع الاشكال في سندها.

و دعوى الاجماع على مشروعية الجماعة في حقهم، و لا سيما مع دلالة رواية عبد اللّه بن سنان، و هي الرواية السابعة ممّا ذكرنا من الروايات في هذا الباب، فعلى هذا، الحق مشروعية الجماعة للعراة، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 299

الطين و البدن؟

اعلم أنّه لا اشكال في عدم اختصاص كون الساتر من جنس الثياب المتداول لبسه، و كون الدرع و

الخمار أو الثوب واردا في الروايات لا يصير دليلا على الساتر بها لعدم خصوصية، و يدل على ذلك رواية علي بن جعفر الّتي جعلناها الرواية الأولى من الروايات الواردة في صلاة العاري، فإن هذه الرواية صريحة في الاكتفاء بالحشيش في الساترية للصّلاة، فعلى هذا لإشكال في كون الحشيش ساترا.

و أمّا الطين فأيضا لا إشكال لنا في أن العورة تستر به، لعدم لزوم أزيد من ستر العورة بحيث لم تكن البشرة ظاهرة، و لا مانع من ظهور الحجم، و الطين قابل لأن يستر البشرة، فعلى هذا لم يكن إشكال في الستر به.

و لكن نقول: بعدم جعله ساترا بحيث لا يجوّز الشارع رفع اليد عنه و الصّلاة عاريا، لا لعدم قابليته لأنّ يستر العورة، بل لأنّ الستر به موجب للحرج، لأنّ الإطلاء به عسر على الشخص، فلهذا نقول: بأنّه لا يبعد عدم وجوب الستر به إن دار أمر المكلف بأن يستر به أو الصّلاة عاريا.

و امّا البدن فهل يقبل أن يسير ساترا للصّلاة، بمعنى أن يستر المصلي عورته ببدنه، مثلا يستر الرجال دبرهم بالاليتين، و قبلهم بالفخذين أو باليدين، أولا؟

لا يبعد أن يقال: بكون البدن أيضا ممّا يستر به العورة إما في مطلق القبل و الدبر، لما قلنا من أنا نفهم من كون الوظيفة للعارى، بمقتضى الجمع بين الروايات، هو القيام في صورة الأمن من المطلع، و الجلوس في صورة عدم الأمن منه، بأن الستر الّذي شرط في الصّلاة لازم الحفظ حتّى في هذا الحال، و يحفظ ذلك حال القيام، و كذا

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 300

الجلوس بالفخذين و الاليتين، لأنّ بالأوّل يستر القبل، و بالثاني يستر الدبر. «1»

أو في خصوص الدبر، لأنه بعد ما وجب

الايماء بالركوع و السجود، بمقتضى بعض الروايات المتقدمة و عدم العمل برواية أيوب بن نوح و إسحاق بن عمار، فإنّا نفهم بأن وجه الأمر بالايماء بهما يكون من باب حفظ شرطية ستر الدبر في قبال الركوع و السجود، و تقديم حفظ ستر الدبر عليهما، و لهذا أمر بالايماء بهما، فهذا دليل على أن الاليتين يكفي لصيرورتهما ساترا للدبر. «2»

الخصوصية الحادية عشر:

لو فرض كون الساتر المعتبر في الصّلاة غير

______________________________

(1)- (أقول: و لكن بعد ما أعدت الاشكال الّذي ذكرنا سابقا في طي البحث في المقام الأوّل، من أنّه ان كان الستر الشرطي معتبرا في هذا الحال و حصل بالبدن، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس، و مضافا بأن ذلك لا يناسب مع رواية ابن مسكان الدالة على أنّ الانتقال من القيام إلى الجلوس يكون لأجل عدم الأمن من المطلع، و هذا مناسب مع الستر التكليفي، و مع عدم كون البدن ساترا، لأنه إن كان البدن ساترا للستر التكليفي و الوضعي فحال القيام تكون العورة مستورا بالاليتين و الفخذين أو باليدين، فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس، صرف النظر عن ذلك مدّ ظله) (المقرّر).

(2)- (اقول و لكن كما قلنا سابقا في المقام الثاني من المقامين في صلاة العاري ان كان وجه الايماء الدال عليه بعض الروايات حفظ ستر الوضعي أو التكليفي في مقابل الركوع و السجود و كون البدن ساترا للقبل و الدبر أو لخصوص الدبر فما وجه الانتقال من القيام إلى الجلوس لانه يمكن له ان يصلى قائما و يستر عورته قبلا و دبرا ببدنه القبل بالفخذين أو اليدين و الدبر بالاليتين فيحفظ القيام الّذي هو شرط في الصّلاة و الستر كليهما و لا مجال

لأنّ يقال بان القبل لا يستر بالفخذين و اليدان لا يكونا محصّلا للستر لانّه لا فرق بين الاليتين في حيث كونهما ساترا و بين اليدين فعلى هذا لا يمكن استفادة كون البدن ممّا يستر به العورة و يصير ساترا للستر المعتبر في الصّلاة و ان كان ساترا للستر التكليفي و لهذا في الستر الواجب بالوجوب التكليفي يكفي الستر و لو بالبدن). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 301

مختص بكونه من الملبوسات و الثياب، و يكفي غيره من الحشيش و الطين و البدن، فهل يكون ترتيب بين هذه الامور بمعنى انّه يعتبر أولا حال الصّلاة ستر العورة بالثوب و اللباس، فإن لم يجد الثوب و اللباس تصل النوبة بالحشيش مثلا، ثمّ بالطين، ثمّ بالبدن، أو لم يكن ترتيب بينها، فمن كان متمكنا من الستر بالثوب يجوز له الستر بالحشيش و غيره ممّا يقبل أن يكون ساترا.

ما يمكن أن يكون وجها للأوّل هو رواية علي بن جعفر، و هي الرواية الأولى من الروايات الّتي ذكرناها في البحث عن صلاة العاري، و هي هذه (علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الرجل قطع عليه، أو غرق متاعه فبقى عريانا و حضرت الصّلاة، كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم) بدعوى أنّ الرواية- بعد فرض كون الرجل بلا لباس و ثوب كما يستفاد منها، و بقائه عريانا- دالة على جواز الستر بالحشيش، فبعد كون المفروض صورة عدم الثوب، و كون جواز الستر بالحشيش في هذه الصورة، فإن كان واجدا للثوب لا يجوز له أن يستر عورته بالحشيش،

فالرواية تدلّ على الترتيب.

و لكن الحق عدم كون ترتيب بين ما يقبل لكونه ساترا للستر المعتبر في الصّلاة، و ما ورد في رواية علي بن جعفر لا يدل على الترتيب، لأنّ تجويز الحشيش في هذا الفرض ليس من باب عدم قابليته لأنّ يصير ساترا مع وجود الثوب، بل كان ذلك فرض السائل بأنّه لا لباس له، فجوّز عليه السّلام أن يستر عورته بالحشيش، لا أنّ عدم وجود الثوب شرط في قابلية كون الحشيش ساترا، و فرض السائل صورة عدم وجود الثوب ليس من باب كون المعلوم بنظره الترتيب، بل من باب أن من

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 302

يكون له الثوب لا داعي له بأن يترك الثوب و يستر نفسه بالحشيش و غيره، فعلى هذا لا يعتبر الترتيب، بل يكفي كل ما اكتفينا كونه قابلا لصيرورته ساترا للستر المعتبر في الصّلاة، فبناء على هذا إن قلنا بكفاية الطين أو البدن، فهما في عرض الثوب، و لا ترتيب بينها.

الخصوصية الثانية عشر:
اشارة

يقع الكلام في فروع:

الفرع الأول:

لو لم يجد المصلّي إلّا ما يستر به أحد عورتيه، فما يكون تكليفه؟

اعلم أنّ الكلام تارة يقع في ما يكون ما يوجد له من الساتر يقبل لأنّ يستر به أحد عورتيه معينا، مثلا يقبل الساتر لأنّ يستر به خصوص القبل، أو خصوص الدبر، فلا إشكال في هذه الصورة في أنّ تكليفه ستر خصوص ما يمكن ستره حال الصّلاة من أحد عورتيه، لأنّه مقدوره و يجب حفظه الشرط في المقدور الممكن، و هو أحد المعين من عورتيه.

و تارة يقع الكلام في ما لا يجد الا ما يستر به أحد عورتيه لكن لا أحد المعين، بل ما يمكن له ليس إلا ستر واحد من القبل أو الدبر بهذا الساتر بحيث لا يمكن له سترهما به، و لكن يمكن له ستر واحد منهما، فهل يكون في هذا الفرض ترجيح لأحد من القبل و الدبر على الآخر، فيقال مثلا: يقدم القبل على الدبر أو العكس، أو ليس ترجيح لستر أحدهما على الآخر، بل يكون مخيرا في أن يستر بهذا الساتر الّذي يجد له القبل أو الدبر.

الحق التخيير بينهما لعدم وجه وجيه لترجيح ستر كل واحد من القبل و الدبر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 303

على الآخر. «1»

الفرع الثاني:
اشارة

بعد ما يكون تكليف العارى، الغير المتمكن من تحصيل الساتر، الصّلاة عاريا فإذا شرع العاري في صلاته، ثمّ وجد له الساتر في أثناء الصّلاة فما يصنع؟ اعلم أنّ للمسألة صورا:

الصورة الأولى:

ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة و يوجد الساتر في أثناء الصّلاة، و كان آخر الوقت بحيث لو رفع اليد عن صلاته لا يدرك من الوقت مع الساتر حتّى ركعة، فلا إشكال في هذه الصورة في أنّه يتمّ ما بيده من الصّلاة، غاية الأمر إن كان متمكنا من تحصيل الساتر حال الصّلاة بدون فعل المنافي، فيستر عورته و يتم صلاته، و إن لم يتمكّن من ذلك يتمّ صلاته عاريا، و ذلك لأنّه لو قطع صلاته فلا يقدر على درك حتّى ركعة من صلاته في الوقت بعد ذلك، فلأجل أهمية الوقت لا بد من الاكتفاء بهذه الصّلاة و إتمامها إمّا مع الستر بالنسبة إلى بقية صلاته إن أمكن له الستر في الاثناء بدون فعل المنافي، و إمّا عاريا في صورة عدم إمكان

______________________________

(1)- أقول: أعلم أنّ في هذا الفرض لا بد و أن يفرض مورد لا يمكن ستر أحد العورتين بالبدن، أو نلتزم بعدم كفاية ساترية البدن للستر الّذي شرط في الصّلاة حتّى يكون الدوران بين ستر القبل بالساتر الموجود له أو الدبر، و يقال بالتخيير في صرف ساتره في أي منهما شاء، و إلّا فإن كان البدن ساترا و لم يكن ترتيب بين أقسام الساتر، ففي الصّلاة حال القيام يحصل الستر بالبدن و في حال الركوع و السجود حيث يبدوا الدبر، و امّا القبل متسور بالفخذين أو باليدين، فيجب أن يستر بالساتر، الدبر معينا لانه لا يمكن ستره حال الركوع و السجود بالبدن و لا وجه

للانتقال بالايماء مع وجود الساتر، إلا أنّه يمكن أن يقال: بان مثل هذا المورد خارج عن الفرض، إذا المفروض يكون صورة لا يتمكن من ستر كل من القبل و الدبر بما يقبل أن يصير ساترا، بل يتمكن من ستر أحدهما، فنقول في هذه الصورة كما أفاده مد ظله فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 304

ستر عورته في بقية صلاته بدون فعل المنافي.

الصورة الثانية:

ما إذا كان الوقت موسّعا بحيث إذا رفع اليد عن الصّلاة بيدها يمكن له إتيان مجموع صلاته بعد ذلك في الوقت، و في هذه الصورة تارة يمكن ان يستر العورة في ضمن الصّلاة بدون فعل المنافي، و تارة لا يمكن له الستر في ما بقى من صلاته إلا بفعل المنافي.

أما ما إذا كان مشتغلا بالصّلاة و وجد له ساتر، و تمكّن من الستر به بدون فعل المنافي، فبناء على كون أجزاء البدن كاليدين و الفخذين و الاليتين محصّلا للستر الشرطي، فلا مجال للاشكال في تتميم الصّلاة مع الساتر، بمعنى أنّه يستر عورته حال الصّلاة، فما مضى من صلاته صحيح، بل واجد للشرط، و كذا ما بقى من صلاته غاية الأمر تبدل ساتره بساتر آخر، فقبل وجود الساتر الّذي هو غير بدنه كان الشرط حاصلا بستر عورته بالبدن، و بعد تستره بما وجد من الساتر يستر عورته به، فعلى هذا وقع تمام صلاته مع الستر، فكل جزء من أجزاء صلاته كان مع الشرط حتى الحال الّذي ينتقل من ساترية بدنه إلى غيره من السواتر، لأنّ في هذا الحال يكون مستورا عورته ببدنه.

ففي هذه الصورة لا مجال للاشكال، لأنّ الاشكال إن كان من باب عدم الستر في ما مضى من صلاته، لأنه لم يكن عورته

مستورا بالثياب مثلا، فنقول: إنّه بعد كون البدن من مصاديق الساتر، و بعد عدم كون ترتيب في مصاديق الساتر، بل يكون كل من أفراده في عرض واحد، فهو في ما مضى من أجزاء صلاته كان واجد الشرط الستر، و كذلك في ما بقى من صلاته.

و إن كان الاشكال من باب أنّه في ما مضى من صلاته إن مضى موضع

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 305

الركوع و السجود، مثل ما مضى ركعة من صلاته، أومأ بركوعه و سجوده، و لم يأت بالركوع و السجود الكامل المختار.

فنقول: إنّه بعد عدم وجوب تأخير الصّلاة على من لم يتمكّن من الستر إلّا بالبدن إلى آخر الوقت، بل يجوز له البدار لإطلاق روايات المتقدمة في باب صلاة العاري، و خصوصا مع التصريح في الرواية أبي البختري منها، و هي الرواية التاسعة ممّا ذكرناها بأنّه (فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت) الظاهر في استحباب التأخير إلى أن يخاف ذهاب الوقت، فنقول: إنّ تكليفه إلى الحال كان الايماء بالركوع و السجود، و فيما يبقى من صلاته يكون تكليفه إتمامهما لا الايماء، فوقعت صلاته على طبق ما كان مكلفا به، فلا اشكال في هذا الفرض في انّه يستر بدنه بما وجد من الساتر، و يتم صلاته و تقع صحيحة. «1»

و أمّا بناء على عدم كون أجزاء البدن ساترا ففي الفرض المكلف اشتغل بالصّلاة و أتى ببعض الصّلاة عاريا، لعدم تمكنه من تحصيل الستر الّذي هو شرط في

______________________________

(1)- أقول: فعلى هذا في هذا الفرض الانتقال من مصداق من الساتر، و هو أجزاء البدن إلى مصداق آخر و هو الثوب، ليس من باب عدم كون ما مضى من صلاته غير واجد

للستر الّذي شرط في صلاته، لأنّ عورته مستورة ببدنه، بل يكون لزوم الانتقال من باب أنّه في ما مضى كان يؤمى بركوعه و سجوده، أو كان يجلس في موضع القيام لأجل وجود الناظر في ما فرض أن في حال الصّلاة لم يكن مأمونا من المطلع فترك للاضطرار القيام و الركوع و السجود، فإذا فرض تمكنه من أن يستر عورته بالثياب فهو متمكن من أن يصلّي قائما و يتمّ ركوعه و سجوده، فلهذا يجب عليه الستر بالستر في ما يبقى من صلاته لأنّ يصلّي صلاته قائما و إن كان ناظرا و يتم ركوعه و سجوده، و الّا لو لم يكن لزوم حفظ القيام و الركوع و السجود حال التمكن فلا يجب عليه أن يستر عورته بالساتر الّذي تمكن منه في أثناء الصّلاة، لأنّه واجد لشرط الستر، غاية الأمر بمصداقه الآخر و هو أجزاء البدن. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 306

الصّلاة و في ضمن الصّلاة، تمكّن من الساتر بأن يستر عورته بدون فعل المنافي، فهل يكتفي بهذه الصّلاة في مقام الانتقال، و يستر عورته، و يتم باقى من صلاته، أو لا يمكن الاكتفاء بها، بل يجب إتيان صلاة اخرى مع الستر مع سعة الوقت لذلك.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 3، ص: 306

اعلم أنّه إن قلنا بجواز البدار على العاري، كما هو الحقّ لما قدّمنا من عدم اعتبار التأخير إلى أن يخاف فوت الوقت، فالمقدار الّذي وقع من صلاته بلا ستر وقع صحيحا، لأنّ تكليفه كان في هذا الحال الصّلاة عاريا، و ما بقى من صلاته يستر عورته بالساتر الموجود له

فعلا فيقع صحيحا أيضا، لأنّه يقع مع الشرط.

و أمّا في المقدار المتخلل حال الصّلاة بين السابق الّذي أتى ببعض صلاته عاريا، و بين اللاحق الّذي يأتي ببعض الصّلاة مع الساتر- أعنى: المقدار المتخلل بينهما، و هو المقدار الّذي تمكن من الستر، و بنى على أن يستر- ففي هذا المقدار يكون بلا ستر قهرا، فيقال: إنّه إن دل دليل الدال على صحة صلاة العاري على شموله لمثل هذه الصورة الّتي تمكن من الستر في ضمن الصّلاة، فإن لم يكن هذا المقدار المتخلل مغتفرا يوجب لغوية الدليل الدال على صحة صلاة العاري الشامل لهذا المورد، فعلى هذا لا اشكال في هذه الصورة أيضا.

(و أمّا صورة توقف الستر على فعل المنافي من هذا المورد، و كذا صورة تمكّنه من الستر حال الصّلاة، و الحال انّه إن قطع صلاته لا يدرك من الوقت إلا مقدار أداء ركعة من صلاته، فلم يتعرض لها سيدنا الاستاد مد ظله، و عطف عنان الكلام إلى مسئلة اخرى و هي هذه).

الفرع الثالث:
اشارة

هل يكون الستر شرطا في الصّلاة مطلقا في حال العمد، و الجهل بقسميه، و النسيان، أو تكون شرطيته مخصوصة ببعض هذه الصور؟

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 307

فنقول مقدمة: بأنّ الأحكام الّتي وصلت بأيدينا من الشارع تارة تصل إلينا بمعونة الاطلاقات أو العمومات، و بعبارة اخرى بمعونة ظواهر تستفاد من الادلة، و تارة ليس كذلك، بل نرى من وضع الشرع و المتشرعة و مغروسية حكم عندهم من صدر الأوّل إلى زماننا من كل من يكون له ربط في الشرع، و في زمرة المتشرعة أنّ الحكم كان عنده مسلما، بحيث لا يرى ترديد في هذا الحكم عندهم أصلا، و لهذا كل ما يرى في الروايات

لم يكن فيه ذكر من أصل هذا الحكم من المعصومين، و لا سؤال عن أصل الحكم من السائلين، بل كل ما وقع السؤال و الجواب فيها لم يكن إلا من خصوصيات هذا القبيل من الأحكام، و هذا أيضا شاهد على أنّ أصل الحكم كان ثبوته مفروغا عنه عندهم، و لهذا وقع السؤال و الجواب عن الخصوصيات، و كلما وجدت أحكام ثابتة بهذا النحو، فحالها كحال الأحكام الثابتة من الأدلة اللازم الاخذ بها و إن لم تكن مثلها من حيث طرق الاثبات.

فإن كان حكم في الشرع بهذا الوزان بحيث يكون مسلما، و يرى من الأحكام المسلّمة من زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصادع بالشرع عند المسلمين إلى زماننا، فما قد يختلج بالبال هو أنّه في مثل هذه الأحكام إذا شك في خصوصية من خصوصياتها، لا يمكن التمسك في نفي المشكوك من خصوصياتها بالبراءة.

و لا تتوهم بأنّا غفلنا ما هو مبيّن في محله من أنّ مع الشّك في جزئية شي ء، أو شرطيته، أو جزئيته أو شرطيته مطلقا، أو في حال مخصوص، أو في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطي تجري البراءة.

لأنّا نجري البراءة الشرعية، و كذا العقلية إن كانت براءة عقلية، و لم نقل بما قال المحقّق الخراساني رحمه اللّه من الاشكال في إجراء البراءة العقلية في الأقل و الأكثر

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 308

الارتباطي، و كذلك لا نجوّز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية حتّى تقول: بأنّه و لو فرض ثبوت حكم في الشرع إما من الادلة المعهودة من العموم و الاطلاق و ساير الحجج، أو ما بنحو الّذي قلت، و لكن في المقدار المعلوم الثابت نأخذ بالحكم، و في المقدار

المشكوك نجري البراءة في الأقل و الأكثر و في الشبهات المصداقية.

و لكن نقول بأنّه بعد ما بينّا بأنّ مدرك حجية جلّ الحجج المثبتة للأحكام، أو النافية هو بناء العقلاء، لأنّ حجية العموم و الاطلاق، و كذا الخبر الواحد يكون ذلك، و كذا أصالة البراءة العقلية، و لهذا كان الواجب الفحص ثمّ إجرائها، نقول: بأنّ بناء العقلاء في هذه الموارد هل هو إجراء البراءة بصرف الشك، أو ليس بناء العقلاء على ذلك، بل يلزم الاحتياط إلّا في خصوص ما دل الدليل على إخراجه، و لا يبعد أن يكون كذلك.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ مسئلة الستر تكون كذلك، لأنّ شرطية أصل الستر في الصّلاة و دخله فيها من الأحكام المسلمة بحيث لا يرى شك في زمان من الأزمنة في دخله فيها من صدر الأوّل إلى الآن، و حتى يرى من الأسئلة و الأجوبة الواردة في الروايات الواقعة من خصوصياته، كون أصل المسألة من المسائل المفروغ عنها، مثلا يسأل تارة عن الغير المتمكن من الستر كالعاري، أو من رجل صلّى و فرجه خارج و هو لا يعلم، أو ممّا يلزم أن يستر به الرجل أو المرأة، و أقل ساتر يسترهما في الصّلاة، ففي كل هذه الأسئلة و الأجوبة يرى كون أصل شرطية الستر مسلما عندهم.

فإذا كان كذلك، فإن شككنا في خصوصية من خصوصيات هذا الحكم

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 309

المسلّم، مثلا نشك في أنّ هذا الحكم ثابت في خصوص حال العمد، أو معتبر حتّى في حال الجهل، فهل يكون المرجع في مورد الشّك البراءة، أو كما قلنا لا بد مع كون الحكم بهذه المرحلة من الوضوح من ترتيب الأثر عليه مطلقا إلا في ما ورد من الشرع

من عدم كونه ساريا إلى موضوع خاص، و عدم كون هذا الحكم في حال من الأحوال، أو في خصوصية من الخصوصيات، و لا تجري البراءة في ما شك من خصوصياته بكون الحكم ثابت معها، أولا.

لا يبعد أن يكون الأمر كذلك، لعدم بناء العقلاء على إجراء الأصول في مثل هذه الموارد. «1» ثمّ إن قلنا كذلك، فلا إشكال في أنّه في مسئلة الستر كلما شككنا في الخصوصيات الراجعة إليه، و لا ندري بأنّ الحكم ثابت معها أولا، لا مجال لإجراء البراءة، و لا بدّ من حفظ الشرط إلا ما خرج بالدليل، ففي الفروع الّتي نتعرض لها لا تجري البراءة و نرفع اليد عن شرطية الستر إلا في المقدار الّذي قام الدليل على اخراجه.

و أمّا لو لم نقل بهذه المقالة، و قلنا بإجراء البراءة في أمثال هذه الموارد، فنقول

______________________________

(1)- أقول: و إن كان مدّ ظلّه متوجّها بما يرد على هذا الكلام، و لهذا قد تصدى لدفع الدخل و كان في مقام ذكر نكتة دقيقة مع قطع النظر عما نجري على حسب المباني في الأصول، و نبحث حوله، و كان وجه ترديده في إجراء البراءة ما أفاده و لكن مع ذلك لا يخطر بالبال فرق في المقام مع ساير الموارد الّتي نجري البراءة، غاية الأمر أنّ الأحكام الثابتة بهذا النحو يكون كالعموم أو الاطلاق المستفاد من رواية صحيحة بل و من القرآن الكريم، و لكن القدر المسلم منه نأخذ به و في المقدار المشكوك في كونه فردا للعام أو المطلق أو كونه داخلا في موضوع الحكم أو كان الشك في كون اللفظ يشمله أو لا، فلا نرى إشكالا في إجراء البراءة على حسب ما قوينا في الأصول،

و يكون مورد البراءة، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 310

بعونه تعالى: أنّه إذا شك في أنّه هل يعتبر الستر في الصّلاة مطلقا، أو يختص بصورة العلم و العمد و الاختيار، و باقى الصور الّتي تكون محلا للكلام بعد ذلك إن شاء اللّه.

[ما يكون دليلا لكون شرطية الستر مختصة ببعض الاحوال امور ثلاثة]

فما يمكن أن يكون دليلا لكون شرطيته مخصوصة ببعض الأحوال امور ثلاثة:

الأمر الأول: حديث لا تعاد.

الأمر الثاني: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن احمد عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه (قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا اعادة عليه و قد تمّت صلاته.) «1»

الأمر الثالث: حديث الرفع.

فنقول الأمر الأول: حديث لا تعاد، فهي الرواية 4 من الباب «1» من أبواب قواطع الصّلاة و ما يجوز فيها، و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «2»

[الكلام في حديث لا تعاد]
اشارة

و قبل التكلم في المسألة لا بدّ لنا من التكلم في حديث لا تعاد بنحو الاجمال كي تكون أنت على بصيرة من مفاده، و موارد شموله و عدم شموله، فنقول: إنّ بعض من أدركنا محضره من الأعاظم كان نظره على أنّ الحديث يشمل حتّى صورة العلم و العمد، فمن ترك في صلاته من غير المستثنى شيئا و لو عمدا، فلا يضرّ بصلاته لقوله

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 27 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 1 من أبواب قواطع الصّلاة و ما يجوز فيها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 311

(لا تعاد الصّلاة إلا من خمس) و الناظر يرى أن في شمول الحديث لخصوص النسيان، أو الجهل، و غير ذلك كلمات و اختلاف بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و على كل حال ما يأتي بالنظر

أنّ مفاد الحديث، هو أنّ من كان يريد اتيان الصّلاة بنحو المطلوب، و كان بنائه على إتيان صلاته بما لها من الأجزاء و الشرائط، و لم يأت بها كما هو المطلوب من غير اختيار، فلا إعادة عليه إن لم يكن ما قصر منها من الخمسة، و لا يمكن شمولها لحال العمد.

أما أولا فلأنّ الحديث متعرض لصورة وقوع الصّلاة، و أنّه إذا فرغ من الصّلاة فرأى أنّ في صلاته وقع نقص، و لهذا عبّر بقوله (لا تعاد) و هذه العبارة ظاهرة في مضى الصّلاة و أنّ ما مضى من صلاته لا تجب الاعادة، و إن قلنا بشمول الرواية لما كان المكلف في أثناء الصّلاة، فمع ذلك يكون في مورد نقص في صلاته شي ء، و مضى محل تداركه، فعلى كل حال ليست الرواية متعرضة لحال الشروع في الصّلاة، بمعنى انّه يجوز بمقتضى الحديث للمكلف الشروع في الصّلاة، و ينقص شيئا عمدا، و يتمسّك بالحديث، و أنّه لا تجب الاعادة، لأنّ الرواية غير متعرضة لهذه الصورة.

فإذا لم يكن الحديث متعرضا لجواز الابتداء و الدخول في الصّلاة، و عدم إتيانه بالجزء أو الشرط محتجا بالحديث، فلا يمكن شمول الحديث لصورة العمد، و ترك جزء أو شرط من الصّلاة عمدا.

و ثانيا أنّ شمول الحديث لصورة العمد مناف مع جعل الأجزاء و الشرائط جزء و شرطا في الصّلاة، لأنّ معنى كون القراءة مثلا جزء عدم تماميّة بدونها، فإن كان مفاد حديث (لا تعاد) هو تجويز ترك الجزء أو الشرط و تركهما عمدا في الصّلاة،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 312

يكون لازمه رفع اليد عن الجزء و الشرط، فهذا مناف مع اعتبارهما، و حيث يلزم من شمول الحديث لصورة العمد لغوية جعل شي ء

جزء أو شرطا، نفهم عدم شمول الحديث لصورة ترك العمدية.

[لا يشمل حديث لا تعاد لصورة العمد]

فإذا عرفت عدم شمول الحديث لصورة العمد نقول: بأنّه كما قلنا ظاهر الحديث هو أن كلّ ما تعلقت الإرادة بفعله في الصّلاة بحيث يكون المريد للصّلاة مريدا له أوّلا و بالذات، و كان بناء المكلف على إتيانه في الصّلاة، بحيث لو لم يمنعه الصوارف الّتي ليست تحت اختياره ليقع منه في ضمن الصّلاة، و يوجد ما بنى عليه في الخارج، و إذا لم يوجد ما كان بنائه على إتيانه، و ما وقع مراده في الصّلاة، لأجل طرو بعض ما ليس تحت اختياره، فلا تعاد الصّلاة في هذه الجهات إلا في خمسة امّا ما كان تركه تحت اختياره، و مع ذلك تركه فلا يشمله الحديث.

فعلى هذا نقول: بأنّ نسيان الموضوع يشمله الحديث، فمن نسى القراءة مع علمه بكون القراءة واجبة في الصّلاة، فلا يجب عليه إعادة الصّلاة لأجلها لقوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) لأنّ ترك القراءة مع كون بنائه على إتيانها مستند إلى نسيانه، و هو أمر غير اختياري له، و كذلك الجهل بالموضوع مثل من يكون جاهلا بكون ساتره في الصّلاة يكون فيه خرق يكشف عورته، و امّا صورة ترك شي ء يعتبر في الصّلاة عمدا، أو تركه مع الشّك في الحكم، مثلا لا يدري بأنّ القراءة واجبة في الصّلاة أم لا، و مع ذلك تركها، فلا يشمله الحديث.

و أمّا الجاهل المركب- سواء كان جاهلا مركبا في الحكم، مثل من يعتقد جهلا بعدم كون القراءة مثلا جزء للصّلاة، أو الستر شرطا فيها، أو كان جاهلا مركبا في الموضوع، مثل من يكون قاطعا بكون عورته مستورا حال الصّلاة، و الحال أنّ في

تبيان

الصلاة، ج 3، ص: 313

ثوبه خرق يكشف عورته حال الصّلاة- فهل يكون عموم (لا تعاد) شاملا له أم لا؟

لا يبعد شمول الحديث للجهل المركب أيضا لأنّ تركه الجزء أو الشرط في الصّلاة باعتقاد عدم شرطيته أو جزئيته، أو باعتقاد كونها واجدا لهما ليس تحت اختياره، إذ مع هذا الاعتقاد غير متمكن لاتيانهما، و لم يكن عن عمد و علم باعتبارهما، أو عدم تحصيلهما حتّى يقال: بعدم شمول الحديث له، و لا مانع من شمول (لا تعاد) للجهل المركب.

و أمّا شمول الحديث لخصوص الأجزاء و شرائط الصّلاة بمعنى، أنّه لو نسى الجزء، أو الشرط مثلا، فيحكم بعدم الاعادة بمقتضى الحديث، أو يشمل الحديث مضافا إلى الأجزاء و الشرائط للموانع أيضا.

قد يقال: بالشمول جمودا على ظاهر قوله (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) فما سوى الخمسة لا تعاد الصّلاة من أجله سواء كان شرطا أو جزء أو مانعا من الموانع، و لكن بعد التأمل فالحكم بشمول الحديث للموانع مشكل، لأنه بعد ما قلنا من ان لسان (لا تعاد) هو عدم لزوم إعادة الصّلاة في ما تعلق به إرادة المكلف بمقتضى الأمر بالصّلاة أوّلا و بالذات، بحيث تكون إرادة الصّلاة أوّلا و بالذات إرادتها أعنى:

من يريدها يريد اتيان هذا الشي ء أوّلا و بالذات، و لكن لم يأت بها لطرو امر غير اختيارى للمكلف.

فعلى هذا نقول: بأن الجزء و الشرط حيث يكون وجودهما معتبرا في فمن يريد الصّلاة، يريدهما أوّلا و بالذات، و امّا بعد عدم كون الموانع ممّا يكون وجودها دخيلا في الصّلاة، لأنّ بوجودها تبطل الصّلاة و لا عدم وجودها شرطا في الصّلاة، بل معنى دخلها في الصّلاة ليس إلا أنّ من يريد الصّلاة و اتيان ما

يعتبر فيها حيث يرى

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 314

انّه لو وجد أحد الموانع في أثناء هذا العمل يحصل الاختلال في هذا العمل أعنى:

الصّلاة، فلم يوجدها، لأنّ يقع ما يريد إتيانها في الخارج و يحصل مراد المولى، فالإرادة إن تعلقت بالموانع تعلقت بالواسطة و بالعرض، فليس وزانها وزان الجزء و الشرط، فإذا كان كذلك فشمول الحديث لها مشكل، مضافا إلى أنّ ما ذكر في المستثنى ليس من الخمسة أحد من الموانع، بل المذكور إما جزء أو شرط، فهذا شاهد على أن المستثنى منه يكون من جنس المستثنى أعنى: لا يكون إلا الأجزاء و الشرائط، فمن أجل ذلك شمول الحديث للموانع عندنا مشكل. «1»

______________________________

(1)- أقول: كما قلت به مدّ ظلّه في مجلس بحثه، لا يرى مانع في شمول الحديث للموانع، لأنّ من يريد إتيان الصّلاة يريد إتيانها كما امر بها، و الحال أنّ الصّلاة لا تصير صلاة إلا بفعل امور و ترك امور، فلا بدّ من إتيان أشياء و هي عبارة عن الجزء و الشرط، و ترك أشياء، و هي ما نعبّر عنها بالموانع، فكما أنّ مريد الصّلاة يريد إتيان ما هو جزء و شرط لها، كذلك يريد ترك ما يكون وجوده مضرا فيها أعنى: الموانع، فقوله (لا تعاد الصّلاة إلا من خمسة) يدلّ على عدم إعادة الصّلاة إلا من خمسة، و بعد بيان ما افاده مد ظله يدلّ الحديث على أن صلاته إذا وقعت فاقدة هو معتبر فيها بلا اختيار، و يكون المفقود غير الخمسة، فلا تجب الاعادة، فنقول: بأنّ الموانع ليست من الخمسة، فلا مانع من شمول الحديث لها.

و أمّا ما أفاده مد ظله من أن كون المستثنى من خصوص الجزء و الشرط شاهد

على كون المستثنى منه خصوص الجزء و الشرط، فأقول: إنه بعد عدم قصور في قوله (لا تعاد إلا من خمسة) لشمولاه للموانع، بأنّ ذكر خصوص الخمسة يكون من باب أنّ الاعادة لا تجب إلّا فيها، فلا وجه لذكر بعض الموانع أو كلها من الخمسة، فعدم ذكر واحد من الموانع في المستثنى يمكن أن يكون من باب عدم كون شي ء منها ممّا يوجب الاعادة في صورة وجوده نسيانا أو جهلا، لا من باب عدم كون الموانع داخلا في المستثنى منه أصلا، فتأمل.

ثمّ إنّ هنا كلاما آخر في أنّ الحديث يشمل الزيادة كما يشمل النقيصة، مثلا كما يشمل نقص

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 315

و امّا الأمر الثاني: ممّا يظهر من كلماتهم الاستدلال به في المقام رواية علي بن جعفر عن أخيه؟ قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته.

و شمول هذه الرواية لصورة الجهل واضح، لأنّ ظاهر قوله (صلّى و فرجه خارج لا يعلم به) وقوع ذلك من باب عدم علمه بكون فرجه خارجا، فكان المنشأ جهله بالموضوع، و أمّا شموله لصورة النسيان فمشكل.

و امّا الأمر الثالث: ممّا يستدل به كما يرى في كلمات الفقهاء هو حديث الرفع، و الكلام في شمول الحديث، و إمكان التمسك به في مثل هذه الموارد و عدمه، لا يناسب ذكره هنا، و يجئ الكلام عند تعرضنا في الأصول للحديث قريبا إن شاء اللّه، و لهذا لا نجعله من الأدلة للمقام فعلا، و إذا بلغ الأمر في الأصول إلى التكلم منه، يظهر لك إمكان التمسك به لمثل المقام و عدم إمكان التمسّك به.

إذا عرفت ذلك

نقول: إنّ للمسألة صورا نتعرض لها و لحكمها:

[ذكر صور ترك المكلّف الستر جهلا/ الصورة الاولى و الثانية]

الصورة الأولى: و هي ممّا لا إشكال فيها، هي صورة ترك الستر عمدا و عن علم، فلا إشكال في بطلان الصّلاة في هذه الصورة، لأنّ القدر المتقين من اشتراط الستر في الصّلاة هو في هذا الحال.

الصورة الثانية: هي ترك المكلف الستر في الصّلاة و كان منشأ تركه الجهل

______________________________

الجزء أو الشرط في مورد النسيان أو الجهل بتفصيل المتقدم، كذلك يشمل زيادة الجزء مثلا، فكما يدلّ على صحة الصّلاة في النقيصة الراجعة إلى غير المستثنى، كذلك يدلّ على الصحة في صورة وقوع الزيادة في الصّلاة، أو لا يدلّ على ذلك؟ و لم يتعرّض مدّ ظلّه لعدم كون المقام مناسبا للتعرض في خصوصيات الحديث بنحو المستوفى. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 316

بالموضوع، و ترك الستر في هذه الصورة تارة يكون من باب غفلته أصلا عن كون عورته مكشوفة حال الصّلاة و تارة يكون من باب غفلته بكونه مشتغلا بالصّلاة و إن كان ملتفتا بكونه بلا ستر، و ان كان وقوع هذا الفرض بعيد، و تارة يكون من باب اعتقاده بكونه مستور العورة حال الصّلاة، و الحال أنّ اعتقاده خلاف الواقع، مثل ما إذا كان في ثوبه الساتر لعورته خرق انكشفت عورته في الصّلاة، أو مثل ما إذا أصاب ريح فانكشفت عورته في الصّلاة، و الحال أنّه جاهل بذلك و معتقد بكونه مستور العورة في الصّلاة.

و في تمام هذه الفروض المتصورة في هذه الصورة إما وقعت صلاته بتمامها بلا ستر مثل ما انكشفت عورته في تمام الصّلاة، و هو جاهل به، أو وقع بعض صلاته بلا ستر، مثلا في تمام الفروض لبس بنفسه ثوبا آخر حال الصّلاة، أو البسه شخص

آخر ثوبا آخر استتر معه عورته، فوقع بعض صلاته مع الستر، و في تمام هذه الفروض من هذه الصورة أيضا تارة يفرض تذكر المصلي بذلك بعد الصّلاة، و تارة يفرض تذكره و انكشاف الحال له في أثناء الصّلاة، و في فرض كشف الحال و انكشاف ما مضى من صلاته في أثناء الصّلاة مرة يفرض كونه واجدا للستر قبل الانكشاف بحيث بعد الانكشاف يرى أن عورته مستورة، و لا تقع قطعة من صلاته على ما يعلم بلا ستر، مثل ما إذا كشفت عورته عن جهل، ثمّ قبل انكشاف الحال له لبس بنفسه ثوب آخر، أو ألبسه الآخر ثوب فسترت عورته، فإذا تبين له في الاثناء وقوع بعض صلاته بلا ستر يرى أن عورته مستور فعلا، و اخرى يفرض أنّ في الاثناء انكشف له الحال و بين انكشاف الحال له و بين أن يستر عورته لما بقى من صلاته يتخلل قطعة من صلاته يكون فاقدا للستر حال العلم.

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 317

[الصورة الثالثة: في صورة نسيان الستر]

الصورة الثالثة: صورة نسيان الستر، و هي تارة يكون من باب انّه نسى الستر و لم يلتفت به حتّى قبل الصّلاة، و تارة يلتفت قبل الصّلاة بكونه بلا ستر، و لكن حين الشروع في الصّلاة نسى الستر فيصلّي مكشوف العروة، و في هذه الصورة يمكن أن يفرض كما قلنا في الصورة الثانية أنّ تمام صلاته كان بلا ستر، و يمكن أن يفرض وقوع بعض صلاته بلا ستر كما قلنا، و كذلك تارة يتبيّن له وقوع تمام صلاته أو بعض صلاته بلا ستر بعد الفراغ من الصّلاة، و تارة يتبيّن في أثنائها و لما تبين الحال في الأثناء يكون له احتمالان المتقدمان في الصورة الثانية.

«1»

إذا عرفت هاتين الصورتين غير الأولى، فنقول: أما في الصورة الثانية، فإن كان الانكشاف بعد الصّلاة، فلا إشكال في صحة الصّلاة في كل الفروض (و لم

______________________________

(1)- أقول: و هنا يمكن فرض صورتين اخريين لم يتعرض لهما مد ظله: الأولى أن يكون دخوله مع الشّك في الستر، و تارة يكون شاكّا في الموضوع، مثلا يشكّ في أنّه هل في ثوبه خرق يكشف معه عورته أم لا، و يدخل بهذا الحال في الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ ينكشف كون عورته مكشوفة، فنقول: إن في هذه الصورة تارة يكون دخوله في الصّلاة متمسكا بأصل من الأصول، أو أمارة من الامارات، فصحة الصّلاة في هذه الصورة مبنية على إجزاء صلاته بها الماتى مع الشرط ظاهرا، و لا يبعد الحكم بالصحة على مبنى سيدنا الاستاد مد ظله في باب الإجزاء في مثل المقام، و أمّا التمسك بحديث (لا تعاد) أو رواية علي بن جعفر فلا مجال له.

و تارة يكون شاكا في الحكم، و مع ذلك يدخل في الصّلاة بلا ستر، فلا وجه للحكم بالصحة في هذه الفرض.

الصورة الثانية ما إذا كان جاهلا بالحكم بالجهل المركب أعنى: يعتقد عدم شرطية الستر في الصّلاة، و يدخل فيها بهذا النحو، ثمّ بعد الصّلاة انكشف له كون الستر شرطا، فكما قلنا لا يبعد الحكم بالصحة لحديث (لا تعاد) لأنّه قلنا لا يبعد لشمولاه لهذا النحو من الجهل المركب، و امّا إذا تذكر في الأثناء فالأمر مشكل للإشكال في شمول (لا تعاد) لأثناء. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 318

يصرح مدّ ظله بالصحة في فرض كون منشأ عدم ستره كونه غافلا من كونه مشتغلا بالصّلاة) لدلالة حديث (لا تعاد) على ذلك لشمولاه للجهل بالموضوع، و لدلالة

رواية علي بن جعفر المتقدمة، لأنّ القدر المتيقن منها صورة الجهل بالموضوع، و أمّا إن كان انكشاف في أثناء الصّلاة، فإن كان بعد الانكشاف مستور العورة- بمعنى أنّ لصلاته قطعتين: قطعة منها مكشوف العورة مع كونه جاهلا، و قطعة منها عالما و مستور العورة فيها، و لم يتخلل زمان في صلاته يكون فاقدا للستر عن علم- فأيضا لا إشكال في صحة ما مضى من صلاته، و يتم ما بقى من صلاته مع الستر، و تقع صحيحة، لأنّ رواية علي بن جعفر و إن كان ظاهرها كون الانكشاف بعد الصّلاة لقوله (صلى و فرجه خارج) و لكن بعد عرض الرواية على العرف لا يرى العرف فرق بين وقوع تمام الصّلاة بلا ستر، و بين وقوع بعضها بلا ستر إن لم نقل بأنّه مع فرض وقوع تمام الصّلاة بلا ستر إذا حكم بالصحة، فمع وقوع بعض منها بلا ستر تصح الصّلاة بالاولوية.

و أمّا حديث (لا تعاد) فإن قلنا بشموله لأثناء الصّلاة و عدم اختصاصه بما إذا تبين الحال بعدها، فهو أيضا دليل للمورد، و إلّا فلا.

[في صورة انكشاف عدم الستر بعد الصّلاة فصلاته صحيحة]

و أمّا إذا انكشف الحال في أثناء الصّلاة، و لكن لم يكن مستورا حال الانكشاف، بل يتخلل بين الحالة المتقدمة من صلاته الّتي كانت بلا ستر، و بين الحالة اللاحقة الّتي يستر عورته قطعة يكون فيها مع العلم فاقدا للستر، فهل تصح هذه الصّلاة إذا بادر بالستر، و يتم صلاته مع كونه فاقدا للستر عن علم في قطعة من صلاته، أم لا؟

اعلم أنّه مع قطع النظر ممّا قلنا من أنّه يشكل شمول حديث (لا تعاد) لمثل

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 319

المورد للاشكال في شموله لأثناء الصّلاة، بأنّه ما يمكن أن

يقال في وجه الصحة في المقام، هو انّه بعد شمول حديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر للمورد، و أثره صحة ما مضى من صلاته، فيقال: إنّ لصلاته ثلاث قطعات: قطعة منها هي القطعة الماضية من صلاته بلا ستر لجهله، فالصحة في هذه القطعة تستفاد من حديث (لا تعاد) و علي بن جعفر، و قطعة منها قطعة ينكشف له الحال و قد بادر بالستر و ستر عورته، و يصير واجد للشرط و يتمّ صلاته مع الشرط، و قطعة ثالثة ما بين القطعتين قد تبين له عدم كونه مستور العورة و يصير في مقام أن يستر عورته، و في هذه القطعة و إن ترك الستر عن علم، لأنّه صار عالما بكونه بلا ستر و لم يستر بعد، و لكن لا بد من الالتزام بعدم شرطية الستر بالنسبة إلى هذه القطعة، لأنّه لو قيل بشرطيته في هذه القطعة، و بطلان الصّلاة لأجل تركه الستر فيها عن علم، يلزم اللغوية في حديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر، لأنّ معنى شمولهما للمورد و لازمه هو إمكان إتمام الصّلاة بهذا النحو، و لا يمكن إتمام الصّلاة إلّا بعدم شرطية الستر في القطعية المتخللة.

فإذا كان كذلك نقول: بأنّه في ما مضى من صلاته بلا ستر جهلا فصحت صلاته لحديث (لا تعاد) و رواية علي بن جعفر، و في القطعة المتخللة الّتي صار عالما و لم يستر بعد فقد سقط شرطية الستر، و في القطعة الأخرى يبادر بالستر و يتم صلاته مع الستر، فتقع صلاته صحيحة.

و فيه أنّه إن كان حديث (لا تعاد) أو رواية علي بن جعفر واردا في خصوص المورد، فيمكن أن يقال بذلك، لأنه بعد الحكم

بالصحة في خصوص هذا الفرض مع استلزام الصحة في هذا الفرض لوقوع قطعة من الصّلاة عن علم بلا ستر، يدلّ على عدم شرطية الستر في هذه القطعة، و لكن بعد كون المدعى شمول الحديثين للمورد

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 320

بالإطلاق، فيمكن منع إطلاقهما لمثل هذا المورد، فعلى هذا لا يمكن الاكتفاء بهذه الصّلاة الواقعة بعضها بلا ستر للجهل، و بعضها بلا ستر مع العلم، و بعضها مع الستر.

و إن قيل لتوجيه الصحة: بأنّه يمكن للمصلي بعد انكشاف الحال له في الأثناء ترك أفعال الصّلاة فورا بمجرد الانكشاف، و يبادر بالستر، ثمّ يشتغل بأفعال بناء على أن يقال: بكون الستر شرطا للصّلاة لا للمصلي، لأنّه على هذا لا يقع صلاته بلا ستر عن علم، و المقدار المتخلل الّذي كان بلا ستر مع العلم لم يكن من الصّلاة، فبهذا النحو يمكن تصحيح الصّلاة و إتمامها.

نقول: بان نظر المتوهّم هو جعل الفرق بين كون الستر شرطا للمصلي، و بين كونه شرطا للصّلاة، و أنّه إذا كان شرطا للمصلي تبطل الصّلاة، و إن كان شرطا للصّلاة، فيمكن تصحيح الصّلاة بالنحو المتقدم، و لكن نقول: بأنّ الصّلاة تارة نقول:

بكونها عبارة من هذه الأذكار و القرآن و أفعال خاصة كالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و غيرها، و تارة نقول، بأن الصّلاة عبارة عن التوجّه المخصوص إليه تعالى، و الحضور عنده بهذا النحو، و خضوع خاص به، فالمصلي من أوّل قوله (اللّه أكبر) يشرع في هذا العمل، فهو من هذا الحال إلى تمام التسليم مشتغل به، و يعد من الشروع إلى الاتمام عمل واحد، و توجه مخصوص له أذكار و أفعال مخصوصة، فهو في هذه القطعة من الزمان مشتغل

بهذا العمل، و يقال: إنّه في الصّلاة، فكما يعدّ في حال اشتغاله بالركوع و السجود و القراءة و غيرها، كونه في الصّلاة، كذلك في السكوتات المتخللة، و حالات المنفصلة بين أفعال الصّلاة يعدّ كونه في الصّلاة، كما ترى في ناطق ينطق، فهو من حين شروعه إلى إتمام نطقه يعدّ كونه مشتغلا بالنطق حتّى في الآنات التي يسكت فيها من باب الاتفاق، و لا يقولون في هذه الآنات بأنّه

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 321

تم نطقه، و لا يقال لمن نطق ساعة، و تخلل سكوت له في بعض آنات الساعة: بأنّه نطق مرات باعتبار أن تخلل سكوت في بعض الآنات يوجب تعدد نطق واحد، كما أنّه لو قيل في الصّلاة بكون ما عدّ من الصّلاة كل زمان مشتغل بأفعال الصّلاة من أجزائها و شرائطها فقط، لا الحالات الّتي لا يشتغل في أثناء الصّلاة باتيان شي ء من أفعال الصّلاة، فيوجب أن يقال: بأنّه في حال إتمام جزء و قبل الشروع في جزء آخر يخرج من الصّلاة، ثمّ يدخل فيها بشروعه في الجزء الآخر، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

فعلى هذا نقول: بأنّ المصلي في تمام زمان يشتغل باتيان الصّلاة يعدّ بأنّه في الصّلاة حتّى في هذه الآنات المتخللة، و الحق كون الأمر كذلك، فعلى هذا لا يبقى فرق بين كون الشرط شرطا للصّلاة أو للمصلي، لأنّه لو فرض كون الشرط شرطا للصّلاة، فلا يمكن مع ما قلنا من الالتزام بعدم مضرية كون المصلي فاقدا للشرط لم يكن مشتغلا بأفعال الصّلاة، مثلا يقال في المقام بأنّه إذا كان مشتغلا بالقراءة فيتركها و يستر عورته ثمّ يشتغل بها، لأنه كما قلنا حتّى في هذا الحال يكون المصلي في

الصّلاة، و يعدّ هذا الآن من آنات الصّلاة، فكما يعتبر في الصّلاة حال الاشتغال بأفعالها الستر، كذلك في الآنات المتخللة بين أفعال الصّلاة، فعلى هذا لا يمكن أن يقال في المقام: بأنّه يمكن أن يترك المصلي في أثناء الصّلاة ما يشتغل به من أفعالها إذا انكشف له عدم كون ما مضى من صلاته مع الستر، ثمّ يستر عورته ثمّ يشتغل بافعال الصّلاة لما قلنا. «1»

______________________________

(1)- أقول: و إن كان في المقام لا أثر لبيان الفرق في كون الشرط شرطا للصّلاة أو للمصلي،

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 322

و اعلم أنّه يمكن أن يقال: بصحة ما بيده من الصّلاة، و قابليته للاتمام و إجزاء المأمور به في الفرض في مورد و هو إذا تبين الحال في الأثناء و يدور الأمر بين الاكتفاء بهذه الصّلاة مع فرض وقوع قطعة منها بلا ستر مع العلم بذلك، و بين بطلان ذلك و إتيان هذه الصّلاة في خارج الوقت، مثل ما إذا كان في ضيق الوقت و لم يبق من الوقت حتّى بمقدار أداء ركعة مع الستر لو يرفع اليد عن الصّلاة الواقعة كذلك بعضها، ففي هذا المورد يمكن الالتزام بصحة ما بيده من الصّلاة، و قابلية إتمامها و إن وقعت قطعة منها عن علم فاقدة للستر من باب أهمية الوقت، فافهم.

هذا تمام الكلام في ما أوردنا تعرضه في المورد الأوّل من الموردين من الستر و الساتر، و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و على آله و أيّد سيدنا

______________________________

لأن ظاهر بعض أخبار الباب هو كون شرطية الستر للمصلي، و لكن عندي في ما أفاده مد ظله إشكال، و هو أنّ الصّلاة عبارة عن هذه الأفعال

المخصوصة الّتي وقعت تحت الأمر و إن كانت الصّلاة مرتبة من الخضوع، و عبادة مخصوصة، و لكن ما امرنا به ليس إلا ما يكون أوّله التكبير و آخره التسليم، فعلى هذا نقول: إنّ هذا المركب الّذي يسمى بالصّلاة عبارة عن هذه الأشياء المختلفة اجتمعها أمر واحد، و بهذا الاعتبار تكون وحدة بينها، و يعتبر العرف وحدة في هذه المختلفات، فبهذا الاعتبار وجود واحد تدريجي الوجود، فهو ما دام مشتغلا بهذه الافعال يقال: إنّه في الصّلاة، و أمّا إذا لم يكن مشتغلا بها، فلا يقال: إنّه في الصّلاة و ان يقال إنّه المصلي.

و ما أفاده من أنّه إن كان الأمر كذلك يوجب وجود الصّلاة بوجود جزء منها، و انعدامها بانعدامه، ثمّ وجودها مجددا بوجود جزء آخر، و هكذا.

نقول: بعد اعتبار الوحدة بين هذه الأفعال، فبهذا الاعتبار هي وجود وحدانى متدرج في الوجود، فإن انعدم جزء منه يوجد جزئها الآخر، و بهذا الاعتبار يكون وجودها باق، لأنّ هذا معنى الموجود الّذي يكون متدرجا في الوجود، فيمكن فرض الفرق بين شرط الصّلاة و المصلي. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 3، ص: 323

الاعظم و متّعنا اللّه بطول بقائه.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثالث من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على المقدمة الاولى فى اعداد الفرائض و الثانية فى المواقيت و الثالثة في القبلة و الرابعة في لباس المصلّي و يتلوه الجزء الرابع

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء الرابع

[تتمة المقدمة الرابعة]

المورد الثاني: في لباس المصلي

اشارة

و الكلام في هذا المقام ليس في خصوص ما يقع ساترا للمصلي حال الصّلاة، بل يكون الكلام في مطلق لباس المصلي، سواء كان ساتر عورته أولا، و حيث إن

الظاهر من كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم اعتبار امور ستة في اللباس أربعة منها معتبرة في لباس المصلي، سواء كان رجلا أو امرأة، و هي عدم كون اللباس من أجزاء الميتة ممّا تحله الحياة، و عدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و كونه طاهرا، و عدم كونه مغصوبا، و اثنان منها لخصوص الرجال، و هما عدم كون لباس المصلي إن كان رجلا من الحرير و من الذهب، فعلى هذا يقع الكلام في لباس المصلي في مسائل ستة:

المسألة الأولى: لا يجوز الصّلاة في الميتة في جلدها و غيره
اشارة

مما تحله الحياة، و عدم جواز الصّلاة في الميتة في الجملة ليس محل الاشكال، لدلالة الروايات عليه، و لا فرق في الحكم بين ما إذا دبغ جلدها، أو لم يدبغ، ففي كلتا الصورتين لا يجوز في جلد الميتة، و يظهر من العامة طهارته إذا دبغ، و يستفاد من بعض الروايات الواردة في طرقنا خلافه، فارجع الباب 1 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فأصل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 6

الحكم في الجملة مسلّم، إنما الكلام في أمرين:

الأمر الأول:

هل يكون منشأ عدم جواز الصّلاة في الميتة من باب كونها من الأعيان النجسة، و بعبارة اخرى منشأ ذلك هو كونها نجسة.

الامر الثاني:

أو يكون منشأ هذا الحكم كون خصوصية في نفس الميتة مع قطع النظر عن نجاستها صارت هذه الخصوصية منشأ لهذا الحكم، و تظهر الثمرة بين القولين في ميتة ما لا نفس سائلة له من الحيوانات كالسمك.

فعلى الأوّل لا إشكال في الصّلاة في أجزائه، لأنه بعد كون منشأ عدم جواز الصّلاة في الميتة كونها نجسة، فينحصر الحكم بكل ميتة تكون نجسة، فلا يشمل الحكم لأجزاء ميتة الحيوانات الّتي ليست لها نفس سائلة، و أمّا على الثاني فلا تجوز الصّلاة في أجزاء مطلق الميتة ممّا تحله الحياة، سواء كانت صاحب نفس سائله أولا، لأنّ نفس الميتة مع قطع النظر عن نجاستها موضوعة لحكم عدم جواز الصّلاة فيها.

إذا عرفت ذلك لا يبعد أن يقال: بعدم شمول ادلة الدالة على عدم جواز الصّلاة في الميتة لما لا نفس له من الحيوانات، لأنّه بعد عدم تعارف جعل الثوب و اللباس من الحيوانات الّتي لا نفس لها، و لم يعهد استعمال جلد الحية مثلا أو السمك في الثياب و اللباس نقول: تحمل إطلاقات الواردة في الباب على المتعارف، لما مضى الكلام في المطلق و المقيد في الأصول، بأنّه لو كان للمطلق بعض أفراد متعارفة بحيث لم يكن المتعارف منه إلّا خصوص هذه الافراد، فإن كان نظر المتكلم على خصوص هذه الافراد من المطلق الّذي جعله مركزا للحكم، و لم ينصب قرينة على ذلك، فما أخلّ بغرضه بعد ما يرى بأن له المتعارف، و ينصرف المطلق إلى هذا المتعارف، فلا يمكن حمل المطلق على تمام أفراده و دعوى شموله لجميع

الافراد بمقدمات الحكمة، فيحمل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 7

المطلق على المتعارف و ينزّل عليه، فعلى هذا يمكن منع شمول الإطلاقات لأجزاء ميتة ما لا نفس له، لعدم تعارف جعل جلودها لباسا، فعلى هذا لا وجه لعدم جواز الصّلاة في جلود حيوانات الّتي لا نفس لها و ساير أجزائها ممّا تحله الحياة، إلا أن يقال بذلك من باب الاحتياط. «1»

المسألة الثانية: و لو شك في كون اللباس مذكى أو ميتة
اشارة

، فما ينبغي أن يقال؟

اعلم أنّ الكلام في صورة الشّك تارة يقع في ما يقتضي الأصل الأوّلى و بعبارة اخرى مقتضى القاعدة الاوليّة مع قطع النظر عما تقتضيه الادلة، فنقول في هذا المقام:

بأنّه إذا شكّ في كون لباس أو جلد أو حيوان مذكى أو ميتة فحيث إنّ الموت ليس إلا أمرا عدميا، و الميتة ليست إلا غير المذكى أعنى: ما لم يقع عليه و لم يرد عليه الأفعال المخصوصة، و تكون التذكية أمرا وجوديا، و هي عبارة إما عن خصوص الافعال المخصوصة، أو أمر بسيط يتحصل من الأفعال المخصوصة مع اشتراط قابلية المحل، أو عدمه على الكلام فيه.

فعلى كل حال تكون التذكية أمرا وجوديا، و الموت أمرا عدميا كما أنّ من راجع العرف يرى أن الأمر كذلك عندهم، فإنّهم أيضا لا يطلقون الميتة إلا على من لم ترد عليه هذه الأفعال المخصوصة، و المذكى ما وردت عليه هذه الأفعال الخارجية،

______________________________

(1)- أقول: إن كان وجه عدم شمول الاطلاقات للحيوانات الّتي لا نفس لها ما أفاده مد ظله يكون لازمه عدم شمول الإطلاقات لبعض أفراد ميتة الحيوانات الّتي لها نفس سائلة الّذي لم يتعارف جعل اللباس منه، و الحال أن دعوى ذلك مشكل، و قال بعض في وجه عدم شمول الأدلة لكل ما لا نفس له من

الحيوانات بأن مغروسية كون الميتة نجسة و وضوح المناسبة بين النجاسة و المنع عن الصّلاة موجبة لصرف الأخبار إلى إرادة الميتة النجسة، و لا يبعد كون الأمر كذلك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 8

فالشارع إن تصرف تصرف في بعض الخصوصيات، مثلا اعتبر في التذكية التسمية و القبلة و فرى أوداج الأربعة في بعض الحيوانات، و النحر في بعضها، و الخروج من الماء بنحو المعهود في محله في بعض الحيوانات، و إلّا فأصل الميتة و المذكى كانتا و لو قبل الشرع عند الناس، و كان عندهم المذكى ما ذبح و الميتة ما عدى ذلك، فمن هذا البيان يظهر لك أنّ الموت أمر عدمى و التذكية أمر وجودي.

[اذا شكّ في حيوان او جلد بانّه المذكّى او الميتة]

فإذا شك في كون حيوان أو جلد بأنّه المذكى أو ميته، فبمقتضى استصحاب عدم التذكية يقال: إنّه غير مذكى، و هذا هو المراد من أصالة عدم التذكية، فإذا اجريت أصالة عدم التذكية يكفي في كونه ميتة، لأنّه على ما فهمت ليست الميتة إلا غير المذكى (و أمّا لو فرض جريان أصالة عدم كونه ميتة فلا يثبت بها التذكية إلا على القول بالاصول المثبتة، لأنّ التذكية أمر وجودي و أصالة عدم كونه ميتة لا ثبت هذا الأمر الوجودي).

ثمّ إنّ حقيقة التّذكية ليست إلّا هذه الأفعال الخاصة، لما قلنا من أنّ المتبادر منها ذلك، و لا يستفاد من الأدلة أمر زائد عليها، فلا وجه لأنّ يقال: بأنّ التذكية أمر بسيط يتحصل من الأفعال الخاصة، لأنّ التذكية ليست عند العرف إلا الذبح أو النحر أو الاخراج من الماء، و عند الشارع ليس إلا هذه الامور بنحو خاص، مثلا في الشاة تذكيتها عند الشارع مضافا إلى الذبح وقوعه مع التسمية، و إلى القبلة، و

فري الأوداج الأربعة، فعلى كل حال ليست إلا هذه الأفعال، لا أمرا بسيطا يكون محصله هذه الأفعال الخاصّة كما أنّه لا يعتبر في التذكية قابلية المحلّ، و صرف عدم تأثير التذكية اذا لم يكن المحل قابلا، في الطهارة أو الحلية، لا يوجب دخل قابلية المحلّ في حصول التذكية، بل لو لم يكن المحل قابلا لا أثر لها، لا أنّ التذكية لم تتحقق،

[التذكية عبارة عن الافعال المخصوصة]

لما قلنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 9

من ان التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة، غاية الأمر تؤثر الطهارة أو الحلية في محل قابل، و أثر ذلك أنّه لو لم تقع هذه الأفعال في المحل القابل لا تحصل الطهارة و الحلية.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الشيخ رحمه اللّه تعرض لأصالة عدم التذكية في الرسائل في موردين، في أصالة البراءة في مقام بيان عدم إجراء أصالة البراءة في كل مورد يكون أصل موضوعي فيه، و قال: باجراء أصالة عدم التذكية في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الحكم، و كذلك في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الموضوع، فقال باجراء هذا الأصل إذا شك في حل كل حيوان، و كان منشأ الشّك الشك في أنّه يقبل التذكية أم لا، فيكون الشّك على ما قال في الحكم، لأنّه لا يدري حلية أكله من باب الشّك في كون الحيوان من الحيوانات القابلة للتذكية، أو ممّا لا يقبل التذكية.

و كذلك في ما كان منشأ الشّك الشبهة في الموضوع، مثلا لا يدري بأنّ هذا الحيوان وقع عليه التذكية أم لا، فتجري أصالة عدم التذكية.

فبناء على هذا نقول: بأنّ إجراء أصالة عدم التذكية في ما شك في كون حيوان قابلا للتذكية مع عدم الشّك في وقوع أفعال الخاصّة عليه كما

فعل الشيخ رحمه اللّه، لا وجه له، لأنّه كما قلنا ليست التذكية إلا عبارة عن نفس هذه الأفعال المخصوصة، و قابلية المحل ليست معتبرة فيها، فعلى هذا لا يفرض الشبهة الحكمية إلا في ما كان الشّك في اعتبار هذه الأفعال أو بعضها فرضا و أمّا مع حصولها أو فهم اعتبارها و عدم الشك في دخلها، فلا يكون شك من حيث الحكم حتّى تجري أصالة عدم التذكية.

فلو شك في قابلية حيوان للتذكية و عدمها، لا تجري أصالة عدم التذكية.

بل نقول في المقام: أوّلا بأنّه إن كان الحيوان طاهرا في زمان حياته أو كان

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 10

مأكول اللحم، فنحكم ببقاء طهارته و حليته بعد ورود التذكية عليه أيضا للاستصحاب، و ثانيا لو فرض أن يستشكل في الاستصحاب، و يقال: بأنّ الحياة كانت من مقوّمات المستصحب، فلا يجري الاستصحاب بعد موته، لتبدل الموضوع، و إن كان لا مجال لهذا الاشكال، لأنّا نقول: بالطهارة و الحلية بمقتضى أصالة الطهارة و الحلية، هذا حال شبهة الحكمية.

و أمّا إذا شك في التذكية و عدمها، و كان منشأ الشّك امورا خارجية، و بعبارة اخرى كانت الشبهة شبهة الموضوعية، فنقول: إنّ في الشبهة الموضوعية حيث يكون الشك في حصول ما يعتبر في التذكية، و على ما قدمنا ما يعتبر في التذكية ليس إلا الأفعال الخاصة، فكلما يشكّ في حصولها، فالمرجع أصالة عدم التذكية

[في ذكر الاشكال و جوابه]

إذا عرفت ذلك يبقى على ما قلنا إشكال، و هو أنّه بعد كون التذكية عبارة عن نفس هذه الأفعال، لا أمرا بسيطا، فإذا كان حيوان في الخارج، و شك في كونه مذكى أو ميتة، فيكون مجال لاجراء أصالة عدم التذكية، فيقال: إنّ هذا الحيوان لم يكن

مذكّى قبل ذلك، فالأصل بقائه على عدم التذكية، فالموضوع هو هذا الحيوان، و هو محفوظ و موجود في كل من زمانى .. اليقين و الشك، و امّا إذا كان في الخارج جلد لا يدري بأنّه هل هو جلد الحيوان المذكّى أو الميتة، فبناء على كون التذكية أمرا بسيطا لا إشكال أيضا في إجراء أصالة عدم التذكية، لسراية هذا الأمر البسيط إلى تمام أجزاء الحيوان الّتي تحلّه الحياة، فاللحم يصير مذكى، و كذا الجلد يصير مذكّى بواسطة هذا الأفعال، فيصح أن يقال: إنّ هذا الجلد لم يكن مذكى سابقا فببركة الاستصحاب نجرّ عدم التذكية إلى زمان الشك، فالأصل عدم تذكيته.

و أمّا بناء على ما قلنا من أنّ التذكية عبارة عن نفس هذه الأفعال و منشأ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 11

الشّك في التذكية و عدمها كان من باب الشّك في أنّ هذا الجلد من الحيوان المذكى أو من الميتة، مثل ما يكون في الخارج حيوانان يعلم بتذكية أحدهما المعين و عدم تذكية أحدهما المعين، و لا يدري بأنّ هذا الجلد من أيّهما، فيشكل إجراء أصالة عدم التذكية، لأنّ ما يكون موضوعا لورود هذه الأفعال و قابلا لذلك هو الحيوان، لأنّ الحيوان يقع عليه الأفعال، فالجلد ليس موضوعا للتذكية، فليس موضوع سابقا في الفرض و باق حال الشّك حتّى يقال: إنّ ذلك لم يكن مذكى سابقا فيستصحب في الحال عدم تذكيته، لأنّ التذكية لا تقع على الجلد، فلا مجال لأصالة عدم تذكية هذا الجلد.

و لكن يدفع هذا الاشكال، لأنّا على ما أمضينا الكلام في الميتة قلنا: إنّ وجه عدم جواز الصّلاة في الميتة ليس إلا نجاستها، ففي الفرض مع الشّك يحكم بطهارة الجلد بمقتضى أصالة الطهارة و

لو لم يثبت كونه من الحيوان المذكى، لأنّ الشرط في الصّلاة ليس إلا طهارته، أو تكون النجاسة مانعة، و على كل تقدير يصح الصّلاة في هذا الجلد، فتأمل).

[اصالة عدم التذكية الاصل الاولى]

هذا تمام الكلام في الأصل الأولى، و قد ظهر لك أنّه في ما شك في التذكية و عدمها فمقتضى الأصل أعنى: الاستصحاب، عدم التذكية بتفصيل المتقدم ذكره منّا.

نعم هنا كلام آخر، و هو أنّه قد يدعى أنّ مقتضى ما يستفاد من بعض الأخبار في خصوص المورد نقض هذا الأصل و عدم مجال لاجرائه، و بعبارة اخرى مقتضى الأصل الثانوي المستفاد من الأخبار خلاف ذلك.

و اعلم أنّ الثابت في الجملة في خصوص المقام عدم وصول النوبة مطلقا بأصالة عدم التذكية في ما شك في التذكية و عدمها، بل يحكم بالتذكية و تصحّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 12

الصّلاة فيه في الجملة، و إنّما الكلام في أنّ المستفاد من أخبار الباب هل هو الحكم بالتذكية في مورد الشّك مطلقا حتّى تعلم كون الجلد من الميتة، فعلى هذا يكون الأصل الثانوي المستفاد من الروايات على خلاف الأصل الأولى، أو ليس كذلك، بل المستفاد من روايات الباب هو عدم كون مورد الشّك في كون الجلود مذكى أو ميتة محكوما بعدم التذكية مطلقا، لأصالة عدم التذكية، أو يكون محكوما بالتذكية في خصوص بعض الموارد، سواء كان من باب استفاده موضوعية لهذه الموارد و تعبد فيها، أو من باب أنّ في هذه الموارد تكون أمارة على التذكية، فلا بدّ لنا أوّلا من ذكر روايات الباب، و بيان مقدار دلالتها حتّى يظهر ما هو الحق في المقام.

[في ذكر الاخبار الواردة فى الباب]
اشارة

فنقول بعونه تعالى: إنا نذكر أوّلا بعض ما يمكن أن يستدل بها من الروايات على كون الجلود محكوما بالطهارة، و جواز الصّلاة فيها حتّى يعلم كونها من الميتة، ثمّ بعض ما يمكن أن يستدل به على الطهارة و جواز الصّلاة في الجلود في خصوص بعض

الموارد، امّا من باب كون موضوعية لها و امّا من باب وجود أمارة على التذكية، فيها فنقول:

المقام الاول:
[الطائفة الأولى من الروايات ما دل على خلاف الأصل الأولى]
اشارة

فنقول أمّا الطائفة الأولى من الروايات الّتي يمكن أن يستدل بها على خلاف أصل الأولى أعنى: على طهارة الجلود و صحة الصّلاة فيها ما لم تعلم بكونها من الميتة، فهي روايات:

الرواية الأولى: ما رواها الحلبي

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: اشتر و صلّ فيها حتّى أنّه ميتة بعينه.) «1»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 13

بدعوى عدم كون السوق المذكور في الرواية خصوص سوق المسلمين، بل عام يشمل كل سوق، و كان سؤال السائل على هذا عن الخفاف الّتي تباع في الأسواق، سواء كان سوق المسلمين أو غيرهم، و إلّا فلو لم يقبل ذلك، و ادعي كون نظر السائل إلى خصوص سوق المسلمين كما يناسب ذلك مع سؤال السائل، لأنّ ما يكون المتعارف لهم هو المعاملة في أسواق المسلمين، و لم يكن أسواق غير المسلمين مورد ابتلائهم، فيمكن أن يقال: بأنّ الحكم بجواز الشراء و الصّلاة في الخفاف يكون من باب وجود أمارة على التذكية.

الرواية الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر

(قال: سألته عن الرجل يأتي السوق يشتري جبة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ قال:

نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدّين أوسع من ذلك- و رواه الصّدوق باسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السّلام مثله). «1»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الصّلاة في الفراء و لو كان شاكّا في تذكيته و عدمها، فما لم يعلم بكونه ميتة يجوز الصّلاة فيه، هذا بناء على عدم كون السوق إشارة إلى خصوص سوق المسلمين حتّى يقال: إنّ الحكم بالجواز يكون من باب كون سوق المسلمين أمارة على التذكية، بل بناء على كون المراد من السوق مطلق السوق.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن أبي حمزة

(أنّ رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 14

عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلّي فيه؟ قال: نعم. فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت. قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيّا، و منه ما يكون ميتة. فقال: ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه.) «1»

و في هذه الرواية لا تعرض للسوق أصلا حتّى يقال: بأنّ الجواز يمكن أن يكون في خصوص السوق، و يقال: إنّ المراد من السوق هو سوق المسلمين، بل تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في جلود الدواب مع فرض أن منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، حتّى تعلم أنّها ميتة، فما علم كونها ميتة فلا تجوز الصّلاة فيها.

الرواية الرابعة: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام

(قال:

سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدري أ ذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري، أ يصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا اشترى الخف من السوق و يصنع لي، و اصلى فيه و ليس عليكم المسألة.) «2»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الصّلاة في الخفّ الّذي لا يدري بأنّه ذكىّ أم لا، و عدم وجوب السؤال من ذكوته و عدمها نعم لا يبعد كون الفرض في الرواية هو سوق المسلمين، لأنّ ما يأخذ منه الرضا عليه السّلام و اشترى منه الخفّ لم يكن إلّا سوق المسلمين، لأنه عليه السّلام لم يكن مورد اتبلائه غير سوق المسلمين، فعلى هذا لا تفيد الرواية أمرا زائدا على ما تفيد الطائفة الثانية من الروايات.

الرواية الخامسة: و هي ما ينتهي سندها بالحسن بن الجهم

(قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أعترض السوق فأشترى خفّا لا أدري أ ذكي هو أم لا؟ قال: صلّ فيه.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 15

قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك. قلت: إني أضيق من هذا، قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله.) «1»

فهي أيضا مثل السابقة.

الرواية السادسة: ما رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها، و فيها سكين، فقال امير المؤمنين عليه السّلام: يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل، لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرّموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أم سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا.) «2»

و هذه الرواية تدلّ على جواز أكل اللحم و إن كان شكّ في تذكيته حتّى تعلم كونه ميتة، غاية الأمر ليست هذه الرواية متعرضة لجواز الصّلاة في الجلد الّذي شك في كونه من المذكى أو من الميتة، و لكن بعد ما جاز أكل اللحم يجوز الصّلاة أيضا، لأنّ كلا من جواز أكل اللحم و جواز الصّلاة متفرع على كون الحيوان أو الجلد أو اللحم محكوم بالتذكية، و ليست الرواية متعرضة للسوق حتّى يمكن ادعاء اختصاص الحكم بما يؤخذ من سوق المسلمين، بل مع وجدانه في الطريق حكم بجواز أكله حتى يعلم، لأنّه قال: هم في سعة حتّى يعلموا.

الرواية السابعة: و هي ما رواها سماعة بن مهران

(أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام في تقليد السيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت. فقال: لا بأس ما لم تعلم

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 16

أنّه ميتة.) «1»

و دلالتها على جواز الصّلاة أعنى: صحتها في الفراء و الكيمخت ما لم يعلم ميتية، واضح بدون تقييد كون ذلك في سوق المسلمين أو يدهم.

فهذه الروايات و لو أشكل في دلالة كلها على جواز الصّلاة و

صحتها في الجلود المشكوكة كونها مذكى أو ميتة، مثل ما منها كان المفروض منه السوق، أو رواية الخامسة من باب عدم التعرض فيها للصّلاة، و لكن دلالة بعضها الآخر على جواز الصّلاة في الجلود المشكوكة كونها مذكى أو ميتة حتّى تعلم كونها ميتة، ظاهرة.

فعلى هذا يقال: إنّه إن كنّا و هذه الروايات يستفاد منها نقض الأصل الأولى، أعنى: أصالة عدم التذكية مطلقا، و يكون الأصل الثانوي المستفاد من هذه الأخبار هو التذكية إلا ما علم كونه ميتة.

هذا بالنسبة إلى الطائفة الأولى من الروايات، و المقدار الّذي يمكن دلالتها عليه في حدّ ذاتها.

و أمّا الطائفة الثانية، فهي روايات:
الرواية الأولى: ما رواها فضيل و زرارة و محمد بن مسلم
اشارة

(أنّهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الأسواق، و لا يدري ما صنع القصابون؟ فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه.) «2»

[سوق المسلمين أمارة التذكية]

تدلّ هذه الرواية على حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين، و مفهومها

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الذبائح من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 17

تدلّ على عدم الحلية إذا لم يكن في سوق المسلمين، و هل الرواية تدلّ على حلية اللحم بمجرد كونه في سوق المسلمين و إن اشتراه في سوقهم ممّن يعلم كفره، أو لا تدلّ على هذه التوسعة، بل تدلّ على حلية اللحم إن اشترى من يد المعلوم إسلامه، أو من يد المشكوك إسلامه إذا كان في سوق المسلمين، لكون سوق المسلمين أمارة على التذكية في ما يأخذ من يد معلوم الإسلام، أو من يد مشكوك الإسلام، و أمّا إذا كان معلوم الكفر من يشتري منه فلم يكن سوقهم أمارة على كون ما في يد الكافر مذكّي. «1»

و يستفاد من الرواية حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين و لا يلزم السؤال من البائع من تذكيته و عدمها، و أمّا إذا كان في سوق غير المسلمين، فهل تدلّ الرواية على حلية اللحم و تذكيته بعد السؤال، فيكون الحاصل الفرق بين سوق المسلمين و غير سوقهم بأنّه إذا كان في سوقهم يحكم بالتذكية بدون السؤال، و إذا كان في غير سوقهم لا يحكم بالتذكية إلا بعد السؤال عنها، فإذا سئل و أجاب بكونه مذكى يحكم بالتذكية و إن كان من يد الكافر أو اشتراه

في سوق غير المسلمين، أولا تدلّ إلا على كون سوق المسلمين أمارة على التذكية، و لا يلزم السؤال، و امّا في غير سوق المسلمين فيجب السؤال و التفحص حتّى يطمئن بأحد طرفي التذكية و عدمها، لا أن يكون نفس السؤال و نفس جواب ذى اليد الكافر بالتذكية مصحح

______________________________

(1)- (و لا يبعد على هذا ألا يكون خصوصية لخصوص السوق، بل بعد كون اعتبار السوق من باب كون السوق أمارة على الأمارة، و هي يد المسلم فلو أخذ في خارج السوق من يد المسلم أو من يد مشكوك الإسلام، فلا يبعد الحكم بالحلية إذا كان الموجود أمارة اخرى على الأمارة مثل أرض الإسلام مثلا في قبال أرض الكفر إذا كان أرض الإسلام من الأمارات).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 18

للحكم بالتذكية. «1»

و هذه الرواية و إن لم تكن متعرضة لجواز الصّلاة في الجلود إذا كانت في سوق المسلمين، و لكن بعد الحكم بجواز أكل اللحم المنوط بكون الحيوان مذكى، شاهد على محكومية جلد الحيوان بالتذكية إذا كانت في سوق المسلمين.

الرواية الثانية: ما رواها إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام
اشارة

(أنّه قال: لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الاسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الاسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس.) «2»

و هذه الرواية بعد دلالتها على صحة الصّلاة في الفراء اليمانى، و لعله كان من باب أنّ ما يعمل في اليمن من الفراء كان مذكى مسلما، أو فيه أمارة التذكية، تدلّ على جواز الصّلاة في الفراء بمجرد كونها مصنوعة في أرض الاسلام في قبال أرض الكفر و دار الحرب، ثمّ بعد ما سئل السائل عما إذا كان في أرض الاسلام غير أهل الاسلام قال: بجواز الصّلاة فيها إذا

كان الغالب عليها المسلمين، و ما يظهر من كلام بعض الفقهاء و منهم الشهيد الثاني رحمه اللّه بان المراد من قوله عليه السّلام (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) هو الغلبة بحسب الأفراد يعنى: إذا كان غالب أفراد أرض الاسلام مسلما فلا بأس.

______________________________

(1)- (و قال سيدنا الاستاد مد ظله: بأنّه لا يبعد أن يقال: إن الرواية تنادى بالفرق بين سوق المسلم و غيره، ففي الأوّل يحكم بالتذكية بلا سؤال عن كون اللحم مذكى أو ميتة، و في الثاني لا يحكم إلا بعد السؤال، فإذا سئل و أجاب ذو اليد بالتذكية، يكفي في الحكم بالتذكية و لكن كما قلت في مجلس البحث: يمكن أن يكون المقصود في الرواية من السؤال في ما لم يكن في سوق المسلمين لأنّ يسأل و يتفحص حتّى يكشف له حال اللحم و يعتقد إما بتذكيته أو بعدمها).

(2)- الرواية 5 من الباب 50 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 19

[الميزان فى السوق هو الغلبة بحسب القدرة]

و لكن ما يأتى بالنظر هو كون الميزان في الغلبة في الرواية الغلبة بحسب السلطة و الاقتدار، و الشاهد على ذلك التعبير بقوله (عليها) بعد قوله (الغالب) فيكون المراد بحسب الظاهر من الغالب عليها للتعبير (بعلى) (لا بفى) الغلبة بحسب القدرة و الحكومة، و إن كان نظره إلى الغلبة بحسب الأفراد كان المناسب ان يقول (إذا كان الغالب فيها) فعلى هذا يكون المراد الغلبة بالحكومة و السلطنة و القدرة.

إن قيل: بأنّ المفروض في الرواية قبل ذلك، أرض الاسلام حيث قال (و ما صنع في أرض الاسلام) و من الواضح أنّ في زمان صدور الرواية كل أرض كانت أرض الاسلام كانت الحكومة فيها للمسلمين، و

لم تكن أرض كانت منهم و لم تكن الحكومة و الغلبة بهذا النحو لهم، فمع فرض كون الأرض أرض الاسلام الّتي فيها القدرة و الحكومة لهم، سئل السائل بأنّ في هذه الارض إذا كان غير المسلم فما الحكم، فقال (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) فمع فرض الغلبة بالحكومة لهم في أرض الاسلام سئل السائل، فلا بدّ و أن يكون جواب الامام عليه السّلام الغلبة بحسب الأفراد، لأنّه لو كان نظره الغلبة بحسب الحكومة، فقد فرض و بيّن الحكم و لا حاجة الى السؤال مجددا.

نقول: بأنّه و إن كان الأمر كذلك في أرض الاسلام في زمان صدور الرواية، و لكن مع ذلك بعد ما بيّن عدم الباس إذا كان الفر و مصنوعا في أرض الاسلام سئل السائل بأنّه إذا كان أرض الاسلام، و كانت الغلبة لهم فيها، و لكن في هذا الأرض إذا كان غير أهل الاسلام هل الحكم أيضا جواز الصّلاة في الفراء أولا؟ فأجاب عليه السّلام بقوله (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) يعنى: لا يضرّ وجود غير أهل الاسلام في هذا الارض إذا كان الغالب على الارض المسلمين.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 20

فعلى هذا أيضا يساعد الجواب مع كون المراد الغلبة بحسب الحكومة، لأنّ الميزان الغلبة بحسب الحكومة، سواء كان المسلمون تمام أفراد هذا الارض الّتي تكون الغلبة بحسب الحكومة للمسلمين، أو كان فيها غير أهل الاسلام أيضا.

و ما قال الشهيد رحمه اللّه من أنّه إن كان المراد هذا، فيلزم أن تكون الصّلاة صحيحة في الفراء في مثل هذه الأرض و إن كان تمام أفرادها غير المسلم إلا حاكمهم، لأنّ في هذا الفرض أيضا الغلبة للمسلمين و الحال أنّه لا

أمارية للأرض في هذا الفرض على كون الجلود التي يجعل فراء مذكّى، لعدم كون مسلم فيها إلا نفر واحد و هو الحاكم، ليس في محله، لأنّه مع كون الحكومة و الغلبة للمسلمين على أرض، فقهرا يكون فيها المسلمون كثيرا، لأنّ للحاكم جنودا و أتباعا و من يعينه على اجراء الامور من المسلمين، و كيف يمكن فرض كون الحكومة على أرض للمسلمين بمجرد شخص واحد و هو الحاكم، لأنّه لا يتمكن هذا الحاكم بوحدته الغلبة على الكفار و لا يسلط عليهم، فكلما كانت الغلبة لهم على أرض فيكون فيها المسلمون كثيرا، فلا يوجد هذا الفرض الذي فرضه الشهيد رحمه اللّه حتّى يرد إيراده.

[دخالة الاسلام فى حلّية الجلود و طهارتها]

و على كل حال تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في الفراء إذا كانت مصنوعة في أرض الاسلام مع كون الغلبة إمّا بحسب الأفراد كما تخيل الشهيد رحمه اللّه و بعض آخر من الفقهاء و إمّا بحسب الحكومة و السلطنة، على ما اخترنا، للمسلمين، و إن كان لقوله (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس) مفهوم، فيكون مفهومه أنّه إذا لم تكن الغلبة لهم ففيه الباس.

و عموم هذه الرواية يقتضي كون جواز الصّلاة في ما كانت مصنوعة في أرض تكون الغلبة للمسلمين سواء كان في سوق المسلمين أو لا و سواء كان من يد بايع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 21

يكون إسلامه مسلما، او مشكوكا، بل يحتمل شموله لما يشتريها من يد الكافر و إن كان لا يناسب ذلك مع اعتبار أرض الاسلام، لأنّ اعتبار أرض الاسلام يكون إما من باب كون الأمارة على التذكية إذا صنع في هذه الارض، و امّا من باب كان أرض الاسلام و إن كان لها موضوعية في مقابل

أرض الكفر إلّا أنّ موضوعيتها ليست إلا من باب كون الاسلام له دخالة في إثبات الحكم، و لهذا جعل أرض الاسلام دخيلا في محكومية الجلد بالتذكية، و هذا ليس إلا من باب أن أرض الاسلام يكون فيها المسلمون، و معهم يكون الحكم هكذا من باب قابلية كون الجلد من المسلم و أمّا اذا كان في يد الكافر او اشترى منه، فليس كذلك.

الرواية الثالثة: ما رواها إسماعيل بن عيسى
اشارة

(قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل «1» أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه.) «2»

[الرواية فرقت بين المسلم و بين المشرك و عدم السؤال في صورة كون البائع مسلما]

و المراد من الرواية هو أنّ السائل سئل عن جلود الفراء، و أنه إذا كان البائع مسلما غير عارف يسأل عن ذكوته أم لا، فاجاب عليه السّلام و حاصل جوابه يرجع إلى أنّ البائع تارة يكون أحدا من المشركين فإذا تشترى من المشرك تسأل عن ذكوته، و أمّا إذا كان البائع من يصلّي فيه، و يكون من أهل الصّلاة فلا تسأل عنه، فعلى هذا ليس المراد بقوله و إذا رأيتم يصلّون فيه) أنّه لا يلزم السؤال اذا كان البائع يصلّي

______________________________

(1)- (يحتمل كون الجيل بالياء قبل اللام، و كان المراد هو الجيلان اى بالفارسية (گيلان) و يحتمل أن يكون الجبل بالباء قبل اللام).

(2)- الرواية 7 من الباب 10 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 22

فيه، بل يكفي كون البائع ممّن يصلّي في عدم لزوم السؤال، و قوله (يصلّون فيه) يكون من باب اعتبار كونهم من الذين يصلّون.

ثمّ إنّه على هذا يقال: بأنّ الرواية فرقت بين المسلم، و بين المشرك، فما أوجب السؤال إذا كان البائع مسلما، بل يكون محكوما بالتذكية كل جلد يشتري منه، و أنّه اذا كان البائع مشركا يجب السؤال، و ليس الجلد المشتري منه محكوما بالتذكية بلا سؤال، و لا يبعد كون الجلد محكوما بالتذكية حتّى إذا اشترى من المشرك إذا سئل عنه عن ذكوته، و أخبر المشرك

بكونه مذكى. «1»

ثمّ لا يخفي عليك أنّ من يتوهم دلالة هذه الثلاثة من الروايات على كون

______________________________

(1)- أقول: ما يأتي بالنظر، كما قلت في مجلس البحث له مدّ ظلّه العالي، في المراد بالرواية هو أنّ بعد ما سئل السائل من أنّه هل يلزم السؤال عن التذكية عن جلود الفراء إذا كان البائع مسلما غير عارف أولا، أجاب عليه السّلام بما حاصله يرجع الى أنّه إذا كانت جلود الفراء بيعها المشركون، يعنى: يكون ممّا يتداول بيعه و شرائه منهم، و هم يشترون و يبيعون سوء كان بيعها منحصرا بهم، أو كما أنّ المسلمين يبيعونها فالمشركون أيضا يبيعونها ففي هذه الصورة يلزم السؤال عن هذا المسلم البائع الغير العارف، فقوله (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك) يعني: عليكم أن تسألوا عن هذا البائع المسلم الغير العارف إذا كان المتداول بيعها من قبل المشركين، و امّا إذا رأيتم يصلّون فيه، يعنى: ترى أن المسلمين الغير العارفين البائعين لها يصلّون فيها، فلا يلزم السؤال و إن كان المشركون يبيعونها، لأنّ صلاتهم فيها أمارة على أنهم محرزون التذكية، و على هذا تكون الرواية في مقام جواب سؤال السائل و شق الامام عليه السّلام بشقين:

أحدهما ما إذا كان المشركون يبيعونه، فيلزم السؤال عن هذا المسلم، و الآخر ما إذا ترى أن هذا البائع الغير العارف يصلّي فيه، فمع ذلك لا يجب السؤال، فعلى هذا ليس في الرواية تعرض لصورة الاشتراء من المشرك، و أنّه يلزم السؤال حتّى يقال: بأنّه لا يبعد كفاية إخبار الكافر بالتذكية إذا اشترى منه في المحكومية بالتذكية، لأنّه على ما قلنا ليست الرواية متعرضة لصورة اشتراء الجلد من الكافر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص:

23

الحكم بالتذكية في سوق المسلمين، أو في ارض الاسلام، أو في يد المسلم من باب وجود الأمارة في هذه الموارد على التذكية، لا من باب كون الحكم بتذكية الجلود في هذه الموارد صرف التعبد، و أنّه يحكم بالتذكية فيها بمجرد الشّك في هذه الموارد، لأنّ في كلها تكون أمارة التذكية، و هي كون اللحم أو الجلد مأخوذا من يده أو قيام الأمارة على كون المأخوذ من يده هو ذكّاه أو احرز تذكيته، فإذا كان الحكم من باب وجود الأمارة على التذكية فلا يمكن التعدى الى مورد لم تكن أمارة عليها.

[المراد من سوق المسلم أعم من الشيعة]

يكون بعيدا عن الصواب، و لا مجال لهذا التوهم، لأنّه بعد فرض عدم كون المسلمين من غير الشيعة من حيث شرائط التذكية موافقين لنا، بل الاختلاف بيننا و بينهم، بل هم يحلون ما ذكّاه الكفار، بل يعتقدون بطهارة جلد الميتة بالدباغ، و يجوّزون الصّلاة فيها مع الدباغ، فمع كل ذلك فكيف يكون سوقهم أو يدهم أو أرضهم أمارة على كون الجلد مذكى، لأنّه إن كان المسلمون غير الشيعة يذكّون ما عندهم من الحيوانات بالنحو المعتبر عندنا، او يحرزون تذكيتها بهذا النحو، و كان المذكى عندهم ما هو المذكى عندنا، فكان ما في يدهم أو سوقهم أو في أرضهم محكوما بالتذكية من باب كون ذلك كله أمارة على التذكية، لكاشفية هذه الامور عن كونها مذكى من باب أنّ بسبب هذه الامور يكشف و لو ظنّا بأنّ المسلم ذكّاها بنحو المعتبر.

و لكن بعد ما قلنا من اختلاف غير الشيعة من المسلمين مع الشيعة في ما يعتبر في التذكية، و بعد اعتقادهم بحلية ما ذكّاه الكفار، و اعتقادهم بطهارة جلد الميتة، و جواز الصّلاة فيه مع الدبغ،

فلو فرض أنّ هذا القسم من المسلمين أخبروا بالتذكية، فلا يمكن الحكم بالتذكية مع اختلافهم معنا في هذه الجهات في التذكية و جواز

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 24

الصّلاة في الجلود، و ليس إخبارهم أمارة على التذكية المعتبرة، فكيف بما يكون في سوقهم أو أرضهم، ففي كل هذه الموارد ليست أمارة موجودة على التذكية، فلا يمكن حمل الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية.

نعم إن حمل السوق في الرواية، أو أرض الاسلام على سوق خصوص الشيعة، أو أرض خصوص الشيعة يمكن أن يقال: بأنّ الحكم بالتذكية في سوقهم أو أرضهم أمارة على التذكية، و لكن لا يمكن حمل الرواية على ذلك، لعدم كون سوق مخصوص أو أرض مخصوص للشيعة لم يكن فيه غيرهم من المسلمين، بل الأسواق في ممالك الاسلامية خصوصا في زمان صدور الرواية، و كذا أراضي الاسلامية، كان الأكثر فيها الغير العارفين من المسلمين، مضافا إلى أنّ في خصوص الرواية الثالثة فرض ما إذا كان البائع مسلما غير عارف و مع ذلك حكم بالتذكية، و عدم لزوم السؤال إذا كانوا يصلّون فيه، فعلى هذا حمل الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية في غير محله.

[في ذكر بعض روايات اخر]
اشارة

ثمّ إنّ هنا بعض روايات اخر نتعرض لها و لمقدار دلالتها، فنقول:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن الحسن الاشعري

«1» (قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: ما تقول في الفرو يشتري من السوق؟ فقال: اذا كان مضمونا فلا بأس.) «2»

و المراد بقوله (إذا كان مضمونا فلا بأس) هو أنّه إذا تعهّد البائع بكون الفرو مذكّى فلا بأس، لعدم معنى أقرب من هذه المعنى للضمان في مثل المقام، فيستفاد من

______________________________

(1)- (و ذكر الحسين في الوسائل طبع امير بهادري بدل الحسن غير صحيح).

(2)- الرواية 10 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 25

هذه الرواية عدم البأس بما يشتري من السوق إذا تعهد البائع كونه مذكى (و بناء على كون المفهوم لهذه القضية، يفيد مفهومها البأس إذا لم يتعهد البائع كونه مذكى)

و يمكن حمل هذه الرواية على الاستحباب، فكان التعهد مستحبا لو فرض كون السوق في الرواية خصوص سوق المسلمين، فعلى هذا لا يكون بينها و بين الروايات الثلاثة المتقدمة الدالة على محكومية الجلود بالتذكية بمجرد كونها في يد المسلم أو في سوق المسلمين أو في أرض المسلمين إذا كان الغالب عليها المسلمين بدون اعتبار أخذ التعهد على التذكية، بناء على كون قوله في هذه الرواية (إذا كان مضمونا فلا بأس) على الاستحباب تعارض و منافاة

الرواية الثانية: ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: يكره الصّلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة.) «1»

و بعد قابلية حمل (يكره) في هذه الرواية على الكراهة المصطلحة، يعني: ما يكون الرجحان في تركه، لم يكن بينها و بين الروايات الثلاثة تعارض.

الرواية الثالثة: ما رواها أبو بصير

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الفراء؟ فقال: كان علي بن الحسين عليه السّلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتي ممّا قبلكم بالفرو، فيلبسه فاذا حضرت الصّلاة ألقاه و ألقى القميص الّذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة، و يزعمون أنّ دباغه ذكوته.) «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 61 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 61 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل، لكن كتب (عيس) بدل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 26

و هذه الرواية بحسب ظاهرها تدلّ على أنّه لا يجوز الصّلاة في الجلود الّتي تؤخذ ممن يستحل لباس جلد الميتة بزعم أن ذكاته دباغه، فلا تجوز الصّلاة على هذا فيما يؤخذ من سوقهم أو يدهم أو في ارضهم، فتنافى هذه الرواية مع الروايات الثلاثة المتقدمة، لأنها كانت دالة على جواز الصّلاة و المحكومية بالتذكية إذا أخذ من يد المسلم أو من أرضهم أو من سوقهم، و هذه الرواية تدلّ على خلافها.

و لكن نقول: أوّلا بضعف سند هذه الرواية، و ثانيا بأنّه إذا لم تجز الصّلاة فيما أخذ من يد المستحل للميتة بالدباغ، و عدم محكوميته بالتذكية، فكما لا تجوز الصّلاة فيه، كذلك لا يجوز لبسه، و لا فرق بينهما، و الرواية ظاهرها الفرق بينهما، لأنّها على ما ترى دلت على أن

علي بن الحسين عليه السّلام كان يلبس الفرو، و لكن لا يصلّي فيه، فمن هذه الجهة أيضا توهن الرواية

الرواية الرابعة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج

(قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام: إني أدخل سوق المسلمين أعنى: هذا الخلق الذين يدّعون الاسلام فأشترى منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها، أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على آنها ذكية؟ فقال: لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول قد شرط لي الّذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا

______________________________

(عيثم) و الصحيح (عيثم) كما نقلها صاحب الوسائل في الباب 61 من ابواب النجاسات وعدها رواية 3 و كتب (عيثم) بدل (عيس) و لكن بناء على نقل الأوّل في الرواية بعض زيارات و فى طبع امير بهادرى كتب ميثم فى الباب 61 من ابواب النجاسات الرواية 3.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 27

على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. «1»

و هذه الرواية و إن كانت تفيد ما يخالف مع الروايات الثلاثة المتقدمة، و لكن تكون ضعيفة السند فلا تقاوم معها.

[هل يكون تعارض بين الاخبار او لا؟]

إذا عرفت ذلك نقول: لا بد من عطف عنان الكلام أولا إلى أنّه هل يكون بين روايات الثلاثة- أعنى: رواية فضيل و زرارة و محمد بن مسلم جميعا- و بين رواية إسحاق بن عمار، رواية إسماعيل بن عيسى تعارض أو لا، و ثانيا لا بد من التكلم في وجه الجمع بين الطائفة الاولى من الروايات، و بين الطائفة الثانية أعنى: هذه الثلاثة، بعد ما عرفت من الاشكال في حمل هذه الروايات على صورة وجود الأمارة على التذكية.

فنقول: أمّا الكلام في المقام الأول، فقد عرفت أن مفاد رواية فضيل و زرارة و محمد بن

مسلم هو حلية أكل اللحم إذا كان في سوق المسلمين، و مفاد رواية إسحاق بن عمار هو محكومية الجلود بالتذكية إذا كان في أرض الاسلام و كان الغالب عليها المسلمين، و مفاد رواية إسماعيل بن عيسى هو المحكومية بالتذكية إذا كان البائع من يصلّي فيه، أو إذا كان البائع من أهل الصّلاة.

فيمكن أن يتوهم تعارض كل منها مع الآخر، لأنّ مفهوم رواية الاولى يدلّ على عدم حلية اللحم إذا لم يكن من سوق المسلمين سواء كان في أرض الاسلام أو أرض الكفر، و مفهوم رواية الثانية عدم المحكومية في التذكية إذا لم يكن في أرض يكون الغالب عليها المسلمين سواء كان في سوق المسلمين أولا، و سواء كان البائع

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 28

مسلما أو غير مسلم، و مفهوم رواية الثالثة هو كون الجلد محكوما بالتذكية إذا كان البائع من أهل الصّلاة يعني: ممّن يصلّي سواء اشترى في سوق المسلمين أو في أرض يكون الغالب عليها المسلمين أو لم يكن كذلك، فيعارض مفهوم كل منها مع الآخر.

[المستفاد من الروايات كون الاسلام دخيلا فى الحكم بالتذكية]

و لكن لا مجال لها التوهّم بعد التأمل في الروايات، لأنّ ما يستفاد من كل هذه الروايات الثلاثة هو كون الاسلام دخيلا في هذا الموضوع أعنى: في الموضوع المحكوم بالتذكية فيه، و كل ما اخذ شرطا و علق حكم التذكية به يكون أمارة على هذه الجهة أعنى: الاسلام، فترى أن الرواية الاولى تدلّ على أنّ اللحم محكوم بالحلية (و هي عبارة اخرى عن التذكية، لأنّ الحلية فرع التذكية) إذا كان في سوق المسلمين، فكون سوق المسلمين شرطا في الحلية ليس إلا من باب كون الاسلام و المسلمية

دخيلا في الحكم، لأنّه إذا كان السوق سوق المسلمين، فيمكن و يحتمل التذكية، و كذلك في الرواية الثانية تكون أرض الاسلام إذا كان الغالب عليها المسلمين دخيلا في الحكم ليس إلا من باب دخالة الاسلام و المسلمية في الحكم، و كذلك الرواية الثالثة، فكون المأخوذ من يد البائع الّذي يكون من أهل الصّلاة على احتمال (و يصلّي فيه) ليس إلا من باب دخالة الاسلام في الحكم بالتذكية.

فاذا عرفت كون الامر هكذا، فنقول: إنّه بعد دخالة الاسلام و المسلمية في الحكم بالتذكية، كما ينادى به كل الروايات، لا بد من كون اعتبار سوق المسلم أو أرض المسلمين و دخالتها في الحكم بالتذكية مثل كون البائع من أهل الصّلاة، أى مسلما في ما يأخذ الجلد المشكوك أو الفرو المشكوك أو اللحم المشكوك أو الخف المشكوك في كونه مذكى أو ميتة ممّن يعلم باسلامه أو يشكّ في كونه مسلما أو غير مسلم، و امّا إذا كان في يد الكافر و يؤخذ منه أو يشتري منه فلا يشمله أحد من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 29

الروايات الثلاثة بعد ما بينا من أنّ المستفاد من كلها دخالة الاسلام و المسلمية في المحكومية بالتذكية، فيخرج كل مورد ليس للاسلام و المسلمية دخالة فيه، مثل المأخوذ من يد الكافر مع الشّك في كون ما في يده مذكّى أو ميتة.

فعلى هذا تعلم عدم تعارض بين الروايات أصلا فاعتبار سوق المسلمين يكون من هذا الباب و أرض المسلمين أيضا من هذا الباب، لأنّ بعد دخالة الاسلام في كل هذه الروايات، و كون المحكومية بالتذكية من هذا الباب، فلا يرى تعارض بينها حيث إنّ اعتبار كل هذه الثلاثة أعنى سوق المسلم أو أرض الاسلام أو

يد البائع المسلم، يكون من باب وجود جهة جامعة بينها، و هي الاسلام، فمع كون الامر كذلك لا يرى بين هذه الروايات من حيث المفهوم أو المنطوق تعارض أصلا، فيكفي في المحكومية بالتذكية وجود احد هذه الامور من باب كون كل منها كاشفا عن وجود ما هو دخيل في الحكم بالتذكية، و هو الاسلام، هذا كله في ما ينبغي أن يقال في المقام الأول.

المقام الثاني:
اشارة

يقع الكلام في أنّه بعد كون مفاد الطائفة الاولى من الروايات، هو كون الجلود محكوما بالتذكية مطلقا إلا إذا علم كونها ميتة سواء كان في يد المسلم، أو في أرض الاسلام أو في سوق المسلمين، أو لم يكن كذلك لكون إطلاقها يقتضي ذلك، و بعد كون مفاد الطائفة الثانية من الروايات هو محكوميتها بالتذكية في خصوص ما إذا كانت في أرض الاسلام أو في سوق المسلمين، أو في يد المسلم و لا يلزم السؤال و أمّا في غيرها مثل ما أخذ من يد غير المسلم فليست محكومة بالتذكية و إن كان شاكا في كونها مذكى او ميتة. «1»

______________________________

(1)- (و إن كان كلام يأتي بعدا في أنّه هل يحكم بالتذكية في ما يأخذ من يد الكافر مع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 30

فالطائفة الاولى مطلق، و الثانية مقيد، و بعد ما نعلم وحدة الملاك، و أنّ الحكم في الحكم في المقيد ليس إلا بالملاك الموجود في المطلق، فمقتضى ما أثبتنا في باب التعارض لا يرى بنظر العرف تعارض بين الطائفتين، بل يحمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة محكومية الحيوان و الجلود و اللحوم المشكوك في كونه مذكّى أو ميتة، بالتذكية في ما يكون في سوق المسلمين و أخذ من يد المسلم في سوقهم

أو ممّن يشك في إسلامه، و كذا في الأرض الاسلام الّذي يكون الغالب عليها المسلمين إذا أخذ من يد المسلم أو مشكوك الاسلام، و كذا إذا أخذ من يد المسلم و قلنا بأنّ الحكم بالتذكية في هذه الموارد ليس من باب كون هذه الامور أمارة على التذكية، بل حكم تعبدي في مورد الشّك في التذكية في خصوص هذه الموارد.

مسئلة: [الكلام فى المأخوذ من يد الكافر]
اشارة

بعد ما فهمت من كون الحيوان المشكوك في تذكيته، و كذلك جلده و لحمه، محكوم بالتذكية بشرط اشترائه من سوق المسلمين، أو أخذه من يد المسلم أو من أرض الاسلام إذا كان الغالب عليها المسلمين، و لا يلزم السؤال.

فيقع الكلام في المأخوذ من يد الكافر، و أنّه هل يكون ما في يده محكوما بكونه ميتة مع الشّك في كونه مذكّى، أو ميتة للأصل الأوّلى، و هو أصالة عدم التذكية، و إن سئل عنه عن تذكية ما في يده و يخبر بالتذكية، أو أنّ ما في يده غير محكوم بالتذكية و لم يسأل عنه، و أمّا إذا سئل عنه و أخبر الكافر بتذكية ما في يده فيحكم بالتذكية.

فيكون على هذا الفرق بين ما أخذ من يد المسلم، أو من أرض الاسلام، أو من سوق المسلمين، و بين ما يأخذ من يد الكافر، هو في عدم اعتبار السؤال في

______________________________

السؤال أو لا).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 31

الأوّل عن التذكية و عدمها، و عدم لزوم إخبار ذي اليد بالتذكية، بخلاف ما أخذ من يد الكافر فإنّه لا يحكم بالتذكية قبل السؤال عنه و اخباره بالتذكية، و أمّا مع إخباره فيحكم بالتذكية.

لا يبعد كون الحق هو الثاني، و أنّه إذا أخبر الكافر الّذي يكون ذي اليد على التذكية يحكم بالتذكية

لوجهين:

الوجه الأول: دلالة بعض الروايات المتقدمة عليه

منها قوله عليه السّلام في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام بعد سؤال السائل قال (نعم، أنا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لي، و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة) فإنّها تدلّ على عدم لزوم السؤال بناء على حمل السوق في الرواية على خصوص سوق المسلمين «1» فإذا كان كذلك فالمأخوذ من يد غير المسلم، أو من سوق غير المسلم يحتاج الى السؤال.

فالفرق بين المأخوذ من يد المسلم و بين المأخوذ من يد الكافر، هو عدم لزوم السؤال في الأول، و لزوم السؤال في الثاني، و أنّ الأوّل محكوم بالتذكية بلا سؤال، و الثاني محكوم بها بعد السؤال.

منها قوله عليه السّلام في الرواية المتقدمة الّتي رواها فضيل و زرارة و محمد بن مسلم

______________________________

(1)- و أما أقول: بناء على ما تقدم من سيدنا الاستاد مد ظله من ذكر هذه الرواية في جملة الروايات الدالة على المحكومية بالتذكية في الجلود مطلقا حتى تعلم، و يتوقف الاستدلال بها لمحكومية الجلد بالتذكية مطلقا حتى يعلم كونه ميتة على كون السوق أعم من سوق المسلمين و غيرهم و الا لو كان المراد خصوص سوق المسلمين فلا يصح الاستدلال، فلا وجه للتمسك في المقام على الرواية، لأنّه على هذا مع الشك في التذكية يحكم بها و إن كان في يد الكافر، و لا تلزم المسألة).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 32

عن أبي جعفر عليه السّلام فقال فيها (كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل) عنه و مفهومه هو عدم جواز الأكل، الّا مع السؤال إذا كان في غير سوق المسلمين، و بعد كون اعتبار سوق المسلمين من باب دخالة الاسلام كما عرفت،

و حاصله محكومية الجلود بالتذكية إذا أخذ في سوقهم من يد المسلم المسلّم إسلاميته، أو من يد مشكوك الاسلام، و كان المأخوذ من يد الكافر خارجا و إن كان في سوق المسلمين.

فتكون الرواية دالة على عدم السؤال عن التذكية و محكوميتها بها إذا أخذ من يد معلوم الاسلام، و عدم محكوميتها بها إذا أخذ من يد الكافر قبل السؤال، بل محكوميتها مع السؤال، فتدلّ الرواية على أنّ المأخوذ من يد الكافر مع السؤال عنه عن التذكية و إخباره بها محكوم بالتذكية.

منها رواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة، فإنّ فيها قال عليه السّلام (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك) فاعتبر السؤال إذا كان البائع من المشركين، و من الواضح بأنّ السؤال مؤثر، فالمقصود هو أنّه إذا كان البائع مشركا يسأل عنه عن التذكية، فإذا أخبر بها فيحكم بتذكيتها من باب كونه ذي اليد، و إلّا لو لم يكن مع السؤال و إخباره محكوما بالتذكية، فلا معنى للأمر بالسؤال عنه.

منها قوله عليه السّلام في الرواية الّتي رواها محمد بن الحسن الاشعري قال (إذا كان مضمونا فلا بأس) و بعد كون المراد بهذه الفقرة إذا كان متعهدا فتدل الرواية على محكومية الجلود بالتذكية إذا تعهد ذي اليد و أخبر بتذكيتها، فالكافر إذا تعهد التذكية، فيحكم بالتذكية على هذا. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت في مجلس بحثه الشريف، أولا إنّ رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 33

الوجه الثاني [العرف لا يفرقون بين المسلم و الكافر اذا كانا ذى اليد]
اشارة

: إنّا نرى من أنّ بناء العقلاء على الأخذ بقول ذي اليد و إخباره، فلو أخبر ذو اليد بخبر عما يكون تحت يده يقبل قوله، و لم يكن البناء على الفحص عما أخبر به و

التفتيش أو التوقف حتّى يثبت لهم صحة إخباره، خصوصا يكون ممّا لا يعلم إلا من قبله، و لا يفرقون في ذلك بين ذي اليد

______________________________

على ما أفاده سابقا في مقام ذكر روايات الباب عدّها من الروايات الدالة على كون الجلود محكومة بالتذكية مع الشّك سواء كان أرض الاسلام، أو سوق المسلمين أو من يد المسلم، أو غيرها، فعلى هذا تدلّ على عدم السؤال و كونها محكوما بالتذكية حتّى يعلم، سواء كان المأخوذ من الجلود مأخوذا من يد المسلم، أو من يد الكافر، و كذلك نقول في رواية محمد بن الحسن الاشعري: إنّ أخذنا بظاهرها و لم نحملها على محمل اخر من استحباب تعهد التذكية، و مضافا بكون التعهد غير الأخبار بالتذكية بأنّه إن اعتبر الضمان، فحيث إنّ الرواية مطلقة و لم يقيّد فيها التعهد بخصوص صورة الأخذ من الكافر، لا بد من اعتبار ذلك حتّى في المأخوذ من يد المسلم، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و حمل الرواية على خصوص صورة الأخذ من يد الكافر بقرينة غيرها من الروايات الّتي حكم فيها بالتذكية في ما أخذ من المسلم، أو من سوق المسلمين، أو من أرض الاسلام بلا اشتراط السؤال و التعهد بأنّه مع فرض السائل في هذه الرواية بقوله (ما تقول في الفرو يشتري من السوق) أنّ الفرو يشتري من السوق، و الظاهر من السوق سوق المسلمين لعدم تعارف كون سوق غير المسلمين، في بلاد الاسلام، خصوصا مع كون الراوي قميّا، فلا يمكن حمل الرواية على سوق غير المسلمين، فبعد ذلك نقول: لا يمكن حمل الرواية على لزوم التعهد، و ثانيا نقول في كل هذه الروايات بأنّ غاية دلالتها عدم محكومية ما أخذ

من يد الكافر من اللحوم و الجلود بالتذكية بلا سؤال و اعتبار السؤال.

و لكن يمكن، بل الظاهر كون النظر من اعتبار السؤال السؤال و الفحص بحيث يعلم بأحد طرفي التذكية و الميتة، لا أن يكون الغرض صرف السؤال و كون مجرد إخبار الكافر بالتذكية كاف في الحكم بالتذكية، و لو مع عدم حصول علم أو اطمينان بالتذكية، فيكون وزان السؤال عن الكافر وزان قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) و أنّه يجب التبين في خبر الفاسق، فالحكم بكفاية إخبار ذي اليد و إن كافرا في المحكومية بالتذكية بهذه الروايات مشكل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 34

المسلم و الكافر.

فنقول في المقام: إنّ إخبار ذي اليد الكافر كاف في الحكم بكون الحيوان مذكّى، و بعد وجود بناء العقلاء على ذلك و عدم ورود ردع من الشارع فيأخذ بما هو سيرة العقلاء و يصير بنائهم حجّة (أقول: في وجود بناء العقلاء على ذلك تأمل).

تنبيه [في ذكر اشكال صاحب الوافية على استصحاب عدم التذكية]
اشارة

: قد بينا لك سابقا أنّ الأصل في ما إذا شك في تذكية الحيوان هو عدم التذكية، و حيث إنّ صاحب الوافية رحمه اللّه أورد ايرادا على استصحاب عدم التذكية، نعطف عنان الكلام مجددا بنحو الاختصار في إجراء هذا الاصل و عدمه، فنقول: بعد ما عنون الشيخ «1» رحمه اللّه في الرسائل استصحاب الكلي و أقسامه و تقسيم القسم الثالث منه إلى قسمين ذكر بالمناسبة كلام صاحب الوافية، و حاصل كلام صاحب الوافية يرجع إلى أنّ استصحاب عدم التذكية يكون من صغريات قسم الثالث من استصحاب الكلي، لأنّ المفروض في هذا القسم هو كون منشأ الشّك في بقاء الكلي و عدمه من باب أنّ الفرد المقطوع حدوثه و إن كان مقطوع الزوال و

الارتفاع، إلّا أنّه يحتمل حدوث فرد اخر عند حدوث هذا الفرد أو عند ارتفاع هذا الفرد، و هو باق و المقام كذلك، لأنّ عدم التذكية مستند في زمان إلى فرد نقطع بزواله و في زمان اخر إن كان باقيا هذا العدم لكنه مستند إلى فرد اخر، لأنّ الحيوان كان سابقا غير مذكّى من باب كونه حيا، فعدم التذكية في هذا الزمان كان مستندا إلى الحياة و هو في الحال مقطوع الزوال، لأنّه زهق روحه مسلما إما بالتذكية أو بغيرها، و عدم تذكيته فعلا إن كان باقيا فهو مستند إلى أمر اخر و هو كون موته بموت حتف الأنف أو بالقتل على غير وجه المعتبر في التذكية، و هذا مشكوك الحدوث، لأنّه لو كان زهاق روحه

______________________________

(1)- فرائد الاصول، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 35

بسبب التذكية فغير مستند بموت حتف الأنف.

فعلى هذا عدم التذكية المستند إلى عدم كون زهاق روحه بالتذكية مشكوك الحدوث من باب الشّك في أنّ موته وقع بالتذكية أو بحتف الأنف أو القتل بنحو الغير المعتبر في التذكية، فعلى هذا لا مجال لاستصحاب عدم التذكية لعدم إجراء الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام الكلى، و هو من صغرياته، لأنّ المقصود في استصحاب عدم التذكية إجراء استصحاب عدم التذكية الكلي المتقوم بفردين أحدهما مقطوع الحدوث و الزوال في زمان الشك، و هو عدم التذكية المستند إلى الحياة، و الآخر مشكوك الحدوث من رأس، و هو عدمها المستند الى كون زهاق روحه بغير سبب التذكية، و بعد كون عدم التذكية لازم لأمرين: الحياة و موت حتف الانف، و الموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو، بل ملزومه الثاني أعنى الموت حتف الانف، فعدم

التذكية لازم أعم لموجب النجاسة، فعدم التذكية اللازم للحياة مغاير لعدم التذكية العارض للموت حتف الانف، و الثابت في الزمان السابق هو العدم الملازم للحياة لا الملازم لموت حتف الانف، فلا يجري الاستصحاب.

هذا حاصل ما قال صاحب الوافية رحمة اللّه و قد أجاب عنه الشّيخ رحمه اللّه على ما في الرسائل، و حاصل جوابه يرجع إلى أنّه و إن قلنا بعدم مجال لاجراء الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و لكن مع ذلك تجري اصالة عدم التذكية لعدم كونها من صغرياته، حيث إنّ عدم الأزلى مستمر مع حياة الحيوان و موته حتف الانف و إن قطع بتبادل الوجودات المقارنة له، لأنّ العدم يعتبر عدم واحد و ليس كالوجود، و لا يأتى بنظر العرف تكثر الأعدام باعتبار اختلاف وجودات المقارنة له، و بعد كون هذا العدم عدما واحدا مستمرا بنظر العرف و إن تبادلت

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 36

الوجودات المقارنة له، فنقول: كان هذا الحيوان سابقا غير مذكّى و كانت حالة السابقة عدم التذكية، فنجرّ هذا العدم إلى زمان الشّك بحكم الاستصحاب، و نقول:

الأصل عدم التذكية، و ما أفاده رحمه اللّه صحيح و في محله.

[في ردّ اشكال صاحب الوافية]

ثمّ بعد ما عرفت من عدم جريان إشكال باستصحاب عدم التذكية من هذه الجهة، قد يقال: بأنّ هذا الأصل من الاصول المثبتة، لأنّه بعد اجراء أصالة عدم التذكية يترتب كل أثر يكون محمولا على عدم التذكية، و أمّا الآثار المترتبة على كون الحيوان ميتة، فلا يترتب على هذا الأصل إلّا على القول بالأصل المثبت.

و لكن لا مجال لهذا الاشكال في المقام، كما أفاده الشّيخ رحمه اللّه أيضا، لأنّ الظاهر من قوله تعالى (إلّا ما ذكيتم) و غير ذلك،

هو كون الآثار من الطهارة و الحلية و جواز الصّلاة من آثار كون الحيوان مذكّى، فإذا نفيت التذكية بالأصل فلا تترتب هذه الآثار، مضافا إلى أنّه بعد ما كانت الميتة عبارة عن غير المذكى (سواء نقول: بكون غير المذكى له فرد ان: أحدهما الميتة، و هي كل حيوان مات حتف أنفه، و الآخر ما قتل بغير النحو المعتبر في التذكية الشرعية، أو نقول: بكون مطلق غير مذكّى ميتة سواء زهق روح الحيوان حتف أنفه، أو بسبب غير السبب المتعارف شرعا في التذكية على الكلام فيه) فإن كان في البين أثر مترتب على الميتة- فبعد كون الميتة غير مذكّى بدون اعتبار شي ء وجودى اخر في كونه ميتة- فبعد جريان أصالة عدم التذكية فهو ميتة، لأنّ الميتة ليست إلّا غير المذكّى، فيترتب على هذا الأصل كل أثر يكون مترتبا على كونه ميتة.

نعم، إن كان في البين أثر مترتب على الاتصاف بكونه غير مذكّى فباستصحاب عدم التذكية لا يثبت ذلك إلا على القول بالأصول المثبتة، هذا.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 37

ثمّ إنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في مطاوي كلماته في هذا المقام بما حاصله يرجع إلى أنّه لا إشكال في إجراء أصالة عدم التذكية إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخر المقارن له به، نظير إثبات الموت حتف الانف لعدم التذكية أو ارتباط الموجود المقارن له به، كما إذا فرض الدليل على أنّ كلما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا، فهي استحاضة، فان استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك، لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم و صدقه عليه، حتّى يصدق (ليس بحيض) على هذا الدم، فيحكم عليه بالاستحاضة، إذ فرق بين الدم

المقارن لعدم الحيض، و بين الدم المنفي عنه الحيضية.

[كلام المحقّق الهمداني فى الاشكال على الشيخ رحمه اللّه]

و يظهر من الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه- على ما في طهارة مصباح الفقيه، و قد تعرض في حاشيته على رسائل الشّيخ رحمه اللّه- ما يخالف ما أفاد الشّيخ رحمه اللّه، و ما قلنا من أنّ بأصالة عدم التذكية ينتفي كل أثر كان مترتبا على التذكية، و يثبت كل أثر يكون مترتبا على كونه ميتة بناء على ما قلنا من أنّ الميتة ليست إلا غير المذكّى، و عدم كون ما نحن فيه مثل استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، و وضوح الفرق بينهما، لأنّ استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت كون الدم استحاضة إلا على القول بالأصل المثبت، لأنّ أصالة عدم صيرورة المرأة حائضا، أو أصالة عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت إلا عدم صيرورة المرأة حائضا، أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، و أمّا كون الدم متصفا بكونه غير حيض، أو كون المرأة متصفا بكونه غير حائض، و بعبارة اخرى إثبات الاتصاف بهذا الامر الوجودى، فلا يمكن بهذا الاستصحاب، فلا يثبت بهذا الاستصحاب على كلا النحوين- أى:

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 38

بأن يقال: الأصل عدم صيرورة المرأة حائضا، أو الأصل عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا- كون المرأة غير حائض، فإن كان أثر مترتب على عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، أو عدم صيرورة المرأة حائضا أعنى: يكون الأثر مترتبا على هذا العدم، فيترتب هذا الأثر ببركة هذا الاستصحاب، و امّا الأثر المترتب على الوجود، فلا

يترتب هذا الاثر، فإذا كان الأثر مترتبا على اتصاف المرأة بكونها غير حائض أعنى: هذا الامر الوجودى، فلا يترتب على هذا الاستصحاب، فإن كان الدم المحكوم بكونه استحاضة هو كل دم لم يكن حيضا بمعنى:

دخل هذا الاتصاف في كون الدم دم الاستحاضة، فلا يترتب بهذا الاستصحاب، فالاستصحاب الجاري في المقام هو أصالة عدم كون ما تقذفه المرأة من الدم حيضا أو عدم صيرورة المرأة حائضا، و هذا الاستصحاب لا يثبت كون الدم استحاضة إذا كان دم الاستحاضة كل دم لم يكن حيضا، و غير هذا الاستصحاب أعنى:

استصحاب عدم كون هذا الدم حيضا، لأنّ هذا الدم لم يكن بحيض سابقا فيستصحب، فليس لهذا الاستصحاب حالة سابقة، لأنّ هذا الوصف الوجودي لم يكن له حالة سابقة حتّى يستصحب، فعلى هذا لا يثبت باستصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، كون الدم استحاضة.

و أمّا في المقام بعد كون الميتة غير المذكّى فباستصحاب عدم التذكية يثبت كون الحيوان ميتة، لأنّ الميتة ليست إلا غير المذكّى فإذا اثبت باستصحاب عدم التذكية عدم كون الحيوان مذكّى فيحكم بكونه ميتة.

فإذا عرفت ما ذكر الشّيخ رحمه اللّه من الفرق بين المقامين، و هو مختارنا أيضا، يظهر من الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه الاشكال في ذلك فننقل عبارته في حاشيته على

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 39

الرسائل كي يتضح مراده، ثمّ نبين ما في كلامه من الاشكال إنشاء اللّه.

قال في ضمن كلامه و هذه عبارته: و لكن الظاهر أن الميتة في عرف الشارع و المتشرعة عبارة عن غير المذكّى أى: اللحم الفاقد لشرائط التذكية حال موته، فكما أنّ التذكية سبب للحل و الطهارة، كذلك الموت بلا شرائط

التذكية سبب للحرمة و النجاسة، فموضوع الحرمة و النجاسة هو ما عدى المذكّى كما اعترف به المصنف رحمه اللّه في ذيل كلامه، و كونه كذلك لا يثبت بأصالة عدم التذكية، كما أنّه لا يثبت بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا، أو أصالة عدم رؤية دم الحيض، كون الدم المرئي متصفا بكونه ليس بحيض حتّى يحكم بكونه استحاضة كما سيوضحه المصنف، إلّا على القول بالأصل المثبت، و هو خلاف التحقيق.

فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتبا على عدم كون اللحم مذكّى- كعدم حليته، و عدم جواز الصّلاة فيه، و عدم طهارته و غير ذلك من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها- يترتب عليه، فيقال الأصل عدم تعلق التذكية بهذا اللحم الّذي زهق روحه، فلا يحل أكله و لا الصّلاة فيه، و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة، و أمّا الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى- كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله أو نجاسته و تنجيس ملاقيه، و حرمة الانتفاع به، و بيعه أو استعماله في ساير الأشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقى البساتين و إحراقه على القول بها و غير ذلك من الاحكام المتعلقة على عنوان الميتة أو غير مذكّى- فلا الخ.

و حاصل ما يفهم من كلامه هو أنّ استصحاب عدم التذكية لا يترتب عليه إلّا كل أثر يكون مترتبا على هذا العدم، و أمّا غير ذلك من الآثار المترتبة على الميتة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 40

فلا يترتب هذا الاثر بدعوى كون الميتة عبارة عن كل ما يكون فاقدا لشرائط التذكية أعنى: متصفا بهذا الوصف الوجودي، و بعبارة اخرى غير المذكّى هو ما لم يكن واجدا لشرائط التذكية

بنحو قضية المعدولة الّتي عبارة عن كل قضية تكون حرف السلب جزء للقضية، لا بنحو قضية المحصلة الّتي لم يكن حرف السلب جزء للقضية، فعلى هذا يكون غير المذكّى ما هو لم يكن واجدا لشرائط التذكية، و بناء على كون القضية معدولة فتكون الميتة ليس نفس غير المذكّى أعنى: أمرا عدميا، بل ما تكون متصفا بكونه غير واجد لشرائط التذكية، فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية هذا الاتصاف إلا على القول بالأصول المثبتة.

[في قول المحقّق الهمداني فى التفكيك بين الآثار]

ثمّ بعد ما ادعى كون الميتة اللحم الفاقد لشرائط التذكية و عدم إثبات ذلك بصرف استصحاب عدم التذكية، ادعى أمرا اخر، و هو التفكيك بين الآثار في ما كان منها مترتبا على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلية و عدم جواز الصّلاة فيه و عدم طهارة و غير ذلك من الاحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها ترتب عليه، و أمّا الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى كالاحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله أو نجاسة و تنجيس ملا فيه و حرمة الانتفاع به و بيعه أو استعماله في ساير الاشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقى البساتين و احراقه على القول بها و غير ذلك من الاحكام المتعلقة على عنوان الميتة أو غير مذكّى فلا.

هذا ما يظهر من كلامه و بينا مراده على ما ينادي به كلامه، و في كلامه ما لا يخفي من النظر أمّا ما قال رحمه اللّه من كون الميتة عبارة عن غير المذكى أى: اللحم الفاقد لشرائط التذكية بحيث يكون هذا الاتصاف دخيلا فيها، ففاسد لما قدمنا سابقا من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 41

أنّ النسبة بين المذكّى و بين الميتة تكون العدم و الوجود، فغير

المذكى هو الميتة، إذ كل حيوان زهق روحه بهذا النحو الخاص يكون مذكّى و في قباله كل حيوان لم يزهق روحه بهذا النحو فهو ميتة، فالميتة هو غير المذكّى، و لا يعتبر في كونه ميتة إلّا عدم كون زهاق روحه بهذا السبب الخاص، فبعد عدم كون الميتة إلّا غير المذكى، و لم يكن في تحقق موضوعها حاجة إلى أزيد من عدم كون ورود التذكية عليه، فما لم يذك فهو الميتة، يظهر لك أنّ مجرد استصحاب عدم التذكية كاف في ترتب الآثار الثابتة لكونه ميتة، و ليس من قبيل الأصول المثبتة، فلا وجه لقياس ما نحن فيه بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا أو عدم كون ما تقذفه من الدم حيضا، و يقال كما لا يثبت بهذا الأصل كل أثر يكون مترتبا على كون الدم استحاضة، لكون موضوعه هو كل دم لم يكن حيضا بنحو الاتصاف أعنى: كون الموضوع هو اتصاف الدم بعدم كونه حيضا، فهكذا لا يثبت بأصالة عدم التذكية كل أثر يكون مترتبا على كون الحيوان ميتة.

[التفصيل الّذي ذكره المحقّق الهمداني رحمه اللّه باطل]

و من هنا يظهر أن التفكيك بين الآثار المترتبة على عدم كون اللحم مذكّى و بين الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى، ممّا لا وجه له، لأنّه بعد كون الميتة غير مذكّى و عدم دخل شي ء اخر في كونه ميتة، فمجرد استصحاب عدم كونه مذكّى يحكم بكونه ميتة، و يترتب كل أثر يكون مترتبا على كونه غير مذكّى أو على كونه ميتة، فيحكم ترتب كل أثر يترتب على عدم كونه مذكّى من عدم حلية أكل لحمه و عدم جواز الصّلاة في جلده و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة و كل أثر يترتب على كونه ميتة، فإن فرض

أنّ أثر كونه ميتة هو حرمة أكله أو نجاسته و تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به و غير ذلك، فلا فرق بعد اجراء استصحاب عدم التذكية بين

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 42

الآثار بعد ما أثبتنا من كون غير المذكى هو الميتة.

ثمّ إنّه لا معنى لما أفاده رحمه اللّه من التفكيك بين الآثار من إثبات كل أثر يترتب على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلية و عدم جواز الصّلاة فيه و عدم طهارته و غير ذلك من الاحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات الّتي تكون التذكية شرطا في ثبوتها باستصحاب عدم التذكية، فيقال الأصل عدم تعلق التذكية بهذا اللحم الّذي زهق روحه، فلا تحل أكله و لا الصّلاة فيه و لا استعماله في ما يشترط بالطهارة، و عدم ترتب كل أثر يكون مترتبا على كون الحيوان غير مذكّى بهذا الاستصحاب كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة أكله نجاسته أو تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به إلى غير ذلك، لأنّه مع قطع النظر عما قلنا من أنّه بعد كون الميتة غير المذكّى، فلا يمكن التفكيك بين الآثار المترتبة على عدم كون اللحم مذكّى و بين الآثار المترتبة على كونه غير مذكّى كيف يمكن أن يقال: بعدم الحلية، و لا يقال بالحرمة، أو يقال: بعدم طهارته و لا يقال بنجاسته، لأنّ ما لا يحلّ أكله فيحرم أكله، و ما لا يكون طاهرا فهو نجس، فكيف يمكن الالتزام بعدم أحدهما و مع ذلك يحكم بعدم وجود ضده، فلو فرض كون أثر استصحاب عدم التذكية عدم حلية أكل لحم هذا الحيوان، فلا يجوز أكله، فما معنى ما يقول: بأنّا لا نحكم بحرمة أكل هذا اللحم، أو إذا ترتب على الاستصحاب

عدم كونه طاهرا فلا يترتب آثار النجاسة، فكيف يحكم بعدم طهارته و لا يحكم بنجاسته.

و إن أراد أنّ بهذا الاستصحاب لا يترتب إلّا عدم حلية أكل لحمه أو عدم طهارته، لا أن يترتب به حرمة أكله أو نجاسته، فنقول: يكفي صرف عدم الطهارة في ترتب آثار النجاسة، و صرف عدم جواز أكل لحمه في حرمة أكل هذا اللحم، و لا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 43

يلزم كون نفس الاثر هو النجاسة أو حرمة الاكل، فلا معنى للتفكيك بين الآثار الّتي ذكرها رحمه اللّه.

مضافا إلى أنّ آثار العدمية الّتي قال بترتبها، ليست منتزعة عن الآثار الوجودية، بل إن كان الحيوان مذكّى كان يحلّ أكل لحمه، و يكون طاهرا، و إذا لم يثبت التذكية و في مورد الشّك، كان مقتضى الاستصحاب عدم التذكية، فلا يترتب هذه الآثار الوجودية، فتأمّل.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال: بأنّ نظره رحمه اللّه إلى قياس ما نحن فيه باستصحاب عدم كون الدم حيضا في انّه كما أنّ استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضا، أو عدم ما تقذفه المرأة من الدم حيضا، لا يثبت كون الدم استحاضة، لعدم إثبات كون الدم المرئي متصفا بكونه ليس بحيض بهذا الاستصحاب، لأنه إن أريد إثبات ذلك بهذا الاستصحاب فيكون مثبتا، و إن اريد إثبات ذلك باجراء الاستصحاب في نفس هذا الموضوع بأن يقال: الأصل عدم حدوث الدم المتصف بكونه غير دم الحيض، فليس له حالة سابقة، لأنّ الدم متى وجد وجد إما بوصف كونه حيضا أو استحاضة، فليس مجال، لأنّ يقال: الأصل عدم كون هذا الدم متصفا بكونه غير دم الحيض، لأنّه لم يكن زمان كان هذا الدم و قطع بكونه غير دم الحيض حتّى يستصحب كذلك يقال

فيما نحن فيه: بأن إثبات كون الحيوان متصفا بكونه غير مذكّى باستصحاب عدم التذكية لا يصح إلّا على القول بالأصل المثبت و إجراء الاستصحاب في نفس هذا الموضوع بأن يقال: الأصل عدم كون هذا الحيوان متصفا بكونه غير مذكّى لم يكن له حالة سابقة.

المسألة الثالثة [لا يجوز الصّلاة فى اجزاء ما لا يؤكل]
اشارة

: لا تجوز الصّلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه في ما عدى ما

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 44

استثنى، و هذا الحكم ممّا عليه الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة، و هذا الحكم من متفردات الامامية، و ليس عين و لا أثر في مذاهب العامة منه، و لم ينقل من أحدهم هذا الحكم.

[المسألة ممّا لا اشكال فيها بعد الشهرة و الاجماعات المنقولة]

فالمسألة بعد الشهرة المحققة و الاجماعات المنقولة في الجملة ممّا لا إشكال فيها و إن لم تكن الروايات الواردة في الباب في حدّ ذاتها، مع قطع النظر عن الشهرة، يكون فيها مقتضى الحجية، لعدم وجود خبر فيها يكون كل رواتها موثوقا بها إلّا رواية واحدة، و هي موثقة ابن بكير، و لا يضرّ ذلك في المسألة بعد ما عليها الشهرة المحققة لانجبار ضعف سند الروايت بهذه الشهرة، كما أنّ ما حكى عن صاحب المدارك رحمه اللّه من الاشكال في المسألة ممّا لا يعبأ به بعد ما بيّنا من كون المسألة بما لم ينقل فيها خلاف من أحد من الفقهاء رضوان اللّه عليهم إلى زمان صاحب المدارك، و هو يكون في أواخر قرن العاشر و أوائل قرن الحاد يعشر، و كون الحكم مشهورا عندهم إلى هذا الزمان، و منشأ إشكاله رحمه اللّه هو أنّه بعد ما يكون مختاره كون حجية خبر الواحد مخصوصا بما إذا كان كل من الروات الواقعة في طريق الخبر مذكّى بعدلين فرأي أنّ روايات الباب لم تكن كل روات منها مذكّى بعدلين، أشكل في الحكم.

و لكن بعد كون عمدة مدرك حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء، بل إن كان دليل اخر من الآيات و الروايات يرجع إلى ذلك، فلا فرق في بنائهم بين ما يكون الراوي مذكّى بعدلين، و

بين ما تكون الشهرة على طبق الرواية، و كون بطانة الائمة عليهم السّلام و قدماء الفقهاء رضوان اللّه عليهم عاملا بمضمونها، فالعقلاء يأخذون بهذه الرواية، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 45

[في الروايات الواردة في بطلان الصّلاة في ما لا يؤكل]
اشارة

ثمّ بعد ذلك نذكر الروايات الواردة في الباب، و مقدار دلالتها، ثمّ بعض التفريعات الّتي تكون في المسألة، فنقول بعونه تعالى.

الرواية الاولى:

ما رواها ابن بكير (قال سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره مما أحلّ اللّه أكله، ثمّ قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد، ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه.) «1»

و هذه الرواية حسنة بإبراهيم بن هاشم، لأنّه في طريق الرواية، و موثقة بابن بكير للتصريح بوثاقته من أهل الرجال و إن كان فتحيا، و يظهر من وضع الرواية أنّ ابن بكير الراوي للرواية كان حاضرا في محضر أبي عبد اللّه عليه السّلام فسئل عمّه أعنى:

زرارة عنه عليه السّلام، و يأتي مقدار دلالتها على بعض خصوصيات المسألة في ضمن التفريعات، و على كل حال هذه الرواية أشمل روايات الباب لما نحن بصدده

الرواية الثانية:
اشارة

ما رواها إبراهيم بن محمد الهمداني (قال: كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب: لا تجوز الصّلاة فيه.) «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من

الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 46

و هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الصّلاة إذا كان وبر ممّا لا يؤكل لحمه على الثوب، و أنّه يصدق بصرف ذلك صلّى فيه إن كان ضمير (فيه) في قوله (لا تجوز الصّلاة فيه) راجعا إلى الوبر و الشعر في الرواية، و أمّا إن كان راجعا إلى الثوب في قوله (على ثوبي) فالمراد عدم جواز الصّلاة إذا كان في الثوب الوبر و الشعر، فيدلّ على هذا على عدم جواز الصّلاة إذا كان الوبر و شعر غير المأكول في الثوب، و أمّا إذا كان الوبر أو الشعر محمولا، لا أن يكون لباسا أو واقعا في اللباس فلا، و يأتي الكلام في ذلك إنشاء اللّه، هذا كله في بيان مقدار دلالة الرواية.

[في توجيه سند الرواية]

و أمّا سندها فمشوش، لأنّ سند الرواية هكذا على ما في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه، لأنّه (روى باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي عن عمر بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني) فعمر بن يزيد على هذا يروي عن إبراهيم، و الحال أنّه على وضع طبقات الرجال يكون عمر بن يزيد من الطبقة الخامسة و إبراهيم من الطبقة السابعة، فلا يمكن أن يروي من يكون متقدما بطبقتين عمّن يتأخر عنه بطبقتين.

و لكن يمكن توجيه ذلك بما يأتي بالنظر، و هو أنّ سند الرواية لم يكن بنحو المذكور- أعنى: محمد بن يحيى عن عمر بن علي عن عمر بن يزيد عن إبراهيم- بل كان بهذا النحو (محمد بن يحيى عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن

إبراهيم بن محمد الهمداني) فكان عمر بن علي سبط عمر بن يزيد على هذا و بناء على ذلك بحسب الطبقة يروى عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن إبراهيم، و لكن عمر بن علي مجهول، فمن هذا الحيث يكون الاشكال في الرواية، و بيت عمر بن يزيد و إن كان على ما تفحصنا من البيوت الّتي منها الروات، و لكن لم يعلم حال عمر بن علي بن عمر بن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 47

يزيد، و هو مجهول، فعلى هذا يكون الاشكال من هذا الحيث في الرواية.

و أمّا الاشكال فيها بكون الرواية مضمرة لأنّ إبراهيم قال (كتبت إليه) فلم يعلم أنّه ممّن يروي الرواية، فنقول: ان إبراهيم و بيته كانوا ساكنين في همدان، و لم يعلم أنّهم أهل الهمدان أو ساكنون فيها، و على كل حال كان هو و بعض اخر من بيته وكيلا من قبل الأئمة:، و هو يروي عن أبي الحسن الثالث- أعنى: علي النقي صلوات اللّه عليه- و سر اضمار الرواية هو أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان في زمان المتوكل عليه اللعنة في سامراء، و مع قدرة بني العباس و ابتلائه عليه السّلام و ابتلاء الشيعة بهم، كانوا يعبّرون منه عليه السّلام بغير اسمه، فبعد ذلك يظن الشخص بأنّ إبراهيم يروي عنه عليه السّلام، فعلى هذا لا إشكال في سند الرواية إلّا من حيث ما قلنا من كون عمر بن علي مجهولا، و مما مر من سند الرواية يظهر لك أنّ ما في الوسائل في مقام ذكر سند هذه الرواية (محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمرو بن محمد الهمداني) غير صحيح، لما قلنا من

أنّ سند الرواية على ما في التهذيب هو (عمر بن علي عن عمر بن يزيد) أو على ما قلنا من التوجيه (عمر بن علي بن عمر بن يزيد) يكون في الطريق، فافهم. «1»

الرواية الثالثة:

ما رواها الشيخ رحمه اللّه عن رجل عن أيوب بن نوح عن الحسن بن علي الوشاء (قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره الصّلاة في وبر كل شي ء

______________________________

(1)- لا يخفى أنّ إشكاله قدس سره الشريف بما في التهذيب و الوسائل مربوط بقبل تصحيحها، و الآن كلاهما مصححة كما احتمله قدس سره الشريف، فارجع جامع أحاديث الشيعة جلد 4 ص 297 ح 10.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 48

لا يؤكل لحمه.) «1»

و في سندها إشكال من حيث إنّ الشّيخ رحمه اللّه روى عن رجل عن أيوب بن نوح، و لا يعلم من هذا الرجل مضافا إلى أنّ الحسن بن علي الوشاء لم يرو الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، بل يقول كان أبو عبد اللّه عليه السّلام، و ظاهره عدمه سماعة منه عليه السّلام فهو يخبر عن فعله عليه السّلام.

الرواية الرابعة:

ما رواها الصّدوق في العلل عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد اللّه عن محمد بن إسماعيل باسناد يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تجوز الصّلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأنّ أكثرها مسوخ.) «2»

و هذه الرواية مرفوعة، لأنّ محمد بن إسماعيل باسناده يرفع إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، و تدلّ الرواية على بطلان الصّلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، و علل فيها عدم الجواز بكون أكثر ما لا يؤكل لحمه من المسوخ.

هذا كلّه في ذكر روايات الدالة على عدم الجواز في ما لا يؤكل لحمه بنحو العموم، لأنّ في كلها نفي جواز الصّلاة في مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات، و في المقام بعض روايات اخر تدلّ على عدم الجواز

في خصوص بعض أفراد من الحيوانات الّتي كانت غير مأكول اللحم.

منها ما ورد في عدم جواز الصّلاة في جلود السباع فارجع إلى الباب 5 و 6 من أبواب لباس المصلّي من الوسائل، فإنّ فيهما ما يدلّ على ذلك، مثل الرواية 3 من

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 49

الباب 5، و رواية 1 و 4 من الباب 6.

و منها ما ورد من النهي عن الصّلاة في جلود الثعالب مثل الرواية 6 من الباب 7 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

[تفريعات المسألة]
اشارة

و على كل حال أصل المسألة في الجملة مسلم، و لا إشكال فيه، و انّما الكلام في بعض تفريعات المسألة، فلا بدّ من التعرض لها إن شاء اللّه، فنقول:

الفرع الأول [هل الحكم مخصوص بما اذا كان ما لا يؤكل لباسا او لا]

: هل يكون عدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه مخصوصا بما يكون لباسا، أو يعمّ لما إذا لم يكن لباسا، بل يكون أجزاء ما لا يؤكل لحمه ملصقا بثياب المصلي، أو يعمّ لما إذا كان مع المصلي و إن لم يكن ملصقا بثوب من ثيابه حال الصّلاة، بل كان محمولا له حال الصّلاة؟

ينسب إلى المشهور عدم اختصاص الحكم بخصوص ما إذا كان لباسا، بل عموم المنع للباس و غيره، و حكي عن الشهيدين و بعض اخر منهم صاحب المدارك رحمه اللّه القطع باختصاص المنع بالملابس.

و منشأ الاشكال في المسألة هو أن ظاهر الروايات النهي عن الصّلاة في غير المأكول بتعبير (في) كما ترى أن في موثقة أبي بكير قال عليه السّلام في مقام نقل إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جملة كلامه (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصّلاة الخ) و قال عليه السّلام في ذيله (يا زرارة فإن كان يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد، ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه.

و لا يصدق كون الصّلاة في وبره و شعره الّا إذا كان لباسا، لأنّه إذا

كان الوبر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 50

أو الشعر أو الجلد من غير المأكول لباسا يصدق ظرفا، و يقال: إنّه صلّى في جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره، و أمّا إذا لم يكن لباسا فلا يصدق كون الصّلاة فيه، لأنّ (في) تفيد الظرفية، و لا تصدق الظرفية إلا في خصوص ما إذا كان لباسا.

قد يقال في جواب هذا الاشكال و عدم اختصاص المنع بخصوص ما إذا كان اللباس ممّا لا يؤكل لحمه: بأنّ في الرواية الثانية المتقدمة، و هي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني مع فرض السائل سقوط الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه على ثوبه، و ظاهر ذلك عدم كون الوبر و الشعر لباسا له كتب عليه السّلام في جوابه (لا تجوز الصّلاة فيه) فتدل الرواية على عدم اختصاص المنع بكون ما لا يؤكل لباسا للمصلي.

و لكن أوّلا دلالة الرواية على ما إذا كان الوبر و الشعر واقعا على اللباس و واقعا عليه ظاهر، و أمّا شموله لما إذا كان محمولا فمشكل، و ثانيا بأنّ الاشكال كما قدمنا في حجية الرواية لما قلنا من الاشكال في سندها.

إذا عرفت منشأ الاشكال نقول: بأنّ اختصاص المنع بخصوص الملابس ممّا لا وجه له لصراحة موثقة ابن بكير المتقدمة على خلافه، حيث إنّ في هذه الموثقة عدّ بعض أمور ممّا لا يؤكل لحمه ممّا لا يمكن جعل اللباس منه أصلا، و عطف على قوله (في وبره) في الفقرة الاولى و هو البول و الروث لقوله (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد الخ) و في الفقرة الثانية عطف الألبان، فإنّه عليه السّلام قال (فان كان

ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز الخ) فيكون المراد من الفقرتين باعتبار و او العطف عدم جواز الصلاة في وبره و في شعره و في بوله و في روثه في الفقرة الاولى، و جواز الصّلاة في وبر ما يؤكل لحمه و في بوله و في شعره و في روثه و في ألبانه في الفقرة الثانية، فمن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 51

المسلّم أنّ ظاهر الرواية عدم جواز الصّلاة في بول ما لا يؤكل لحمه، و في روثه و في ألبانه و الحال أنّه لا يمكن حمل (في) فى هذه الامور على الظرفية، لأنّ هذه الامور ليست ظرفا للصّلاة، و لا يصدق عرفا أنّ الصّلاة فيها.

فمن هنا نكشف أنّه لا بد لنا من التصرف في معنى (في) و عدم إمكان اختصاص المنع بخصوص الملابس بقرينة (في) لأنّه منع في الرواية من الصّلاة في بول ما لا يؤكل لحمه و في روثه، و الحال انّه لا يمكن جعل اللباس منهما أصلا، بل ليس البول و الروث و اللبن جزء للحيوان فعلا، لأنّها حصلت من المشروبات و المأكولات الّتي شربها و أكلها الحيوان، و لم تصر جزء له، بل كانت قابلة لصيرورتها جزء له، و لكن بعد صيرورتها بولا و روثا و لبنا لم تصر جزء له.

فعلى هذا نقول: نفهم من المنع من هذه الامور، و إطلاق عدم جواز فيها، كما يستفاد من حرف العطف، بأنّ لفظ (في) ليست قرينة على كون الممنوع خصوص الملابس، بل يعمّ غيرها، غاية الامر لا بدّ من حمل (في) الوارد في الرواية الداخلة على الوبر و أخواته على محمل

و معنى اخر، لعدم إمكان حملها على الظرفية على ما استشكل، لعدم الصدق عند العرف على كون الوبر الواقع على اللباس أو البول المطروح عليه، أو الروث أو اللبن أو إذا كانت محمولا للشخص في الصّلاة أنّها ظرف للصّلاة.

[ذكر كلام الوحيد البهبهاني]

و إذا بلغ الامر هنا نقول: ينسب إلى الوحيد البهبهانى رحمه اللّه أنّه قال: بان لفظ (في) الداخل على المذكورات في رواية ابن بكير يكون بمعنى المعية، و على هذا لا يبقى إشكال، لأنّ صرف كون هذه الامور مع الشخص في الصّلاة، كاف في فساد الصّلاة و النهي في الرواية عن كون هذه الامور مع المصلي حال الصّلاة، ثمّ قال: و لا مجال

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 52

لأنّ يقال: إنّه يمكن في المقام الاضمار، و إبقاء (في) في معناها الحقيقي، بأن يقال: يكون المراد من قوله مثلا فالصّلاة في وبره و شعره الخ الصّلاة في ثوب يكون فيه وبره أو شعره الخ و بعد إضمار الثوب يمكن حفظ الظرفية في لفظ (في) لصدق الظرفية في اللباس، فيقال: صلّى أو يصلّي مثلا في ثوب الكذائي، لأنه قد ثبت في الاصول في تعارض الاحوال بأنّه إذا دار الأمر بين المجاز و الإضمار، فالمجاز مقدم، ففي المقام بعد عدم إمكان حمل حفظ (في) على ظاهره، فيدور الامر بين حمله على المعية مجازا، و بين الاضمار أعنى: إضمار الثوب، و الأوّل أولى.

و اعلم أنّ هنا احتمالا اخر و هو أن يقال: إنا نرى بأنّ العرف كما يصحون إطلاق لفظ (في) في المكان مثلا يقولون زيد في المكان الكذائي باعتبار كون هذا المكان ظرف وقوفه فيه، كذلك يطلقون لفظ (في) فى معناها الحقيقى أعنى: الظرفية إذا كان الشخص لابسا لثوب،

فيقولون هو في الثوب الكذائي، مثلا في ردائه أو في قميصه، و الوجه في هذا الحمل و إطلاقهم بعد المراجعة إلى فهم العرفي، هو أن كل شي ء يكون فيه جهة إحاطة بشي ء اخر و يكون محيطا به، يقال بالمحاط: بأنّه فيه باعتبار إحاطة ما أحاطه به له، و حيث إنّ الشخص مستور في لباسه و اللباس محيط به، فيقال: بأنّه فيه أو أنّ صلاته فيه، أو ركب مثلا في ثوب كذا، أو صلّى في ثوب كذا باعتبار جهة الاحاطة الّتي لهذا الثوب بالشخص.

فإذا كان ميزان إطلاقهم لفظة (في) في مثل هذه الموارد بهذا الاعتبار، يقال:

بأنّ كلّ ما يكون على اللباس من الوبر و الشعر، فهو أيضا محيط بالشخص.

لا تقل: إن شعرة أو وبرة ليست لها إحاطة، لأنّه يقال: إنها أيضا محيطة غاية الأمر إحاطتها أقل بالنسبة إلى ما تكون إحاطته اكثر من ذلك، و لكن في كلها

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 53

يصدق أنها محيط بالشخص.

فعلى هذا يمكن إبقاء (في) في الظرفية، و مع ذلك يقال بعدم اختصاص المنع بالملابس بهذا الوجه.

و لكن هذا الوجه غير وجيه، لأنّ الالتزام بكون الاحاطة صادقة حتى فيما سقط شعرة واحدة أو وبر واحد على الثوب، أو في ما وقع على ثوب المصلي قطرة واحدة من بول ما لا يؤكل لحمه، أو ذرة من روثه، أو من لبنه، مشكل لعدم احاطة للرطوبة على الشخص حتّى تصدق الظرفية، فالأنسب بعد عدم إمكان حمل (في) على الظرفية هو حملها على المعية، و يكون المراد على هذا فساد الصّلاة إذا كان معه أجزاء ما لا يؤكل لحمه و نتيجة ذلك هو مانعية أجزاء ما لا يؤكل لحمه، سواء كان الجزء لباسا حال

الصّلاة، أو واقعا على اللباس، أو كان محمولا حال الصّلاة، مثل أن يكون في جيبيه حال الصّلاة، فافهم.

الفرع الثاني [الانسان خارج حكما من غير المأكول اللحم]
اشارة

: يعدّ من أفراد حيوانات غير مأكول اللحم الانسان لعدم حلية أكل لحمه، فيقع الكلام في فساد الصّلاة مع أجزاء الانسان كشعره و ريقه و غير ذلك، و الكلام فيه تارة يقع في ما إذا يكون شخص المصلّي حال الصّلاة مصاحبا لبعض أجزاء نفسه، مثل أن سقط شعر من رأسه على ثوبه أو ريقه على ثوبه، و تارة في ما إذا كان إنسان اخر مصاحبا لبعض أجزاء إنسان اخر مثل ما سقط شعر شخص اخر على ثوبه، فيقع الكلام في صحة صلاته معه، و منشأ فساد الصّلاة ليس إلّا توهم شمول إطلاقات أخبار الدالة على المنع في أجزاء غير المأكول له، لأنّه من أفراد غير مأكول اللحم من الحيوانات.

[في الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في شعر الانسان و أظفاره]

وجه عدم فساد الصّلاة في أجزاء الانسان على ما قد يقال هو ما رواها محمد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 54

بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن الريان بن الصلت (أنه سئل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره ثم، يقوم إلى الصّلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال: لا بأس «1»

ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن الريان (قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: هل تجوز الصّلاة في ثوب يكون فيه شعر الانسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع: يجوز.) «2»

فالرواية الاولى تدلّ على جواز الصّلاة الانسان في شعر نفسه و أظفاره، و الثانية على جواز الصّلاة في شعر غير نفسه، فيجوز صلاة الشخص و إن كان معه بعض أجزاء غيره من اجزاء الانسان.

و لكن يحتمل كون الروايتين رواية واحدة، لأنّ سند كل منهما تنتهي

إلى شخص واحد، و هو علي بن الريان، و وقع الاختلاف في المتن من قبل بعض الناقلين منه، فقدر المسلم من الروايتين جواز صلاة الشخص في أجزاء المأخوذة من نفسه، مثل شعره و أظفاره، فلا تصير الرواية دليلا لجواز الصّلاة في الشعر و الظفر من غير نفسه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 18 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- أقول: كما قلت بجنابه مدّ ظلّه لا مانع من كونهما روايتين و إن كان الراوي واحدا و أنّ علي بن الريان سئل تارة عن حكم أجزاء نفس الشخص في الصّلاة، و تارة عن أجزاء غير نفسه، كما أنّ كون أحد الروايتين مكاتبة، و الآخر منه بلفظة (سئل) الظاهر في كون سؤاله شفاها لا مكاتبة، مؤيدا لكون كل من الروايتين رواية مستقلة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 55

و على كل حال إن قلنا بكونهما روايتين فتدلان على جواز الصّلاة في أجزاء الانسان، و إن لم يكن كل منها رواية مستقلة، فنقول: إنّه بعد كون المتعارف كون الشخص غالبا مصاحبا لبعض أجزاء نفسه، مثل شعره أو ريقه أو غير ذلك، فكذلك مصاحبا لبعض فضلات غير نفسه، مثل الامهات لأنّهنّ لكثرة ابتلائهم بالأطفال الرضيع لم يكن خالية عن بعض فضلاتهم، بل و كذلك في الزوج و الزوجة فإنّهما أيضا كثيرا ما مبتليان ببعض فضلات الآخر، مضافا إلى أنّ الانسان ليس بمثابة ساير أفراد الحيوانات حتّى يدعي شمول كل الإطلاقات الواردة في طرو حكم للحيوان له، فيمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة عنه.

فلنا في المقام مع قطع النظر عن رواية علي بن الريان، السيرة على عدم الاحتزاز حال الصّلاة عن

فضلات الانسان، مثل شعره و ظفره، و انصراف إطلاقات الواردة في الباب عنه، و عدم شهرة على عدم الجواز الّتي هي من أدلة المسألة إن لم تكن الشهرة على الجواز، فعلى هذا الأقوى جواز الصّلاة في أجزاء الانسان، و عدم كون أجزائه محكوما بحكم غير المأكول اللحم من الحيوانات.

الفرع الثالث:
اشارة

هل المنع من الصّلاة في غير المأكول مخصوص بما تتمّ الصّلاة فيه من الملابس أو يعمّ ذلك و ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا؟ منشأ توهّم جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من غير المأكول:

أوّلا: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده فلا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 56

و الخف، و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه.) «1»

تدلّ الرواية على أنّ كل ما لا تتمّ الصّلاة فيه يجوز فيه الصّلاة، و عمومه يشمل لأجزاء غير المأكول إذا كانت بحيث لا تتمّ الصّلاة فيها، و في ذيل الرواية و إن مثّل بالتكة الإبريسم، و لكن هذا لا يصير سببا لانحصار الجواز بما لا تتمّ الصّلاة فيه من الابريسم، لكون ذلك من باب المثال، كما صرح في الرواية أولا، و لكون الخف مذكورا فيها هو يصنع من الجلود ثانيا، فلا انحصار لخصوص الإبريسم إذا لا تتمّ فيه الصّلاة، بل يعم غيره و منه غير المأكول.

[الرواية لا يمكن العمل بها لضعف سندها بأحمد بن هلال]

و لكن لا يمكن الأخذ بالرواية لضعف سندها بأحمد بن هلال، لعدم توثيقه في الرجال مضافا إلى أنّه هو الّذي ورد التوقيع من ناحية علي بن محمد النقي عليه السّلام بذمه بقوله (احذروا الصوفي المتصنع أحمد «2» بن هلال).

و ثانيا: ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله: هل يصلّي في قلنسوة عليها

وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الارانب؟ فكتب: لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصّلاة فيه). «3»

تدلّ الرواية على جواز الصّلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان ذكيّا و الاستشهاد عليها بأن يقال: إنّه بعد عدم القول بالفصل بين المذكّى و غير المذكّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة، فمن قال بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الاحتجاج ج 2 ص 29.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 57

فلا يفرق بين كونه مذكّى أو غير مذكّى، و كذا من قال بعدم الجواز لا يفرق بين المذكى منه و غير المذكّى منه، فبعد دلالة الرواية على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة إن كان ذكيّا نفهم الجواز في غير المذكّى من غير المأكول ممّا لا تتمّ فيه لعدم القول بالفصل.

[في ذكر مدرك فتوى الشيخ رحمه اللّه]

و يحتمل أن يكون نظر الشّيخ رحمه اللّه كما نقل من محكى المختلف «1» كما نقل عن المبسوط «2» بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول، و وجه فتواه رحمه اللّه هاتان الروايتان، و على هذا لا يرد عليه أنّ كلامه قياس بتوهم أنّ قوله المنقول منه بأنّه قد ثبت للتكة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصّلاة فيهما و ان كانا نجسين، أو من حرير محض، فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها انتهي- يكون قياسا، لأنّه قال: كما تجوز الصّلاة في غير ما

تتمّ فيه الصّلاة إذا كان نجسا أو من حرير محض، فكذلك إذا كان من غير المأكول.

وجه عدم ورود الايراد عليه أن يقال: يحتمل أن يكون مدرك فتواه الروايتين المتقدمتين- أعنى: رواية الحلبى و رواية عبد الجبار- فإن كان ملاك كلامه هذا، فلا يرد عليه بأنك قست، و ليس في مذهبنا القياس.

و أمّا ما قال الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه في مصباح الفقيه «3» في مقام رفع هذا الاشكال عن الشّيخ رحمه اللّه- بأن مرجع كلام الشّيخ رحمه اللّه إلى ادعاء استكشاف مراد الشارع في خصوص المورد من الاستقراء في النواهي الشرعية المطلقة الواردة في

______________________________

(1)- مختلف الشيعة ج 2 ص 80.

(2)- مبسوط ج 1 ص 82.

(3)- مصباح الفقيه، ج 10، ص 235.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 58

الحرير، و أبواب النجاسات على كثرتها، حيث علم في تلك الموارد بقرينة منفصلة أنّ مراده بما يصلّي فيه ما عدى مثل التكة و أشباهها، فيكشف ذلك عن كون ذلك متعارفا في محاوراته- فليس في محله، و لا يرفع به الاشكال عن كلام الشّيخ رحمه اللّه لعدم تصحيح كلامه بذلك، حيث إنّ صرف جواز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه من النجاسات أو الحرير لا يكفي في الاستقراء و استكشاف كون ما هو المحكوم بحكم من قبل الشارع من الألبسة هو خصوص ما تتمّ الصّلاة فيه واحده، هذا.

و على كل حال ما يمكن أن يكون وجها لجواز الصّلاة في غير المأكول إذا كان مما لا تتمّ الصّلاة فيه الروايتان المتقدمتان، و في قبال ذلك ما يدلّ على عدم جواز الصّلاة حتّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من غير المأكول.

[في دلالة رواية ابن بكير على عدم جواز الصّلاة فيما لا تتم فيه الصّلاة ممّا لا يؤكل لحمه]

و هو أوّلا موثقة ابن بكير المتقدمة فهي

لاشتمالها على ما لا يمكن جعل اللباس منه كالبول و الروث، قلنا: بلابدية حمل الرواية على عدم جواز معية ما لا يؤكل لحمه مع المصلّي، فالرواية نص في عدم جواز معية الصّلاة مع ما لا يؤكل لحمه، سواء كان لباسا أو غير لباس، و سواء كان ممّا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا أو ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا.

و ثانيا ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن علي بن مهزيار (قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصّلاة في وبر الارانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب عليه السّلام: لا تجوز الصّلاة فيها، و نقل أيضا باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن بنان بن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن أحمد بن إسحاق الابهري قال؟ كتب إليه، و ذكر مثله.) «1»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 59

و هذه الرواية صريحة في عدم جواز الصّلاة في مثل الجوارب و التكك من وبر الأرانب، و الحال انهما ممّا لا تتمّ فيهما الصّلاة مستقلا.

[الحقّ عدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه مطلقا]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الحق عدم جواز الصّلاة في غير المأكول و إن كان مما لا تتمّ فيه الصّلاة مستقلا لصراحة رواية علي بن مهزيار و موثقة ابن بكير على عدم الجواز.

و لا تصلح روايتان المتقدمتان أعنى: رواية الحلبي و رواية محمد بن عبد الجبار- للمعارضة معهما.

أمّا أوّلا، فلأنّ رواية الحلبى في ذاتها ليس فيه مقتضى الحجية، لأنّ الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال، لعدم تصريح بوثاقته من أهل الرجال، مضافا إلى ورود التوقيع من ناحية علي بن محمد النقي عليه

السّلام بذمه، و هو قوله عليه السّلام (احذروا الصوفي المتصنع أحمد بن هلال) و لما في رواية عبد الجبار من الاشكال، لدلالتها على جواز الصّلاة في غير المأكول إن كان ذكيا.

و ثانيا مع قطع النظر عن ذلك يكون التعارض بين رواية الحلبى و محمد بن عبد الجبار، و بين موثقة ابن بكير و رواية علي بن مهزيار بالتباين، لا بالإطلاق و التقييد، لأنّ مفاد رواية الحلبي و بن عبد الجبار على تقدير الغمض عن الاشكال فيهما يكون ظاهرا في الجواز، و رواية ابن بكير بعد ما قلنا في بيان مفاده أيضا ظاهر، بل صريح في عدم الجواز حتّى في ما لا تتمّ فيه الصّلاة، لا أن يكون شمولها لما لا تتمّ فيه الصّلاة بالإطلاق، حتّى يمكن أن يقال بتقييدها بالروايتين، و رواية علي بن مهزيار أيضا نص في عدم الجواز.

[المرجح لرواية ابن بكير]

فعلى هذا يكون التعارض بين الطائفتين بالتباين، فلا يمكن الجمع الدلالى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 60

بينهما، و يقع بينهما التعارض، فمقتضى القاعدة هو ترجيح أحد الطائفتين إن كانت لها ترجيح، و في المقام يكون الترجيح للطائفة الثانية- أعنى: لموثقة ابن بكير و رواية علي بن مهزيار- فعلى هذا الحقّ هو عدم جواز الصّلاة حتّى في ما لا تتمّ فيه من غير المأكول.

الفرع الرابع: [لا فرق فى الحيوان الغير المأكول]

: هل يكون في غير المأكول الّذي تكون الصّلاة فيه فاسدة خصوصية من حيث أنواع الحيوانات أولا؟

و من جملة هذه الخصوصيات خصوصية كون الغير المأكول الّذي نهي عن الصّلاة فيه ذي النفس السائلة، فيقع الكلام في انّه هل يعتبر كونه من خصوص ذي النفس من غير المأكول أو يعم ذي النفس و غيره؟

و كذلك هل يعتبر أن يكون ممّا له اللحم أولا؟

و كذلك هل يعتبر أن يكون هذا الحيوان الغير المأكول ممّا يقبل التذكية، أو لا فرق بين ما يقبل التذكية و ما لا يقبلها؟

منشأ دخالة بعض الخصوصيات في مانعية غير المأكول و فساد الصّلاة فيه هو توهّم دلالة موثقة ابن بكير على اعتبار بعض الخصوصيات، لأنّه قال فيها (إن الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه الخ) فيستفاد من هذه الفقرة أنّ موضوع الكلام في غير مأكول اللحم، هو كل حيوان يكون فيه الوبر و الشعر و الجلد الخ بمناسبة قوله (فالصّلاة في وبره و شعره و جلده الخ) فهذه الفقرة تدلّ على أنّ موضوع كلامه عليه السّلام في غير المأكول هو بعض الأفراد منه الذي يكون فيه هذه الخصوصيات.

فإن قلنا: بدلالة هذه الفقرة أو إشعارها على ذلك، فلازمه اختصاص

المنع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 61

بخصوص ما لا يؤكل من الحيوان إذا كان له الوبر و الشعر الخ، فما لم يكن فيه من الخصوصيات، فلا يمنع من الصّلاة فيه.

و كذلك بعد قوله في الموثقة (فاحفظ ذلك يا زرارة و إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة الخ) يقال باعتبار كون المنع عن خصوص ما يكون له اللحم لقوله (و إن كان ممّا يؤكل لحمه) ففي قباله، و هو ما يمنع من الصّلاة فيه هو ما لا يؤكل لحمه، فتدلّ الرواية على دخالة كون اللحم له، فعلى هذا إن كان حيوان لم يكن له اللحم أصلا، فغير داخل في الحكم.

و كذلك بعد قوله في الموثقة (إذا علمت انّه ذكىّ قد ذكّاه الذبح و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه) فهذه الفقرة مشعرة على ان الموضوع هو الحيوان الّذي قابل للتذكية، فكل حيوان لم يكن قابلا للتذكية، فهو خارج عن الحكم.

و لكن لا وجه لاختصاص الحكم بهذه الخصوصيات، و دعوى عدم شمول المنع لما لم يكن فيه هذه الخصوصيات أمّا أوّلا فلأنّ قوله (فالصّلاة في وبره و شعره الخ) ليس معناه اختصاص المنع بكل حيوان يكون فيه الوبر و الشعر و غيره، لأنّ الظاهر كون الميزان هو كون الحيوان غير المأكول، كما ينادى بذلك الفقرة الّتي نقل عليه السّلام عن إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّ اعتبار دخالة كون اللحم للحيوان أيضا غير صحيح، لأنّا نرى الجراد ليس له اللحم و لكن يكون من الحيوانات المأكول، فمقابل المأكول- أعنى: غير المأكول- يكون

مثله، فلا يلزم هذا الشرط أيضا.

و هكذا لا يعتبر كون الحيوان ممّا يقبل التذكية و قوله (انّه ذكّى قد ذكّاه الذبح) أو قوله (ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه) يمكن أن يكون لأجل دفع توهّم أنّ منشأ المنع ليس

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 62

كون الحيوان مذكّى أو غير مذكّى، بل صرف كون الحيوان مأكول اللحم أو عدمه يكفى لا لبيان ذكر كون المنع مخصوصا بما يقبل التذكية، و إلّا فيقال لخصوصية ذكر الذبح: باعتبار كونه ممّا يقبل الذبح، و الحال أنّ ذلك غير ممكن الالتزام، كما أنّ خصوصية كون الحيوان ممّا يكون له نفس سائلة، و كون المنع منحصرا بهذه الصورة، مما لا وجه له، لأنّه على ما عرفت من عدم دخالة كون الحيوان ممّا يقبل التذكية، يظهر لك عدم اعتبار كون الحيوان ذى النفس.

نعم، في بعض أفراد الحيوانات يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الدالة على المنع منها، بل السيرة على عدم الاجتناب عنه في الصّلاة لعدم خلو نوع الناس منه كالقمل و البراغيث و البق، بل يمكن أن يكون من هذا القبيل في كون الأدلة منصرفة عنه النحل، فلا يجب الاجتناب عن فضلاته في الصّلاة، و عدم كون المنع من غير المأكول من الحيوان في الصّلاة شاملا له.

الفرع الخامس [استثناء بعض الحيوانات من عموم المنع مثل الخز]
اشارة

: في ما استثنى من عموم ما دلّ على المنع عن الصّلاة في غير المأكول، و الكلام فيه يقع في طي أمور:

الامر الأول:
اشارة

ممّا قيل باستثنائه عن عموم المنع الخزّ، و جواز الصّلاة في وبر الخزّ مسلّم لم ينقل الخلاف فيه، و أمّا في جلده ففيه قولان و ادعى الشهرة على جواز الصّلاة في جلده كوبره أيضا، و الكلام في المقام تارة يقع في موضوع الخز لغة، و تارة فيما يستفاد من روايات الباب في موضوعه و حكمه.

[المقام الأول: في ذكر قول اللغويين فى الخز]

أمّا الكلام في المقام الأول، و المهم هذا، فننقل كلام اللغويّين حتّى يظهر لك اختلافهم في موضوعه.

فنقول: قال في لسان العرب في المجلد 7 في ص 211: الخز ولد الأرنب،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 63

و قيل: هو الذكر من الأرانب، و الجمع أخزّة و خزّان، و أرض مخزّه كثيرة الخزّان، و الخزّ معروف من الثياب مشتق منه، عربي صحيح، و هو من الجواهر الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت بسرج خز، و الجمع الخزوز، و منه قول بعضهم: فإذا أعرابي يرفل في الخزوز، و بايعه خزّاز و في حديث علي عليه السّلام نهي عن ركوب الخزّ و الجلوس عليه.

قال ابن الأثير: الخز المعروف أوّلا ثياب تنسج من صوف و أبريسم و هي مباحة، قال: و قد لبسته الصحابة و التابعون، فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم و زيّ المترفين، قال و إن اريد بالخز النوع الآخر، و هو المعروف الآن، فهو حرام لأنه كلّه معمول من الإبريسم، قال: و عليه يحمل الحديث الآخر: قوم يستحلون الخز و الحرير.

و يظهر من كلامه أنّ الخز و هو نوع من الثياب مشتق من الخزز يعني ولد الأرانب، و يظهر من كلام ابن اثير، على ما حكى عنه في طي كلامه، بأنّ المعروف أوّلا الخز هو ثياب تنسج من صوف و أبريسم، و في زمانه

هو كلّه معمول من الإبريسم.

و قال في ترجمة القاموس ص 408 خزاز جامه ها بفتح أول معروف است و جمع ان خزوز و بر وزن سرور مى آيد، مترجم گويد: كه خز جانورى است مانند سمور كه از پوست ان پوستين و غير ان ساخته ميشود، و ممكن است مراد از جامه خز همين باشد، يا آنكه از موى ان جامه مى بافند، يا آنكه خز جامۀ ابريشمين را مى گويند، و خز زبر وزن صرد نر خر گوشت ها است، و جمع ان خزّان و أخزه مى آيد، و جاى خرگوشها مخزّه بفتح ميم است، و از اين اشتقاق شده خز، و ان حيوانى شبيه به نر خرگوش است و از پوست ان پوستين ميسازند كه مذكور شد.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 64

و قال في المنجد في طى معانى الخز- الخز الحرير، و ما نسج من صوف و حرير جمع خزوز و الخزز ذكر الأرانب جمع خزّان و أخزّة، و الخزاز بايع الخزّ.

و قال في صراح: خز معروف و خار بر سر ديوار نهادن و به نيزه و تير دوختن خزز با لضم خرگوش نر جمع خزان مثل صرد و صردان.

و قال في منتهي الارب ص 214 من المجلد الأول: خز بالفتح جانورى است و جامه از پشم ان، جمع خزوز خزز كصرد خرگوش نر، جمع خزان و أخزه قال فى مجمع البحرين، ص 297 خزز تكرر فى الحديث ذكر الخز هو بتشديد الزاء دابة من دواب الماء تمشى على أربع تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر لها و بر يعمل منه الثياب.

فترى أن الظاهر من كلماتهم هو أن الخز إما اسم لثوب تنسج من صوف و

أبريسم، أو يعمل من أبريسم، أو هو حيوان كما يظهر من كلام منتهي الارب المتقدم ذكره و مجمع البحرين، و على كل حال إمّا هو اسم لحيوان يؤخذ منه بعض الثياب، و إما اسم لنفس الثياب المتخذ من صوف و أبريسم، أو هو نفس الحرير، و ليس في كلامهم ما يدل على كون معناه صوف حيوان بحري إلّا ما في كلام المصباح، فهو قال: الخز اسم دابة. قال ابن فرشته في شرح المجمع: الخز صوف غنم البحر، ثمّ اطلق على الثوب المتنخذ من وبرها، و الجمع خزوز مثل فلس و فلوس، و الخزز الذكر من الأرانب، و الجمع خزّان مثل صرد و صردان، هذا كلام أهل اللغة في معنى الخز.

[المقام الثاني: في ما يستفاد من الأخبار في الخز]
اشارة

أمّا الكلام في المقام الثاني، أعنى: في ما يستفاد من الروايات، فنقول بعونه تعالى: أمّا في طرق العامة فلا يوجد رواية متعرضة لحال الصّلاة في الخز، لعدم وجود قائل لهذا الحكم بهذا النحو بينهم إلا ما يرى من بعض الروايات المتعرضة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 65

للنهي عن ركوب الخز و الجلوس عليه، أو في مقام ذم قوم بأنّهم (قوم يستحلون الخز و الحرير) كما ترى في ذيل كلام لسان العرب و ابن الاثير.

و أمّا في طرقنا فنقول: إنّه كما فعل صاحب الوسائل رحمه اللّه في كتاب الصّلاة من الوسائل في أبواب لباس المصلي و انعقد للروايات المتعرضة للخزّ ثلاثة أبواب، و ذكر في باب ما تعرض لحال الصّلاة في الخزّ، و في باب ما ورد في الصّلاة المغشوش بوبر الأرانب، و في باب ما ورد في لبسه، يكون فعله حسنا، لأنّ بعض الروايات متعرضة للصّلاة في الخز، و بعضها عن الصّلاة في ما غش

منه بوبر الأرانب، و بعضها للبسه، و إن ترى بعض الروايات المتعرضة لأكل لحمه المنقول في طي أبواب الصيد و الذباحة، فلا نعمل بها، و نتعرض في طي كلماتنا له.

فعلى هذا نقول: أمّا الروايات الّتي ذكرها صاحب الوسائل في الباب 10 من أبواب لباس المصلي، فليس فيها ما كان فيه تصريح لحال الصّلاة إلا روايتان:

الرواية الاولى:

ما رواها محمد بن عبد اللّه الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنّه كتب إليه روي لنا عن صاحب العسكر عليه السّلام أنّه سئل عن الصّلاة فى الخزّ الّذي يغشّ بوبر الارانب فوقع يجوز و روى عنه أيضا أنّه لا يجوز فبأي الخبرين نعمل فأجاب عليه السّلام (إنّما حرم في هذه الأوبار و الجلود، فأما الأوبار واحدها فكل حلال). «1»

و هذه الرواية غير معمول بها.

الرواية الثانية:

ما رواها الحلبى (قال: سألته عن لبس الخزّ، فقال: لا بأس به، إنّ علي بن الحسين عليه السّلام كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه و تصدق بثمنه، و كان يقول: إني لأستحيي من ربي أن اكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 66

فيه) «1» بناء على أنّ قوله (إني لأستحيي من ربي ان اكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه) يدلّ على أنّه صلّى فيه، لأنّ من عباداته الصّلاة، فعلى هذا كانت الرواية دليلا على جواز الصّلاة في الخزّ و إن لم يكن فيها تصريح بلفظ الصّلاة.

و أمّا لو قيل: بأنّ الرواية لا تدلّ إلّا على أنّ علي بن الحسين عليه السّلام عبد اللّه في كساء الخزّ، و العبادة أعم من الصّلاة، فيمكن أن لبسه عليه السّلام و عبد اللّه فيه عبادة غير الصّلاة فعلى هذا تدلّ الرواية على جواز لبس الخز، و على تقدير دلالتها على جواز الصّلاة فيه، فلا تدلّ على جواز الصّلاة في جلده، بل قدر المتيقن هو جواز الصّلاة في وبر الخزّ، خصوصا مع كون ما لبسه عليه السّلام كساء الخز، لأنّ المناسب معه هو أن الكساء

منسوج من وبر الخز.

و أمّا ما رواها سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن جلود الخزّ؟ فقال:

هوذا «2» نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك. قال: إذا حلّ وبره حلّ جلده). «3»

فقد يتوهّم دلالتها على جواز الصّلاة في الخز، بأن يقال: إنّ الظاهر من قوله (سألته عن جلود الخز) هو كون سؤال إما عن خصوص الصّلاة في جلود الخز، لكون مورد النظر عن سؤال السائلين خصوص الصّلاة، و إمّا أن يقال: بأنّ السؤال عن جميع الجهات الراجعة في لبس الخز و منها الصّلاة، لأنّ حذف المتعلّق يفيد العموم.

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- (الظاهران كلمه (هوذا) كلمة واحدة كما ظهر بعد المراجعة، لا أن يكون كلمتين)

(3)- الرواية 14 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 67

و إن قيل: بعدم إمكان أن يقال: إنّ السؤال كان عن جميع الامور الراجعة بالخز لأجل حذف المتعلق، لأنّ لازم ذلك هو أن يقال: إنّ السؤال كان حتّى عن جواز أكل لحم الخز.

[البحث فى الخز من حيث اللبس]

يقال: بأنّ السؤال- بالنظر إلى أنّ الجهة الظاهرة منها هو لبسه- إن كان عن لبسه فيشمل حال الصّلاة، لأنّ من جملة الحالات الّتي يلبسه هو هذا الحال، فتدلّ الرواية على جواز الصّلاة في الجلد و وبر الخزّ.

و لكن لا مجال لهذا التوهّم حيث إنّ الظاهر من قوله عليه السّلام (هوذا نحن نلبس) شاهد على كون سؤال السائل من حيث جواز اللبس و عدمه، فلهذا قال (نحن نلبس) و إن كان نظره إلى جهات اخرى، أو الصّلاة كان المناسب أن يقول (نحن نصلّي فيه أو غير ذلك من الجهات الراجعة إليه) فإذا كان

السؤال من حيث اللبس، فهو سئل عن حيث اللبس فقط، و لا نظر له بالجهات الطارية له من قبيل الصّلاة فيه أو غير ذلك، لأنّ معنى كون الحكم حيثيا هذا، فلم تكن الرواية مربوطة بحال الصّلاة.

إن قلت: إنّ الظاهر من قوله عليه السّلام (إذا حل وبره حل جلده) هو كون السؤال عن حيث غير المأكولية، لأنّ الملازمة بين الحلية الوبر و بين حلية الجلد يكون في حيث غير المأكولية لأنّ في غير المأكول لا تجوز الصّلاة في وبره كجلده، و أمّا من حيث الميتة فلا ملازمة بين الوبر و الجلد، إذ يجوز لبس الوبر و الصّلاة في وبر الميتة، و الحال أنّه لا تجوز الصّلاة في جلد الميتة، و بعد كون السؤال من حيث غير المأكولية بمناسبة جواب الامام عليه السّلام، فيستفاد أنّ نظر السائل في سؤاله هو حيث مانعية جلد الخزّ و عدم مانعيته للصلاة، و لهذا بعد ما قال عليه السّلام (نحن نلبس) قال (ذلك الوبر) فأجاب: بأنّه (إذا حل وبر الخزّ حلّ جلده).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 68

نقول: يمكن أن يقال: بعد ما قلنا من كون المشتهر في صدر الأوّل عدم جواز لبس الخزّ و جعله سرجا و الركوب عليه، كما عرفت من نقل لسان العرب و ابن الأثير عند العامة، لكون ذلك زي المترفين و لباس العجم، فلا مانع من أن يكون السؤال من حيث خصوص لبسه، فعلى هذا يناسب السؤال و الجواب، فسئل السائل عن لبسه، و الشاهد جواب الامام عليه السّلام بأنا (نلبس) ثمّ بعد ما راى السائل بأن ما لبسه كان ثوبا من وبر الأرانب، و هذا لا يشمل الجلد فقال (ذاك الوبر جعلت فداك) فقال عليه السّلام

(إذا حلّ وبره حل جلّده) يعني: أنّ ما ترى من توهّم عدم لبسه كان من باب كون ذلك زى المترفين، و لكون الخزّ من الألبسة الثمنية، و كل ذلك يكون من باب وبره، لأنّ غلاء قيمته و ثمانته و أهميته يكون لأجل وبره، فإذا حل وبره و رأيت أنّي لابسه فحل جلده، لأنّ الجلد أولى بعدم الاشكال، لأنّه ليس فيه ثمانة و فخارة و أهمية مع قطع النظر عن الوبر، فالسؤال و الجواب ليس عن حيث غير المأكوليّة، و مانعيته للصلاة و عدم مانعيته أصلا. «1»

و في هذا الباب رواية اخرى لم يتعرض فيها لحال الصّلاة، و لكن نتعرض لها بعد ذلك إن شاء اللّه، و هي الرواية 1 من الباب المذكور، هذا حال الروايات الّتي نقل في الوسائل في الباب 10 من أبواب لباس المصلّي و غير ما تعرضنا لها، فكل روايات هذا الباب متعرضة للبس الخزّ، و لم تكن مربوطا بما نحن في مقامه.

______________________________

(1)- أقول: انّ في الباب المذكور رواية تعرضت لحال الصّلاة، و هي ما رواها حفص بن عمر أبي محمد من نقل فعل أبي عبد اللّه عليه السّلام من أنّه يصلّي في الروضة و عليه جبة خزّ سفر جلية) لم يتعرض لها سيدنا الاستاد مد ظله، و لعلّ وجهه هو عدم كون (الصّلاة) في الرواية في نقل اخر، و هو ما رواها علي بن يقطين قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام في الروضة و عليه جبة خز سفر جلية.

و هي الرواية 11 من الباب المذكور). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 69

و أمّا بعض الروايات الّتي ذكرها صاحب الوسائل في الباب التاسع من أبواب لباس المصلي منه متعرض لحيث ما يغش

من الخزّ بوبر الأرانب و نحوها، نعم يستفاد منها جواز الصّلاة في الخزّ الخالص، و لكن بمناسبة كون مورده هو جواز الصّلاة في الخالص من الخزّ و كونه متعرضة للمنع أو عدم المنع في ما يغش بوبر الأرانب، نفهم أن الحكم بجواز الصّلاة في الخزّ الخالص يكون في خصوص وبر الخزّ، فلا يستفاد من هذه الطائفة حال الجلد.

و أمّا الروايات المذكورة في الباب 8 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، فنقول: إنّ بعضها متعرضة لفعل بعض المعصومين عليهم السّلام و أنّهم لبسوا الخزّ أو امر بالصّلاة في الخزّ، و لكن لا يستفاد منها إلا خصوص وبر الخز، كالرواية الّتي رواها سليمان بن جعفر الجعفري أنّه (قال: رأيت الرضا عليه السّلام يصلّي في جبة خزّ). «1»

و ما رواها علي بن مهزيار (قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يصلّي الفريضة و غيرها في جبّة خزّ طاروىّ، و كساني جبّة خزّ، و ذكر أنّه لبسها على بدنه و صلّى فيها، و أمرني بالصّلاة فيها). «2»

و ما رواها زرارة (قال: خرج أبو جعفر عليه السّلام يصلّي على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر). «3»

و الرواية 6 من الباب المذكور في الوسائل بهذا النحو: و قد تقدم حديث دعبل أنّ الرضا عليه السّلام خلع عليه قميصا من خزّ و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 70

ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة.

[المستفاد من الاخبار جواز الصّلاة في وبر الخز]

و هذه الروايات

لا تدلّ إلّا على جواز الصّلاة في وبر الخز، لأنّ المتيقن من فعلهم ليس إلا هذا، و لا يمكن دعوى إطلاق لها يشمل الجلد أيضا خصوصا مع ما رأيت من أنّها كانت متعرضة لجبّة خزّ أو مطرف خز، أو قميص خز لامكان كل ذلك منسوج من وبر الخزّ خصوصا القميص، فمن البعيد كون القميص من و برّ الخز مع جلده.

[هل تشمل الروايات صورة الصّلاة فى جلد الخز او لا؟]

و بعض الروايات المذكورة في هذا الباب هو ممّا قد يتوهم دلالته على جواز الصّلاة في وبر الخز و جلده، و هي ما رواها الكلينى عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن إسحاق العلوى عن الحسن بن على عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب عن ابن أبي يعفور (قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له:

جعلت فداك، ما تقول في الصّلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصّلاة فيه. فقال له الرجل: جعلت فداك إنّه ميت و هو علاجي و أنّا أعرفه، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنّه علاجي و ليس أحد أعرف به مني، فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السّلام، ثمّ قال له: أ تقول: إنّه دابة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك، هكذا هو. فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: فإنّك تقول: إنّه دابة تمشي على أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكوته خروجه من الماء، فقال له الرجل: إي و اللّه هكذا أقول، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكوته موته، كما أحلّ

الحيتان و جعل ذكاتها موتها). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 71

فنقول أمّا سند هذه الرواية فضعيف في غاية الضعف أوّلا لأنّ عبد اللّه بن إسحاق العلوي مجهول و لم يوثق في كتب الرجال، و ثانيا إنّ الحسن بن على مجهول و مشترك، و ثالثا إنّ محمد بن سليمان الديلمي مرميّ بالغلو و الضعف، مع أنّه لم يكن كثير الرواية، و لم يكن له شيوخ معروفة و لا تلامذة معروفة كي تحصل الوثاقة في حقه بهذه الامور الّتي هي مناط في حصول الوثاقة بالراوي و رابعا إنّ قريب غريب في نقل الرواية، فإن كان القريب بالقاف فلا يرى منه رواية إلا هذه الرواية، و ليس له ذكر و لا اسم في كتب الرّجال مع ما في هذا اللفظ من الاحتمالات في ضبطه من أنّه هل القريب بالقاف أو الغين، أو بالفاء أو الغريت بإلغاء و التاء كما احتمل، فعلى هذا تكون الرواية من حيث السند في غاية الضعف، أمّا الصحيح في ابن أبي يعفور الناقل مجلس الامام عليه السّلام هو ابن أبي يعفور كما في الكافي فضبطه أبي يعفور كما يرى في الوسائل غير «1» صحيح، هذا حال الرواية من حيث سندها.

و أمّا دلالتها فهي تدلّ على جواز الصّلاة في جلد الخزّ، لأنّه و إن لم يكن في الرواية لفظ الجلد إلّا أنّ حيث يكون الظاهر من الرواية هو حيث كونه ميتة مورد إشكال السائل، فيكون النظر في السؤال و الجواب إلى الجلد، لأنّ وبر الميتة لا إشكال من حيث كونه وبر الميتة في جواز الصّلاة فيه، و ما يكون مانعا من حيث مانعية الميتة

هو الجلد، فسئل، و أجاب عليه السّلام بأنّه ممّا يقبل التذكية و ذكاته مثل ذكاة الحيتان.

و لكن الرواية تشتمل على ما لا يمكن الالتزام به بحسب ظاهره، و هو أن قوله

______________________________

(1)- هذا مربوطة بقبل طبع الوسائل بعشرين مجلدا، و إلّا فالسند في هذا الطبع كما قال قدس سره الشريف ابن أبي يعفور مصحح.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 72

(أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان) تدلّ على جواز أكل لحمه، لأنّه قال (أحلّه) إلّا أن يقال كما قيل: بأن المراد خصوص حلّ لبس جلده و وبره.

و ما رواها معمر بن خلاد (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصّلاة في الخز، فقال: صلّ فيه). «1»

و دلالة هذه الرواية على جواز الصّلاة في الخزّ واضح، لأنّ صريح الرواية هو كون السؤال عن الصّلاة في الخزّ فقال عليه السّلام (صل فيه) و هل الرواية تشمل جواز الصّلاة في الجلد أيضا كما تشمل الوبر أم لا؟

ظاهر قول السائل بأنّه (سألت عن الصّلاة في الخزّ) بدون تعرضه للجلد أو للوبر، و ترك استفصال الامام عليه السّلام و جوابه بأنّه (صلّ فيه) يدلّ على كون نظر السائل إلى الجلد و الوبر، و يجوّز عليه السّلام الصّلاة في كليهما، و الّا لكان عليه البيان، لأنّه لو كان الجائز خصوص الصّلاة في الوبر و لم يقله عليه السّلام، فقد أخلّ بالفرض، و هو ممّا لا يليق بجنابه عليه السّلام، فهذا شاهد على أن مفاد الرواية هو جواز الصّلاة في الجلد و الوبر كليهما.

[دلالة رواية عبد الرحمن على جواز لبس جلد الخز]

و مثلهما و ان كانت رواية مستقلة في إمكان دعوى دلالتها على جواز الصّلاة في الخزّ و هي ما أشرنا إليها او قلنا نتعرض لها، و هي

ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و أنا عنده عن جلود الخز، فقال: ليس بها بأس. فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادى) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس). «2»

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 73

و اعلم أنّه لا يبعد كون هذه الرواية متحدة مع الرواية ابن أبي يعفور المتقدمة بمعنى أنّ عبد الرحمن بن الحجاج و ابن أبي يعفور ينقلان واقعة واحدة، لا أن يكون مفاد الروايتين نقل قضيتين، لما ترى من اتحادهما في أساس ما نقل- أعنى: أصل القضية و سؤال الخزاز- غاية الأمر يحتمل أن رواية ابن أبي يعفور إذا بلغ محمد بن سليمان الديلمي نقلها بصورة الاعجاز و يناسب معه لكونه مرميا بالغلو، و أمّا نقل عبد الرحمن بن الحجاج لكون رواته رجالا مبرزين نقلوا جهة الفقاهتى من الرواية، و لكن بينهما اختلاف من حيث إنّ رواية ابن أبي يعفور تعرضت للصّلاة في الخزّ و رواية عبد الرحمن بن الحجاج تعرضت للسؤال عن جلود الخزّ، و لا تعرض فيها للصّلاة، و على كل حال حدسنا ينتهي إلى كون الروايتين رواية واحدة، أعنى: كل من الروايتين ينقلان واقعة واحدة من أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و أمّا دلالتها فيظهر منها كون نظر السائل السؤال عن جلود الخزّ و نفي البأس الامام عليه السّلام عنه، و أمّا جواز الصّلاة فيه فلا يستفاد

من الرواية، لأنّه على تقدير كونها عين رواية ابن أبي يعفور، فحيث إنّ سند رواية ابن يعفور ضعيف، فلا يمكن الأخذ بما هو متفرد في نقله، بل لا بدّ في الأخذ بما هو مدلول رواية عبد الرحمن، و هي لم يتعرض للصّلاة، بل يمكن كون السؤال عن جواز لبس الخزّ و عدم جوازه، و أجاب أبو عبد اللّه عليه السّلام بعدم البأس به.

و لا يمكن أن يقال: إنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، لأنّه بعد ما قال الراوي: بأن رجلا سئل عن جلود الخزّ، و لم يتعين عن أيّة جهة من جهاته عن لبسه أو الصّلاة فيه، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في مقام الجواب، فتدل الرواية على جواز كل جهاته و منها الصّلاة فيه.

لأنّه يقال: إنّ السؤال يمكن أن يكون عن لبسه، لأنّ ما يأتي بالنظر عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 74

الجهات الراجعة إلى الجلد هو لبسه، لا جهاته الاخر خصوصا، مع كون هذا الحيث، أعنى: حيث لبسه، كان مورد الكلام في صدر الأول، كما بيّنا من ورود بعض الروايات في طرق العامة، فيمكن أن يكون السؤال عن هذا الحيث.

فعلى هذا لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لصحة الصّلاة في جلد الخزّ بعد ما قلنا من كون نظر السائل بحيث اللبس، و لا أقلّ من احتماله، هذا كله حال هذه الروايات.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّ الكلام يقع في ما يستفاد من الروايات و إن بيّناها ضمنا فنقول: أمّا وبر الخز فجواز الصّلاة فيه، و استثنائه عن الحكم الصادر من الشارع بعدم جواز الصّلاة في غير المأكول، مسلم و لا يبعد كونه إجماعيا، كما يظهر من كثير من عبارات أصحابنا رضوان اللّه عليهم،

و لدلالة بعض الروايات على ذلك مثل ما ذكرنا من الروايات الناقلة من أنّ المعصومين: كانوا يلبسون جبّة الخز أو مطرف الخزّ أو قميص الخزّ و يصلّون فيه، و لا إشكال في أنّ ما لبسوه إمّا كان وبره الخالص بلا جلد كما لا يبعد ذلك أو كان مع الجلد، و على كل حال يثبت جواز الصّلاة في وبر الخزّ و مثل ما دلّ من الروايات المتقدمة على عدم جواز الصّلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب، و أمّا في الخز الخالص فلا بأس بالصّلاة فيه مثل ما رواها أيوب بن نوح رفعه (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الصّلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأمّا الّذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 75

فهذه الرواية كما ترى تدلّ على خصوص الوبر، لأنّ ما يمكن أن يغش بوبر الأرانب هو وبر الخزّ لا جلده، فالخالص المقابل للمغشوش هو الوبر، فتدلّ على جواز الصّلاة في وبر الخزّ، فجواز الصّلاة في وبره ممّا لا إشكال فيه.

[في ذكر الروايات الدالّة على عدم البأس بجلد الخز و جوابها]
اشارة

أمّا الكلام في جواز الصّلاة في جلد الخزّ و عدمه فنقول: إنّ ما يظهر من القدماء هو استثناء الخزّ الخالص من الحكم بعدم جواز الصّلاة في ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، و شموله للجلد غير معلوم، و ما يمكن أن يستدل به لجواز الصّلاة في جلد الخزّ هو بعض الروايات المتقدمة:.

أحدها: ما رواها سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام

(بأن يقال: إنّ قوله فيها (إذا حلّ وبره حلّ جلده) «1» يدلّ على الجواز في الجلد، لأنّ الملازمة بين الوبر و جلد الخزّ تثبت من هذه الرواية، فكما يحلّ أن يصلّي في وبره يحلّ في جلده، و لا وجه لأنّ يقال: إنّ السؤال من حيث الميتة، لأنّ الملازمة بين الوبر و الجلد تكون من حيث غير مأكولية اللحم، لأنّ غير المأكول كما لا يحلّ أن يصلّي في وبره لا يحلّ في جلده، و لكن مع ما أسلفنا من أنّ السؤال يكون من حيث اللبس، و الشاهد جواب الامام عليه السّلام (هوذا نحن نلبسه) فليست الرواية أصلا مربوطا بباب الصّلاة، فلا وجه للاستدلال بها على صحة الصّلاة في وبره الخزّ و لا في جلده.

ثانيها: ما رواها ابن أبي يعفور

«2»، فإنّ السؤال فيها يكون عن الصّلاة في الخزّ و من خصوصيات الواردة فيها مثل قوله (إنّه ميت) و غير ذلك يستفاد كون السؤال راجعا إلى الجلد فقط، أو إلى الجلد و وبر الخزّ، و يظهر من جواب الامام عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 76

حلية الصّلاة في جلد الخزّ.

و فيه أنّه كما قلنا تكون هذه الرواية ضعيفة في غاية الضعف، فلا يمكن العمل بها.

ثالثها: ما رواها عبد الرحمن الحجاج

، وجه الاستدلال هو أن في هذه الرواية صرح الجلد، لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال: ليس به بأس). «1»

و حيث إنّ السائل لم يعين أنّ سؤاله عن لبسه جلود الخزّ أو عن الصّلاة فيها، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في الجواب، فيستفاد جواز الصّلاة في جلده.

و فيه أنّه كما قدمنا يمكن أن يكون السؤال عن خصوص لبس جلد الخزّ لوقوع ذلك مورد الكلام في الصدر الأول، و هذا الحيث يأتى بالنظر عن الجلد، فإذا سئل عن الجلد، و قيل مثلا (ما تقول في جلود الخز) يأتى بالنظر كون السؤال عن لبسه، فمع هذا الاحتمال لا يمكن دعوى كون الظاهر من الرواية هو السؤال عن الصّلاة في جلد الخزّ في هذه الرواية، و لا يمكن الاستشهاد على استثناء جلد الخزّ.

رابعها: ما رواها معمر بن خلاد

(قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصّلاة في الخزّ فقال: صلّ فيه). «2»

و دلالة هذه الرواية على جواز الصّلاة في الخزّ ممّا لا إشكال فيه لصراحة الرواية في ذلك، و لا وجه لدعوى اختصاصها بجواز الصّلاة في وبر الخزّ، لأنّ

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 77

السؤال عن الخزّ و لم يعين السائل وبر الخزّ أو جلده، و لم يفصّل الامام عليه السّلام في الجواب بين الوبر و الجلد، فتفيد عموم الحكم من الرواية لجواز الصّلاة في الجلد و وبر الخز.

و لكن مع ذلك يكون الحكم باستثناء جلد الخزّ عن عموم الحكم بعدم جواز الصّلاة في ما

لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه مشكل، فنقول توضيحا للمطلب بعونه تعالى: بأنّه بعد ما يكون المسلم عندنا مانعية كون لباس المصلّي من أجزاء الميتة، و مانعية كونه من أجزاء حيوان الّذي لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، فكل ما يكون غير مذكّى أعنى: يكون ميتة، و كل حيوان يكون غير مأكول اللحم، لا تجوز فيه، فتارة يدعي كون منصرف الأدلة الدالة على عدم جواز الصّلاة في الميتة هو الحيوانات البرية، أو يدعى كون منصرفها هو كل حيوان يكون له نفس سائلة من باب أنّ مانعية الميتة للصّلاة ليست إلّا من باب نجاسة الميتة، و ما لا نفس له ليس نجسا أو يدعى كون منصرف الأدلة الدالة على مانعية غير المأكول من الحيوانات البرية، و لا تشمل هذه الأدلة حيوانات البحرية، أو يدعى كون الخزّ من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمه كالسمك، و تارة لم نقل بتمامية تمام هذه الدعاوي أو بعضها.

فإن قلنا بكون الخزّ مأكول اللحم و بكون منصرف أدلة مانعية الميتة هو الحيوان البرى غير مأكول اللحم، فلا إشكال في جواز الصّلاة فيه، و عدم شمول الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير المأكول لجلده و وبره أصلا، و لا حاجة إلى ورود الدليل الخاص على جواز الصّلاة فيه.

أو قلنا: بأنّ مانعيته الميتة في خصوص ما له نفس سائلة، و انصراف أدلة الدالة على مانعية غير المأكول بخصوص حيوانات البرية، فلا إشكال في صحة الصّلاة في الخزّ جلده و وبره، لأنّه خارج موضوعا عن الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 78

المأكول بناء على كون الخزّ من الحيوانات البحرية، لأنّه بعد كون الخزّ من الحيوانات البحرية،

فلا تشمل الأدلة الدالة على مانعية الميتة و غير المأكول للصّلاة، فيكون الخزّ موضوعا خارجا عن عموم هذه الأدلة، و لا حاجة في جواز الصّلاة فيه إلى ورود دليل خاص، فتصح الصّلاة في جلده و وبره.

و أمّا لو قلنا: بكون منصرف أدلة الدالة على مانعية الميتة هو حيوان البري، و قلنا بكون الخزّ حيوان بحري، فمن حيث مانعية الميتة لا يبقى إشكال في الخزّ، لأنّ الخز ليس من أفراد الميتة الّتي تكون لبسها في الصّلاة ممنوعا.

أو قلنا: بأنّ مانعية الميتة باعتبار نجاستها، و ما لا نفس له لا يكون نجسا، و قلنا: بكون الخزّ من الحيوانات الّتي لا نفس لها، فأيضا يكون الخزّ خارجا موضوعا عن أدلة الدالة على مانعية الميتة، و لا يحتاج جواز الصّلاة من حيث مانعية الميتة إلى دليل خاص في الجلد و وبر الخزّ.

و لكن بأحد النحوين لو ارتفع الاشكال في الخزّ من حيث مانعية الميتة إما بعدم كون حيوان البحري مانعا، و إما من باب عدم كون ما لا نفس له من الحيوانات مانعا في الصّلاة من حيث مانعية الميتة، لكن يبقى الاشكال فيه من حيث مانعية غير المأكول، فإن قلنا: بكون منصرف الأدلة في مانعية غير المأكول هو خصوص حيوانات البرية، و قلنا بكون الخزّ حيوانا بحريا، أو قلنا: بكونه ممّا يؤكل لحمه فأيضا يرتفع الاشكال من حيث غير المأكولية، و يخرج الخزّ أصلا عن عموم ما دلّ على مانعية غير المأكول، فلا حاجة في جواز الصّلاة في جلده و وبره إلى دليل خاص.

[لا دليل على عدم كون الخز ممّا لا نفس له]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا دعوى انصراف أدلة مانعية الميتة عن الحيوانات البحرية، فما لا دليل عليه، و لا وجه للالتزام به، و أمّا دعوى

انصراف الأدلة عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 79

الميتة الغير النجسة مثل ما لا نفس لها، فإن تكن ممكنا، و لا يبعد ذلك كما قدمنا، و لكن كون الخزّ من الحيوانات الّتي لا نفس لها ممّا لا دليل عليه، و كذلك لا وجه لدعوى انصراف الأدلة الدالة على مانعية الصّلاة في غير المأكول عن الحيوانات البحرية، و أمّا كون الخزّ من الحيوانات الّتي يؤكل لحمه، حتّى لا يشمله عموم المنع عن الصّلاة في غير المأكول، و إن كان ربما يتوهم أنّه يستفاد من بعض الروايات:

مثل ما رواها ابن أبي يعفور (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أكل لحم الخزّ؟

قال: كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه و إلّا فاقربه). «1»

ما رواها زكريا بن آدم (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت: إنّ أصحابنا يصطادون الخزّ، فاكل من لحمه؟ قال: فقال: إن كان له ناب فلا تأكله. قال: ثمّ مكث ساعة، فلما هممت بالقيام قال: أمّا أنت فإنّي أكره لك أكله فلا تأكله). «2»

بناء على كون المستفاد منهما أن الخزّ على قسمين أحدهما ما كان له ناب، و الآخر ما ليس له ناب فالأول لا يجوز أكله، و الثاني يجوز أكله، و ربما يستظهر ذلك من ذيل رواية ابن أبي يعفور المتقدمة «3» حيث قال عليه السّلام في ذيلها (فإنّ اللّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها) بأن يقال: إنّ (أحلّه) يعني جعله من الحيوانات الّتي يحلّ أكل لحمها.

و لكن الالتزام بكون الخزّ ممّا أكل لحمه غير ممكن:

أمّا أوّلا فلأنّ الرواية أعين (قال: سألت أبا جعفر عن الخزّ فقال: سبع يرعى

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 38

من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 80

في البر و يأوي البحر) «1» تدلّ على عدم جواز أكل لحمه بناء على كون السؤال عن أكل لحمه و جواب الامام عليه السّلام بأنّه (سبع يرعى في البر و يأوي البحر) كان جوابا عن عدم جواز أكل لحمه من باب كونه سبعا، غاية الامر اكتفي في مقام الجواب بقوله (سبع) لأنّه بعد كونه سبعا لا يجوز أكل لحمه (لبعد كون سؤال المسائل عن الموضوع و عن حقيقته، و كان جواب الامام عليه السّلام راجعا بيان الموضوع، بل الظاهر كون السؤال عن حكمه، و الجواب بكونه سبعا يكون جوابا عن الحكم، و أنّ حكمه حكم السباع).

و ثانيا أنّه على فرض دلالة رواية على جواز أكل لحمه فلا يمكن العمل بها، لأنّه بعد كون المسلّم تقريبا عند أصحابنا رضوان اللّه عليهم كون جائز الاكل من الحيوانات البحرية هو خصوص السمك، و السمك خصوص ما له الفلس فلا يمكن الالتزام بجواز أكل لحم الخزّ على تقدير كونه من الحيوانات البحرية.

[لا اشكال فى صحّة الصّلاة فى وبر الخز]

فإذا عرفت شمول أدلة مانعية الميتة لحيوانات البرية و البحرية، و كذلك عموم مانعية غير المأكول و عدم انصرافهما بحيوانات البرية، و عدم إثبات كون الخزّ يجوز أكل لحمه، فيشمله عموم المنع عن الصّلاة في الميتة و في غير المأكول، و لا بدّ لإخراجه إلى ورود دليل مخصص للعمومين: عموم مانعية الميتة، و عموم مانعية غير المأكول.

فنقول: أمّا وبر الخزّ فقد استظهرنا من الأدلة جواز الصّلاة فيه و تخصيص العام به، و أمّا جلد الخزّ

فقد بيّنا أنّ ما يمكن أن يعتمد به في مقام تجويز الصّلاة في جلده هو رواية معمر بن خلاد، فنقول: إنّه بعد ما عرفت من أنّه لا يظهر من كلام اللغة كون الخزّ حيوانا إلا ما عن المصباح من أن الخزّ صوف غنم البحر، و بعد ما

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 81

عرفت من أن المستفاد من رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الرحمن بن الحجاج هو كون الخزّ حيوانا بحريا و من بعض الروايات كونه من السباع، و من بعضها كونه حيوانا يرعى في البر و يأوي البحر، و المستفاد من رواية ابن أبي يعفور كون ذكاته خروجه من الماء، و بعد كون صحة الصّلاة فيه موقوفا بورود الجواز للصّلاة فيه من حيث مانعية الميتة أعنى: يصح فيه الصّلاة و إن كانت ميتة، أو أنّه مذكّى و من حيث مانعية الصّلاة في غير المأكول و قدر المسلّم من رواية معمّر بن خلّاد هو عدم البأس فى الصّلاة فيه من حيث كونه من غير المأكول من الحيوانات، و امّا من حيث الميتة ففي وبره حيث ليس مانع من هذا الحيث لجواز الصّلاة في وبر الميتة، فلا يبقى إشكال في جواز الصّلاة في وبر الخزّ.

و امّا جلده فحيث إنّه لا بد في صحة الصّلاة فيه من إثبات كونه مذكّى أو من ورود دليل على عدم كون حكمه كميتة ساير الحيوانات، و حيث أن عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة في حدّ ذاته يدلّ على عدم جواز الصّلاة في الميتة، و منها ميتة الخزّ و رواية معمر بن خلاد و إن كانت في

حدّ ذاتها تدلّ على جواز الصّلاة في الخزّ و نقول: بشمول إطلاقها للجلد و الوبر، و لكن ليست هنا الرواية خاصا بالنسبة إلى الدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة، لأنّ دليل حرمة الصّلاة في الميتة تمام باعتبار شموله لجلد الخزّ و لجلد غيره من الحيوانات، و رواية معمر بن خلاد أيضا تمام من جهة لأنّ عمومها أو إطلاقها يشمل الجلد و الوبر، فالدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة تمام من جهة تكفله لكل ميتة خزا كان أو غير خز، و عموم هذه الرواية تمام من جهة شمول عمومه لو بر الخزّ و جلده، فالنسبة بين الدليلين يكون العموم و الخصوص من وجه، لا العموم و الخصوص المطلق، فلا وجه لتقديم رواية معمر على الدليل الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 82

نعم حيث لا يشمل عموم المنع من الصّلاة في الميتة الوبر، فرواية معمر بن خلاد بالنسبة إلى وبر الخزّ يكون بلا معارض، و من حيث غير المأكولية يكون خاصا بالنسبة إلى عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول.

[لم يثبت دليل لخروج جلد الخز من الاخبار المانعة]

و أمّا الجلد فلم يثبت خروجه من عدم جواز الصّلاة في الميتة، لما قلنا فلا بدّ في صحة الصّلاة فيه- مضافا إلى دلالة الدليل على عدم كونه محكوما بحكم غير المأكول من الحيوانات- إلى وجود دليل إمّا على بيان تذكيته و إمّا من كونه خارجا بالخصوص عن عموم الحكم بعدم جواز الصّلاة في الميتة، و لم يوجد ما يدلّ على ذلك.

و إن قلت: إنّ المستفاد من رواية عبد الرحمن بن الحجاج و رواية ابن أبي يعفور هو كون تذكيته بالخروج عن الماء، فهو من الحيوانات القابلة

للتذكية و تذكيته الخروج عن الماء، فيكون مذكّى.

نقول: أمّا رواية عبد الرحمن فكما قلنا يحتمل عدم كونها غير رواية ابن أبي يعفور، و نحتمل فيها احتمالا اخر، و هو أن يكون نظر السائل في سؤاله من جهة كونه كلبا، و الكلب يكون نجسا، فلا يجوز لبس جلده، فكيف جوّز لبسه، و لهذا قال (و إنّما هي كلاب تخرج من الماء) و كان قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في جواب ذلك، و أنه ليس حكمه حكم الكلاب، لأنّ الكلب النجس هو الكلب البري لا البحري، و الخزّ كلب بحري، و لهذا قال عليه السّلام (إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال:

الرجل لا. قال: ليس به بأس) يعني ليس كلب بري، لأنّه لا يعيش خارج الماء.

و لكن مع ذلك ما ينتهي إليه الحدس هو كونها متحدة مع رواية ابن أبي يعفور بمعنى أن ابن أبي يعفور و عبد الرحمن بن الحجاج ناقلان لواقعة واحدة، و على كل

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 83

حال ليس في رواية عبد الرحمن بن الحجاج ما يدلّ على كون تذكيته بالخروج عن الماء حتّى يرتفع الاشكال من حيث النجاسة، فيبقى للاستشهاد به على عدم بأس بالخزّ من حيث الميتة رواية ابن أبي يعفور الدالة على كون ذكاة الخزّ خروجه من الماء، و عدم البأس من الصّلاة في جلد الخزّ من هذا الحيث.

[الحكم بجواز الصّلاة في جلد الخز مشكل]

لكن الحكم على عدم البأس بهذه الرواية الضعيفة مشكل، مع ما عرفت من الكلام في كون الخزّ من الحيوانات البحرية لدلالة بعض الروايات المتقدمة على أنّه سبع أو انّه حيوان يرعى في البر و يأوي البحر، فمع ذلك الالتزام بأنّ هذا الحيوان تكون تذكيته بالخروج عن الماء

مع فرض كونه السبع أو كونه ممّا يرعي في البر مع أن حيوان البري لا يموت بهذا النحو، و ليس فيه التذكية بهذا النحو، بل هو يعيش بحسب طبعه في خارج الماء، و ما يكون من الحيوانات البرية قابلا للتذكية يذكّى بالذبح أو النحر، و الالتزام بأنّ الخزّ قسمان قسم بحري و قسم بري، فالبحري يكون تذكيته باخراجه عن الماء، و البري سبع مثلا، و يجوز أن يصلّي في قسمه البحري لا البري أيضا مشكل، لعدم امكان هذه الدعوى بالنظر بسياق بعض الروايات، فالحكم بجواز الصّلاة في جلد الخزّ مشكل. «1»

______________________________

(1)- أقول: بأن المستفاد من رواية معمّر بن خلاد جواز الصّلاة في جلد الخزّ أيضا و إن فرض كون الاشكال في استفادة ذلك من ساير الروايات، لأنّ الظاهر من هذه الرواية هو كون السؤال عن الخزّ و كما اعترف به سيدنا الاستاد مدّ ظلّه بقرينة كون سؤال السائل مطلقا من حيث الجلد و الوبر، و عدم تفصيل الامام عليه السّلام بين الوبر و بين الجلد، نفهم جواز الصّلاة في كليهما، و إلّا لأخل بالفرض و تعالى شانهم: عن ذلك خصوصا مع أن المستفاد من رواياتنا مع اختلافهم في جهات اخرى كون الخزّ هو الحيوان، فلا وجه لأنّ يسأل عن الصّلاة في هذا الحيوان، و مع ذلك

يحمل السؤال على خصوص الوبر، فالجلد إن لم يكن القدر المتيقن في الاطلاق، فلا أقل من كونه في عرض الوبر، و عدم إمكان دعوى الانصراف إلى خصوص الوبر.

فإذا ثبت كون السؤال و الجواب راجعا إلى جواز الصّلاة في الخزّ جلدا و وبرا، فيقع الكلام فيما أفاده مدّ ظلّه: بأن المانع من الصّلاة في الخزّ أمران: أحدهما من حيث الميتة، و

الآخر من حيث غير المأكولية.

أما من حيث غير المأكولية، فكما افاد يستفاد من رواية معمر بن خلاد عدم الاشكال في جواز الصّلاة فيه و كون هذه الرواية خاصا بالنسبة إلى عموم ما دل على مانعية غير المأكول في الصّلاة، و كذلك من غير الروايات لاستفادة استثناء الوبر من هذا العموم منها، و خروج الوبر شاهد على عدم البأس من حيث غير المأكولية، لأنّ غير المأكولية إن كان مانعا كان اللازم عدم تجويز الصّلاة في وبره أيضا، لأنّ الصّلاة لا تجوز في وبر غير المأكول كما لا يجوز في جلده، كما يستفاد ذلك من موثقة ابن بكير.

فيبقى الاشكال بنظره الشريف مدّ ظلّه إلى حيث الميتة فنقول، إنّ ما أفاده مدّ ظلّه من أنّ بعد كون النسبة بين عموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة مع رواية معمر بن خلاد المتقدمة عموم من وجه، لأنّ كلا من الدليلين عام من جهة، فعموم الدال على مانعية الميتة عام من جهة شموله لجلد ميتة الخزّ و لغير الخزّ من الحيوانات، و هذه الرواية عام من جهة شمولها للجلد و للوبر، فتكون النسبة بينهما عموما من وجه، لا أن تكون رواية معمّر خاصا بالنسبة إليه فلا وجه لتقديم رواية معمّر على هذا العموم حتّى تكون النتيجة تخصيص عموم مانعية الميتة بالنسبة إلى الخزّ، و بالنتيجة تجوز الصّلاة في جلد الخزّ أيضا.

لا يتم بنظري القاصر، لأنّ عموم الدالّ على مانعية الميتة إن كان شاملا لخصوص الجلد من كل حيوان فقط لا وبره، فتكون النسبة كما أفاده، بين هذا العموم و بين رواية معمر، و لكن ليس كذلك، بل عمومه يشمل للجلد و للوبر و غيره من أجزائه، و الوبر خرج

بدليل خاص، لا أنّ العام لا يشمله، و الشاهد على ذلك دلالة بعض الروايات مثل الرواية 2 من الباب 1 من أبواب لباس المصلي بنقل الوسائل، و هي ما رواها محمد بن ابى عمير عن غير واحد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 85

هذا تمام الكلام في ما يستفاد من روايات الباب في بيان موضوعه و حكمه، و قد اخترنا أن الصّلاة في وبر الخزّ جائز، و أمّا في جلده فمشكل.

______________________________

الميتة قال: لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع.

و هذه الرواية كما ترى في حدّ ذاتها تدلّ على عدم جواز الصّلاة في شي ء من أجزاء الميتة، فتعم وبر الميتة أيضا، و بعد شمول هذا العموم لوبر الميتة فتكون النسبة بين هذا العموم الدال على عدم جواز الصّلاة في الميتة مع رواية معمّر العموم و الخصوص لا العموم من وجه، لأنّ عموم هذا الدليل يشمل كل أجزاء الميتة، و من الأجزاء الوبر و الجلد من ميتة كل حيوان، و رواية معمّر تدلّ على جواز الصّلاة في الجلد و وبر ميتة حيوان خاص، و هو الخزّ.

فهذه الرواية خاص بالنسبة إلى العموم الدال على عدم جواز الصّلاة في أجزاء ميتة الحيوانات، فلا وجه لأنّ يقال: إنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

إن قيل: بأنّه بعد استثناء وبر الميتة بالدليل الخارج عن عموم عدم جواز الصّلاة في الميتة، لدلالة بعض الروايات على عدم إشكال في الصّلاة في وبر الميتة، من حيث كونه وبر الميتة كما نحن ملتزمون بذلك، فخصص هذا لعموم، فبعد ذلك التخصيص يكون العموم غير شامل لوبر الميتة، و بعد عدم شمول عموم الدال على مانعية الميتة للوبر، فتكون النسبة بين

هذا العموم و بين رواية معمر عموما من وجه، لأنّ هذه الرواية أعم من جهة شمولها لوبر الخزّ، فلا وجه لتقديم رواية معمر على هذا العموم و تخصيصه بهذه الرواية.

نقول: قد ثبت في محله في التعادل و التراجيح عدم انقلاب النسبة و أنّ دليلا و لو خصص بتخصيصات إذا تعارض مع دليل اخر لا يحاسب العموم بعد تخصيصه، بل يحاسب النسبة بين الدليلين بما يقتضي ظاهرها في حدّ ذاته، مع قطع النظر عن تخصيص أحدهما بخاص اخر، فعلى هذا في المقام و لو خصّص عموم الدال على عدم الصّلاة في الميتة بما دل على جواز الصّلاة في وبر الميتة، و لكن لا يحاسب هذا العموم بعد التخصيص في مقام التعارض مع رواية معمّر، بل بعمومه يعامل معاملة المتعارضين، و حيث يمكن التوفيق بينهما بنظر العرف، و يمكن الجمع بينهما بحمل العام على الخاص فيجمع بينهما، و تكون النتيجة على هذا جواز الصّلاة في جلد الخزّ و وبره من كلا الحيثين، أعنى: لا يضرّ كونه من غير المأكول و لا كونه ميتة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 86

[في البحث عن كون ما في يد الناس الّذي يسمّونه خزّا يجوز الصّلاة في وبره او لا؟]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في جهة اخرى، و هو أنّه بعد الفراغ عن حكم الخزّ، و فرض جواز الصّلاة في جلده و وبره أو في خصوص وبره- هل ما يكون في أيدي الناس من جلد حيوان و يسموه الخزّ و يطلقون عليه اسم الخزّ، هو الخزّ الّذي صحّ فيه الصّلاة، أو هو حيوان اخر؟

و منشأ الاشكال هو كون الحيوان الّذي يسمونه الخزّ في زمن صدور الروايات هو غير هذا الّذي يطلق عليه الخزّ في هذا الزمان، خصوصا بناء على ما يستفاد من بعض الروايات الدالة على قابلية

أن ينسج وبرها، أو قابلية غشّ وبره بوبر الأرانب و الثعالب من كون وبره طويلا، و ما في أيدى الناس في عصرنا ليس وبره كذلك، فمع الشّك في كون هذا الحيوان الّذي يقال في عصرنا بنفسه أو بجلده و وبره الخزّ هو الخزّ الّذي استثنى من عموم حرمة الصّلاة في غير المأكول أم لا، فما هو الحكم في المقام؟

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 86

قد يقال في المقام: بأن أصالة عدم النقل يكفي في إثبات كون الخزّ المتداول في زمن صدور الرواية هو هذا الخزّ المتداول في زماننا بأن يقال: إنّه نرى استعمال اللفظ فعلا في ما يأتي به التجار على وجه الحقيقة، فإذا شك في أنّه هل نقل هذا اللفظ عن معناه الأوّلى إلى هذا المعنى أم لا، فببركة أصالة عدم النقل ندفع هذا الاحتمال، فنقول: إنّ معنى الخزّ في زمن صدور الرواية هو معناه في هذا الزمان. «1»

______________________________

(1)- أقول: بعد ما عطف سيد الاستاد مد ظلّه عنان الكلام إلى هذا المقام، و بيان ما ذكر من التمسك بأصالة عدم النقل قلت بمحضره الشريف: بأن المقام ليس ممّا يمكن التمسك بأصالة عدم النقل و استكشاف كون الخزّ المعمول في هذا الزمان يجوز أن يصلّي في وبره، أو في وبره

و جلده على الكلام المتقدم، لأنّ ما نرى من تمسك العقلاء بها، و المورد الّذي يكون بنائهم عليها هو في موردين: أحدهما في ما يعلم مستعمل فيه في زمان اللاحق، و كون استعمالهم فيه على وجه الحقيقة و لم يعلم كون معناه الحقيقى في السابق، هل هو هذا

أم لا، مثل ما نرى من كون الامر حقيقة في الوجوب في عرف المتشرعة، و نشك في أنّ موضوع له الامر هل هو الوجوب في عرف السابق على هذا العرف، أو كان غير ذلك و نقل عنه إلى هذه المعنى، فبأصالة عدم النقل نقول: كون الموضوع له هو الوجوب في العرف السابق على العرف المتشرعة ثانيهما مورد نعلم موضوع له السابق و لكن نشك في زمن اللاحق، مثلا نعلم كون الموضوع له في الصّلاة سابقا هو الدعاء، و لكن في هذا الزمان نشك في ان موضوع له فيه هل هو معنى السابق، أو نقل إلى معنى اخر، فبأصالة عدم النقل نحكم بكون الموضوع له في اللاحق ما هو الموضوع له في السابق، و كما ترى ما هو الميزان في بناء العقلاء على التمسك بهذا الأصل هو أنّ كل مورد يكون مراد المتكلم غير معلوم، فلا يعلم أنّ مستعمل فيه اللفظ هل هو معناه الحقيقي في السابق أو المراد غير ذلك، فيكون بناء العقلاء على أصالة عدم النقل، و كذا في ما يشكون في ما هو المراد الحقيقى منه في السابق حتّى يحملون الألفاظ المستعملة في السابق عليه إذا كان المعلوم عندهم معناه الحقيقى اللاحق يتمسكون بأصالة عدم النقل و يحملون الألفاظ المستعملة في معنى الحقيقي السابق إذا كان اللاحق مشكوكا و في معنى الحقيقي اللاحق إذا كان السابق مشكوكا كما بينا في الموردين المتقدمين.

و أمّا إذا كان مستعمل فيه اللفظ في السابق معلوما، و بعبارة اخرى يعلم موضوع له اللفظ في السابق، و كذلك يعلم موضوع له اللفظ في اللاحق، و يكون الشّك في اتحاد معنى اللاحق مع السابق، و أنّ موضوع له اللاحق المعلوم

هل هو متحد مع موضوع له السابق أم لا، فليس بنائهم على إجراء أصالة عدم النقل لاثبات اتحاد معنى اللاحق مع معنى السابق، و ما نحن فيه من هذا القبيل إذ نحن بعد الفراغ من كون الخزّ الّذي هو حيوان بحرى صار مورد حكم الأحكام، و هو جواز الصّلاة فيه، فنحن نعلم موضوع له اللفظ في السابق- أعنى: ما صدر من لسان أهل البيت:

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 88

[نقل كلام المجلسي ره]

ثمّ اعلم أن المحكي من المجلسي رحمه اللّه هو الاشكال في جريان أصالة عدم النقل فيما نحن فيه، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّه بعد الشّك في كون ما في أيدي الناس في هذا الزمان و يطلقون عليه الخزّ هو الخزّ الّذي كان متعارفا في زمن صدور الروايات، فيكون الحكم بجواز الصّلاة في ما في زماننا من الخزّ مشكل، لأنّه لا يعلم كون هذا هو ما كان موضوعا لحكم الشارع بجواز الصّلاة فيه، و لا يكفي هنا أصالة عدم النقل، لعدم اتصال عرفنا بعرف زمان صدور الروايات، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السابقين رضوان اللّه عليهم أيضا، و حجية أصالة عدم النقل في ذلك ممنوع، بل الظاهر أنّه غيره، لأنّ الظاهر من الروايات كون الخزّ هو يموت بخروجه عن الماء، و ما في أيدى الناس يقال: إنّه دابة تعيش في البر و لا تموت بالخروج عن الماء، إلّا أن يقال: انهما صنفان بري و بحري و تجوز الصّلاة في

______________________________

في الروايات- و إلّا فإن كنا نحن شاكين في ذلك أعنى: في كونه حيوانا بحريا أو برّيا أصلا كنا شاكين في كونه الإبريسم أو الحيوان فمن، رأس لم نكن عالمين بموضوع حكم الشارع، لا

أن يكون شكنا في كون ما في أيدى الناس في عصرنا هو ما حكم في الأخبار بجواز الصّلاة فيه أم لا.

و في المقام على الفرض بعد فرض كون الخزّ الجائز فيه الصّلاة هو حيوانا بحريا، و على الفرض نرى أنّ ما في أيدى بعض التجار يطلقون عليه الخزّ بلا إشكال، فأيضا لا نشك في أنّ مرادهم فعلا بالخزّ ما هو في أيديهم، و لكن لا ندرى أنّ ما يطلقون عليه الخزّ فعلا هو متحد مع ما اطلق عليه الخزّ في زمن صدور الروايات أم لا، فليس شك في النقل و عدمه حتّى يتمسّك بأصالة عدم النقل، بل الشّك في اتحاد موضوع له الخزّ فعلا مع موضوع له الخزّ سابقا، فلا مجال لأصالة عدم النقل خصوصا مع ما يقال: من أنّ هذا الخزّ الّذي يكون فعلا هو حيوانا بريا، فكيف يمكن أن يقال: بكونه متحدا مع الخزّ السابق الّذي هو حيوان بحري، ثمّ بعد ما قلت ذلك قرره مد ظله ببيان كاف شاف عال، و لم يرده فلعلّه استرضاه مدّ ظلّه). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 89

كليهما، و هو بعيد، هذا حاصل المحكى عن كلامه رحمه اللّه.

[الحكم بجواز الصّلاة فى ما يطلق عليه الخز في هذا الزمان مشكل]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما قال رحمه اللّه في وجه عدم جريان أصالة عدم النقل غير تمام، إذ لو فرض عدم الاشكال في إجرائها من جهة اخرى، فما ذكره- من أنّ عرفنا إلى عرف زمان صدور الروايات غير متصل، لكون المسألة مورد الاشكال سابقا عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم- لا يوجب عدم إجراء أصالة عدم النقل، لأنّ في زماننا، و كذا قبل زماننا من أزمنة فقهاء السّلف ممّا بعد زمان صدور الروايات كلها، يشكّ في النقل، فتجري أصالة

عدم النقل، و يكون كل هذه الازمنة المتأخرة زمان الشّك في النقل، و ببركة أصالة عدم النقل يحكم بعدم نقل اللفظ عن معناه الّذي كان موضوعا له اللفظ الخزّ في زمان صدور الروايات.

نعم، لو فرض كون الخزّ على نوعين: نوع بري و نوع بحري، و لا يعلم بأنّ الخزّ الموضوع لحكم جواز الصّلاة فيه هو أىّ منهما، فلا يمكن التمسك بأصالة عدم النقل لا ثبات كون الخزّ المحكوم بجواز الصّلاة فيه هو هذا الخزّ الّذي يكون في ايدي الناس في هذا العصر الّذي يقال: إنّه حيوان بري، مضافا إلى أنّ ظاهر بعض الادلة كونه هو حيوان بحري.

نعم، لو كان الخزّ موضوعا لكلا القسمين، و لم يعيّن في الروايات أنّ موضوع حكم جواز الصّلاة هو أىّ من القسمين، و كانت الروايات من هذا الحيث- أعنى: لم يكن مفادها إلا جواز الصّلاة في الخزّ بدون تصريح فيها عما هو موضوعه- فكان للحكم بجواز الصّلاة في كلا القسمين وجه، و لكن ليس الأمر كذلك، و قد عرفت بيان عدم كون المقام مقام التمسك بأصالة عدم النقل لما قلنا، فالحكم بجواز الصّلاة في ما يطلق عليه الخزّ في عصرنا مشكل) هذا تمام الكلام في الخزّ.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 90

الامر الثاني: [في ما قيل بخروجه عن الادلّة المانعة السنجاب]
اشارة

ممّا قيل باستثنائه عن عموم الدالّ على مانعية كون لباس المصلّي من غير المأكول السنجاب، فنذكر أخبار الباب تيمنا، ثمّ بعض الجهات الراجعة إليها فنقول:

[في ذكر الروايات المربوطة بالسنجاب]
الرواية الأولى:

من الأخبار، الرواية الّتي رواها محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن عبد اللّه بن إسحاق عمن ذكره عن مقاتل بن مقاتل (قال؟ سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصّلاة في السمور و السنجاب و الثعالب؟ فقال: لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب، فإنّه دابّة لا تأكل اللحم). «1»

أمّا سندها فضعيف لأنّه، مضافا إلى كون عبد اللّه بن إسحاق في طريقها و هو مجهول، حذف الواسطة بينه و بين مقاتل بن مقاتل.

أمّا دلالتها فهي تدلّ على استثناء خصوص السنجاب، لكن قرنه بعلة لا يمكن الأخذ بها مطلقا، و هي أنّه دابة لا تأكل اللحم إلا أن يقال: بكونها حكمة لا علة.

الرواية الثانية:

ما رواها محمد بن يعقوب عن عبد اللّه بن إسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن علي بن أبي حمزة (قال سألت:

أبا عبد اللّه عليه السّلام و أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و الصّلاة فيها؟ فقال: لا تصل فيها إلّا ما كان منه ذكيّا. قلت: أو ليس الذكيّ ما ذكّى بالحديد؟ قال: بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ فقال: لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم، و ليس هو ممّا نهي عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ نهي عن كل ذي ناب و مخلب). «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 91

أمّا سند الرواية فضعيف قدمنا وجه ضعفه في طي الكلام في رواية ابن أبي يعفور عند الكلام في

الخزّ، لأنّ الاشكالات المتقدمة في تلك الرواية- غير الاشكال الوارد من جهة (فريت) الّذي كان في سندها- واردة في هذه الرواية.

و أمّا الكلام في دلالتها، فالسائل بعد ما سئل عن لباس الفراء- و المراد ظاهرا هو الفرو و بالفارسية (پوستين) و ان كان الفرو اسم حيوان أيضا على ما في بعض كتب اللغة- فبين عليه السّلام أولا اشتراط التذكية، ثمّ بعد ذلك بيّن اعتبار كون المذكى يؤكل لحمه، ثمّ قال السائل (و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) أو (و ما يؤكل من غير الغنم).

فإن كان متن الحديث، كما في بعض النسخ هو (ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) يمكن أن يقال: بأنّه ما معنى قوله (ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم) و أنّه هل من الغنم ما يكون من غير المأكول حتّى يسأل عن غيره.

و أمّا إن كان متن الحديث (ما يؤكل لحمه من غير الغنم) و كان (ما) ما الاستفهامية، و كان مراده أنّ أىّ شي ء يؤكل لحمه من غير الغنم، فقال عليه السّلام في جوابه (لا بأس بالسنجاب فانّه دابة لا تأكل اللحم) فيكون وضع السؤال و الجواب دليلا على كون السنجاب ممّا يؤكل لحمه، فيرد الاشكال بأنّ السنجاب ليس من حيوانات مأكول اللحم، مضافا أنّ التعليل بأنّه (دابة لا تأكل اللحم) أيضا مشكل بيّنا في الرواية السابقة، مضافا إلى أنّ قوله عليه السّلام بعد ذلك (و ليس هو ممّا نهي عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ نهي عن كل ذي ناب و مخلب) أيضا يدلّ على كون النهي عن جواز الصّلاة بالنسبة إلى خصوص السباع، لأنّها ذو ناب و مخلب.

و على كل حال

يستفاد حكم جواز الصّلاة في السنجاب من الرواية و إن كان بعض جهات الرواية مورد الاشكال.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 92

الرواية الثالثة:

ما رواها بشير بن بشار (قال: سألته عن الصّلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل الّتي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الاسلام أن اصلّي فيه لغير تقية؟ قال: فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزميّة، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور). «1»

و هذه الرواية مضمرة، و هي تدلّ على جواز الصّلاة في السنجاب و الحواصل.

الرواية الرابعة:

ما رواها أبي علي بن راشد (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: ما تقول في الفراء اى شي ء يصلّي فيه؟ قال أىّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور. قال: فصلّ في الفنك و السنجاب، و أمّا السمور فلا تصلّ فيه) «2» الحديث.

و هي تدلّ على جواز الصّلاة في الفنك و السنجاب، و ربما يقال: بوهن هذه الرواية لاشتمال التجويز في السنجاب بالفنك- بناء على عدم جواز الصّلاة فيه- بهيئة واحدة، أعنى: بقوله (فصل) فإذا لا يمكن العمل و حمل هذه الهيئة على الجواز في أحد متعلقيه و هو الفنك، فيوهن العمل به في متعلقه الآخر، و هو السنجاب.

الرواية الخامسة:

ما رواها يحيى بن أبي عمران أنّه (قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام في السنجاب و الفنك و الخزّ و قلت: جعلت فداك احبّ ألا تجيبنى بالتقية في ذلك، فكتب بخطه إلى: صلّ فيها). «3»

و في هذه الرواية الاشكال الّذي قلنا في الرواية السابقة لاشتمال هذه الرواية أيضا بالفنك.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 93

الرواية السادسة:

ما رواها الوليد بن أبان (قال: قلت للرضا عليه السّلام: أصلّي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم) «1» الحديث.

و في هذه الرواية الاشكال الّذي بيّنا في الرواية 5 و 6.

الرواية السابعة:

ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه؟ قال: لا بأس بالصّلاة فيه). «2»

في هذه الرواية يجرى الاشكال المتقدم، لأنّ الظاهر منها جواز الصّلاة في الثعالب و السمور، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به بهيئة واحدة بقوله (لا بأس بالصّلاة فيه) فيمكن أن يقال يوهن الرواية لأجل هذا، و يمكن أن يكون المراد بالفراء في هذه الرواية هو ما قيل: من أنّه اسم حيوان.

و اعلم أن هذه الرواية هو عين الرواية الّتي نقل صاحب الوسائل في الباب 3 من أبواب لباس المصلي، أعنى: 1 من الباب 3 غاية الامر لم يذكر كل الرواية في الباب الثالث و ذكرها فى باب الرابع، فلا تتوهم كونهما روايتين.

الرواية الثامنة:

ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك؟ فقال: لا يلبس و لا يصلّي فيه إلا ان يكون ذكيّا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 3 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 94

و هذه الرواية ما يمكن أن يقال بوهن الرواية به هو اشتمالها على السمور و الفنك، و تجويز الصّلاة فيهما.

هذا كلّه في الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب، و الكلام تارة يقع في أنّه بعد كون المستفاد من بعض الروايات، و هو المختار، من عدم جواز الصّلاة في ما لا

يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه، مع قطع النظر عن خصوص موثقة ابن بكير، هل يمكن تخصيص هذا العموم بهذه الروايات، حتّى كانت النتيجة هي جواز الصّلاة في السنجاب مع كونه ممّا لا يؤكل لحمه، أو لا؟

[منشأ الاشكال احتمال صدور هذه الاخبار تقيّة]

منشأ الاشكال هو احتمال صدور هذه الروايات تقية و موافقا لمذهب العامة القائلين بجواز الصّلاة في غير المأكول، لاشتمالها على ما لا تجوز الصّلاة فيها كالفنك و السمور و الثعالب، و بعضها و إن لم يكن فيه هذا الموهن، لكن يكون مشتملا على العلّة الّتي لا يمكن الالتزام بها و ندور معها، و هي (أنّها دابة لا تأكل اللحم) كرواية مقاتل بن مقاتل و علي بن أبي حمزة، فبعد اشتمال جلها على ما يوافق التقية، و بعضها الآخر على علّة لا يمكن الالتزام بعليتها، فليس في هذه الروايات مقتضى الحجية حتى تعارض مع بعض العمومات الدالّة على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول حتى يخصص العموم بها.

إذا عرفت ذلك نقول: إن كان الاشكال في الروايات منحصرا في هذا فيمكن دفعه، لأنّه نقول: أمّا الروايات الّتي يقال: بأنّ مفادها جواز الصّلاة في مثل السمور و الفنك الّذي لا يجوز الصّلاة فيهما عندنا، بل جواز الصّلاة فيهما موافق لمذهب العامة، و لاجل ذلك يوهن الروايات، ففيها بعض الشواهد على عدم كونها صادرة تقية، مثل النهي عن الصّلاة في بعضها في الثعالب و السمور مثل الثالث من الروايات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 95

المتقدمة، فإن كانت الرواية صدرت تقية فكيف قال فيها (لا تصلّ في الثعالب و لا السمور) و كذلك الرابع منها، لكون مفادها عدم جواز الصّلاة في السمور، و هو ينافي حمل الرواية على التقية، و بعض الروايات ليس

مقترنا بغير السنجاب حتّى يتوهم أنّه صدر تقية كالأول من الروايات، و كذا الثاني منها.

و اشتمالهما على علّة و هو (أنّها لا تأكل اللحم) لا يوجب عدم صحة الاستدلال بها لما نحن فيه، أمّا أوّلا فلأنّ عدم فهم العلة، و عدم إمكان الالتزام بكون الحكم وجودا و عدما في جواز الصّلاة و عدمه مدارها، لا يوجب عدم الأخذ بأصل الحكم المعلل بهذه العلّة، و ثانيا أنّ كون هذا علّة غير معلوم، إذا يمكن أن يكون حكمة، فلا يدور الحكم إثباتا و نفيا مدارها.

[تعارض الروايات مع موثقة ابن بكير]

و لكن تارة يقع الكلام من حيث معارضة هذه الروايات مع موثقة ابن بكير، و هي ما رواها ابن بكير (قال: سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه، فاسد لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحل أكله، ثمّ قال:

يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاحفظ ذلك يا زرارة فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّى، و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرم عليك أكله، فالصّلاة في كل شي ء منه فاسد ذكّاه الذبح أ و لم يذكّه). «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب لباس المصلّى من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 96

و ليس وجه معارضتها مع هذه الرواية صرف عموم قوله (إنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصّلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد الخ) حتّى يقال: بأنّ لسان هذه الرواية عام، و لسان هذه الروايات الواردة في جواز الصّلاة في السنجاب خاص، فيخصص عموم الموثقة بها كما هو مقتضى الجمع بين كل عام و خاص، لأنّ عموم الوارد في الموثقة ليس كعمومات الآخر، بل له خصوصية يشكل أن يخصّص بهذه الروايات، و وجه الاشكال هو أنّ العام الوارد في الموثقة ورد على أسباب خاصة، و مع ورود العموم على أسباب خاصة لا يمكن تخصيص العام في مورد هذه الأسباب، لأنّ ذلك من قبيل التخصيص المستهجن، فإنّه بعد ما سئل زرارة عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، ألقى عليه السّلام عموما من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو (أنّ الصّلاة في وبر كل شي ء حرام أكله الخ) ففي مقام جواب السائل عن أشياء مخصوصة، إلقاء العموم يجعل العام كالنص في تلك الموارد و المسئول عنها، فعلى هذا بعد عدم كون عدم جواز الصّلاة في السنجاب بمقتضى الموثقة من باب العموم، بل يكون كالنص الخاص بالنسبة إليه، فنسبة هذه الموثقة مع الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب تكون تباينا لا العموم و الخصوص.

[العام الوارد فى الموثقة ورد على أسباب خاصّة]

إذا عرفت منشأ الإشكال، فاعلم أنّه إن كان العام واردا على سبب واحد لا إشكال في كونه نصا بالنسبة إليه، و كون تخصيصه فى هذا المورد من التخصيصات المستهجنة، مثلا إذا سئل السائل عن إكرام

زيد العالم فقال المولى: أكرم العلماء، فإذا خصص هذا العموم بهذا المورد مثلا يقول المولى في دليل منفصل (لا تكرم زيدا العالم) فيعد عند العقلاء هذا التخصيص مستهجنا، و لكن إذا ورد العموم على أسباب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 97

متعددة، فهل تخصيص العموم في بعض هذه الاسباب أيضا يعد تخصيصا مستهجنا أولا يعد كذلك؟

اعلم أنّه يمكن أن يقال في المقام: بامكان الجمع بين الموثقة و هذه الروايات بتخصيص عموم الموثقة بها، و عدم ورود إشكال من باب كون ذلك تخصيصا مستهجنا.

أمّا أوّلا: فبأنّ العام لم يكن واردا على أسباب خاصة حتّى يكون التخصيص مستهجنا، لأنّ العام و هو قوله (إنّ الصّلاة الخ) من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو لم يلقه على أسباب خاصة، لأنّ هذه الأسباب الخاصّة وقع في كلام زرارة، و أبو عبد اللّه عليه السّلام بين ما صدر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلم يرد العموم على أسباب خاصة حتّى يرد هذا الاشكال «1».

و ثانيا: إنّ ورود العام على أسباب خاصة، أو سبب خاص على فرض كون تخصيص العام في موردها من التخصيص المستهجن هو في ما يكون النظر إلى فهم خصوص حكم الأسباب أو السبب بحيث يكون النظر إلى خصوصها، حتّى يكون إلقاء العام باعتبار فهم خصوص الأسباب، و أمّا إن لم يكن النظر إلى ذلك، بل يكون النظر إلى فهم عموم، غاية الامر بيّن بعض أفراد العموم من باب المثال بحيث لا

______________________________

(1)- أقول: هذا الوجه لا يكفي في الجواب عن الاشكال، لأنّه و لو كان أصل الكلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

و لكن بعد ما سئل زرارة عن الصّلاة في هذه الامور، فيكون إلقاء أبي عبد اللّه عليه السّلام هذا العموم من أجل بيان حكم هذه الامور، فهو يكون في مقام جواب السائل، فبيانه هذا العموم يجعل العموم نصا في هذه الامور، فيكون تخصيص العام في هذه الامور من قبيل تخصيص المستهجن، مضافا إلى أنّه بعد ذلك القى عموما و هو قوله (فإن كان ممّا يؤكل لحمه) إلى أن قال (و إن كان غير ذلك الخ) و أورده على هذه الأسباب الخاصة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 98

يكون النظر لا نظر السائل و لا المجيب- بالمذكورات، فليس تخصيص المذكورات بدليل خارج عند العقلاء تخصيصا مستهجنا.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ ما نحن فيه يمكن أن يكون من هذا القبيل، لاحتمال كون نظر زرارة من السؤال، هو فهم حكم كلي الحيوانات، و كان ذكر المذكورات في سؤاله من باب المثال، و الشاهد على ذلك هو أنّ ما هو المعروف بين المسلمين من العامة هو جواز الصّلاة في غير المأكول، و ما ينبغي أن يسأل عنه هو فهم أنّ حكم اللّه هو ما عندهم، أو غير ذلك، فيكون نظر زرارة إلى السؤال عن عنوان كلى لا عن هذه الافراد الخاصة، غاية الامر ذكر هذه الحيوانات من باب المثال، لا أن تكون خصوصية لها، و الشاهد على ذلك أيضا قول زرارة بعد قوله (عن الصّلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب) قال (و غيره من الوبر).

فمن الواضح أنّ نظره ليس بخصوص المذكورات، فإذا كان ذكر المذكورات من باب المثال، و ما هو مدّ نظره من السؤال هو فهم حكم عنوان كلي، فالمجيب و هو الامام عليه السّلام لم يكن نظره

الشريف إلّا إلى بيان حكم عام، لا أن يكون في مقام جواب حكم خصوص المذكورات، حتّى يكون عموم الجواب نصا بالنسبة إلى المذكورات، و كان تخصيص أحد المذكورات بدليل خارج من قبيل التخصيص المستهجن و بعد احتمال ذلك- إن لم نقل بكون الظاهر من السؤال هو هذا الاحتمال- فليس النظر إلى خصوص المذكورات حتّى يكون العام واردا على هذه الأسباب و كان تخصيص العام في أحد المذكورات مستهجنا، بل بناء عليه ليس حال العام في الموثقة إلا حال ساير العمومات، و إذا ورد دليل من خارج يمكن تخصيصه به.

[في امكان الجمع بين الطائفتين]

فعلى هذا نقول: يمكن الجمع بين هذه الروايات و بين الموثقة بتخصيص عموم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 99

الموثقة بها، فتكون النتيجة هو جواز الصّلاة في السنجاب، فافهم.

ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع بين الموثقة المذكورة، و بين الروايات الدالّة على جواز الصّلاة في السنجاب بالنحو المذكور، و قلنا بكون التعارض بينهما التعارض بالتباين، فتصل النوبة بالاخذ بما فيه المرجح من الطائفتين.

فنقول: إنّ أوّل المرجحات في باب التعادل و التراجيح هو الشهرة و المراد بالشهرة، الّتي جعلت ترجيحا هو الشهرة الفتوائية، لا الشهرة في الرواية، و في المقام حيث إنّ بعد مراجعة كلمات الفقهاء من القدماء و المتأخرين نرى أنّ المسألة مختلف فيها، فبعضهم قائلون بجواز الصّلاة في السنجاب، و بعضهم بعدم الجواز، فليست الشهرة على أحد طرفي المسألة، لا على جواز الصّلاة في السنجاب، و لا على عدمه، فالشهرة الفتوائية في المقام غير موجودة حتّى يرجح بها أحد من الموثقة أو الروايات الواردة في جواز الصّلاة في السنجاب، و أمّا مخالفة العامة فالموثقة مخالفة لهم لدلالتها على عدم جواز الصّلاة في غير المأكول و هم

على خلاف ذلك و أمّا هذه الروايات فكما قلنا و لو أنّ من دلالتها على استثناء السنجاب و تجويز الصّلاة فيه، قد يوهم كونها موافقة للعامة، لانهم يجوّزون الصّلاة في غير المأكول و منه السنجاب، و لكن بعد كون هذه الروايات مشتملة على ما ينافي التقية مثل عدم جواز الصّلاة في الثعالب و الفنك و السمور، فنفهم عدم كون هذه الروايات موافقا للعامة، فمخالفة العامة لم تكن في المقام سببا لترجيح الموثقة على هذه الروايات، فإذا لا يكون ترجيح لأحد الروايات على الآخر، و يكون الحكم التخيير إن قلنا به.

المسألة الرابعة: لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال، و لا الصّلاة فيه.
اشارة

أمّا عدم جواز لبسه فمن المسلمات عند الفريقين الخاصّة و العامة، و أمّا عدم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 100

جواز الصّلاة فيه للرجال، فهو من المسلمات عندنا، و نذكر بعض ما ورد في عدم جواز لبسه و عدم جواز الصّلاة فيه من الروايات، ثمّ نتكلم إنشاء اللّه في بعض مواقع لا بد من التكلم فيها.

[في الروايات الواردة فى الباب]
اشارة

فنقول: إنّ الروايات الّتي تكون مربوطا بالباب بعضها مذكور في كتاب الصّلاة، و بعضها في الطهارة في ضمن أبواب كفن الميت، و بعضها في الاحرام في كتاب الحج من الوسائل:

فمنها: ما رواها إسماعيل بن سعد الأحوص

في حديث (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ فقال: لا). «1»

و منها: ما رواها أبو الحارث

(قال: سألت الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال: لا). «2»

و يحتمل كون أبي الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص، و على هذا تكون الروايتين رواية واحدة.

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: سألته هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحلّ الصّلاة في حرير المحض). «3»

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: أسأله هل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 101

يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحل الصّلاة في حرير محض). «1»

و هاتان الروايتان رواية واحدة مسلمة لأنّ الراوي في كليهما محمد بن عبد الجبار، و الراوي عنه واحد و هو أحمد بن إدريس، و يروي الكليني رحمه اللّه عنه و متنهما أيضا واحد لا اختلاف في عبائر متنهما، فلا تعدّهما روايتين و إن عدهما صاحب الوسائل روايتين، و ذكر كل منهما في باب على حده.

و منها: ما رواها محمد بن عبد الجبار

(قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه إنشاء اللّه). «2»

و لا تكون هذه الرواية أيضا راوية مستقلة غيرهما و إن كان متنها مغايرا معهما في بعض عبائرها، لأنّ راويها أيضا هو محمد بن عبد الجبار، فهذه الروايات الثلاثة، بحسب عدّ صاحب الوسائل، ليست إلّا رواية واحدة.

و منها: ما رواها يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا بأس بالثوب أن يكون سلاه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال). «3»

و منها: ما رواها أبو داود يوسف بن إبراهيم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ قال: و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه أبريسم. قال: و ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 102

بال الإبريسم؟ قال لا تكره أن يكون سدا الثوب أبريسم، و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، و لا يكره للنساء). «1»

و هاتان الروايتان أيضا رواية واحدة رواها يوسف بن إبراهيم، و كنيته أبو داود، و ما يرى في الوسائل من أنّه ذكر في مقام نقلها في الباب 16 (أبي داود بن يوسف بن إبراهيم) فيكون (ابن) زائدا، و هو اشتباه إمّا من صاحب الوسائل رحمه اللّه و إمّا من الناسخين، و الصحيح هو أبو داود يوسف بن إبراهيم، فهما رواية واحدة يرويها يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، غاية الامر نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه هذه الرواية في الباب 13 و 16، و قبل ذلك في الباب 10 من أبواب لباس المصلّي من الوسائل، فمما قلنا ظهر لك أنّ ما نقلنا من الروايات و إن كان بحسب عدّ صاحب الوسائل سبعة روايات إلّا أنّ بعد الدقة يظهر كونها ثلاثة روايات.

و منها: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال: لا يصلح لباس الحرير و الديباج، أمّا بيعهما فلا بأس). «2»

و منها: ما رواها العباس بن موسى عن أبيه عليه السّلام

(قال: سألته عن الإبريسم و القزّ، قال هما سواء). «3»

و منها: ما رواها جرّاح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير و لباس الوشي (القسى) و يكره

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 103

الميثرة الحمراء فانها ميثرة ابليس). «1»

و منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج و القز كان عليه حرير؟

قال: لا). «2»

و منها: ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في الحرب). «3»

و منها: ما رواها ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلّا في الحرب). «4»

و منها: ما رواها أحمد بن محمد بن أبي نصر

(قال: سئل الحسين بن قياما أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن و القزّ أكثر من النصف أ يصلّى فيه؟

قال: لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه السّلام منه جبّات). «5»

و منها: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان). «6»

و منها: ما رواها أبو الحسن الأحمسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: سأله أبو

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 11 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(6)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 104

سعيد عن الخميصة و أنا عنده سداه إبريسم، أ يلبسها و كان وجد البرد؟ فأمره أن يلبسها). «1»

و منها: ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(من الثوب يكون فيه الحرير، فقال: ان كان فيه خلط فلا بأس). «2»

و منها: ما رواها موسى بن بكير عن زرارة

(قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام ينهي عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ، أو كتان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء). «3»

و منها: ما رواها محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام

(أنّه كتبت إليه، يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قزّ و أبريسم، هل تجوز الصّلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه السّلام: لا تجوز الصّلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان). «4»

و منها: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده لا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخفّ و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه). «5»

و منها: ما رواها ليث المرادي

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 13 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 105

كسا اسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها، فقال: مهلا يا اسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك). «1»

و منها: ما رواها ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال:

النساء يلبسن الحرير و الديباج إلّا في الاحرام). «2»

و منها: ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير و هي محرمة، فأمّا في الحر و البرد فلا بأس). «3»

و منها: ما رواها الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه

في حديث المناهي (قال: نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن لبس الحرير و الديباج و القزّ للرجال، و امّا النساء فلا بأس). «4»

و منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال: لا بأس). «5»

و منها: ما رواها الريان بن الصلت

(قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس الفراء و السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها و المناطق و الكيمخت و المحشو بالقزّ و الخفاف من أصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب). «6»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(5)- الرواية 9 من الباب 16 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(6)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 106

و هذه الرواية نقلها صاحب الوسائل في الباب 46 من أبواب لباس المصلّي لكن لا بتمامها، و جعلها الرواية 2 من ذلك الباب، فلا تتوهم أنها رواية مستقلة غير هذه الرواية.

و منها: ما رواها الحسين بن سعيد

(قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا عليه السّلام يسأله عن الصّلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه قرأته، لا بأس بالصّلاة فيه). «1»

و منها: ما رواها إبراهيم بن مهزيار

(أنّه كتب إلى أبي محمد عليه السّلام: الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزّا، هل يصلّي فيه؟ فكتب: نعم، لا بأس به). «2»

و غير ذلك من الروايات يراها من راجع كتب الأخبار، و نحن ذكرنا بعضها تيمنا، هذا كلّه بعض الروايات الواردة في الباب،

[الجهات الراجعة الى المسألة]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في بعض الجهات الراجعة الى المسألة، فنقول بعونه تعالى:

الجهة الاولى: [لا اشكال فى الحرمة التكليفية نصا و فتوى فى لبس الحرير للرجال فى غير الضرورة]
اشارة

في أنّه بعد ما لا إشكال نصا و فتوى في حرمة لبس الحرير في مطلق الحالات إلّا ما استثنى في الحرب أو مطلق الضرورة للرجال بالحرمة التكليفية، فهل المنع عنه للرجل في حال الصّلاة أيضا يكون من باب حرمة التكليفية، بمعنى أنّه إذا لبس الرجل الإبريسم حال الصّلاة فقد فعل حراما، و لكن لا يضر ذلك بصلاته، أو أنّه مضافا إلى ذلك يكون لبس الحرير من الموانع للصّلاة بالنسبة إلى الرجال، بمعنى أنّه إن كان لباس المصلي، إذا كان رجلا، الحرير تبطل صلاته.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 47 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 107

[لبس الحرير على الرجال عند العامّة ليس مانعا]

لا يخفى عليك بطلان الصّلاة في لباس الحرير إن كان المصلّي رجلا، و الوجه في ذلك- مضافا إلى تسلم ذلك عندنا، خلافا لما هو المشهور عند العامة من عدم كون لبس الحرير للرجال محرما إلا بالحرمة التكليفية في الصّلاة و غيرها- دلالة بعض الروايات الواردة في الباب في خصوص الصّلاة على ذلك، إذ الظاهر بعد كون حرمة لبسه للرجال بالحرمة التكليفية مسلّم من صدر الأوّل عند المسلمين قاطبة من العامة و الخاصة، كون سؤال السائلين من زمن الصادقين عليهما السّلام و بعدهما عن مانعيته للصّلاة و عدمها، إذ هذا الحيث كان حيثا ينبغي السؤال عنه، لكون المتداول بين العامة من المسلمين عدم كونه من موانع الصّلاة، فالظاهر مثلا من رواية إسماعيل بن سعد الأحوص المتقدمة إذا سئل عن الرضا عليه السّلام (هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم) هو كون سؤاله عن مانعية ثوب أبريسم للصّلاة أم لا، و جوابه عليه السّلام بقوله (لا) يريد مانعيته

للصّلاة (مضافا إلى ما أفاده سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في الاصول- في مقام بيان كون النزاع في أنّ النهي في العبادة هل يوجب فسادها أم لا- بأن النزاع تارة يكون في أنّ النهي المتعلّق بالعبادة هل يدلّ على الحرمة التكليفية مثل ساير الموارد، و يكون على هذا نهيا مولويا، أو أنّ النهي في أمثال هذا المورد يكون إرشاديا يرشد بفساد العبادة، و تارة يكون النزاع- بعد الفراغ عن كون النهي في مثل هذه الموارد نهيا تحريما مولويا- في أنّ النهي التحريمي بالعبادة يوجب فسادها أم لا، و يظهر لك الفرق بين النزاعين موضوعا و محمولا.

فبناء على كون النزاع تارة في أنّ النهي في مثل هذه الموارد للارشاد إلى فساد العبادة، أو للنهي التحريمي المولوي، فإذا كان الظاهر من النهي المتعلّق بالعبادة إرشادا إلى فساد العبادة إذا وقعت العبادة مع النهي عنه، فيظهر لك أنّ الظاهر من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 108

النهي عن الصّلاة في الحرير للرجال هو الارشاد إلى فساد الصّلاة إذا كان لباس الرجل المصلي حريرا، و يظهر من بعض في وجه فساد الصّلاة في الحرير بأنّ النهي متعلق بالصّلاة في الحرير و النهي في العبادة مستلزم للفساد، فالنهي في المقام يقتضي فساد الصّلاة في الحرير للرجال) و على كل حال لا إشكال في مانعية الحرير للصّلاة بالنسبة إلى الرجال.

الجهة الثانية: [في ما هو المانع للصّلاة هو خصوص المنسوج من الابريسم]

هل المحرّم لبسه من الحرير، بالحرمة التكليفية أو مانعية لبسه في الصّلاة، مخصوص بما إذا كان الإبريسم منسوجا، أو يعم الحكم بمطلق الإبريسم و إن لم يكن منسوجا؟

لا يبعد كون المحرّم لبسه و ما هو مانع للصّلاة للرجال هو خصوص المنسوج من الإبريسم و أمّا ما لم يكن منسوجا كنفس الإبريسم و القزّ

الغير المنسوج، فلم يكن مانعا للصّلاة و محرّما للرجال، لأنّ الظاهر من بعض الروايات هو وقوع التعبير فيها بالحرير أو الديباج، و الظاهر كونهما ممّا ينسج من أبريسم بوضع خاص و خصوصية مخصوصة، كما يظهر من اللغة و على كل حال هما منسوجان، و ما في بعض الروايات المتقدمة من التعبير بالإبريسم، مثل رواية إسماعيل بن سعد الأحوص، و هي الرواية الاولى ممّا ذكرنا (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ فقال: لا) فهي و إن تدلّ على عدم جواز الصّلاة في أبريسم، و لكن بعد ما سئل السائل و قال (في ثوب أبريسم) مراده السؤال عن ثوب أبريسم، فأيضا تدلّ على أن المحرّم هو منسوج أبريسم، لأنّ ثوب أبريسم منسوج.

فعلى هذا لا يستفاد من روايات الباب كون نفس الإبريسم و القزّ محرما لبسهما و الصّلاة فيهما، و لا يعد عند العرف من وضع على بدنه أبريسم غير منسوج

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 109

بأنّه لابس ذلك، فعلى هذا وضع الشخص على بدنه الإبريسم الغير المنسوج لا يكون محرّما و لا مانع من الصّلاة فيه للرجال، نعم قد لا يكون الإبريسم بصورة المنسوج و يتخذ منه لباسا كالنمد مثلا، فهل يقال: بعدم الاشكال في ذلك لعدم كونه منسوجا، بل يعمل كالمنسوج و إن اتخذ منه لباسا، و فرض كون ذلك من الإبريسم أو القزّ، أو يقال بعدم جواز ذلك، لأنّه لباس و ثياب كالمنسوج و إن لم يكن منسوجا.

لا يبعد عدم جواز الصّلاة في مثل ذلك الثوب، و كونه ممّا يحرم لبسه إذا كان من أبريسم، لأنّه كالمنسوج أولا، و شمول رواية إسماعيل بن سعد الأحوص مثل هذا ثانيا،

لدلالتها على عدم جواز الصّلاة في ثوب الإبريسم، و هذا ثوب الإبريسم، فافهم.

و يؤيد ما قلنا من عدم كون نفس الإبريسم و القزّ محرما كما استفدت من مطاوي كلمات سيدنا الاستاد مد ظلّه هو بعض الروايات الواردة في حشو الثوب بالقزّ من عدم الإشكال فيه، مع كون القزّ في الحكم كالإبريسم، كما يستفاد من بعض روايات الباب، و ما نقل عن الصّدوق رحمه اللّه من كون المراد من القزّ الّذي يجعل حشوا هو قزّ المفرط، لا وجه له، لأنّ القزّ اسم لغة لما يسوّى منه الإبريسم، فعلى هذا لا يبقى إشكال في عدم كون المحرم بالحرمة التكليفية و الوضعية نفس الإبريسم.

الجهة الثالثة: [في البحث عن مفاد الروايات الواردة فى الثوب الحرير]
اشارة

قد يقال بكون الكف من الحرير و العلم و الزرّ خارجين موضوعا عن تحت العمومات أو الاطلاقات الدالّة على المنع من لبس الحرير و الإبريسم، و منشأ تخيل ذلك هو كون المراد من الحرير المحض بعد كون الحرير هو المنسوج من الإبريسم و كون النهى عن لبسه أو الصّلاة فيه هو كون المحرّم هو ثوب الحرير، و ثوب الحرير بعد تقييده بكونه محضا، يفيد أنّ المحرم أو المانع في الصّلاة هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 110

كون الثوب بتمامه حريرا، فإذا لم يكن الثوب حريرا بتمامه فلا إشكال فيه، فعلى هذا لا إشكال في المكفوف و العلم و خصوصا الزرّ.

إذا عرفت ذلك نقول بعبارة اوضح: إنّ منشأ كون الكف و العلم خارجين بالخروج الموضوعي عن الإطلاقات و عدم خروجهما هو أنّه تارة يقال: بأنّ متعلق النهي الوارد في بعض الروايات المذكورة من أنّه (إنّما كره الحرير المبهم) أو (المصمت من الإبريسم) أو (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هو الثوب الّذي يكون حريرا محضا،

و يكون مقابله جواز الصّلاة و عدم الحرمة في ما لم يكن تمام الثوب حريرا محضا إمّا بأنّ يكون سداه أو لحمته غير حرير، و إمّا بأنّ يكون بعض الثوب حريرا محضا بدون مزجه بشي ء اخر و بعضه غير حرير، أو حرير مخلوط، مثلا يكون أعلى الثوب من القطن الخالص أو من الحرير الممزج بغيره، و أسفله من الحرير المحض الخالص، فإن كان متعلق النهي في قوله مثلا (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هذا، فلا إشكال في خروج مثل الكف و العلم و نظائرهما عن تحت هذا العموم رأسا أعنى:

موضوعا، بحيث لو كنا نحن و هذا العموم، نحكم بعدم شمول النهي لمثل هذه الموارد و إن لم يرد دليل خاص باخراج مثل هذه الموارد عن تحت حكم العام.

و تارة يقال: بأنّ متعلق النهي في قوله مثلا (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) هو الحرير المحض المقابل للممزوج و المختلط بغيره، و بعبارة اخرى يكون المراد من الحرير المحض ما يكون سداه و لحمته حريرا محضا أى خالصا سواء كان يطلق عليه الثوب أم لا و في مقابله الممزوج و المختلط، بأن يكون سداه أو لحمته، أو بعض من احدهما غير الحرير، فإن كان الامر كذلك، فالخارج موضوعا هو خصوص ما لا يكون سدا المنسوج و لحمته بتمامه حريرا، و أمّا إذا كان المنسوج حريرا محضا، و إن لم

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 111

يكن تمام الثوب بل أعلى الثوب أو أسفله حريرا محضا من حيث السدا و اللحمة، فلا يجوز لبسه و الصّلاة فيه إلا أن يرد دليل خاص باخراجه عن هذا العموم، فعلى هذا يدخل الكف من الحرير أيضا تحت العموم، و إخراجه

عن حكم العموم محتاج إلى دليل خاص، و إذا ورد دليل خاص بجوازه، فيكون نسبة هذا الدليل مع العموم المذكور تخصيصا لا تخصصا بخلاف صورة الاولى.

[يستفاد من الاخبار المنع عن لبس الثوب]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يقال: بكون الحق هو الصورة الاولى، لأنّ المستفاد من الروايات الدالّة على المنع عن الصّلاة في ثوب أبريسم و حرمة لبسه، هو النهي عن ثوب الحرير حيث إنّ في بعضها التصريح بالثوب مثل رواية إسماعيل بن سعد الاحوص، لأنّها نص في النهي عن الصّلاة في ثوب أبريسم، فما ليس بثوب لا يدخل تحت موضوع الحكم أصلا، مثل ما اذا كان بعض الثوب أو كفه أو علمه و زرّه حريرا، و في بعضها و إن عبّر بلفظ الحرير و المستفاد منها النهي عن لبس الحرير، و لكن المستفاد منها أيضا ما إذا كان ثوبا، لأنّ ظاهر الظرفية الحقيقية يقتضي ذلك، فقوله عليه السّلام في مكاتبة محمد بن عبد الجبار (لا تحل الصّلاة في حرير المحض) لا تصدق الظرفية الحقيقية إلّا إذا كان الحرير ثوبا حتّى يصح كون الصّلاة فيه، و يقال: تحل الصّلاة أو لا تحل في حرير المحض مثلا، و في بعضها عبر بلفظ اللباس مثلا قال في رواية جراح المدائنيّ (و يكره لباس الحرير)، و الظاهر منه كون اللباس حريرا لا بعض اللباس، فيستظهر من كل ذلك كون أبعاض الثوب من الكف و غيره خارجا موضوعا عن العموم الدال على المنع عن الحرير.

إن قلت: إنّ التعبير في بعض الروايات بالحرير المحض، و كون المستفاد منها هو أنّ المانع في الصّلاة و المنهي لبسه هو الحرير الخالص أعني غير الممتزج بغيره،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 112

و كون الحكم من الحرمة و المانعية دائرا مدار

كون الحرير محضا سواء كان تمام الثوب أو بعضه، كما يظهر من رواية زرارة، لأنّ المستفاد منها عدم البأس بما كان من حرير مخلوط بخزّ أو قطن أو كتان، و إنّما يكره الحرير المحض، شاهد على أنّ النهي غير مختص بما كان تمام الثوب حريرا، بل المنهي عنه هو الحرير المحض، سواء كان تمام الثوب أو بعضه، فإذا كان كف الثوب مثلا أو أعلى الثوب حريرا محضا أى: غير مخلوط بغير الحرير، فمحرم لبسه و الصّلاة فيه و إن كان بعضه الآخر من الثوب أو أسفل الثوب قطنا خالصا.

نقول: بأنّ المراد بالحرير المحض ما يقابل الحرير المخلوط أعنى: ما يكون سداه أو لحمته غير حرير، و ما يقابل الثوب الّذي يكون بعضه حريرا محضا و أسفله، و بعضه الآخر غير حرير و بعبارة اخرى إذا كان بعض الثوب، مثلا ظهارة الثوب، حريرا خالصا و سداه و لحمته، و يكون بطانته غير حرير، أو بالعكس، أو كان كف الثوب أو علمه أو زرّه حريرا من سداه و لحمته، و لكن ما بقي الثوب لا يكون حريرا، فلم يكن حريرا محضا.

[و الشاهد على ما قلنا رواية يوسف بن ابراهيم]

و الشاهد على ذلك رواية يوسف بن إبراهيم المتقدمة رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا و إنّما كره الحرير المبهم للرجال) فإنّ المستفاد منها هو أن الحرير المبهم أعنى: الحرير المحض ما يقابل الثوب الّذي يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و لم يكن لحمته أو غير زرّه و علمه حريرا، فإذا كان زرّ الثوب أو علمه أو سدا الثوب فقط حريرا فلا بأس به، و إنّما يكره الحرير المبهم.

و الظاهر من

الرواية هو عدم كون ما يكون سداه أو زرّه أو علمه حريرا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 113

داخلا في موضوع حرير المحض المحرم لبسه و الصّلاة فيه للرجال، لأنّه قال عليه السّلام (لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا و إنّما كره الحرير المبهم للرجال) لأنّ ظاهرها هو كون الحرير على قسمين: حرير غير مبهم، و هو ما يكون سداه أو زرّه أو علمه حريرا فقط، و حرير مبهم و هو ما يقابل القسم الأول، و ما هو موضوع للحرمة هو القسم الثاني، فالقسم الأوّل خارج موضوعا عن هذا الحكم، فعلى هذا لا حاجة في إخراج صورة كون سدا الثوب أو لحمته حريرا، و كذا صورة كون زرّ الثوب أو علمه أو كفه حريرا إلى ورود دليل خاص دالّ على إخراجها من العموم الدالّ على المنع من لبس الحرير و الصّلاة فيه، بل هذا القسم خارج موضوعا.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه كون الكف و العلم و الزرّ خارجا موضوعا عن تحت عموم المنع عن لبس الحرير، و لكن فيه أنّ ما ادعيت من أنّ الظاهر من رواية إسماعيل بن سعد هو كون المنهي ثوب أبريسم، و المستفاد ممّا ورد بتعبير (في حرير المحض) هو على ما يقتضي الظاهر من الظرفية كونه أيضا ثوبا حتّى يصح أن يقال: (لا تصلّ فيه) فاسد، فإنّ ما عبر فيه بثوب أبريسم، فهو كما قلنا في مطاوي كلماتنا السابقة يكون من باب عدم كون المنهى خصوص أبريسم، بل المنهي المنسوج منه، فالتعبير بثوب أبريسم يكون من باب كون المنهي المنسوج من أبريسم لا خصوص الثوب (و لهذا لو اتخذ منسوجا من أبريسم على

نحو غير الثياب، و أوقعه على بدنه، فلا يمكن الالتزام بعدم الاشكال في ذلك لعدم كونه من الثياب) و قلنا بأنّ لفظ الحرير الوارد في بعض الروايات شاهد على أن المنهى هو الحرير لا الإبريسم، مضافا إلى أنّ هذا أعنى: ثوب أبريسم وقع في سؤال السائل، و لا على انحصار المنهي بخصوص ما سئل السائل، فإنّ إسماعيل قال (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام هل يصلّي في ثوب أبريسم؟ فقال: لا) فلا يستفاد من الرواية كون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 114

النهي منحصرا بثوب أبريسم.

[و الشاهد على ما اخترناه رواية اسماعيل بن الفضل]

و أمّا الحرير المحض فعلى ما يستفاد من بعض الروايات هو أن المحوضة في قبال الخلط بغير الحرير، مثل ما إذا كان سداه أو لحمته أو بعض منهما حريرا، و بعضه الآخر غير حرير، مثل رواية زرارة المذكورة في الباب 13 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و كذا رواية عبيد بن زرارة المذكورة في هذا الباب من الوسائل، لا أن يكون المراد من حرير المحض كون تمام الثوب حريرا في قبال ما إذا كان بعض الثوب حريرا و إن كان هذا البعض لمحته و سداه.

و الشاهد على ذلك ما رواها إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الثوب يكون فيه الحرير. (فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس) «1» لأنّ المستفاد منها هو أن بعض الثوب إذا كان حريرا غير مخلوط بشي ء اخر من القطن أو غيره لا تجوز الصّلاة فيه بالمفهوم، و منطوقها يدلّ على عدم الباس إذا كان في هذا البعض خلط، فالرواية تدلّ على أنّ عدم الباس في ما إذا كان بعض الثوب حريرا في صورة يكون في هذا البعض الّذي يكون من

الثوب حريرا خلط لأنّ مرجع ضمير (فيه) هو (الحرير) يعني في الثوب يكون في هذا الثوب الحرير، فقال: ان كان في هذا الحرير الذي في الثوب خلط فلا بأس (اللهم إلا أن يقال: بأنّ ضمير (فيه) راجع إلى الثوب، و كان المراد أنّه إن كان في الثوب خلط فلا بأس، فيقال إن خلطه باعتبار عدم كون تمام الثوب حريرا، و هو بعيد إلى الغاية.

و أمّا رواية يوسف بن إبراهيم و أبو داود يوسف بن إبراهيم فقلنا سابقا: إنّ كلاهما رواية واحدة و أبو داود كنية يوسف بن إبراهيم، و ما ترى في الوسائل في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 12 من ابواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 115

مقام نقل سند رواية أبي داود من أنّه ذكر (أبي داود بن يوسف بن إبراهيم) اشتباه، و على كل حال ذكرنا الروايتين سابقا، و نذكره مجددا لتتميم الفائدة.

فنقول: إنّ من روايات الباب رواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال.

اعلم أنّ الكراهة في الرواية ليست الكراهة المصطلحة، لأنّ الكراهة تارة تنسب إلى فعل، فيقال: إنّ الصّلاة في الحمام مكروه، فالكراهة هو الكراهة المصطلحة، و أمّا في المقام فقوله (إنّما كره الحرير المبهم للرجال) حيث لم تنسب إلى فعل، فالمراد منها هو مكروهية هذا، و بالفارسية (ناخوش داشتن) فليست الكراهة في الرواية شاهدة على أنّ الحرير يكره بالكراهة المصطلحة.

[في ذكر الاحتمالات المربوطة]
اشارة

إذا عرفت هذا نقول: إنّ في الرواية احتمالين:

أحدهما: ما يظهر من عبارة صاحب الجواهر ره

«1» و الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه «2» في مقام بيان إثبات كون الكف و نظائره خارجا موضوعا عن العمومات الناهية عن لبس الحرير، و هو أن يقال: يستفاد من الرواية من عدم البأس بما يكون سدا الثوب و زرّه و علمه حريرا، و دوران حكم النهي مدار كون الحرير مبهما أى: محضا، بأنّ ما إذا كان سدا الثوب أو زرّه أو علمه حريرا لم يكن حريرا محضا، لأنّ الظاهر من الرواية كونه عليه السّلام في مقام بيان حكمين متقابلين من حيث الموضوع فموضوع، الجواز هو الحرير الغير المحض، و هو ما إذا كان سد الثوب

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 129 و 130 و 131.

(2)- مصباح الفقيه، ج 10، ص 336 و 337.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 116

أو زرّه أو علمه حريرا، و موضوع عدم الجواز ما إذا كان الثوب بتمامه حريرا محضا، فيستفاد من الرواية أنّه إذا كان علم الثوب أو زرّه أو سداه حريرا لم يكن موضوع حكم النهى من رأس، فتكون النتيجة أنّ بعض الثوب إذا كان حريرا سواء كان بنحو يكون سداه أو لحمته حريرا فقط، أو كان زرّه أو علم الثوب حريرا فقط، و ليس تمام الثوب حريرا لا بأس به، لعدم كون ذلك من أفراد ما هو موضوع الحرمة أو الفساد.

و ثانيهما أن يقال:

إن غاية ما يستفاد من الرواية كون الامام عليه السّلام في مقام بيان حكمين: عدم البأس في مورد، و البأس في مورد، فبقوله (إنّما كره الحرير المبهم) يفيد أن الحرير المبهم، أى: المحض، مكروه عنده أى: غير مرضيه لا الكراهة المصطلحة، بل الكراهة الّتي تساعد مع الحرمة، و لا تنافي مع بعض الروايات الدالّة على

الحرمة، و بقوله (لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا) يفيد عدم البأس في ذلك، و لا يلزم من حكمه بعدم البأس في ذلك كون ذلك خارجا موضوعا عن الحكم المحمول على الحرير، و هو النهي، بل يحتمل كون ذلك استثناء من هذا العموم، فعدم البأس في سد الثوب و زرّه و علمه قابل لأنّ يكون من باب عدم كونها من أفراد موضوع ما هو المحكوم بالحرمة من الحرير و لاجل هذا لا بأس بها، و قابل لأن يكون خروجها من الحكم فقط و إن كانت داخلا في الموضوع، فيكون تخصيصا، و قابل بأن يكون حكمه بعدم البأس في هذه الثلاثة في بعضها من باب خروجه موضوعا كسدى الثوب، و في بعضها حكما كزرّه و علمه، و حمل الصدر في قوله عليه السّلام (لا بأس بالثوب بان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا) على خروج الحكمى، و استثنائه عن الحكم المبين في الذيل، و هو قوله عليه السّلام (إنّما كره الحرير المبهم) لا ينافي مع الذيل لأنّه أثبت حكما بطريق العموم في الذيل، و في الصدر بين بعض ما هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 117

خارج عن الحكم، فعلى هذا لا تصير الرواية دليلا على كون خروج بعض الثوب من علمه و زرّه أو كفه خروج الموضوعي. «1»

و بعد ما عرفت من أنّ في الرواية احتمالين، فليس ظهور لها في الاحتمال الأوّل حتى يكون المستفاد خروج مثل الكف و نظائره بالخروج الموضوعي، اذ قابل لأنّ تحمل على الاحتمال الثاني، و غايته خروج علم الثوب و زرّه عن الحكم لا الموضوع.

و من هنا يظهر لك حال رواية داود يوسف بن إبراهيم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت له: طيلسانى في هذا خزّ قال: و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه أبريسم، قال: و ما بال الإبريسم، قال: لا تكره أن يكون سد الثوب أبريسم و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، و لا يكره للنساء) لأنّ هذه الرواية أيضا يحتمل فيها احتمالان المتقدمان على فرض كونها رواية مستقلة، و كما قلنا في السابقة تكون الرواية قابلة لحملها على الاحتمال الثاني (و لعل حمل هذه الرواية على الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتقدمين يكون أولى، لأنّ مفاد الرواية هو عدم الكراهة في سدا الثوب و زرّه و علمه إن كان حريرا، و الكراهة إن كان أبريسما

______________________________

(1)- أقول: مضافا أن زرّ الثوب و كذا علمه لم يكن من بعض الثوب و لم يكن كالكف، فإنّ الزرّ شي ء خارج يجعل على الثوب أعنى (التكة) و علم الثوب، على ما يظهر من كلام بعض أهل اللغة، رسم الثوب و رقمه، و لعل المراد بعض ما يخاط في أطراف الثوب من الإبريسم، فلو فرض إخراج العلم و الزرّ موضوعا لا يمكن التعدي إلى غيره، كالكف أو ما إذا كان اعلى الثوب بتمامه حريرا خالصا و أسفله غير الحرير، أو ما إذا كان قدام الثوب حريرا خالصا و خلفه غير حرير، لأنّ كل هذا بعض الثوب.

و لكن يمكن أن يقول الخصم: بان خروج علم الثوب و زرّه ليس إلا من باب عدم كون تمام الثوب حريرا محضا و المحرّم هو الثوب المنسوج من الحرير كله، فكل ما لم يكن كذلك ليس بحرام بالحرمة الوضعية و التكليفية. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 118

مصمتا، و

غاية دلالتها هو المكروهية.

فظهر لك ممّا مر أنّه لا وجه للالتزام بأنّ موضوع المنع هو خصوص ما إذا كان الثوب بتمامه حريرا، و عدم دخول ما يكون بعضه حريرا فقط، و إن كان هذا البعض حريرا بلحمته و سداه في موضوع الحكم، و النهي الوارد عن لبس الحرير و الصّلاة فيه، لما مرّ من عدم ظهور دليل على الاختصاص، و خصوصا لعدم إمكان الالتزام بذلك، فكيف يمكن الالتزام بعدم كون الثوب الّذي قدامه فقط حريرا خالصا، و خلفه غير حرير، أو أعلاه حريرا خالصا و أسفله غير حرير، أو ظهارته حريرا خالصا و بطانته غير حرير، أو بالعكس، من أفراد الموضوع الّذي يكون مورد النهي عن لبسه.

و لهذا ترى أنّ بعض من توهّم كون مثل الكف خارجا موضوعا، بدعوى كون موضوع الحكم هو الثوب، فبعض الثوب خارج عن موضوع الحكم، وقع في المخمصة في مثل الأمثلة المتقدمة، و التزم بعدم كون مثلها خارجا عن موضوع الحكم، و بأن العمومات تشملها، كما ترى من عبارة صاحب الجواهر رحمه اللّه «1»، و صار في مقام رفع الاشكال، و الحال أنّه لو التزمنا بهذه المقالة لا فرق بين ما يكون كف الثوب حريرا محضا و بين ما يكون أعلى الثوب حريرا محضا، و أسفله غير حرير و هكذا.

فعلى هذا بعد عدم إمكان الالتزام بعدم شمول العمومات لمثل المكفوف بالحرير و دخول مثله في العموم، لا بدّ من إخراجه من ورود دليل خاص على إخراجه حتّى يقال: خصص العموم به، و إلّا لو لم يرد دليل مخصص لا وجه لخروج مثل الكف عن العموم، فيبقى الكلام بعد ذلك في أنّه هل الكف و العلم و زرّ الثوب

______________________________

(1)- جواهر

الكلام، ج 8، ص 130.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 119

استثنى عن الحكم الصادر في باب الحرير و هو النهي عن لبسه و الصّلاة فيه أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض استادنا الاعظم مدّ ظلّه لبيان حكم المكفوف بالحرير و علم الثوب و زرّه إن كانا حريرين، و قال مدّ ظلّه فقط: بأنّه بعد التفحص التام في باب موضوع الكف لم أجد شيئا يمكن أن يقال: إنّه موضوعه، فعلى هذا يكون الموضوع غير مبين و إن فرض كون حكمه الجواز.

أقول: أمّا بالنسبة إلى زرّ الثوب، فلا مجال للاشكال في جواز كونه حريرا، لدلالة رواية يوسف بن إبراهيم على ذلك، و أمّا بالنسبة إلى علم الثوب فرواية يوسف بن إبراهيم تدلّ على عدم البأس بكون علم الثوب حريرا، و لكن في قبال ذلك يستفاد من رواية عمار بن موسى عدم جواز الصّلاة فيه، لأنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: و عن الثوب يكون علمه ديباج، قال: لا يصلّي فيه) فلو قلنا: بأنّ ما هو الممنوع لبسه من الحرير لا تجوز الصّلاة فيه، لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و رواية يوسف بن إبراهيم: بأنّ رواية عمار متعرض للصّلاة و رواية يوسف أعم من حال الصّلاة و غيره، فتكون نتيجة الجمع عدم جواز في ما إذا كان علم الثوب حريرا، لأنّ ما لا يجوز لبسه في غير الصّلاة لا تجوز الصّلاة فيه، لأنّ كل من جوز اللبس في مورد في مسئلة الحرير جوز لبسه، و كل من لا تجوز الصّلاة لا يجوز لبسه في غير حال الصّلاة، فعلى هذا لا يبعد بالنظر أن يجمع بينهما بحمل رواية عمار على الكراهة بقرينة (لا بأس)

في رواية يوسف.

و يؤيد ذلك أنّ من يراجع جميع رواية عمار في التهذيب، يرى أنّ فيها النهي عن بعض امور اخر لا يحمل النهي في بعضها إلا على الكراهة، و أمّا بالنسبة إلى الكف فنقول بعد عدم إمكان الالتزام بكون كف الثوب خارجا عن موضوع عموم النهي عن لبس الحرير و الصّلاة فيه كما قدمنا، فلا بدّ من ورود دليل على استثناء الكف، و لا نجد في الرواية ما يدلّ على الجواز إلا ما قد يتوهم من أنّ رواية جراح المدائنيّ المتقدمة (و هي هذه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير، و يكره الميثرة الحمراء فإنّها ميثرة ابليس) تدلّ على كراهة لبس القميص المكفوف بالديباج.

و لكن فيه، مع قطع النظر عما يقال: من أنّ الكراهة الواردة في الروايات ليست الكراهة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 120

الجهة الرابعة: [هل الحرمة تختص بما اذا كان الحرير ممّا تتمّ فيه الصّلاة او لا؟]
اشارة

هل الحرمة تختص بما إذا كان الحرير ممّا تتمّ الصّلاة فيه فقط أو لا، بل لا تجوز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا أيضا، كالقلنسوة و التكة و نحوها، و منشأ الشمول و عدمه اختلاف ما ورد في المسألة من الروايات، فنذكر أولا بعض الروايات المتعرضة للمسألة، ثمّ نتكلم فيه، و نبين ما هو الحق في المقام.

فنقول: إنّ ما يمكن الاستدلال للمنع عن لبس ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا هو:

______________________________

المصطلحة، أنّ الكراهة إذا نسب إلى الشخص، كما قلنا في طي الكلام في رواية يوسف بن إبراهيم هو كراهة الشخص عن ذلك و أنّه مكروه طبعه، لا أن يكون المراد أنّ المحبوب عنده تركه و إنّ كان راضيا بفعله، و كون شي ء مكروها عند الشخص يقال

حتّى بالنسبة إلى المحرمات، فيصح أن يقال: إنّ شرب الخمر ممّا يكرهه الشخص الفلاني مثلا، فالرواية لا تدلّ على جواز لبس المكفوف بالديباج، فعلى هذا لا وجه لاستثنائه.

امّا التمسك ببعض ما ورد في ما لا تتمّ الصّلاة فيه، فيقال: إنّ كف الثوب خصوصا إذا كان بقدر أربع أصابع، كما حدده بعض، يكون ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا، فمع ما سيأتى إن شاء اللّه من الاشكال في جواز لبس الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، بأن الظاهر من الرواية الواردة فيما لا تتم، هو ما إذا كان ذلك منفردا كالقلنسوة و نظائرها، لا إذا كان بعض الثوب كالكف، و من هنا يظهر أنّ الثوب إذا كان ذي الطرائق، و كان بعض طرائقه حريرا محضا بسداه و لحمته، فإنّ كان بعض طرائقه الّذي يكون حريرا غير واسع مثلا يكون خيطا واحدا أو خيطين، فلا يبعد عدم الاشكال فيه، لأنّ ذلك إن كان مورد الاشكال فيأتي الاشكال في حرير ممزوج من الإبريسم و غيره إذا كان الحرير أكثر من النصف مثلا كان ثلثيه حريرا و ثلثه الآخر غير حرير، أو يكون فقط ربعه أو خمسه غير حرير، لأنّ في ما كان خمس الثوب غير حرير، فقهرا يكون سدا الثوب كلّه حريرا و اكثر من لحمته أيضا حريرا فتوجد في الثوب مواضع تكون كلها حريرا محضا بسداه و لحمته مثل هذا القبيل من الثوب الّذي له طرائق من حرير، نعم بعض أثواب الّذي يكون طرائقه وسيعا مثل ما إذا كان طرائقه بحيث يقع أسفل الثوب طريقا من الحرير و أعلاه من غيره، فيكون لبسه و الصّلاة فيه مورد الاشكال، هذا كله ما يخطر بالبال فعلا حتّى

يتأمل بعد ذلك. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 121

الرّواية الّتي رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحلّ الصّلاة في حرير المحض). «1»

و الرواية الّتي رواها رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام:

أسأله هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السّلام: لا تحل الصّلاة في حرير محض). «2»

و الرواية الّتي رواها محمد بن عبد الجبار (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، و تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصّلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيّا حلّت فيه إن شاء اللّه). «3»

و قد عرفت سابقا أنّ صاحب الوسائل رحمه اللّه و إن عدّ هذه الروايات ثلاثة إلّا أنها ليست إلّا رواية واحدة رواها محمد بن عبد الجبار عن أبي محمد عليه السّلام.

وجه الاستدلال بها هو أنّه بعد ما سئل عنه عليه السّلام عن الصّلاة في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج، أجاب عليه السّلام بعدم حلية الصّلاة في حرير محض، فيكون المفاد بعد كون الامام عليه السّلام في مقام جواب السائل أنّه عليه السّلام اعطى عموما يستفاد منه حكم الصغرى الّتي سئل عنها، و هي قلنسوة حرير أو الديباج، بأنّه لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض، يعنى كلّ ما يكون حريرا محضا لا تحلّ الصّلاة فيه، سواء كان ممّا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من أبواب لباس

المصلي من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 122

تتم فيه الصّلاة منفردا، أولا، و تكون الحلية و عدمها مدار كون الحرير غير محض و كونه محضا، فيستفاد من الرواية عدم جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده.

[في ذكر ما يستدلّ به على جواز الصّلاة فى الحرير اذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه]

و أمّا ما يستدل به على جواز الصّلاة في الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه واحده، ما رواها الشّيخ باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كل ما لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس بالصّلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه). «1»

قد يشكل في الرواية من حيث ضعف سندها بأحمد بن هلال، للتوقيع الصادر في ذمّه، و يجاب عن ذلك، كما يظهر من بعض، بأنّ ابن الغضائري المعروف لم يتوقف في حديث أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب، لأنّه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث مع أنّ الأصحاب بين عامل به، و بين متوقف متردد من جهة، و بين مرجح لغيره عليه، و الجميع فرع الحجية مضافا إلى أن التوقيع لم ينقله إلّا الكشي، و على كل حال، مع قطع النظر عن السند، لا إشكال في دلالتها على عدم البأس في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من الحرير، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف إذا صنع من الإبريسم و الزنار.

[ذكر وجوه الجمع بين الخبرين و الترجيح]
اشارة

إذا عرفت ذلك، فنقول: يقع التعارض بين رواية محمد بن عبد الجبار و بين رواية الحلبى، لأنّ مفاد الاولى عدم الجواز الصلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده، و مفاد الثانية جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة واحده، ففي مقام رفع التعارض

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 123

بالجمع بينهما، أو بترجيح أحدهما على الآخر

يمكن أن يقال بوجوه:

الوجه الأول: حمل الرواية الاولى على الكراهة

، أعنى: رواية محمد بن عبد الجبار، على الكراهة بقرينة رواية الحلبى، لأنّ رواية محمد بن عبد الجبار ظاهر في الحرمة، و رواية الحلبى نص في عدم الباس، فيتصرف في ظاهر الاولى بقرينة الثانية، و تكون نتيجة الجمع كراهة الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير.

و فيه أنّ هذا النحو من الجمع و إن كان عرفيا، و يقال في غير المقام، لكن لا يمكن أن يقال به في المقام، لأنّ لازم هذا الجمع هو حمل قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) في رواية محمد بن عبد الجبار على الكراهة، فيكون المراد من هذه الفقرة بعد هذا الجمع، هو كراهة الصّلاة في الحرير المحض، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، لأنّ الصّلاة في الحرير المحض حرام في الجملة، لأنّ في ما تتمّ الصّلاة فيه منفردا من الحرير لا تجوز الصّلاة مسلما لا أن يكون مكروها، و بعد عدم إمكان حمل عموم قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) على الكراهة، فلا يمكن الالتزام بهذا الجمع.

الوجه الثاني: هو تخصيص عموم الوارد في رواية محمد بن عبد الجبار

، و هو (لا تحل الصّلاة في الحرير المحض) برواية الحلبى الدالّة على جواز الصّلاة في خصوص ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا.

و يشكل على ذلك الجمع بأنّ تخصيص هذا العموم بما لا تتمّ فيه الصّلاة لا يصح في المقام، لأنّه بعد ما سئل محمد بن عبد الجبار عن قلنسوة حرير، و أجاب عليه السّلام عنه بقوله الشريف (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) فيكون هذا العموم واردا على سبب خاص و هو الصّلاة في القلنسوة، فيكون العام بالنسبة إلى القلنسوة نصّا و بعد كونه نصّابا لنسبة إليه، فتخصيصه بدليل خارج في خصوص المورد الّذي يكون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 124

العموم نصا فيه، يكون من تخصيص المستهجن، فلا يمكن الالتزام بتخصيص العموم في خصوص القلنسوة الّتي لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا، فلأجل هذا الاشكال في هذا النحو من الجمع بين الروايتين.

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ نظر السائل، أعنى: محمد بن عبد الجبار، يحتمل أن لا يكون بخصوص فهم حكم قلنسوة الحرير، بل كان نظره إلى فهم حكم مطلق الحرير في الصّلاة، و ذكر القلنسوة كان من باب كون هذا الفرد من الحرير متعارفا في بلده، مثلا كان المتداول في بلده أن يصنع من الحرير القلنسوة، فلهذا كتب (هل يصلّي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج) و إلّا تمام نظره كان بفهم حكم كلي الحرير في الصّلاة، و الامام عليه السّلام أجاب عنه بنحو الكلي و العموم و قال (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) فبعد عدم كون النظر خصوص القلنسوة، فلا يكون تخصيص العموم في مورده مستهجنا، فتأمل.

الوجه الثالث: أن يقال:
اشارة

إنّه بعد كون الحكم في الحرير لدى العامة هو حرمة لبسه بالحرمة التكليفية، سواء كان في حال الصّلاة أو غير هذا الحال، و ليس فيهم من يقول بكونه من الموانع للصّلاة من باب حرمة الوضعية- نعم يظهر من بعضهم بأنّه بعد كون لبسه محرما تكليفا في مطلق الأحوال، فإنّ لبس الرجل حال الصّلاة الحرير، فحيث إنّ لبسه حرام فالصّلاة الواقعة في الحرير مستلزم للحرمة، فهي فاسدة من باب تعلق النهي باللازم- و على كل حال ليس بينهم فرق في حال الصّلاة و غيره، بل في كلا الحالين لبس الحرير محرّم تكليفا، و لا فرق عندهم في الحرمة بين ما تتم فيه الصّلاة و بين ما لا تتمّ فيه الصّلاة.

فعلى هذا

نقول: بأنّ محمد بن عبد الجبار في مكاتبته سئل عن الصّلاة في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 125

القلنسوة، فيحتمل أن يكون سؤاله من حكم كلي الحرير، كما قلنا سابقا، لا عن خصوص القلنسوة، و كان جواب الامام عليه السّلام بقوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) ناظرا إلى عدم جواز لبس الحرير في الصّلاة كما لا يبعد ذلك، فيكون على هذا الاحتمال العموم في الرواية قابل لأنّ يخصص برواية الحلبي، لأنّه على هذا لم يرد هذا العموم على سبب خاص أعنى: القلنسوة، حتّى يكون التخصيص في مورد القلنسوة مستهجنا، بل كان النظر إلى بيان القلنسوة هو المثال، و المنظور هو فهم حكم كلي الحرير في الصّلاة، و أعطى عليه السّلام جواب سؤال الكلي بهذا العموم، فيجمع بين الروايتين على هذا الاحتمال بنحو المتقدم في الوجه الثاني.

[ذكر الامام لاجل التقيّة الحكم الكلّي]

و يحتمل أن يكون نظر السائل إلى فهم حكم خصوص القلنسوة، و لكن الامام عليه السّلام حيث رأى أنّ العامة يقولون بحرمة لبس الحرير في الصّلاة و في غيرها، و أنّهم لا يفرّقون في حرمة اللبس بين أن يكون ملبوس الحرير ممّا تتمّ فيه منفردا و بين أن يكون ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا، فإن أجاب عن السائل بعدم البأس في الصّلاة في القلنسوة من باب عدم كونه ممّا تتمّ فيه الصّلاة، فيصير سببا لتهاجم العامة و إيذائه أو ايذاء الشيعة، خصوصا مع كون رواية محمد بن عبد الجبار مكاتبة، يمكن أن يراها بعض من المخالفين، فلأجل هذا صرف النظر عليه السّلام عن جواب خصوص القلنسوة و لم يجب عنها أصلا، بل بيّن حكم كلي لا ينافي مع فتوى العامة، و هو قوله (لا تحلّ الصّلاة في الحرير

المحض).

فعلى هذا ليس إعمال تقية في العموم، بل التقية اعملت في عدم جواب خصوص السائل، فلا مانع من الأخذ بالعموم، لكن لا يكون العموم واردا على هذا على سبب خاص و هو القلنسوة، لأنّ الامام عليه السّلام لم يكن في مقام جوابه أصلا على ما

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 126

قلنا حتّى تكون القلنسوة من أفراد العموم، و كان العموم الوارد واردا على سبب خاص، فلا يمكن تخصيصه في موردها، بل بعد عدم كون الامام عليه السّلام في مقام جواب خصوص القلنسوة، فليس في البين إلا عموم، و هو قابل لأنّ يخصص بدليل خاص، و هو رواية الحلبي.

فعلى ما قلنا لا نحمل العموم على التقية، بل في مقام إفادة العموم و هو (لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض) يكون عليه السّلام بسدد بيان حكم الواقعي، و هو عدم حلية الصّلاة في الحرير و ليس مخالفا للعامة، لأنّهم أيضا لا يحلّون الصّلاة في الحرير، غاية الأمر لا من باب خصوصية للصّلاة، بل من باب كون لبسه مطلقا غير محلل، و أمّا إعمال التقيّة يكون في خصوص سكوت الامام عليه السّلام عن بيان حكم خصوص القلنسوة، فإذا لم يبق في البين إلا العموم، فيقال بأنّ هذا العموم مخصص برواية الحلبى المصرحة فيها بعدم البأس بقلنسوة الحرير من باب عدم كونه ممّا لا تتم الصّلاة فيها واحده، فعلى هذا تجوز الصّلاة في ما لا تتمّ الصّلاة فيه منفردا من الحرير.

[لا يحتاج الى تحمل المشقة كما تحملها صاحب الجواهر]

و ممّا ذكرنا ظهر لك أنّه لا حاجة في حمل رواية محمد بن عبد الجبار على التقية إلى بعد الطريق و اطناب الكلام و تحمّل المشقة كما تحمّلها صاحب الجواهر رحمه اللّه فارجع كلامه.

ثمّ إنّه لو فرض إمكان

الجمع بين الروايتين بأحد الوجوه المتقدمة فهو، و إلّا فإنّ لم يمكن الجمع بينهما، و فرض كونهما متعارضين، فإنّ كان لأحدها ترجيح، من الاخذ به، و إلّا فالتخيير أو التوقف على الكلام المذكور في باب التعادل و التراجيح، فنقول في مقام الترجيح: بأنّ أوّل المرجحات يكون الشهرة، و الشهرة كما أثبتنا في محله هي الشهرة الفتوائية، و في المقام و إن توهّم كون المشهور بحسب الفتوى هو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 127

جواز الصّلاة في الحرير إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا، و لكن يظهر للمراجع في كلمات القدماء من الفقهاء الذين قولهم ملاك في كون فتوى مشهورة، عدم كون الجواز مشهورا و كذلك عدمه، فعلى هذا لا يكون على طبق أحد من الروايتين- لا رواية محمد بن عبد الجبار و لا الحلبى- الشهرة الفتوائية، فلا ترجيح لأحد الروايتين على الاخرى بحسب هذا المرجّح.

و إذا لم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر من هذا الحيث، فتصل النوبة بعد ذلك بمرجح اخر، و هو مخالفة العامة، و لا إشكال في أنّ الترجيح بمخالفة العامة يكون لرواية الحلبى، لكونها بمنطوقها مخالفة لهم، لأنّها تدلّ على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير و لبسه في هذا الحال، و لا إشكال في أنّ هذا مخالف مع العامة، لأنّهم لا يفرقون بين ما لا تتمّ و ما تتمّ في الحرمة و عدم الجواز.

و إن قيل: إنّها تدلّ على جواز الصّلاة في ما لا تتمّ بالجواز الوضعي لا التكليفي، و جواز الوضعي ليس مخالفا لهم، لأنّ جلّهم لا يقولون بفساد الصّلاة في الحرير.

نقول: بأنّه على هذا يكون مفهوم الرواية عدم جواز الصّلاة في ما تتمّ

بالحرمة الوضعية و هو مخالف معهم، لأنّ جلّهم كما قلت غير ملتزمين بالفساد، فعلى هذا أيضا تكون الرواية مخالفة لهم) و أمّا رواية محمد بن عبد الجبار فموافق لهم، لأنّهم يقولون بعدم حلية لبسه في حال الصّلاة و في غير هذا الحال (خصوصا مع اشتمال أحد من رواياته الثلاثة على جواز الصّلاة في وبر الأرانب إذا كان ذكيا و هذا موافق للعامة) فعلى هذا لا بدّ من ترجيح رواية الحلبى و طرح رواية محمد بن عبد الجبار، و لكن مع ذلك كلّه نقول: بأنّه إن ثبت عدم شمول الاطلاقات أو العمومات لمّا لا تتم فيه الصّلاة منفردا من الحرير، فنحن مستريح من أجله، و نحكم بجواز الصّلاة فيه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 128

لعدم شمول أدلة حرمة لبس الحرير و مانعيته للصّلاة له من رأس، و أمّا لو قلنا بشمولها له كما لا يبعد، فالحكم بجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا من الحرير مشكل، لأنّ رواية الحلبى لم يكن فيها مقتضى الحجية لضعفها باحمد بن هلال و عدم تمامية وجه لرفع ضعف أحمد بن هلال و بعد ضعفها لا يمكن الاعتماد بها.

الجهة الخامسة: [في حرمة لبس الحرير وضعا و تكليفا مختصة بالرجال]

لا إشكال في كون حرمة اللبس وضعا و تكليفا في الحرير مختصا بالرجال، و خروج النساء عن هذا الحكم لدلالة بعض الروايات على ذلك و تسلّم ذلك عند أصحابنا، و لو فرض وجود رواية دالّة على شمول الحرمة للنساء أيضا فمطروح أو مؤول، لكون جواز لبسه للنساء من المسلمات، فلا ينبغي الاشكال في ذلك، و امّا حكم الخنثى فيأتي إنشاء اللّه عند تعرض حكم الخنثى في بيان حكم لبس الذهب.

المسألة الخامسة: لا يجوز لبس الذهب للرجال و لا الصّلاة فيه
اشارة

، بمعنى فساد الصّلاة بلبسه و الحكم في الجملة مسلم عندنا و عند مخالفينا من حيث حرمة لبسه تكليفا، و كذا فساد الصّلاة بلبسه حالها ممّا لا ينبغي الاشكال فيه عندنا، و استدل على كلا الحكمين ببعض الروايات نذكر بعضه تيمنا:

[في ذكر الاخبار الدالّة على حرمة لبس الذهب للرجال]
الرواية الاولى: ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه ع

(قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام: لا تختم بالذهب، فإنّه زينتك في الآخرة). «1»

و هذه الرواية كما ترى تدلّ على خصوص لبس الخاتم و النهي عنه، و لا يكون مربوطا بمانعيته للصّلاة، مضافا إلى ما يأتي في رواية اخرى بأنّ النهي كان من

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 129

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمير المؤمنين عليه السّلام لا غيره.

الرواية الثانية: ما رواها جراح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب). «1»

و هذه الرواية أيضا لا تدلّ إلّا على النهي عن لبس خصوص خاتم الذهب.

الرواية الثالثة: ما تنتهي سندها بعمار بن موسى عن أبي عبد اللّه ع

(في حديث قال: لا يلبس الرجل الذهب، و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة). «2»

و هذه الرواية مع قطع النظر عن الاشكال في اعتبار سندها، تدلّ على حرمة لبس الذهب للرجال و عدم جواز الصّلاة فيه.

الرواية الرابعة: ما رواها موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّه ع

(في الحديد إنّه حلية أهل النار، و الذهب إنّه حلية أهل الجنة، و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لبسه و الصّلاة فيه). «3» الحديث.

و هذه الرواية مع قطع النظر من الاشكال في سندها تدلّ على حرمة لبس الذهب للرجال و الصّلاة فيه لهم.

الرواية الخامسة: ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه ع

(قال:

قال علي عليه السّلام: نهاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و لا أقول: نهاكم- عن التختم بالذهب، و عن ثياب القسّى، و عن مياثر الارجوان، و عن الملاحف المفدمة و عن القراة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 130

و أنا راكع). «1»

الرواية السادسة: ما رواها جابر الجعفي

(قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

ليس على النساء أذان، إلى أن قال: و يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد، و يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلي فيه، و حرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد). «2»

و غيرها من الروايات و ما تعرض منها لحكم الصّلاة هي الرواية الثالثة و الرابعة و السادسة.

[مناقشة المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إن الكلام في هذه المسألة يقع في مواضع:

الموضع الأول: [في حرمة لبس الذهب للرجال بالحرمة التكليفية لا اشكال فيه]
اشارة

ينبغي الاشكال و التردد في حرمة لبس الذهب للرجال بالحرمة التكليفية، لما يرى من تسلم ذلك عند المسلمين، كما يظهر ذلك للمراجع من شهرة ذلك الحكم في الصدر الأول، كما يستكشف ذلك من الروايات المذكورة في طرق العامة، و كذلك لا مجال لدعوى خلاف ذلك عندنا، كما يظهر ذلك من كلمات كل من تعرض للحكم، و يظهر ذلك من الأخبار الواردة في الباب، فلا وجه للترديد في هذا الحكم.

و أمّا الحرمة الوضعية- أعنى: فساد الصّلاة بلبس الذهب للرجال- فقد يقال في وجه ذلك بكون المورد من صغريات اجتماع الامر و النهي بدعوى أنّه إذا لبس الرجل الذهب و صلّى فيه، ففي عين كون هذا الصّلاة الخارجى صلاة يكون تصرفا

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 30 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 16 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 131

في اللباس الذهب، فاجتمع الامر و النهي في موضع واحد، لأنّ هذا الفعل من باب كونه صلاة واجب، و من باب كونه التصرف في الذهب حرام.

و فيه أمّا أوّلا فلأنّه إذا لم يكن لباس الذهب ساترا للمكلف، بل كان لباسه بدون أن يكون ساترا لعورته في الصّلاة، فلم يكن اجتماع أصلا، لأنّه في هذه الصورة لم يكن لبسه شرطا حتّى يقال: باعتبار كونه شرطا للصّلاة واجب، و باعتبار كونه لبس الذهب حرام، بل في هذه الصورة يكون ذلك من المقارنات الاتفاقية للصّلاة، و غير مربوط بباب الاجتماع أصلا، فلم يكن اتحاد أصلا،

و ثانيا نقول: بأنّه لو فرض كونه ساترا بأن ستر حال الصّلاة عورته باللباس الذهب، فلو

فرض كون لبسه واجبا، فلا يمكن أن تجتمع مع المحرّم بناء على عدم جواز اجتماع الامر و النهي، فعلى هذا نقول: إن قلنا بمقالة المحقّق الخراسانى رحمه اللّه في الشروط بأنّ الشرط ليس دخله في المركب بنحو دخل الأجزاء بمعنى: أنّ الأجزاء في المركب و إن انبسط الامر بالمركب على فوق الأجزاء و انبسط عليها، فصار كل جزء مأمورا به و تعلق به الامر، و لكن الشرائط ليس كذلك، بل المركب مقيد به، و بعبارة اخرى يكون التقييد عقليا، و إلّا فليس من ناحية المولى أمر متعلق بالشرائط، بل العقل يحكم باتيان المشروط مع الشرط، لما يرى من تقيد المركب المشروط به و عدم حصوله بدونه، فإنّ كان الامر كذلك، فلا إشكال في عدم كون ما نحن فيه من صغريات الاجتماع، لأنّه لا أمر على الشرط بل المشروط، مقيد بالقيد، و العقل يحكم باتيان المشروط مع الشرط، فلا يجتمع الامر و النهي.

نعم، إن قلنا بأنّ الامر على المركب، كما ينبسط على الاجزاء، كذلك ينبسط على الشروط، و يكون مرجع الشروط إلى الاجزاء، و تقع كالأجزاء تحت الأمر،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 132

فيكون محل الكلام- أعنى: صورة كون لباس الذهب ساترا- من صغريات اجتماع الامر و النهي، و مع ذلك لا يتم هذا الاستدلال، لأنّه لو فرض كون ما نحن فيه من صغريات باب الاجتماع، و لكن هذا يفيد لمن يقول بالامتناع، و أمّا نحن فقلنا في الاصول بجواز الاجتماع.

[في ذكر اشكال و دفعه]

و لو قيل: بأنّه بعد كون لباس الذهب ممّا يحرم لبسه تكليفا، كما هو المشهور عندنا، بل عند غيرنا من المسلمين، فعلى ما قلنا في الاصول من أنّ العباديات لا بد فيها من قصد التقريب، و

لا بدّ في عمل العبادي أن يكون بحيث يقبل أن يتقرّب به، و إذا كان العمل عملا يكون طغيانا للمولى و معصية له، لا يكون مقرّبا.

فنقول: إنّه بعد كون لبس الذهب حراما بالحرمة التكليفية، فإذا صلّى في الذهب سواء كان ساترا أو غير ساتر، فهو في هذه الصّلاة يعصي المولى، و يكون طاغيا له، لأنّ بهذا العمل لابس للذهب، و الحال أنّ ذلك حرام عليه، فلا يقبل هذا العمل أى: هذه الصّلاة لأنّ يصير مقربا، فإذا لم يكن قابلا لأنّ يتقرب به، بل علمه بهذا الاعتبار مبعّده عن المولى، فلا يقبل لأنّ تصير صلاته عبادة، فتفسد صلاته في اللباس الذهب.

نقول: بأنّه بعد كون المحرم في الحرير و كذا في الذهب، لبس لباس الحرير و الذهب و لم يكن المصلي في صلاته- أعنى: في هذا العمل العبادي- فاعل شي ء يكون طغيانا على المولى و عصيانا له، كي يكون مضرا بمقربية العبادة، لأنّ المحرم نفس اللبس، و لم يكن كالغصب كل تصرف و قلب و تقليب منه حراما، حتّى يكون في أفعال الصّلاة فاعلا لما يكون عصيانا للمولى، بل في الذهب و الحرير يكون اللباس حراما، و هو غير مربوط بالصّلاة، فلا تفسد الصّلاة لأجل لبس الذهب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 133

و الحرير حتّى يستشكل بنا، و يقال: بأنك قلت: بأنّ في العبادات لا بد من كون المحلّ بحيث يكون قابلا للتقرب، و مع لبس المحرّم ليس العمل كذلك، لما قلنا في دفعه، و يأتي ما يناسب ذلك في طي اعتبار عدم كون الثوب ممّا لا يجوز له التصرف كالغصب، فعلى هذا التمسك بهذا الوجه لبطلان الصّلاة في الذهب فاسد، و لا وجه لأنّ يقال بطلان

الصلاة في الذهب لأجل هذا.

و قد يقال في وجه فساد الصّلاة في لباس الذهب من باب كون الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده الخاص، فيقال: لبس الذهب حرام، فيجب نزعه، فكلّ ما يكون ضد هذا الواجب فهو حرام، لأنّ الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، و الصّلاة في هذا الحال من جملة أضداد هذا الواجب، فيجب تركه، و النهي في العبادة موجب للفساد.

و فيه- مضافا إلى إمكان أن يقال: بأنّه على فرض تمامية هذا الاستدلال، ففي صورة إمكان نزع الثوب المغصوب مع الاشتغال بالصّلاة مثل ما إذا لم يكن ساترا، فلا ينافي الامر بالنزع مع الصّلاة، و لا يضاده الصّلاة حتّى يستلزم الامر بالنزع فساد الصّلاة من باب كونها ضدا للواجب، و هو النزع- نقول: إنّه قد مرّ منا في الاصول عدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضده الخاص، فلا يتم هذا الاستدلال لفساد الصّلاة في اللباس الذهب، فالاولى للتمسك بفساد الصّلاة في اللباس الذهب بعض ما قدمناه من الروايات الدالّة على عدم جواز الصّلاة فيه المستفاد منه فساد الصّلاة إمّا من باب كون النهي المتعلّق بالمركبات العبادية إرشاد إلى فساد هذا المركب مع النهي و عدم كون النهي، في مثل هذه الموارد هو النهي التكليفي.

و إمّا من باب أنّه و لو كان النهي حتّى في مثل هذه الموارد ظاهرا في النهي

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 134

التكليفي لا الوضعي، و لكن بعد تعلق النهي بالعبادة نقول: بفساد العبادة، لأنّ النهي بنفس العبادة مستلزم لفسادها، كما مر في النهي عن العبادات في الاصول تفصيل ذلك، و دلالة بعض الروايات كرواية موسى بن أكيل، و رواية عمار على عدم جواز الصّلاة في اللباس الذهب واضح، و

لا ينبغي الاشكال في سندها بعد كون المسألة مشهورا عند كل من تعرض لها.

الموضع الثاني: [في ما كان مموها بالذهب لا يجوز لبسه]

لا يجوز لبس ما يكون مموها بالذهب مثل إذا كان ظاهر الثوب بتمامه مذهبا و إن كان باطنه غير الذهب لشمول الدليل، لأنّ هذا عرفا لبس الذهب و لا يجوز لبس الذهب لما قلنا.

الموضع الثالث: هل يجوز شدّ الأسنان بالذهب أم لا؟

اعلم أنّ الاسنان تارة يشدّ بالذهب بأن يربط بعضها مع بعض الآخر، أو بالسّن المصنوعي بوسيلة قطعة صغيرة من الذهب كالخيط. و تارة يستر ظاهر الأسنان به بحيث يكون ظاهر الأسنان بتمامه ذهبا، كما يكون فعلا متعارفا عند بعض.

لا يخفي عليك أنّ ما ورد من الروايات في هذا الباب: مثل الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: (أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب) «1».

و الرواية الّتي رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الثنية تنفصم أ يصلح أن تشبك بالذهب؟ و إن سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال: نعم إن شاء

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 135

فليضع مكانها ثنية شاة ليشدها بعد أن تكون ذكيّة). «1»

و الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له أن يشدّه بالذهب؟ فإنّ سقطت أ يصلح أن يجعل مكانها سن شاة؟ قال: نعم إن شاء ليشدّها بعد أن يكون ذكية) «2» لا تدلّ إلّا على جواز شدّ الأسنان بالذهب، و لكن بعد ما لا ندرى كيفية شد الأسنان بالذهب، و ما هو متعارفه في زمن صدور الرواية، فيشكل الحكم بجواز شدّ الاسنان بكلا نحويه خصوصا النحو الثاني.

و أمّا بعض الروايات المطلقة المتقدمة المستفادة منها عدم جواز لبس الذهب في الصّلاة و غيرها،

فنقول: فتارة نقول بكون علّة عدم جواز لبس الذهب، هو كونه زينة، و بعبارة اخرى يستفاد من هذه الروايات كون المحرّم هو التزين بالذهب، و تارة نقول بعدم كون علّة الحرمة هذا، بل غاية ما يستفاد منها هو حرمة اللبس، و على كل تقدير تارة يقع الكلام في شدّ الأسنان على نحو الأول، و تارة في شدّها على النحو الثاني.

أمّا شدّ الأسنان بالنحو الأوّل فيشكل الحكم بحرمته إلّا أن نقول:

بكون الحرمة هي التزين، و كان بنحو يعدّ تزيّنا، و لا يبعد عدم صدق الزينة على نوعها، لعدم ظهور الذهب أصلا، لاتصاله بالأسنان من الداخل، و لا يحسب زينة، و على كل حال إن عدّ زينته فلا يجوز و إلّا فجائز، لعدم صدق اللبس في ذلك، خصوصا مع عدم بعد في شمول الروايات المتقدمة في شد الأسنان لهذه الصورة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 31 من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 136

و أمّا شدها على النحو الثاني، فإنّ قلنا بأنّ علّة الحرمة هو التزين فلا إشكال في كون ذلك تزينا، فهو حرام، نعم يمكن أن يقال بعدم صدق التزين في ما لم يظهر، مثل أن يعمل ذلك في بعض الأسنان الّذي لا يظهر حين التكلم و فتح الفم.

و أمّا إن قلنا: بعدم معلومية كون وجه الحرمة هو التزين، بل غاية ما يستفاد من الروايات المطلقة هو عدم جواز لبس الذهب سواء عدّ زينة أم لا، فيشكل الحكم بالحرمة، للإشكال في صدق اللبس على ذلك، و لا يبعد دعوى عدم صدق اللبس عليه.

ثمّ إنّه على تقدير عدم دلالة إطلاقات الواردة في عدم جواز

لبس الذهب إلا على لبس الذهب لا من باب التزين، فلا إشكال في خروج شدّ الاسنان به موضوعا عن تحت هذه الاطلاقات و لو لم يكن في البين بعض الروايات الدالّة على جواز شدّ الاسنان بالذهب، لعدم كون ذلك لبس الذهب.

و أمّا على تقدير كون العلة في حرمة لبسه هو حرمة التزين به، فعلى الفرض يقع التعارض بين الاطلاقات الأوليّة في الذهب، و بين بعض ما يدلّ على جواز شدّ الاسنان به المتقدم ذكره.

و يمكن أن يقال بكون النسبة بينهما عموما من وجه، لأنّ الاطلاقات تدلّ على حرمة التزين بالذهب سواء كان التزين بشدّ الاسنان أو بغيره، و هذه الروايات تدلّ على جواز شدّ الأسنان به سواء كان زينة أو لا، و لا يبعد كون هذه الأخبار أظهر بالنسبة إلى مورد الاجتماع، و هو صورة شد الاسنان بالذهب مع كونه تزينا عرفا.

و لكن بعد ما قلنا من كون شدّ الأسنان على نحوين، ففي صورة الاولى يمكن دعوى جوازه، لعدم كونه في الغالب تزينا، و إمكان دعوى انصراف الاطلاقات عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 137

مثل هذا النحو من التزين، و أمّا في الصورة الثانية فإنّ قلنا بأنّ التزين بالذهب حرام، فإنّ كان شدّ الاسنان زينة فيشكل الحكم بالجواز، لما قلنا من عدم دليل على كون شدّ الأسنان بالذهب في زمن صدور الروايات على نحو يشمل هذه الصورة، و على الفرض يحرم التزين به و هذا تزين، فهو حرام و من أجل هذا أعنى: احتمال كون متعارف خاص في زمن صدور الرواية، و كون الروايات الواردة الدالّة على جواز شدّ الاسنان به ناظرة إلى ما هو المتعارف، و لا ندرى ما هو المتعارف، و احتمال كونه

على غير هذين النحوين المذكورين، فيشكل الحكم بالجواز في القسم الأوّل من القسمين الاولين في شدّ الاسنان، نعم يمكن الالتزام بالجواز في صورة الاضطرار. «1»

الموضع الرابع: [هل علّة حرمة لبس الذهب هي التزين]

هل يكون العلّة في حرمة لبس الذهب للرجال تكليفا و وضعا من باب كون ذلك تزينا، و ثمرة ذلك إنّا لا بد من أن ندور في كون ذلك محرما مدار صدق التزين و عدمه، فكلما صدق التزين كان حراما، و كلما لم يكن تزينا لا يكون حراما أو ليس ذلك، بل غاية ما يستفاد من الروايات هو عدم جواز لبسه سواء كان زينة أم لا، ففي كل مورد لم يصدق اللبس ليس بحرام لا تكليفا و لا وضعا.

منشأ كون علّة الحكم هو التحلي و التزين، هو ما ورد في بعض الروايات الواردة في الباب مثل قوله عليه السّلام في ضمن رواية موسى بن أكيل النميري (و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة للنساء، فحرم على الرجال لبسه و الصّلاة فيه) حيث يشعر منها بأنّ حرمة لبسه على الرجال يكون من باب كون الذهب زينة للنساء في الدنيا

______________________________

(1)- و اعلم أنّ ما بينت في الموضع الثالث ليس بتمامه من إفادات سيدنا الاستاد مدّ ظله و لا انتسب كله به.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 138

بقرينة تفريع الحرمة على ذلك في الرواية، أو ما ورد في بعضها من أنّ الذهب زينة في الآخرة، مثل ما ورد في نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السّلام من التختم بالذهب، أو ما ورد في بعضها من أنّ ذلك حليتك في الجنة خطابا بعلي عليه السّلام، و لكن بعد عدم الجزم بكون ذكر ذلك من قبيل العلة، ففي المسألة وجهان.

الموضع الخامس: لا ينبغي الاشكال في حرمة لبس الخاتم من ذهب

أمّا بناء على كون المحرم هو التزين بالذهب، فواضح لأنّ ذلك تزين به، و أمّا بناء على عدم كون وجه الحرمة ذلك، فيقال: إنّ خصوص

ذلك منصوص لورود بعض الروايات في خصوص حرمة التختم بالذهب هذا في حرمته بالحرمة التكليفية. «1»

الموضع السادس: لا إشكال في كون حرمة لبس الذهب و التختم به

و كذا حرمة لبس الحرير مخصوصا بالرجال، فيجوز لبس الذهب و الحرير للنساء و صحة صلاتهنّ فيهما، لتسلم ذلك، و دلالة بعض الروايات، و ما ورد على خلاف ذلك أعنى: على شمول الحكم للنساء أيضا فمطروح أو مؤول.

الموضع السابع: [حكم لبس الخنثى الذهب و الحرير]

هذا كله في تكليف الرجال و النساء بالنسبة إلى لبس الذهب و الحرير، و أمّا الخنثى فقد يقال: بعدم الاشكال في لبسهما له، لعدم علمه بكونه رجلا، فلا يتنجّز هذا التكليف في حقّه، و لكن التحقيق كما بيّن في الاصول هو أنّها مع فرض الالتزام بعدم كونها طبيعة ثالثة مكلف بمقتضى العلم الاجمالي إمّا بتكاليف الرجال أو بتكاليف النساء، لأنّها إمّا منهم أو منهنّ، فيحكم العقل بترك ما يختص

______________________________

(1)- أقول: و أمّا حرمته الوضعية فأيضا واضح بناء على كون وجه حرمة الصّلاة في الذهب حرمة التزين به لصدق التزين بالذهب بالتختم به، و أمّا لو لم نقل بذلك فيدل على الحكم الرواية السادسة الّتي قد منا ذكرها في صدر المبحث، و لا وجه للاشكال في سندها مع كون الشهرة على طبقها، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 139

بالرجال من الألبسة، و ترك ما يختص بالنساء من الألبسة حتّى يقطع ببراءة ذمتها من التكليف المردد في البين، فعلى هذا لا يجوز لها لبس الذهب و الحرير و الصّلاة فيهما، هذا كله في حكم الخنثى في هذه المسألة.

الموضع الثامن: و أمّا محمول الذهب

مثل أن يكون حاملا لدينار الذهب أو حلّى من الذهب فاما أن يكون زينة بنظر العرف و ان كان محمولا فبناء على كون المحرّم مطلق التزين به، فيكون حمله حراما، و أمّا و إذا لم يكن زينة أ و لم يكن لباسا و إن عدّ زينة بناء على عدم كون الحرمة دائرة مدار صدق التزين، بل تكون دائرا مدار صدق اللباس، فلا يكون محمولاه حراما، هذا تمام الكلام في لبس الذهب للرجال.

المسألة السادسة: لا تجوز الصّلاة في الثوب المتعلّق بالغير مع عدم إذنه،
اشارة

و ينبغي عنوان المسألة بهذا النحو، لا بالنحو المذكور في عبارة شرايع، و هي هذه (الثوب المغصوب لا تجوز الصّلاة فيه) «1» لأنّ المعتبر في الغصب هو استيلاء الغاصب على المغصوب، و على هذا ليس كلّ ما يكون تصرّفا في ملك الغير غصبا، مثل ما إذا ورد شخص ضعيف في ملك شخص قوىّ لا يمكن له الاستيلاء على هذا الملك، و لكن كان دخوله على غير رضاه، فهو تصرف في ملك الغير بغير إذنه و الحال أنّ ذلك ليس من مصاديق الغصب، كما أنّ الغصب ليس دائرا مدار التصرف بهذا النحو أعنى: مثلا في المثال بالدخول في الملك، بل يصدق الغصب بصرف الاستيلاء عليه و إن لم يدخل فيه، مثل سد باب هذا الملك عدوانا، و جعل مفتاحه في جيبيه قهرا عليه، فيصدق أنّه غاصب لذلك الملك، و ما يكون مانعا للصّلاة، و لا تجوز الصّلاة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 141.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 140

فيه هو صرف كون الثوب ثوبا لا يكون الشخص مأذونا في تصرفه و إن لم يكن غاصبا، فتبطل الصّلاة فيه، فلأجل هذا ينبغي عنوان المسألة كما قلنا لا كما قيل.

[لا نصّ دالّ على بطلان الصّلاة في ثوب الغير]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه ليس في هذه المسألة، و لا في مسئلة بطلان الصّلاة في المكان الغير المأذون، نص وارد عن أهل البيت: يدلّ على بطلان الصّلاة في المسألتين، و كذلك ليس فيهما على بطلان الصّلاة و اعتبار عدم كون لباس المصلّي و مكانه من الغير إلا بإذن من المالك إجماع أو شهرة كاشفة عن وجود نص في المسألتين.

و من حكم من القدماء و المتأخرين رضوان اللّه عليهم بالفساد في ثوب الغير و ملك الغير

بغير اذن الغير قال بذلك بمقتضى قاعدة اصولية: إمّا من باب عدم حصول قصد التقرب من المصلّي كما يظهر من كلمات بعض القدماء، و إمّا من باب عدم جواز اجتماع الامر و النهي كما يظهر من بعض اخر من الفقهاء، و دعوى الاجماع أو الشهرة الّتي يرى في كلمات بعض المتأخرين ممّا لا أصل له، فإذا لم تكن شهرة و لا إجماع كاشف عن نص و لم يصل إلينا رواية يمكن الاستشهاد بها للفساد فلا بد من ذكر وجه اخر على الفساد و تطبيق الفساد على بعض القواعد الاصولية.

إذا فهمت ما تلونا عليك نقول: أمّا من التزم بامتناع اجتماع الامر و النهي أعنى: التزم بكون المسألة المبحوثة من صغريات الاجتماع، فهو في سعة في هذه المسألة و مسئلة المكان، لأنّه بعد عدم جواز الاجتماع و لزوم تغليب جانب النهي، فتكون النتيجة هي فساد الصّلاة في الثوب و المكان الغير المأذون.

و أمّا من يقول بجواز اجتماع الامر و النهي، كما هو مختارنا في الاصول، لما قلنا من أنّ أقوى و أمتن ما استدل به للامتناع هو ما أفاده استادنا العلّامة رحمه اللّه في الكفاية من قضية التضاد بين الأحكام، و لا يمكن للمولى الأمر بالضدين في ان واحد في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 141

موضوع واحد، و قلنا: بأنّ رفع هذا الاشكال لا يمكن بما يظهر من بعض من توجيه يمكن معه جعل الموضوع متعددا كي يكون مركز الأمر موضوعا و مركز النهي موضوعا اخر، فلا اجتماع لأنّ الموضوع واحد، و بالحمل الشائع يعدّ حركات الصلاتية حركات صلاتية، و مع ذلك بالحمل الشائع يعدّ تصرفا في ثوب الغير أو ملك الغير، بل قلنا في مقام دفع

ما أفاده المحقق الخراساني رحمه اللّه في بيان الامتناع بأنّ التضاد بين الأحكام ممنوع، من باب أنّ ما شاع من كون نسبة الحكم بموضوعه نسبة العرض بمعروضه، فيكون الحكم عارضا للموضوع، حتّى يستشكل بأنّ الموضوع الواحد غير قابل لعروض عرضين متضادين عليه، و ذلك محال لاستحالة اجتماع الضدين فاسد، بل إذا لوحظ نحوة صدور البعث و الزجر من المولى، و ملاحظته لما يبعث نحوه أو يزجر عنه يرى أنّ باعتبار ملاحظته المطلوب أو المزجور عنه في نفسه قبل البعث و الزجر، كونهما طرف الاضافة فهو يلاحظ مثلا شيئا و باعتبار جهة من جهات يريد وجوده في الخارج من العبد، فينبعث نحوه، فباعتبار إضافة ما صدر من المولى من البعث أو الزجر بنفس المولى من باب صدوره منه، و بعبارة اخرى من باب قيام الصدوري به، فيقال به الامر، و له إضافة إلى المبعوث منه، فيقال به المأمور، و له إضافة إلى المبعوث إليه فيقال به المأمور به، و هكذا في طرف النهي، فيكون المأمور به طرف الاضافة من باب إضافة ما صدر به، و كذلك المنهي عنه يكون طرف الاضافة، فليس المأمور به معروض الحكم، بل طرف الاضافة، و ما يكون مستحيلا هو كون شي ء واحد في ان واحد معروضا لعرضين متضادين، و أمّا كون شي ء واحد من حيث طرف إضافة أمر و من حيث اخر طرف إضافة امر اخر غير محال، و في المقام يكون الامر كذلك، لأنّ ما يكون مطلوبا و تعلق به البعث حيث

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 142

غير حيث تعلق به النهي و الزجر، مثلا في الصّلاة و الغصب ما هو مطلوب المولى ليس إلا حيث الصلاتية لا غير، و

لا يقبل لدخول حيثيات اخرى تحت المطلوب، لأنّ المطلوب على الفرض ليس إلّا حيث الصلاتية سواء كان هذا الحيث مقارنا مع حيثيات اخرى أم لا؟ و كذلك المزجور عنه ليس إلا حيث الغصبية ليس الّا، فالمبعوث إليه حيث غير حيث المزجور عنه، فعلى هذا لا يكون اجتماع، و قد بيّنا مفصلا شرح الدليل في الاصول، و ليس هنا محل ذكره.

فإذا كان الأمر كذلك و كنا من القائلين بجواز اجتماع الامر و النهي، فمن هذا الحيث لا يمكن لنا الحكم بفساد الصّلاة في الثوب الغير المأذون في تصرفه، و كذلك في مكان الغير المأذون في تصرفه، فلا بدّ لنا في الحكم بالفساد في المسألتين من وجه اخر، و كما قلنا لا وجه للتمسك بالاجماع أو الشهرة على فساد الصّلاة في لباس الغير المأذون من المالك التصرف فيه، و كذلك في مكان الغير المأذون من المالك من التصرف فيه لعدم وجود إجماع و لا شهرة كاشفة عن وجود نص عند القدماء لم يبلغ بأيدينا، و لكن كما بينّا في الاصول أيضا نقول بفساد العبادة في موارد الاجتماع.

[وجه بطلان الصّلاة في المغصوب عدم كونها مقرّبا]

و الوجه في ذلك هو أنّه بعد كون العبادة ممّا يكون المعتبر في إطاعته هو قصد التقرب و إتيانه بعنوان العبودية للمولى، فلا بدّ في حصول الامتثال فيها من إتيانها بنحو يكون العمل مقرّبا للمولى، و ليست العبادات كالتوصليات فإنّ الغرض فيها يحصل بمجرد إتيانها في الخارج على أىّ وجه اتفق و إن لم يكن مقربا، فيسقط الغرض فيها بحصولها، و أمّا العبادات فلا يحصل الغرض فيها إلا إذا أتاها المكلف على وجه التقرب، فإذا كان كذلك، فمن الواضح أنّ العمل إن كان عصيانا و طغيانا على المولى، فلا يقبل

لأنّ يتقرّب به، و فيما إذا كان مورد تصادق عنوان الواجب

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 143

و الحرام، و بعبارة اخرى يكون الفعل مجمع العنوانين من باب كونه مورد إضافة الاضافتين بحيثية مورد إضافة الامر و بحيثية مورد إضافة النهي، لو اختار المكلف من العبادة هذا الفرد الّذي يكون مجمع العنوانين بسوء اختياره، فلم يكن هذا الفرد مقربا، فلو اختار في مقام امتثال الأمر المتعلّق بالصّلاة الصّلاة مع اللباس المغصوب، أو في مكان المغصوب، فهو في هذه الصّلاة أعنى: في أفعال الصّلاة من ركوعه و سجوده و غيرهما عاصيا و طاغيا بالنسبة إلى المولى، لأنّ افعال الصلاتية مجتمع مع التصرف في الغصب، فهذه الصّلاة غير قابلة لأنّ تصير مقربة للعبد بالمولى، فتفسد صلاته هذه، لعدم حصولها على الوجه المعتبر في العبادة، مع فرض كونها عبادة، و لا بديته حصولها في الخارج على وجه العبودية، فلأجل هذا نقول: بفساد الصّلاة في الثوب المغصوب، أو مكان المغصوب.

و ممّا مرّ يظهر لك أنّ الحكم بفساد الصّلاة ليس من باب كون المورد من صغريات الاجتماع و كونه محالا، لما قلنا من أن مختارنا جواز الاجتماع، لأنّ تمام مطلوب المولى و مزجوره ليس إلا حيث يكون مورد ارادته و كراهته بلا نظر إلى حيثيات اخرى يقارنها في الوجود الخارجى، و لا يتعلق طلبه إلا بنفس إيجاد الطبيعة أو تركها، و أمّا المكلف فحيث أنّه بحسب حكم العقل مخير بين اختياره في مقام امتثال الأمر أىّ فرد من الطبيعة يشاء، فهو بسوء اختياره اختار فردا يجامع مع ما هو مزجور المولى، فلا يقبل هذا الفرد لصيرورته مصداقا للعبادة، فلذلك نقول: بفساد الصّلاة مع الثوب أو في المكان المغصوب.

و بما قلنا في

لباس المغصوب و المكان المغصوب من بطلان الصّلاة فيهما لا يمكن أن يقال: ببطلان الصّلاة في لباس الحرير و الذهب، لأنّ أفعال الصّلاة من الركوع و السجود تصرفا في المغصوب الّذي يكون هذا التصرف حراما، فتكون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 144

نفس العبادة من أجل ذلك طغيانا و عصيانا، و لا تقبل لأنّ يتقرب بها، و أمّا في لباس الحرير و الذهب فحيث إنّ المحرم لبس الذهب و الحرير، لا تصرفاته حتّى يكون الشخص في أفعال الصّلاة فاعلا للمحرّم من باب تصرفه المحرم، فلا يكون لابس لباس الذهب و الحرير بعبادته عاصيا و طاغيا فتمشي منه قصد القربة.

المسألة السابعة: قال المحقّق رحمه اللّه «1» في الشرائع:
اشارة

لا تجوز الصّلاة في ما يستر ظهر القدم كالشمشك، و يظهر من بعض الكلمات عدم جواز الصّلاة في الشمشك (بضم الأوّل و كسر الثاني أو بضمّ الأوّلين و سكون الثالث) و النعل السندي، فنقول مقدّمة:

بأنّا بعد الفحص لم نجد في اللغة تعرضا للشمشك و النّعل السندي حتّى نفهم ما هو الموضوع له لهذين اللفظين، نعم قال في برهان قاطع بأنّ (جمشك بر وزن اندك بمعنى جمشاك است كه كفش و پاى افزار باشد، و باين معنى با جيم فارسى هم امده است) ثمّ قال في موضع اخر (چمشاك بر وزن أفلاك پاافزار و كفش را گويند، و باين معنى بجاى شين قرشت نون هم امده است) ثمّ قال في موضع اخر (چمناك بفتح أول بر وزن نمناك پاى افزار و كفش را گويند) و ينقل بعض طلاب جيلان بأن المعمول في هذا العصر يكون نوعا ممّا يلبس بالرجل يستر ظهر القدم و يقال به.

و قد يحتمل كون الشمشك ما ذكر في برهان القاطع، و ما يكون معمولا عند أهل

بعض البلاد فعلا، و لكن مع ذلك لا مدرك تطمئن النفس بكونه هو الشمشك الوارد في الكلام الفقهاء، و كذلك لا يعلم ما هو الموضوع له للفظ النعل السندي، و أنّ كيفيتهما على أىّ نحو كانت.

[مناقشة المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في حكم المسألة، فنقول: يقع الكلام في مقامين:

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 8، ص 153؛ شرايع الاسلام، ج 1، ص 59.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 145

المقام الأول: [في ذكر وجوه حرمة الصّلاة في الشمشك و النعل السندي]
اشارة

في أنّه هل يحرم الصّلاة في الشمشك و النعل السندي أم لا؟

و ما يمكن أن يكون وجها لعدم جواز الصّلاة فيهما، و قيل في وجهه امور:

الامر الأول:

ما يظهر من بعض الكلمات من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه و التابعين لم يلبسوهما في الصّلاة، فلا يجوز لبسهما في الصّلاة لنا.

و فيه مع تسليم عدم لبسهما النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فليس ذلك موجبا لعدم جواز الصّلاة فيهما، و إلّا فيلزم عدم جواز نوع الألبسة المعمولة في أعصارنا الّتي لم يلبسها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الامر الثاني:

الرواية 1 من الباب 26 من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة ما رواها سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا يصلّي على جنازة بحذاء، و لا بأس بالخف). «1»

و فيه مع قطع النظر من احتمال خصوصية لصلاة الجنازة، بأنّ الحذاء على ما يظهر من كلام بعض أهل اللغة هو النعل، و على كل حال ليس وضعه بحيث يغطي ظهر القدم، و لم يكن له ساق.

الامر الثالث:

ما روى مرسلا في الوسيلة، و هذه عبارة بن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة في اللباس (و روي أنّ الصّلاة محظورة في النعل السندي و الشمشك) و ما في مقنعة مفيد رحمه اللّه من إفتائه على عدم الجواز حيث قال رحمه اللّه (و لا يجوز أن يصلّي في النعل السندي حتّى ينزعها و لا يجوز الصّلاة في الشمشك، و يصلّي في الخف و الجرموق إذا كان له ساق) و ما قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية و هذه عبارتها (و لا يصلّي الرجل في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من أبواب صلاة الجنازة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 146

الشمشك و لا النعل السندي).

[في ما يمكن ان يكون وجها لعدم جواز الصّلاة هو الوجه الثالث]

و ما يمكن أن يكون وجها وجها لعدم جواز الصّلاة فيهما (و لو على النحو الاحتياط المطلق) هو الوجه الثالث، لأنّه كما قلنا غير مرة، من أنّ القدماء قدّس سرّه اكتفوا و اقتصروا بذكر فتاوي المتلقاة عن المعصومين: كما، ترى أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في المبسوط بذلك، و صرّح (بأنّ كتاب المبسوط كتبته لذكر التفريعات الّتي استخرجتها من بطون الاصول المتلقاة، على خلاف مشي القدماء المقتصرين بذكر فتاوي المتلقاة عنهم:، كي لا تتوهم العامة بأنّا لا نقدر على ذكر التفريعات، بل نحن نذكر التفريعات و نستخرجها من بطون النصوص انتهى كلامه.

و الغرض هو بيان أنّ القدماء اقتصروا في كتبهم المعدة للفتاوي لما تلقونها من المعصومين عليهم السّلام، فلأجل ذلك نكشف من فتاويهم في هذا النحو من الكتاب مثل مقنعة المفيد رحمه اللّه، و نهاية الشّيخ رحمه اللّه، و بعض اخر من الكتاب، كون نصّ في المسألة و صل إليهم، و لم يصل إلينا، لأنّه ليس في أيدينا من الروايات

كل ما و صل بأيديهم، فعلى هذا نقول: بأنّا نفهم من إفتاء المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في كتابيهما بعدم جواز الصّلاة في الشمشك و النعل السندي، من أنّهما لم يفتيا على ذلك إلّا من باب وصول نصّ بأيديهم استظهرا منه كون الحكم كذلك، فلأجل هذا لا بدّ من أن نقول: إمّا بعدم جواز لبسهما حال الصّلاة بطريق الفتوى، و إمّا بالاحتياط أقلا «1».

______________________________

(1)- أقول: ولي كلام في ما يكون بنظر سيدنا الاستاد مدّ ظلّه من استكشاف النصّ من قول القدماء إذا كان كلام منهم في كتبهم المعدة لذكر فتاوي المتلقاة و أنّ ذلك يوجب أن نفتي على طبق فتواهم، أو أن نقول بالاحتياط في مقام العمل: بأنّه و لو فرض من فتواهم بأنّهم لم يفتوا إلّا.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 147

المقام الثاني:

يقع الكلام في أنّه على فرض عدم جواز الصّلاة في الشمشك و النعل السندي، فهل نقول في مطلق ما يستر ظهر القدم، و لا يغطّي الساق: بعدم جواز الصّلاة فيه كما قال به المحقق رحمه اللّه في الشرائع أم لا؟

اعلم أنّه بعد عدم وجود دليل في الشمشك و النعل السندي إلا ما رواه ابن حمزة مرسلة، و ما أفتى به المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه من عدم جواز الصّلاة فيهما، فما يمكن أن يقال في وجه عدم جواز الصّلاة في مطلق ما يستر ظهر القدم، هو أن يقال: بكون العلة في عدم جواز الصّلاة فيهما ليس إلّا حيث كونهما ساترا لظهر القدم، فكلّ ما يكون ساترا لظهر القدم فلا تجوز الصّلاة فيه.

و لكن بعد احتمال كون منشأ عدم الجواز فيهما غير ذلك، مثل أن يكون منشأ عدم الجواز فيهما

كون وضعهما بحيث لا يمكن مع لبسهما وضع الأصابع على الارض، فلا يمكن أن يقال: بعدم جواز الصّلاة في مطلق ما يستر ظهر القدم، فعلى هذا لا وجه لعدم الجواز في مطلق ما يستر ظهر القدم.

و أمّا ما رواها محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري (أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب: جائز، و سأله عن لبس النعل المعطون فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه، فكتب في الجواب: جائز، لا بأس به) «1» فلا تكون دليلا على عدم جواز الصّلاة في كلّ ما يستر ظهر القدم، بدعوى دلالتها على

______________________________

من باب وصول نصّ بأيديهم، و لكن صرف ذلك لا يوجب كون الحكم هو على طبق ما أفتوا به، إذ من الممكن بأنّه لو وصل إلينا هذا النصّ لا نفهم منه ما فهموا منه، و لكن الاحتياط في محلّه). (المقرّر).

(1)- الرواية 4 من الباب 38 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 148

الجواز في البطيط. لأنّه لا يستر الكعبين بناء على كون المراد من الكعبين العظمين، لاحتمال كون المراد من الكعبين العظمين الناشزين جانبي القدم كما هو من معانيه، و على هذا يكون دليلا على الجواز في ما يستر ظهر القدم و لا يغطي الكعبين، لأنّه من قرينة قوله (و لا يغطي الكعبين) يفهم أنّه يستر الباطن و الظاهر من القدم، هذا كلّه في ما يتعلق بهذه المسألة.

أقول: و يظهر من المحقق رحمه اللّه «1» في المعتبر أنّ مستند الحكم في عدم جواز ما يستر ظهر القدم و ليس له ساق، هو

فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال (و لا يجوز الصّلاة في ما يستر ظهر القدم و ليس له ساق، كالنعل السندي و الشمشك، قاله الشيخان في النهاية و المقنعة، و مستند ذلك فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التابعين الخ).

و إن كان وجه ما قاله هذا، فقد عرفت ما فيه، و يظهر من عبارته هذه عدم اتكاله بما نقل المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في المقنعة «2» و النهاية «3» في خصوص الشمشك و النعل السندي في حكمه بعدم الجواز في كل ما يستر ظهر القدم، فافهم.

المسألة الثامنة: من شرائط لباس المصلّي ألا يكون قذرا.
اشارة

اعلم أنّ الطهارة على ضربين طهارة الحديثة و طهارة الخبثية، فموضوع الاولى النفس، و الثانية الجسد، و على كل حال لا إشكال في كون الطهارة عن القذارة شرطا في الصّلاة، و هل الطهارة و القذارة كلتاهما أمران وجوديان، أو الطهارة وجودي و القذارة عدمي أو بالعكس؟

لا يبعد كون القذارة وجوديا و الطهارة عدميا لأنّ الطهارة الّتي يعبّر عنها

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 93.

(2)- المقنعة، ص 153.

(3)- النهاية، ص 98.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 149

بالفارسية (به پاك بودن و پاكى) عبارة عن عدم وجود القذارة في الشي ء، و تكون النسبة بينهما العدم و الملكة، و على كل حال تجب إزالة النجاسة عن الثوب، و كذا البدن للصّلاة.

[في وجوب تطهير البدن و اللباس عن القذارة]

و اعلم أنّ المستفاد من بعض الروايات، و قد جمعناها، هو أنّ الواجب تطهير البدن و الثوب عن القذارة، بمعنى أنّ حصول القذارة أوجب التطهير، كما يظهر من الرواية رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السّنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّا البول فإنّه لا بد من غسله). «1»

و هذه الرواية و ان كان صدرها و هو قوله (لا صلاة إلّا بطهور) موجبا لتوهم كونها متعرضة للطهارة الحدثية، و لكن ذيلها يدفع هذا التوهم، و هو تعرضه (للاستنجاء) و تدلّ على وجوب تطهير البدن عن القذارة بثلاثة أحجار (و أخبار اخر بهذا المضمون في الأبواب المختلفة، جمعها سيدنا الاستاد مدّ ظلّه كما رأيت في بعض مسوداته المكتوبة بقلمه الشريف).

و الغرض من ذكر هذا المطلب ليس بيان كون الشرط هو الطهارة، أو كون المانع هو النجاسة، أو كون المعتبر

شرطية الطهارة و مانعية النجاسة كلتيهما في الصّلاة، بل الغرض هو أنّ ما يوجب التطهير هو القذارة، لعلّه ينفعك في بعض الموارد، و على كل حال لا إشكال في وجوب تطهير البدن و الثوب للصّلاة، و لا إشكال في اعتبار ذلك في البدن و في اللباس سواء كان ساترا فعلا أو ليس بساتر، فلا اختصاص لهذا الحكم بخصوص الساتر،

[فروع]
اشارة

و بعد ذلك نقول بعونه تعالى: إنّ الكلام يقع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من أبواب احكام الخلوة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 150

في هذه المسألة في طي فروع:

الفرع الأول: [هل يكون محمول النجس مثل نفس النجس فى بطلان الصّلاة او لا؟]
اشارة

كما لا تجوز الصّلاة في اللباس النجس، هل لا تجوز في المحمول النجس، أو تجوز الصّلاة و لو كان مع المكلف المحمول النجس؟

اعلم أنّ المستفاد من صحيحة زرارة «1» المعروفة المتمسك بها في الاستصحاب، هو كون وجه وجوب تطهير الثوب على الشخص كون الشخص ملابسا له، لأنّه بعد ما فرض في الرواية وقوع الدم أو غيره أو شي ء من المني في ثوبه (قال عليه السّلام لا يجب الاعادة، لأنّك كنت على يقين من طهارتك) و وجه نسبة طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك) ليس إلّا كون الشخص ملابسا للثوب، و كون الثوب مصاحبا له، فعلى هذا يستفاد من ذلك أنّ كل ما يلابس الشخص يجب عليه تحصيل طهارته، و لا تجوز الصّلاة في كل شي ء متنجس يكون ملابسا للشخص، لأنّ وجه استناد طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك) ليس إلا حيث كون الثوب ملابسا له، و حيث كان ملابسه فقد اسند طهارة الثوب إلى الشخص بقوله (من طهارتك).

فيستفاد منها أنّ كل ما يلابس الشخص، و هو ملابس له يجب تحصيل طهارته، و في مورد الرواية حيث يكون الشخص على يقين من طهارة ما يلابسه، فقد صحّ كل صلاة صلّى فيه، و على هذا لا فرق في كون ملابس الشخص ثوب الشخص أو محمولا، لأنّ المحمول أيضا ممّا يلابس للشخص، و على هذا الوجه لا فرق بين كون المحمول ممّا تتمّ فيه الصّلاة، أو ما لا تتمّ فيه الصّلاة، كما لا فرق في

الثوب بين كونه ممّا تتم، أو ممّا لا تتمّ مع قطع النظر عما يدلّ على صحة الصّلاة في ما لا تتمّ

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 151

فيه الصّلاة إن كان شاملا لما لا تتمّ فيه الصّلاة إذا كان محمولا، و يأتي الكلام فيه في طي الكلام في الفرع الثاني، و هو استثناء ما لا تتمّ فيه الصّلاة إن شاء اللّه.

[في ذكر بطلان الصّلاة فى المحمول المتنجس]
اشارة

و يمكن أن يستدل لعدم صحة الصّلاة في المحمول المتنجس بوجهين آخرين:

الوجه الأول:

و هي مرسلة عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: كل ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس أن يصلّي فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما اشبه ذلك). «1»

لأنّ قوله (معه) يدلّ على المحمول، فمنطوق الرواية يدلّ على جواز الصّلاة في كل ما كان على الانسان، أو مع الانسان ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، و مفهومه يدلّ على عدم جواز الصّلاة في كل ما كان على الانسان أو معه ممّا كان تتمّ فيه.

و إن كان هذا وجه عدم صحة الصّلاة في المحمول، فكما ترى يستفاد منها عدم جواز الصّلاة في المحمول في خصوص ما يكون ممّا تتمّ فيه الصّلاة، و أمّا إذا كان المحمول ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة واحده فالصّلاة فيه جائزة و لكن التمسك بهذه الرواية مشكل لكونها مرسلة «2» و بعد كون الرواية مرسلة لا وجه لأنّ يتمسّك بها لجواز الصّلاة في ما لا تتمّ فيه الصّلاة من المحمول.

الوجه الثاني:
اشارة

أن يقال: بشمول بعض الاطلاقات الدالّة على عدم جواز الصّلاة في النجس و المتنجس للمحمول أيضا، و دعوى أنّ الظاهر من لفظ (فى) هو الظرفية، و لا يصدق على من صلّى مع محمول النجس بأنّه صلّى في النجس فاسدة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- أقول: مضافا إلى أنّ كون المفهوم للقضية مشكل إلّا على مختار سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في المفهوم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 152

بأنّ ما نرى في بعض الروايات من التعبير (بفى) بالنسبة إلى المحمول، شاهد على

صدق (صلّى فيه) أو (لا تصل فيه) على المحمول، مثل ما رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال صلّ في منديلك الّذي تتمندل به، و لا تصلّ في منديل يتمندل به غيرك) «1»، و هكذا ما ورد في السيف مع أنّ السيف محمول، مثل ما رواها وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه أنّ عليا عليه السّلام (قال: السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما، لم تر فيه دما و القوس بمنزلة الرداء). «2»

[الاحوط عدم جواز الصّلاة فى المحمول المتنجس كما هو مختارنا]

و هذا وجه اخر يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه في طهارته لشمول حكم عدم جواز الصّلاة في النجس و للمحمول المتنجس، و على كل حال فالأحوط، كما كان مختارنا سابقا، عدم جواز الصّلاة في المحمول المتنجس، فلا نرفع اليد من الاحتياط الّذي بينا في حاشيتنا على العروة في هذه المسألة، لما قلنا من أنّ ظاهر رواية زرارة هو الشمول للمحمول أيضا مضافا إلى إمكان دعوى شمول الاطلاقات الواردة في النهي عن الصّلاة في النجس للمحمول أيضا كما يظهر من كلام بعض الفقهاء شمول الحكم للمحمول، و كما يظهر من عبارة السرائر قال في السرائر في لباس المصلّي (و لا يجوز الصّلاة في ثوب فيه خمر، أو شي ء من الأشربة المسكرة، و كذلك الفقاع، و ما لا تتم الصّلاة فيه- من جميع الملابس، و ما يطلق عليه اسم الملبوس منفردا كالتكة و الجورب بفتح الجيم، و القلنسوة بفتح القاف و اللام و ضمّ السين، و الخف، و النعل، و الخاتم، و الدملج بضم الدالّ و اللام، و الخلخال، و المنطقة و غير ذلك مثل السيف و السكين- تجوز الصّلاة فيه و إن كان عليه نجاسة، و أمّا

ما لا يكون ملبوسا و لا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 49 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 57 من أبواب لباس المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 153

يطلق اسم الملبوس عليه، لا تجوز الصّلاة فيه إذا كان فيه نجاسة، لأنّه يكون حاملا للنجاسة، و الأوّل خرج بالاجماع من الفرقة على ذلك، و لا يظن ظان أنّه لا يجوز إلّا في التكة و الجورب و القلنسوة و الخف و النعل فحسب، لمّا نجد في بعض الكتاب، و ذلك أنّ أصحابنا قالوا: كل ما لا تتمّ فيه الصّلاة منفردا يجوز الصّلاة فيه و إن كان عليه نجاسة، ثمّ ضربوا المثل فقالوا: مثل التكة و الخف، و عدوا أشياء على طريق ضرب المثل، و المثل عند المحققين غير مستوعب للممثل الخ). «1»

لأنّ المستفاد من عبارته هو كون خروج ما لا تتمّ بالاجماع، و أمّا المحمول فلا تجوز الصّلاة فيه، لأنّ الشخص حامل للنجاسة، فافهم.

الفرع الثاني: [في ذكر الروايات المربوطة]
اشارة

يستفاد من بعض الروايات جواز الصّلاة في كل ما لا تتم الصّلاة فيه واحده.

الرواية الاولى:

ما رواها زرارة عن أحدهما عليهما السّلام (قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصّلاة واحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب). «2»

الرواية الثانية:

ما رواها حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلّي في الخف الّذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه فلا بأس). «3»

الرواية الثالثة:

ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ قلنسوتي

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 264.

(2)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 154

وقعت في بول، فأخذتها فوضعتها على رأسي، ثمّ صليت، فقال: لا بأس). «1»

الرواية الرابعة:

ما رواها إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بالصّلاة في الشي ء الّذي لا تجوز الصّلاة فيه واحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب). «2»

الرواية الخامسة:

ما رواها عبد اللّه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال كلّ ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه واحده، فلا بأس أن يصلّي فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك). «3»

و لا يبعد انتهاء سند كل من هذه الروايات إلى زرارة، لأنّ الاولى ينتهي سندها إليه، و ينتهي سند الثانية إلى حماد بن عثمان عمن رواه، و لا يبعد كون من روى عنه هو زرارة، و ينتهي سند الثالثة إلى زرارة و ينتهي سند الرابعة إلى إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم، و لا يبعد كون من حدثهم هو زرارة و ينتهي سند الخامسة إلى عبد اللّه بن سنان عمن أخبره، و لا يبعد كون من أخبر عبد اللّه بن سنان هو زرارة، فعلى هذا الاحتمال ليس الراوي لهذه المسألة في هذه الروايات إلّا زرارة،

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى المراد ممّا لا تتم الصّلاة فيه]
اشارة

و لا إشكال في أصل الحكم في الجملة، إنّما الكلام في أنّ ما هو المراد ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة الّتي جوّز الصّلاة فيه، فنقول: إنّ هنا احتمالات ثلاث:

الاحتمال الأول:

ان يكون المراد منه كلّ ما لا يقبل لأنّ يستر به العورة،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 155

و لا تتمّ فيه الصّلاة واحده بهيئته و مادته، بمعنى أنّه لو تبدل هيئته فبمادته أيضا لا يقبل لأنّ يستر به العورة.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة كلّ ما لا تتمّ فيه الصّلاة بهيئة فقط، و إن كان بنحو يقبل بمادته لأنّ تتمّ فيه الصّلاة كالقلنسوة مثلا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 155

الاحتمال الثالث:

أن يكون المراد ما لا يقبل لأنّ يستر به العورة بهيئته المعمولة الفعلية لبسه في محل من البدن، و بعبارة اخرى كلّ ما يكون من الألبسة في موضعه المعمول لبسه من البدن إن كان بوضعه الفعلي مع كونه في محله المخصوص من البدن ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، فيجوز الصّلاة فيه و إن كان نجسا، فبناء على هذا إن كان القميص المعمول عند الأعاجم الّذي لا يستر إلا ما فوق العورة، أو ما يقال به (الجليقة) أو الجورب الّذي بهيئته يستر العورة، و لكن كل ذلك متى يكون في البدن لكن في المحل المعد لبسه في هذا الموضع فتجوز الصّلاة فيه و لو كان نجسا على هذا الاحتمال، لأنّ القميص محله فوق العورة، و كذا (الجليقه) و الجورب محله الرجل ما دون العورة فلا تتمّ الصّلاة فيها بوضعها الفعلى لانها مع كونها في محلّها لا تستر بها العورة، نعم يكون على هذا الاحتمال ممّا تتمّ فيه الصّلاة العباء و القباء و نحوهما، لأنّهما بوضعهما الفعلي و كونهما في محلهما من البدن، تستر بهما العورة.

إذا عرفت هذه الاحتمالات الثلاثة يقع الكلام في أنّ الظاهر من روايات الباب أىّ من الاحتمالات، فنقول بعونه تعالى: إنّ ما يضعف الاحتمال الأوّل هو ان بعض المذكورات مثالا لما لا تتمّ فيه الصّلاة في بعض روايات الباب، كبعض أفراد

القلنسوة و الجورب، يكون ممّا يقبل بمادته لأنّ تتمّ فيه الصّلاة و إن لم يكن بهيئته قابلا لذلك، فعدهما بطريق الاطلاق ممّا لا تتمّ فيه الصّلاة، شاهد على عدم كون

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 156

المراد ممّا لا تتمّ هو ما لا تتمّ فيه الصّلاة حتّى بهيئة، مضافا إلى أنّ الظاهر ممّا لا تتم الصّلاة فيه، أو ما تتم، هو ما يكون فعلا ممّا تتمّ، أو ما لا تتمّ كالقلنسوة، لأنّ الظاهر استثناء نفس القلنسوة، و القلنسوة ليس إلا لباس مخصوص بهيئته خاصة تكون فعلا، و الّا مادتها ليست قلنسوة.

و لا يبعد كون الظاهر من روايات الباب الاحتمال الثاني، لأنّ الظاهر من اللفظ ما لا تتم فيه الصّلاة صدقه على كل ما كان بهيئته فعلا لا تتمّ فيه الصّلاة و ان لم يكن في محله المعهود له من البدن، فتأمل.

ثمّ إنّه هل يشمل الحكم لكل ما لا تتمّ و إن كان محمولا، أو يختص الحكم بخصوص ما لا تتمّ من اللباس، و أمّا المحمول من النجس فتفسد الصّلاة فيه و إن كان مما لا تتمّ فيه الصّلاة.

[ان كان مدرك الحكم مرسلة عبد اللّه بن سنان فتشمل للمحمول]

اعلم أنّه كما قلنا في المحمول، إن كان المدرك في المسألة مرسلة عبد اللّه بن سنان المتقدمة فتشمل للمحمول أيضا، لأنّ الظاهر منها جواز الصّلاة في كلّ ما كان على الانسان، أو معه ممّا لا تجوز الصّلاة فيه، و أثرها عدم البأس بالمحمول إذا كان لا تتم الصّلاة فيه، و لكن قد عرفت عدم إمكان التعويل على رواية عبد اللّه بن سنان، لكونها مرسلة.

و أمّا التمسك في عدم البأس بالمحمول النجس إن كان ممّا لا تتمّ ببعض الروايات المتقدمة الدالّة على نفي البأس عن مطلق ما لا تتم،

بدعوى كون المحمول الّذي لا تتمّ فيه الصّلاة من أفراده، و خصوصا يستفاد من هذه الاطلاقات أنّ طهارة المصلّي لا يعتبر بالنسبة إلى ما لا تتمّ فيه الصّلاة، فإذا لا فرق بين المحمول و غيره إذا كان ممّا لا تتمّ الصّلاة فيه واحده، بل يمكن دعوى كون العفو بالنسبة إلى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 157

المحمول أولى ممّا إذا كان ما لا تتمّ لباسا، لقوة كون المدار ملابسة الشخص مع النجس، فإذا عفي عن الملبوس إذا كان ممّا لا تتم، فغير الملبوس، و هو المحمول أولى بالعفو، و لكن مع ذلك استثناء المحمول مورد الاشكال، فتأمل.

الفرع الثالث:

إذا كان الثوب طويل الذيل بحيث يجر على الأرض مقدار منه، و فرض نجاسة هذا المقدار الّذي يجر على الارض، فهل نقول: بعدم جواز الصّلاة فيه لكونه لباسا للمصلّي، أو عدم البأس بذلك، وجهان: لا يبعد دعوى كون الميزان هو المتعارف، فإنّ كان الثوب بحيث لا يعد المقدار الزائد الّذي يجر على الأرض ثوبا و ملابسا للشخص، و صلّى فيه، و لا يصدق باعتباره كون المصلّي طاهرا أو نجسا، فلا إشكال في الصّلاة في مثل هذا الثوب إذا كان ذيله نجسا و إلّا فلا تجوز الصّلاة فيه.

الفرع الرابع:

هل يشترط طهارة ما يلقى المريض فوقه أو تحته؟ الظاهر أنّه إن لم يكن له ساتر غيره بحيث يستر بما وضع فوقه، أو تحته، أو بهما، فحكم هذا الثوب الملقى كاللحاف مثلا حكم اللباس، فيعتبر خلّوه عن النجاسة، و إلّا فشمول الحكم له مشكل.

الفرع الخامس: [فى الصور المذكورة للجهل بالموضوع و الحكم]
اشارة

إذا صلّى في النجس فهل الصّلاة فاسدة أم لا؟

اعلم أنّ للمسألة صورا:

الصورة الاولى:

أن يصلّي الشخص في النجس عامدا عالما بالحكم و الموضوع، فلا إشكال في فساد الصّلاة في هذه الصورة سواء وقع بعض الصّلاة مع النجس، أو كلها، فتجب عليه الاعادة في الوقت و القضاء في خارجه، و وجهه ظاهر، لأنّ مقتضى شرطيته الطهارة عن الخبث، أو مانعية النجاسة، على الكلام في ذلك،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 158

هو هذا، فافهم.

الصورة الثانية:

أن يصلّي فيه جاهلا بالحكم، بأن يكون جاهلا بكون البول مثلا نجسا، أو يعلم بذلك، و لكن يكون جاهلا باعتبار شرطيته الطهارة عن البول، أو مانعيته، على الكلام فيه، في الصّلاة، فصلاته فاسدة أيضا لعدم معذورية الجاهل بالحكم إلا في موردين فقط.

الصورة الثالثة:

أن يكون جاهلا بالحكم عن قصور لا عن تقصير.

الصورة الرابعة:

أن يصلّي فيه جاهلا بالموضوع، و لا يعلم بذلك إلّا بعد الفراغ عن الصّلاة، بأن يكون جاهلا بوقوع النجاسة و صلّى، ثمّ تبيّن أنّه صلّى في النجس، و لا إشكال في صحة الصّلاة في هذه الصورة، أمّا أوّلا فلما قلنا في مبحث الإجزاء مفصّلا من كون هذا الفرد من المأمور به الفاقد للشرط أو الواجد للمانع، فردا للطبيعة المأمور بها، و نقول بنحو الاختصار: بأنّه بعد ما قلنا في الاصول: بأنّ عنوان البحث في الإجزاء على ما عنونوه من إجزاء الحكم الظاهري أو الاضطراري عن الواقعي، غير سديد و أنّه ليس ما امر به إلّا الطبيعة، غاية الأمر تارة يكون فرد منها هو الواجد للأجزاء و الشرائط، و هو الواقعى الأولى، و تارة لا يكون كذلك، بل يكون فرد الطبيعة فاقد الجزء، أو الشرط من باب الاضطرار، مثل من اضطرّ عن القيام في الصّلاة، و يقال به الواقعي الاضطراري، و تارة يكون الفرد فاقدا لبعض الأجزاء، أو الشرائط، أو كليهما، و لكن مع ذلك يكون فردا للطبيعة من باب جهل المكلف بالجزء أو الشرط المفقود في هذا الفرد، ففي كل هذه الموارد ليس المامور به إلّا الطبيعة، و ليس ما أتى به المكلف في الأوّل و الثاني و الثالث إلّا فردا للطبيعة، و بعد ما لا يدعو الامر إلّا إلى الطبيعة فقهرا إذا أتى بها في ضمن أىّ فرد من هذه الأفراد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 159

في مورد يكون كل منها فردا لها، فيسقط الأمر بالطبيعة، و هذا معنى الإجزاء، و قلنا:

بأنّ لسان الأدلة في مورد الاضطرار بترك بعض الأجزاء، أو الشرائط، أو إتيان بعض

الموانع على عدم جزئية الجزء و شرطية الشرط و مانعية المانع، هو كون الفاقد فردا للطبيعة، و كذلك في مورد الأحكام الظاهرية نقول: بأنّ لسان جعل الأمارة حجة أو اعتبار الاصول، هو كون ما أتى طبق الأمارة، أو الأصل فردا للطبيعة، و بعد كون ذلك فردا للطبيعة، فقهرا يسقط الأمر بها، و هذا معنى الإجزاء، و سقوط الإعادة و القضاء.

و قد بينا في الاصول بيان عدم الفرق في ذلك بين الاصول و الامارات، و عدم وجه لتفصيل المحقق الخراسانى رحمه اللّه بالإجزاء في الاصول، و عدمه في الأمارات، و أيضا بينا وجه عدم ورود إشكال التصويب المدعى الاجماع على بطلانه، و بيّنا بأنّ الحق هو الاجزاء و إن انكشف الخلاف بعد الاتيان، لأنّ هذا مقتضى دليل اعتبار الأمارة و الأصل، لأنّه ليس دليل اعتبارهما مقيدا بصورة عدم كشف الخلاف، و إلّا فلا بد من أن ينتظر المكلف في العمل بهما و الأخذ بمؤداهما إلى اخر عمره، لأنّه يحتمل دائما انكشاف الخلاف، و لا يمكن الالتزام بذلك.

فبعد ذلك نقول: بأنّ في مسئلتنا حيث صلّى الشخص و انكشف بعد صلاته كون لباسه نجسا، فتصح صلاته، و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء بمقتضى القاعدة، لأنّه أتى بما هو المأمور به، و ليس صلاته الواقعة في النجس حال الجهل فاقدا لما يعتبر في طبيعة الصّلاة، بل هو واجد لما تكون في الطبيعة، لأنّه و إن صلّى في النجس إلّا أنّه حيث كان مستصحب الطهارة، فدليل اعتبار الاستصحاب جعل هذا الفرد من الصّلاة مع الثوب النجس في حكم الطاهر، فصار هذا الفرد بذلك فردا للطبيعة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 160

و واجدا لما لا بد من وجوده في فرد طبيعة

الصّلاة، فمقتضى القاعدة الصحة في هذا الفرض، و عدم وجوب الإعادة و القضاء، و كذلك لو صلّى بمقتضى قاعدة الطهارة أعنى: كان شاكّا في نجاسة ثوبه مثلا، و لم يكن مستصحب النجاسة أو الطهارة، و لكن حكم بطهارته بمقتضى أصالة الطهارة، ثمّ بعد الصّلاة انكشف كون ثوبه نجسا، لكون مقتضى القاعدة هو الإجزاء كما بينا.

[في الروايات الدالّة على عدم وجوب الاعادة و القضاء]

و أمّا ثانيا يدلّ على الصحة، و عدم وجوب الاعادة و القضاء في الفرض بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به (قال: عليه أن يبتدئ الصّلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته، ثمّ علم. قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه). «1»

منها الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي، ثمّ صلّى فيه، و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به، فليس عليه إعادة، و إن كان يرى انّه أصابه فنظر، فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء). «2»

منها الرواية الّتي رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان، أو سنور، أو كلب، أ يعيد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 161

صلاته؟ قال: إن كان لم

يعلم فلا يعيد). «1»

و في هذه الرواية دلالة على عدم مانعية أجزاء غير المأكول في صورة الجهل، لأنّ السنور من غير المأكول، فافهم.

منها الرواية الّتي رواها العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه. قال:

لا يعيد شيئا من صلاته). «2»

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم، فلا إعادة عليه، و إن هو علم قبل أن يصلّي فنسى و صلّى فيه، فعليه الاعادة). «3»

منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ذكر المنى فشدّده، فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صلّيت فيه، رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك، فكذلك البول). «4»

و هذه الروايات تدلّ على عدم الاعادة و القضاء، و لا إشكال في شهرتها رواية و فتوى، فلا يعتني ببعض ما يعارض هذه الروايات، مثل الرواية 8 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل، و هي ما رواها وهب بن عبد ربه عن

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 162

أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه،

فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: يعيد إذا لم يكن علم.

[في الروايات الدالّة على لزوم الاعادة]

منها الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به أ و لم يعلم، فعليه إعادة الصّلاة إذا علم). «1»

منها الرواية الّتي رواها منصور بن الوليد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا اصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد للّه الّذي لم يدع شيئا إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا، فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر، فعليه الإعادة). «2»

و لا يخفي عليك أنّ سند هذه الرواية كما ذكره في الوسائل هكذا (محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن جبلة عن سيف عن ميمون الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) فنقل (الحسن بن علي بن عبد اللّه بن جبلة) و هو غير صحيح، بل الصحيح (الحسن بن علي عن عبد اللّه بن جبلة)، و ليس الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ميمون الصيقل) بل (منصور بن عبد اللّه الصيقل) على ما وجدنا في نسخة الكافي، فهكذا السند الكليني (عن محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن جبلة عن سيف بن عميرة عن منصور بن عبد اللّه الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) نعم قد ذكر الشّيخ رحمه اللّه في رجاله منصور بن الوليد الصيقل، و لم نجد في الروايات إلّا ميمون ألبان.

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 41 من

أبواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 163

و توهم كون منصور أعنى هذا المنصور، ضعيفا مدفوع بأنّه قد كثر منه الروايات عن المشايخ، و قد كثر رواية المشايخ عنه، كصفوان بن يحيى، و عبد اللّه بن سنان، و علقمة بن محمد، و غيرهم، و هذا من الأمور الّتي يوجب وثاقة الراوي.

[في الجمع بين الروايات]

ثمّ إنّ هذه الروايات الثلاثة يعارض ظاهرها مع ما قدمنا من الروايات، و لا يخفي عليك بأنّ الرواية الاولى من هذه الثلاثة يحتمل فيها قويا اسقاط (لا) قبل قوله (يعيد) و إلّا فلا وجه لاختصاص الاعادة بخصوص صورة جهله بالنجاسة، و يمكن حمل الأمر بالاعادة في هذه الروايات على الاستحباب، و لا ينافي ذلك الثانية من هذه الروايات الثلاثة بأن يقال: لازم ذلك حمل قوله (فعليه الاعادة) في الوجوب في صورة علمه بالنجاسة، و على الاستحباب في صورة جهله بها، لأنّه، كما قلنا في الاصول، الوجوب و الندب خارجان عن حقيقة الطلب، و يستفاد من الخارج، و إلّا فالأمر لا يدلّ إلّا على صرف البعث.

و قيل في توجيه الرواية الثانية من الثلاثة بحمل قوله في الرواية (علم به أ و لم يعلم) على الاستفهام، و كون الجواب قوله (فعليه الاعادة إذا علم)، و هو بعيد.

و على كل حال إن لم تقبل الروايات للتأويل بنحو لا تكون منافية مع الروايات الدالّة على عدم الاعادة، و يكون بينهما التعارض، فلا إشكال في لزوم الاخذ بالروايات المستفيضة الدالّة على عدم وجوب الإعادة، لكونها موافقة مع الشهرة الفتوائية و الروائية، فلا بدّ من طرح ما يعارضها.

ثمّ إنّ في هذه المسألة تفصيلين آخرين نتعرض لهما.

التفصيل الأوّل هو التفصيل

بين الوقت و خارجه، فيجب إعادة الصّلاة إذا علم بالنجاسة بعد الصّلاة، و كان الوقت باقيا، و عدم الإعادة إذا علم بذلك في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 164

خارج الوقت، و الثاني التفصيل بين صورة الفحص و عدمه في مفروض مسئلتنا، فلا تجب الإعادة إذا تفحص قبل الصّلاة، و لم ير النجاسة، و وجوب الاعادة إذا لم يتفحص قبل الصّلاة و صلّى، ثمّ رأى النجاسة.

[الكلام فى التفصيل الّذي يظهر من كلام المحقّق]

أمّا الكلام في التفصيل الأوّل كما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه حيث قال بعد قوله:

بعدم وجوب الاعادة: و قيل: يعيد في الوقت، و الأوّل أظهر، فيظهر من كلامه وجود هذا القول بين القدماء قدّس سرّهم:

فما يمكن أن يكون وجها لذلك، هو أن يقال: بأنّه بعد دلالة بعض الروايات على عدم وجوب الاعادة، و إطلاقها يقتضي عدم وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و بعض اخر يدلّ على وجوب الاعادة، و إطلاقها يقتضي وجوب الاعادة حتّى في خارج الوقت، فنأخذ بالقدر المتيقن من كليهما، فقدر المتيقن من الطائفة الاولى عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت، و قدر المتيقن من الطائفة الثانية وجوب الاعادة في الوقت، فيقيد بقدر المتيقن من كل منهما القدر الغير المتيقن من كل منهما، فتكون النتيجة وجوب الإعادة في الوقت و عدمه في خارجه، كما قال الشيخ الانصارى رحمه اللّه في رفع التعارض بين ما يدلّ على عدم البأس ببيع العذرة، و بين بعض ما يدلّ على كون ثمن العذرة سحت، بحمل الأوّل على عذرة المأكول، و الثاني على عذرة غير المأكول.

و فيه أنّه لا شاهد لهذا الجمع، فلا وجه لهذا التفصيل.

[في ذكر التفصيل بين الفحص و عدم الفحص]

أمّا الكلام في التفصيل الثاني أعنى: الفرق بين صورة الفحص و عدمه، و هذا القول لم يكن بين القدماء، بل يظهر من بعض المتأخرين استنادا إلى الرواية 2 من الباب 41 من أبواب النجاسات من الوسائل، و هي ما رواها محمد بن مسلم عن

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 165

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكر المنى فشدده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت

نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صليت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك فلا إعادة عليك، فكذلك البول) و الرواية 3 من الباب المذكور، و هي ما رواها منصور بن الوليد الصيقل (و قلنا في الصفحة السابقة الكلام في سندها) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد للّه الّذي لم يدع شيئا إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر، فعليه الاعادة.

و لا يخفي أنّ الامر بالاعادة في الرواية الاولى يمكن أن يكون من باب أنّ المورد مورد يكون له خصوصية، و هو أنّ المتعارف في ثوب يصيبه جنابة هو أنّه لو تفحص عن المني لوجده، و يمكن أن يقال: بلزوم الفحص في مثل هذا المورد، و أمّا في غير ذلك المورد فيعمل بعموم الروايات.

و أمّا في الرواية الثانية فالظاهر منها هو ذكر شقوق المسألة، و أنّ الشخص إمّا أن يعلم بالنجاسة قبل الصّلاة، أو في أثنائها، أو بعدها، ففي الاولين تجب الاعادة، و في الثالثة لا تجب الاعادة، فيكون النظر مقدمة للعلم، و إلّا فإنّ كان في مقام بيان الفرق بين النظر و عدمه، فلم يستوف شقوق المسألة، لأنّه ذكر شقين: الأوّل صورة النظر و عدم الرؤية، و الثاني صورة عدم النظر أصلا، و يبقى صورة لم يذكرها، و هي صورة عدم النظر ثمّ الرؤية مضافا إلى أنّ التفصيل خلاف المشهور، فافهم.

فرع تعرض له السيّد رحمه اللّه في العروة فقال: لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ثمّ صلّى فيه و بعد ذلك تبين له

بقاء نجاسته، فالظاهر أنّه من باب الجهل بالموضوع،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 166

فلا يجب عليه الاعادة او القضاء. «1»

[في ذكر منشأ فتوى السيد امور]
اشارة

ما يمكن أن يكون منشأ هذه الفتوى أمور:

الامر الأول:

و هي رواية منصور ابن ميمون، أو ابن الوليد، أو ابن عبد اللّه على الكلام المتقدم فيها «2»، بأن يقال: بعد دلالتها على التفصيل بين الفحص و عدمه، و الحكم بعدم الإعادة في الأول، و الإعادة في الثاني فإطلاقها يقتضي شمول الحكم لصورة علم الشخص بالنجاسة و غسله و علمه بطهارته و الصّلاة فيها، ثمّ انكشف الخلاف، لأنّ المستفاد منها موضوعية الفحص سواء كان الفحص عن أصل النجاسة، أو الفحص عن زوالها، و حصل بالفحص العلم بالزوال.

و فيه أنّه لا إطلاق للرواية، بل ظاهرها الفرق بين الفحص عن أصل النجاسة و عدمه. «3»

الامر الثاني:
اشارة

و هي ما رواها ميسّر «4» (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس. قال:

أعد صلاتك، أمّا إنّك لو كنت غسلته أنت لم يكن عليك شي ء). «5»

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ج 1، ص 80، مسأله 2 فى الصّلاة فى النجس.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- أقول: مضافا إلى أنّ السيّد رحمه اللّه ليس قائلا بالتفصيل بين الفحص و عدمه في أصل المسألة أعنى: في ما صلى، ثمّ انكشف وقوع صلاته في النجاسة، فلم يعمل بهذه الرواية.

(المقرّر).

(4)- (لا وجه للاشكال في ضعف سند الرواية بمسيّر لأنّ ميسّر بن عبد اللّه موثوق بيّن وجهه سيد الاستاد مدّ ظلّه).

(5)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 167

بدعوى أنّ قوله فيها (أمّا إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء) على موضوعية غسله و علمه بطهارته.

[في ذكر الاحتمالات في الرواية]
اشارة

و فيه أنّه يحتمل في الرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد هو الفرق بين غسل الشخص بنفسه ثوبه، و بين غسل غيره، فإنّ غسله بنفسه فلا تجب الإعادة، و أمّا إذا غسله غيره فتجب الاعادة.

الاحتمال الثاني:

إنّ الثوب إن غسلته أنت بنفسك فتبالغ في تطهيره، فلم تبق فيه نجاسته حتّى تكشف لك الخلاف بعد الصّلاة، فلأجل أنّ المتصدي للغسل إن كنت أنت تغسله بنحو لم يبق فيه شي ء من النجاسة، فقال (إنّك لو غسلت أنت لم يكن عليك شي ء) و أمّا إنّ غسله غيره فحيث أنّ الغير لا يهتم مثل نفسك، بل يسامح في غسله فيبقى من النجاسة فيه، فالفرق بين غسل الغير و بين غسل نفس الشخص ليس إلّا من باب أنّ الأوّل لم يغسله و الثاني يغسله و يطهّره من النجاسة، لا أنّ مع بقاء النجاسة في غسل كليهما يكون بين صرف غسل الغير و بين غسل الشخص فرق و على هذا لا دلالة للرواية على فتوى السيّد رحمه اللّه.

و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى، فلا أقل من تساويه مع الأول، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: بأن مقتضى القاعدة في الإجزاء كما بينا، هو كون الامر بالعكس أعنى: عدم وجوب الاعادة في صورة غسل الجارية، لأنّها الوكيل أو ذو اليد، و أمّا في صورة تصدي الشخص الغسل بنفسه لأنّه جاهل المركب و لم يكن معذورا.

و لكن مع ذلك القول بالاجزاء في الإخبار محلّ تأمل، و لذا قلنا في المسألة في حاشية العروة (الأقوى فيه وجوب الاعادة و القضاء، بل الأحوط ذلك في إخبار

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 168

الوكيل) لأنّ في غسل الشخص و كشف الخلاف لا إشكال في وجوب الاعادة، و لذا قلنا (الأقوى) و أمّا في اخبار الوكيل

قلنا (الاحوط) لعدم معلومية الاجزاء في إخباره، فافهم.

الصورة الخامسة: إذا انكشف له النجاسة في أثناء الصّلاة و كان جاهلا بها قبل الصّلاة
اشارة

، فلها صور نتعرض لها في طي أمور:

الامر الأول:

أن يرى حال الصّلاة أنّ بثوبه النجاسة و يعلم بوقوعه في هذا الحال بحيث لم يقع جزء من أجزاءه صلاته في النجاسة قبل ذلك، مثل أن يبتلي بالرعاف و لم يكن شاغلا بفعل من أفعال الصّلاة.

الامر الثاني:

أن يرى بثوبه النجاسة و يشك في أنّها حدث في أثنائها، أو كانت في ثوبه من قبل الصّلاة.

الامر الثالث:

أن يرى في أثناء الصّلاة نجاسة في ثوبه أو بدنه، و يعلم بسبق النجاسة بحيث وقع تمام ما مضى من صلاته في النجاسة، مثل أن يعلم أنّ تلك النجاسة من قبل الصّلاة، أو يعلم بأنّ بعض ما مضى من صلاته وقع في النجاسة مثلا يكون في الركعة الثانية من الصّلاة، و يعلم بوقوع النجاسة في ثوبه أو بدنه في أثناء الركعة الاولى.

أمّا الكلام فى الامر الأوّل فنقول:

لا إشكال في صحة ما مضى من صلاته، فإن أمكن تبديل الثوب أو تطهيره بحيث لا يوجب فعل المنافي، فيفعل و يتم صلاته بعد ذلك، لدلالة بعض الروايات الواردة في الدم الرعاف العارض في أثناء

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 169

الصّلاة على ذلك، و من المسلّم عدم خصوصية لدم الرعاف، و ما في رواية «1» زرارة المعروفة بعد ما قال (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة) قوله (لأنّك لا تدرى لعله شي ء أوقع عليك) فمن الواضح دلالتها على أنّ وقوع النجاسة في أثناء الصّلاة بحيث لم يقع فعل من أفعالها مع النجاسة لا يوجب بطلان الصّلاة، مضافا إلى ما قلنا من إجزاء الأمر الظاهري، فهو بالنسبة إلى ما مضى من صلاته أتى بفرد كان فردا للطبيعة حال جهله، و في الحال ليس مشتغلا بفعل من أفعال الصّلاة، و فيما بقى من الصّلاة يغسل ثوبه، أو يطرحه، أو يبدله بثوب اخر، و المقدار من الزمان الّذي يطرح الثوب أو يغسله أو يبدّله و إن كان من أكوان الصّلاة إلّا أنّ عدم الشرط أعنى: طهارة اللباس مغتفرا إمّا من باب دعوى كون الصّلاة عبارة عن نفس الأقوال و الأفعال، و الأكوان المتخللة بين أفعالها خارجة عن الصّلاة،

و ليست جزء لها، و إمّا من باب أنّه لو لم نقل بذلك، و قلنا: بأنّ الصّلاة عبارة عن الحالة الخضوعية بين يدى الرب عزّ اسمه، فعلى هذا من أوّل التكبير إلى اخر التسليم هو في الصّلاة، و يعد هذا الخضوع الخاص صلاة من أفعاله و أقواله و أكوانه، و لكن نقول: بأنّ بعض روايات الواردة في الرعاف يدلّ على العفو عن هذا الشرط في هذا المقدار من الزمان، و عدم مانعية النجاسة في الكون المتخلل بين العلم و تحصيل الشرط أو رفع المانع.

و أمّا الكلام فى الامر الثاني

أعنى: صورة الشّك في كون النجاسة من السابق أو كونها طاريا في أثناء الصّلاة حال الالتفات، فأيضا إن أمكن له طرح الثوب أو تبديله أو تطهيره بحيث لا يوجب وجود مناف من منافيات الصّلاة،

______________________________

(1)- (و هي من جملة روايات المتمسك بها في باب الاستصحاب).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 170

فيجب عليه ذلك و تصح صلاته و يتمها، و إلّا فيجب عليه إعادة الصّلاة.

أمّا بالنسبة احتمال كونها من قبل، فلاستصحاب الطهارة إلى ان حصول العلم، لاحتمال طروها الآن، مضافا إلى أنّه لو فرض كون النجاسة من قبل الشروع في الصّلاة، فما مضى من صلاته حيث وقع إمّا بمقتضى استصحاب الطهارة أو قاعدتها، و لو علم بذلك فعلا، و لكن ما مضى محكوم بالصحة، لما قلنا من الإجزاء، و لا فرق في الإجزاء بين وقوع تمام الصّلاة و بين بعضها بمقتضى الأصل.

و أمّا بالنسبة إلى الكون و الزمان المتخلل بين حصول العلم بالنجاسة و بين رفعها بالتطهير أو بالتبديل أو بالطرح فأوّلا لما يستفاد من الروايات الواردة في حصول الرعاف في أثناء الصّلاة، و دلالتها على عدم البأس في عدم الشرط أو وجود المانع

في الكون المتخلل، و لا خصوصية للمورد أعنى: الرعاف و حصول النجاسة في الأثناء، بل المستفاد منها هو عدم مضرية النجاسة في هذا الحال، و عدم بطلان الصّلاة بواسطة تلبسها بالنجاسة عند حصول العلم بها و اشتغاله بازالتها، لأنّه بعد كون ما مضى من صلاته محكوما بالصحة، فيكون حاله كحال من علم بطرو النجاسة في هذا الحال، فيغتفر في هذا الكون المتخلل وجود المانع.

و ثانيا يدلّ على الصحة في هذا الفرد خصوص رواية زرارة حيث قال فيها (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت الصّلاة و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة، لأنّك لا تدرى لعله شي ء أوقع عليك) لأنّ موردنا لا يدرى أنّ النجاسة من السابق أو تكون طاريا في الحال، فلعلّه شي ء أوقع عليه.

و أمّا الكلام فى الامر الثالث

و هو كما قلنا ما إذا علم بالنجاسة في أثناء الصّلاة، و لكن علم بسبقها بحيث إنّه يعلم بوقوع تمام ما مضى من صلاته، أو بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 171

ما مضى منها فى النجاسة فاعلم أنّه إن كنّا نحن و مقتضى القاعدة نقول: إنّ مقتضى القاعدة هو الإجزاء بالنسبة إلى ما مضى من صلاته في النجاسة في صورة الجهل بها، لما قلنا من الإجزاء في ما إذا وقع تمام الصّلاة في النجاسة في حال جهل المصلّي بالموضوع، لأنه لا فرق بين وقوع كل الصّلاة في النجاسة و بين وقوع بعضها فيها، مضافا إلى إمكان دعوى دلالة الرواية المتقدمة الدالّة على صحة الصّلاة، و عدم وجوب الاعادة إذا صلّى في النجس جاهلا بالموضوع و انكشف ذلك بعد الصّلاة، لأنّ هذه الروايات لو عرض على العرف يلغى خصوصية انكشاف الخلاف بعد الصّلاة، و لا يفرقون بين وقوع بعضها في

النجاسة، أو كلها إن لم يقولوا بأنّ وقوع تمام الصّلاة في النجاسة لو لم يكن موجبا للاعادة، ففي صورة وقوع بعضها يكون عدم الإعادة أولى.

و أمّا بالنسبة إلى الزمان المتخلل بين العلم بالنجاسة في الأثناء و بين الغسل أو طرح الثوب أو تبديله، فكما قلنا من دلالة بعض أخبار الواردة في الرعاف على ذلك بعد إلغاء خصوصية طروّ النجاسة في الأثناء، لأنّ النجاسة في ما مضى من صلاته إن كانت غير مانعة، فحال العلم بسبقها يكون حاله كحال العلم بطروّها فعلا، فتكون النتيجة بعد أجزاء ما مضى من صلاته، و العفو عن الكون المتخلل، هو أنّه في هذه الصورة مثل الصورتين السابقيتين إن أمكن له بعد علمه بالنجاسة في أثناء الصّلاة تطهير الثوب، أو طرحه، أو تبديله فيفعل ذلك، ثمّ يتم صلاته و تقع صحيحة، و لا إعادة عليه، و إن لم يمكن له ذلك فيجب عليه إعادة الصّلاة بعد تحصيل الشرط أعنى: طهارة الثوب و رفع المانع.

و لكن هنا بعض الروايات يدلّ على بطلان الصّلاة في هذا الفرض، فنقول

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 172

بعونه تعالى: بأنّ رواية زرارة المعروفة المتمسك بها في باب الاستصحاب تدلّ على البطلان، لأنّ قوله (و إن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت الصّلاة و غسلته ثمّ بنيت على الصّلاة، لأنّك لا تدرى لعلّه شي ء أوقع عليك) لأنّ المستفاد منها هو أنّ احتمال وقوع النجاسة في الأثناء و طروّها فعلا بحيث لم يقع فعل من أفعال صلاته مقترنا لمانع، علّة لعدم وجوب الاعادة و عدم البطلان إن أمكن الغسل أو الطرح أو التبديل، فإذا علم بسبقها على الصّلاة و وقوع فعل من أفعالها مع النجاسة فتبطل الصّلاة، لعدم العلة،

لكون حكم عدم الإعادة و وجوبها دائرا مدار وجود العلة و عدمها، مضافا إلى أنّه إن قلنا: بكون الفقرة الاولى من الرواية و هو قوله (قلت: إن رأيته و أنا في الصّلاة؟ قال: تنقض الصّلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رايته) تعرضت لحكم صورة الجهل، لا لمورد العلم الاجمالى بوقوع النجاسة و كون الشّك في موضعها، فتدل هذه الفقرة أيضا على بطلان الصّلاة لو كان جاهلا بالنجاسة قبل الصّلاة، ثمّ علم به في أثنائها.

[مع دلالة الرواية لا مجال للتمسك بقاعدة الاجزاء]

فعلى هذا لا يبقى مجال للتمسك بالإجزاء، لأنّ الإجزاء يكون بمقتضى القاعدة، و لا ينافي عدم الإجزاء في مورد من باب دليل خاص مثل المورد على ما يستفاد من هذه الرواية.

[مورد رواية محمّد بن مسلم مورد النسيان]

و من جملة ما يمكن أن يستدل بها على بطلان الصّلاة في هذا الفرض هو ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ذكر المني فشدّده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة، فعليك إعادة الصّلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 173

فكذلك البول). «1»

لأنّها تدلّ على أنّ رؤية المني إن كان قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة فعليك إعادة الصّلاة، فإذا علم في الأثناء أعنى: بعد ما دخل في الصّلاة فعليه إعادتها.

و فيه أنّ بعد احتمال كون مورد الرواية صورة العلم قبل الصّلاة، و كان دخوله فيها مع النجاسة نسيانا، فهي مربوط بفرض النسيان، و لا ربط لها بفرضنا، و لا يبعد ذلك، لأنّه فرض فيها رؤية المني قبل الصّلاة و بعد ما دخل فيها، ففي صورة الرؤية قبلها لا يدخل فيها عمدا، فيكون بحسب الظاهر دخوله فيها مع الرؤية سابقا من باب النسيان، فكذلك يحتمل أن يكون رؤيته في الأثناء كذلك أيضا بمعنى: كون الرواية متعرضة لصورة الرؤية في الأثناء، ثمّ نسيانها و اتيانه ببعض أفعالها حال النسيان، ثمّ تذكر، فامر بالاعادة في كلتا الصورتين لكونهما صورة النسيان فعلى هذا لا وجه لأنّ يستدل بهذه الرواية لبطلان الصّلاة في مفروض مسئلتنا.

و أمّا ما رواها أبو بصير (عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به قال: عليه أن يبتدئ الصّلاة. قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته، ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه). «2»

فتدلّ على فساد الصّلاة لو دخل فيها مع الجهل بالنجاسة، و علم بها في أثنائها، و تدلّ على عدم الاعادة لو التفت بعد الصّلاة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 41 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 174

و أمّا ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت: له الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصّلاة؟ قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه، و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أ و لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صليت فيه). «1»

[في مورد اختلاف نقل الكافى و التهذيب]

هذا متن الحديث بنقل (الكافى) (و أمّا بنقل التهذيب فذكرها مثله، لكن زاد قبل قوله (ما لم يزد) واوا و أسقط قوله (و ما كان أقلّ) فيكون نقل التهذيب هكذا (و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء الخ) فنقول: أمّا على نقل الكافي فتارة يقال: بأنّ قوله (ما لم يزد) قيد للجملة الاولى و الثانية كليهما، و تارة يقال:

بكونه قيدا لخصوص الجملة الثانية، فعلى الأوّل تكون الرواية دالّة على وجوب طرح الثوب و

إتمام الصّلاة إن كان له ثوب غيره ما لم يزد الدم على مقدار الدرهم، و تدلّ الجملة الثانية على وجوب المضىّ في صلاته ما لم يزد الدم على الدرهم.

فعلى هذا ليست الرواية معارضة مع رواية زرارة و أبي بصير، لأنّ هذه الرواية متعرضة لصورة خصوص عدم كون الدم أكثر من الدرهم، و إن كان يبقى في الرواية إشكال من حيث إنّه لم يجب طرح الثوب إذا لم يكن الدم أكثر من الدرهم.

و على الثاني تكون الجملة الاولى دالّة على وجوب طرح الثوب و اتمام الصّلاة، و لكن يوجب حمل الأمر بطرح الثوب على الاستحباب في ما إذا كان الدم اقل من درهم، لأنّ إطلاق قوله (إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ) هو

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 175

الامر بطرح الثوب في مطلق الدم، فلا بدّ من حمل الامر بالطرح على الاستحباب فيما يكون الدم أقل من الدرهم.

و هذا الحمل مع كونه خلاف الظاهر لا يمكن في المورد، لعدم القول باستحباب الطرح في صورة كون الدم أقل من درهم، مضافا إلى تعارض منطوق هذه الجملة مع مفهوم الجملة الثانية، لأنّ مقتضى الصدر هو طرح الثوب و إتمام الصّلاة إذا كان له ثوب اخر، و مفهومه عدم وجوب الطرح إن لم يكن له ثوب اخر و إتمام الصّلاة بدون الطرح سواء كان الدم أقل أو أكثر من درهم، لأنّ على هذا الاحتمال لم يكن القيد إلا قيدا لخصوص الجملة الثانية لا الاولى، و الحال أنّ مفهوم الجملة الثانية و هو قوله (و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة

عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم) هو عدم جواز المضىّ إذا كان أكثر من درهم إن لم يكن له إلّا ثوب واحد و بطلان صلاته، و الحال أن مفهوم الصدر يدلّ على عدم وجوب الطرح و لزوم المضى في هذا الحال و إن كان أكثر من درهم، مضافا إلى أنّ الظاهر من الجملة الاولى و الثانية هو التفارق بين الصورتين من باب كون لباس اخر للمصلّي و عدمه، لا من باب كون الموضوع في الجملة الاولى هو صورة كون الدم أقل من درهم.

و على كل حال بناء على إرجاع القيد إلى الجملتين فتكون مورد كل منهما كون الدم أقلّ من درهم، فلا تتعارض هذه الرواية مع رواية زرارة و غيرها ممّا دلّت على البطلان، و على تقدير إرجاع القيد إلى خصوص الجملة الثانية، مضافا إلى أنّه احتمال لا ظهور للرواية في ذلك، لقابلية كون القيد راجعا إلى كل من الجملتين، فأيضا يمكن الجمع بينها و بين رواية زرارة، لأنّ الصدر و ان دلت على وجوب طرح الثوب إذا كان له ثوب غيره ثمّ إتمام الصّلاة، و لكن حيث إنّ الرواية مطلقة بالنسبة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 176

إلى حدوث النجاسة في أثناء الصّلاة و حال العلم بها، و بالنسبة إلى علم الشخص بكونها قبل الصّلاة، فيقيد اطلاقها برواية زرارة الدالّة على بطلان الصّلاة في خصوص العلم بالنجاسة في الاثناء، مع علمه بان النجاسة كانت من قبل الصّلاة، و على كل حال لا تخلوا الرواية على نقل الكافي عن الاضطراب.

و أمّا على نقل الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و هو بزيادة الواو قبل قوله (ما لم يزد) كما قدمنا فتصير (و ما يزد على مقدار

الدرهم) جملة مستقلة غير مربوط بالجملتين الأوّلتين، و يكون مفاد الجملة الاولى من الرواية هو وجوب طرح الثوب إذا كان له ثوب اخر و اتمام الصّلاة، و مفاد الجملة الثانية عدم وجوب الطرح و لزوم إتيان الصّلاة مع الثوب النجس إذا لم يكن له إلّا ثوب واحد، ففي الحقيقة تكون الجملة الثانية مفهوم الجملة الاولى ذكر في الكلام.

و على هذا يقع التعارض بينها و بين رواية زرارة، لأنّها تدلّ على وجوب طرح الثوب و اتمام الصّلاة إذا كان له ثوب اخر، و إتمام الصّلاة بلا طرح إذا لم يكن له إلّا ثوب واحد، و الحال أنّ رواية زرارة تدلّ على بطلان الصّلاة، و لا يمكن حمل رواية زرارة على صورة عدم إمكان الطرح، أو التطهير أو التبديل، لأنّ في نفس رواية زرارة أمر بقطع الصّلاة و غسل الثوب، ثمّ اتمام الصّلاة إذ احتمل طروّ النجاسة في حال الصّلاة.

[فلا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم لكونها خلاف فتوى المشهور]

و إذا وقع التعارض فحيث إنّ إطلاق الحكم بغسل الثوب، أو طرحه، أو تبديله حتّى في سعة الوقت خلاف فتوى المشهور، فلا يمكن العمل بهذه الرواية أعنى: رواية محمد بن مسلم، فلا بدّ من حملها على ضيق الوقت و عدم تمكنه من غسله و إعادة الصّلاة من رأس.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 177

ثمّ إنّ في الرواية و إن لم يكن إلّا طرح الثوب، لا غسله و لا تبديله، و لكن من الواضح أنّ الطرح كناية عن رفع المانع، فباى نحو أمكن رفع المانع لا بد من رفعه و إتمام الصّلاة بلا مانع على القول بوجوب الطرح.

ثمّ إنّ ما قيل: من كون الكافي أضبط من التهذيب و إن كان، تماما لكن لا ينفع في موردنا أعنى: في رواية

محمد بن مسلم، لأنّا في المورد لا ندرى بأن نسخ الكافي صحيح أم لا، نعم لو علمنا بأنّ ما في نسخ الكافي هو عين ما ضبطه الكليني رحمه اللّه، فيكون لهذا الكلام مجال، و علة ذلك كثرة اشتغالات الشّيخ رحمه اللّه و وفور تأليفاته و تصنيفاته.

و على كل حال فالحق هو ما ذهب إليه من بطلان الصّلاة لو دخل المكلف في الصّلاة جاهلا بالنجاسة، فانكشف في الأثناء له ذلك (بمعنى وقوع تمام صلاته أو بعضها جاهلا في النجاسة، فانكشف له في الأثناء) و إن أمكن له إزالة النجاسة و رفع المانع في أثناء الصّلاة، فافهم، هذا تمام الكلام في مسائل الراجعة إلى الصورة الخامسة.

الصورة السادسة:
اشارة

أن يعلم بنجاسة ثوبه، أو بدنه و نسي و صلّى، ثمّ بعد ما صلّى تذكر بوقوع صلاته فيها، فهل يجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، أو لا يجب في الوقت و خارجه، أو التفصيل بين الوقت و خارجه، فتجب الإعادة إذا تذكر في الوقت، و عدم وجوب الإعادة إذا تذكر في خارج الوقت؟

اعلم أن روايات الواردة في المسألة مختلفة، فبعضها يدلّ على وجوب الاعادة في الفرض مطلقا في الوقت و خارجه، و هي على ضربين: بعضها واردة في غير الاستنجاء، و بعضها في الاستنجاء.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 178

الضرب الأول:
اشارة

منهما روايات:

الرواية الاولى:

ما رواها زرارة، و هي الرواية المفصلة المتمسكة بها في الاستصحاب، قطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه و ذكر في أبواب مختلفة، نذكر فقرة منها مربوطة بمسألتنا (قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شي ء من منى فعلمت أثره إلى أن اصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصّلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صلّيت، ثمّ إني ذكرت بعد ذلك. قال: تعيد الصّلاة و تغسله). «1»

الرواية الثانية:

ما رواها ابن مسكان (قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام مع إبراهيم بن ميمون قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله، فيصلي و يذكر بعد ذلك أنّه لم يغسلها؟ قال: يغسلها و يعيد صلاته). «2»

الرواية الثالثة:

ما رواها سماعة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال: يعيد صلاته كى يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه. قلت: فكيف يصنع من لم يعلم، أ يعيد حين يرفعه؟ قال:

لا، و لكن يستأنف). «3»

الرواية الرابعة

ما رواها الحسين بن زياد (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي، ثمّ يذكر بعد أنّه لم يغسله؟

قال: يغسله و يعيد صلاته). «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 179

الرواية الخامسة:

ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنّه اصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي، ثمّ صلّى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، و إن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، و إن كان يرى أنّه أصابه شي ء فنظر، فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء). «1»

الضرب الثاني:
اشارة

و هو بعض ما ورد في من نسي الاستنجاء:

منها: ما رواها سماعة

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمّ توضأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة، فإنّ كنت أهرقت الماء، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصّلاة و غسل ذكرك، لأنّ البول مثل البراز). «2»

و مفاد كل هذه الروايات وجوب الإعادة إذا صلّى في النجس نسيانا، و في قبال ذلك يدلّ بعض الروايات على عدم وجوب الاعادة و هو طائفتان: طائفة منها واردة في الاستنجاء.

منها: ما رواها هشام بن سالم

(عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتوضأ، و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال. فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصّلاة). «3»

منها: ما رواها عمّار بن موسى

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لو أنّ رجلا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 180

نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصّلاة). «1»

منها: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

(قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته، أنّه لم يستنج من الخلاء؟ قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصّلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا إعادة). «2»

و طائفة منها واردة في غير الاستنجاء، و هي ما رواها أبو العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه، فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصّلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصّلاة و كتبت له). «3»

[في ما يمكن ان يكون مدرك التفصيل هو رواية على بن مهزيار]
اشارة

و ما يمكن أن يستدل به على التفصيل بين الوقت و خارجه، و هي ما رواها علي بن مهزيار (قال: كتب سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه و لم يره و أنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله و تمسح بدهن، فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثمّ توضأ وضوء فصلّى، فأجابه بجواب قرأته بخطه: أمّا ما توهمت ممّا أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقق، فإنّ حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصّلاة اللواتى كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة إلّا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الخلوة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من

الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 181

فاعمل على ذلك إن شاء اللّه). «1»

وجه الاستدلال قوله (من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة إلا ما كان في وقت، إذا عرفت ذلك نقول: أمّا هذه الرواية الّتي توهّم دلالتها على التفصيل، فنقول:

[مناقشة الرواية]
أمّا أوّلا: بأنّ الرواية لم يعلم صدورها عن الامام عليه السّلام

و صرف جلالة شأن علي بن مهزيار لا يفيد، لأنّه إن قال: إنه بنفسه كتب إليه، فكان مجال لأنّ يدعى بأنّه لا يكتب إلّا إلى الامام عليه السّلام للسؤال عن الحكم الشرعى، و لكن هو يروي عن سليمان و أنّ سليمان كتب، و حال سليمان بن رشيد غير معلوم- إلّا أن يقال: بأنّ اهتمام المحدثين بها، و ضبطهم الرواية مع عدم بنائهم إلّا على نقل الروايات المنقولة عن الائمة عليهم السّلام، يوجب الظن القوي بكون المروي عنه هو الامام عليه السّلام-

و ثانيا: اختلال الواقع في المتن من الحديث من وجوه:
الوجه الأول:

من حيث التفصيل بين الوقت و خارجه، و علل بأنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصّلاة ما كان في وقت، مع عدم كون السؤال عن الثوب، بل كان عن البدن.

الوجه الثاني:

عدم ذكر جواب ما سأله الراوي، لأنّ سؤاله عن البدن.

الوجه الثالث:

أنّه إن قلنا بكفاية غسلة واحدة في تطهير الخبث، و عدم احتياج إلى التعدد، و حصول الطهارة عن الحدث بهذه الغسلة، فلا وجه للأمر بالغسل و إعادة الصّلاة، و إنّ قلنا بكفاية الغسلة الواحدة في خصوص الطهارة عن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 182

الخبث، و عدم كفايتها للطهارة عن الحدث، فلا فرق بين الوقت و خارجه، و إن قلنا بعدم حصول الطهارة الخبثية و الحديثية بغسله واحدة، فأيضا لا فرق بين الوقت و خارجه، و بالجملة اضطراب المتن يمنع عن التمسك بها.

و ثالثا: عدم فتوى المشهور على طبقها، بل إعراضهم عنها يوجب سقوطها عن الحجية

و إن فرض وضوح متنها، و صحة سندها، فالتفصيل لا وجه له استنادا بهذه الرواية.

إذا عرفت ذلك نقول: أما الروايات الواردة في الاستنجاء الّتي تدلّ على عدم وجوب الاعادة، فهي متعارضة بخصوص ما ورد في مورده الدالّ على وجوب الاعادة، و قد يتخيل بامكان الجمع بين ما دلّ على وجوب الاعادة، و بين ما دل على عدم وجوب الاعادة بأنّ ما دلّ على عدم وجوب الاعادة حيث إنّه نصّ في عدم الوجوب، فيرفع اليد عن ظاهر ما دلّ على وجوب الاعادة من باب حمل الظاهر على النصّ، و يقال باستحباب الاعادة.

و اعلم أنّ الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّ على عدم وجوب الاعادة بما إذا انكشف في الوقت، و ما دلّ على عدم وجوب الاعادة بصورة الانكشاف في خارج الوقت غير صحيح، مضافا إلى عدم شاهد على ذلك، مناف مع ظاهر بعض الروايات مثل رواية أبي العلاء، فإنّ فيها قال (قد مضت الصّلاة و كتبت له) مع أنّ الظاهر منها صورة تذكره بعد الصّلاة لم يمض الوقت بحسب المتعارف.

ثمّ إنّ الحق عدم إمكان

الجمع بين الطائفتين من الروايات، لظهور الطائفة الاولى في الاعادة و الثانية في عدم وجوب الاعادة، مضافا إلى ما بينا في الاصول من أنّ الاوامر الصادرة على ضربين: قسم منها ما يصدر في مقام إعمال السلطنة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 183

المجعولة من الشارع، و يعبّر عنها بالأوامر المولوية، و قسم منها ليس فيها إعمال مولوية، بل يكون نظير أوامر الأطباء في مقام بيان ذكر المصلحة المترتبة على الفعل، و من هذا القسم أمر المقلّد فإنّ فيه ليس إعمال مولوية و كذلك بعض الأوامر الصادرة من المعصومين عليهم السّلام، و المورد هكذا، لأنّ مفاد الطائفة الاولى من الروايات هو عدم صحة الصّلاة في مفروض المسألة، و مفاد الطائفة الثانية هو الصحة، و ليست الطائفة الاولى في مقام البعث و التحريك نحو الاعادة، و الثانية على عدمها حتّى يقال: بأنّ الطائفة الثانية قرينة على عدم كون البعث إلزاميا، فيجمع بين الطائفتين بحمل الأخبار الدالّة على الاعادة على الاستحباب. «1»

فاذا لا يمكن الجمع بينهما، فعلى هذا لا بد من الأخذ بما دلّ على وجوب الاعادة مطلقا في الوقت و خارجه، و طرح ما يخالفها من الروايات، لكون الطائفة الاولى موافقة مع الشهرة، فافهم.

فرع:

لو نسى المكلف نجاسة شي ء، ثمّ لاقي النجس مع بدنه او ثوبه فصلّى فى الثوب الملاقي للنجس و نذكر بعد الصّلاة، فالظاهر أنّ ذلك من صغريات الجهل بالموضوع لا نسيان الموضوع، لأنّه غير عالم بنجاسة هذا الثوب الملاقي في زمان سابق حتّى كان من صغريات النسيان.

لم يتعرض مدّ ظلّه لصورة نسيان النجاسة و انكشاف ذلك في أثناء الصّلاة.

مسئلة:

إذا لم يكن عنده إلّا ثوب واحد، و لا يتمكن من غسله لعدم ماء، أو لغيره، فهل يصلّي مع هذا الثوب النجس مطلقا سواء تمكن من النزع أ و لم يتمكن

______________________________

(1)- أقول: لا فرق من هذا الحيث بين كون الأمر مولويا أو ارشاديا، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 184

لبرد أو غيره، أو يصلّي عريانا مطلقا حتّى في صورة البرد و غيره كوجود الناظر، أو يصلّي مع الثوب النجس إذا اضطر إليه من برد أو وجود ناظر، و يصلّي عريانا في صورة عدم الاضطرار إلى اللبس من برد أو وجود ناظر.

[في كون الصّلاة عاريا هو المشهور من زمان الشيخ الى زمان المحقّق]

لا يخفى عليك أنّ المشهور من زمان الشيخ «1» رحمه اللّه إلى زمان المحقق رحمه اللّه هو وجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار لبرد و غيره، فيصلي في هذه الصورة في الثوب النجس، و هذا مختار المحقق رحمه اللّه أيضا في جملة من كتبه كالشرائع و النافع، و اختار في المعتبر التخيير بين أن يصلّي عاريا، و بين أن يصلّي في الثوب النجس، و تبعه العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه، و جملة من المتأخرين إلى زمان المحقق الاردبيلي رحمه اللّه، و تلميذه صاحب المدارك فاحتملا تعين وجوب الصّلاة في الثوب النجس لو لم يخالف الاجماع و كان هذا القول جاريا على سبيل الاحتمال إلى زمان فاضل الهندي رحمه اللّه- شيخ الامامية في أصفهان في أواخر قرن الحاد يعشر إلى أوائل قرن الثاني عشر- صاحب كشف «2» اللثام، فهو أفتى بنحو الجزم بوجوب الصّلاة في الثوب النجس، فهذا القول حدث في زمانه، ثمّ صار مورد التسلم بين مقاربي عصرنا و معاصرينا، فممّا مرّ ظهر لك أنّ الفتوى بتعيّن وجوب الصّلاة في

الثوب النجس لم يكن عين و لا أثر منه عند القدماء، و تكون الفتوى على خلافه تقريبا في أحد عشر قرنا.

[في الروايات الدالّة على تعين الصّلاة فى الثوب النجس]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ روايات الباب مختلفة، فبعضها يدلّ بظاهره على وجوب الصّلاة في الثوب النجس:

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 90.

(2)- كشف اللثام جلد 1 صفحه 455.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 185

منها ما رواها محمد بن علي الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله). «1»

و منها ما رواها الحلبى (أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه). «2»

و منها ما رواها محمد الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه إذا اضطر إليه). «3»

فهاتان الروايتان أيضا عن الحلبي، و اعلم أن للحلبي رواية اخرى تدلّ على وجوب الصّلاة عاريا، و هي هذه (عن محمد بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أصاب ثوبه منّي؟

قال: يتيمم و يطرح ثوبه، فيجلس مجتمعا، فيصلّي فيومي إيماء). «4»

و لا يبعد كون هذه الروايات الأربعة رواية واحدة، بل هذا قريب بالنظر، و لا ينافي الحكم في أحدها بالصّلاة عاريا و في الثلاثة الاخرى بالصّلاة في الثوب النجس، لأنّ المتأمل في الرواية يرى أنّ المورد الّذي أمر عليه السّلام بالصّلاة عاريا غير المورد الّذي أمر بالصّلاة في الثوب النجس، فمورد الأمر بالصّلاة عاريا، كما يظهر

من الرواية 4 من الباب 46، مورد يكون الرجل في فلاة من الارض، و من الواضح عدم وجود ناظر في هذا الموضع، فليس له كلفة في أن يصير عريانا، ففي هذا المورد

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 186

أمر بالصّلاة عاريا، و أمّا مورد رواياته الاخرى، خصوصا مع التصريح في الرواية الثالثة منه «1» و هو صورة الاضطرار إلى لبس الثوب من جهة وجود ناظر أو برد، فلا تنافي بين رواياته، و لا مانع من كونها رواية واحدة، و يأتى إنشاء اللّه تتمة الكلام عند التعرض لجمع الشيخ رحمه اللّه.

فعلى كل حال أربعة روايات بنقل الوسائل تدلّ على تعين الصّلاة في الثوب النجس:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره، و لا يقدر على غسله، قال: يصلّي فيه). «2»

الرواية الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يجنب في ثوب و ليس معه غيره و لا يقدر على غسله، قال:

يصلّي فيه). «3»

و الراوي للروايتين كليهما هو عبد الرحمن، و لا يبعد كونهما رواية واحدة أيضا، لبعد أنّه سئل سؤالا واحدا مرّتين عن المعصوم عليه السّلام.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال سألته عن رجل عريان و حضرت الصّلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم أو

كله دم يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا).

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 187

الرواية الرابعة: ما رواها عمار الساباطى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب و لا تحل الصّلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟

قال: يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصّلاة). «1»

هذا كله في ما يدلّ بظاهره على تعين الصّلاة في الثوب النجس.

و أمّا الروايات المخالفة، و هي ما تدلّ بظاهرها على تعين الصّلاة عاريا في هذا الحال، فهي روايات:

الرواية الاولى: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض و ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يتيمم، و يصلّي عريانا قاعدا يؤمى إيماء). «2»

الرواية الثانية: ما رواها أيضا سماعة و هي هذه: عن سماعة (قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض فأجنب و ليس معه إلا ثوب فأجنب فيه، و ليس يجد الماء، قال: يتيمم و يصلّي عريانا قائما يؤمى إيماء). «3»

فلا يبعد كونهما رواية واحدة.

الرواية الثالثة: ما رواها ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إن كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما). «4»

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 46 من ابواب النجاسات من

الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 188

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن على الحلبى ذكرناها عند التعرض لروايات الحلبي في طي الأخبار المتمسك بها لوجوب الصّلاة في مفروض مسئلتنا في الثوب النجس، و قلنا باحتمال كون ما نقل عنه من الروايات رواية واحدة. «1»

[في ما قيل فى فرض الدوران بين رفع اليد عن الموصوف او الصفة لا بدّ من المشروط في ليس فى محله]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا ما يتوهم في المقام من أنّ الدوران واقع بين رفع اليد عن الموصوف و هو الستر، و صفته و هو طهارته، و لا إشكال في أنّه منع الدوران بين رفع اليد عن الشرط، و بين رفع اليد عن مشروطه، لا بد من حفظ المشروط، و رفع اليد عن الشرط، ففي المقام لا بد من أن يصلّي مع الثوب النجس، لأنّه لو فعل ذلك حفظ أصل الستر و لكن قطع النظر عن شرطه و هو طهارته.

فليس في محلّه، و لا وجه له، لأنّ الأمر ليس كذلك، أمّا أوّلا فلأنّ الستر شرط مستقل في الصّلاة، و كون المصلّي طاهرا بدنه و لباسه شرط اخر في حياله، لا أن يكون أحدهما شرطا للاخر.

و ثانيا ليست الطهارة إلّا عدم القذارة، فالطهارة أمر عدمى، و النجاسة و القذارة أمر وجودي، فالنجاسة مانعة فيدور الأمر بين حفظ شرط و هو الستر، و بين عدم ابتلائه بالمانع و هو النجاسة.

إذا فهمت بطلان ذلك نقول بعونه تعالى: اعلم أنّ الظاهر من المحقق رحمه اللّه الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات بالتخيير بمعنى تخيير المكلف بين أن يصلّي عاريا أو في الثوب النجس، لأنّه و إن كان الظاهر من كل من الطائفتين هو التعيين، لكن بعد

تعارضهما نقول بالتخيير في المقام أمّا أوّلا فلأنّه بعد كون الدوران في المقام بين أن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 46 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 189

يرفع اليد عن شرطية الستر، و بين أن يرفع اليد عن مانعيته النجاسة، و بين أن يرفع اليد عن كليهما في مقام الثبوت، فظاهر الروايات الدالّة على أن يصلّي عاريا هو إسقاط شرطية الستر في هذا الحال، و حفظ مانعية المانع، و ظاهر بعض ما دلّ على وجوب الصّلاة في الثوب النجس، هو حفظ شرطية الستر و إسقاط مانعية المانع، فالحكم بالتخيير في المقام لم يكن تخييرا شرعيا، لأنّ مورد التخيير الشرعى ليس في مقام الامتثال، و هنا ما صار سببا لرفع اليد عن أحد من الشرط أو المانع ليس إلا عدم تمكّن المكلف في مقام الامتثال من حفظهما، فالتخيير إن كان في المقام فيكون عقليا.

و بعد ذلك نقول: أولا بأنّه في المقام لا معنى للتخيير العقلي، لأنّ معنى تخيير العقلى هو اختيار المكلف بين حفظ مصلحة الستر و ارتكاب مفسدة وجود المانع، و بين ترك مفسدة المانع بالصّلاة عاريا و رفع اليد عن مصلحة الستر، و على الالتزام بالتخيير لا بد و أن تكون المصلحة و المفسدة متساويين، لا كون احدهما أكثر من الاخر، و إلّا لا معنى للتخيير، بل لا بد على هذا حكم العقل بحفظ الأهم.

فعلى هذا نقول: لو كان التزاحم بين المصلحتين المتساويين يحكم العقل بالتخيير، و أمّا لو تزاحمت المصلحة مع المفسدة، فلا يحكم العقل بالتخيير، بل لا حكم له بحفظ أحدهما، ففي المقام لو حفظ الستر يقع في مفسدة المانع، و لو حفظ ترك المفسدة بترك المانع يخرج من

يده مصلحة الشرط، فإذا رأى العقل هذا الحال يرى عدم تأثير الشرط في زيادة المصلحة في المركب، و عدم تأثير عدم المانع في المركب، فيحكم بعدم دخالة الشرط و المانع في المركب (أقول: و يمكن الخدشة في ذلك).

و ثانيا إنّ التخيير ليس جمعا عرفيا كي يقال في مقام رفع التعارض بهذا النحو

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 190

من الجمع، فلا يمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه المحقق رحمه اللّه في المعتبر، فافهم.

و أمّا الإشكال بهذا الجمع بأنّ في رواية علي بن جعفر قال (صلّى فيه و لم يصلّ عريانا) و هذا مناف مع التخيير، فيمكن دفعه، لأنّ قوله (لم يصلّ عريانا) يمكن حمله على مرجوحية أحد فردي التخيير أعنى: عريانا، و كون الصّلاة في النجس أفضل فردي التخير، فافهم.

[ما قاله الشيخ ره من حمل ما دلّ على الصّلاة فى الثوب النجس على حال الاضطرار يلائم مع الروايات]

و أمّا ما قاله الشّيخ رحمه اللّه من حمل ما دل على الصّلاة في الثوب النجس على صورة الاضطرار إلى لبس الثوب من برد أو غيره كوجود ناظر، فنقول: إنّ الروايات الدالّة على وجوب الصّلاة في الثوب النجس غير اب عن ذلك الحمل خصوصا مع التصريح في إحدى من روايات الحلبي بالأمر باتيان الصّلاة في الثوب النجس إذا اضطر إليه، و قلنا بأنّ المراد هو الاضطرار إلى اللبس من حيث البرد أو وجود الناظر لا أن يكون قوله (إذا اضطر إليه) تقرير مورد السؤال، يعني: يكون المراد إذا اضطر من باب عدم ثوب اخر له، لبعد ذلك.

و أمّا ما يتوهم من منافات رواية علي بن جعفر بظاهرها مع جمع الشّيخ رحمه اللّه من باب أنّ مفروض السؤال فيها هو صورة يكون الرجل عريانا و حضرت الصّلاة فاصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم، ففي هذا الفرض

(قال: ان وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصلّ عريانا) و من الواضح أن الشخص لم يكن مضطرا إلى لبس النجس في هذا الحال من جهة برد أو ناظر، لأنّه كان عاريا قبل الصّلاة فعلى هذا تدلّ الرواية على وجوب الصّلاة في الثوب النجس حتّى في صورة عدم الاضطرار فتكون رواية علي بن جعفر بظاهرها مناف مع جمع الشّيخ رحمه اللّه.

فهو ممّا لا وجه له، لأنّ رواية علي بن جعفر أيضا قابل للحمل على صورة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 191

الاضطرار، لأنّه من الممكن أنّ قبل صلاته لم يكن ناظر محترم ينظر إليه، ثمّ وجد الناظر في البين (أو أنّه كان البرد و لكن قبل ذلك لا يتمكن من رفع مشقة البرد لعدم ثوب له، و إذا وجد له ثوب فلا بدّ له من رفع مشقة البرد بلبس الثوب النجس و الصّلاة فيه) فعلى هذا لا تنافي بين جمع الشّيخ رحمه اللّه و رواية علي بن جعفر.

فبناء على ذلك نقول: بأنّ في الفرض يجب أن يصلّي عاريا إلّا في صورة الاضطرار بلبس الثوب النجس من بردا أو وجود ناظر، و لو فرض عدم إمكان الجمع بينهما، و فرض التعارض بين الطائفتين من روايات الباب، فلا بدّ من ترجيح الروايات الدالّة على أن يصلّي عريانا، لكونها موافقة للشهرة، لأنّ المشهور أفتوا بمضمونها، بل قلنا: بأنّه لم يكن قول على العمل بمضمون الروايات الدالّة على أن يصلّي في النجس إلى زمان صاحب كشف اللئام «1».

مسئلة: لو لم يكن للمكلف إلّا ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما و طهارة الآخر، و لا يتمكن من غسل أحدهما فللمسألة صورتان:

الصورة الاولى: صورة تمكّنه من الصّلاة في

كل من الثوبين بحيث يكون الوقت موسعا، لأن يصلّي في كل واحد منهما.

الصورة الثانية: صورة ضيق الوقت و عدم بقائه إلّا بمقدار أن يصلّي في أحد

______________________________

(1)- أقول: و لكن قلت بحضرته مد ظله: بأنّ الشهرة الفتوائية الّتي يرجّح بها الروايات، كما أفدت غير مرة، هي فتوى القدماء إلى زمان الشّيخ رحمه اللّه، لا من زمانه و ما بعد، و في المسألة كما أفدت ليست هذه الشهرة لعدم فتوى قبل الشّيخ رحمه اللّه على ذلك، و استرض ما قلت، و لكن بعد اختيار جمع الشّيخ رحمه اللّه لا تصل النوبة إلى التعارض حتّى نحتاج في مقام الترجيح إلى هذه الشهرة، فافهم و الحمد للّه أوّلا و آخرا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 192

من الثوبين فقط.

أمّا الكلام في الصورة الاولى فالمشهور هو وجوب الصّلاة في كل من الثوبين صلاة في ثوب، و صلاة اخرى في ثوب اخر- خلافا للحلي في السرائر و ما حكى عن ابن سعيد، فأوجبا طرح الثوبين و الصّلاة عاريا.

[فتوى المشهور وجوب الصلاة فى كل من الثوبين]

و الحق ما ذهب إليه المشهور أمّا أوّلا فلكون مقتضى القاعدة كفاية العلم الاجمالي في مقام الامتثال في مثل موردنا الّذي لا يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلى، لأنّه إن استشكل بكفايته في مقام الامتثال في صورة التمكن من الامتثال التفصيلى، لكن لا يستشكل في هذه الصورة، فيصلي في كل من الثوبين صلاة، فيقطع بامتثال الأمر المتعلّق بالصّلاة واجدة لشرط الطهارة.

و أمّا ثانيا فلخصوص رواية صفوان الواردة في خصوص المسألة و هي رواية صحيحة، لأنّ سند الشّيخ رحمه اللّه إليه صحيحا، و أفتى على طبقه الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و لم يحك مخالف إلّا الحلي و ابن سعيد على ما حكى عنه، و هي

هذه (محمد بن علي بن الحسين باسناده عن صفوان بن يحيى أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول، و لم يدر أيّهما هو، و حضرت الصّلاة، و خاف فوتها، و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يصلّي فيهما جميعا). «1»

و رواه الشّيخ باسناده عن سعد عن علي بن إسماعيل عن صفوان مثله.

[نقل كلام محقّق الحلّى رحمه اللّه فى السرائر]
اشارة

و أمّا الحلي فما يستفاد من عبارته و هي هذه (و إذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس و الآخر طاهر، و لم يتميّز له الطاهر، و لا يتمكن من غسل أحدهما قال بعض

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 64 من ابواب النجاسات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 193

أصحابنا: يصلّي في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، و قال بعض منهم: نزعهما و يصلّي عريانا، و هذا الّذي يقوى في نفسى و به افتى، لأنّ المسألة بين أصحابنا فيها خلاف، و دليل الاجماع منفى، فإذا كان كذلك، فالاحتياط يوجب ما قلناه.

فإنّ قال قائل: بل الاحتياط يوجب الصّلاة فيهما على الانفراد، لأنّه إذا صلّى فيهما جميعا تبين و تيقّن، بعد الفراغ من الصلاتين معا، أنّه قد صلّى في ثوب طاهر.

قلنا: المؤثرات في وجوه الأفعال تجب ان تكون مقارنة لها لا متأخرة عنها، و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة و هذا يجوّز عند افتتاح كل صلاة من الصلاتين أنّه نجس، و لا يعلم أنّه طاهر عند افتتاح كل صلاة، فلا يجوز أن يدخل في الصّلاة إلّا بعد العلم بطهارة ثوبه و بدنه، لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصّلاة و هو شاك في طهارة ثوبه، و لا يجوز أن تكون صلاته موقوفة

على أمر يظهر في ما بعد، و أيضا كون الصّلاة واجبة على وجه تقع عليه الصّلاة فكيف يؤثر في هذا الوجه ما يأتى بعده، و من شأن المؤثر في وجوه الأفعال أن يكون مقارنا لها لا يتأخر عنها على ما بيناه (إلى أن قال) و ليس لأحد أن يقول: إنّه بعد الفراغ من الصلاتين يقطع على براءة ذمته و أنّ العبادة مجزية، لانّا قلنا لا يصح ذلك، لأنّ بعد الفراغ قد سقط عنه التكليف و ينبغي أن يحصل اليقين في حال ما وجب، و ينبغي أن يتميز في حال ما وجب عليه حتّى يصح منه الاقدام عليه و ذلك يكون قبل فراغه عن الصّلاة انتهى). «1»

[في توضيح كلام الحلّي رحمه اللّه]

هو أنّ في نظره إشكالين أحدهما من ناحية القصد، و هو قابل لأنّ يكون نظره إمّا إلى اعتبار قصد الوجه و التميز بدعوى أن الشخص في الفرض لا يقدر على أن

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 184- 185.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 194

يأتى بالمكلف به على وجه وجوبه وصفا أو غاية، و لا على التميز لإجمال الّذي يكون في البين، لأنّه لا بد من أن يصلّي صلاتين على ما تقولون كلّ صلاة في احد من الثوبين، فهو يقصد الوجوب بأىّ منهما.

و إمّا إلى أنّه لا يمكن له قصد التقرب، لأنّه بعد ما لا يدرى عند كل صلاة- من باب عدم علمه بأنّ الثوب الّذي يصلّي فيه طاهر أم لا- ان هذا العمل مقربا للمولى أم لا، فلا يتمكن من أن يقصد التقرب به، فمن هذا الحيث لا يصح كل من الصلاتين، و هذا الاشكال يستفاد من قوله (المؤثرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها).

و ثانيهما و هو

ما يظهر من قوله (و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة هو اعتبار العلم عند العمل بكون المأمور به واجدا للشرط، و فاقدا للمانع، و إلّا فلا يجوز أن يستفتح الصّلاة و هو شاك في طهارة ثوبه.

نقول: أمّا إشكاله الأول، فإنّ كان راجعا إلى اعتبار قصد الوجه و التميز، فالحق عدم اعتباره و ان كان راجعا إلى مضرية الاجمال بقصد القربة، ففيه أنّه من المسلم أنّ محرّك المكلف نحو كل من الصلاتين في الفرض ليس إلّا داعي التقرب، فهو لأجل التقرب إلى اللّه، و لأجل الأمر الصادر منه يأتي بالصلاتين، غاية الأمر حيث يرى أنّه لا يفرغ ذمته عن التكليف إلّا باتيان الصلاتين، فهو يأتى بهما قربة إلى اللّه، غاية الأمر لا يقصد بكل منهما بالخصوص الوجوب، و عدم هذا القصد غير مضر، لعدم اعتبار قصد الوجه.

[ردّ كلام المحقّق الحلّي ره]

فظهر لك عدم ورود ما أورده الحلي رحمه اللّه في وجه لزوم الصّلاة عاريا في مفروض مسئلتنا، فمحرّك المكلف هو الأمر الحقيقى المعلوم، لا احتمال الأمر في موردنا، لعلم المكلّف بالتكليف و انبعاثه على إطاعة التكليف بهذا النحو للإجمال

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 195

الطاري له.

إذا عرفت ذلك اعلم أنّ ما يظهر من كلمات بعض أعاظم العصر من أنّ الامتثال بداعى الأمر المعلوم مقدم على الامتثال باحتمال الأمر، يصح في محلّه و قلنا نحن أيضا و أنّ المحرك باحتمال الأمر ليس إلّا في الشبهة البدوية، لأنّ الشخص لا ينبعث نحو الفعل إلّا باحتمال وجود الأمر، و أمّا في مثل ما نحن فيه فلا إشكال في أنّ المحرّك هو الأمر المعلوم، لعلمه بالتكليف لا احتمال الأمر.

ثمّ إنّه ظهر لك أنّ في المورد من جهة

عدم تمكن المكلف من الامتثال التفصيلى، لا إشكال في كفاية الامتثال الاجمالى بالاتيان بصلوة في ثوب و صلاة اخرى في ثوب اخر، و إن كان كلام في كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلى و الإشكال في كفايته، لأنّه بعد ما كان مقتضى التدين و التشرع بالشرع هو التسليم في قبال ما يصدر من الشارع، و التوقف في الامور حتّى ترد الوظيفة منه، و ما نرى من وضع الشرع و نحوة العبادات من كونها توقيفية، و انتظار صدورها من العباد بنحو خاص يصدر من الشارع، و يحتاج كل عمل من الاذن منه، كما يقول تعالى شأنه (قل اللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون).

[في حكم نجاسة احد الثوبين في ضيق الوقت]

فنحوة الامتثال لا بد من أن ينبّه الشارع عليها، و ليس للعبد اختيار طريق مخصوص في ذلك بنفسه فعلى هذا الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من التفصيلى أيضا محتاج من صدور الاذن منه، ففي كل مورد لم يصدر منه الاذن، لا يمكن أن يقال بكفايته، فعلى هذا الالتزام بكفاية الامتثال الاجمالى مع التمكن من التفصيلى مشكل هذا «1» اما الصورة الثانية اعنى صورة ضيق الوقت، و عدم التمكن

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالي: بأنّه أمّا أوّلا أنّ باب الاطاعة و المعصية أمره بيد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 196

من أن يصلّي صلاتين في الثوبين المشتبهين في الوقت، بل يتمكن من أن يصلّي في أحد من الثوبين في الوقت فقط، فهل يصلّي في أحد من الثوبين أو يصلّي عاريا، أو يكون مخيرا بين الصّلاة عاريا، و بين الصّلاة في أحد من الثوبين المشتبهين.

اعلم أنّه لو قلنا في المسألة السابقة- أعنى: في ما لم يكن للمكلّف إلّا ثوب واحد و هو

نجس- بالصّلاة فيه كما قال بعض، لا الصّلاة عاريا، ففي المقام لا إشكال في وجوب الصّلاة في هذا الثوب المشتبه، لأنّه بعد تقديم حفظ الستر و إلغاء مانعية النجاسة في ما يكون المانع معلوما، ففي المقام لم تكن المانعية معلوما، لعدم علمه

______________________________

العقل، فلا بدّ من أن يعمل على طبق حكم العقل إلّا في كل مورد تصرف الشارع، و جعل طريقا خاصا للاطاعة، و لا إشكال في أن العقل يحكم بكفاية الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلى.

و ثانيا إن كان الأمر، كما أفدت، فلازمه عدم كفايته في مقام الامتثال حتّى مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلى أيضا إلّا في كل مورد أذن الشارع، مثل موردنا الوارد فيه رواية خاصة، و إلّا فلا يمكن على هذا القول بالاكتفاء بالامتثال الاجمالى على القاعدة، لأنّه بعد كون نحوة الاطاعة محتاجة إلى الاذن من الشارع، فلا فرق في ذلك بين صورة التمكن من الامتثال التفصيلى و عدمه.

و على هذا يصحّ كلام الحلى رحمه اللّه على مبناه في هذه المسألة، لأنّه بعد عدم إجماع في البين، و عدم حجية خبر الواحد عنده، فلا يعمل بالرواية المتقدمة، فلم يرد من الشارع إذن، فلا بدّ من أن يصلّي الشخص في الفرض صلاة واحدة عريانا، لا في الثوبين المشتبهين، فإذا قلت تمّ مجلس بحثه الشريف في هذا اليوم، و عطف عنان الكلام في اليوم البعد إلى مسئلة اخرى نتعرض له بعد ذلك إنشاء اللّه، و لم يتعرض لما أفاد في اليوم السابق، و قال فقط: بأنّه لا بد من أن يصلّي الشخص صلاتين كل واحد منهما في أحد من الثوبين، و يدل على ذلك الرواية المتقدمة، و لم ادر أنّه بقى على مختاره،

و هو عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي أم رجع منه، و على كل حال أرجو منه تعالى أن يمنّ علينا بطول بقائه الشريف. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 197

بنجاسة هذا الثوب، لاحتمال كون المتنجس هو الثوب الاخر الّذي لا يصلّي فيه و يقدم حفظ الستر أيضا، بل في هذه الصورة أولى، لأنّه بعد كون حفظ الستر مقدما في صورة الدوران بين حفظ الستر، و بين رفع المانع المعلوم، ففي صورة عدم معلومية المانع يكون أولى، و لهذا قال السيّد رحمه اللّه «1» في العروة على مبناه- من وجوب الصّلاة في الثوب النجس في المسألة السابقة- بوجوب الصّلاة في أحد ثوبى المشتبه في هذه المسألة.

و أمّا إن قلنا في المسألة السالفة: بوجوب طرح الثوب النجس، و وجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار بلبس الثوب النجس، فنقول في هذه المسألة أيضا بوجوب الصّلاة عاريا، و عدم كفاية الصّلاة في أحد من الثوبين المشتبهين، لأنّه بعد فرض كون اللازم- بعد دخل شرط في المكلف به- من إحراز وجوده إمّا وجدانا أو بالأصل و إلّا لا يكتفي بالمكلف به المشروط بهذا الشرط، و كذا المانع، فنقول: إن الستر شرط في الصّلاة و النجاسة مانع، فلا بدّ في امتثال الأمر بالصّلاة من إتيان صلاة واجدة لهذا الشرط، و لعدم المانع إمّا وجدانا و إمّا بأحد الاصول المحرزة لذلك.

فإذا كان اللازم ذلك ففي المقام بعد كون كل من الثوبين، مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد منهما، غير معلوم الطهارة، و لا أصل في أحد منهما يحرز به طهارته، لا الاستصحاب، و لا أصالة الطهارة، لمنافات ذلك مع العلم الاجمالي، مع فرض كون الأصل جاريا في كل منهما

مع قطع النظر عن العلم الاجمالي، و لكن معه إمّا لا يجري الأصل في طرفي العلم على مبنى في العلم الاجمالى، و إمّا يجري و يتساقط بالتعارض

______________________________

(1)- العروة، ج 1، ص 76، مسئلة 4.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 198

على مبنى اخر، فعلى كل حال لا يمكن إحراز طهارة أحد الثوبين لا وجدانا، و لا بالأصل.

فإذا كان الأمر كذلك، ففي الفرض لا يمكن للمكلف تحصيل ثوب طاهر فاقد للمانع أعنى: النجاسة، فيكون في الأثر كل من الثوبين الغير المحرز طهارتهما في حكم واجد المانع، لأنّه كما لا يمكن الصّلاة في الثوب النجس كذلك لا يمكن فيهما، فعلى هذا يكون دوران الأمر بعد ذلك بين حفظ شرطية الستر و الصّلاة في أحد من الثوبين، و بين الغاء المانع و الصّلاة عاريا، فإذا كان الدوران بينهما بمقتضى ما قلنا، فبعد ما استكشفنا في المسألة السالفة بعد الجمع بين الروايات الدالّة على الوجوب عاريا و بين الروايات الدالّة على وجوب الصّلاة في الثوب النجس، و الجمع بينهما، و الحكم بوجوب الصّلاة عاريا إلّا في صورة الاضطرار، بأنّ الشارع لم يعمل تعبد في المورد، بل بعد ما رأى من أنّه لا يمكن للمكلّف حفظ الشرط و رفع المانع كلاهما، فقدم ملاك رفع المانع إلّا في صورة الاضطرار، بلبس الثوب النجس.

[هذه المسألة من صغريات المسألة السابقة]

نقول في المقام أيضا: بوجوب الصّلاة عاريا، و عدم كفاية الصّلاة في أحد من الثوبين فقط، لأنّ مسئلتنا هذه أيضا بعد ما قلنا تكون من صغريات المسألة السابقة، لعدم قدرة المكلف بعد عدم أصل محرز للطهارة من حفظ الشرط و رفع المانع كليهما، فحيث أن في هذه الصورة قدم الشارع بمقتضى الجمع الّذي قلنا جانب رفع المانع و عدم

لزوم حفظ الشرط، نقول: بوجوب الصّلاة عاريا في هذا الفرض، فظهر لك مما مرّ أنّ في الصورة الاولى يجب على المكلّف من إتيان بصلاتين احدهما في ثوب و الاخرى في ثوب اخر، و في الصورة الثانية على مختارنا تجب الصّلاة عاريا عليه.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 199

المقدّمة الخامسة: في مكان المصلي

اشارة

اعلم أنّ المرسوم عند الفقهاء تعرّض مسائل في بحث مكان المصلّى، و لم يكن بعضه من المسائل المربوطة بمكان المصلّي مثل مسئلة محاذاة المرأة للرجل حال الصّلاة، و على كل حال يقع الكلام في مكان المصلّي في طي مسائل:

المسألة الاولى:

اشارة

في اشتراط كون مكان الصّلاة مملوكا للمصلّي، أو مأذونا في التصرف فيه.

أعلم أنّ ما يعتب في مكان المصلّي هو كون المكان مملوكا للمصلّي مأذونا في التصرف فيه، و كما قلنا في مبحث لباس المصلّي عند التعرض لاشتراط هذا الشرط في لباسه بأنّه ليس في المسألة نص وارد دالّ على اعتبار هذا الشرط، و بطلان إذا وقعت في مكان ليس من المصلّي و لا يؤذن له في التصرف فيه، و المدرك في ذلك ليس إلّا كون ذلك من صغريات مسئلة اجتماع الأمر و النهي.

فمن يقول بالاجتماع و تغليب جانب النهي، فلا بدّ من الالتزام بفساد الصّلاة في المكان المغصوب، و أمّا نحن فحيث التزمنا بالجواز، لما بينا وجهه في الاصول مفصلا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 200

و في لباس المصلّي بنحو الاختصار، فلا يمكن لنا الالتزام بفساد الصّلاة في المكان المغصوب من هذا الحيث، و كذلك لا وجه للتمسك بالفساد بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، و الصّلاة ضدّ للتصرف في ملك الغير، فيكون منهيا عنه، و بعد كونه منهيا عنه، و النهي في العبادة يقتضي الفساد، فتفسد الصّلاة في مكان الغير المأذون من قبل المالك، و لا وجه للتمسك للفساد بالاجماع، لأنّه، كما قلنا في لباس المصلّي، لا إجماع في المسألة يكشف عن وجود النص، بل القائلين بالفساد لم يقلوا بذلك إلّا من باب عدم كون الصّلاة في المغصوب مقرّبا.

[وجه فساد الصّلاة عدم كونها مقرّبة]

و الحق كما قلنا في وجه الفساد هو أنّه لا بد في العبادات من أن تكون بنحو يمكن التقرب بها، لاعتبار إتيانها بقصد التقرب، و مع كون الفعل مورد زجر المولى و نهيه، لم يكن مقربا له، لأنّ المكلّف بهذا الفعل يكون عاصيا و

طاغيا للمولى، فكيف يمكن أن يكون هذا الفعل مقرّبه فعلى هذا لا يقبل هذا العمل لأنّ يتقرب به، فلا يقبل لصيرورته عبادة، لعدم إمكان قصد العبودية و التقرب به، فلأجل هذا تكون في مكان الغير بغير إذنه فاسدة، لأنّه بصلاته يأتي بما هو مزجور عنه، و هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فتفسد الصّلاة في مكان المغصوب.

ثمّ إنّه كما مرّ منّا في لباس المصلّي يكون مورد فساد العبادة، على ما قلنا، كل مورد يكون النهي منجّزا على المكلف، و أمّا لو لم يكن منجّزا مثل أن يكون جاهلا بالغصبية، أو ناسيا لها فلا تفسد الصّلاة، لأنّ العمل على هذا لم يكن عصيانا و طغيانا حتى لا يقبل لأنّ يتقرب به، نعم في ما يكون نفس الشخص غاصبا و نسي الغصبية و صلّى في المكان الّذي غصبه، فالمختار عندنا أيضا عدم صحة الصّلاة و إن قلنا بعدم فساد الصّلاة في المكان المغصوب في صورة النسيان و الجهل، لأنّه يشكل عندنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 201

الحكم بكون نسيان مثل هذا الشخص عذرا حتّى يقبل العمل لأنّ يتقرب به و تصح الصّلاة لمثله مع النسيان، و قد بيّنا بعض مطالب أخر الراجع إلى هذا الشرط في لباس المصلّي عند التعرض لهذا الشرط فيه، راجع.

المسألة الثانية: [في الكلام في محاذاة المرأة مع الرجل فى حال الصّلاة]

اشارة

هل تبطل صلاة كل من الرجل و المرأة إذا كانت المرأة مقدمة عليه أو بمحاذاته، أو لا، بل يكره ذلك؟

اعلم أنّ الكلام تارة يقع في أصل المسألة في الجملة، و تارة في بعض خصوصياتها.

أمّا الكلام في أصل المسألة، فنقول بعونه تعالى: أمّا العامة فلا يوجد في كلماتهم تعرّض لحكم محاذاة الرجل و المرأة حال الصّلاة في ما يصليان منفردا، و لكن في

باب الجماعة تعرّضوا لحكم محاذاتها، فبعضهم اعتبروا في سعة الموقف وجوب تأخر النساء عن الرجال، كما بيّن الشّيخ رحمه اللّه الكلام في ذلك في الخلاف فراجع.

و أمّا عندنا فما يظهر من المفيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و بعض اخر هو عدم جواز محاذاة المرأة للرجل حال ما يصليان منفردا، و لكن المرتضى رحمه اللّه و بعض اخر و المشهور عند المتأخرين جواز ذلك على كراهة.

إذا عرفت ذلك فلا بدّ أوّلا من التعرض لأخبار الباب، و بيان مقدار دلالتها حتى نختار ما هو مقتضى الحق في المقام.

فنقول: إنّ روايات الباب على أنحاء، بعضها ما يستدل به على المنع، و بعضها ما يمكن أن يستدل به على الجواز، و بعضها ما يمكن أن يستدل به على التفصيل فعلى هذا نتعرض للروايات، فنقول بعونه تعالى: إن صاحب الوسائل رحمه اللّه انعقد سبعة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 202

أبواب- من الباب 4 إلى 10 من أبواب مكان المصلي- في الوسائل ذكر فيها روايات راجعة إلى هذه المسألة، و لكن بعضها غير مربوط بمسئلتنا، فنذكر الروايات و نتعرض لمقدار دلالتها فنقول:

[في ذكر الروايات الواردة فى محاذاة المرأة مع الرجل]
الرواية الاولى:

ما رواها إدريس بن عبد اللّه القمي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا، فقال: إن كانت قاعدة فلا يضرك، و إن كانت تصلّي فلا). «1»

اعلم أنّ لادريس بن عبد اللّه القمي رواية واحدة في الباب مضطربة المتن من حيث اختلاف النسخ في فقرة منها، و هي بعد قوله (بحيال امرأة) فعلى نقل الكافي (قائمة على فراشها جنبه) و على نقل التهذيب (قائمة على فراشها جنبا) و ذكر أنّه في بعض نسخ التهذيب (قائمة على جنب فراشها)

كما في حاشية فقيه، و خصوصا من جهة عدم مناسبة (قال: إن كانت قاعدة فلا تضرك) مع فرض كون السؤال عن الرجل يصلّي بحيال امرأة قائمة، أو نائمة على ما نقل من نقل نائمة، بل قائمة في بعض النسخ، لأنّه مع فرض كون امرأة قائمة على نقل أو نائمة على نقل، لا يناسب أن يقول في مقام الجواب (إن كانت قاعدة فلا تضرك) لأنّ الجواب لا يناسب السؤال، فالرواية مضطربة من حيث المتن.

الرواية الثانية:

ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره، فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلّي). «2»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 203

و له أيضا رواية واحدة في الباب تدلّ على عدم البأس بصلوة الرجل بحيال المرأة إن كانت لا تصلّي المرأة، و بمفهومها يدلّ على البأس إذا كانت تصلّي، و حيث إنّ المفهوم يدلّ على البأس بصلوة الرجل ان كانت المرأة تصلّي حذاه فإنّ دل على الجواز رواية فيمكن حمل البأس في هذه الرواية على البأس الجامع مع الكراهة، و في التهذيب هكذا: نقل عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه يمنة أو يسرة و قال في الوسائل (عن يمينه أو يساره، فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلّي.

الرواية الثالثة:

ما رواها معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أقوم صلّى و المرأة جالسة بين يدىّ أو مارة، قال: لا بأس بذلك، إنّما سميت بكة لأنّه تبك فيها الرجال و النساء). «1»

غير مربوطة بمسألتنا لأنّ المفروض في الرواية كون المرأة جالسة أو مارة لا أن تصلّي في حذاء الرجل.

الرواية الرابعة:

ما رواها علي بن الحسن بن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي و عائشة قائمة معترضة بين يديه و هي لا تصلّي). «2»

و هي أيضا غير مربوطة بمسألتنا لعدم كون المفروض فيها كون المرأة تصلّي و الرجل بحيالها يصلّي.

الرواية الخامسة: ما رواها ابن أبي يعفور، و له روايتان
اشارة

بنقل الوسائل:

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 204

الاولى:

و هي هذه عبد اللّه بن أبي يعفور (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اصلّي و المرأة إلى جنبى و هي تصلّي، قال لا: إلّا أن تقدّم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلّي و هي بحذاك جالسة أو قائمة). «1»

و هي تدلّ على عدم جواز المحاذاة إلا أن تقدّم أحدهما على الآخر زمانا في الصّلاة، و لا يمكن حمل الرواية على التقدم المكاني، لأنّ لازم ذلك عدم جواز محاذاتهما، و مع ذلك كان الجائز تقدم المرأة على الرجال في الصّلاة، و لا يمكن الالتزام بجواز تقدم المرأة على الرجل مع فرض الالتزام بعدم جواز محاذاتهما، و كون احدهما في عرض الاخر حال الصّلاة، فقوله (إلا أن تقدم هي أو انت) لا بد من حمله على التقدم الزماني.

الثانية:

هي هذه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: لا بأس أن تصلّي و المرأة بحذاك جالسة او قائمة). «2»

و اعلم أنّ هذه الرواية ليست غير الرواية الاولى، لأنّ الشيخ رحمه اللّه في التهذيب نقل، و صاحب الوسائل نقل عنه، غاية الأمر في الباب 4 أسقط صدر الرواية، فتوهم كونها غير الرواية الاولى، و الحال أنّ ما روى ابن أبي يعفور ليس إلا رواية واحدة، فليس في الباب رواية عن ابن أبي يعفور تدلّ على الجواز.

الرواية السادسة: ما رواها جميل
اشارة

، و اعلم أنّ له بنقل الوسائل روايات:

الاوّل:

و هي هذه عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه (قال: لا بأس أن تصلّي

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 205

المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يصلّي و عائشة مضطجعة بين يديه و هو حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها يسجد.) «1»

و الظاهر كون هذه الرواية مشتملة على ما لا يقبله الذوق السليم، بل يكون مفادها موافقا مع مشرب العامة، و ما تنسب عائشة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انتخابها لنفسها مثل ما ينقلون خذلهم اللّه بانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رفعها لأنّ ترى مجلس الرقص، و نحن مع ما نعلم من جلالته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علوّ شأنه نعلم أنّ وضعه و مشيه غير هذا، و كيف يمكن استناد مثل هذه القضية و نظائرها به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الثاني:

و هي هذه عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلّي و المرأة بحذائه أو إلى جنبيه قال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس). «2»

فهي كما نقول يمكن كونها متحدة مع رواية ابن بكير، و على كل حال كما نقول في ذيل رواية ابن بكير ما يستفاد منها هو الجواز في صورة كون سجود المرأة مع ركوع الرجل.

الثالث:

و هي هذه عن جميل بن دراج (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، قال: لا بأس). «3»

فيحتمل قويّا كون هذه الرواية متحدة مع السابقة، غاية الأمر لم يذكر فيها تمام ما في السابقة، لبعد تعدد سؤال الجميل عنه عليه السّلام عن مسئلة واحدة، و مع هذا الاحتمال بعد ما قلنا من أنّ العمدة في حجية خبر الواحد بناء العقلاء، فنقول ليس

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 206

بنائهم على جعل هذه الرواية روية اخرى غير السابقة، فإذا كان الأمر كذلك فالقدر المتيقن من بنائهم على الاخذ برواية جميل هو عدم البأس في صورة كون سجودها مع ركوعه، و إن أبيت عن ذلك نقول: بأنّ بعد كون الرواية الثانية من جميل دالا على الجواز في خصوص ما إذا كان سجودها مع ركوعه، لأنّ مفهومها عدم الجواز في غير هذه الصورة، فيقيد إطلاق روايته الثالثة بها، فبعد الجمع لا تدلّ روايتي الجميل على الجواز في صورة المحاذاة الحقيقية، فليست روايات الجميل دليلا على الجواز المطلق، فافهم.

الرواية السابعة:

ما رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضّال عن ابن بكير عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، أو إلى جانبه، فقال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس). «1»

و لا يبعد كون راوي هذه الرواية أيضا جميل، و كونها عين الرواية الثانية من الروايات المتقدمة

من جميل، لأنّ الراوي في كل منهما ابن فضّال، غاية الأمر في أحدهما عمّن أخبره عن جميل، و في أحدهما عن ابن بكير عمن أخبره، و يكون مضمونهما متحدا و إن كان اختلاف مختصر في متنها (إلّا أنّ سند الرواية الثانية من روايات الجميل ينتهي إلى ابن فضال، و هو يروى عن أخيه عن جميل و على هذا فيبعد كونهما رواية واحدة).

و على كل حال تدلّ الرواية على الجواز بمجرد تأخر المرأة عن الرجل و لو بمقدار يقع موضع سجودها في موضوع ركوع الرجل، و بعبارة اخرى تكون كل

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 6 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 207

واحد من مواضعها السبعة مؤخّرا عن كل واحد من مواضعه السبعة، فيكون موضع سجودها مؤخرا عن موضع سجوده، و موضع ركوعها عن موضع ركوعه، و هكذا، و الرواية يحمل على ذلك لا أن يكون هذا ظاهر قوله فيها (إذا كان سجودها مع ركوعه). «1»

الرواية الثامنة: روايات زرارة بنقل الوسائل
اشارة

، و قد نقل منه روايات أربعة:

الاولى:

ما رواها عن الفقيه باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كان بينها و بينه ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا، فلا بأس إن صلّت بحذاه واحدها). «2»

و قد أسقط صاحب الوسائل الفقرة الأخيرة و هي قوله (إن صلّت بحذاه واحدها) عن الرواية، و زاد لفظ (لا) قبل قوله (يتخطى).

الثانية:

ما رواها زرارة (قال: قلت له؟ المرأة تصلّي بحيال زوجها فقال:

تصلّي إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا). «3»

و على كل حال هما رواية واحدة لاتحاد مضمونهما باختلاف يسير (و لعل لفظ (لا) في الرواية الثانية الّتي رواها ابن ادريس قبل قوله (يتخطى) تكون زائدة كما نقل عن بعض بان لفظ (لا) ليس في السرائر) و على كلّ حال تدلّان على عدم

______________________________

(1)- (أقول: بل الظاهر كون المراد من الرواية هذا)، فهذه الرواية لا تدلّ على الجواز المطلق، بل تدلّ على الجواز في صورة كون سجودها مع ركوعه، فليست دالّة على الجواز، المطلق حتّى يستفاد منها الجواز و لو مع عدم التأخر اليسير مثل ان يكون سجودها مع ركوعه. (المقرّر)

(2)- الرواية 8 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 208

الجواز إلّا إذا كان بينها و بينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع.

الثالثة:

ما رواها محمد بن ادريس في اخر السرائر نقلا من كتاب حريز، و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: المرأة و الرجل يصلّي كل واحد منهما قبالة صاحبه قال نعم إذا كان بينهما موضع رحل). «1»

و هي تدلّ على الجواز إذا كان بينهما موضع رحل، و لا يبعد أيضا عدم كونها رواية اخرى غير الاولى و الثانية، لبعد سؤال زرارة مرات عن المسألة الواحدة، فليس بناء العقلاء على جعلها رواية مستقلة.

الرابعة:

ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل؟ قال: لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدامها و لو بصدره). «2»

و هي تدلّ على عدم الجواز إلا إذا كان قدامها و لو بصدره.

الرواية التاسعة:

ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريبا منه؟ فقال: إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس). «3»

و هي بمنطوقها تدلّ على الجواز إذا كان بينهما موضع رحل، و مفهومها على عدم الجواز إذا لم يكن بينهما الفصل بهذا المقدار (و يمكن أن يخدش في دلالتها على مسئلتنا بأنّ الرواية غير متعرضة لصورة كون كل من الرجل و المرأة في الصّلاة، لأنّه قال (في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريبا منه) و هو غير متعرض لكون الرجل في

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 6 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 209

الصّلاة أم لا.

الرواية العاشرة:

ما رواها محمد الحلبي قال: سألته (يعنى: أبا عبد اللّه عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاخرى؟

قال: لا ينبغي إلّا أن يكون بينهما ستر، فإنّ كان بينهما ستر أجزأه. «1»

و رواه الشّيخ كما مرّ، و اعلم أنّ الموجود في النسخ هنا بالتاء المثناة فوق بعد المهملة، و تقدم بالمعجمة ثمّ بالباء المواحدة و يمكن صحتهما (هكذا في الوسائل). «2»

تدلّ على أنّه لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر أو شبر، و قوله (لا ينبغي) لا ظهور له في الكراهة، لأنّ كثيرا ما عبّر في مقام بيان التحريم بلفظ (لا ينبغي) فهذه الرواية من الأخبار المفصّلة بين ما يكون بينهما الفصل بستر أو بشبر فيجوز، و بين ما لا يكون فصل بينهما بهذا المقدار فلا يجوز.

الرواية الحادية عشرة: ما رواه محمد بن مسلم
اشارة

، و له على ما ذكر في الوسائل نقلا عن الشّيخ في التهذيب (و رأيت في التهذيب) روايتان:

الاولى:

و هي هذه عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و امرأته و ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاخرى؟ قال:

لا ينبغي ذلك، فإنّ كان بينهما شبر أجزأه، يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر). «3»

الثانية:

و هي هذه عن محمد عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن المرأة تزامل

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الوسائل، ج 2، ص 432.

(3)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 210

الرجل في المحمل يصلّيان جميعا، قال: لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة). «1»

و رواهما في الكافي، و جعلها رواية واحدة أعنى: على ما في الكافي نقل رواية واحدة مشتملة على الفقرتين مع اختلاف قليل بين نقل الكافي و التهذيب.

و على كل حال يستفاد من روايته الاولى أنّه لا ينبغي أن يكون كل من الرجل و المرأة محاذيا للاخر حال الصّلاة إلّا أن يكون الفصل بينهما بشبر على بعض النسخ، أو ستر على بعض النسخ، و لا يخفي عليك أنّ قوله (لا ينبغى) ليس ظاهرا في حدّ ذاته في الكراهة كما يقال في بعض الموارد، و أيضا لا يبعد ان يكون الصادر من المعصوم عليه السّلام هو (ستر) لا (شبر) لأنّ السائل فرض في سؤاله أنّهما في حجرة و من البعيد كون الحجرة صغيرا بحيث إذا وقف الرجل في زاوية منها، و المرأة في زاويته الاخرى يكون الفصل بينهما بقدر شبر فقط، فالظاهر كون ما صدر هو (ستر) لا (شبر) يعنى: إذا كان بينهما ستر فلا تضر المحاذاة. «2»

و أمّا رواية الثانية فنقول:

إن كان ما روى محمد بن مسلم رواية واحدة كما في الكافي، و هو الحق، ففي فقرة الاولى سئل سؤالا و أجاب عنه عليه السّلام، و في الفقرة الثانية سئل سؤالا اخر و هو مورد كون الرجل و المرأة يتزاملان في المحمل، أعنى: كون كل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- أقول: لا مانع من كون الصادر منه عليه السّلام (شبرا) لأنّ السائل و ان فرض حجرة يصلّي الرجل في زاوية منها، و المرأة في زاويته الاخرى، و لكن جواب الامام عليه السّلام كليّا، و هو أنّ ملاك الجواز وجود الفصل بشبر، و عدم الجواز مع عدم الفصل بشبر، و على كل حال إن كان الصادر سترا فلا ينافي ظاهر الرواية مع ما دلّ على عدم مضرية المحاذاة مع الفصل بعشرة أذرع، و أمّا إن كان الصادر شبرا فينافي معه. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 211

منهما محاذيا للاخر، فتدلّ الرواية على أن الرجل يصلّي أوّلا ثمّ المرأة، و الغرض عدم وقوع صلاتهما معا في محاذاة الآخر، لا ان يكون اللازم تقديم خصوص صلاة الرجل، فإن كان الصدر (شبرا) فينافي مع الذيل، لأنّ في المحمل الفصل بالشبر حاصل، و مع هذا أمر بأن يصلّي الرجل أوّلا ثمّ بعده المرأة حتّى لا تقع صلاته في محاذاة الرجل، و لعل هذا أيضا شاهد على كون الصادر منه عليه السّلام سترا لا شبرا في الفقرة الاولى.

و أمّا إن كانت الثانية رواية مستقلة كما نقلها التهذيب، فمفادها أيضا واضح، و لا تدلّ على الجواز، بل تدلّ على المنع مع تحقق الفصل بشبر، بل و ذراع.

و له رواية اخرى، و هي هذه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السّلام (في المرأة تصلّي عند الرجل؟ قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس). «1»

و هذه الرواية رواها الحجّال عن محمد بن مسلم تدلّ على الجواز في صورة وجود الحاجز بينهما بمنطوقها، و على عدم الجواز في صورة عدم الحاجز بمفهومها، و يحتمل أن يكون الحاجز في هذه الرواية قرينة على كون الوارد في روايته الاولى هو (سترا) لا (شبرا)، فافهم.

الرواية الثانية عشرة:
اشارة

ما رواه عمار و هي ما رواها في التهذيب هكذا: محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال: لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع و إن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 212

كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فإنّ كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه، و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت).

[في ما عدّ صاحب الوسائل الروايات ثلاثة مع كونها واحدة]

نقل في الوسائل هذه الرواية عن الشّيخ رحمه اللّه، و عدها روايات ثلاث «1»، و لكن ليست إلّا رواية واحدة، غاية الأمر قطعها صاحب الوسائل و عدّها روايات ثلاث، فتمام الرواية ذكر في الباب 7 و هي 1 منه، و قطعها فنقل بعضها في الباب 4 و هو 6 منها و بعضها في الباب 6 و هو 4 بعضها، فما رواها عمار ليست إلّا رواية واحدة.

و على كل حال تدلّ هذه الرواية على عدم جواز تقدم المرأة و محاذاتها للرجل في حال يصلّيان معا إلّا بالفصل بعشرة أذرع، فهي من الروايات الدالّة على عدم الجواز بدون فصل هذا المقدار.

الرواية الثالثة عشرة: و هي ما رواها ابو بصير
اشارة

، و قد نقل صاحب الوسائل منه ثلاث روايات:

أوّلها:

و هي هذه: ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان معا في المحمل؟ قال: لا، و لكن يصلّي الرجل و تصلّي المرأة بعده). «2»

ثانيها:

و هي هذه: عن ابن مسكان عن أبي بصير هو ليث المرادى (قال:

سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال:

لا إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع، ثمّ قال: كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذراعا

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 4 و أيضا الرواية 4 من الباب 6 و أيضا الرواية 1 من الباب 7 من ابواب مكان المصلّى من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 10 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 213

و كان يضعه بين يديه إذا صلّى يستره ممّن يمرّ بين يديه). «1»

ثالثها:

و هي هذه: عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل و المرأة يصلّيان جميعا في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟

قال: لا حتّى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه). «2»

و لا يخفي عليك أنّ الرواية الثالثة و الثانية رواية واحدة رواها في الكافي و التهذيب مع اختلاف يسير في متنها فعلى هذا ما رواه أبو بصير روايتان أوّلهما تدلّ على عدم جواز محاذاتها مطلقا و وجوب تقدم صلاة أحدهما على الآخر زمانا، و ثانيهما على الجواز إذا كان الفصل بينهما بقدر شبر، أو ذراع، فلا تدلّ على الجواز المطلق، بل تدلّ على التفصيل.

الرواية الرابعة عشرة: ما رواها معاوية بن وهب

، و هي هذه: معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سأله عن الرجل و المرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال:

إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه واحدها، و هو واحده فلا بأس). «3»

فهي أيضا من الروايات المفصلة دلالتها على التفصيل بين فصل الشبر و عدمه، فلا تدلّ على الجواز المطلق.

الرواية الخامسة عشرة: ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه ع

(قال:

الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه). «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 214

و هذه الرواية مع ورودها في الجماعة و احتمال كون هذا الوضع معتبرا في سنة الموقف في الجماعة، لا تدلّ على جواز محاذاة الحقيقية بينهما، لأنّ فيها قال (كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه.

الرواية السادسة عشرة: ما رواها الفضيل عن أبي جعفر ع

(قال: سميت بكة لأنّه تبك فيها الرجل و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك، و لا بأس بذلك، و إنّما يكره في ساير البلدان). «1»

و لا يمكن العمل بهذه الرواية، لعدم عامل بها بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم، لعدم قائل بالتفصيل بين مكّة و غيرها فيجوز فيها و يكره في غيرها.

الرواية السابعة عشرة: ما رواها علي بن جعفر
اشارة

، و قد ذكر في الوسائل منه روايات أربع في ما نحن فيه:

أوّلها:

ما رواها عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي ضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال: لا بأس ليمض في صلاته). «2»

تدلّ على الجواز في صورة الفصل بعشرة أذرع.

(و المراد من صلاة الضحى لعلّه هي الصّلاة الّتي تصلّيها العامة) فهي لا تدلّ على الجواز في صورة المحاذاة مع عدم الفصل.

ثانيها: ما رواها الشّيخ في التهذيب باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 7 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 215

موسى بن جعفر عليه السّلام في حديث (قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته و جانباه، و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال: لا بأس). «1»

و هي لا تدلّ على الجواز المطلق حتّى مع عدم الحائل، لأنّ المفروض فيها هو أنّ بينهما حيطان و يكون كوى كله «2».

ثالثها: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد

عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي، و هو يراها و تراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس). «3»

تدلّ على الجواز بمنطوقها مع وجود الفصل بينهما بحائط طويل أو قصير، و بمفهومها على عدم الجواز إن لم يكن بينهما حائط طويل أو قصير، فهذه الرواية على تقدير كونها غير روايته الثانية مع عدم دلالتها على الجواز المطلق، تدلّ على عدم جواز في الجملة، لدلالتها بالمفهوم على عدم جواز الصّلاة في صورة عدم وجود الفصل بحائط طويل أو قصير.

رابعها: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن مسعود العياشي عن جعفر
اشارة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- أقول: لا تدلّ على الجواز إمّا من باب وجود الحائل بينهما لفصل الحيطان و يكون كوى بحيث يمنع عن المشاهدة، و إمّا من باب أنّ بينهما فصل لاجل فصل الحيطان بينهما، و ربما كان الحيطان بحيث يكون معه الفصل بقدر شبر، أو قدر ما يتخطى، أو قدر عظم، فيكون لسانها لسان بعض ما يدلّ على الجواز في صورة الفصل بأحد هذه الامور، فتأمل. (المقرّر).

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 4، ص: 215

(3)- الرواية 4 من الباب 8 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 216

بن محمد عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم و ما

حال المرأة في صلاتها و قد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة). «1»

و في هذه الرواية احتمالات ثلاث:

الاحتمال الأول:

هو كون فساد صلاة المرأة مستندا إلى اقتدائها العصر بالظهر، و فرض عدم جواز اقتداء صلاة العصر بالظهر (و هذا بعيد، لقوله (و لا يفسد ذلك على القوم) لعدم مجال لتوهم بطلان صلاة القوم من باب عدم صحة اقتداء المرأة صلاة عصرها بالظهر).

الاحتمال الثاني:

كون فساد صلاتها مستندا إلى وقوع صلاتها محاذيا لصلاة الامام و منشأ فساد صلاتها كان مستندا إلى وقوع صلاتها محاذيا لصلاة الرجل و هو الامام، و منشأ فساد صلاتها فقط هو أنّها شرعت فيها متأخرة فيفسد صلاة المتأخر لا المتقدم.

الاحتمال الثالث:
اشارة

احتمال كون الحكم في الرواية ببطلان صلاتها من باب كون عملها على خلاف سنة الموقف في الجماعة، لأنّ سنة الموقف في الجماعة هي تأخر النساء عن الرجال، لا من باب كون فساد صلاتها مستندا إلى وقوعها محاذيا لصلاة الرجل و لهذا لو كانت صلاتها فرادى لم تفسد صلاتها على هذا الاحتمال فعلى هذا يكون الفساد مستندا إلى عدم رعاية المرأة سنة الموقف في الجماعة كما عليه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 9 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 217

بعض العامة، فإنّهم- مع عدم قول بينهم على جواز المحاذاة حال الصّلاة إذا كان صلاة الرجل و المرأة فرادى- لم يجوز بعضهم محاذاة المرأة للرجل حال الصّلاة في الجماعة من باب كون ذلك خلاف سنة الموقف كما نقل الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف.

و على كل حال إن قلنا بالاحتمال الثاني فهذه الرواية من الروايات المانعة من المحاذاة، و إن قلنا بالاحتمال الثالث فلا، و على أىّ حال لم يكن أحد من الروايات المنقولة عن علي بن جعفر دالّا على جواز محاذاة كل من الرجل و المرأة حال الصّلاة مطلقا، لما عرفت من أن الاولى و الثانية و الثالثة تدلّ على الجواز مع الفصل، و الرابعة إمّا غير مربوط بما نحن فيه، و إمّا تدلّ على عدم الجواز مطلقا.

هذا حال الأخبار الواردة في الباب و قد علم ممّا مرّ، أوّلا أنّه ليس تمام الأخبار

الّتي ذكر صاحب الوسائل في الباب 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 مربوطا بما نحن فيه، و ثانيا أنّ بعض أخبارها ليس أخبارا مستقلا، بل متحد مع بعض الآخر، و ثالثا عرفت مقدار دلالة الأخبار.

فإذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّه ليس بين روايات الباب ما يدلّ على الجواز المطلق، لأنّ ما تتوهم دلالته على ذلك روايتان من روايات الجميل «1»، و رواية فضيل «2» و كلها ليست قابلة للتمسك على الجواز المطلق بها.

أمّا الرواية الجميل فلاشتمالها على ما لا يمكن نسبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع أنّ العلة لا يناسب مع الحكم، لأنّ المذكور في العلة هو عدم كون عائشة مشتغلة بالصّلاة،

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل و أيضا الرواية 6 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 218

و مفروض الكلام يكون موردا يكون كل من الرجل و المرأة في الصّلاة و يصلّيان بحذاء الاخر (مع إمكان دعوى عدم كون هذه الرواية غير رواية اخرى من روايات جميل أعنى: غير رواية 3 من باب 6 من أبواب المذكور من الوسائل المقيد فيها الجواز بما إذا كان سجودها مع ركوعها).

[عدم وثوق النفس بكون رواية الاخرى من الجميل رواية مستقلة]

و امّا الرواية الاخرى من جميل، فكما بينا لا يوثق الانسان بكونها رواية مستقلة غير روايته الاخرى أعنى: غير الرواية 3 من باب 6، لبعد كون الجميل يسأل عن حكم مسئلة واحدة ثلاث مرات، و بعد احتمال ذلك فليس بناء العقلاء على صدور روايات ثلاثة رواها جميل، فقدر المتيقن ليست

إلّا رواية واحدة، و لا ندري بأنّ ما صدر عنه عليه السّلام و رواها جميل هو الجواز على نحو الاطلاق، كما هو الظاهر من روايته 4 من باب 4 و 6 من باب 5 بنقل الوسائل، أو ما نقل عنه المقيد فيه بما إذا كان سجودها مع ركوعه لا على الجواز المطلق كما هو الظاهر من 3 من باب 6 و هي روايته الاخرى بنقل الوسائل، فلا حجة لنا على الجواز المطلق، بل المتيقن هو الجواز في صورة تقدم الرجل على المرأة بحيث يكون سجود المرأة محاذيا لمحل راس الرجل حال الركوع، فليس في ما نقل عن جميل ما يمكن جعله حجة على جواز المحاذاة، مضافا إلى أنّه لو فرض صدور رواية راويها جميل تدلّ على الجواز المطلق و رواية على الجواز مقيدا بما إذا كان سجودها مع ركوعه، فلا بدّ من تقييد مطلقها بمقيدها.

و أمّا رواية فضيل «1» بنقل الوسائل، فهي و إن كانت دالّة على جواز المحاذاة في مكّة بدون كراهة، و على جوازها مع الكراهة في ساير البلدان، و لكن هذه الرواية

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 219

غير قابلة الاعتناء، لعدم قائل بهذا التفصيل بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم.

إذا عرفت ما بينا لك من عدم وجود رواية تدلّ على جواز المحاذاة مطلقا في قبال التفصيلات الواردة في الروايات، فنقول: أمّا منع المحاذاة مطلقا فيستفاد من رواية محمد بن مسلم، و من رواية عبد اللّه بن أبي يعفور بناء على حمل قوله عليه السّلام فيها (إلّا أن تقدم هي أو أنت) على التقدم الزمانى، كما هو الحق كما بينا في ذيل الرواية

سابقا، و من أحد روايات أبي بصير، و من رواية إدريس بن عبد اللّه إن لم نقل بكونها مضطرب المتن كما مضى الكلام فيها، و من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، و خصوصا تدلّ رواية محمد بن مسلم و رواية أبي بصير على عدم جواز المحاذاة بالمنطوق بدون إشكال في متنهما.

[الروايات الدالّة على التفصيل ضربان]
اشارة

و في قبال هذه الروايات كما بينا يدلّ بعض الروايات على التفصيل، و هو على ضربين:

الضرب الأول:

ما يدلّ على جواز ذلك إذا كان الرجل مقدّما على المرأة بمقدار، أو فيما كان بينهما حاجزا و سترا و حيطان، و هي ما رواها محمد بن مسلم «1»

إن كان قوله (فإن كان بينهما ستر أجزأ) بالسين و التاء لا بالشين و الباء كما بينا وجه قوة كونه سترا لا شبرا، و رواية 9 من باب 5، و 2 من باب 6، و 3 من باب 6، و 5 من باب 6، على تقدير كونها غير رواية 3 من باب 6، و 1 من باب 8، و 2 من باب 8، و هي رواية اخرى عن محمد بن مسلم، و 3 من باب 8، و 4 من باب 8.

و هذه الروايات لو فرض تعارضها مع الروايات الدالّة على المنع من باب

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 220

دعوى شمول إطلاق أخبار المانعة لموردها، فيمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار المطلقة الظاهرة في المنع على الأخبار المقيدة (مع إمكان دعوى عدم تعارضهما من باب كون كل واحد من الطائفتين واردا في غير مورد الآخر، لأنّ أخبار المانعة متعرض لصورة كون كل من الرجل و المرأة محاذيا للاخر في الصّلاة و أخبار المفصّلة متعرض لصورة تقدم مكان الرجل على المرأة و لو بقليل).

الضرب الثاني:
اشارة

بعض الروايات يدلّ على التفصيل، و لكن يتوهم دلالته على التفصيل لا بالنحو المذكور في الضرب الأول، بل على التفصيل بين صورة الفصل بينهما بشبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو قدر موضع رحل، أو ما يتخطى، أو قدر عظم الذراع، أو عشرة أذرع، فتدل على عدم الجواز مع عدم وجود الفصل بأحد هذه الامور،

و الجواز مع حصول الفصل بهذه المقادير، و منشأ العمدة في حمل بعض الفقهاء رضوان اللّه عليهم الأخبار المانعة على الكراهة، هو هذه الأخبار.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ في المقام احتمالين:

الاحتمال الاوّل:

الالتزام بكراهة المحاذاة مع عدم حصول أحد الامور المتقدمة من الشبر و الذراع و غيرهما، و عدم الكراهة أصلا مع حصول الفصل بعشرة أذرع أو وجود الحاجز بينهما، غاية الأمر أنّ مع عدم حصول أحد هذه الامور تكون الكراهة شديدة، و كلما يصير الفصل اكثر يخفف مرتبة الكراهة بالنسبة إلى ما كان الفصل أقلّ، مثلا في صورة الفصل بالشبر تخفف مرتبة من الكراهة ففي الفصل بقدر الذراع تخفف مرتبة من الكراهة بالنسبة إلى صورة الفصل بالشبر، و هكذا إلى أن يصل الفصل بعشرة أذرع ترتفع الكراهة بتمامها.

و وجه الأخذ بهذا الاحتمال هو أن يدعي بأنّه بعد ما يعرض على العرف بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 221

الروايات الدالّة على المنع مطلقا، و يعرض عليه بعض ما يدلّ على الجواز إذا حصل الفصل، و جعل حدودا مختلفة للجواز، ففي بعضها حدد بالشبر، و في بعضها الذراع، و في بعضها ما يتخطى، أو ما لا يتخطى، و عظم الذراع، و في بعضها عشرة أذرع، فيفهم العرف من هذه التحديدات المختلفة أنّ الحكم ليس تحريميا، و إلّا فلا معنى لذكر تحديدات مختلفة للجواز مع التفاوت الفاحش بين بعضها مع بعض الآخر، فمن هذا الاختلاف نكشف كون النهي الوارد في بعض الأخبار تنزيهيا لا تحريميا، و بحسب تفاوت مراتب الكراهة اختلفت التحديات، فمن حيث إنّ في كل من التحديدات مرتبة من الكراهة على الجواز على تحقق هذا الحد.

الاحتمال الثاني:

أن يقال: بأنّه بعد ما قلنا من عدم وجود رواية دالّة على الجواز المطلق، و بعد ما قلنا من أنّ بعض الروايات المفصلة متعرضة لحيث تقدم الرجل على المرأة مكانا حال الصّلاة، و عدم المحاذاة في هذه الصورة، و لا يكون

بين هذه الأخبار و اخبار المانعة إمّا تعارض بناء على عدم إطلاق لروايات المانعة يشمل المنع في صورة تقدم الرجل بالمقدار المذكور في هذه الطائفة من الأخبار المفصلة، و إمّا يمكن الجمع بينهما لو فرض تعارض بينهما بحمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة هو عدم الجواز مع المحاذاة، و عدم حصول الفصل بهذا المقدار، و الجواز مع تقدم الرجل على المرأة بصدره، أو إذا كان سجودها مع ركوعه و غيرهما.

فيبقى ما يمكن دعوى تعارضها مع أخبار المانعة روايات أحدها روايات زرارة و حريز الدالّة بعضها على الجواز في ما كان الفصل بينهما بقدر موضع رحل، و بعضها في ما كان الفصل بقدر ما يتخطى، أو ما لا يتخطى او قدر عظم الذراع، فمع

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 222

ما بينا في طي شرح روايتهما قلنا أوّلا بأنّ من القريب كون كل هذه الروايات رواية واحدة (إلّا ما نقل حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لكن الكلام فيها الكلام في أن أيا منها صدرت عن المعصوم عليه السّلام هل الرواية الدالّة على الجواز اذا كان الفاصل موضع رحل.

او الدالة على الجواز اذا كان الرجل قدام المرأة و لو بصدره او الدالّة على الجواز اذا كان الفصل بقدر رحل او كان الفصل بما يتخطى او قدر عظم الذراع فلا ندري ما صدر معينا.

[لا يمكن الاستدلال باحد الروايات لعدم معلومية ما صدر من المعصوم]
اشارة

فلا يمكن الاستدلال بأحدها، إذ من الممكن أنّ ما سمع زرارة من المعصوم عليه السّلام هو ما يدلّ على الجواز في ما كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره، فيخرج من القسم الثاني من الروايات المفصّلة، بل يكون من القسم الأوّل الّذي قلنا بإمكان جمعه مع الروايات المانعة بالإطلاق و التقييد.

ثانيا بأنّه إن كانت روايات زرارة روايات متعددة، فيحتمل أنّه سمع زرارة من الامام عليه السّلام كلا ما يناسب مع كل ما روى عنه، و نقل كلامه عليه السّلام بالمعنى، و بعد هذا الاحتمال، فيمكن أن يقال: إنّه بقرينة إحدى رواياته علّق الجواز فيها بما إذا كان الفصل بقدر موضع رحل، و الحال أنّ الرحل هو ما يقال به بالفارسية (پالان شتر) فتكون هذه الرواية في مقام الفصل بنحو الحائل لا في مقام فصل السعى «1»، غاية الأمر كفاية الحائل بقدر الرحل مثل رواية من روايات علي بن جعفر الّتي علّق الجواز فيها بما إذا كان بينهما حائط طويل أو قصير، و بقرينة روايته الاخرى علق

______________________________

(1)- مراده دام عزّه من (السعى) بحسب سعة الشبر، أو ذراع، أو عشرة أذرع كما قال بعدا إن شاء اللّه. مصحح

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 223

الجواز بما إذا كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره أنّ ما سمع زرارة عنه عليه السّلام هو الحكم بالجواز في ما يكون بينهما ساتر، أو يكون الرجل مقدما على المرأة، فيكون المراد من روايته الاخرى لأجل ما ذكرنا من القرينة، هو وجود ساتر بقدر ما يتخطى، أو بقدر عظم الذراع، و إن أبيت عن ذلك فنقول: بأنا لا نفهم بأنّ أىّ رواية من رواياته قرينة على الاخرى، فلا يمكن كون رواياته مستندة للفتوى بالجواز).

و على فرض عدم كون رواياته رواية واحدة فروايته الدالّة على موضع رحل غير معلوم المراد، لأنّه لا نعلم بأنّ المراد محلّ الرحل حتّى كان المراد الفصل بينهما بقدر موضع الرحل، أو يكون المراد بيان كون الحائل بقدر الرحل، و روايته الدالّة على الجواز إذا كان الرجل مقدما على

المرأة و لو بصدره قلنا بكونها من القسم الأوّل من الأخبار المفصلة، فتبقى روايته الاخرى الدالّة على الجواز في ما إذا كان الفصل بما يتخطى، أو قدر عظم الذراع، فهذه إحدى الروايات الّتي يمكن كونها معارضة مع أخبار المانعة.

ثانيها رواية محمد بن مسلم، فقلنا بأنّ ما يقرب بالنظر كون الوارد فيها (ستر) لا (شبر)، و أمّا رواية عمار فهي و إن كانت من الروايات المفصلة إلّا أنّه لا إشكال في تقييد إطلاق اخبار المانعة بها، فتكون النتيجة هو جواز محاذاتهما إذا كان الفصل بينهما أكثر من عشرة أذرع، و إلّا فلا تجوز محاذاتهما.

إذا عرفت بأنّ ما يمكن تعارضها مع روايات المانعة هو هذه الروايات الثلاثة المتقدمة فيمكن أن يقال: بأنّ هذه الروايات المتعرضة للشبر، أو الذراع أو ما يتخطى، أو عظم الذراع قابلة للحمل على الجواز في ما يكون الرجل قدام المرأة بقدر أحد هذه المقادير، أو على صورة يكون بين الرجل و المرأة ساتر بقدر أحد هذه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 224

المقادير و لهذا بعض الشواهد:

[ذكر الشاهدين لما قلنا]
الأول:

بعد حمل الروايات المانعة على خصوص صورة لم يكن الفصل بين الرجل و المرأة بعد شبر أو ذراع، لأنّ لازم ذلك حمل مطلقات المانعة على مورد نادر، لندرة وقوع صلاتهما قريبا من الاخر بحيث لم يكن الفصل بينهما إلّا شبر أو ذراع، بل يمكن دعوى عدم وجود ذلك، فلا تقبل هذه المطلقات للحمل على هذا المورد، و أمّا لو حملت روايات المجوزة في صورة الفصل بشبر، أو ذراع على صورة تقدم الرجل على المرأة بهذا المقدار، فتحمل روايات المانعة على صورة المحاذاة و روايات المجوزة على جواز هذه المحاذاة إذا كان الرجل مقدما عن المرأة بقدر أحد

هذه المقادير، فيرتفع المنع بصرف التقدم بهذا المقدار، فلا تعارض على هذا بين الطائفتين، و لا حمل بعض ما دلّ على المنع على المورد النادر، و أنّ بعض روايات الواردة في المحمل مثل الرواية الّتي تدلّ على المنع مع أنّ المتزاملين في المحمل يكون الفصل بينهما بشبر و أكثر «1»، و هذا أيضا مبعّد حمل روايات المانعة على المنع في خصوص صورة عدم الفصل بشبر أو ذراع أو نحوهما بحمل أخبار المجوزة على الجواز في صورة الفصل بينهما بقدر هذه المقادير.

الثاني:

أنّ حملها على صورة التقدم أعنى: تقدم الرجل على المرأة بشبر، أو ذراع أو نحوهما مؤيد ببعض ما ورد في الروايات من جواز أن يصليا معا إذا كان الرجل مقدما عليها و لو بصدره، أو ركبته أو إذا كان سجودها مع ركوعها، فلو حمل هذه الروايات على المحمل المذكور فيرتفع التعارض بين الروايات، و تكون النتيجة عدم جواز صلاتهما محاذيا للاخر إلّا أن يقدم الرجل على المرأة بأحد من المقادير

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من أبواب مكان المصلّي من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 225

المذكورة في الروايات، أو أن يكون بينهما ساترا أو الفصل بعشرة أذرع.

[في توضيح الروايات المتقدمة]

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه ليس بين روايات الباب ما يدلّ على الجواز المطلق على ما بينا سابقا، فيبقى بعض الروايات الّتي يمكن الاستدلال به على الجواز في الجملة، و بعض يدلّ على المنع، فنقول: إنّ لسان الروايات مختلفة بعضها يدلّ على المنع المطلق إمّا بمنطوقها أو بمفهومها مثل رواية إدريس بن عبد اللّه القمي، و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه، بن أبي يعفور، و ما رواها العمركى عن علي بن جعفر و هو عن موسى بن جعفر عليه السّلام، و بعضها على المنع، و مورده المحمل مثل أحد روايات محمد بن مسلم، و رواية أبي بصير، و بعضها على التفصيل بين الفصل بعشرة أذرع و عدمه، فيجوز في الأول، و لا يجوز في الثاني مثل رواية من روايات علي بن جعفر على نحو تقدم، و رواية عمار بن موسى، و بعضها على التفصيل بين وجود الحاجز بين الرجل و المرأة، أو الساتر، أو الحائط القصير أو الطويل، و عدمه بالجواز في الأول،

و عدمه في الثاني مثل روايتين من روايات محمد بن مسلم، و روايتين من روايات علي بن جعفر، و رواية محمد بن على الحلبى، و بعضها على التفصيل بين الفصل بشبر، أو ذراع، أو مقدار عظم الذراع، أو قدر موضع الرحل، أو موضع رحل، ما يتخطى، أو ما لا يتخطى، أو قدر عظم الذراع فصاعدا على اختلاف مضامين هذه الطائفة من الروايات، مثل رواية معاوية بن وهب، و روايتى أبي بصير، و روايات زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، و حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فمجموع الروايات ينتهي لسانها إلى خمسة أقسام المتقدمة، و من الواضح عدم تعارض بين الطائفة الاولى و الثانية، و كذلك بينهما و بين الثالثة بحمل المطلق على المقيد، فيحمل أخبار المنع على غير مورد الحاجز، و كذلك بينها و بين الرابعة، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 226

نتيجة الجمع بين أربعة طوائف هو المنع إلّا إذا كان بينهما حاجز، أو كان الفصل بينهما بعشرة أذرع.

فتبقى الطائفة الخامسة فإنّ ظاهرها الجواز مع وجود الفصل بشبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات في روايات هذه الطائفة، و الحال أنّ ظاهر روايات المنع هو المنع في هذا المورد، كما أنّها معارضة مع الطائفة الثالثة و الرابعة، لأنّ مفادهما عدم الجواز مع عدم الفصل بالحاجز أو بعشرة أذرع.

[قبل ذكر علاج التعارض لا بدّ من ذكر مقدّمة]
اشارة

و قبل علاج التعارض نقول؟ بأنّ هذه المسألة لم تكن معنونة قبل زمان الصادقين عليهما السّلام- و ما كان معنونا بين فقهاء العامة هو مسئلة اعتبار عدم محاذاة المرأة مع الرجل في الجماعة و عدمه، و بعبارة اخرى كان الكلام بينهم في سنة الموقف بأنّه هل يعتبر فيها عدم محاذاة المرأة للرجل أم لا، و

هذه المسألة كانت موردا للخلاف بين أبي حنيفة و بين أحمد و الشافعي، و لكن كلامهم و خلافهم كان في الجماعة لا في الفرادى، و كان المتعارف تأخر المرأة عن الرجل في الجماعة بحيث كان خلاف ذلك مستنكرا عند المسلمين- فلمّا بلغ زمان الصادقين عليهما السّلام و كان زمان بسط يديهما لشرع أصحابهما رضوان اللّه عليهم بالسؤال عن صورة الفرادى، و من البعيد كون سؤالهم عن الكراهة، بل الظاهر كون سؤالهم عن صحة الصّلاة في صورة محاذاتها، أو صورة تقدم المرأة على الرجل و عدم صحتها، و لهذا ترى أنّ في صورة السؤال عن ذلك في المحمل أجاب عليه السّلام (بأن يصلّي الرجل أوّلا ثمّ تصلّي المرأة) مع مشقة ذلك على المسافر، و هذا من جملة مبعدات حمل التفصيل في الروايات على مراتب الكراهة.

هذا حال المسألة عند فقهاء العامة، و قد عرفت بأنّ مسئلة المحاذاة في الفرادى لم تكن معنونة عندهم كما ترى أنّها غير مذكورة في الكتاب المعدة لنقل موارد

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 227

الاختلاف، مثل خلاف الشّيخ رحمه اللّه و الناصريات و الانتصار للسيد رحمه اللّه و الغنية لابن زهرة رحمه اللّه و المختلف للعلامة رحمه اللّه، نعم كما قلنا كانت المسألة عندهم في سنة الموقف في صلاة الجماعة.

و أمّا عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم فما نرى في كلمات من تعرّض للمسألة هو المنع، كالسيد و الشيخان و من تبعهما، في صورة تقدم المرأة على الرجل، أو محاذاتهما، غير أنّ ابن إدريس كان قائلا بالجواز، و لكن طريقته في الفقه غير طريقة القدماء، هذا حال المسألة بحسب وضعها من الصدر الأوّل و عند القدماء.

إذا عرفت هذا نقول: إمّا حال المسألة بحسب الاخبار،

فقد عرفت أنّ الاخبار بحسب اللسان و المفاد على طوائف خمسة، و ما يكون محل الكلام هو رفع تعارض الطائفة الخامسة مع طوائف أربعة، و خصوصا مع الطائفة الاولى الدالّة على المنع.

فنقول: إنّ في الطائفة الخامسة من الروايات المتعرضة للتفصيل بين الشبر و الذراع و غيرهما، و بين عدم الفصل بهذه الامور تحتمل وجوه:

الوجه الأول:

أن يحتمل هذه الطائفة على الفصل السعي بمعنى: أنّه إذا كان بين الرجل و المرأة فصلا بحسب سعة الشبر، أو ذراع، أو غيرهما فتجوز محاذاتهما في الصّلاة.

و مبعّد هذا الاحتمال هو بعض الروايات الواردة في المنع عن صلاتهما محاذيا للاخر في المحمل مع فرض حصول الفصل في المتزاملين في المحمل بشبر و أكثر.

الوجه الثاني:

أن تحمل هذه الطائفة على الفصل بالارتفاع، يعني: أنّه إذا كان بينهما حاجز، أو ستر بقدر شبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات يرتفع المنع،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 228

و مؤيده بعض الروايات الدالّة على الجواز في صورة الحاجز طويلا كان أو قصيرا.

الوجه الثالث: في العلاج

أن تحمل هذه الطائفة على أنّ المنع يرتفع إذا كان الرجل مقدما على المرأة بمقدار أحد هذه الامور، فكان المراد أنّ في صورة تقدم الرجل على المرأة بقدر أحد منها، فتجوز صلاتهما في حال واحد، و يؤيد ذلك بعض الدالّة على الجواز إذا كان الرجل مقدما على المرأة و لو بصدره، أو ركبتيه، أو كان سجودها مع ركوعه.

فإنّ حملت هذه الطائفة على هذا المحمل فيرتفع التعارض بينها و بين المانعة، بحمل أخبار المانعة على صورة محاذاة الحقيقية، و هو صورة كونهما متساويين في الموقف و حال الركوع و السجود، و لا تعارض على هذا بينها و بين الطائفة الثالثة و الرابعة أيضا، لأنّهما تدلّان على الجواز في صورة وجود الحاجز أو الفصل بعشرة أذرع، فتكون النتيجة المنع إلّا في هاتين الصورتين، و في صورة تقدم الرجل على المرأة في الموقف بقدر شبر أو أحد من الامور المتقدمة، و هكذا يرتفع التعارض بينها و بين الطوائف على الاحتمال الثاني.

و أمّا على الاحتمال الأوّل فحيث يكون ظاهر هذه الطائفة على هذا الاحتمال هو كفاية الفصل بالشبر و نظائره في رفع المنع، و ظاهر بعض الأخبار هو المنع، فيشمل هذه الصورة، بل بعضها نصّ في المنع مطلقا في خصوص مورد هذه الطائفة مثل رواية محمد بن مسلم الدالّة على المنع في المتزامين في المحمل، و ظاهر أخبار المفصلة بين وجود الحاجز و عدمه، و بين

الفصل بعشرة أذرع و عدمه هو المنع في صورة عدمهما، فمفادها المنع في مورد الفصل بالشبر و نظائره، فيقع التعارض بين هذه الطائفة أعنى: الطائفة الخامسة، و بين طوائف أربع.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 229

فقد يقال في مقام رفع التعارض، كما قال بعض، بأنّه تحمل أخبار المانعة على الكراهة، و اختلاف الأخبار في المنع من حيث إنّ لسان بعضها المنع، و بعضها المنع مع الفصل بالحاجز، و بعضها مع الفصل بعشرة أذرع، و بعضها مع الفصل بالشبر و أمثاله من المذكورات في الروايات، شاهد على ذلك، فيحمل كل طائفة على مرتبة من الكراهة، فإذا لم يكن الفصل بينهما أصلا فالكراهة أشد، و إذا حصل الفصل بشبر تكون كراهة أقل مرتبة منها، و إذا حصل الفصل بالحاجز أو بعشرة أذرع فالكراهة أقل منها.

و بعد ما عرفت من أنّه يمكن الجمع بين الروايات بأحد من النحوين، فأىّ نحو منهما أولى من الآخر في مقام الجمع، هل تحمل الروايات الدالّة على المنع مطلقا، أو في صورة عدم الحاجز و عدم الفصل بعشرة أذرع على الكراهة، فتكون النتيجة كراهة المحاذاة، أو تحمل أخبار الطائفة الخامسة على صورة تقدم الرجل على المرأة، أو على صورة كون الفصل من حيث الارتفاع بشبر أو غيره، فتكون النتيجة عدم الجواز في صورة عدم تقدم الرجل على المرأة و عدم الحاجز و عدم الفصل بعشرة أذرع (فإن حملت المحاذاة الواردة في هذه الروايات على المحاذاة الحقيقية، و كان الاستثناء منها، و حملت هذه الطائفة على المحمل الأوّل أعنى: على الفصل من حيث السعة، فيكون الاستثناء متصلا، و امّا لو حملت على المحمل الثالث فيكون منقطعا، لأنّ صورة تقدم الرجل على المرأة خارج عن المحاذاة

الحقيقية (إلّا أن يقال: إن المحاذاة أعم من الحقيقي، فيكون الاستثناء على الاحتمال الثالث متصلا أيضا).

إذا عرفت ذلك فكما قلنا حمل الروايات المفصلة على الاحتمال الثالث مؤيد ببعض المؤيدات، فلو لم نقل بأنّ الجمع بين الروايات المانعة هو بقاء الأخبار المانعة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 230

بحالها، و حمل أخبار المجوزة على صورة تقدم الرجل هو الاظهر، فلا أقل من دوران الأمر بين هذا الحمل، و بين الحمل على الكراهة بالتصرف في الأخبار المانعة بقرينة روايات المجوزة، و حمل اختلاف أخبار المجوزة في المقدار على اختلاف مراتب الكراهة، و لا نرى كون جمع الثاني بنظر العرف مقدّما.

و إذا احتمل كون مفاد روايات المجوّزة هو صورة التقدم بشبر، أو ذراع، أو غيرهما من المذكورات بقرينة بعض ما دلّ على الجواز في صورة تقدم الرجل و لو بصدره، أو إذا كان سجودها مع ركوعه، أو إذا كانت تصيب ثوبه، فحينئذ تسقط روايات الجواز عن الخصوصية بالنسبة إلى موضوع أخبار المانعة، و بعد عدم ظهورها في أحد الاحتمالين، فلا يمكن الجمع بينها و بين الأخبار المانعة بحسب الدلالة، فلا بد في مقام التعارض الاخذ بما فيه الترجيح إن كان لأحد الطرفين ترجيح على الآخر، و اذا نرجع إلى المرجحات نرى أنّ الترجيح مع الأخبار المانعة لاشتهاره فتوى و رواية مضافا إلى إمكان أنّ يقال: بأنّ الأخبار المانعة مخالف للعامة، لأنّ العامة لم يمنعوا عن محاذاة الرجل و المرأة إلّا في صلاة الجماعة، فالفتوى بالجواز مشكل.

[مسائل:]
اشارة

ثمّ إنّ هنا مسائل:

المسألة الاولى: [اذا شرعا معا فصلاتهما باطلة]

المستفاد من الأدلة بطلان صلاة كل من الرجل و المرأة إذا شرعا معا، لأنّ الأمر دائر بين بطلان صلاتهما، أو صحة صلاتهما، أو بطلان أحدهما المعيّن، أو بطلان أحدهما الغير المعيّن.

أمّا الرابع فأحد الغير المعين غير موجود، و أمّا الثالث فلا ترجيح لأحد المعين على الاخر حتّى يقال بفساد المعيّن، و أمّا الثاني فمن الواضح عدم إمكان أن يقال بصحة الصلاتين، فيتعين الأول، و هو بطلان صلاة كل منهما.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 231

المسألة الثانية: [اذا شرع احدهما أوّلا فصلاة المتأخر باطلة]
اشارة

اعلم أنّ المستفاد من الروايات هو بطلان صلاتهما لو شرعا معا، لكن لا بمعنى أنّ صلاتهما تتحققان آنا ما ثمّ تبطلان معا كما يظهر ذلك من الجواهر، لأنّا نكون محتاجا إلى فرض وقوعهما آنا ما ثمّ بطلانهما لو كان دليل في البين دالا على كون المتصف بالبطلان هو الصّلاة المتحققة، كما يكون الأمر كذلك في (اعتق عبدك عنّى) فإنّه بعد دلالة الدليل على أنّه (لا عتق إلّا في ملك) فلا بدّ من فرض ملكية آنا ما، ثمّ وقوع العتق في ملكه، و أمّا في ما نحن فيه، فكون المتصف بالبطلان هو الصّلاة الصحيحة المتحققة، فيكون أول الكلام، بل يكون معنى بطلانهما هو عدم صيرورتهما صلاة في مرتبة واحدة، لوجود المانع من الصحة، و هو المحاذاة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لو شرع أحدهما أوّلا ثمّ بعده شرع الآخر محاذيا له، مثلا شرع الرجل أوّلا ثمّ بعده شرعت المرأة أو بالعكس، فهل تبطل صلاة كل منهما أيضا، أو تبطل صلاة المتأخر في الشروع فقط، وجهان و قولان، يظهر من صاحب «1» الجواهر رحمه اللّه الأوّل مستندا إلى رواية محمد بن مسلم، و أبي بصير، و عبد اللّه بن أبي يعفور بدعوى أنّ إطلاقها

يقتضي بطلان صلاة كل منهما إذا كانا محاذيين، أو كانت المرأة مقدما على الرجل.

و لكن الحق هو بطلان صلاة خصوص المتأخر، لأنّه بعد دلالة الروايات على كون عدم المحاذاة شرطا، أو وجودها مانعا، فمن شرع من الرجل أو المرأة في الصّلاة أوّلا فصلاته واجدة لشرط الصحة، و فاقدة للموانع، و من شرع بعد ذلك فصلاته غير واجدة للشرط، أو واجدة للمانع، فصلاة الأوّل وقعت صحيحة لحصول كل ما يعتبر فيها وجودا أو عدما، بخلاف صلاة الثاني فإنّها غير واجدة لما

______________________________

(1)- جواهر، ج 8، ص 318.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 232

هو المعتبر في الصّلاة فلم تنعقد صلاته، كما أنّ الظاهر من بعض الروايات هو بطلان صلاة المتأخر مثل الرواية الاولى، و هي رواية إدريس بن عبد اللّه القمى، و يمكن دعوى استفادة ذلك من غيرها من الروايات أيضا، حيث إنّ ظاهرها تعلق النهي بالمتأخر، و بعد كون النهي وضعيا، فظاهره فساد صلاة خصوص من تعلق به النهي لا المتقدم.

[في كلام صاحب الجواهر ره من بطلان صلاتهما]

و أمّا ما قاله صاحب الجواهر رحمه اللّه من دعوى بطلان صلاتهما بإطلاق رواية محمد بن مسلم، و أبي بصير، و عبد اللّه بن أبي يعفور، فغير تمام أمّا رواية محمد بن مسلم فظاهرها التعرض لصورة كون دخولهما في الصّلاة معا، و لا تعرض فيها لصورة تأخر أحدهما عن الآخر في الشروع، و هكذا رواية أبي بصير، و أمّا رواية عبد اللّه بن أبي يعفور فهي متعرضة لصورة شرعت المرأة في الصّلاة قبل الرجل، و الرجل يسأل عن جواز شروعه في الصّلاة محاذيا لها فأجاب عليه السّلام بعدم الجواز، إلّا أنّ تقدم هو أو هي فلا دلالة لهذه الروايات على بطلان صلاتهما فى صورة كان شروع

أحد منهما مقدما على الآخر، هذا تمام الكلام في هذه المسألة، فافهم.

المسألة الثالثة:
اشارة

لا يخفي عليك أن المنع الوضعى حرمة أو كراهة على الكلام فيه يرتفع بأمرين: الأوّل بتقدم الرجل على المرأة مكانا، الثاني بوجود الحاجز بينهما و هذان الحكمان في الجملة ليسا محل الكلام، إنّما الكلام في حدّهما، بمعنى أنّ أىّ مقدار من تقدم الرجل على المرأة كاف في رفع المنع، و أنّ الحاجز الّذي يرتفع به المنع بأىّ حد، فيقع الكلام في أمرين:

الامر الاول:
اشارة

كما قلنا يرتفع المنع بتقدم الرجل على المرأة، فالكلام يقع في أنّ أىّ مقدار من التقدم يكفي في رفع المنع، و لا بدّ من استفادة ذلك من أخبار الباب، فنقول: إنّ لسان الأخبار مختلف، ففي رواية عمار قال عليه السّلام (فإن كانت تصلّي خلفه،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 233

فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه) و في رواية من روايات زرارة قال عليه السّلام (إلّا أن يكون قدامها و لو بصدره) و في رواية من روايات جميل قال (إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس) و ظاهر هذه التعبيرات و إن كان مختلفا حيث إنّ رواية عمار قابلة للاحتمالين:

الاحتمال الأول:

أن يكون المراد من تأخر المرأة و إن كان هذا المقدار بمقدار تصيب ثوب الرجل، هو كون هذا المقدار معتبرا في جميع حالات صلاتهما حال القيام و حال الركوع و حال السجود، و لازم ذلك تأخرها عنه في جميع الحالات بهذا المقدار.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد كفاية هذا المقدار من التأخر في خصوص موقفهما، بمعنى أن يكون موقفها مؤخرا عنه بهذا المقدار اليسير عن موقفه، و بعبارة اخرى كان هذا المقدار من التأخر معتبرا في خصوص حال القيام، و لازم ذلك هو عدم اعتبار تأخرها بهذا المقدار حال الركوع و السجود، فلو وقفت بحيث تكون محاذيا للرجل ببعض بدنها حال الركوع و السجود لا تضر بصلاتها، لأنّها متأخرة عنه في حال القيام بهذا المقدار، فعلى الاحتمال الثاني يرتفع المنع بمقدار من تقدم الرجل على المرأة اقل من المقدار المعتبر على الاحتمال الأوّل.

و أمّا رواية زرارة فلا يبعدان يكون المراد بقوله عليه السّلام (إلا أن يكون قدامها و لو بصدره) يعنى يكون الرجل مقدما على المرأة بمقدار صدره، و أمّا رواية جميل فقوله عليه السّلام فيها (إذا كان سجودها مع ركوعه) لا يبعد أن يكون المراد هو كون مسجدها محاذيا بموضع ركوع الرجل.

و لكن مع ذلك يمكن أن يقال: بأنّ مفاد كل من هذه الروايات المتعرضة لهذه

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 234

الجهة واحدة و ليس تقريبا بينها اختلاف أمّا قوله (و إن كان قدامها و لو بصدره) مع قوله (إذا كان سجودها مع ركوعه) بحسب المفاد متحد تقريبا، و التقدم المحدود بينهما واحد تقريبا، و رواية عمار و إن كان مفادها بحسب الاحتمال الأوّل في قوله (فان كانت تصلّي خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب

ثوبه) مخالف مع مفاد الروايتين، و لكن حيث يكون فيها احتمال اخر و هو احتمال الثاني، فيمكن أن يكون المراد الاحتمال الثاني، فتكون مفادها موافقا تقريبا معهما أيضا، فيرتفع المنع بتقدم يسير و إن كان بمقدار مذكور في الروايات، و إن كان الاحوط تأخر المرأة عن الرجل في تمام حالات الصّلاة حال القيام و الركوع و السجود.

الامر الثاني: ممّا يرتفع به المنع هو وجود الحاجز بينهما

، و الأخبار المتعرضة لهذه الجهة وردت بالسنة مختلفة، و الأحوط وجود الحاجز من الرؤية في جميع حالات الصّلاة:

و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله تمّ الكلام في مقدمات الصّلاة، و بعد ذلك نشرع في مبحث الأذان و الإقامة إن شاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 235

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين المعصومين

المقدّمة السادسة: في الاذان و الاقامة

[ابتداء بحث الاذان و الاقامة]

اعلم أنّ ما يأتى بالنظر و يقرب بالذهن هو كون الأذان نداء للصّلاة و إعلانا لها لأنّ الناس يتوجهون به نحو أدائها كما يظهر من قوله تعالى إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «1» و قوله وَ إِذٰا نٰادَيْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ الخ «2» فقوله إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ أى: اذّن لها، و قوله (إذا ناديتم) أذّنتم، فالأذان نداء للصّلاة، كما أنّ ما يقرب بالذهن هو كون الاقامة أيضا نداء لها، غاية الأمر الاذان نداء لحضور الناس لأداء الصّلاة، و الاقامة نداء لاقامة الصّلاة لأنّ يصير الحاضرون متهيئين لها.

هذا في الأذان و الاقامة في الجماعة واضح، و أمّا بالنسبة إلى صلاة الفرادى

______________________________

(1)- السورة الجمعة/ الآية 9.

(2)- السورة المائدة/ الآية 58.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 236

فأيضا حيث يستفاد من «1» بعض روايات الباب من أنّ المصلّي إذا أذّن و أقام يصلّي خلفه صفان من الملائكة، فالأذان و الاقامة نداء لهم أيضا بالصّلاة. «2»

[الاذان و الاقامة خارجان عن حقيقة الصّلاة شرطا و شطرا]

و بعد كون الأذان و الإقامة نداء للصّلاة يظهر لك أنّهما خارجان عن الصّلاة، و ليسا دخيلا فيها لا شرطا و لا شطرا، فلا وجه لأنّ يقال: بوجوب الأذان و الاقامة وجوبا شرطيا أو شطريا بمعنى أن يكونا شرطين أو شطرين من شرائطها أو من أجزائها، مضافا إلى عدم الدليل على اعتبارهما في الصّلاة شرطا أو جزء، فالقول بوجوبهما الشرطى أو الشطرى ممّا لا وجه له.

و أمّا الكلام في وجوبهما نفسيا أو تكليفا أو استقلاليا، لا الوجوب الغيرى و الوضعى و التبعى، فنقول: أمّا الأذان فيظهر للمراجع إلى أخبار الباب عدم وجوبه لظهور بعض الأخبار في ذلك، و كذلك الاقامة ليست بواجبة، أمّا أوّلا فالوجه في عدم وجوب الإقامة، كما أن ذلك وجه لعدم

وجوب الأذان أيضا، هو أنّ الاذان و الاقامة ممّا يكون الناس مبتلى بهما في كل يوم و ليلة خمس مرات قبل إتيان فرائض الخمس من الصدر الأوّل من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الآن، فإنّ كانا واجبين لم يكن وجوبهما بهذه المرتبة من الخفاء بحيث يكون مورد النقض و الابرام عندنا، بل لو كانا واجبين لصار وجوبهما ضروريّا مثل أصل الصّلاة، فكما أنّ وجوب الصّلاة من الضروريات عندنا جماعة المسلمين كذلك وجوبهما، فمن عدم ظهور وجوبها عند

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 4 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- أقول: هذا تقريب منه مد ظله لا أنّه يمكن دعوى استظهار ذلك من الروايات، فتأمل.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 237

المسلمين إلى الآن نفهم و نكشف عدم وجوبهما. «1»

[لم نجد فى الاخبار ما دلّ على وجوبهما]

و أمّا ثانيا فنقول: إنّه بعد ما كنّا أهل النص فإذا نراجع أخبار الباب لم نجد ما يوجب الالتزام بوجوب الإقامة، و وجوب الأذان، أمّا الأذان فكما قلنا عدم وجوبه و استحبابه واضح، لدلالة بعض الروايات على ذلك، و لا حاجة لطول الكلام في ذكره، و كذا الاقامة لا في الجماعة و لا في الفرادى، لا في الحضر و لا في السفر، لا على الرجال و لا على النساء، لأنّه و ان وردت بعض ما يوهم وجوب الاقامة في الحضر مثلا، أو على الرجال، أو في الجماعة، و لكن بعد ضم هذا البعض ببعض الآخر الدالّ على عدم الوجوب بالإطلاق، أو بالتصريح في هذه الموارد، لا تجد دليلا ظاهرا على الوجوب، كما أنّ بعض ما يستفاد منه أنّ أقل ما يجزى هو الاقامة أيضا لا يدلّ على الوجوب، لأنّ لفظ الإجزاء لا

يفيد الوجوب، كما أنّ بعض ما يدلّ على عدم وجوب إعادتها، إذ انسي و صلّى، ثمّ بعد الفراغ تذكر بأنّه لا يأتى بها (قال لا يعيد

______________________________

(1)- أقول: كما قلت له مدّ ظلّه في مجلس بحثه، لا نسلم ذلك، إذ ربما يتفق في العبادات ما يكون موردا لابتلاء المسلمين و لم يكن حكمه ضروريا، كما ترى في باب التسبيحات الأربع في الصّلاة، فإنّه مع الابتلاء به في كل يوم و ليلة مرات، مع ذلك يكون الخلاف في أنّ الواجب هو المرة أو ثلاث مرات، فبهذه الدعوى الآتي ادعيت في المقام نقول بأنّ الواجب ليس إلّا مرة واحدة مثلا قال مد ظله: فرق بينها و بين الاذان، لأنّ التسبيحات حيث تقرأ إخفاتا، فلم يحرز وضعها من الصدر الأوّل إلى الآن.

قلت: و إن تقرأ إخفاتا، و لكن بعد عموم الابتلاء بها لا بد و أن يصير حدها من مرة أو ثلاث مرات ضروريا، لأنّ المسلمين يد بيد يسألون عن حده، و ما ورد من صاحب الشرع على صادعه افضل الصّلاة، فلا ملازمة بين شدة الابتلاء و بين وضوح أمره، نعم مع ذلك لا يبعد دعوى أنّ أمرا من الامور إذا لم يكن داعيا على إخفائه و كتمانه، إذا كان واجبا لم يبق خلاف في وجوبه عند المسلمين، و ليصير وجوبه ضروريا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 238

و لا يعود لمثلها) فقوله (لا يعود لمثلها) لا يدلّ على وجوبها، بل هذا التعبير يناسب مع الاستحباب أيضا فيقول يواظب حتّى لا يفوت منه مستحب، و كذلك بعض ما يستفاد منه جواز قطع الصّلاة، قبل الركوع أو مطلقا قبل إتمام الصّلاة إذا نسيتها، لأن يعيدها لا يدلّ على وجوبها، لأنّ

قطع الصّلاة جوّز لأجل درك المستحب كما جوّز لأجل أمر دنيوى.

فعلى كل حال لا يجد المراجع إلى أخبار الباب وجوب الأذان و الاقامة، خصوصا بعد عدم القول بوجوب الأذان لا وجه للقول بوجوب الاقامة، لأنّ بابهما واحد، و هما نداء للصّلاة كما ترى في بعض «1» الروايات من اطلاق الأذان على الأذان و الاقامة، و هذا شاهد على كون بابهما واحدا كما أنّه لا وجه للتمسك بوجوب الاذان الّتي قال في ذيلها (فانما الأذان سنة) «2» بأنّ المراد من السنة هو فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا ينافي عدم وجوب إعادتها مع صورة النسيان، لوجوبه و عدم جواز تركه عمدا مثل ساير ما فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّ الظاهر من السنة هو الاستحباب فلا بدّ من حمل السنة على الاستحباب، و إن رأيت من حمل السنة على فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان من باب الدليل، و إلّا فالظاهر من السنة الاستحباب.

[الحقّ استحباب الاذان و الاقامة]

هذا تمام الكلام في هذه الجهة فعلى هذا الحق هو استحباب الأذان و الاقامة، غاية الأمر استحبابهما اكد بالنسبة إلى صلاة الغداة و المغرب، لدلالة بعض الروايات على ذلك، كما أنّهما يستحبان على النساء كما يستحبان على الرجال و إن كان بالنسبة إلى الرجال اكد، كما أنهما يستحبان في الجماعة و الفرادى، و يظهر كل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 29 من أبواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 239

ذلك لمن يراجع أخبار الباب بعد ضم بعضها مع بعض الآخر، فالقول بوجوبهما أو وجوب خصوص

الآذان لا وجه له.

[في ذكر بعض الجهات في المسألة]

اشارة

إذا عرفت ذلك نتوجه عنان الكلام إلى جهات:

الجهة الاولى:

بعد ما عرفت من مشروعية الأذان و الاقامة، و ورود الأخبار على مطلوبيتهما، و الحث عليهما، و الثواب المترتب عليهما لا إشكال بمقتضى صراحة بعض الأخبار و ما نرى في الخارج عند المسلمين من مشروعية الأذان و كذا الاقامة للصلوات الخمس، في استحباب الأذان للصّلاة، بمعنى: أنّ من يريد الصّلاة فرادى أو جماعة يستحبّ أن يؤتى بالأذان للصّلاة.

إنّما الكلام في أنّه هل يكون أذان اخر مشروعا و مستحبا في الشرع غير أذان الصّلاة، و هو الأذان الذي يسمونه (أذان الاعلام) أم لا؟

و بعبارة اخرى تارة يكون الشخص عازما على إتيان أحد صلوات الخمس فرادى، أو قوم يعزمون على إتيان أحدها جماعة، فلا إشكال في استحباب الأذان قبل الصّلاة.

و تارة لا يكون الشخص عازما على إتيان الصّلاة، و لا يريدون صلاة الجماعة أصلا و لكن دخل وقت الظهر مثلا، أو المغرب، أو الصبح، فهل يكون أذان مشروعا لمجرد الاعلام بالوقت و إن لم يكن المؤذن بنفسه عازما لاتيان الصّلاة عقيب الأذان فرادى أو بالجماعة، أولا؟

اعلم أنّ ما نرى من وضع تشريع الاذان نرى انّه شرع للاعلام و النداء بالصّلاة لا لاعلام مجرد الوقت و ان لم تكن صلاة في البين كما ان من يتأمل في بعض فصول الأذان أيضا يرى أنّ تشريعه يكون للنداء بالصّلاة، كما ترى من (حىّ على الصّلاة) أو (حيّ على الفلاح) أو (حي على خير العمل) مضافا إلى ما نرى من أنّ

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 240

العمل الخارجى في الصدر الأوّل كان على أن يؤذّن المؤذّن و يقيم الصّلاة في أوقاتها، و لم يكن بناء على إتيان الأذان لمجرد الاعلام بالوقت، و فوضع

مشروعيته و العمل الخارجى في الصدر الأوّل من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على إتيان الأذان قبل الفرائض إعلاما لاقامة الصّلاة كى يجتمعوا نحوها.

إذا عرفت ذلك تفهم أنّه لا دليل على استحباب أذان الاعلام، و بعد عدم الدليل فالأصل عدم مشروعيته، و لا نجد في أخبار الباب رواية تدلّ على استحباب الأذان للاعلام، فارجع إليها حتّى يظهر لك صدق ما ادعياه، كما أنّه بعد ما نراجع كلمات الفقهاء لم نجد تعرضا لأذان الاعلام قبل المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه، و لكن لهما كلام يمكن استظهار استحباب الأذان للاعلام منه، ثمّ بعد ذلك الشهيد رحمه اللّه أنكر أذان الاعلام، فعلى هذا ليس في البين وجه قوى على استحباب الأذان للاعلام إلّا أن يقال بأنّ أدلة التسامح في أدلة السنن تشمل فتوى الفقيه، و يقال: إنّ بعض الفقهاء أفتى على استحبابه للاعلام، فيقال باستحبابه من هذا الباب، و إلّا فلم نجد في روايات الباب ما يستظهر منه استحباب الأذان للاعلام.

الجهة الثانية: في فصول الأذان و الاقامة.
اشارة

اعلم أنّ فصول الأذان ثمانية عشر على المشهور عندنا عملا و فتوى «1»، التكبير في أوّله أربع مرات، و الشهادتان مرتان مرتان و (حيّ على الصّلاة) مرتان و (حيّ على الفلاح) مرتان و (حيّ على خير العمل) مرتان و (اللّه أكبر) مرتان و (لا إله إلا اللّه) مرتان و قال الشّيخ في الخلاف «2»: و في أصحابنا من قال: عشرون كلمة

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 41.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 374.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 241

(التكبير) في آخره أربع مرات.

[في ذكر الاقوال فى الاذان و الاقامة]

و أمّا عند العامة، فبعضهم قال، بأنّ الأذان تسعة عشرة كلمة في غير صلاة الفجر، التكبير أربع مرات و الشهادتان ثمان مرات مع الترجيع، و الدعاء إلى الصّلاة و إلى الفلاح مرتان مرتان، و التكبير مرتان، و الشهادة بالتوحيد مرة واحدة، و في خصوص صلاة الفجر إحدى و عشرون كلمة التثويب مرتان، و هذا قول الشافعى.

و قال بعضهم و هو أبو حنيفة، بأنّ فصوله خمس عشرة كلمة بإلغاء الترجيع و التثويب، فيكون التكبير أربع مرات، و الشهادتان كل واحد منهما مرتان فقط، و حي على الصّلاة و حي على الفلاح مرتان مرتان، و التكبير مرتان و التهليل مرة واحدة.

و قال بعضهم و هو قول مالك: يستحبّ الترجيع و التكبير في أوله مرتان فيكون سبع عشرة كلمة.

و قال بعضهم و هو قوله أبو يوسف: التكبير مرتان و الترجيع لا يستحبّ فيه فيكون ثلاث عشرة كلمة.

و قال أحمد بن حنبل: إن يرجع فلا بأس و ان لم يرجع فلا بأس، و هذا حكاه أبو بكر بن المنذر.

إذا عرفت أنّ المشهور عندنا هو كون الأذان ثمانية عشر كلمة نقول: بأنّ روايات الباب مختلفة، فمن بعضها «1»

يستفاد كون الأذان ثمانية عشر كلمة.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 278؛ تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 43.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 242

و أمّا الاقامة فقال الشيخ رحمه اللّه «1» في الخلاف: الاقامة سبعة عشر فصلا على ترتيب فصول الأذان، و ينقض من التكبيرات في أوّله تكبيرتان، و يزاد فيها بدلهما (قد قامت الصّلاة) مرتين بعد قول (حي على خير العمل) و ينقص أيضا من التهليل مرة واحدة، و من أصحابنا من قال: إنّ الأذان عشرون فصلا قال: إنّ عددها اثنان و عشرون فصلا أثبت عدد فصول الأذان على ما حكيناه، و زاد فيها (قد قامت الصّلاة) مرتين، و قال الشافعى «2» الاقامة أحد عشر كلمة التكبير مرتان، و الشهادتان مرتان، و الدعاء إلى الصّلاة و إلى الفلاح مرة مرة و الاقامة مرتان، و التكبير مرة مرة، و قال في القديم الاقامة مرة مرة ذكره أبو حامد المروزى و الأوّل هو المشهور عندهم، و به قال الاوزاعي و أحمد بن حنبل، و إسحاق، و ابو ثور، و عروة بن الزبير، و الحسن البصرى، و قال ابو حنيفة و سفيان الثوري الاقامة مثنى مثنى مثل الأذان و يزاد فيها (قد قامت الصّلاة) مرتين فتكون الاقامة عنده أكثر فصولا من الأذان و هي سبع عشر كلمة، و قال مالك و داود: الاقامة عشر كلمات و لفظه الاقامة مرة واحدة.

إذا عرفت حال الأقوال في الأذان و الاقامة عندنا و عندهم، فكما قلنا يكون لسان رواياتنا مختلفا، فمن بعضها يستفاد كون فصول الأذان ثمانية عشر و الاقامة سبعة عشر مثل ما رواها إسماعيل الجعفي (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول الأذان و الاقامة خمسة و ثلثون حرفا، فعدّ ذلك

بيده واحدا واحدا الأذان ثمانية عشر حرفا، و الاقامة سبعة عشر حرفا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 44.

(3)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 243

و هذه الرواية تدلّ على كون الأذان ثمانية عشر حرفا، و الاقامة سبعة عشر حرفا، و بعد معهودية الأذان و الاقامة في الخارج عند الامامية كما ترى الآن من كيفيتهما بحسب الفصول، تدلّ الرواية على أنّ الأذان عبارة عن ثمانية عشر فصلا بهذه الكيفية يعنى (اللّه أكبر) أربع مرات ثمّ (أشهد ألا إله إلّا اللّه) ثمّ (أشهد أنّ محمدا رسول اللّه) ثمّ (حيّ على الصّلاة) ثمّ (حيّ على الفلاح) ثمّ (حيّ على خير العمل) ثمّ (اللّه أكبر) ثمّ (لا إله إلّا اللّه) كل ذلك تقول مرتين، فتكون فصوله ثمانية عشر، و الاقامة اللّه أكبر و أشهد ألا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه و حيّ على الصّلاة و حيّ على الفلاح و حيّ على خير العمل و قد قامت الصّلاة و اللّه أكبر كل ذلك مرتان و لا إله إلا اللّه مرة واحدة.

فهذه الرواية مع معهودية الأذان و الاقامة بهذه الكيفية المذكورة كما ترى من عمل الشيعة تدلّ على أنّ الأذان و الاقامة بهذه الكيفية، و ليس في الروايات رواية اخرى تكون بلسانها دالّا على كون الاقامة سبعة عشر فصلا بهذه الكيفية المذكورة أعنى: حتّى بالنسبة إلى كون التهليل في آخره واحدا، و أمّا بالنسبة إلى الأذان ففي الروايات ما بيّن فيه فصوله بالنحو الّذي ذكرنا مثل الرواية 6 من الباب المذكور، و 9 من

الباب المذكور.

و بعض الروايات يدلّ على غير ما ذكرنا من كون فصول الأذان و الاقامة خمسة و ثلاثون حرفا، فعن بعضها يستفاد كون فصول الأذان ستة عشر حرفا مثل الرواية 5 من الباب المذكور، و من بعضها يستفاد كون الأذان و الاقامة مثنى مثنى مثل الرواية 4 من الباب المذكور، و لازم ذلك عدم كون فصول الاقامة سبعة عشر حرفا، بل لا بدّ و أن تكون فصولها شفعا لا وترا، و من بعضها يستفاد كون فصول الاقامة ثمانية عشرة حرفا، مثل الرواية 9 من الباب المذكور، لأنّ فيها بعد ذكر

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 244

فصول الأذان قال (و الاقامة كذلك) (و إن احتمل فيها بأنّ المراد من قوله و الاقامة كذلك كان من الراوي، و كان مراده انّه عليه السّلام حكى الاقامة كذلك أى: ذكر فصولها بعد ذكر فصول الأذان) و على كل حال يرى المراجع إلى أخبار الباب كون الروايات من حيث فصول الأذان و الاقامة مختلفة و متعارضة.

فإذا كان بينها التعارض فتارة نقول في مقام التعارض بين الروايتين بما قاله المحقق الخراسانى رحمه اللّه أنّ الوظيفة هو التخيير بينهما، و أنّ الأخذ بالمرجحات يكون مستحبا لا واجبا، فيكون الشخص مخيرا بين الأخذ بما يدلّ على كون فصول الأذان و الاقامة خمسة و ثلاثون حرفا و بين الاخذ بما يخالفه.

و تارة نقول: بأنّ في مقام التعارض لا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح إن كان لأحدهما مرجح على الاخر، فلا إشكال في أنّ الترجيح مع البعض الروايات الدالّة على أنّ فصول الأذان ثمانية عشرة حرفا، و أنّ فصول الاقامة سبعة عشرة حرفا لكون الشهرة على طبقه فعلى هذا يكون هذا فصولهما «1».

الجهة الثالثة: [فى ذكر بعض ما يقال باعتباره فى المؤذن]
اشارة

في

بعض ما يقال باعتباره وجودا، أو عدما في المؤذن، أو في الأذان و الاقامة و هو امور:

الامر الأوّل: (العقل)

و لا دليل لاعتباره في الأذان و الاقامة إلّا دعوى تسلّم

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ العرف لا يرى التعارض بين الروايات، بل يحمل ما ذكر فيه فصول أحدها أقل من بعض روايات الاخر أنّ فيه مرتبة من الفضل، و ما ذكر فيه فصول أحدهما أكثر على أفضل الافراد، أو أنّ أقل ما يجزى في الاستحباب أقلّ فصولا و الأفضل ما ذكر فيه بعض الفصول أكثر، فلا يرى التعارض بينهما حتّى تصل النوبة إلى ما بيّن مد ظلّه، فتأمل.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 245

اعتباره مثل ما نقل عن المدارك هذا: مذهب العلماء كافة «1»، فبناء على اعتباره لا يكتفي بأذان المجنون في صلاة الجماعة.

الامر الثاني و الثالث: الاسلام و الايمان

، فلا يكتفي بأذان غير المسلم، و لا غير المؤمن، و لا على اقامته، لدلالة الرواية 1 من الباب 26 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل على ذلك، و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال: لا يستقيم الأذان، و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإنّ علم الأذان و اذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و إقامته و لا يقتدى به.

و يستفاد منها اعتبار الاسلام في إجزاء اذان المؤذن و اقامته، و إن يكون عارفا أى: مؤمنا عارفا بالولاية بناء على كون المراد بالعارف هو العارف بالامامة، كما هو الظاهر من قوله (عارفا) و يستفاد منها أنّ أذان غير المؤمن لا يكتفي به و إن أذن بنحو الّذي نؤذّن و نقيم، لأنّه قال عليه السّلام (فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز

أذانه و اقامته) و يستفاد منها أنّ الأذان يطلق على الأعم من الأذان و الإقامة لأنّه قال عليه السّلام (فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و إقامته) فمع فرض أنّه قال إن أذّن قال (لم يجز أذانه و إقامته) فمن المعلوم أنّ قوله (و إن علم الأذان و أذّن به) هو الاعم من الأذان و الاقامة.

الامر الرابع: البلوغ

فهو غير معتبر في الأذان فيصح من المميز لنفسه و يجزي به أيضا، أمّا صحته منه لدلالة الرواية 1 من الباب 32 من أبواب الأذان و الاقامة، و الرواية 2 و 3 من الباب المذكور على ذلك، و أمّا اجتزاء أذانه لغيره في الجماعة

______________________________

(1)- مدرك الاحكام، ج 3، 269.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 246

فلدلالة الرواية 4 من الباب المذكور عليه، و هي ما رواها غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالغلام الّذي لا يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم و أن يؤذّن) فبقرينة قوله (أن يؤمّ القوم) نفهم أنّ المراد كونه مؤذّنا للقوم في جماعتهم (مضافا إلى دعوى عدم الخلاف في المسألة من بعض).

الامر الخامس: هل يعتبر اتحاد المؤذّن مع المقيم أو لا يعتبر ذلك؟

بل يجوز أن يؤذّن للجماعة أحد و يقيم شخص اخر، و الحق عدم اعتبار الاتحاد، و يدلّ على ذلك الرواية 1 و 3 و 6 من الباب 31 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل.

الامر السادس: هل يعتبر استقبال القبلة حال الأذان و الاقامة أم لا؟

اعلم أنّه ليس في أخبار الباب ما يدلّ على اعتبار الاستقبال في تمام حال الأذان و الاقامة، نعم يستفاد من الرواية 7 من الباب 13 و من 1 و 2 من الباب 47 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل اعتباره حال التشهّد من الأذان، و عدم اعتباره في غير حال يذكر التشهّد من الأذان، و كذلك تدلّ على اعتبار الاستقبال حال خصوص التشهّد من الاقامة الرواية 2 من الباب 47 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فهذه الرواية تدلّ على اعتباره في خصوص التشهّد من الأذان و الاقامة كليهما و نتعرض إن شاء اللّه عند التكلم في اعتبار عدم التكلم حالهما و عدمه أنّ دخل الاستقبال و القيام و الكلام ان كان دخيلا هل على نحو الاستحباب أو على النحو الشرطية.

الامر السابع: هل يعتبر القيام حالهما أم لا؟

بمعنى أنّه يعتبر أن يكون المؤذّن حالهما قائما أم لا؟ و كذلك هل يعتبر الاستقرار أم لا؟

أمّا الأذان و إن تدلّ الرواية 11 من الباب 13 من أبواب الأذان و الاقامة على اعتبار القيام فيه إلّا للراكب و المريض، و لكن بعد دلالة روايات اخرى

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 247

المذكورة في الباب المذكور على عدمه، يقتضي الجمع بينهما الحمل على استحباب القيام حاله، و كذا لا يعتبر فيه الاستقرار لدلالة بعض الروايات من الباب المذكور على جواز إتيانه حال المشى، و من المعلوم أنّ مع المشى لا يمكن حفظ الاستقرار.

و أمّا الاقامة فمقتضى بعض الروايات الّتي جمعها صاحب الوسائل في الباب المذكور، هو اعتبار القيام حالها، و عدم جواز إتيانها قاعدا، و لا ماشيا، و لكن خصوص الرواية 9 من الباب المذكور تدلّ على جواز إتيانها إذا كان ماشيا إلى الصّلاة،

فهي تدلّ على جواز إتيانها حال المشى لكن حال المشي إلى الصّلاة.

و لا تتوهم أنّ هذه الرواية مجملة الذيل لعدم إجمال في ذيلها، لأنّ المعصوم عليه السّلام بعد ما قال كما في الرواية بأنّه (إذا أقمت فأقم مترسلا فإنّك في الصّلاة) تخيل أنّ جواز المشي حال الاقامة مناف مع كونه في حالها في الصّلاة، لأنّه إن كان في الصّلاة لا يجوز له المشى، و لهذا قال (قلت له: قد سألتك اقيم و أنا ماش، قلت لى: نعم، فيجوز أن امشي إلى الصّلاة أو في الصّلاة (كما في نسخة التهذيب)، فقال عليه السّلام: نعم، و بيّن له نظير، و هو أنّه إذا أردت الدخول في الجماعة و ترى أنّك إن لم تكبر في موضعك لم تصل إلى ركوع الامام، يجوز لك أن تكبر و تمشي إلى أن تصل بالصف، و غرضه عليه السّلام رفع التنافي الّذي توهّم السائل.

و على كل حال يستفاد من بعض الروايات اعتبار القيام و عدم جواز المشي حال الاقامة، و جواز المشى في خصوص المشي إلى الصّلاة، و هل اعتبار القيام فيها يكون على نحو الاستحباب أو الشرطية بحيث لا تؤدى إلّا مع القيام، يأتى الكلام فيه في ذيل التعرض لمانعية الكلام و عدمه إن شاء اللّه.

الامر الثامن: هل يعتبر حالهما عدم الكلام أم لا؟

أمّا الأذان فلا يعتبر فيه عدم الكلام على أن يكون الكلام مانعا من موانعه،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 248

فإذا تكلم في أثنائه بطل الأذان، نعم يستفاد من الرواية 2 من الباب 10 كراهة الكلام بين الأذان و الاقامة في صلاة الغداة، و هذه الرواية أوّلا عبر فيها بلفظ (كره) القابل للحمل على الكراهة، و ثانيا قال: بين الأذان و الاقامة، فهل المراد من بين الأذان

و الاقامة هو كراهة التكلم في خصوص ما إذا فرغ من الأذان، و لم يشرع في الاقامة، أو المراد من بين الأذان و الاقامة يعني من أوّل ما شرع في الأذان إلى اخر الاقامة، لأنّه متى يكون مشغولا بذكر فصولهما يكون بين الأذان و الاقامة و ثالثا تدلّ على كراهة الكلام بين الأذان و الإقامة في خصوص صلاة الغداة، فلا يستفاد منها مع ضمها مع أخبار المرخصة إلّا كراهة الكلام بين الأذان و الاقامة في خصوص الصّلاة الغداة.

و كذلك لا مجال لتوهم استفادة مانعية الكلام في الأذان من الرواية 6 من الباب المذكور، و هي ما رواها سماعة قال: سألته عن المؤذّن أ يتكلّم و هو يؤذّن؟

قال: لا بأس حين يفرع عن أذانه.

وجه التوهّم هو أن ظاهرها تجويز الكلام حين يفرغ فمفهوم ذلك عدم الجواز قبل ذلك، و وجه الفساد أوّلا أن في بعض النسخ (حتى) بدل (حين) و على ان يكون ما صدر (حتى) تكون الرواية على الخلاف أدلّ، لأنّ ظاهرها جواز الكلام حتّى يفرغ من الأذان، و ثانيا بعد دلالة بعض روايات اخرى على عدم البأس لا بدّ من حمل هذه الرواية على الكراهة.

و أمّا الإقامة فمقتضى بعض الروايات عدم جواز الكلام فيها قبل (قد قامت الصّلاة) و بعده لخصوص من يقيم، أو يكون هو قدر المتيقن مثل الرواية 4 من الباب 10 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فإنّها تدلّ على عدم جواز الكلام في الاقامة، و إطلاقها يقتضي عدم الجواز سواء كان قبل قد قامت الصّلاة) من الاقامة،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 249

أو بعد ذلك، و مقتضى بعضها عدم جواز الكلام بعد ما قال (قد قامت الصّلاة) إمّا مختص بهذا

الحال، أو أنّ قدر المتيقن منه هذا الحال، و هي الرواية 3 من الباب المذكور، فإنّ المتيقن منه عدم جواز الكلام بعد قوله (قد قامت الصّلاة) لاحتمال كون المراد من قوله فيها (إذا أقمت الصّلاة) هو قول (قد قامت الصّلاة) و مثلها الرواية 9 من الباب المذكور، و هاتان الروايتان تدلّان على عدم جواز الكلام على من يقيم.

و مقتضى بعضها عدم جواز الكلام بعد قول (قد قامت الصّلاة) لكون المتيقن منه هذه الصورة لسائر الناس ممّن يكون من أهل الجماعة إماما و مأموما، و يمكن دعوى شمول إطلاقه لنفس من يقيم أيضا، و هي الرواية 1 و 5 و 7 من الباب المذكور.

و لو كنا و هذه الأخبار يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بينها هو عدم جواز الكلام بعد (قد قامت الصّلاة) و لكن بعد دلالة الرواية 1 و 10 و 11 و 13 من الباب المذكور على جواز الكلام حتّى بعد (قد قامت الصّلاة) و إطلاق الأخيرين يشمل لخصوص من يقيم و غيره من أهل الجماعة، فتكون النتيجة هي جواز الكلام في الاقامة حتّى بعد (قد قامت الصّلاة) غاية الأمر يقال بكراهة الكلام في أثنائها.

ثمّ إنّه يستفاد من الرواية 1 و 5 و 7 من الباب المذكور هو عدم جواز الكلام (إما بنحو الكراهة أو التحريم الوضعى بعد ما اقيمت الصّلاة، و المراد كما قلنا لا يبعد أن يكون بعد (قد قامت الصّلاة) على أهل المسجد إلّا لتقديم إمام لعدم كون إمام معيّن لهم، فهل جواز الكلام مختص بصورة تقديم الامام، أو يجوز لغير ذلك ممّا يكون التكلم فيه مربوطا بأمر من امور الجماعة، فيجوز أن يقول أحد منهم استوا الصفوف.

لا يبعد أن

يكون التكلم جائزا لمطلق ما يكون مربوطا بالجماعة، لأنّ العرف إذا عرض عليه يلغي الخصوصية أعنى: خصوصية تقديم الامام.

الامر التاسع: لا إشكال في عدم اعتبار الطهارة في الأذان
اشارة

لدلالة بعض

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 250

الروايات على ذلك، فارجع الباب 9 من أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل، فإنّ روايات المذكورة فيها تدلّ على عدم اعتبار الطهارة في الأذان.

و أمّا الاقامة فتدلّ بعض الروايات على اعتبار الطهارة فيها، فأرجع، إلى الباب المذكور، و ليس في أخبارنا رواية تدلّ على عدم اعتبارها فيها.

إذا عرفت ذلك فهل نقول جمودا على ظواهر هذه الأخبار المذكورة في الباب المذكور: على اعتبارها فيها بحيث لا تصح إلّا معها بعد عدم كون الأمر بدخلها أمرا تكليفيّا.

[كون الطهارة مستحبة فى الاقامة]

أو نقول: بأنّه بعد كون نفس الاقامة مستحبا، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون الطهارة فيه مستحبا بمعنى: أنّ معها يحصل الكمال فيها كما و يؤيد ذلك ما مرّ من عدم اشتراط القيام و غيره فيها.

لا يبعد أن يقال: بذلك و أنّ الطهارة مستحب فيها (كما ذهب إليه المشهور)، و هل يمكن أن يقال في وجه عدم كون الطهارة شرطا فيها بحيث لا يؤتي بها من أتى بها بلا طهارة: بأنّ ميزان حكم المطلق على المقيد، كما قلنا في محله، هو إثبات واحدة الملاك في المطلق و المقيد بمعنى: إنّه إذا ورد مطلق فيكون ظاهره كون تمام الموضوع لورود الحكم هو نفس الطبيعة بدون تخصصها و تقيدها بقيد، مثلا إذا قال (اعتق قبة) فظاهره كون وجوب العتق واردا على نفس طبيعة الرقبة بدون قيد، فمركب الحكم ليس إلّا طبيعة الرقبة.

ثمّ إذا ورد مقيد مثلا قال (اعتق رقبة مؤمنة) فتارة يفرض عدم واحدة ملاك المطلق مع المقيد، مثلا كان ملاك وجوب عتق المطلق أمرا و ملاك وجوب عتق المقيد أمرا اخر، فلا تعارض بين المطلق و المقيد، لأنّ دليل المطلق يكون في مقام بيان

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 251

حكم، و دليل المقيد يكون في مقام بيان حكم اخر، و يكون مورد التعارض البدوي الذي نقول: بجمع العرفي و حمل المطلق على المقيد فيه، هو ما إذا انكشف واحدة الملاك في المطلق و المقيد، مثل ما إذا قال (إذا ظاهرت فاعتق رقبة) ثمّ قال (إذا ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة) فبعد ما يرى العرف واحدة ملاكهما، بمعنى كون الحكم الوارد على الموضوع مسببا عن سبب واحد، و هو الظهار فيرى أنّ المطلوب ليس إلّا عتق واحد إمّا مطلق الرقبة أو خصوص المؤمنة منها، فحيث يرى أقوائية ظهور المقيد في إثبات القيد من ظهور المطلق في الاطلاق، يحكم بأخذ ما هو أقوى ظهورا، و يحمل المطلق على المقيد.

[حمل المطلق على المقيد فى صورة وحدة الملاك]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه قد عرفت كون مورد الحمل أعنى: حمل المطلق على المقيد ما إذا انكشف واحدة الملاك، و أمّا إذا لم ينكشف ذلك، فلا معنى لحمل المطلق على المقيّد، يقال: بأنّ في المستحبات لا يكشف واحدة الملاك بين المطلق و المقيد، لاحتمال كون المقيد واردا في مقام بيان أفضل الافراد، لا في مقام بيان كون المطلوب في المطلق هو المقيد، و لهذا يقال في المقام: بأنّه بعد ما كانت إطلاقات الأولية الواردة في بيان إثبات أصل استحباب الأذان مطلقا من حيث شرط الطهارة و الاستقبال و غيرهما و إن فرض وجود دليل خاص دالّ على اعتبار شي ء فيه وجودا أو عدما، و لكن لا يمكن حمل المطلقات على خصوص ما إذا كانت الاقامة واجدة للشرائط، لعدم كشف واحدة الملاك، فيحمل الأدلة الدالّة على اعتبار الشرط على الاستحباب، و كون واجد الشرط أفضل الأفراد، لا أنّه ليس للمطلق ملاك المحبوبية أصلا

إلّا مع الواجد للخصوصية. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت بحضرته مد ظله: لا يتم بالنظر هذا الوجه، لأنّ يقال في المستحبات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 252

ثمّ إنّه نقول تتميما للفائدة: بأنّه ربما يقع الخلط بين المطلبين، و هو أنّه تارة يقع الكلام في أنّ الأوامر الصادرة على دخل وجود شي ء في شي ء، أو دخل عدمه في شي ء، هل يقال: بأنّ ظاهر هذه الأوامر، أو النواهي هو المولوية و صرف حكم تكليفي، أو يكون ظاهرها إرشادا إلى دخل شي ء وجودا أو عدما في ترتب الاثر المقصود على الشي ء الآخر، مثلا إذا قال (قم حال الصّلاة) أو (لا تقل: امين) بعد الفاتحة، فظاهر هذا الأمر و النهي هو الوجوب التكليفي المولوى و التحريم المولوي بحيث يكون على ترك هذا الواجب المولوي و على فعل هذا النهي المولوى، العقاب، أو ليس كذلك، بل الظاهر من الأوّل هو الإرشاد إلى دخل القيام شرطا أو شطرا في الصّلاة، و من الثاني هو الارشاد إلى مانعية (امين) للصّلاة بمعنى أنّ المولى يكون في مقام الارشاد على أنّ الاثر المقصود من الصّلاة الّذي امر بها لأجل تترتب هذا الاثر، لا يترتب إلّا مع تحقق القيام حالها، و عدم تحقق (امين) بعد الفاتحة من الصّلاة.

فإذا كان النزاع في هذا الحيث، فإنّ قلنا: بأنّ الظاهر من نحو هذه الأوامر و النواهي هو الثاني، و أنّ لسانهما الشرطية، أو الجزئية، أو المانعية، فالادلة المثبتة لها

______________________________

بعدم حمل المطلق على المقيد، لأنّه كما يستظهر في بعض الواجبات واحدة الملاك بين مطلقه و مقيده من باب ظهور اللفظ مثل إذا ظاهرت فاعتق رقبة و إذا ظاهرت اعتق رقبة مؤمنة، مثلا كذلك يوجد في المستحبات نحو هذه الالفاظ، و

يستظهر منها واحدة الملاك، كما أنّ لسان بعض الأدلة الدالّة على اعتبار بعض الامور المذكورة في الاقامة هكذا، فلا وجه لأنّ يقال بنحو الكلي: بالفرق بين الواجبات و المستحبات بحمل المطلقات في الأوّل على المقيدات بخلاف الثاني، و قال مد ظله في جوابى: بأنّا نقول بذلك في المستحبات إذا لم يكشف واحدة الملاك).

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 253

لم تكن معارضة للاطلاق الأوليّة لنفس الاحكام المقيدة بهذه القيود، لأنّ ظاهر الاطلاقات الحكم على موضوعات و ظاهر هذه الأدلة بناء على كونها في مقام بيان دخل شي ء أو اشياء وجودا، أو عدما فيها ليس إلّا إثبات دخلها فيها، فلا تعارض بينهما، و لأجل ذلك لو دلّ دليل على دخل عدم شي ء، و استظهرنا المانعية على هذا في هذا الدليل، ففساد هذا الشي ء على فرض وجود المانع فيه واضح.

و لذا قلنا في الأصول، عند التعرض لمسألة النهي في العبادات و المعاملات:

بأنّه ينبغي تفكيك نحوة ورود النهي على العبادة أو المعاملة، فتارة يرد النهي على عبادة أو على معاملة في صورة وجود أمر مثلا قال (لا تصلّ في المكان المغصوب) أو (لا تبع وقت النداء) و نقول: بأنّ ظاهر هذين النهيين هو الارشاد على عدم حصول الأثر المقصود على العبادة و المعاملة مع كونها في المكان المغصوب أو كون البيع وقت النداء، بمعنى مانعيتهما لهما، فلا إشكال في الفساد، سواء كان النهي بالعبادة أو بالمعاملة، و لا حاجة على فرض كون النهي إرشادا إلى المانعية من إثبات أنّ النهي في العبادة أو المعاملة يقتضي الفساد أم لا، و السر في ذلك ما قلنا: من أنّ بعد كون ظاهر النهي للارشاد بعدم ترتب الاثر مع وجود هذا الشي ء، فالعبادة و

كذا المعاملة تصير فاسدة بوجود هذا المانع.

و تارة لم نقل بذلك، و نقول: بأنّ ظاهر هذه النواهي هو المولوية، فيأتى النزاع في أن النهي يقتضي الفساد أم لا في هذا المقام، لأنّه على هذا يقع الكلام في أنّه بعد كون النهي نهيا مولويا، فهل يلازم النهي فساد العمل عباديا كان أو معامليا أم لا.

و لهذا قلنا في الاصول: بأنّ النزاع على الثاني عقليا لأنّ النزاع يكون في أنّ الملازمة تكون بين النهي و بين فساد المنهي عنه إن كان المنهى عنه عبادة أو معاملة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 254

أم لا، و لكن على الأوّل يكون النزاع لفظيا، لأنّها تبحث من أنّ الظاهر من أمثال هذه النواهي هو الارشاد أو المولوية.

[في ما اذا كان الاوامر و النواهي ارشادية لا يكون بينهما تعارض]

فظهر لك مما مرّ أنّه على تقدير كون ظاهر هذه الأوامر و النواهي إرشادا على دخل هذه الامور في المأمور به وجود أو عدما، لم يكن بينهما التعارض أعنى: بين الادلة المثبتة لأصل الاحكام، و بين الأدلة المثبتة لدخل بعض الامور في هذه الاحكام، و لا تصل النوبة على هذا بحمل المطلق على المقيد.

و أمّا إن قلنا: بأنّ الظاهر من أمثال هذه الاوامر و النواهي هو المولوية لا الارشاد مثلا قال (صل) ثمّ قال (صل مع الطهارة) أو (لا تضحك في الصّلاة) فبعد كون الظاهر من المطلق و هو (صل) هو كون الطبيعة تمام الموضوع في الحكم بدون قيد، و ظاهرهما دخل خصوصية وجودا أو عدما في الطبيعة، فيرى التعارض بينهما بالنظر البدوي، ففي هذا المقام إذا انكشف واحدة الملاك يحمل المطلق على المقيد بنظر العرف، و تكون النتيجة وجوب إتيان الصّلاة مع الطهارة بدون أن تضحك فيها.

فظهر لك ممّا مرّ أنّ في الحيث

الأوّل لا يكون تعارض أصلا حتّى تصل النوبة إلى حمل المطلق على القيد مع واحدة الملاك، و يكون مورد الحمل هو الحيث الثاني، فلا تختلط بين الحيثين.

إذا عرفت هذا فهل نقول في المقام: بأنّ الظاهر من اعتبار بعض الامور في الاقامة هو الارشاد إلى دخل هذه الامور وجودا أو عدما فيها في الاثر المترقب من الاقامة أم لا؟

اعلم أن بعض الموارد كان الدليل على دخل شي ء فيها، و لكن إذا كان نص اخر على عدم دخله فيها، نحكم باستحباب ذلك فيها، لأنّ ذلك مقتضى الجمع بين

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 255

دليل المثبت و دليل النافي، مثل الكلام مثلا.

و أمّا في خصوص الطهارة فإنّ كنا نحن و الاطلاقات الأوّلية الدالّة على إثبات أصل الاقامة، و هذه النصوص الدالّة على اعتبار الطهارة فيها، نقول: بأنّ الظاهر منها هو الارشاد على أنّ الطهارة دخيلة في الأثر المترقب من الاقامة فتكون النتيجة شرطيتها فيها، و لكن كما قلنا سابقا في طى كلماتنا بأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي استحباب ذلك فيها، مع أنّ المشهور بين القدماء هو الاستحباب، مضافا إلى أنّ الطهارة إن كانت معتبرة فيها مع كثرة الابتلاء بذلك لصار شايعا بين المسلمين، فمن عدم تسلم ذلك عندهم، بل تسلم خلافه، نكشف عدم دخلها فيها بنحو الشرطية بحيث لو لم يكن المقيم طاهرا عند الاقامة تصير إقامته باطلة، نعم ذلك مثل ساير الشرائط، شرط كما لها كما أنّ بعض الامور المتقدمة يكون عدمه شرط كما لها.

إذا عرفت ذلك لو فرض بأنّا قلنا بدخل الطهارة فيهما، أو غيرها ممّا تقدم، فهل نقول: باعتبار كل ما يعتبر في الصّلاة فيها و ان لم يكن مورد النص بالخصوص، أم لا؟

مثلا إن قلنا في الصّلاة: بأنّ الانحراف عن القبلة بوجه لا يصل إلى اليمين و الشمال عمدا مفسد للصّلاة، فنقول: بأنّ ذلك يفسد الاقامة أم لا.

ما يمكن أن يقال في وجه اعتبار ذلك فيها، هو ما يستفاد من بعض روايات الباب من أنّ المقيم في حال الاقامة في الصّلاة فيقال: إنّ بعد ما يكون الشخص في هذا الحال في الصّلاة و لو بنحو من العناية، من باب كونه متهيئا للصّلاة فكانه في الصّلاة، فيقال: إنّ ما يعتبر فيها يعتبر فيها، و لكن استظهار ذلك من الأخبار الواردة مشكل، فيكون اعتبار ما يعتبر في الصّلاة فيه بلا دليل، هذا تمام الكلام في

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 256

هذه الجهة. «1»

الامر العاشر: هل يعتبر في الأذان و الاقامة قصد القربة أم لا؟

(اعلم أنّ ترتب الثواب على العمل موقوف على قصد التقرب، لأنّ الثواب متفرع على كون العمل للّه، و لسنا نحن فى هذا المقام) و الغرض هو أنّهما من العبادات بحيث لا يسقط الأمر المتعلّق بهما إلّا إذا اتى بهما بعنوان التقرب، أو لا يكونان من العبادات، فيحصل و يسقط الأمر المتعلّق بهما بنفس وجودهما في الخارج مع سائر الشرائط المعتبرة فيهما و إن لم يقصد بهما اللّه تعالى، لا دليل في المقام على دخل هذا الشرط.

الجهة الرابعة: في بعض الموارد الّتي قيل بسقوط الأذان فيه.
الأول:

اذان العصر في يوم العرفة لمن كان بعرفات.

الثاني:

أذان العشاء في المزدلفة لمن كان فيها.

الثالث:

أذان العصر في يوم الجمعة.

______________________________

(1)- أقول: إنّ ما أفاده مدّ ظلّه- من أنّ كل مورد يكون الأمر الصادر إرشادا إلى دخل أمر وجودا أو عدما في أمر اخر، لا يكون بين دليل الدالّ على إثبات الشرط أو المانع و بين دليل المثبت لأصل الحكم المشروط أو المقيد تعارض، فعلى هذا لا نحتاج في رفع التعارض إلى حمل المطلق على المقيد- عندى محل تأمّل، لأنّه و لو فرض كون ظاهر مثل هذه الأوامر أو النواهي هو الارشاد إلى أنّ الأثر المترقب من المطلوبات المطلقة لا يترتب إلّا مع وجود هذه الامور أو عدمها، و لكن إطلاق الأوامر الصادرة، بدون ذكر دخل أمر من هذه الامور فيها، يقتضي كون المطلوب فيها هو نفس الطبيعة بدون اشتراط مطلوبيتها بأحد هذه الامور، فقهرا يعارض إطلاقها مع ظاهر هذه الأوامر الظاهرة في الاشتراط، لأنّ للازم من الاشتراط هو عدم كون المطلوب نفس الطبيعة بدون وجود هذا الشرط أو عدم هذا المانع، فيقع التعارض بينهما، و لا بدّ في مقام رفع التعارض من حمل المطلق على المقيد، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 257

الرابع:

في مطلق موارد الجمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء فيسقط أذان العصر و العشاء.

الخامس:

في خصوص من عليه قضاء فوائت، فيكفي أذان للأوّل منها، و يأتى بما بعد الأوّل باقامة، و يسقط الأذان ممّا بعد.

السادس:

المسلوس و المستحاضة فيسقط عنهما الأذان للعصر و العشاء تجمعهما مع الظهر و المغرب.

أمّا الأوّل و الثاني- أعنى: سقوط أذان العصر و العشاء لمن كان بعرفات و مزدلفة- فتدل على الحكم فيهما ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن و يقيم للظهر، ثمّ يصلّي، ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان «1»، و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة، و مرسلة الصّدوق.

[في ذكر الروايات الدالة على سقوط الاذان فى بعض الموارد]

و يدلّ على الحكم في خصوص مزدلفة بعض روايات أخر.

منها ما رواها سماعة (قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع فقال: لا تصلّهما حتّى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى، فإنّ رسول اللّه جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات). «2»

و منها ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال: لا تصلّ المغرب تأتى جمعا، فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين الحديث). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 258

و منها ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا، و قال: هكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). «1»

و منها الرواية 6 من الباب المذكور، و هي مرسلة الصدوق رحمه اللّه.

[سقوط الاذان فى عرفات و المشعر رخصة]

فيستفاد من هذه الروايات سقوط أذان العصر في عرفة و العشاء في مزدلفة، و هذا في الجملة لا إشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ السقوط يكون على وجه الرخصة، أو يكون على وجه العزيمة في صلاة العصر بعرفة و العشاء بمزدلفة.

قد يقال: بكون سقوط الأذان فيهما على وجه العزيمة تمسكا بظاهر الروايات، و لكن لا يبعد كون السقوط على وجه الرخصة.

أمّا في العرفات فلأنّه بعد ما نرى في بعض الروايات مثل رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إنّما تعجّل الصّلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسئلة الخ). «2»

من أنّ وجه الجمع بين الصلاتين، و كون سقوط الأذان من باب أن يجمع بين الصلاتين، هو إفراغ النفس للدعاء، و بعد عدم كون إفراغ النفس للدعاء واجبا، نفهم عدم كون الجمع واجبا، و عدم كون سقوط الأذان بنحو العزيمة، فمع ذكر هذه العلة أو الحكمة- أى: إفراغ النفس للدعاء- يوهن ظهور الرواية في كون السقوط على نحو العزيمة.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 259

و أمّا في المزدلفة فنقول أيضا بنحو الاختصار: بأنّ السقوط ليس على وجه العزيمة، لأنّه بعد ما ترى في بعض الروايات الواردة في المسألة المتقدم ذكرها من أنّ في المزدلفة يجمع بين المغرب و العشاء بأذان، و عدم كون الجمع فيها واجبا، و لا نقول بوجوب الجمع بين المغرب و العشاء فيها، فكذلك لا يمكن أن يقال: بكون سقوط الأذان فيها على نحو العزيمة.

أمّا الرواية الاولى فليس فيها إلّا نقل فعل رسول اللّه من الجمع بأذان واحد في المزدلفة كما فعل في العرفات، فبعد عدم كون السقوط في العرفات على وجه العزيمة فكذلك في المزدلفة، خصوصا لا يكشف من نقل الفعل العزيمة و لا الرخصة، لأنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير مناف مع كل من العزيمة و الرجعة.

و أمّا الرواية الثانية و ان كان في حدّ ذاتها لها ظهور في العزيمة، و لكن بعد ضمها مع الرواية الثالثة- و هي رواية منصور بن حازم الّتي قال فيها (صلاة

المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا) الدالّة على حكمين:

سقوط الأذان و عدم جواز التطوع بينهما في المزدلفة، و الحال أنّه يجوز التفريق بين الصلاتين فيها، و يجوز التطوع بينهما كما يدلّ عليه رواية أبان بن تغلب المذكور في الوسائل في الباب 34 من الأوقات- يوهن ظهور الرواية في كون سقوط الأذان عزيمة- و لأجلها يوهن ظهور الرواية الثانية في كون السقوط على نحو العزيمة، مضافا إلى أنّ في الرواية الثانية التصريح بعدم جواز الصّلاة حتّى تأتى جمعا، فإذا بلغ الجمع يصلّيهما بأذان، واحد فإن لم يكن التأخير واجبا لم يبق ظهور للحكم التابع له، و هو سقوط الأذان، و كونه على نحو العزيمة.

[في ذكر اشكال و دفعه]

نعم هنا إشكال، و هو أنّه ان كان السقوط في الموردين، أو في غيرهما من

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 260

الموارد المذكورة رخصة، لا عزيمة، فمعنى ذلك كون الأذان مستحبا لاطلاقات الاولية الدالّة على استحبابه قبل كل فريضة من الفرائض اليومية، و معنى كون المكلف مرخصا في تركه في موارد السقوط كون تركه راجحا، لاستفادة استحباب تركه أقلا في موارد السقوط، فإنّ كان فعله ارجح فلا معنى لكون السقوط أفضل، و ان كان تركه أفضل فلا معنى لكون فعله أفضل في هذا الحال.

فمقتضى اطلاقات الأوّلية كون الصّلاة مع الأذان أفضل حتّى في هذا المورد، و مقتضى الدليل الدالّ على السقوط كون الصّلاة بلا أذان أفضل فيكون بينهما التنافي و كيف يقال: بكون الفعل و الترك كلاهما مستحبا، و بعبارة اخرى إن كان الدعاء يوم عرفة أهم بحيث يوجب سقوط الأمر بالمهم و هو الأذان، فاتيان الأذان يكون بلا أمر و هو تشريع محرّم.

و أمّا دفعه

فهو أن يقال: ربما يكون شي ء في حدّ ذاته مطلوبا و لذا صار مستحبا، و لكن ربما يتفق من باب الاتفاق أنّ إتيان فعل في وقت تكون مصلحته أقوى له، ثمّ إنّه يقع بينهما التزاحم في هذا الوقت، فالعقل يرى أنّ لكل منهما مصلحة في حدّ ذاته، و لكن حيث يرى أن مصلحة أحدهما اقوى، يرى حفظه أقوى، فيصير ترك المهم لأجل حفظ الأهم مطلوبا، و هذا غير مناف مع مطلوبية المهم، فلا ينافي مطلوبية الأذان في حدّ ذاته مع كون تركه أيضا مطلوبا لأجل جهة طارية و هو حفظ أمر أهم و هو إفراغ النفس للدعاء، فلا مانع من كون السقوط في الموردين، أو في غيرهما على وجه الرخصة لما قلنا، و هذا واضح.

أمّا الثالث، و هو أذان العصر في يوم الجمعة، فلا دليل عليها بالخصوص، و لذا ذكر الشّيخ رحمه اللّه بعنوان الدليل لهذه المسألة الرواية الّتي رواها عمر بن أذينة عن رهط

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 261

منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين). «1»

و هي كما ترى غير متعرضة لخصوص سقوط الأذان في عصر يوم الجمعة.

و أمّا ما رواه حفص بن غياث (و هي هذه: حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه السّلام قال: الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة) «2» فإنّ كان المراد من الأذان الثالث هو الأذان العصر، بأن يكون الأذان الأوّل أذان الصبح، و الثاني أذان الظهر، و الثالث أذان العصر، فيستفاد من هذه الرواية عدم

مشروعية الأذان لصلاة العصر في يوم الجمعة.

و أمّا إن كان نظر الامام عليه السّلام بالأذان الثالث هو الأذان الثاني الّذي نسب أنّه من جملة ما بدعه عثمان عليه اللعنة و بدعه لأنّ يجتمع الناس يوم الجمعة بعد ما اذّن لها أوّلا فيكون المراد من الأذان الثالث، الّذي يكون بدعة، هو الأذان الثاني المجعول لصلاة الجمعة من قبل عثمان عليه اللعنة، فأذان الأوّل أذان الصبح و أذان الثاني أذان صلاة الجمعة و أذان الثالث أذان الّذي بدعه عثمان لصلاة الجمعة، فلا دلالة للرواية على كون أذان صلاة عصر الجمعة بدعة، فالرواية مجملة.

[المشهور سقوط اذان العصر يوم الجمعة]

نعم حيث إنّ المشهور سقوط أذان صلاة العصر في يوم الجمعة، و أفتوا به في الكتاب المعدة لنقل فتاوى المتلقاة عن الائمة عليهم السّلام، فيكشف ذلك عن وجود دليل معتبر عندهم، فلا يبعد سقوط الأذان في هذا المورد.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 36 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 49 من ابواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 262

و أمّا الرابع، و هو في كل مورد يجمع بين الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء فهل يسقط فيه الأذان أم لا وجهان: وجه عدم السقوط هو أنّ روية عمر بن أذينة المتقدمة في طى التكلم عن سقوط الأذان في عصر يوم الجمعة، لا تدلّ إلّا على أصل جواز الجمع بين الصلاتين في الجملة، و لا إطلاق لها من هذا الحيث يعني: حيث سقوط الأذان، بل تكون الرواية ناظرة إلى دفع توهّم عدم جواز الجمع بين الصلاتين، كما توهمه بعض العامة، و لم يعتنوا بما رواه عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله و سلّم على أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين بأذان و اقامتين (أو أن يقال: بأنّ الرواية ناظر إلى سقوط الأذان في مقام الجمع، لكن لا الجمع المتعارف عند الامامية من إتيان صلاة المتأخر عقيب المتقدم بلا تفريق و فصل بينهما، بل الجمع المتعارف عند العامة، و هو إتيان صلاة في وقت صلاة اخرى، مثلا بناء على مذهبهم من عدم دخول وقت العصر قبل صيرورة الظل مثل الشاخص، لو أتى بالعصر، فهذا معنى الجمع بين الظهر و العصر و لو فعل هكذا يسقط أذان العصر).

وجه السقوط هو أن المتكلّم لا يتكلم بكلام إلّا للغرض، فإن كان نظر الامام عليه السّلام إلى بيان ذكر فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجمع بين الصلاتين فقط، فلا فائدة في ذكر قوله (بأذان و إقامتين)، فمن ذلك نكشف أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بين الصلاتين بأذان و إقامتين و أخبر عليه السّلام بذلك بقول مطلق، فلا يبعد السقوط في مورد الجمع (و أمّا احتمال كون النظر إلى الجمع المتعارف عند العامة فلا وجه له، لأنّ المراد من الجمع في رواياتنا هو الجمع المتعارف عندنا، كما ينادي بذلك بعض النصوص).

[دلّت رواية زرارة على سقوط الاذان من القاضي]

و أمّا الخامس- أعنى من كان عليه فوائت و أراد أن يأتى بها- فإذا أراد الشروع يؤذّن باذان و يقيم فيأتي بالصّلاة الاولى، ثمّ يأتى بها بعدها من الصلوات

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 263

باقامة فقط، و يسقط الأذان عما بعدها، و يدلّ على ذلك الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث (قال: إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن

لها و أقم ثمّ صلّها، ثمّ صل ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة). «1»

(و أمّا ما رواها موسى بن عيسى قال: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصّلاة، أ يعيدها بأذان و إقامة؟ فكتب عليه السّلام يعيدها باقامة) «2» فإنّ كانت الاعادة فيها تشمل القضاء، فهي تدلّ على السقوط حتّى من أوّل صلاة يأتى بها قضاء و إن كان المراد خصوص الاعادة في الوقت فغير مربوط بما نحن فيه، بل تدلّ على سقوط الأذان إذا أراد الشخص إعادة صلاته.

[فى كل مورد يجمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء وجهان لسقوط الاذان و عدمه]

و امّا السادس: المسلوس و المستحاضة فيسقط عنهما أذان العصر و العشاء إذا جمعا مع الظهر و المغرب.

أمّا المسلوس فيدل عليه الرواية الّتي رواها حريز عن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصّلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا، ثمّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه، ثمّ صلّى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر يؤخر الظهر و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصبح). «3»

أمّا المستحاضة فلم أجد دليلا بالخصوص لهذا الحكم، و لكن بعد سقوط الأذان في موارد الجمع، فالمورد من صغرياته، فافهم.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 19 من ابواب و اقض الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 264

الجهة الخامسة: في بعض الموارد الّتي قيل بسقوط الأذان و الاقامة فيه:
المورد الأول:
اشارة

كما قال «1» في الشرائع (لو صلّى الامام جماعة و جاء آخرون لم يؤذّنوا و لم يقيموا على كراهية ما دامت الاولى لم تتفرق، فإنّ تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون و أقاموا) و هذا الحكم في الجملة ليس محل الكلام عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و إنّما الكلام في بعض خصوصياته، فنذكر أخبار الباب أوّلا، ثمّ نتكلم في بعض الخصوصيات إنشاء اللّه، فنقول:

منها ما رواها أبو بصير (فقال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين يسلّم، فقال: ليس عليه أن يعيد الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإنّ وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان). «2»

منها ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: إن كان دخل و لم يتفرق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرق الصف أذّن و أقام). «3»

منها ما رواها زيد بن على عن آبائه عن على عليه السّلام (قال: دخل رجلان المسجد و قد صلّى الناس، فقال لهما علي عليه السّلام: إن شئتما فليؤم أحد كما صاحبه، و لا يؤذّن و لا يقيم). «4»

منها ما رواها السكونى عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام (أنّه كان يقول: إذا

______________________________

(1)- جواهر جلد 9 صفحه 41.

(2)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 265

دخل رجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوع حتّى يبدأ بصلوة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه). «1»

منها ما رواها أبو على (قال: كنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فأتاه رجل فقال:

جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد، فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

أحسنت ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع، فقلت: فإنّ دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام الحديث).

و منها ما رواها معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه (قال: إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة (إلى

أن قال) و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الاخيرة و هو في التشهد، فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الاقامة). «2»

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في صورتين:

الصورة الاولى:

فيمن يرد جماعة و يريد الاقتداء بامامهم.

الصورة الثانية:

فيمن يرد و يريد إقامة جماعة اخرى.

[في ذكر الملاكين في البين]
اشارة

قد يقال: بأنّه بعد كون الكلام في الصورتين نكشف وجود ملاكين في البين:

الملاك الأول:

أنّ الشارع لاحظ جانب من يريد دخول الجماعة و الدخول معهم، فأسقط عنه الأذان و الإقامة، و كان هذا رعاية لجانبه حيث إنّه كما يسقطان

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 65 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 266

عن المأمومين، و أذان الإمام و إقامته كاف و مسقط عنهم، كذلك جعل الشارع، رعاية لمن يدخل و يريد الاقتداء بامامهم، هذا الحكم أعنى: سقوطها عنه، و جعل حاله حال ساير المأمومين في هذا الحيث الملاك.

الملاك الثاني:
اشارة

هو أن الشارع جعل لمن يدخل في جماعة و يريد إقامة جماعة مستقلة لا الدخول معهم، سقوط الأذان و الاقامة عنه، لكن ليس السقوط في هذه الصورة رعاية لجانبه، بل لرعاية جانب أهل الجماعة السابقة حتّى لا يردوهن بهم.

و يقال بأنّ الملاك الأوّل يستفاد من الروايات المتقدمة غير رواية أبي علي و رواية زيد، و يستفاد الملاك الثاني من رواية زيد و رواية أبي علي لأنّ المستفاد منهما هو أنّه في فرض إرادة جماعة مستقلة سقط الأذان و الاقامة.

و على هذين الملاكين تختلف الخصوصيات، فيقال: أمّا في الصورة الاولى فلا يعتبر في سقوطهما اتحاد صلاة الوارد مع صلاة إمام الجماعة، فلو كانت صلاة أحدهما اداء و الآخر قضاء (يسقطان أيضا لوجود الملاك المتقدم، و كذلك لا يعتبر اتحاد مكانهما، بل يكفي صدق كون الوارد أحد أفراد هذه الجماعة عرفا لوجود الملاك المتقدم، و كذلك لا فرق في السقوط بين كون مكان صلاة الجماعة الوارد عليها هو المسجد أو غيره و ان ذكر في بعض الروايات المتقدمة المسجد، لكن الملاك يعم المسجد و غيره.

و أمّا صحة صلاة الجماعة

الاولى و غرضهم صحة صلاة الامام، فنقول: أمّا صحّة صلاته عند الوارد فغير معتبر، بل يكفي صحتها عنده و عند المأمومين، فيشترط كون الجماعة الاولى صحيحة ظاهرا.

و امّا اشتراط كون السقوط في مورد أهل جماعة أذّنوا و أقاموا لجماعتهم،

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 267

فهو ما لا إشكال فيه للتصريح في رواية أبي بصير المتقدمة (صلّى بأذانهم و إقامتهم) فهذه الفقرة دليل على كون السقوط في مورد كانت صلاتهم مع الأذان و الاقامة حتى صحّ أن يقال (صلّى بأذانهم و اقامتهم) نعم لو ترك الأذان و الاقامة من باب سماع الامام لأذان الغير و إقامته فاكتفى به، فحيث نقول إنشاء اللّه بأنّ المستفاد من بعض الروايات هو الاكتفاء بالسماع، فتكون صلاتهم على هذا مع الأذان و الاقامة، ففى هذه الصورة فيسقط الأذان عن الوارد لكون صلاتهم واجدة للأذان و الاقامة.

و هكذا في هذه الصورة يكون السقوط على وجه الرخصة، لأنّ الملاك الّذي قلنا لهذه الصورة، لا يقتضي إلّا هذا، حيث كان السقوط رعاية لجانبه، فله أن يؤذّن و يقيم، و له أن يتركهما و أمّا فى الصورة الثانية فيكون السقوط على وجه العزيمة، لأنّ ملاكها يقتضي ذلك حيث أنّ السقوط كان رعاية لجانب أهل الجماعة المتقدمة، فليس له أن يؤذّن و يقيم.

إذا عرفت بأنّه يمكن استكشاف ملاكين مختلفين، و يختلف بحسبهما الآثار نقول: أمّا فى الصورة الاولى فالوارد على الجماعة مع إرادة الدخول و الصّلاة معهم يسقط عنه الأذان و الاقامة، لدلالة غير رواية أبي علي على ذلك، و أمّا الصورة الثانية فمنشأ استكشاف الملاك المتقدم لها كان رواية أبي علي المتقدم ذكرها، و لكن لها ذيل ذكرناه، و هو يكون بنقل التهذيب، و هو من

قوله (فقلت له: جعلت فداك الخ) و هو شاهد على كون صدور الرواية على وجه التقية، فلا يمكن الاعتناء بها (و قال هذا البيان أخي الأغر لطف اللّه حفظه اللّه، و استرضاه سيدنا الاستاد مدّ ظلّه) فعلى هذا استفادة السقوط للوارد على الجماعة المريد اقامة جماعة مستقلة من هذه الرواية، غير ممكنة إلّا أن يقال: بأنّ إطلاق غيرها من الأخبار يشمل هذه الصورة

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 268

أيضا، و يؤيده ذيل رواية زيد (إن شئتما فليؤمّ أحد كما صاحبه، و لا يؤذّن و لا يقيم) فافهم.

[فى أي وقت يرد الوارد يسقطان عنه]

ثمّ إنّه يقع الكلام في خصوصية اخرى و هو أنّ في أىّ وقت يرد الوارد يسقطان عنه، فنقول: بأنّ الوارد على الجماعة إما يدرك الجماعة و لو في التشهد، فلا إشكال في سقوطهما عنه إذا دخل معهم، و يكون السقوط على وجه العزيمة لاستقراء السيرة من الصدر الأوّل إلى زماننا، على أنّ المأمومين لا يؤذّنون و لا يقيمون.

و إمّا أن يرد عليهم، و هم قد فرغوا من الصّلاة، و لكن لم يتفرق أحد منهم، فلا إشكال في كون قدر المتيقن من الروايات هو السقوط في هذه الصورة.

و إمّا أن يردوهم قد انصرفوا و تفرقوا جميعا، فلا إشكال فى خروج هذه الصورة من الأخبار الواردة في المسألة.

و إمّا أن يتفرق بعضهم و هو يرد، فلا يبعد أن يكون الميزان في السقوط و عدمه هو تفرق الأكثر أو بقاء الأكثر فإنّ تفرق أكثر أهل الجماعة فلا يكون مورد السقوط، و إن بقى أكثرهم فيكون مورد السقوط، فتأمل.

ثمّ إنّ السقوط على وجه الرخصة إن كان المدرك غير رواية أبي علي المتقدم ذكرها، و على وجه العزيمة ان كانت هى المستند، و

لكن قلنا بالاشكال بالاستدلال بها.

المورد الثاني: من بعض الموارد الّذي يسقطان الأذان و الاقامة، هو صورة سماع أذان الغير.
اشارة

و تدلّ عليه الرواية الّتي رواها أبي مريم الأنصاري (قال: صلّى بنا

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 269

أبو جعفر عليه السّلام في قميص بلا إزار و لا رداء، و لا أذان و لا إقامة (إلى ان قال) فقال: و اني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك). «1»

و ما رواها عمر بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كنا معه فسمع إقامة جار له بالصّلاة، فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا إقامة، قال: و يجزيكم، قال:

أذان جاركم). «2»

(و الحكم في الجملة ليس محل كلام، و إنّما الكلام في بعض خصوصياته.

مسئلة: تستحب حكاية الأذان عند سماعه
اشارة

، قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف: إذا أذّن المؤذّن يستحبّ للسامع أن يقول مثل ما يقوله إلّا أن يكون فى حال سواء كانت فريضة أو نافلة، و به قال الشافعي، و قال مالك: إذا كنت فى مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذّن، و إذا كنت فى نافلة فقل مثل قوله في التكبير و التشهد، و به قال الليث بن سعد إلّا أنّه قال: و يقول في موضع (حىّ على الصّلاة) (لا حول و لا قوة إلّا باللّه).

دليلنا على جوازه و استحبابه خارج الصّلاة إجماع الفرقة، و استحباب ذلك في حال الصّلاة يحتاج إلى دليل إلّا أنّه متى قال ذلك فى الصّلاة لم يحكم ببطلانها، لأنّ عندنا يجوز الدعاء فى حال الصّلاة. «3»

و مراده من الدعاء مطلق الذكر، و يظهر من كلامه أمران:

الامر الاوّل:

تبديل (الحيعلات) بالحوقلة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3)- الخلاف، ج 1، ص 285، مسئلة 29.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 270

الامر الثاني: عدم جواز هذا التبديل في الصّلاة.

إن قلت: ان الشهادة بالرسالة لم تكن ذكرا، فكيف تجوز في الصّلاة.

نقول: يستفاد من الرواية الواردة في التشهّد الطويل الجواز، بل استحباب قول (السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته) فيظهر من ذلك عدم كون على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلاما آدميا و إلّا لبطل به الصّلاة، فكذا الشهادة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوة.

و أمّا بالنسبة إلى الحيعلات فالظاهر تمامية كلام الشيخ رحمه اللّه، لعدم دليل على التبديل، نعم روى العامة عن عمر و معاوية ما يدلّ على جوازه، و كذا روي عن مكارم الاخلاق و دعائم الاسلام، لكن ما روي عن عمر و معاوية غير حجة، و ما روي عن المكارم الاخلاق و دعائم الاسلام ضعيف بالارسال و لا دليل عليه.

نعم لا بأس به بعنوان الذكر فى حال الصّلاة، و توهم كفاية الاطلاقات مدفوع بانصرافها عن حال الصّلاة.

مسئلة: [يستحب اذا سمع اذان الصبح ان يقرأ الدعاء بما ورد]

يستحبّ إذا سمع أذان الصبح أن يقول: اللّهمّ انّي أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلاتك و أصوات دعائك أن تتوب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم.

و إذا سمع أذان المغرب يقول: ذلك إلّا أنّه يبدل بإقبال نهارك (باقبال ليلك) و قوله و إدبار ليلك (بإدبار نهارك).

و فى بعض الروايات بعد كلمة (دعائك) أن تصلّي على محمد و آل محمد و ادع بما أحببت (فارجع الباب 43 من أبواب الأذان و الاقامة فيه التعرض لروايات المسألة).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 271

الجهة السادسة: هل يجوز أخذ الاجرة على الأذان أم لا؟
اشارة

اعلم أنّه يظهر من كلمات بعض الحكم بالكراهة، و من بعضهم الحكم بالحرمة، و جواز الارتزاق من بيت المال، و قبل الورود فى بيان حكم أصل المسألة نعطف عنان الكلام إلى ما ذكر من التفصيل بين أخذ الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال، فقال بحرمة الأوّل و جواز الثاني.

فنقول: إن كان وجه الحكم بالحرمة هو عدم وصول نفع عائد إلى المستأجر فهو غير وجيه، لرجوع النفع إليه، و هو إعلام الناس بالصّلاة، و هذا نفع عائد إليه، و لا يلزم أن يكون النفع دنيويا.

و إن كان وجه ذلك كون الأذان من العبادات، و لا يجوز أخذ الاجرة على العبادات.

ففيه أمّا أوّلا فلم يثبت كون الأذان من العبادات.

و ثانيا لا منافاة بين كونه عبادة و بين جواز أخذ الاجرة عليه.

و ثالثا إن كان ذلك مانعا فلا فرق بين أخذ الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال، لأنّ الاشكال فى أخذ الاجرة على العبادة هو لزوم كون منشأ صدور الفعل و محركه هو التقرب إلى اللّه تعالى، و هو إن كان منافيا مع أخذ الاجرة، كذلك مناف مع الارتزاق من بيت المال، لأنّه لا

فرق بين كون داعي الشخص على العمل هو أخذ الاجرة، أو كان هو الارتزاق من بيت المال، فإن كان الأوّل منافيا مع داع الالهي كذلك الثاني.

و بعبارة اخرى و أوضح انّ استحقاق المؤذّن على الشخص يتصور على نحوين: فتارة يكون الشخص مالكا لعمله و يكون المؤذّن للاجرة عليه كما فى الاجارة، و تارة يكون المؤذّن مستحق الأجر بعد العمل كما في الجعالة.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 272

[إعطاء الشي ء للمؤذّن يتصور على أنحاء ثلاثة]

و إعطاء الشي ء بالمؤذّن يتصور على أنحاء ثلاثة فتارة يؤذّن بقصد الأجرة فيعطيه المستأجر، و تارة يعلم بأنّه لو أذّن يعطيه شي ء هذا الشخص بإزاء عمله، و تارة يؤذّن قربة إلى اللّه، لكن يعطيه هذا الشخص شيأ بعده.

فإن أخذ الاجرة بعنوان الاستحقاق و الماليكة، فلا فرق بين أخذ الاجرة و بين الأخذ من بيت المال، و إن أخذ لا بهذا العنوان، فلا يكون أيضا فرق بين الاجرة و بين الارتزاق من بيت المال.

و إن ادعي التفصيل بأنّ أخذ الاجرة له خصوصية لأجلها صار حراما، فهو دعوى بلا دليل، كما أنّ ادعاء كون الارتزاق له خصوصية توجب جوازه دعوى بلا دليل.

و بعبارة ثالثة لو أذّن المؤذّن قربة إلى اللّه تعالى، فيعطى به شي ء من باب الانفاق، فكما يجوز أخذ شي ء من بيت المال كذلك يجوز أخذه من غيره، و إن أذّن بقصد أخذ شي ء فلا فرق أيضا بين بيت المال و غيره، فالتفصيل الّذي يظهر من كلام العلّامة رحمه اللّه «1» من حرمة أخذ الاجرة، و جواز الارتزاق من بيت المال، لا وجه له.

[في ذكر الروايات الدالّة على حرمة الاجرة على الاذان]

و أمّا الكلام فى أصل المسألة- أعنى: جواز أخذ الاجرة على الأذان و عدمه- فلا وجه لدعوى حرمته إلّا بعض الأخبار و الشهرة، أمّا الأخبار المتمسك بها:

الاولى: ما رواها السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام (قال: اخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي إذا صلّيت فصلّ صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه اجرا). «2»

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 81.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 273

أمّا هذه الرواية فيكون صدرها

قرينة على عدم الحرمة، لأنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يصلّي صلاة أضعف من خلفه حيث لا يكون أمرا وجوبيا، فكذلك نهيه من اتخاذ مؤذّن يأخذ الأجر على تقدير حجية الرواية.

الثانية: ما رواها الصّدوق (قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه إني لأحبّك فقال له: و لكنى ابغضك، قال: و لم؟ قال: لأنّك تبغي في الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا). «1»

و هذه الرواية أيضا كالسابقة في عدم ظهور لها فى حرمة الأجر على الأذان، لأنّ أخذ الاجرة على تعليم القرآن، بما هو تعليم القرآن، غير محرّم، نعم أخذ الاجرة على تعليم الواجب منه، مثل تعليم الحمد و السورة، غير جائز (فليس أخذ الاجر على تعليم القرآن حرام).

الثالثة: ما رواها العلاء بن سيابة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا يصلّي خلف من يبتغي على الأذان و الصّلاة الأجر و لا تقبل شهادته). «2»

و حيث يحتمل كون عدم جواز الصّلاة خلفه يكون من باب أنّه يأخذ الأجر على الصّلاة و الأذان كليهما، فيصير فاسقا لأجل ذلك، لا لأجل أخذه الأجر لخصوص الأذان، و على تقدير كون عدم جواز الصّلاة خلفه لأجل خصوص أخذ الأجر على الأذان، و لكن مع ذلك يكون لأجل فسقه لأنّ هذا الشخص يأخذ الأجر على الصّلاة فيصير فاسقا.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 32 من ابواب كتاب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 274

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تصلّي خلف من يبغي على الأذان و الصّلاة بالناس أجرا و

لا تقبل شهادته). «1»

و حالها حال سابقها في عدم الدلالة. «2»

و قد روى عن دعائم الاسلام في المستدرك ما لا دلالة له فراجع.

و أمّا الشهرة فنقول: فإنّ ذهاب المشهور إلى حرمة أخذ الأجر و جواز الارتزاق يؤيد الحرمة، بل ظاهر الخلاف الاجماع على ذلك، فيكشف فتوى المشهور بالحرمة من كون المسألة معروفا عندهم و إن خالف فيها السيّد المرتضى رحمه اللّه من القدماء، فحينئذ لا يبعد الحكم بذلك.

[في جواز الارتزاق من بين المال لا دليل عليه الّا لشهرة]

و أمّا جواز الارتزاق من بيت المال فلا دليل عليه سوى ما روي عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام من السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم، و قال: لا بأس أن يجري عليه من بيت المال، و رواية الجعفريات، و هما ضعيفتا السند إلّا أن يقال باعتضادهما بالشهرة العظيمة بين الفقهاء من حكمهم بجواز الارتزاق، و حكمهم إمّا يكون للروايتين و إمّا من باب وجود نصّ عندهم لم يصل إلينا.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 32 من ابواب كتاب الشهادات من الوسائل.

(2)- أقول: لا يخفى أنّ الظاهر هو كون كل من أخذ الاجرة على الصّلاة و الأذان فى الروايتين مستقلا موجبا لعدم جواز الاقتداء، لا أن يكون وصف اجتماعهما دخيلا، فلا وجه لوجه المذكور فى جواب الاستدلال بالروايتين، نعم يمكن أن يقال: مجرد النهي عن الاقتداء به لا يوجب كونه لأجل فسقه و ارتكاب فعله المحرم، بل يمكن أن يكون لصلاة الجماعة و الشهادة خصوصية يوجب كون الامام و الشاهد غير مرتكب لهذا العمل، كما ترى من اعتبار بعض امور اخر فيهما بدون كون هذا البعض موجبا للفسق. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 4، ص: 275

هذا تمام الكلام في الأذان و الاقامة و له الحمد و له

الشكر و صلّى اللّه على سيدنا رسول اللّه و على آله و اللعنة على أعدائهم أجمعين.

ربّ وفقني لما تحب و ترضى و ألهمني الخير و العمل به.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الرابع من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على المقدمة الخامسة في مكان المصلّي و المقدّمة السادسة في الاذان و الاقامة و في افعال الصّلاة من النيّة و القيام و القراءة و يتلوه الجزء الخامس

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء الخامس

[المقصد الثاني]

فصل في أفعال الصّلاة

اشارة

و هي امور:

الأوّل: من افعال الصّلاة النية
اشارة

و الكلام فيها يقع في مواضع:

الموضع الاول:
اشارة

لا يخفي عليك أنّهم يعدون أوّل أفعال الصّلاة النية، و كما يظهر من عبائر بعضهم يريدون رضوان اللّه عليهم بالنية الإرادة، و يستدلون على اعتبارها فيها بقوله (لا عمل إلّا بالنية) و لكن من الواضح عدم لزوم التمسك على اعتبارها فيها بهذه الرواية و نظائرها، لعدم كون بيان اعتبارها لازما على الشرع، لأنّه بعد ما يحكم العقل بأنّ كل عنوان من العناوين لا يتحقّق في الخارج إلّا مع القصد، و تكون الصّلاة من العناوين القصدية، فلا بدّ من تحققها في الخارج من القصد حين إتيانها، و إلّا لا يتحقّق في الخارج فعلى هذا يكون حكم الشرع في مثل هذه الموارد من قبيل توضيح الواضحات.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 8

و على هذا نقول: بأنّ الكلام في القصد و اعتباره غير الكلام في اعتبار قصد التقرب، فنحن فعلا نكون في مقام بيان اعتبار أصل القصد، بمعنى: أنّ العناوين القصدية و منها الصّلاة لا تتحقق إلّا بالقصد، و أمّا كون صدور الفعل عن المكلف بعنوان قصد التقرب بمعنى: أن يصدر الفعل مع كونه واجدا للقصد، بعنوان التقريب فهو مطلب آخر يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه.

[في ان العناوين القصدية لا تتحقّق فى الخارج الّا بالقصد]

فبعد كون كل فعل من الأفعال الّتي من العناوين القصدية لا إشكال في احتياج تحققه في الخارج إلى القصد، و السر في ذلك هو ما قلنا غير مرة و نقول لمزيد التوضيح و الفائدة: بأنّه بعد كون بعض الأفعال الواقعة في الخارج قابلا للانطباق على عنوانين أو عناوين مختلفة و أراد الشخص تحقق عنوان خاص و ايجاده في الخارج فلا بد من أن يقصد هذا العنوان، لأنّه مع كون العنوان عنوانا قصديا، فلا يتحقّق في الخارج إلّا بالقصد، مثلا ترى بأنّ القيام فعل

من الأفعال قابل للانطباق على عنوان التعظيم، و قابل لصيرورته منطبق عنوان التحقير و مصداقه، فإذا أراد الشخص عنوان التعظيم بالقيام فلا بدّ من أن يقصد بقيامه التعظيم لأنّ القيام يصير مصداقا للتعظيم إذا قصد القائم به التعظيم، و يصير مصداقا للتحقير إذا قصد القائم به عنوان التحقير و الاستهزاء مثلا.

فعلى هذا لا بدّ في صيرورة الفعل معنونا بأحد العناوين القصدية و مصداقه و منطبقه من القصد، و هذا واضح.

و لا فرق في ما قلنا بين كون العنوان القصدي من التعبديات أو من التوصليات، لأنّه في كليهما لا يتحقّق العنوان القصدي إلّا بالقصد، و في التوصليات و إن لم يتوقف حصولها في الخارج بقصد التقرب، و لكن كما قلنا ليس كلامنا فعلا في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 9

قصد التقرب بل في نفس القصد.

[لا فرق بين العبادات و المعاملات فى الاحتياج الى القصد]

كما أنّه لا فرق في ما قلنا بين العبادات و المعاملات، لأنّه في المعاملات يكون الأمر هكذا، فحيث يكون تحقق اعتبار البيع، أو الصلح، أو النكاح، أو غيرها موقوفا إلى القصد إلى وقوعها، و لهذا لا اعتبار بنفس (بعت) أو (صالحت) أو (أنكحت) مجردا عن القصد بحصول مضمونها في الخارج بهذه الالفاظ، لأنّها من الاعتبارات المتوقفة على القصد و من جملة العناوين القصدية، ففي تحقق كل عنوان يكون من العناوين القصدية يكون الاحتياج إلى القصد، و لا يصير الفعل الخارجي منطبق عنوان من العناوين القصدية إلّا مع قصد هذا العنوان.

فالميزان الكلي هو ملاحظة المعنونات، ففي كل جهة يكون المعنون تعنونه بعنوان الكذائي موقوفا إلى القصد، فمن الواضح عدم تحققه إلّا معه و تكون من هذا القبيل الصّلاة، و من هذا القبيل الصوم، فإنّهما من العناوين الّتي لا يتحقّق إلّا بالقصد، و

قوله (لا صيام لمن لا يثبت الصيام من الليل) إشارة إلى هذا، يعنى: لا يتحقق الصيام ممّن لا يقصد الصيام من الليل، و من هذا القبيل وفاء الدين فإنّ كانت ذمة أحد مشغولا مثلا بعشرين درهما، فما لم يقصد حين التسليم كون ذلك وفاء لدينه لا يكون وفاء لدين، لقابلية كون إعطاء عشرين دينار وفاء الدين، و قابل لأن يكون معنون أمر آخر، و كذلك لو نذر صوم يوم لجهة، و صوم يوم لجهة اخرى فبمجرد صوم يوم لا يعمل بنذره، لقابلية كون صوم هذا اليوم مصداقا لكلا العنوانين فحيث لم يقصد عنوان صوم المنذور إليه فلا يتحقّق في الخارج هذا العنوان بصرف صوم يوم أو يومين.

و على كل حال كلّ عنوان قصدي لا يتحقّق في الخارج إلّا مع القصد بهذا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 10

العنوان، فهذا المطلب الّذي أوردناه في المقام ليس منحصرا بباب الصّلاة، بل لا ينحصر في باب العبادات، بل يجرى في التوصليات أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم بأنّه كما قلنا من جملة العناوين القصدية الصّلاة، فإنّ صرف وقوع القيام و الذكر و الركوع و السجود و غيرها من الأجزاء و الشرائط لا يصير منطبق عنوان الصّلاة إلّا بالقصد، و لا يعنون هذه الأفعال و الأقوال بالصلاتية إلّا مع القصد بهذا العنوان، لأنّ الصّلاة من العناوين الاعتبارية الّتي لا تحقق في الخارج إلّا مع القصد.

[في ان جنس الصّلاة من العناوين القصدية]

فجنس الصّلاة من العناوين القصدية و كذلك بعض أنواع الصّلاة أيضا من جملة العناوين القصدية فلا تقع هذه الانواع إلّا مع القصد بها، و من جملة هذه الأنواع الظهرية و العصرية و المغربية و العشائية و الفجرية، لأنّ هذه العناوين ممّا لا تتحقق في الخارج إلّا بالقصد

و ليست من الامور الّتي تتحقق في الخارج على أيّ وجه اتفق بحيث لو لم يقصد أحد هذه العناوين يصير ما صلّى أوّلا ظهرا، ثمّ العصر، ثمّ المغرب ثمّ العشاء، ثمّ الفجر.

و الشاهد ما ترى في بعض الروايات الواردة في باب العدول من العصر إلى الظهر إذا وقع العصر قبله غفلة، فإنّ كان عنوان الظهرية و أخواتها غير محتاج في التحقق إلى القصد، فلم يكن احتياج إلى العدول من العصر إلى الظهر، بل ما وقع أوّلا وقع ظهرا بنفسه، فهذا دليل على كونها من العناوين القصدية (و لا تقل: بأنّ قصد العصرية مانع من صيرورة ما وقع ظهرا إلّا إذا قصد العدول بنيته من العصر إلى الظهر و إلّا نلتزم بوقوعه ظهرا و لو لم يقصد العدول.

لأنّا نقول: إن لم يكن عنوان الظهرية و العصرية عنوانا قصديا فبقصد الخلاف

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 11

لا ينقلب عما هي عليهما، بل لا بد من وقوع أوّل صلاة يصلّيها بعد الزوال ظهرا، لأنّه بعد كون مجرد أربع ركعات يكون منطبق عنوان الظهر بلا دخل قصد عنوان الظهرية، فلا بدّ من كون أربع ركعات صلّيها المكلف أوّلا منطبق الظهر و إن قصد الخلاف).

[في ان من العناوين القصدية الفريضة و النفلية]

و كذلك من جملة الخصوصيات المحتاجة تحققها بالقصد هي خصوصية النفلية و الفرضية، و اعلم أنّ النفلية تارة تستفاد من نحوة تعلق الأمر بأن يكون الأمر المتعلق بها استحبابيا، و من أجل هذا نكشف النفلية و تارة يكشف كون صلاة نفلا قبل تعلق الأمر، فإنّ أشكل في كون القسم الأوّل من العناوين القصدية فلا وجه للإشكال في القسم الثاني في كونه من العناوين القصدية مثل نافلة الصبح، فعلى هذا بعد كون نافلة الصبح، و فريضة

الصبح مطلوبتين في ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس مثلا، فلا بدّ في مقام الاتيان بكل منهما من قصد عنوانه أعنى: عنوان النفل و الفرض.

و الشاهد على كون خصوصية النفل و الفرض في نافلة الصبح و فريضته، من الخصوصيات المتوقفة إيجادها إلى القصد، هو أنّه إن لم يكونا من العناوين القصدية، بل تتحققان بلا قصد، فبعد كون المصلحة في أحدهما غير ملزمة على الفرض لكونها نفلا، و في الآخر ملزمة لكونها فرضا، فإنّ أتى المكلف بركعتين بعد طلوع الفجر، فلا بد من كونه فريضة و صيرورته منطبق عنوان الفرض، لأنّه بعد عدم كون لون خاص في الفرضية و غير معتبر فيه القصد، و فرض كون مطلوب المولى ركعتين ذي مصلحة ملزمة و ركعتين غير ملزمة، و على الفرض اتى المكلف بركعتين، فلا بدّ من كون ركعتين منطبق الفريضة و صيرورتهما مصداق الطبيعة الّتي مطلوبة بالطلب

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 12

الالزامي، لأنّه بناء على هذا لم يكن المطلوب الالزامي إلّا ركعتين بلا قصد إلى عنوانه، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك، بل لا بد من إتيان فريضة الصبح مع القصد.

[في انّ خصوصيّة الادائية و القضائية من العناوين القصدية]

و من جملة الخصوصيات الّتي تحتاج إلى القصد هي خصوصية الأدائية و القضائية، لأنّ صلاة القضاء نوع من الصّلاة و الأداء نوع آخر، و لا تصير صلاة المأتي بها في الخارج منطبق أحدهما بالقصد.

و بعبارة اخرى الصّلاة الواقعة في الوقت نوع من الصّلاة و الصّلاة، الواقعة في خارج الوقت نوع آخر، فإذا أراد الشخص أن يأتي بما يعنون بعنوان الأداء أو القضاء، فلا بدّ من أن يقصد أىّ منهما أراد إتيانها.

إن قلت: إنّا نرى بأنّه إن كان على ذمة الشخص صلاة أدائية فقط

مثلا صلاة الظهر، و صلاة ظهر قضائية فقط مثلا، فإنّ أتى بهما بقصد الظهر فقط، بدون قصد الأداء في أحدهما و القضاء في الآخر، تقع ما وقعت الظهر الأدائي و الظهر القضائى، و الحال أنّه على ما قلت لا بد في وقوعهما مصداق الظهر الأدائي و القضائى من قصد الأدائية في أحدهما، و القضائية في الآخر.

نقول: إن صحّ في المورد الّذي فرضت، فهو من باب الانطباق القهري، بل يمكن أن يقال: بأنّ في مثل ما فرضت يكون القصد بالعنوانين في مقام الاتيان مرتكزا في ذهنه، لأنّه قصد الظهر المطلوب منه فعلا و يكون قصد الظهر عنوانا مشيرا إلى أحد العنوانين.

فظهر لك ممّا مرّ أنّ أصل جنس الصّلاة من العناوين الّتي يكون تحققها في الخارج محتاجا إلى القصد، كما أنّ كل نوع من أنواعها أيضا بعنوان كون الخارج

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 13

منطبق أحد أنواعه في قبال ساير الأنواع يكون محتاجا إلى القصد، و أمّا إذا كانا فردين من نوع واحد من الصّلاة، فلا تكون خصوصية الفردية موقوفة على القصد مثلا صلاة الظهر نوع من الصّلاة، و لهذا النوع أفراد فلا يحتاج في صيرورة أربع ركعات مصداقا للظهر، بعد قصد الظهرية و الأدائية، إلى القصد إلى فرد من أفراده،

[في ان القصر و الاتمام ليسا من الخصوصيات النوعية]

فعلى هذا نقول: ليس القصر و الاتمام من جملة الخصوصيات المتوقفة حصولهما في الخارج على القصد، لأنّهما ليسا من الخصوصيات النوعية، بل هما فردان من نوع واحد، لأنّ صلاة الظهر و العصر و العشاء لها فردان، فرد لا بد من إتيانه أربع ركعات و فرد لا بد من إتيانه ركعتين، فإذا أتى المكلف بالظهر، و قصد الظهر، و كون هذا الظهر الظهر الأدائي، فإنّ أتمها على

ركعتين تعدّ هذه صلاة قصرية، و أن سلّم على أربع ركعات تعدّ إتمامية بدون احتياج في ذلك إلى تعلق قصد بأحدهما.

فلهذا في مواضع التخيير لو قصد الظهر فقط و لم يقصد إتيانها ركعتين أو أربع ركعات، فإذا فرغ من التشهّد الأوّل و بنى على أن يسلّم تصح صلاته و إن لم يقصد القصر، و كذلك لو أتى بأربع ركعات فأتمّ صلاته صحت صلاته و إن لم يقصد الاتمام.

[الحقّ عدم اعتبار قصد الامامة في صيرورته صحيحة]

هذا كله في خصوصية القصر و الاتمام، أمّا الكلام في الجماعة و الفرادى، فأعلم أنّه على ما اخترنا ليست خصوصية كون الصّلاة فرادى من العناوين القصدية، فمن يصلّي صلاته فردى تكون صلاته فرادى و إن لم يلتفت بكونها فرادى، و أمّا الجماعة فهل تكون محتاجة إلى القصد بحيث لو لم يقصد الجماعة تكون صلاته باطلة أم لا؟

الحق التفصيل بين الامام و المأموم، أمّا الامام فالحق عدم اعتبار قصد الامامة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 14

في صيرورة صلاته صحيحة و لا في ترتب آثار الجماعة على صلاته، لأنّه يكفي في ترتب الثواب صرف علمه بأنّه يقتدى به و إن لم يقصد ذلك، و على كل حال ليست صحة صلاته موقوفة على قصد الامامة مسلما خلافا لأبي حنيفة حيث قال: بدخالة قصد الامامة في صحة صلاة الإمام.

و أمّا المأموم فصيرورة صلاته جماعة محتاجة إلى قصد الاقتداء، لأنّ الجماعة و الفرادى و ان كانتا فردين من نوع واحد، لأنّ طبيعة الصّلاة لها فردان: الجماعة و الفرادى، و أنّ الفرادى لا تحتاج إلى القصد، و لكن حيث تكون للجماعة خصوصية زائدة، فصيرورة الصّلاة متخصصة بتلك الخصوصية تحتاج إلى القصد، فإن قصد المصلّي، الجماعة تصير صلاته جماعة، و لكن الفرادى غير محتاجة

إلى القصد، بل يكفي في تحققها صرف القصد إلى نوع الصّلاة، فبمجرد عدم قصد الجماعة تصير فرادى، لكن لو لم يقصد المأموم الجماعة و أخلّ بوظائف الفرادى، فلا تصح صلاته و أمّا لو أتى بوظائف الفرادى فصلاته صحيحة و لو لم يقصد الفرادى، لعدم احتياج هذا الحيث إلى القصد.

[في جواز نقل النيّة من الجماعة الى الفرادى]
اشارة

إذا بلغ الأمر إلى هذا المقام نعطف عنان الكلام إلى جهة تكون مورد البحث و الكلام، و هي ما قالوا: إنّه هل يصح العدول من الجماعة إلى الفرادى أم لا؟

و كذلك هل يصحّ العدول من الفرادى إلى الجماعة أم لا؟

أما الكلام في الأوّل- أعنى: في جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى و عدمه- فنقول: إنا إذا تتبعنا في كلمات القدماء رضوان اللّه عليهم لم نر تعرضا لهذه المسألة بنحو الاطلاق، و ما يوجد في كلماتهم هو التعرض لخصوص بعض الموارد المنصوصة مثل تسليم المأموم قبل الامام، أو استخلاف بعض المأمومين، أو الامام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 15

بعضا آخر في صورة حدوث حدث للامام، و أمّا جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى فلا تعرض له في كلماتهم إلى ما قبل الشّيخ رحمه اللّه.

نعم أوّل من يرى تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه «1» في الخلاف و المبسوط، فقال في الخلاف: بجواز ذلك للأصل، و مراده من الأصل هو أصالة الاباحة، و قال في موضع من المبسوط: بالجواز في خصوص صورة العذر «2» ثمّ بعد الشّيخ رحمه اللّه يرى التعرض للمسألة من المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و غيرهما، و الغرض من ذكر ذلك هو أنّه لا وجه للاستدلال بالاجماع في هذه المسألة، و لا يمكن التعويل بكلام الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف في مقام

الاستدلال على الجواز بالاجماع و أخبارهم، و الالتزام بالجواز، بأن يقال:

إنّ قول الشّيخ رحمه اللّه شاهد على وجود نصّ في المسألة، لأنّه بعد ما قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف (دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم) قال: بأنّا ذكرنا أخباره في كتابنا الكبير، يعني: به التهذيب، و إذا راجعنا الكتاب لم نجد فيه رواية تدلّ على جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى إلّا بعض الروايات الواردة في باب الاستخلاف إذا عرض للامام عارض، فإن فهمنا من هذه الأخبار هذا الحكم فهو، و إلّا فلا، فليس في البين احتمال وجود نصّ آخر وصل بيد الشّيخ رحمه اللّه و لم يصل إلينا، فلا يعوّل بكلامه، فعلى هذا لا مجال لدعوى الاجماع في المسألة.

إذا عرفت ذلك فهل نقول: بجواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى كما قال به بعض، أو نقول بعدمه كما قال به بعض، أو نقول: بالجواز في صورة وجود العذر و عدمه مع عدم العذر كما قال به بعض (أو نقول: بالجواز إذا لم يكن من قصد المأموم

______________________________

(1) الخلاف، ج 1، ص 552.

(2) المبسوط، ج 1، ص 157.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 16

الانفراد من أوّل الشروع في الصّلاة، و بعدم الجواز إذا كان قاصدا لذلك من أوّل الشروع كما قال به بعض).

[في ذكر وجوه جواز هذا المورد]

أمّا القائلين بالجواز فذكروا وجوها:

الوجه الأوّل: و هو ما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، الأصل و المراد به أصالة الاباحة، بمعنى إباحة نقل النية من الجماعة إلى الفرادى (و المراد إن كان الاباحة التكليفية فمراده مشروعية ذلك و عدم حرمته، و إن كان الاباحة الوضعية فمعناها عدم شرطية كون الصّلاة جماعة من أوّلها إلى آخرها).

الوجه الثاني: و هو ما استدل به

المحقق في المعتبر «1» هو أنّ الجماعة تجب ابتداء فلا تجب استدامة لعدم وجوبها بالشروع.

الوجه الثالث: أنّ بالاقتداء استدرك المأموم فضيلة الجماعة، فنية الفرادى يذهب من يده هذه الفضيلة فقط، لا أنّها تبطل صلاته (و يمكن أن يكون وجه ذلك هو أنّ الجماعة وصف لمصداق الصّلاة غير مقوم لماهية الصّلاة، و لذا ليست معتبرة فيها فإبطالها بعدم استدامة نيتها لا يوجب إبطال أصل الصّلاة).

الوجه الرابع: استصحاب جواز الانفراد، فكما كان من الجائز أن يصلّي فرادى قبل الشروع في الصّلاة و قبل نيته الجماعة، كذلك يجوز له بعد ذلك.

الوجه الخامس: التمسك ببعض الموارد الخاصّة الواردة في الروايات من جواز نقل الشخص نيته من الجماعة إلى الفرادى مثل بعض الروايات الواردة في

______________________________

(1)- معتبر، ج 2، ص 448.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 17

جواز التسليم قبل الامام، و مثل بعض ما ورد في باب الاستخلاف، و مثل ما ورد «1» في صلاة ذات الرقاع، و رواية «2» معاذ ذكرهما في التذكرة وردت في طرق العامّة.

[في ذكر وجوه عدم جواز هذا المورد]

و يظهر من كلمات القائلين بعدم جواز ذلك وجوه:

أحدها: أنّه إذا دخل في الصّلاة و نوى الجماعة، ففي الاثناء لا يؤثر قصد الانفراد.

ثانيها: أنّ بقاء نية الاقتداء واجب بالوجوب التكليفي، فإذا كان ذلك واجبا فيحرم قصد الانفراد (لأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده) أو يقال: بأنّ قصد الفرادى حرام بالحرمة التكليفية، فإذا كان حراما فبقية الصّلاة الّتي يأتي بها بقصد الانفراد يصير محرّما، لأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

ثالثها: دعوى حرمة الوضعية بمعنى عدم مشروعية صلاة تكون بعضها جماعة و بعضها فرادى.

رابعها: أنّ الاخلال بوظيفة الفرادى من قبيل ترك القراءة أو زيادة الركوع أو السجود لا يجوز إلّا مع كون الصّلاة بتمامها

جماعة.

إذا عرفت استدلالات الطرفين يظهر لك أنّ كل دليل من الأدلّة المجوزين ناظر إلى دليل من أدلّة المانعين، فالاستدلال بأصالة الاباحة مثلا يكون في قبال دعوى الوجوب التكليفي في الاقتداء، أو كون قصد الفرادى حراما تكليفا، و ما في

______________________________

(1)- صحيح بخارى، ج 5، ص 63، ح 4129.

(2)- الرواية 4 من الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 18

الجواهر «1» من وجود صلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى كما في اقتداء الحاضر بالمسافر، و غير ذلك من الاستخلاف و غيره، ناظر إلى رد ما ادعى النراقي «2» من عدم مشروعية ذلك.

[في ان ادلّة القائلين بعدم الجواز ليس بسديد]

و كيف كان فاعلم أنّ الوجوه الّتي ذكر لعدم الجواز فالأوّل منها ليس بوجيه، لأنّ ما قيل من أن قصد الانفراد لا يؤثر إن كان المراد أنّ بعد قصد الانفراد أيضا تكون الصّلاة جماعة و إن قصد الشخص الفرادى، فهو فاسد، لأنّ قصد الجماعة معتبر في جميع حالات الصّلاة، و لا يكتفي بمجرد القصد في أوّل الصّلاة إن لم تبق استدامة الحكمية للزوم بقاء النية إلى آخر العمل و إن كان غرضه أنّ قصد الانفراد غير مؤثر في بطلان صلاة الجماعة، فهو يتم إن لم نقل بمشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، و يأتي الكلام في ذلك إنشاء اللّه.

و أمّا الوجه الثاني فكذلك لا وجه له لعدم دليل على حرمة قصد الفرادى حرمة تكليفة و وجوب بقاء نية الجماعة، لعدم دليل عليه إلّا حرمة التشريع، و هي متفرعة على إثبات عدم المشروعية.

و كذا الوجه الرابع لا يصلح للاستدلال به على الجواز إلا إذا ثبت عدم مشروعية الصّلاة المركبة من الجماعة و الفرادى، و إلّا إن ثبت ذلك، فيقال:

بأنّ الاخلال بوظيفة المنفرد جائز في المقدار الّذي تكون الصّلاة جماعة، و لا وجه لدعوى أنّ القدر المتيقن من اغتفار الاخلال بوظيفة الفرادى، هو في صلاة تقع كلها جماعة، لأنّ ذلك فرع عدم مشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى.

______________________________

(1)- جواهر، ج 14، ص 26.

(2)- مستند، ج 8، ص 163.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 19

فلا يبقى من الوجوه إلّا الوجه الثالث، و هو أنّ الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى بمعنى كون بعضها جماعة و بعضها فرادى، و بعبارة اخرى نقل نية الجماعة إلى الفرادى يكون غير مشروع بمعنى فساد تلك الصّلاة، فلا بدّ من أن نتكلم في أنّ تلك الصّلاة هل هي مشروعة أم لا؟

و ما يأتي بالنظر هو أنّه إن قلنا: بأنّ الجماعة وصف للصّلاة لا وصف كل جزء جزء من أجزائها، فلا إشكال في عدم المشروعية، لعدم كون الصّلاة جماعة لوقوع بعضها في غير الجماعة، و إن قلنا: بأنّ الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة بمعنى كونها وصفا لكلّ جزء جزء من أجزائها، فكل جزء يقبل لأنّ يصير جماعة و قابل لأنّ يصير فرادى، فإنّ قصد مثلا بالتكبير و القراءة الجماعة فتصير الصّلاة في هذا المقدار جماعة و يصل الشخص بهذا المقدار بثواب الجماعة، و إن قصد بعد ذلك الفرادى فأتى بركوعها و سجودها بغير نية الجماعة، فصلاته مركبة من الجماعة و الفرادى باعتبار وقوع بعضها بينة الجماعة، و بعضها بغير هذه النية، فإنّ كان الأمر كذلك، فلا بدّ من أن يقال: بمشروعية ذلك، غاية الأمر كما قلنا في كل جزء يأتى بنية الجماعة يترتب ثواب الجماعة فقط، و في غيره لا يترتب ثوابها.

[في ان الجماعة وصف للصّلاة لا للاجزاء]

فالكلام لا بدّ من أن يقع أوّلا في أنّ الجماعة

وصف للصّلاة، أو للاجزاء، و ثانيا في أنّه لو شككنا في كونها وصفا لأىّ منهما، فما هو مقتضى الأصل في مورد الشك.

أمّا الكلام في الجهة الاولى فنقول: لا يبعد دعوى كون الجماعة وصفا للصّلاة، كما يظهر من بعض الروايات الواردة في الباب المستفاد منه أنّ ثواب صلاة الجماعة كذا و كذا، فهذا شاهد على أنّ الجماعة وصف للصّلاة للاجزاء، فإذا كان كذلك من

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 20

الالتزام بمشروعية صلاة تكون كلها جماعة فقط لعدم مشروعية نحو آخر (و لو شك في كون الجماعة وصفا للأجزاء، أو للصّلاة، فيشك في مشروعية الصّلاة الملفقة، و الأصل عدم مشروعيتها).

و أمّا ما ترى في كلماتهم من التمسك بموارد جوّز فيها نقل نية الجماعة إلى الفرادى، مثل اقتداء الحاضر بالمسافر، فإنّ الامام المسافر بعد ما يتمّ على ركعتين فتصير صلاة المأموم الحاضر بالنسبة إلى الركعتين الباقيتين فرادى، و الحال أنّه لا إشكال في صحة ذلك، و مثل مورد الاستخلاف، فإذا عرض للامام عارض لا يمكن معه إتمام الصّلاة، فيستخلف الامام أو بعض المأمومين شخصا، و يتمون ما بقي من صلاتهم به، و هذا منصوص.

فيستفاد من ذلك جواز الصّلاة الملفقة، لأنّ بذهاب إمام الأوّل تصير صلاة المأمومين فرادى، كما يستفاد ذلك من الرواية 1 من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل، و هي ما رواها علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الامام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحدا، ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلّا بامام، فليقدم بعضهم، فليتم بهم ما بقي منها و قد تمت صلاتهم) و غيرها.

و مثل ما ورد في جواز أن يسلّم المأموم قبل الامام في

صورة العذر، و هي ما رواها عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكون خلف الامام، فيطيل الامام التشهد، قال: يسلّم من خلفه و يمضى في حاجته إن أحبّ). «1»

[في ذكر مورد صيرورة الجماعة فرادى]

و لا إشكال في أنّ المأموم بتقدمه على الامام في السّلام تصير صلاته فرادى.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 21

و مثل ما ورد في كيفية صلاة الخوف، فارجع بعض أخبار الراجعة إليها في الباب 2 من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، يستفاد منه بأنّه مثلا في المغرب يقتدى طائفة من أهل الحرب بالامام في الركعة الاولى، ثمّ في الركعة الثانية يتمّون صلاتهم بأنفسهم، و يصبر الامام في الركعة الثانية حتّى يذهب هذه الطائفة بإزاء العدو، فتأتي طائفة اخرى كانوا بإزاء العدو، فيقتدون به و تكونون مع الامام في ركعتين، ثمّ يجلس الامام و يصبر حتّى يصلون هذه الطائفة الركعة الباقية من صلاتهم، فيسلّم عليهم فصلاة الطائفة الاولى في غير ركعة الاولى و الطائفة الثانية في غير الركعتين الأوّلتين من صلاتهم تكون فرادى، فهذا دليل على جواز نقل نيّة الجماعة إلى الفرادى.

هذا كلّه موارد توهّم فيها نقل نية الجماعة إلى الفرادى، فقالوا: بأنّا من صيرورة الجماعة فرادى في هذه الموارد نكشف جواز الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى و مشروعيتها.

و لكن نقول: أمّا أوّلا في اقتداء الحاضر بالمسافر و الاستخلاف بأنّه كما يظهر من مطاوى كلماتنا، تكون صلاة الجماعة و حقيقة الاقتداء جعل الصّلاة مرتبطة بصلوة الامام و تابعة لها متى يمكن، و بعبارة اخرى متى يمكن حفظ الارتباط و جعل صلاته متعلقة و تابعة لصلاة الامام، يجعلها تابعة و مربوطة بها و

على هذا قلنا: بأنّ بعد كون المرتكز من حقيقة الاقتداء هذا، فما دام يكون الامام مشتغلا بالصّلاة و يمكن للمأموم المتابعة يلزم ذلك حتّى تحفظ القدوة، و الّا فلو رفع اليد فلا يعد اقتداء.

فعلى هذا نقول: بأنّه في الموردين بعد كون صلاة الامام ركعتين لكونه مسافرا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 22

فيتم صلاته، فلا يمكن بعده للمأموم حفظ الربط و التبعية، و في مورد الاستخلاف مع طروّ عارض للامام لا يمكن للمأموم بقاء القدوة و ارتباط صلاتها بصلاته، فالموردان غير مربوطين بما نحن فيه، و هو قصد الانفراد مع إمكان أن يجعل تتمة صلاته تابعة و مرتبطة بصلوة الامام و تبقى القدوة و المتابعة.

و أمّا ثانيا في خصوص رواية المجوزة لتقديم سلام المأموم على الامام، و خصوص ما ورد في صلاة الخوف، كرواية الواردة في نقل غزوة ذات الرقاع، بأنّه يحتمل عدم صيرورة صلاة المأموم فرادى فيها، بأن يقال: بعد كون حقيقة صلاة الجماعة، و حقيقة الاقتداء جعل صلاة المأموم مرتبطة بصلوة الامام، و لازم ذلك كون صلاة المأموم و الامام في زمان واحد و في مكان واحد، و لهذا يعتبر عدم بعد المكاني بينهما، و الشارع جعل لهذا القسم من الصّلاة، أى: صلاة الجماعة، آدابا و شرائط و من جملة شرائطها متابعة المأموم للامام في الأفعال، بمعنى: أن يأتي بأفعال الصّلاة بعد الإمام و لا يتقدم عليه في ذلك، و هذا من شرائط الجماعة، فللشارع بحسب ما يرى من المصالح أن يعتبر هذا الشرط مطلقا، أو يرفع اليد عنه في بعض الموارد، فلا يكون عدم هذا مضرا في تحقق الجماعة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ توهّم كون الموردين المذكورين من صغريات الفرادى، ليس إلّا من

باب ما يرى من حكم الامام عليه السّلام بتقديم المأموم سلامه على سلام الامام، و الحال أنّه لا بدّ من إتيانه بعده بناء على اشتراط تأخر سلامه عن سلام الامام، أو في صلاة الخوف جوّز عليه السّلام على الطائفة الاولى الاتيان بركعتين مقدمتين على ركعتي الامام، و جوّز انفكاك الطائفة الثانية عن الامام و إتيانها الركعة، و الحكم بتقديم المأموم على الامام في الموردين شاهد على صيرورة صلاتهما فرادى.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 23

[لا وجه لكون المورد من باب صيرورة الجماعة فرادى]

و لكن بعد ما قلنا: من أنّ المتابعة من شرائط الجماعة، فيحتمل أن يكون جواز التقديم من باب الغاء شرطية المتابعة في الموردين، و صرف ذلك الاحتمال كاف في عدم كون صلاة المأموم فرادى في الموردين، لأنّ منشأ توهّم صيرورتهما فرادى ليس إلا من باب توهّم عدم إمكان كون صلاة المأموم في الموردين جماعة، و لكن بناء على ما قلنا يمكن ذلك، فلا وجه للحكم بكون الموردين من صغريات صيرورة الصّلاة فرادى ثمّ التمسك بها للجواز، لقابلية بقاء القدوة كما قلنا في المورد الأوّل، و هو تقديم السلام، غاية الأمر جوّز على المأموم تقديمه لدى الضرورة و الحاجة، فهو ما دام مشغولا في الصّلاة مقتد و في الجماعة، و إذا سلّم لم يبق مورد لأنّ تكون صلاته جماعة، و كذلك في المورد الثاني فيمكن كون الطائفة الاولى و كذا الثانية في الجماعة و إن قدمتا في بعض الأفعال على الامام، لأنّ المتابعة في الأفعال شرط من شرائط الجماعة، و الشارع رفع اليد عن هذا الشرط، فتبقى القدوة و الجماعة.

و الشاهد على بقاء الجماعة في صلاة الخوف هو التصريح في بعض رواياتها بأنّه يسلم عليهم- يعنى: يسلّم الامام على الطائفة الثانية، مع

انفكاكهم عنه بعد رفع الرأس من السجود من الركعة الاخيرة من الامام، و إتيانهم بركعة مستقلة، فهم مع ذلك في الجماعة، و لهذا كما صرح في الرواية يصبر الإمام و يجلس حتّى يتمون هذه الطائفة صلاتهم، ثمّ يسلّم الامام عليهم، فظهر لك أنّ كون الموردين من صغريات نقل نية الجماعة إلى الفرادى غير معلوم أصلا. «1»

______________________________

(1) أقول: قال أخي حفظه اللّه به مد ظله: بأنّ بعض الروايات الواردة في صلاة الخوف مصرحة بصيرورة صلاة الطائفة الاولى و الثانية في المقدار الّذي يتخلفون من متابعة الامام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 24

[الحكم بالجواز فى الموارد الثلاثة تعبدى]

و ثالثا بأنّه و لو فرض تجويز الفرادى في هذه الموارد، و لكن هذا حكم تعبدى في مورده، فلا وجه للتعدي عنها إلى غيرها.

نعم قد يقال: إنّ دعوى الشّيخ رحمه اللّه أصالة الاباحة مستبعد، مع كون عمل المتشرعة على خلاف ذلك، فهو يؤيد عدم كون وجه ظاهر لعدم الجواز و عدم منع خارجا عند المتشرعة، و إلّا لو كان قصد الانفراد عمل مشكوك مشروعيته، و لم يكن أثر منه عند المتشرعة، فكيف يلتزم الشّيخ رحمه اللّه، و هو رئيس المذهب في عصره،

______________________________

فرادى، مثل الرواية 2 من الباب 2 من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، و هي قوله فيها (فتمت للامام ثلاث ركعات، و للأوّلين ركعتان في جماعة، و للآخرين واحدة، و كذا في رواية 8 من باب المذكور.

فعنون مد ظله الاختلاف الواقع في صلاة الخوف في أنّ الامام إذا أتى بركعات صلاته، يجلس و يتشهد و يسلّم و ينصرف، و لا ينتظر حتّى تتمّ الطائفة الثانية ما بقى من صلاتهم و يصلون فيسلّم عليهم، أو يصبر حتّى تصلون و يسلّم الامام عليهم.

و الأوّل ما ذهب

إليه ابو ليلى من العامة، و أمّا قول الثاني فهو على ما ادعى في الخلاف يكون قول أصحابنا و إجماعهم على ذلك (فارجع الخلاف).

فعلى هذا نقول: إنّ بعض الروايات الواردة في كيفية صلاة الخوف موافق مع قول الأوّل الظاهر منه صيرورة صلاة المأمومين في المقدار الّذي لا يتبعون الامام فرادى، و بعضها مع القول الثاني، فارجع الباب الثاني من أبواب صلاة الخوف من الوسائل، فيقع التعارض بين الروايات الدالّة على القول الأوّل و بين الاخر الدالّة على القول الثاني، و حيث لا يمكن الجمع بينهما في الدلالة، فلا بدّ من الأخذ بما فيه المرجح، و الترجيح مع الطائفة الموافقة مع القول الثاني، لدعوى الشيخ رحمه اللّه الظاهر منها كون الشهرة الفتوائية على طبقها.

فكأنّ نظره الشريف من بيان تلك المسألة المختلفة فيها، هو أنّ بعض الروايات المتوهمة ظهورها في كون بعض صلاة الطائفتين فرادى لاشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به، و هو جواز تسليم الامام قبل أن تصلّي الطائفة الثانية به، لا يعتني به من هذا الحيث أيضا، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 25

بالجواز.

و لكن لا يخفي عليك أنّ ذلك ليس إلا صرف استبعاد، نعم يمكن أن يقال: إنّ قول الشّيخ رحمه اللّه بالجواز شاهد على عدم وجود سيرة من المتشرعة على عدم الجواز، و لا يدلّ على أزيد من هذا، بل يمكن كون المسألة خلافية لا سيرة على أحد طرفيها، فالشيخ رحمه اللّه ذهب إلى أحد طرفي المسألة لعدم وجود ما يوجب عدم الجواز بنظره الشريف فأفتى بالجواز للأصل، فافهم.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أن الفتوى بالجواز مشكل، و لهذا قلنا بالاحتياط، مع أنّا راجعنا المسألة غير مرة و واقفنا على أطرافها

بتمامها.

و قد يستدل لعدم مشروعية قصد الانفراد بالرواية الّتي ذكرناها سابقا عند التكلم في ذكر موارد يرى في كلماتهم من التمسك بهذه الموارد. «1»

وجه الاستدلال هو أنّ علي بن جعفر سئل عن موسى بن جعفر عليه السّلام في مورد أحدث الامام، فانصرف و لم يقدم القوم أحدا ما حال القوم؟ قال: (لا صلاة لهم إلّا بامام) فإنّ كان قصد الانفراد جائزا فصارت صلاة القوم فرادى، فكان المناسب أن يقول عليه السّلام فإنّ صلاتهم صارت فرادى، فإن عملوا بوظائف المنفرد فلا إشكال في صلاتهم، لا أن يقول (لا صلاة لهم إلّا بامام) فمن هذا البيان نكشف أنّ العدول من الجماعة إلى الفرادى غير جائز، و لهذا قال عليه السّلام (لا صلاة لهم إلّا بامام فليقدم بعضهم فليتم بهم ما بقى منها، و قد تمت صلاتهم).

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ غرض السائل كان فهم حال صلاتهم الّتي كانوا

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 26

عليه- أعنى: صلاة جماعتهم، و أنّه كيف يبقون الجماعة، فقال عليه السّلام (لا صلاة لهم إلا بامام) لا أنّه لا صلاة لهم حتّى فرادى، لإمكان كون سؤاله من الصّلاة شرعوها لا طبيعة الصّلاة أعم من فرادى و من الجماعة، فإذا كان كذلك فقال عليه السّلام: بأنّ الصّلاة التي شرعوا فيها جماعة قوامه بالامام، فليقدم بعضهم، فليست الرواية دالّة على منع قصد الانفراد، هذا.

[في ان جواز نقل نيّة الجماعة الى الفرادى مشكل]
اشارة

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ نقل نية الجماعة إلى الفرادى مشكل إلّا في كل مورد دلّ دليل على جوازه، لما قلنا أوّلا من أنّ المستفاد من ظواهر الأخبار كون الجماعة و صفا للصّلاة، لا لكل جزء جزء، و

ثانيا لو فرض وقوع الشّك في ذلك فنشك في مشروعية الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، و الأصل عدم مشروعيتها. «1»

______________________________

(1) أقول: بعد ذلك قلت به مد ظله: بأنّه بعد ما أمضيت الكلام سابقا و استفدنا من بياناتك الشريفة بأنّ الجماعة و الفرادى طبيعة واحدة، و أنّ الجماعة في خصوص المأموم محتاج الى القصد، فهل تقول في مورد نقل نية الجماعة إلى الفرادى ببطلان الجماعة فقط، و لازمه أنّ المكلف لو لم يأت في المقدار الّذي كان ناويا للجماعة و كان مأموما، بما هو وظيفة المنفرد، و بعبارة اخرى أخلّ في المقدار من صلاته الّذي من نيته الجماعة بوظيفة المنفرد تبطل صلاته من باب إخلاله بوظيفة المنفرد، أو تقول ببطلان أصل الصّلاة بحيث لو لم يخلّ المأموم بوظيفة المنفرد في المقدار الّذي كان في الجماعة و بعده قصد الفرادى، تكون صلاته فاسدة أيضا، قال مد ظله: أمّا من يقول بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى، و بعبارة اخرى بمشروعية صلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى، فهو يقول: بأنّه ان نوى الجماعة أحد ثمّ على رأس الركعتين مثلا نوى الانفراد و أتمّ صلاته منفردا، و لم يأت بالقراءة في الأوّلتين أو فرض بأنّه زاد الركوع، أو السجود فيهما نسيانا، فصلاته صحيحة، أمّا في الركعتين الاولتين كان في الجماعة فترك القراءة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 27

و يكون هذا الحيث متفرّعا على مسئلة اخرى نتعرض لها إن شاء اللّه، حتّى يظهر حال هذا الحيث من هذه المسألة أيضا، فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر مسئلة فى الباب]

مسئلة: ممّا يبحث عنه في مسائل صلاة الجماعة هو أنّه بعد ما يرى من دخل بعض الامور وجودا، أو عدما في الجماعة، كعدم الحائل بين الامام و

المأموم في ما إذا كان المأموم رجلا، و كعدم علوّ الامام عن المأموم في المكان، و كعدم البعد بينهما، و كشرائط المعتبرة في الامام من العدالة و غيرها، و كلّ هذه الامور، على ما يظهر من أدلتها، يعتبر في جانب المأموم بمعنى: أنّ صلاة جماعة المأموم و تحقق القدوة مشروط بوجود بعض الامور و بعدم بعض الآخر، يقع الكلام في أنّه مع الاخلال بأحد هذه الامور المعتبرة، هل تبطل الجماعة فقط بمعنى: عدم ترتب آثار الجماعة على فاقد الشرط، أو واجد المانع و لكن لا تبطل أصل الصّلاة لو لم يخلّ المأموم بوظائف الفرادى، أو تبطل الصّلاة من رأس؟

و أثره أنّه لو فرض عدم إخلال المأموم بوظيفة الفرادى تبطل الصّلاة أيضا، لاخلال المأموم ببعض ما يعتبر في صلاة الجماعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ بطلان أصل الصّلاة و عدمه على نحوة دخل ما يعتبر في صلاة الجماعة، فتكون مبنى الاحتمالين في المسألة فهم ذلك.

فنقول: إنّ ما يعتبر في صلاة الجماعة يحتمل أن يكون دخيلا وجودا أو عدما

______________________________

و زيادة الركن غير مضر و اما بعدها عمل بوظيفة المنفرد.

و أمّا نحن نقول: أمّا بطلان الجماعة بناء على عدم الجواز فواضح، و لهذا نقول في الفرض المتقدم حيث ان المكلف لم يأت بالقراءة و زاد الركن بطلت صلاته، و هذا المقدار لا إشكال فيه، و أمّا بطلان أصل الصّلاة بحيث يقال في الفرض، و لو كان المكلف غير مخلّ بما هو وظيفة المنفرد، و لكن مع ذلك تكون الصّلاة باطلة فهي مختارنا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 28

في الصّلاة، و بعبارة اخرى بعد كون طبيعة الصّلاة لها فردان فرادى: و جماعة، فصلاة الجماعة لها شرائط و موانع بمعنى:

أنّ هذه الشرائط و الموانع دخيل في أصل الصّلاة، و يحتمل أن تكون دخيلا في خصوص وصف الجماعة بمعنى: أنّ صلاة الجماعة كصلاة الفرادى غير مشروط بأحد هذه الشرائط، و لكن الجماعة و تحقق القدوة، و ترتب آثار الجماعة على هذه الصّلاة تتوقف على وجود بعض الامور و عدم بعض الآخر.

فإنّ قلنا بالاحتمال الأوّل فلازمه بطلان أصل الصّلاة المنوية جماعة بمجرد الاخلال بأحد الامور المعتبرة في صلاة الجماعة و لو لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى.

و إن قلنا بالاحتمال الثاني فأثره بطلان الجماعة و عدم ترتب آثارها إن أخلّ بأحد هذه الامور، و أمّا بطلان أصل الصّلاة فلا وجه له إلّا في صورة اخلاله بوظيفة المنفرد.

[الكلام فى ما يستظهر من الادلّة]

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع أوّلا في أنّ ما يستظهر من الأدلّة المتعرضة لدخل هذه الامور هل هو الاحتمال الأوّل أو الاحتمال الثاني؟ و ثانيا لو لم يستظهر أحد الاحتمالين من الادلة، فشككنا في كون دخلها على الأوّل أو على الثاني، فما هو مقتضى القاعدة؟

فنقول بعونه تعالى: أمّا الكلام في الجهة الاولى، فاعلم أن الرواية 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل، و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: و أىّ صفّ كان أهله يصلّون بصلوة الامام، و بينهم و بين الصف الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطى، فليس تلك لهم بصلوة.

ما رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 29

رجلين اختلفا فقال: أحدهما كنت إمامك، و قال الآخر: أنا كنت إمامك، فقال:

صلاتهما تامة. قلت: فإن قال كل واحد منهما: كنت ائتم بك، قال: صلاتهما فاسدة و ليستأنفا).

«1»

ممّا يمكن الاستدلال بهما على كون ما يعتبر في صلاة الجماعة يعتبر في أصل الصّلاة، لأنّه عليه السّلام في الرواية الاولى قال (ليس تلك لهم بصلوة) لأجل الفصل بقدر لا يتخطّى، و في الثانية في صورة دعوى كل منهما بأنى ائتم بك و اقتدى بك قال عليه السّلام (صلاتهما فاسدة) لأجل عدم وجود إمام لجماعتهما المنويتان، فقال أصل صلاتهما فاسدة لا الجماعة فقط، فالروايتان تدلّان على اعتبار ما يعتبر في أصل صلاة الجماعة لا خصوص وصف الجماعة.

و في الرواية الاولى و ان كان يمكن دعوى قوله عليه السّلام (ليس تلك لهم بصلوة) أى صلاة جماعتهم ليس بصلوة من باب أنّ النظر كان بالصّلاة الّتي كانت منظورهم، و هو صلاة الجماعة، و هذا لا ينافي مع كون أصل صلاتهم صلاة وقعت صحيحة، و لكن في الرواية الثانية أعنى: رواية السكونى، لا مجال لهذه الدعوى، لأنّ منظورهما ليس الفحص عن حال جماعتهم، فقوله عليه السّلام (صلاتهما فاسدة) تدلّ على بطلان أصل الصّلاة لأجل فقد شرط من شرائط الصّلاة، و لا وجه لبطلان إلّا من باب كون ذلك معتبرا في أصل الصّلاة، و السكونى و إن كان ضعيفا، و لكن تعرض الفقهاء لخصوص المسألة شاهد على اعتنائهم بهذه الرواية، فعلى هذا نقول توضيحا للمطلب: بأنّ المعصوم عليه السّلام، على ما في رواية السكونى، قال: صلاتهما فاسدة، فتدلّ الرواية على فساد الصّلاة من باب ترك ما يعتبر فيها، و إلّا لا معنى للحكم بالفساد.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 30

[في ذكر الاشكال و الجواب عنه]

إن قلت: بأنّه من الممكن أن يكون فساد صلاتهما من باب تركهما القراءة كما هو الظاهر، أو فعلهما ما

ينافي مع وظيفة الفرادى من زيادة ركوع أو سجود، لا من باب عدم وجود الشرط و هو الامام.

نقول: أوّلا ترك الاستفصال دليل على كون فساد صلاتهما مستندا الى عدم وجود الشرط لا إلى غيره، و إلّا لكان اللازم على الامام عليه السّلام أن يفصل بين صورة ترك وظيفة الفرادى، و بين صورة العمل بوظيفته، فمن ترك الاستفصال نكشف عدم كون الحكم بالفساد دائرا مدار العمل بوظيفة الفرادى و عدمه.

و ثانيا لو فرض أنّهما تركا القراءة، و لكن حيث يكون تركهما من باب تخيّل كل واحد منهما بكونه مقتديا، فيكون منشأ تركهما عدم توجههما و غفلتهما من عدم كونهما مأمومين، فلا يبعد اغتفار ترك القراءة في هذه الصورة و إلحاق هذه الصّلاة بترك القراءة عن سهو (فلا تجب الاعادة بمقتضى لا تعاد) فعلى هذا ليس وجه الحكم بالفساد في مورد الرواية ترك القراءة، فمنشأ حكمه عليه السّلام على الظاهر، بمقتضى ترك الاستفصال و سياق الخبر، هو فقدان الشرط، و بطلان الصّلاة ليس إلّا من باب كون الشرط شرطا لأصل الصّلاة، لا بخصوص وصف الجماعة، «1» فتحصل ممّا مرّ كون

______________________________

(1) أقول كما قلت بحضرته مد ظله، بعد ما يكون الأغلب في الجماعة ترك القراءة و خصوصا في مورد الرواية حيث يقتدي كل منهما بالآخر، فالظاهر كون شروعهما في الصّلاة في زمان واحد، فهما في تمام الركعات كانا معا، فمن القريب تركهما القراءة، و مع تركهما القراءة فصلاتهما فاسدة، فيحتمل أن يكون وجه فساد صلاتهما هذا، و أمّا ما أفاده مد ظله من أن ترك القراءة مغتفر فلا يكون الحكم بالفساد مستندا إليه مشكل، لأنّ شمول (لا تعاد) لمثل هذه الصورة التي يكون المكلف عامدا في الترك،

غاية الأمر من باب جهل المركب، مشكل فتأمل، و تحقيق

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 31

دخل الامور المعتبرة في الجماعة على النحو الأوّل.

و أمّا الجهة الثانية، أعنى: صورة الشّك في أنّ دخل الامور المعتبرة على النحو الأوّل أو الثاني، فنقول: بأن الأصل عدم دخل هذه الامور في أصل الصّلاة، فبعد ما قلنا من كون الجماعة و الفرادى فردين من طبيعة واحدة، فلو فقد شرط أو وجد مانع، فإنّ لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى، فلا مانع من صحة أصل الصّلاة، غاية الأمر عدم كونها جماعة و عدم ترتب آثار الجماعة عليها، و لكن لا تصل النوبة بالأصل لما استظهرنا من كون ما يعتبر دخيلا في أصل الصّلاة، فمع الاخلال بما هو المعتبر، فالصّلاة فاسدة، فانقدح فساد أصل الصّلاة في صورة نقل النية من الجماعة إلى الفرادى إلا في كل مورد دل الدليل بالخصوص على جوازه. «1»

______________________________

الكلام في محلّه.

كما أنّ ما أفاده مد ظله من أنّه إن كان المستند غير ذلك من ترك القراءة أو زيادة الركن لزم الاستفصال، فمن تركه نفهم إطلاق الحكم لصورة إتيانهما بالقراءة و عدمه، و صورة زيادتهما الركن و عدمها.

نقول: إنّه بعد كون الاغلب ترك القراءة، فإنّ اتكى عليه السّلام بهذه الغلبة و لم يسأل فما أخلّ بالفرض، فلا وجه للتمسك بترك الاستفصال، مضافا إلى أنّه لو فرض دلالة الروايتين على ذلك، فغاية الأمر استكشاف كون الفصل و وجود الامام مانعا و شرطا لأصل الصّلاة، و أمّا استكشاف كون كل الشرائط و الموانع هكذا حتّى يقال في المسألة المتقدمة: بأنّ اشتراط بقاء نية القدوة أو مانعية قصد عدم القدوة شرط أو مانع لأصل الصّلاة لا لوصف الجماعة، محل إشكال، لإمكان كون نحوة أخذ

الشرائط و الموانع مختلفا، فعلى هذا لا يستفاد ممّا مرّ كون دخل الامور المعتبرة في الجماعة بنحو الاطلاق على النحو الأوّل أو الثانى. (المقرر)

(1) أقول: قد عرفت عدم إمكان استظهار كون ما يعتبر فيها معتبرا في أصل الصّلاة، فبعد ذلك تصل النوبة في صورة الشّك بالأصل، و الأصل كما أفاده مدّ ظلّه يقتضي عدم كون ما يعتبر.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 32

الأمر الثاني [وقوع فعل العبادات بقصد التقرب]
اشارة

: من الامور الّتي يقع التكلم فيها في النية، هو أنّه بعد ما عرفت من اعتبار القصد و النية في العناوين القصدية، يعتبر وقوع الفعل بقصد التقرب في الصّلاة، بل و في مطلق العبادات، و هذا مسلم، و حيث إنّ القرب المكاني محال بالنسبة إلى اللّه تعالى، فلا يبعد أن يكون الغرض هو أن يؤتي العبد العمل على وجه يكون استناد ذلك إلى اللّه تعالى، و يجعل فعله مربوطا به سبحانه.

و بعبارة اخرى يكن محركه إلى العمل جعل ارتباط بينه و بين نفسه، و يطلب بعمله هو لا غير، في قبال عمل يكون صدوره ببعض دواعى النفسانية، فيكون المقدار اللازم من القصد هو كون صدور الفعل بداعى التوجّه إليه إمّا لكونه عز اسمه أهلا للعبادة أو كان لأجل التقرب به، أو بداعي التوجّه إليه لكي ينتفع من الخيرات التي عنده من الخيرات الاخروية كالجنة، أو الدنيوية كزيادة النعم من درّ الرّزق و غيره، أو لدفع المكاره و المضارّ من مضارّ الاخروية كالنار، أو دنيوية كالأمراض و الاسقام.

ففي كل ذلك يعدّ العبد مطيعا و كون توجهه و صدور الفعل منه له تعالى، لأنّه في كل ذلك يتوجه نحو جنابة، و يطلب منه في قبال من يعمل عملا لا يريد منه جلب توجه اللّه تعالى،

بل يفعل لغيره كالمرائى في عمله.

______________________________

فيها معتبرا في أصل الصّلاة، فالصّلاة صحيحة لو لم يخلّ المأموم بوظيفة الفرادى، فإنا موافق مع سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله في جهة، و هي أنّ نقل نية الجماعة إلى الفرادى محل إشكال و مخالف في جهة و هي أنّه بعد نقل النية هو يقول مد ظله ببطلان أصل الصّلاة، و عندى لم يكن تماما، بل أقول: لو لم يعمل المأموم بوظيفة الفرادى تبطل صلاته من رأس، و أمّا لو عمل بوظيفة الفرادى فصلاته صحيحة، غاية الأمر لم تكن جماعة، و لا يترتب عليها آثار الجماعة منه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 33

فإنّ كان المراد من اعتبار قصد التقرب في العبادات، و منها الصّلاة، هذا المقدار فصحيح، و بكل ما قلنا يمكن التوجّه نحو جنابه و يعبده، و أمّا إن كان أزيد من ذلك فعلى المدعى إثباته.

[في ان يكفى في قصد التقرّب كون محركه هو التوجّه الى اللّه]

ثمّ إنّ هنا كلاما آخر و هو أنّه كما عرفت لو صدر الفعل من العبد على أيّ وجه من الوجوه المتقدمة يعدّ مطيعا، و يكفي في العبادة، و لكن حيث إنّه ليس في الآثار و الادلّة لفظ قصد التقرب حتّى ندور مداره، فنقول: بأنّ ما يقال: من اعتبار قصد التقرب في العبادات، هل يكون المراد أن يقصد العبد في عبادته صدور الفعل من نفسه قربة إلى اللّه ثمّ يقع الكلام في أن مراتب القرب مختلفة، فمن الناس من يعبده لكونه أهلا، و من الناس من يعبده لكى يصل بالجنة، و منهم من يعبده لأنّ ينجى من النار.

أو يكون المراد أنّه بعد كون نوع العبادات الواردة في الشرع من الامور ليس في إتيانها دواعى النفسانية، بل بحسب الطبع الأوّلى إن كان يصدر

من العبد يصدر لأجله تعالى شأنه، فحيث يكون بحسب طبع الاولى المنظور و المقصود منها جنابه، لعدم دواعى على إتيانها غير هذا الداعي، فبصرف صدوره بحسب وضعه الاولى هو المقصود و المنظور، فيقال: إنّه يكفي في تحقق ذلك إيجاد العبادة من العبد، بمعنى أنّ هذا المقدار كاف في صيرورة العمل عادة له تعالى، لأنّه بعد عدم داع آخر للعبد و المفروض قيامه إلى إتيان العبادة، فصرف ذلك كاف في القصد اللازم في العبادة، و لا يعتبر أزيد من ذلك.

فالفرق بين التعبدى و التوصّلي في هذا المقدار، ففي التوصّلي يحصل الغرض بأىّ داع يصدر منه الفعل، و في التعبدى لا بد من صدوره على نحو لا يكون داعيه إلى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 34

العمل غير اللّه تعالى، و مع فرض كون وضع العبادة أوّلا و بحيث طبيعته ممّا لا يتعلق بها دواع آخر، فيكتفي في امتثالها إتيان العمل بدون داع آخر.

الموضع الثالث: من الامور المبحوث عنها في النية (الضمائم)
اشارة

و هي إمّا محرمة، أو راجحة، أو مباحة، فالكلام فيها يقع في طى مسائل:

المسألة الاولى في الضمائم المحرمة، و العمدة منها الرياء، و هو إمّا في الصّلاة بأن يقصد الرياء في أصل الصّلاة، و إمّا في جزء من أجزائها الواجبة، و إمّا في جزء من أجزائها المستحبة.

أمّا إذا قصد الرياء في أصل الصّلاة فلا إشكال في بطلان الصّلاة مضافا إلى ارتكاب المرائى فعلا محرما، و هذا ممّا لا إشكال فيه، و يدلّ على ذلك الأخبار و الاجماع.

و أمّا إذا نوى الرياء في جزء من أجزائها الواجبة، مثلا في القراءة، فقد يتوهم عدم بطلان الصّلاة لأجل الرياء لو أتى بالجزء مجددا بقصد العبودية، غاية الأمر يمكن أن يقال: ببطلان الصّلاة من باب زيادة العمدية بناء

على شمول أدلّة بطلان الصّلاة بالزيادة لمثل المورد.

و لكن لا يخفي عليك أنّ الصّلاة فاسدة في هذه الصورة أيضا، و لا وجه لهذا التوهّم، لأنّه يصدق على من أتى بجزء رياء أنّه أدخل الغير في عمله، و يستفاد من بعض أخبار الباب أنّ ذلك رياء، و من هنا ظهر بطلان الصّلاة بالرياء في جزء المستحب، مثل من يرائى في قنوته، فإنّه و إن يرائى في قنوته، و لكن قنوت الصّلاة من الصّلاة و ليس خارجا منها، فمن يرائي فيه يرائي في صلاته، لأنّه يريد بذلك أن يقال في حقّه: بأنّه يؤتى قنوت صلاته حسنا، فيصدق أنّه أدخل الغير في عمله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 35

و عمله الصّلاة، و إن كان في جزء من أجزائه الواجبة أو المستحبة، بل تبطل الصّلاة بترك ما يكون في فعله الحزازة و المنقصة رياء مثل من يترك بعض مكروهات الصّلاة، لأنّه يعدّ بتركه هذا بأنّه أدخل رضى الغير في عمله لأنّه يأتى بصلاته هكذا رياء، فالحق بطلان الصّلاة في كل من هذه الصور الأربعة لوجود ملاك الفساد فيها.

[في نقل كلام المحقّق الهمداني ره]

(و نقول لمزيد وضوح المطلب حتّى يعلم ما قيل في المقام، و يعلم ما هو الحق فيه: بأنّه يظهر من حاج آغا «1» رضا الهمداني رحمه اللّه الاشكال في بطلان الصّلاة إذا كان الرياء في الجزء الواجب أو المستحب عند التعرض بجزء المستحب، فإنّه في مقام الردّ على التمسك برواية زرارة و علي بن سالم- المذكورتان في الباب 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات من الوسائل، المستفاد منهما أنّ إدخال رضاء الغير في العمل يوجب الشرك و عدم القبول- قال: إنّ المستفاد كون الرياء موجبا لبطلان العمل، و كما تكون

الصّلاة عملا يكون القنوت عملا، فلو أتى قنوته رياء فهو الشرك في هذا العمل فقط، و أمّا ساير الأجزاء فهي عمل، أو أعمال اخر لو أتى بها للّه تعالى، فلم يصدق أنّه أشرك فيها الغير، بل يصدق أنّها له تعالى، فصرف إتيان الجزء رياء لا يوجب بطلان أصل الصّلاة.

و لكن يرى المتأمل فساد كلامه كما قلنا، لأنّه ليست الصّلاة عند العرف إلّا عمل واحد، فمن أشرك في جزء منها يقال: بأنّه أشرك في صلاته الغير، فافهم.

هذا كلّه حال الرياء، و أمّا العجب فهو و إن كان من الصفات المذمومة- كما ينادي بذلك بعض آيات الشريفة، و ينتهي بالاستكبار، و منشأه كما يظهر من بعض

______________________________

(1) مصباح الفقيه كتاب الصّلاة صفحه 23.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 36

الروايات نقص العقل، و يحصل للانسان من باب عدم التفاته بصغر نفسه و أعماله، و عدم توجهه بحال العباد المطيعين، و عباداتهم حتّى يفهم أنّ الاعمال الحسنة يأتي بها ليست بشي ء مهم يوجب العجب و الادلال- و لكن بطلان الصّلاة بسببه محل تأمل، لعدم دليل عليه، فارجع الأخبار و الآثار، فافهم.

المسألة الثانية: في الضمائم المباحة

، اعلم أنّ لها صورا:

الصورة الاولى: أن يكون للمكلف داع الى الصلاة مستقلا، و داع الى الضميمة المباح مستقلا بحيث يقبل كل منهما لأنّ يصير داعيا إلى الفعل مستقلا و إن لم يكن داعى الآخر في البين، غاية الأمر حيث لا يمكن ورود العلتين المستقلتين على المعلول الواحد، يكونان جزءين للعلّة للصّلاة.

الصورة الثانية: أن لا يكون أحد الداعيين بهذه المرتبة، بل يكون كل واحد منهما بحيث لو لم يكن داعي الآخر لا يحرّك المكلف هذا الداعي نحو الفعل، بل يكون انضمام كل واحد من الداعيين إلى الآخر علة لصدور

الفعل منه.

الصورة الثالثة: أن يكون داعي الصّلاة مستقلا في اختيار الطبيعة و داعى الضميمة تبع له.

الصورة الرابعة: عكس ذلك.

الصورة الخامسة: أن لا يكون للضميمة داع في اختيار الطبيعة أعنى: طبيعة الصّلاة أصلا، بل الداعي في الضميمة داع إلى اختيار الفرد، مثل وقوع الصّلاة مثلا في المسجد.

[في ان المنسوب الى كاشف الغطاء عدم بطلان الصّلاة]

أمّا الكلام في الصورة الاولى: فاعلم أنّه ينسب إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه عدم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 37

بطلان الصّلاة في هذه الصورة نظرا إلى أنّ ما يعتبر ليس إلّا تحقق الامتثال، و الامتثال يصدق في هذه الصورة، و يستند الفعل إلى داعى الأمر، لأنّ وجود داعى المباح و عدمه سيّان في الفرض.

و لكن بعد عدم إمكان كون كل من الداعيين علة مستقلة لصدور الفعل لامتناع وحدة الاثر و تعدد المؤثر، و بعد عدم كون أحد الداعيين فقط علة للزوم الترجيح بلا مرجح، فقهرا ما هو العلة هو الجامع بينهما، فيستند الفعل إلى مجموع الداعيين، فليس الفعل مستندا إلى داعى اللّه تعالى فقط، أعنى: داع الأمر فلا، يكفي في امتثال الأمر بهذا الفعل، لأنّ الامتثال يصدق إذا كان الداعي الامتثال أمر الصّلاة بدون مدخلية شي ء آخر.

و ما قيل: من أنّه من يكون له داعى الصّلاة بحيث لو لم يكن له داعى آخر لا يرفع اليد عنه، و كذلك له داع مباح بحيث لا يرفع اليد عنه، فلا يمكن له إتيان الفعل مستندا إلى أحد الداعيين، فلا بدّ من الاكتفاء في مقام الامتثال بهذا الفعل، فاسد لأنّه يمكن له تخليص الداعي، و ليس ذلك أمرا متعذرا أو متعسرا لأنّه و لو وجد في النفس دواع مختلفة، و لكن بعد حساب أطراف كل منها، و المصالح و المفاسد المترتبة عليها،

فإن يرى الشخص عدم إمكان الجمع بينها، يرفع اليد عن بعضها، ففي المقام و إن كان له داع مباح في حدّ ذاته أيضا، و لكن بعد ما يرى من أنّ بقاء هذا الداعي و المقصود يوجب عدم إمكان امتثال أمر المولى، و بالنتيجة يوجب تفويت مصلحة الواقع و الوقوع في العذاب الاليم، يرفع اليد عن داعيه الآخر، فظهر لك بطلان العبادة في هذه الصّورة.

و امّا الكلام فى الصورة الثانية: أن يكون كل من الداعيين بحيث لا يمكن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 38

أن يصير كل واحد منهما مستقلا مؤثرا و علّة لصدور الفعل، و لكن ضمّ كل منهما إلى الآخر يصير داعيا إلى الفعل، فلو لم يكن له كل واحد منهما لا يصدر الفعل عنه لعدم تعلق داعيه بأحدهما بحيث يصير علّة بنفسه لصدور الفعل، فيكون كل منهما جزء الداعي، ففي هذه الصورة أيضا لا تصحّ الصّلاة، لعدم حصول الامتثال بذلك، إذ الفعل ليس مستندا إلى داعى التعبد فقط، بل إليه و إلى داعى المباح.

و امّا الكلام فى الصورة الثالثة: أن يكون له الداعي إلى صدور الفعل بداعى التعبد و بقصد امتثال الأمر مستقلا بحيث يصدر عنه الفعل بهذا الداعي، و هذا الداعي مؤثر و علة في صدور الفعل عنه مستقلا، و لكن له داع آخر بتبع ذلك، بحيث أنّ داعيه الأصليّ هو صدور الفعل للّه تعالى، و لكن له داع مباح تبعى، ففي هذه الصورة تصحّ الصّلاة، لأنّ الفعل مستند إلى داعى التعبد فيحصل الامتثال، لأنّ وجود داع التبعى و عدمه سيان في صدور الفعل عنه.

و امّا الكلام فى الصورة الرابعة: عكس ذلك، و لا إشكال في فساد في هذه الصورة، لأنّ الصّلاة ليست

مستندا إلى داعى القربة لكون داعى المكلف إلى صدور الفعل داع مباح، فلا يتحقّق الامتثال. «1»

الموضع الرابع [توقف صيرورة الفعل مصداقا لعنوان قصدي على القصد]
اشارة

: من الامور المبحوثة في النية، هو أنّه قد مرّ منا بأنّ صيرورة

______________________________

(1) الصورة الخامسة لم يتعرض لها سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى و لا يبعد عدم الاشكال في الضميمة إذا كانت في اختيار الفرد لا في أصل الطبيعة، لأنّه بعد كون الأمر بالطبيعة، و المكلف مخير بين اختيار كل فرد منها، فله اختيار الفرد بداع آخر مباح، و أمّا إن كانت الضميمة محرمة، مثل أن يختار فردا رياء فيصير العمل فاسدا، لأنّه يصدق أنّه أدخل في عمله رضاء الغير، فيصير العمل فاسدا، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 39

الفعل مصداقا لأحد العناوين القصدية موقوف إلى القصد، لأنّه بعد كون الفعل قابلا لأن يصير مصداقا لعناوين مختلفة و طبائع متفاوتة، و على الفرض يكون كل طبيعة من هذه الطبائع من العناوين القصدية، فلا يصير الفعل مصداقا لأحدها إلّا بالقصد، و لأجل ذلك قلنا: بأنّه لا بد في مقام إتيان العمل من تعيين هذه العناوين و القصد بها، و قلنا: بعدم الفرق في هذا المقام بين كون العنوان تعبديا أو توصليا، و لا بين كونه مورد تعلق الأمر أو لا، بل ليس المنظور من إتيانه إلا ترتب أثر خاص عليه، فتارة يقال في مقام البحث عن النية: باعتبار قصد التعيين فيها، و يراد به ما قلنا، فلا إشكال في اعتبار قصد التعيين بهذا المعنى.

و لكن قد يقال: باعتبار قصد التعيين و عدمه، و يراد به غير ذلك، فنقول: تارة يقال: بأنّه إذا كان فردان أو أفراد من الطبيعة الواحدة مورد تعلق الأمر، ففي مقام امتثال كل فرد من هذه الأفراد

هل يجب التعيين أم لا؟ مثلا إذا قال المولى (من قتل مؤمنا خطا فعليه عتق رقبة) فمن قتل مؤمنين خطا، ففي مقام الامتثال و عتق الرقبة يجب عليه التعيين، و لازمه أنّه في مقام الامتثال يقصد العتق بعنوان امتثال أمر خاص متعلق به و هكذا، و إلّا لا يحصل الامتثال، أو يكفي في مقام الامتثال في المثال المتقدّم عتق العبدين و إن لم يقصد في مقام عتق كل واحد منهما كون ذلك بعنوان امتثال أىّ من الأمرين.

لا إشكال في عدم اعتبار قصد التعيين بهذا المعنى، لأنّه بعد كون كل منهما من الطبيعة الواحدة، و ليس المطلوب منهما إلّا إتيان فردين من الطبيعة، و على فرض كون أمرهما تعبديا ليس المطلوب إلّا إتيان الفردين بقصد التعبد، فبمجرد عتق المكلف عبدين بقصد التعبد و إطاعة أمر المولى، يحصل الامتثال و إن لم يعين في مقام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 40

الامتثال امتثال خصوص كل أمر من الأمرين، لكفاية ذلك في مقام الامتثال.

فقد يقال قصد التعيين في النية و يراد به هذا، فلا دليل عليه.

و تارة يقال في مقام توجه تكليف معلوم بالمكلف: بأنّه هل يكتفي في مقام الامتثال بالامتثال الاجمالى، أو لا؟

و هذه المسألة تعرضناها في الاصول حين التكلم في جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى و عدمه، و مما يقال في وجه عدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى هو اعتبار قصد التعيين، و حيث يعتبر تعيين المأمور به حين العمل، و على الفرض في مقام الامتثال الاجمالى ليس المأمور به معيّنا حتّى يقصده حين اتيانه، فلهذا لا يكتفي بالامتثال الاجمالى.

و الحق عدم اعتبار هذه المعنى من قصد التعيين أيضا، لأنّ العقل لا يرى دخل ذلك في صدق الاطاعة، فمن كان

عليه واجب مردد بين شيئين لو أتى بهما احتياطا، يعدّ عند العقلاء مطيعا و ممتثلا لأمر المولى و إن لم يعيّن حين الاتيان أنّ أيّا منهما يكون المأمور به، و لا فرق في ذلك بين ما يكون الدوران بين المتبانيين كما مثلنا، أو بين الأقل و الأكثر مثل ما إذا لم يدر بأنّ الصّلاة الواجبة لها تسعة أجزاء، أو عشرة اجزاء، و لا يحتمل كون الأقل مطلوبا بشرط عدم الزيادة، فإنّ أتى بعشرة أجزاء احتياطا يعدّ ممتثلا للأمر الصادر من المولى.

[في ذكر بعض الامور فى الباب/ الامر الاول]

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ المستفاد من كلمات الشّيخ رحمه اللّه و غيره هو أنّ منشأ الاشكال في عدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى أمور:

الامر الأوّل: من باب اعتبار قصد الوجه في العبادة، و الحق عدم اعتباره.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 41

[في ذكر الامر الثاني و الثالث]

الامر الثاني: من باب كون الامتثال الاجمالى في صورة استلزامه التكرار لعبا و عبثا بأمر المولى، و هذا واضح الفساد، لأنّه لا يعدّ من يكون في تكراره في مقام الاطاعة أنّه لاعب و عابث، نعم، ربما يعدّ بعض صوره لعبا و عبثا، مثل ما إذا تكرر ألف مرة مع تمكنه من امتثال التفصيلى، و الاتيان بمرّة واحدة.

الامر الثالث: و هو ما يظهر من كلمات بعض الأعاظم من المعاصرين، و صار منشأ الاشكال عنده، و لم يكتف بامتثال الاجمالى و هو أنّه لا بد في صدق الاطاعة و تحققه في نظر العقل، كون المأمور منبعثا من بعث المولى، بحيث يكون محركه نحو العمل العلم بالأمر، و تعلق الأمر بالمأمور به، و علمه بكون المأمور به منطبقا له، فإذا علم تفصيلا بالمأمور به فيكون انبعاثه نحو العمل العلم بالأمر، و أمّا إذا علم إجمالا بأنّ احدا من الأمرين يكون هو المأمور به، و لا يدرى حين الاتيان بكل منهما بأنّه هو المأمور به، فليس محركه العلم بالأمر، بل المحرك هو احتمال الأمر، و لا يكفي في تحقق الاطاعة احتمال الأمر.

نعم، بعد إتيان كل منهما و لو يعلم بتحقق ما يكون المأمور به منطبقا عليه، و لكن ما هو المعتبر في صدق الاطاعة هو أن يكون عمل الفاعل حال العمل، بداعى تعلق الأمر بهذا العمل، فانبعاثه ليس عن العلم بالبعث، بل يكون باحتمال البعث، و الانبعاث باحتمال البعث

و إن يعدّ إطاعة، إلّا أنّ رتبته مؤخرة عن الانبعاث من العلم بالبعث، فمع التمكن من الامتثال التفصيلى و الانبعاث عن العلم بالأمر، مقدم رتبة عن الامتثال الاجمالى و الانبعاث عن احتمال الأمر.

و فيه أنّ ما أفاده رحمه اللّه من أنّ المحرك احتمال الأمر، لا وجه له، فإنّ من الواضح كون المحرك و الباعث باتيان طرفي العلم الاجمالي هو علم المكلف بالأمر، فهو في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 42

إتيانه بكل منهما لا ينبعث إلّا لأجل علمه بالأمر، غاية الأمر حين الاتيان بكل منهما ليس المعلوم عنده كون هذا منطبق المأمور به، و ليس ذلك معيّنا عليه، و صرف عدم علمه بذلك لا يضرّ بصدق الإطاعة، بل يعدّ العبد الممتثل بهذا النحو أنّه في صدد اطاعة أمر المولى، و لا يطلب المولى منه إلّا الاتيان بما أمر به، و هو على الفرض يأتي بما أمر به في ضمن فردين يعلم بكون احدهما المأمور به، فلا وجه لعدم الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال، و لا نرى أنّ العقل يحكم بعدم تحقق الاطاعة بهذا النحو.

الموضع الخامس: من الامور الّتي نبحث عنه في النية هو مسئلة العدول.
اشارة

بعد ما عرفت من أنّ الصّلاة من جملة العناوين القصدية و لا بدّ في تحققها أى:

تحقق جنسها من القصد، و كذلك بعض أنواعها كالظهرية، و العصرية، و الادائية، و القضائية، و النفلية، و الفرضية بحيث لا يصير الخارج منطبق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد، و ليس احتياجها إلى القصد من باب الترتيب المعتبر بين بعضها مع البعض، كالعصر المترتب على الظهر، بل من باب تعدد أنواعها، فإنّ الظهر نوع، و العصر نوع آخر من الصّلاة، و كذلك الأداء نوع، و القضاء نوع آخر، و هكذا النافلة نوع، و الفريضة نوع آخر منها.

و

لأجل هذا قلنا: بأنّ الخارج لا يصير مصداق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد فلو أتى بصورة صلاة في الخارج بلا قصد إلى أحد هذه الأنواع، فهو لا يصير منطبق أحد منها، لأنّ صيرورتها مصداقا لأحد منها يحتاج إلى القصد.

إذا عرفت ذلك نقول: يقع الكلام في جواز العدول من صلاة إلى صلاة اخرى و عدمه، مثلا شرع المصلّي في صلاة العصر بتخيل أنّه أتى بالظهر، أو في العشاء بتخيل إتيانه المغرب أو في المغرب بعد دخول وقته بتخيل إتيانه الظهر، أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 43

العصر في هذا اليوم من باب العدول من الأوّل إلى القضاء، أو من قضاء اللاحق إلى السابق.

اعلم أنّ الكلام في جواز العدول تارة يقع في ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات، و تارة يقع الكلام في جواز العدول و عدمه بمقتضى الروايات، فالكلام في المقامين:

[الكلام فى ما يقتضيه القاعدة في العدول]

أمّا الكلام في ما تقتضيه القاعدة، فنقول: بعد ما عرفت من كون الظهرية و العصرية، و المغربية و العشائية، و الأداء و القضاء، و النفل و الفرض في الصّلاة، من العناوين القصدية مثل أصل الصّلاة، فإذا وقع في الخارج بعض الصّلاة بقصد أحدها مثلا بقصد العصر، فليس قابلا لأنّ يصير مصداقا للظهر، فلو شرع أحد في صلاة بقصد العصر و أتى بركعة منها أو ركعتين، فإذا عدل من نية العصر إلى الظهر و أتمّها ظهرا.

فإمّا أن يقال: بأنّ كل هذه تقع للعصر و لا أثر للعدول، فهو- مضافا إلى كونه خلاف الفرض، لأنّ الفرض في جواز العدول هو صيرورة الصّلاة بعد العدول مصداقا للمعدول إليه لا المعدول عنه- لا بد من الالتزام بصيرورة هذه عصرا مع كونه في بعضها غير قاصد للعصر، و

الحال أنّها لا تصير عصرا إلّا بالقصد على الفرض.

و إمّا أن يقال: بصيرورتها بعد العدول ظهرا، فهو أيضا غير صحيح، لأنّه على الفرض بعض منها وقع عصرا باعتبار قصده الأوّل.

و أمّا أن يقال: بأنّها تقع ظهرا و عصرا كليهما، فهو- مع كونه خلاف فرض القائل بجواز العدول، لأنّ مقصوده وقوع تمام الصّلاة بعد العدول للمعدول إليه، لا له

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 44

و للمعدول عنه- لا يمكن الالتزام بكون صلاة واحدة ظهرا و عصرا كليهما، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ العدول بمقتضى القاعدة محال من باب أنّه يلزم تأثير المتأخر في المتقدم، لأنّ المقصود و هو صيرورة الصّلاة بعد العدول للمعدول إليه، و هذا معنى تأثير المتأخر في المتقدم، بل لازمه الانقلاب، لأنّه بعد العدول بينة الظهر من نيّة العصر أعنى: صيرورة ما مضى من الصّلاة للظهر، هو انقلاب ما وقع للعصر، بمقتضى نيّة السابقة الّتي عنوت بعنوان العصر و صارت مصداقا لها، بالظهر، و هذا محال.

هذا كله بمقتضى القاعدة، فعلى هذا بعد كون جواز العدول خلاف القاعدة، بل يكون محالا، فجوازه محتاج إلى الدليل الوارد من الشرع، ففي كل مورد يكون الدليل على جوازه نقول به تعبدا، و إلّا فلا.

[الكلام في جواز العدول بمقتضى الروايات]
اشارة

أمّا المقام الثاني أعنى: جواز العدول و عدمه بمقتضى الدليل، فنقول: ما يتمسّك به لجواز العدول بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء، و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها و

أقم، ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكل صلاة، و قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: و إن كنت قد صليت الظهر و قد فاتتك الغداة، فذكرتها فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، و قال: إذا نسيت الظهر حتّى صليت العصر، فذكرتها و أنت في الصّلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى، ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع، و إن ذكرت أنّك لم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 45

تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين، فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر، و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها، فصلّ العصر، ثمّ صل المغرب، فإنّ كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر، و إن كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب، فإنّ كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب و إن كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة، فإنّ كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى و في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإنّ خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ

بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ بأولهما، لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلّها إلّا بعد شعاع الشمس، قال:

قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنّك لست تخاف فوتها). «1»

و هذه الرواية تعرضت أحكاما:

[فى الرواية الاولى لجواز العدول و عدمه/ الفقرة الاولى]

الفقرة الاولى: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن، فأذّن لها و أقم ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها باقامة اقامة لكل صلاة) ففي هذه الفقرة يكون عليه السّلام في مقام بيان كفاية أذان واحد إذا أراد المكلف

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 46

إتيان صلوات متعددة بأن يصلّي صلاة بأذان و إقامة، ثمّ كلّ صلاة يصلّي بعدها يكفي لها الاقامة و قوله (فابدأ بأولهن) لم يكن في مقام بيان الترتيب بين ما فات منه من الصلوات حتّى يقال باعتبار الترتيب بينها، بل حيث يكون في مقام إفادة حكم كفاية أذان واحد لا في مقام إفادة الترتيب، فلا يستفاد منه الترتيب، و قوله (فابدأ بأولهن) يكون المراد ما هو الأوّل بحسب شروع، يعني الأذان يقول قبل أوّلهنّ مع الاقامة، ثمّ يأتي بما بقي باقامة إقامة.

[الكلام فى الفقرة الثانية]

الفقرة الثانية: (و قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها) يحتمل أن تكون المخاطبة الواقعة بين أبي جعفر عليه السّلام و بين زرارة المذكورة في هذه الرواية في مجلس واحد، و يحتمل أن تكون في مجلسين أو مجالس، و قول زرارة (و قال أبو جعفر عليه السّلام) ربما يؤيد ذلك و لم يصل إلينا كتاب زرارة فيحتمل أنّه ذكر السؤالات و الأجوبة الّتي وقعت بينه و بينه عليه السّلام في كتاب، ثمّ في أوّل كل سؤال و جواب مثلا قال (و قال أبو جعفر عليه السّلام) و

على كل حال يستفاد من هذه الفقرة حكم آخر، و هو قضاء الغداة إذا ذكر فوتها و لو كان بعد العصر، ثمّ بعد ذلك أفاد عليه السّلام قضاء كل صلاة فات متى ما ذكرها.

و قد يتوهّم من هذه الفقرة المضايقة بمعنى أنّ وقت قضاء الفائتة يكون مضيّقا لا موسعا حتّى يقال بناء على المضايقة لا بدّ له البدار بقضاء الفائتة فورا، و لا يشتغل بشي ء سواها إلا بمقدار الضرورة لانه عليه السّلام قال (فصلّ الغداة أىّ ساعة ذكرتها) و كذلك قال (و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها) و ظاهرها وجوب إتيان الغداة في أوّل زمان التذكر، و هذا معنى المضايقة في الوقت.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 47

و لكن لا مجال لهذا التوهّم لانه عليه السّلام بعد قوله (فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها) قال (و لو بعد العصر) فحيث إنّه يكون بعد العصر الصّلاة مكروهة أو محرمة كما عند العامة فيكون الأمر عقيب الحظر أو الكراهة، فلا ظهور للأمر في الوجوب، بل يكون في مقام أنّ القضاء واجب، و بعد كونه واجبا يجب إتيانه، و يجوز في كل ساعة حتّى في الساعات المكروهة، فلا يستفاد من الرواية المضايقة.

الفقرة الثالثة:

(و قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر و أنت في الصّلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع) و الظاهر من هذه الفقرة في حدّ نفسها هو وجوب العدول من العصر إلى الظهر إذا نسى الظهر و دخل في العصر، سواء كان في أثناء العصر أو بعد الفراغ منها.

أمّا جواز العدول في الأثناء، فيدل عليه هذه الفقرة، و الفقرة الّتي بعدها، و بعض روايات اخر، و يكون المفتي به بين

الاصحاب رضوان اللّه عليهم.

و أمّا العدول بعد الفراغ من اللاحقة إلى السابقة مثلا في المورد المذكور في الرواية، من العصر إلى الظهر بعد الفراغ من العصر بأن ينوها الاولى- فهو و إن كان جائزا بمقتضى ظاهر هذه الفقرة، و مقتضى ظاهر رواية ابن مسكان عن الحلبي، إلّا أنّه بعد ما نرى من كون المشهور من القدماء لم يفتوا على طبقها، مع أنّهم ترووا هاتين الروايتين و أعرضوا عن هذه الفقرة من رواية زرارة، مع كون الرواية متقنا من حيث السند و عن رواية ابن مسكان عن الحلبي، فلم تكن الروايتان حجتين لهذا الحكم، لأنّ أدلّة حجية خبر الواحدة، و العمدة منها هو بناء العقلاء، لا تشملهما، لعدم كون بناء العقلاء على الأخذ بمثل هذه الرواية.

(و لا ينافي عدم إمكان العمل بهذه الفقرة من رواية زرارة مع العمل ببعضها

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 48

الاخر، لأنّ في هذه الفقرة لم تكن حجة، فعلى هذا لا يمكن الالتزام بجواز العدول من اللاحقة السابقة بعد الفراغ من اللاحقة، و يأتي بالنظر التشويش في هذه الفقرة، لأنّه بعد ما يفرض العدول في الأثناء، فإنّ كان في هذه الفقرة كما هو ظاهرها، فرض العدول في الأثناء و بعد العصر، لا وجه لذكر الأثناء مجددا، فيحتمل كون هذه الفقرة من زيادة الواقعة في الرواية، أو غير ذلك ممّا يوهن متن هذه الفقرة).

[الكلام فى الفقرة الرابعة و الخامسة و السادسة و السابعة]

الفقرة الرابعة: (فإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر) و هذه الفقرة تدلّ على وجوب العدول من العصر إلى الظهر إذا تذكر عدم إتيان الظهر في أثناء العصر.

الفقرة الخامسة: (و

ان كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فاتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب) و هي ظاهر في وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة و بيّن الصغرى و هو العدول من المغرب إلى العصر إذا تذكر في أثناء المغرب.

الفقرة السادسة: (فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب، فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة) بيّن حكمين:

الأوّل: إتيان المغرب لو نسيها و صلّى العشاء،

الثاني: العدول من العشاء إلى المغرب إذا تذكر نسيان المغرب بعد ما صلّى ركعتين من العشاء، أو قام إلى الثالثة من العشاء.

الفقرة السابعة: (فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 49

فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإنّ خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ بأوّلهما لأنّهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس. قال:

قلت: لم ذلك؟ قال: لأنّك لست تخاف فوتها) و بين عليه السّلام أحكاما في هذه الفقرات، و مفادها واضح. «1»

[الكلام فى الرواية الثانية]

الرواية الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، و ان كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين، ثمّ ذكر انّه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك). «2»

تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الفائتة إن كان المراد من قوله (نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة اخرى) هو تذكره بعد خروج الوقت كما هو ظاهره، و تدلّ

______________________________

(1)- (أقول: و قوله عليه السّلام أخيرا (أيّهما ذكرت الخ) دالّ على المواسعة، أمّا أوّلا فلأنّه قال عليه السّلام (لا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس) فجوّز تأخيرها، و أمّا ثانيا و هو العمدة، العلة الّتي ذكرها لجواز التأخير، و هو قوله (لأنّك لست تخاف فوتها) فالظاهر منه هو أنّك في السعة، لأنّك لست تخاف فوتها، يعني: وقتها موسعة، و هذا معنى المواسعة). (المقرّر).

(2)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 50

على العدول من اللاحقة إلى السابقة.

[الكلام في الرواية الثالثة و الرابعة]

الرواية الثالثة: ما رواها حماد عن الحلبى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم، أنّه لم يكن صلّى الاولى؟ قال:

فليجعلها الاولى الّتي فاتته، و يستأنف العصر، و قد مضى القوم صلاتهم، و رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابن أبي عمير مثله إلّا انّه قال (و قد مضى القوم بصلاتهم). «1»

تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، لأنّ فيها

الأمر بالعدول من العصر إلى الظهر.

الرواية الرابعة: ما رواها ابن مسكان عن الحلبى (قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال: فليجعل صلاته الّتي صلّى الاولى، ثم ليستأنف العصر) «2» تدلّ على العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، و موردها صورة الفراغ من العصر، فلا يعتمد على الرواية لإعراض الأصحاب عنها، لما قلنا في رواية زرارة.

و نحن نعدّ الرواية الثالثة و الرابعة روايتين، و لا مجال لتوهم كونهما واحدة لما يرى من أن الراوي فيهما واحد، لأنّ حماد يروى عن الحلبى و ابن مسكان يروي عن الحلبى، لأنّ حماد يرى أنّ نوعا من رواياته يروي عن عبيد اللّه بن على الحلبى، و ابن مسكان يروي عن محمد بن علي الحلبي فعلى هذا لا يبعد كون كل منها رواية مستقلة.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 51

الرواية الخامسة:
اشارة

ما رواها الحسن بن زياد الصيقل (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي الاولى حتّى صلّى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلها الاولى، و ليستأنف العصر. قلت: فإنّه نسى المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر؟ قال: فليتم صلاته، ثمّ ليقض بعد المغرب قال: قلت له: جعلت فداك: قلت حين نسى الظهر، ثمّ ذكر و هو في العصر: يجعلها الاولى ثمّ يستأنف، و قلت لهذا يتم صلاته ثمّ يقضى بعد المغرب؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، إنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة). «1»

و ظاهرها الفرق بين العصر و العشاء، فيجوز العدول من العصر إلى الظهر، و لا يجوز العدول من العشاء إلى

المغرب معللا بأن العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة، و قد تصدى الفاضل الهندي رحمه اللّه صاحب كشف اللثام لتوجيه الرواية، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّ قوله (ثمّ ليقض بعد المغرب) يقرأ لفظ (بعد) بفتح الدالّ، فيكون المراد أنّه يتم صلاته الّتي شرع فيها بنية العشاء مغربا، ثمّ ليقض بعد هذه الصّلاة الّتي بالعدول صارت مغربا العشاء،

و بعبارة اخرى يقضى: أى يأتى بالعشاء بعد المغرب.

ثمّ قال في توجيه سؤال السائل عن الفرق و ذكر جواب الامام عليه السّلام مع العلة:

بأنّ السائل ليس سؤاله من علّة الفرق بين العصر و العشاء من حيث جواز العدول في الاولى و عدمه في الثانية، بل بعد ما قال عليه السّلام في مقام جواز العدول من العصر إلى الظهر و جعل العصر ظهرا بأنّه (و ليستأنف العصر) فعبر بلفظه (الاستيناف) فكان

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 63 من ابواب الاوقات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 52

سؤال السائل من علّة التعبير في الاولى بالاستيناف بقوله (و ليستأنف) و في الثانية بالقضاء بقوله (ثمّ ليقض) فقال عليه السّلام في الجواب بما يرجع إلى أنّ علّة الفرق في التعبير هو أن العصر ليس بعدها صلاة، و لاجل هذا قلت (و ليستأنف) و العشاء بعدها صلاة و لهذا قلت (ليقض).

[في ردّ كلام الفاضل الهندي]

هذا حاصل ما قال توجيها للرواية، و لا يخفي ما فيه من البعد، لأنّه كما ترى ظاهر الرواية هو الفرق بين العصر و العشاء من حيث جواز العدول في الاولى و عدمه في الثانية، و حيث إنّ الرواية في هذا الحيث مخالف مع ساير الروايات، و ما هو المشهور عند الاصحاب، فالأولى ردّ علمها إلى أهله.

إذا عرفت حال الروايات نقول

بعونه تعالى: اعلم أنّ الكلام يقع تارة في جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة الأدائية بعد الفراغ من اللاحقة، بأن صلّى العصر فتذكر نسيان الظهر.

و الحق عدم الجواز، لأنّه بعد كون العدول خلاف القاعدة حتّى بالنسبة إلى الأثناء، فنحتاج في الخروج من القاعدة من الدليل، و ليس لنا دليل.

إن قلت: بأنّ رواية زرارة و ابن مسكان عن الحلبى تدلّ على ذلك.

نقول: بأنّه كما قلنا بعد كون الشهرة على خلافهما، و عدم وجود قائل بذلك من القدماء، فيكشف ذلك عن إعراضهم عن رواية زرارة في خصوص هذه الفقرة الدالّة على ذلك و من رواية ابن مسكان، فعلى هذا لم يكن مقتضى الحجية في الروايتين من حيث هذا الحكم موجودا، لعدم بناء العقلاء على أمثال

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 53

هذه الرواية. «1»

[في ان العدول فى الاثناء من اللاحقة الى السابقة فجائز]

و تارة يقع الكلام في العدول في الأثناء، اعلم أن مورد الروايات و خصوصا رواية زرارة المتقدمة، هو العدول من اللاحقة إلى السابقة الّتي سابقة على اللاحقة بلا فصل، كالظهر بالنسبة إلى العصر، و المغرب بالنسبة إلى العشاء، و من اللاحقة إلى السابقة الّتي مضى وقتها و تذكر في أثناء اللاحقة، لكن في خصوص الفائتة الّتي سابقة على اللاحقة بلا فصل صلاة اخرى، مثل ما إذا كان في الظهر فتذكر نسيان الغداة، أو كان في المغرب فتذكر نسيان العصر، أو كان في الغداة فتذكر نسيان العشاء، فوجوب العدول في خصوص مورد الروايات، و هو ما بينا، ليس محل كلام و إشكال.

[في ان الاشكال في صور ثلاثة/ الصورة الاولى]

إنّما الكلام في صور:

الصورة الاولى: هل يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة الّتي يكون بينها و بين اللاحقة صلاة اخرى أو صلوات اخر أم لا؟ مثل ما إذا شرع في العصر، و تذكر أنّه لم يصلّ الغداة، أو في المغرب فتذكر نسيان الظهر، أو في الغداة و تذكر نسيان المغرب، أو كان في الظهر و تذكر نسيان ظهر يوم السابق، و هكذا و الأمثلة كثيرة، فهل تشمل الروايات هذه الصورة أم لا؟

______________________________

(1)- أقول: و أمّا العدول من الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ فغير ممكن، فلا يمكن العدول بعد الفراغ من الظهر إلى الصبح، لأنّها أربع ركعات و الغداة ركعتين، و كذلك من المغرب بعد الفراغ منها إلى الظهر أو العصر لانها ثلاث ركعات و كل منهما أربع ركعات، و لا من الغداة إلى المغرب و العشاء، لأنّها ركعتين و هما ثلاث ركعات و اربع ركعات إلا أن يقال بالعدول من خصوص العشاء إلى الظهر أو العصر. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 54

[في ذكر الصورة الثانية و الثالثة]

الصورة الثانية: يقع الكلام في ترامى العدول، و هو أنّه مثلا إذا تذكر في اللاحقة عدم إتيان السّابقة، مثلا تذكر في العصر عدم إتيانه الظهر، فعدل إلى الظهر و بعد العدول إلى الظهر تذكر عدم إتيان الغداة، و بعبارة اخرى هل يكون هنا محل العدول، و بعبارة ثالثة في هذا المورد عدل في صلاة مرتين: مرة من العصر إلى الظهر، و مرة من الظهر إلى الغداة، هل يشمله الروايات أم لا؟ وجهان:

وجه عدم كون الصورتين المتقدمتين مورد العدول، هو أنّ ظاهر الروايات، كما قلنا، غير الموردين، فبعد كون العدول على خلاف القاعدة، لا وجه لجواز العدول في الصورتين:

وجه جواز العدول هو أن يقال:

بأن خصوصية كون السابقة سابقة على اللاحقة بلا فصل صلاة، و كذلك خصوصية كون العدول في مورد الروايات من صلاة إلى صلاة اخرى فقط، تكون ملغى في نظر العرف، لأنّه بعد عرض الروايات على العرف لا يفهم فرق في شمولها لكل هذه الموارد، و المذكور في الدليل و إن كان صورة واحدة إلّا أنّه لا خصوصية للمورد المذكور فيها، فتشمل الحكم للصورتين أيضا. «1»

الصورة الثالثة: من دخل في اللاحقة و تذكر عدم إتيان السابقة الأدائية، فتارة يتذكر في الوقت المشترك بينهما، مثل من شرع في العصر بعد مضى مقدار أربع ركعات من أوّل الظهر، فلا إشكال في وجوب العدول من العصر إلى الظهر، و هكذا من العشاء إلى المغرب لو لم يتجاوز محل العدول، و هذا ممّا لا كلام فيه.

______________________________

(1)- لم يختر مدّ ظله العالى أحد طرفي المسألة، و لكن أقول: بأنّ شمول الحكم لكلا الصورتين خصوصا في بعض صغرياتهما و بالاخص في الصورة الثانية، مشكل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 55

و تارة يقع الكلام في ما إذا شرع في اللاحقة قبل إتيان السابقة في الوقت المختص بالسابقة، مثل ما إذا شرع في العصر قبل مضى مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت و لم يأت بالظهر، و كان دخوله في العصر نسيانا، فتذكر في الأثناء و له صورتان، لأنه مرة يتذكر في أثناء اللاحقة بعدم إتيان السابقة و قبل العدول إلى السابقة يتذكر بأنّه شرع في اللاحقة في الوقت المختص بالسابقة، و اخرى يشرع في اللاحقة و يتذكر في أثنائها عدم إتيانه السابقة، فيعدل منها إليها و ينويها السابقة، ثمّ بعد العدول يتذكر بأنّ شروعه في اللاحقة كان في الوقت المختص بالسابقة، و أنّ ما

مضى من صلاته قبل العدول وقع في الوقت المختص بالسابقة، فهل يكون هنا محل العدول أم لا؟ بمعنى: أنّ ما بيده من الصّلاة قابل لأنّ تصير السابقة، مثلا تصير العصر الواقع بعضها السابق على العدول في الوقت المختص بالظهر، ظهرا بالعدول أو لا.

اعلم أنّه تارة نقول بأنّ الوقت مشترك بين الظهر و العصر، فيكون من أوّل الزوال إلى المغرب وقت لهما، و كذلك نقول في العشاءين، غاية الأمر لا بد من إتيان الظهر قبل العصر، و المغرب قبل العشاء، لأنّ هذه قبل هذه، فلا إشكال في كون محل الكلام من موارد العدول، لأنّه شرع في العصر في وقتها غاية الأمر نسى الترتيب، فبعد التذكر في أثنائها يعدل إلى الظهر و يشمله الروايات الواردة في باب العدول.

و لكن تارة نقول، كما هو المشهور عند القدماء رضوان اللّه عليهم، و لا يبعد كون هذا أقوى- بأنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختص بالظهر، و لا يدخل وقت العصر إلّا بعد مضى ذلك، و كذلك مقدار ثلاث ركعات من أوّل المغرب وقت للمغرب، و لا يدخل وقت العشاء إلّا بعد مضى هذا المقدار.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 56

فعلى هذا حيث إنّه على الفرض في مسئلتنا ما مضى من صلاة العصر أو العشاء مثلا وقع في الوقت المختص بالظهر أو المغرب، يقع الكلام في أنّ المورد يجوز أو يجب العدول من العصر إلى الظهر، و تصير الصّلاة ظهرا أم لا؟ وجهان.

وجه عدم كون المورد مورد العدول، هو أنّه لا بدّ في العدول من شمول الأخبار المتقدمة له، لكون العدول خلاف القاعدة، و المستفاد من الأخبار هو أنّ العصر الواقع صحيحا من غير حيث الترتيب إذا وقع قبل الظهر

و تذكر في الأثناء يجب العدول منها إلى الظهر، لأنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ من صلّى العصر مثلا، و تذكر في الأثناء عدم إتيانه الظهر ينوها ظهرا، و الظاهر ممّن صلّى العصر، هو العصر الصحيح، و على الفرض ليس ما مضى من عصره صحيحا لوقوعها قبل وقتها، فلا يكون المورد مورد العدول.

إن قلت: إنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا أنّ من يكون في الصّلاة اللاحقة يعدل إلى السابقة لو تذكر عدم إتيانها، و لا تصريح فيها باعتبار كون ما مضى من صلاته صحيحة من غير حيث الترتيب.

نقول: بأنّه من الواضح أنّ المراد هذا، و إلّا فإنّ كان ما مضى من صلاته فاقدة لبعض شرائط آخر، فلا بدّ أن تقول بجواز العدول مثلا لو شرع فيها بلا طهارة، أو على غير القبلة، و الحال انك لم تلتزم بذلك.

و أمّا وجه كون المورد من الموارد الّتي يشملها الأخبار و يكون محل العدول، هو أنّ الشرائط و الأجزاء المعتبرة في الصّلاة مختلفة، فبعضها معتبر في كل صلاة، و بعضها في بعض الصلوات، فالأوّل كالطهارة و القبلة، و الثاني مثل مقدار أربع ركعات في أوّل الوقت أو آخر الوقت، فالأوّل شرط في الظهر فقط، و الثاني في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 57

العصر فقط، لا في مطلق الصّلاة.

[المانع من جواز العدول عدم كون العصر صحيحا]

فعلى هذا نقول: بأنّ المستفاد من الروايات هو أنّ المتذكر في اللاحقة عدم إتيان السابقة يعدل عنها إلى السابقة، و ليس المانع من شمول الأدلّة لموردنا إلّا عدم وقوع ما مضى بعنوان العصر في وقتها فليست عصرا صحيحة، و لكن بعد كون هذه الصّلاة إذا وقعت عصرا مشروط بهذا الشرط أى: وقوعها في غير هذا الوقت المختص بالظهر، لا أن

يكون هذا شرطا في العصر و الظهر كليهما، فنقول إنّ هذه الصّلاة إن وقعت عصرا فاسدة لعدم واجديتها لشرط من شرائطها و هو شرط وقوعها بعد هذا الوقت، و أمّا لو وقعت ظهرا فهي واجدة لشرط الوقت لكون هذا الوقت وقتا لها فعلى هذا بمقتضى أدلّة العدول نقول بعدوله من العصر إلى الظهر و بعد العدول تصير ظهرا و إذا صارت ظهرا صارت من أوّلها إلى آخرها ظهرا، لا أنّ ما مضى من الصّلاة كان عصرا و ما بقى منها يكون ظهرا، بل بعد العدول تصير الصّلاة من أوّلها إلى آخرها ظهرا بمقتضى أدلّة العدول، و بعد صيرورتها ظهرا فالصّلاة من أوّلها إلى آخرها واجدة للشرط فتشمل المورد أدلّة العدول. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث: بأنّه مع فرض كون العدول على خلاف القاعدة يكون الحكم بكون ما نحن فيه مورد العدول موقوفا على شمول الأخبار الواردة في العدول له، و لا إشكال في أنّ كل حكم يكون فرع وجود موضوعه، فلا بدّ لنا من فهم أنّ ما هو موضوع العدول، فنقول: إنّ موضوع العدول- كما يظهر من رواية زرارة، كما هو ظاهر قوله فيها (و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى الخ) و هكذا روايات الاخر- هو كون الموضوع من يصلّي العصر، و بعبارة اخرى يكون في اللاحقة.

فتارة يقال: إنّ مفاد قوله (و أنت في صلاة العصر) الظاهر في أنّ الموضوع من يكون في صلاة العصر، هو مطلق من يكون في صلاة العصر و إن كانت صلاة عصره فاسدة من حيث فقد جزء أو شرط، مثلا يكون بلا طهارة

أو على غير القبلة.

و تارة يقال: إنّ الموضوع هو الصّلاة الصحيحة من غير حيث الترتيب.

و بعبارة اخرى تارة تكون الروايات في مقام بيان خصوص الصّلاة الّتي جامعة للشرائط غير شرط الترتيب، فمن هذه الصّلاة يعدل إلى السابقة، و تارة تكون لها إطلاق من حيث هذا الشرط و غيره.

و حيث إنّ الظاهر هو عدم إطلاق لها، فليس المورد مورد العدول، لأنّ موضوع العدول غير موجود هنا، لأنّ اللاحقة الصحيحة من غير حيث الترتيب لم تكن على المفروض، حيث إنّ العصر من حيث وقوعها قبل وقتها فاقدة لشرط الصحة، و هو الوقت فعلى هذا لا يجوز العدول فيما نحن فيه.

فقال مدّ ظله العالى جوابا: بأنّ حاصل الاشكال يرجع إلى أنّ الروايات لا تكون لها إطلاق، و لكنّ الانصاف يكون الاطلاق لها حيث إنّ الموضوع هو من يصلّي العصر سواء كان شروعه في الوقت المختص أو المشترك، و لا وجه لدعوى أنّ الروايات لا تشمل وقت المختص، فمن يكون في اللاحقة يجب عليه العدول إلى السابقة، غاية الأمر أن ما بيده من الصّلاة ليست قابلة لأنّ يتمها عصرا لكونها واقعة قبل وقتها، و لكن قابلة لأنّ تقع ظهرا لكون الوقت وقتا لها، و أدلّة العدول يجعلها ظهرا، فوقع ما مضى و ما بقى منها في وقتها و تصح الصّلاة.

و لكن كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى أقول: بأنّ ما مضى من الصّلاة الواقعة قبل العدول بنية العصر، وقعت فاسدة لكونها قبل الوقت، فليس موضوع العدول حتّى تصير ظهرا بالعدول، و بعبارة اخرى رتبة الموضوع مقدمة على الحكم، فلا بدّ في جواز العدول أو وجوبه من موضوع، و الموضوع هو العصر الواقع من غير جهة الترتيب صحيحة، و على

الفرض لم تقع صحيحة لكونها في غير وقته.

و ما أفاده من الاطلاق للروايات ليس بصحيح، لأنّ لسان الروايات كما يظهر للمراجع، هو.

التعرض لحيث الترتيب، بمعنى أنّ اللاحقة المعتبرة فيها الترتيب و كونها فاقدة له نسيانا يعدل عنها إلى سابقها، فكل صلاة وقعت صحيحة من غير حيث الترتيب يجوز العدول منها إلى سابقها، فلا تعرض للروايات لغير هذه الجهة، و إلّا إن كان إطلاق للروايات فلازمه هو الحكم بجواز العدول و لو وقعت اللاحقة فاسدة من غير حيث الترتيب، مثلا وقعت بلا طهارة أو على غير القبلة.

و ما أفاده مد ظله العالي من الفرق بين الشرائط- من أنّ بعض الشرائط شرط لمطلق الصلوات كالقبلة و بعضها لبعض الصلوات كالترتيب المعتبر في اللاحقة، فإنّ كان الشرط من قبيل الثاني يشمله أدلّة العدول لأنّ بالعدول تصير اللاحقة السابقة، و على الفرض لا يعتبر هذا الشرط في السابقة، فلا إشكال- غير تمام لأنّه على فرض تعرض الروايات لخصوص صورة وقوع ما وقع بقصد اللاحقة صحيحة، و كون موضوع العدول هذه الصورة فقط، فلا موضوع في ما إذا وقعت اللاحقة فاقدة للشرط سواء كان هذا الشرط الوقت الّذي كان موجودا على تقدير كون الصّلاة تقع السابقة و سواء كان غير هذا الشرط، لأنّ الشرط معتبر في اللاحقة، و على الفرض لم يكن موجودا، فلم يكن موضوع العدول.

نعم لو فرض كون الموضوع موضوع العدول تقع الصّلاة الصّلاة السابقة من باب كونها في وقتها، و لكن الكلام في الموضوع فعلى هذا لم يكن المورد مورد العدول على فرض اختصاص أول الوقت بالظهر، فافهم.

ثمّ إنّ مدّ ظله العالى قال، بعد ما قلت ما قلت، بأنّ للروايات إطلاق فتشمل المورد إطلاقها، نعم حيث إنّ

المتعارف في زمان صدور الروايات هو التفريق عند المسلمين لا الجمع فكانوا يصلّون الظهر في أوّل الوقت، ثمّ بعد مدة يصلّون العصر، و لم يكن العمل على الجمع، يمكن أن يقال: بأنّ الاطلاقات الواردة منصرفة عن المورد، لعدم تعارف إتيان العصر قبل زمان كان المتعارف إتيانها في هذا الزمان، ى فلا يؤتى بها في أوّل الزوال متصلا بصلوة الظهر، و حيث إنّ الاطلاقات منزّلة على المتعارف و الفرض خارج عن المتعارف، فلا يبعد دعوى عدم كون المورد من موارد العدول.

أقول: كما قلنا: الوجه في عدم كون المورد مورد العدول هو ما قلنا، و إلّا فما أفاده مد ظله.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 60

فرع:

بعد ما يكون مورد العدول من العشاء إلى المغرب هو في ما إذا تذكر في أثناء العشاء، و كان محل العدول باقيا، مثلا تذكر في الركعة الاولى أو الثانية أو الثالثة، أو الرابعة من العشاء قبل دخوله في ركوع الركعة الرابعة، ففي كل هذه الصور يعدل من العشاء إلى المغرب، و أمّا إذا تذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء، فليس هنا محل العدول مسلما لأنّه ان يعدل إلى المغرب فقد زاد فيها ركوعا فتبطل المغرب، فلا يكون مورد العدول كما يظهر من رواية زرارة المتقدمة.

هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّه بعد عدم كون المورد مورد العدول، فما حكم ما بيده من العشاء، فهل تبطل بمجرد تذكر نسيانه المغرب من باب فقدها الشرط الترتيب، أو يتمها عشاء و تصح عشاء، أو يتمها عشاء ثمّ يأتى بالمغرب و بعدها عشاء آخر احتياطا؟

أعلم أنّ الظاهر من كلمات نوع المتأخرين هو صحة الصّلاة و وقوعها عشاء، لكن السيّد رحمه اللّه كما

يرى في العروة لم يقل بذلك بل قال: باتمام الصّلاة عشاء، ثمّ إتيان المغرب، ثمّ عشاء آخر بعد المغرب.

______________________________

العالي وجها لعدم الشمول يمكن إنكاره، فإنّه في زمن الصادقين عليهما السّلام، مع الروايات الواردة في جواز الجمع، لم يكن الجمع غير متعارف خصوصا في نظر السائل مثل زرارة، فإنّ حمل المطلق على المتعارف ليس إلّا من باب أنّ المتكلم لو أطلق كلامه مع كون نظره إلى خصوص المتعارف، فما أخلّ بفرضه، لأنّ المخاطب لا يحمل كلامه إلّا إليه، و لكن لو لم يكن عند المخاطب تعارف فإن أطلق كلامه مع كون نظره إلى خصوص بعض الأفراد لا تمامها، فقد أخلّ بفرضه، و المورد كذلك، لأنّه بعد كون الجمع متعارفا و السائل مطلع عليه، فلا ينزّل كلام المتكلم على خصوص ما كان وقوع اللاحقة في الوقت المشترك، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 61

و لا يبعد صحّتها و وقوعها عشاء صحيحا، و نقول وجها له:

أمّا أوّلا فلأنّ المستفاد من رواية زرارة و بعض آخر من روايات العدول أنّه إذا تذكر في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة يعدل إليها، و إن تذكر بعد الفراغ من اللاحقة عدم إتيان السابقة وقعت اللاحقة صحيحة، و يأتى بالسابقة بعدها، فيستفاد من الروايات أنّه إذا أتى باللاحقة، و لا يمكن العدول إلى السابقة تقع اللاحقة صحيحة و إن وقعت قبل السابقة فاقدة للترتيب، فمن الحكم بصحة اللاحقة مع فقد الترتيب إذا تذكر بعد الفراغ منها عدم إتيان السابقة نكشف مناطا، و هو أنّ ميزان الحكم بصحة اللاحقة في فرض تذكره بعد الفراغ ليس إلّا من باب عدم إمكان العدول منها إلى السابقة، فبعد كون المناط هذا، فنقول في ما نحن فيه: بأنّ

هذا المناط موجود، لأنّه بعد التذكر بعد ركوع الركعة الرابعة من العشاء نسيان المغرب، لا يكون محل العدول، و لا يمكن أن ينويها المغرب للزوم زيادة الركن و هو الركوع، فعلى هذا تقع الصّلاة عشاء و تصح، و يأتي بعدها بالمغرب للمناط الّذي استكشفناه، و لا فرق بين الفراغ من أصل الصّلاة و بين الفراغ من محل العدول في عدم إمكان العدول.

و ثانيا فلأنّ حديث (لا تعاد) يشمل الأثناء، فيحكم بعدم اعتبار الترتيب و عدم شرطية وقوع العشاء بعد المغرب لكونه ناسيا لعدم إتيان المغرب فعلى هذا يمكن أن يقال: بوقوعها صحيحة، ثمّ يأتى بعدها بالمغرب. «1»

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث، في كلا الوجهين نظر، أمّا في الوجه الأوّل فأمّا أوّلا فلأنّ المورد الّذي حكم بصحة اللاحقة اللازم منها عدم شرطية الترتيب هو تذكر المكلف بعد الفراغ من العشاء، و ما أفاده من عدم الفرق بين تذكره بعد الفراغ و تذكره في.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 62

[في ذكر فرع آخر]
اشارة

فرع لو تخيل في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة فعدل إليها، ثمّ بعد العدول تذكّر بأنّه أتى بالسابقة، مثلا في صلاة العصر تخيل عدم إتيانه الظهر، فعدل إلى الظهر، ثمّ بعد العدول تذكر إتيان الظهر، فهل يجوز إتمامها عصرا بالعدول أو بلا عدول و تقع عصرا أم لا؟

______________________________

موضع لا يمكن العدول، غير مسلم، و من أين نكشف المناط، و أمّا ثانيا نفس روايات العدول تدلّ على خلاف ذلك، و أنّ بين التذكر في الأثناء في العدول من اللاحقة إلى السابقة، و بين التذكر بعد الفراغ فرق حيث حكم في الأوّل بالعدول و ما حكم بذلك بعد الفراغ، بل حكم بصحة الصّلاة و

وقوعها اللاحقة، فكيف يمكن أن يقال: بأنّ بعد دلالة الدليل على الصحة لو تذكر بعد الفراغ من العشاء نسيان المغرب، نفهم الصحة لو تذكر في أثناء العشاء نسيان المغرب بعد مضى محل العدول بدخوله في ركوع الركعة الرابعة من العشاء.

و أمّا في الوجه الثاني فنقول: على تقدير شمول (لا تعاد) للأثناء، و لا نقول: بأنّ حديث (لا تعاد) متعرض لبعد الفراغ، فنقول: بأنّ حديث (لا تعاد) يقتضي صحة ما مضى من العشاء بدون واجديته لشرط الترتيب، و أمّا بعد التذكر فهو حيث يكون عالما لا ناسيا، فلا يحكم بعدم دخل شرطية الترتيب لما بقى من صلاة العشاء بحديث (لا تعاد) لأنّ الحديث لا يشمل العمد، فأفهم.

و بعد ما قلت ذلك بحضرته مدّ ظله لم يصرّ على الصحة و كأنه استرضى ما قلت، أو صار مترددا.

ثمّ إنّه إن قيل بصحة الصّلاة و وقوعها عشاء بدعوى انصراف أدلّة الدالّة على اعتبار تأخر العشاء عن المغرب عن هذه الصورة.

نقول: هذا أيضا لا وجه له، لأنّ التذكر في الأثناء ليس فردا نادرا، بل كثيرا ما يتفق فلا وجه لانصراف الاطلاق منه، و يؤيد اعتبار الترتيب حتّى لو تذكر في أثناء اللاحقة للأخبار المتقدمة الدالّة على العدول لأنّ لزوم العدول منها إلى السابقة يكون لأجل اشتراط الترتيب، أعنى: تأخر اللاحقة عن السابقة، فعلى هذا الحق بطلان الصّلاة في هذا الفرض، نعم ينبغي الاحتياط باتمامها عشاء ثمّ إتيان المغرب، ثمّ عشاء اخرى بعد المغرب، فافهم). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 63

[الحقّ بطلان الصّلاة و عدم وقوعها عصرا بالعدول]

الحقّ بطلان الصّلاة و عدم وقوعها عصرا، لأنّه بالعدول إلى الظهر زالت استدامة الحكمية المعتبرة في النية، فليست قابلة لصيرورتها عصرا، و لا تقع ظهرا للاتيان بها، فمع إتيانه بها

لا محل للعدول إليها فلا تقع هذه الصّلاة لا الظهر و لا العصر.

ثمّ اعلم أنّ العدول يتصور من النافلة إلى النافلة، و من النافلة، إلى الفريضة، و من الفريضة إلى النافلة، و من الفريضة الأدائية إلى الفريضة القضائية، و من الفريضة الأدائية إلى الفرضية الأدائية.

أمّا العدول من النافلة إلى النافلة فغير جائز لعدم الدليل عليها، و كذا من النافلة إلى الفريضة.

و أمّا من الفريضة إلى النافلة فلا يجوز إلّا في موردين: أحدهما في من شرع في الفريضة فقامت الجماعة، فيجوز العدول، و ثانيهما فيما. إذا قرأ المصلّي فى صلاة الجمعة غير صورة الجمعة، فإنّه يجوز له العدول إلى النافلة، ثمّ استينافها.

و أمّا من الفريضة الأدائية إلى الأدائية فمن السابقة لا يجوز العدول إلى اللاحقة، و يجوز من اللاحقة إلى السابقة عليها كالعدول من العصر إلى الظهر.

و أمّا من الفريضة الأدائية إلى الفريضة القضائية، ففي صورة كون اللاحقة متصلا باللاحقة، مثل من تذكّر في صلاة ظهره فوت صلاة الفجر من هذا اليوم، فلا إشكال في جواز العدول، أو وجوبه، و أمّا مع الفصل بينهما، بأن تذكر في صلاة الظهر فوت صلاة ظهر يوم السابق، أو أياما سابقة، فشمول أخبار العدول لهذه الصورة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 64

كان مورد الكلام و قد مضى الكلام فيه و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على آله و لعنة اللّه على أعدائهم.

ربّ زدنى علما و عملا و ألحقنى بالصالحين كتبه الأحقر علي الصافي الگلپايگاني 1372

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 65

الثاني من أفعال الصّلاة القيام
اشارة

و فيه جهات يبحث فيها:

الجهة الاولى: اعلم أنّ القيام عدّه بعض من الفقهاء الثاني من أفعال الصّلاة، و بعضهم الثالث من أفعالها، و لعلّ وجه عدّه

الثاني من أفعالها هو أنّ كلّ من يتهيأ للصّلاة و ينويها، لا بد من أن يقوم و يكبّر، فحيث إنّه لا بد من القيام قبل تكبيرة الاحرام فلأجل هذا عدّه الثاني من أفعالها، و من عدّه الثالث من أفعالها لعل كان نظره إلى أنّ قيام الواجب حيث يكون حال الشروع في تكبيرة الاحرام، فالقيام ليس واجب قبلها فعدها الثالث من أفعالها.

و على كلّ حال القيام من جملة أفعال الصّلاة، و من جملة ما يكون من مقوماتها، و اعتباره و دخله في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، بل هو في الجملة من جملة الضروريات بين المسلمين، و كان مثل أصل الصّلاة ضروريا، لأنّه متى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصّلاة من قبل اللّه تعالى كان مع القيام، و أوّل صلاة صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مع القيام، فهو كان يصلّي قائما و يقول على ما نقل عنه، (صلّوا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 66

كما رأيتموني اصلّي) مضافا إلى دلالة بعض الآيات الشريفة على ذلك مثل قوله تعالى (الَّذِينَ «1» يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً) و دلالة بعض الروايات الواردة عنهم:

عليه، فاعتباره في الجملة في الصّلاة ممّا لا إشكال فيه.

و ما ينبغي أن يتكلم فيه في هذا المقام هو أنّ من يراجع كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم، يرى بأنّهم يعدّون القيام من الأركان، و مرادهم من الركن، على ما يظهر من كلام بعضهم، هو ما يوجب نقيصته عمدا كان أو سهوا بطلان الصّلاة، و على ما يظهر من كلام بعضهم، هو ما توجب زيادته و نقيصته عن عمد كانت أو سهو بطلان الصّلاة.

فالتزامهم بأنّ

القيام ركن، كما يظهر من عبارة الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط، و ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة و غيرهما كالمحقق رحمه اللّه و غيره مع التزامهم بأنّ الركن ما يوجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، أو زيادته و نقصانه عمدا كان أو سهوا، و الحال أنّه من المسلّم عدم بطلان الصّلاة بنقصه سهوا، لأنّه لو نسي المكلف القراءة حتّى دخل في الركوع فتصحّ صلاته و الحال أنّه أخلّ بالقيام حال القراءة سهوا، فمن أجل هذا وقعوا في الاشكال في الجمع بين كون القيام ركنا الموجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة كما عن بعض، و زيادته و نقصانه عمدا و سهوا يوجب بطلانها أيضا كما بعض آخر، و بين عدم بطلان الصّلاة لو سها و ترك القراءة و دخل في الركوع ففات منه القيام حال القراءة، و مع ذلك لا يلتزمون ببطلان الصّلاة بتركه سهوا في هذا المورد.

و لأجل هذا الاشكال تصدّى بعضهم لبعض توجيهات حتّى يرتفع هذا

______________________________

(1)- سوره نساء آيه 103.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 67

التهافت، و من جملتها هو أن يقال: بأنّ القيام الّذي يكون ركنا في الصّلاة هو القيام حال تكبيرة الاحرام، و قيام المتصل بالركوع، فلو أخلّ المصلّي بهما تبطل و إن كان إخلاله عن سهو.

نقول: اعلم مقدمة بأنّ الركن لغة عبارة عن قوائم أربع يقع عليها السقف بحيث لو لم يكن أحد منها لا يبقى السقف و على هذا نقول: بأنّ المناسب لهذه المعنى هو كون الركن في الصّلاة، هو ما بعدمه تنعدم الصّلاة، و بعبارة اخرى ما عليه اصطلاح بعض من القدماء من أنّ الركن هو ما يوجب نقصه عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، و أمّا

زيادته تصير موجبا للاخلال بالصّلاة فغير مناسب مع معناه اللغوي، لأنّ زيادة القوائم لا توجب انعدام البناء و السقف، و إن فرض كون زيادته موجبا لبطلانها فليس من باب كونه ركنا في المركب، بل يكون من باب أنّ في المركب اعتبر المعتبر شرطا آخر و هو تقيد جزء الفلانى بعدم كونه متعددا و مكررا. «1»

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه على ما يرى في كلماتهم يكون للقيام الصلاتي أفراد: القيام حال تكبيرة الاحرام، و القيام حال القراءة و القيام حال القنوت، و القيام المتصل بالركوع، و القيام بعد الركوع قبل الهويّ إلى السجود.

أمّا القيام حال التكبير فلا يتحقّق له زيادة و نقيصة إلّا بزيادة التكبير، أو

______________________________

(1)- أقول: إنّ معنى الركن لغة ما أفاده مدّ ظلّه العالي، و لكن التعبير بالركن في الصّلاة، و تسمية بعض الأجزاء ركنا ليس إلّا من باب أنّهم رضوان اللّه عليهم بعد المراجعة بالأدلّة رأوا أنّ بعض ما يعتبر فيها يكون دخله بنحو يوجب الاخلال به زيادة و نقيصة عمدا و سهوا بطلان الصّلاة، و بعضها ليس كذلك، فسمّوا الأوّل بالاركان، و على كل حال لا يهمّنا البحث عن ذلك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 68

بنقيصتها و أمّا القيام حال القراءة فليس بركن مسلما و أمّا القيام حال القنوت فمستحب، و أمّا القيام بعد الركوع فليس بركن، فيبقى القيام المتصل بالركوع.

فنقول: إنّ ما يمكن ان يقال في وجه كونه ركنا امور:

الامر الأوّل: قوله عليه السّلام في بعض الروايات (لا صلاة لمن لم يقم صلبه) بدعوى دلالة هذه الرواية على وجوب القيام، و عدم صلاة لمن لا يراعي القيام.

و فيه أمّا أوّلا فلا دلالة للرواية على وجوب القيام، لأنّ إقامة الصلب يمكن في

الجلوس أيضا، لأنّ إقامة الصلب عبارة عن وضع أعلى البدن بحيث لا يحصل تقوس للبدن، و بعبارة اخرى استقامة فقار الظهر، و هو كما يمكن في القيام يمكن في الجلوس، فما وجه حملها على إقامة الصلب بالقيام، فهي لا تدلّ على اعتبار القيام.

و ثانيا لا يثبت بها وجوب القيام المتصل بالركوع فضلا عن ركنيته، بل غاية الأمر تدلّ الرواية على اعتبار قيام في الجملة في الصّلاة، و هو غير ما نحن بصدده.

الامر الثاني: دعوى الاجماع على ركنية قيام المتصل بالركوع (و إثبات الاجماع مشكل، لعدم دعواه في خصوص القيام المتصل بالركوع، بل ظاهر كلامهم إمّا عدّ القيام من واجبات الصّلاة أو من أركانها لا خصوص القيام المتصل بالركوع، بل يظهر من المراسم أنّ وجوب أصل القيام ليس متفقا عليه، لأنّ المستفاد من عبارته هو أنّ من أصحابنا من يقول بوجوبه و هو عندي أصحّ، فعلى كل حال إثبات ركنية القيام المتصل بالركوع، بل وجوبه بالاجماع مشكل).

الامر الثالث: أن يقال: إنّ إطلاق الركعة بالركعات ليس إلّا من باب كون الركوع فيها، فالركعة مرّة من الركوع فعلى هذا المراد من الركعة هو الركوع، فما ترى من التعبير مثلا (يقوم إلى الركعة الثالثة) أو (قام إلى الركعة) يكون المراد هو القيام

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 69

إلى الركوع فعلى هذا نقول: بأنّ القيام بحسب المستفاد من مثل هذه الروايات واجب لأن يركع، و بعبارة اخرى يجب القيام إلى الركوع، لأنّ المراد بالركعة هو الركوع هنا، فمن هنا نكشف أنّ الواجب هو القيام للركوع، و ليس معنى القيام للركوع إلّا وجوب قيام متصل بالركوع، و هذا معنى وجوب القيام المتصل بالركوع.

و فيه أمّا أوّلا فلأنّه بعد فرض تسليم كون

إطلاق الركعة بالركعة هو كون الركوع فيها، و لكن لا يثبت ذلك إلّا أنّ إطلاق الركعة بالركعة يكون بهذا الاعتبار، و لكن لا يثبت به أنّ في كل مورد ورد حكم على الركعة ورد على الركوع فعلى هذا ليس المراد من (يقوم إلى الركعة) أو (قام إلى الركعة) القيام إلى الركوع، فلا يثبت بهذا البيان وجوب القيام المتصل بالركوع.

و أمّا ثانيا فغاية ما يستفاد من ذلك وجوب القيام للركوع، و هذا لا يثبت إلّا وجوبه مقدمة للركوع، و كون القيام من محققات الركوع، لا أنّه واجب مستقل بنفسه، مع أنّا قلنا في الوجه الأوّل بفساد أصل المطلب، و أنّ ظاهر (يقوم إلى الركعة) و غيره ليس القيام إلى الركوع حتّى يقال بدخل القيام في الركوع.

الامر الرابع: أن يقال بوجوبه و كونه ركنا لا أنّه واجب مستقل و ركن مستقل في قبال ساير واجبات الصّلاة و أركانها، بل من باب كون القيام المتصل بالركوع من مقومات الركوع الّذي هو ركن في الصّلاة، و من محققاته، بدعوى أنّ الركوع ممّا لا يتحقّق إلّا إذا كان عن قيام، و بعبارة اخرى يعتبر في الركوع تحققه عن القيام، و إلّا لم يمكن ركوعا.

و فيه أنّ دعوى اعتباره في الركوع فاسد، لأنّ وجه هذه الدعوى ليس إلّا أن يقال: إمّا بدخالة ذلك فيه في الصدق العرفي، بمعنى أنّ الركوع في نظر العرف لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 70

يتحقق إلا إذا حصل عن قيام، و إمّا أن يقال: بدخله فيه شرعا، و كلاهما فاسد، لأنّا نرى عدم تصرف من الشرع في الركوع، و نرى عدم توقف صدق العرفي عليه على ما إذا كان عن قيام، كما ترى في موارد إطلاقاته،

فشيخ ركّع ليس إلا من كان في حال الركوع، و لا يعتبرون فيه ان يكون ركوعه عن قيام «1».

الامر الخامس:
اشارة

أصالة الركنية بمعنى أنّه إذا شك في كون شي ء من الأركان أولا، فالأصل يقتضي ركنيته، و لا بدّ لنا أوّلا من عطف عنان الكلام بنحو الاختصار إلى أصل هذه المسألة حتّى يظهر حال المورد.

فنقول بعونه تعالى: بأنّ الشّيخ رحمه اللّه في الرسائل ذكر في الشّك في المكلف به تنبيهات، يكون أحدها هو أنّه إذا شك في ركنية شي ء بمعنى دخلها في المأمور به في مطلق حال العمد و النسيان، و عدم ركنيته بمعنى عدم دخلها إلّا في حال العمد، فهل الأصل يقتضي ركنيته أو يقتضي عدمها، و بعبارة اخرى هل المورد يكون من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطى حتّى نقول فيه: بالبراءة أو لا؟

وجه كون المورد مجرى البراءة، هو أنّ الضابط في إجراء البراءة، هو أن يكون لنا معلوم و مشكوك، و بعبارة اخرى و أوضح يكون أمر واحد انبساطيا، فعلم انبساطه على رأس تسعة أجزاء، و لا ندري انبساطه على العاشر، فلنا معلوم و مشكوك، ففي هذا المورد قلنا بالبراءة بالنسبة إلى الزائد المشكوك انبساط الأمر عليه، و في المقام يكون كذلك، لأنّ انبساط الأمر على التسعة و على العاشر في

______________________________

(1)- أقول: و إن كان لا يبعد دعوى أنّ الركوع الّذي عبارة عن خضوع خاص لا يتحقّق إلّا إذا كان عن قيام، و أمّا إذا صدر عن جلوس فلا يقال: إنّه أوجد الخضوع الخاص، و لكن مع ذلك لا تطمئن النفس بدخله فيه، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 71

خصوص حال العمد معلوم، و لكن انبساطه على العاشر في حال النسيان مشكوك، ففي الزائد

المشكوك تجرى أصالة البراءة، فتكون النتيجة أنّ الأصل في ما شك في ركنية شي ء و عدمها هو عدم الركنية.

[قال الشيخ رحمه اللّه ببطلان العبادة بنقص الجزء سهوا]

و لكن الشّيخ رحمه اللّه قال في المقام: ببطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلّا أن يقوم دليل خاصّ على الصحة، لأنّ ما كان جزء حال العمد يكون جزء حال الغافلة، فإذا انتفي انتفي المركب، أمّا عموم جزئيته لحال الغافلة، فلأنّ الغافلة لا يوجب تغيير المأمور به، فإن المخاطب بالصّلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لا يتغير الأمر المتوجه إليه قبل طروّ الغافلة، و لم يحدث من قبل الشارع أمر آخر حين غفلته لأنّه غافل، و يرى الناظر في كلمات من تأخر عن الشّيخ رحمه اللّه بأنّ غالبهم أجابوا عنه، و التزموا بكون المورد مورد البراءة كالأقل و الأكثر الارتباطى.

و لكن لا يبعد تمامية كلام الشيخ رحمه اللّه، فنقول: بأنّ المفروض تعلق الأمر بالمركب الذي يكون جزء المنسي جزء له، ففي حال النسيان إن قيل بأنّ هذا الأمر يدعو إلى أجزاء المركب غير الجزء المنسي، فغير صحيح، لأنّ هذا الأمر على الفرض كان على المركب الواجد لهذا الجزء المنسي، و إن قيل بأنّ امرا آخر يكون في البين يدعو إلى المركب الفاقد لهذا الجزء المنسي، فهو أيضا غير صحيح لعدم وجود امر آخر في البين، فعلى هذا لا بدّ من الالتزام بعدم إجراء البراءة، لأنّه بعد فرض تعلق الأمر بالمركب الواجد لهذا الجزء، فلا بدّ إمّا من الالتزام بسقوط الأمر مع فرض نسيان الجزء، و عدم بقاء مطلوبية المكلف به من رأس، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به، و إمّا من تعلق الأمر بالمركب بلا جزء المنسي، فهذا أيضا غير صحيح لما قلنا من

أنّ الأمر الأوّل لا يمكن أن يدعو إلى المركب الفاقد للجزء، لكونه داعيا على الفرض على

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 72

المركب الواجد للجزء، و أمّا امر آخر فلم يكن في البين حتّى يدعو إلى المركب الفاقد لهذا الجزء، و إمّا من الالتزام بعدم سقوط الأمر، و بقاء الطلب على المركب الّذي يكون المنسي جزء له، غاية الأمر حين النسيان لا يمكن فعلية هذا الأمر و بعث المكلف و زجره، و لكن بعد النسيان يتوجه نحوه، و لا بدّ من إتيانه المركب مع الجزء المنسى، هذا وجه عدم كون المورد مورد إجراء البراءة. «1»

[في ذكر اشكال آخر من السيد ره]

و هنا إشكال آخر و هو أنّ المقام ليس كالأقل و الأكثر، لأنّه في الأقل و الأكثر تعلق الأمر، و انبساطه على تسعة أجزاء يكون مسلما، و انبساطه على الجزء العاشر مشكوكا، فحيث يكون في البين معلوم و مشكوك، فيكون المورد مورد البراءة بالنسبة إلى الجزء العاشر، و أمّا في المقام فتعلق الأمر و انبساطه على تمام العشرة

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث: بأنّا نقول: إنّ المطلوب حال النسيان ليس إلّا المركب الفاقد للجزء.

قولكم لا بد من وجود أمر على ساير الأجزاء- و هذا الأمر إمّا تقول بأنّه الأمر الّذي كان متوجها على المركب الواجد للجزء المنسي، فهو لم يكن على الفرض، لأنّه كان على المركب مع هذا الجزء، و على الفرض في حال النسيان لا يمكن توجه هذا الأمر لكون المكلف ناسيا، و إمّا تقول: إنّ الباقي مأمورا به بأمر آخر، فعلى الفرض ليس أمرا آخر على المركب الفاقد لهذا الجزء- ليس بتمام، لأنّا نقول: بعد فرض كون الأمر انبساطيا فبسط إلى أجزاءه المركب كما

التزمتم في الأقل و الأكثر، فنقول: بعد نسيان الجزء المركب لا يمكن انبساطه إلى الجزء المنسي، و توجهه به، لكون المكلف ناسيا، و أمّا انبساطه الى ساير الأجزاء فباق، لا إشكال فيه.

فالمانع من إجراء البراءة ليس إلّا أنّ توجيه التكليف بغير الجزء المنسى غير ممكن، فإذا فرض تصحيح ذلك كما نبين إنشاء اللّه، فلا مانع من إجراء البراءة من هذا الحيث، لما قلنا من أنّ الأمر الأوّل يدعو نحو ساير الأجزاء.

و لمّا قلت ذلك رفع اليد من هذا الاشكال، و استشكل مد ظلّه العالى على كون المورد مثل الأقل و الأكثر في إجراء البراءة باشكال آخر، فقال: و هنا إشكال آخر ... (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 73

معلوم، لأنّه على الفرض تعلق الأمر بالسورة الّتي هي جزء العاشر معلوم، فكيف يكون مورد البراءة (قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ شمول الأمر و انبساطه على السورة في حال العمد معلوم، و أمّا في حال النسيان مشكوك، فلنا معلوم و مشكوك فتجرى البراءة في المشكوك) فقال: بأنّ بقاء الأمر الأوّل بالنسبة إلى ساير الأجزاء موقوف على توجه التكليف بتسعة أجزاء بالناسى حين نسيانه الجزء العاشر، و هو غير معقول.

[في ذكر بعض الوجوه لتصحيح توجيه التكليف الى الناسي]

و لكن بعد ذلك اختار دامت بركاته توجّه التكليف بالناسي، و ذكر بعض توجيهات ذكر في مقام تصحيح توجيه التكليف بالناسى.

منها أن يوجه تكليف بالتسعة بكل أفراد المكلفين، ثمّ توجه المولى تكليف آخر على الجزء العاشر بالعامد.

منها أن يوجه تكليف بالعشرة بالعامدين، و توجه تكليف آخر بالتسعة بخصوص الناسين لجزء العاشر، غاية الأمر لا بعنوان الناسي حتّى يقال: كيف يمكن الخطاب به بهذا العنوان، بل بعنوان ملازم، مثل أن يدري المولى بأنّ كل الناسين لابسون لباس الأبيض فيقول:

أيّها اللابسون لباس الأبيض (أقيموا الصّلاة المركبة عن تسعة أجزاء) و غير ذلك.

[في ذكر اشكال آخر]

ثمّ إنّه مد ظله أورد إيرادا آخر، و هو منشأ الاشكال في نظره الشريف، فقال: بعد ما يكون على المفروض المأمور به للعامة عشرة أجزاء، فمن يشرع في الصّلاة حيث يكون ملتفتا قبل طروّ النسيان، فهو ينوى إتيان الصّلاة المركبة من عشرة أجزاء، فإذا طرأه النسيان في الأثناء و نسى السورة مثلا الّتي هي الجزء العاشر، فما هو محركه هو الأمر بالعشرة، و ما نواها أيضا هو الصّلاة المركبة من

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 74

عشرة أجزاء، فكيف يمكن بعث المكلف الناسي للسورة إلى الصّلاة الفاقدة للسورة، مع أنّه بحسب نيته منبعث نحو الصّلاة مع السورة و لا ينوى الصّلاة بلا سورة أصلا، و بعد عدم انبعاثه إلّا إلى الاتيان بالمركب الواجد لهذا الجزء المنسي وقت شروعه في الصّلاة، فمع تخيله بأنّه مأمور بهذا المركب الواجد لهذا الجزء المنسي، و عدم علمه بأمر آخر من قبل المولى على الفاقد لهذا الجزء، فلا يمكن و لا يعقل انبعاثه نحو الأمر بالمركب الفاقد للجزء.

فإذا لا يمكن انبعاثه نحوه لا يمكن و لا يعقل أمر المولى بما لا يمكن انبعاث المكلف نحوه، فعلى هذا لا يعقل في الفرض بقاء الأمر على المركب الفاقد للجزء،، و بعد عدم إمكان أمر هكذا على الفاقد في مقام الثبوت، فلا بدّ للمولى إمّا من رفع اليد عن المأمور به المركب من أجزاء اخر و هذا الجزء المنسي رأسا، و إمّا من بقاء أمره على المركب الواجد لهذا الجزء، غاية الأمر حال نسيان الجزء لم يكن الأمر بالنسبة إليه فعليا، و لكن بعد رفع النسيان يجب الاتيان بالمركب مع هذا

الجزء.

فمع عدم إمكان أمر على الفاقد للجزء لا يعقل إجراء البراءة في المقام، لأنّ نفس البراءة غير قابلة لاثبات التكليف على غير فرد المشكوك جزئيته في حال النسيان، لأنّ البراءة ترفع التكليف و لا تثبته، و بقاء الأمر على ساير الأجزاء متفرع على معقولية توجه الأمر إلى المركب الفاقد للجزء بالمكلف، و هو غير معقول لعدم إمكان انبعاث المكلف نحوه، فظهر لك أنّ الحق ما ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه في هذا المقام.

(نعم، يمكن للشارع أن يكتفي في مقام الامتثال بباقى الأجزاء، و يقبل المركب الفاقد للجزء المنسى، و يحكم بعدم وجوب الاعادة و القضاء بعد التذكر، كما أثبت ذلك في الصّلاة حيث قال عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة) و لا يحتاج إلى أن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 75

يقال: بأنّه جعل الفاقد بدل الواجد كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، بل ما هو المأمور به حال النسيان، هو ما بقى من الأجزاء و الشرائط، لكون لسان (لا تعاد) الشرح و الحكومة) «1».

[في ان مع الشك فى الركنية و عدمها الاصل الركنية]

إذا عرفت أنّ مع الشّك في الركنية و عدمها يكون الأصل الركنية، فنقول ما نحن فيه أعنى: في القيام: بأنّ وجوب القيام و كونه من أفعال الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و هذا يظهر من بعض الآيات الكريمة و الاحاديث الشريفة، و ما هو المركوز عند المسلمين، و أمّا كونه ركنا بالمعنى الّتي قلنا- أعنى: كون نقصه عمدا و سهوا موجب لبطلان الصّلاة، كما هو المناسب لمعنى الركن و قدمنا بيانه- فنقول: أمّا القيام حال القراءة واجب لمن تمكن من القيام و ليس بركن، و أمّا القيام بعد الركوع

______________________________

(1)- أقول: و لكن الحق هو إجراء

البراءة في المقام و كون المورد من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطي، لأنّ الاشكال إن كان من ناحية انبعاث المكلف و أنّه مع انبعاثه إلى المركب الواجد، كيف ينبعث نحو المركب الفاقد للجزء، فنقول: بعد كون الأمر و البعث إلى الطبيعة، غاية الأمر كل مكلف يأتى بكل فرد من الطبيعة الّذي هو مصداقه، فكما أنّ المسافر يصلّي ركعتين، و الحاضر أربع ركعات، كذلك الناسى يأتى بتسعة أجزاء في مقام امتثال الطبيعة بعشرة اجزاء، فهما لا يقصدان إلّا امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، و لو فرض أنّ أحدا قصد فردا خاصا منها من باب تخيل كونه مورده، و لكن أتى بالفرد الآخر في مقام الامتثال، و الحال أنّ في الواقع كان ما أتى هو الواجب عليه بعنوان امتثال الطبيعة، فقد امتثل الأمر بالطبيعة، غاية الأمر يكون الخطاء في التطبيق، و صرف قصد إتيان الفرد المكلف به الذاكر مع إتيانه بالفرد المكلف به الناسى، لا يوجب فساد عمله كما ترى أنّ الشخص لو تخيّل حين الشروع إلى الصّلاة الاتيان بصلوة القائم، و في الأثناء طرأ له العجز عن القيام فجلس، و تمّ صلاته جالسا، فهل يقال: ببطلان صلاته لأجل أنّه قصد حين الشروع الصّلاة القائم، فهكذا في ما نحن فيه، فظهر لك أن الأصل في الشّك في الركنية يكون عدمها. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 76

فهو أيضا واجب، كما يظهر من بعض الأخبار (ثمّ قم منتصبا) و لكنه ليس بركن، و أمّا القيام حال القنوت فهو ليس بواجب، و أمّا القيام حال التكبير فهو واجب، و النزاع في أنّه ركن أو شرط لركن، و هو تكبيرة الاحرام، فلا ثمرة فيه.

الجهة الثانية: في ما قيل باعتباره في القيام، و هي امور:
الأمر الأوّل: الاستقلال
اشارة

و المشهور اعتباره و يدلّ عليه روايتان:

[في ذكر روايتين لكون الاستقلال شرطا وضعا]

الرواية الاولى: ما رواها عبد اللّه بن بكير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة قاعدا أو متوكيا على عصاء أو حائط، فقال: لا ما شأن أبيك و شأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد). «1»

و لو كنّا نحن و ما ذكر من هذه الرواية كان المناسب الجواب بأنّه يجوز أو لا يجوز، لا أن يقال (لا، ما شأن أبيك الخ) و هل يستفاد منها كون الاستقلال معتبرا في القيام، أو أنّه واجب مستقل في عرض القيام؟

اعلم أنّ ما تدلّ عليه الرواية ليس إلّا اعتبار الاستقلال، و أمّا كونه شرطا للقيام فلا دلالة لها على ذلك، بل لا يبعد دعوى ظهورها على اعتباره في الصّلاة لا في القيام، لأنّه يقول (عن الصّلاة قاعدا أو متوكيا الخ) و أمّا اعتبار الاستقلال في غير حال القيام و عدمه، فالمستفاد من الرواية هو خصوص حال القيام لا حال القعود، لأنّه يسأل عن جواز الصّلاة قاعدا أو متوكيا على عصاء.

الرواية الثانية: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تمسك

______________________________

(1)- الرواية 20 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 77

بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضا). «1»

تدلّ على عدم جواز الاستناد بالغير من جدار و غيره حال الصلاة و اعتبار الاستقلال حال الصّلاة.

و المراد من حرمة شي ء في شي ء هو الارشاد إلى منعه فيه، و لازمه فساد الصّلاة، و بعبارة اخرى تكون الحرمة هي الحرمة الوضعية، فمع عدم الاستقلال و الاستناد بالغير تفسد الصّلاة، و هذا غير التمسك للفساد

بأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

و الظاهر من الرواية اعتبار الاستقلال في الصّلاة في قبال القيام، لا أنّه شرط في القيام، بل الظاهر منها اعتبار الاستقلال في مطلق أفعال الصّلاة، فلا يجوز في حال الركوع أو الجلوس أو السجود أيضا الاتكاء و الاستناد إلى الغير، بل يعتبر فيها الاستقلال.

[في ذكر الروايات الدالّة على عدم اعتبار الاستقلال]

هذا ما يستفاد من هاتين الروايتين، و في قبالهما بعض الروايات يمكن أن يقال: بدلالته على عدم اعتبار الاستقلال:

الرواية الاولى: ما رواها علي بن جعفر (أنّه سئل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟ فقال: لا بأس، و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوّلتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 78

فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال: لا بأس به). «1»

استدل بها على عدم وجوب الاستقلال تمسكا بالفقرة الاولى منها، و لكن لا يبعد كون الفقرة الاولى متعرضة لخصوص النافلة و جواز الاستناد فيها بحائط و غيره بقرينة الفقرة الثانية المصرحة فيها بالسؤال عن خصوص الفريضة بقوله (و عن الرجل يكون في صلاة فريضة) فلهذا يستشعر منها أنّ قول السائل في الفقرة الاولى (عن الرجل هل يصلح له ان يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي) هو النافلة و أمّا الفقرة الثانية متعرضة لحكم جواز الاستناد في حال النهوض إلى القيام لا حال فعل من أفعال الصّلاة من قيام و غيره.

الرواية الثانية: ما رواها سعيد

بن يسار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التكأة في الصّلاة على الحائط يمينا و شمالا، فقال: لا بأس). «2»

تدلّ بظاهرها على جواز الاستناد و عدم اعتبار الاستقلال في الصّلاة.

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي متوكيا على عصاء أو على حائط، قال: لا بأس بالتوكي على عصاء و الاتكاء على الحائط). «3»

تدلّ على عدم اعتبار الاستقلال بظاهرها في الصّلاة و إطلاقها يقتضي الجواز في النافلة و الفريضة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 79

إذا عرفت أنّ في المقام روايات ظاهر بعضها يكون مخالفا مع ظاهر بعض الآخر، فإن كنا نحن و خبرين الدالين على اعتبار الاستقلال، و رواية علي بن جعفر فقط، يمكن أن يقال: بأنّ رواية علي بن جعفر محتملة لكونها واردة في النافلة بقرينة ما قدمنا (كما أنّه إن كان دليل المنع خصوص أحد روايتين الدالّتين على المنع، و هو رواية ابن بكير يمكن أن يقال: بان الجواب حيث يكون غير موافق للسؤال، فلعله كان السؤال، بنحو لو بلغ بيدنا لا نستظهر منها المنع).

و على كل حال تارة يقال في مقام رفع التعارض: بحمل خبرين الدالّين على اعتبار الاستقلال و عدم جواز الاستناد، على كراهة الاستناد بقرينته الروايات الثلاثة الدالّة على الجواز، و هذا النحو من الجمع و إن فرض كونه جمعا عرفيا في غير المقام، و لكن في المقام مشكل، لاشتهار المنع عن الاستناد و لزوم الاستقلال بين الاصحاب.

و

تارة يقال في مقام الجمع: بأنّه بعد كون روايات المجوزة دالّة بإطلاقها على جواز الاستناد في النافلة و الفريضة، و كون خبرين الدالّين على المنع دالين على المنع بإطلاقهما في الفريضة و النافلة، فيقال: بأنّ شمول الخبرين المانعين للفريضة أظهر كما أنّ شمول روايات المجوزة للنافلة أظهر، فيحمل ظاهر كل منهما على الاظهر، فتكون النتيجة جواز الاستناد في النافلة و عدمه في الفريضة.

[الحق اعتبار الاستقلال]

و لكن العمدة في المقام هو ما قلنا من أنّه بعد كون الشهرة الفتوائية على المنع و المشهور مع أنّهم راوا أخبار المجوزة لم بها، و لا يرى قائل بالجواز إلّا ابو الصلاح رحمه اللّه، و يظهر من المحقق رحمه اللّه في الشرائع إمّا تردد له أو كون نظره إلى الجواز، فتكون روايات المجوزة معرضا عنها فعلى هذا لا يمكن الأخذ بها، فالحق

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 80

اعتبار الاستقلال.

و أعلم أنّه كما قلنا المستفاد من رواية عبد اللّه بن سنان هو اعتبار الاستقلال في الصّلاة، فيعتبر ذلك في جميع أفعال الصّلاة حال القيام و الركوع، و بعد الركوع، و الجلوس، و السجود، و التشهد، و السلام، و لا يستفاد من الروايتين كون الاستقلال معتبرا في القيام، و بعبارة اخرى لا دليل على كونه من شرائط القيام، هذا حال الاستقلال.

و امّا ما قيل في وجه اعتبار الاستقلال و دخله في القيام: بأنّ القيام عرفا لا يتحقق إلّا بالاستقلال فواضح الفساد، لأنّ حقيقة القيام غير متقوم به عند العرف، و لذا من يتكى على العصا يعدّ قائما.

الأمر الثاني: ممّا قيل باعتباره في القيام الاستقرار.
[في ذكر اقسام الاستقرار]

اعلم أنّ الاستقرار تارة يطلق و يراد به ما يقابل المشي و الحركة من أين، إلى اين و تارة يطلق و يراد منه الاستقرار المقابل للتزلزل، فالمستقر من لا يحرك بدنه في مقابل المتزلزل مثل الشخص المرتعش، ففي هذا الاطلاق من الاستقرار يقابله التزلزل مع كون الشخص في مكان واحد، غير خارج من أين إلى أين.

أمّا الاستقرار في مقابل المشي و الحركة من أين إلى أين فتارة يقع الكلام في حركة الشخص أصالة بمعنى أنّه يمشي بنفسه، فاعتباره في القيام الصلاتي غير بعيد، لا من باب أن القيام لا

يصدق مع المشي، لفساد ذلك لأنّه يصدق على من يمشي قائما بأنّه قائم في مقابل من يحرك جالسا، بل من باب ان المغروس و المرتكز عند المسلمين هو اعتبار الاستقرار بهذه المعنى في القيام في الصّلاة و عدم معهودية الصّلاة بهذا النحو عند المتشرعة.

و تارة يقع الكلام في الحركة التبعية، مثل حركة الشخص بتبع السفينة أو المحل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 81

أو غيرها، فهو في هذه الحركة لا يحرك بنفسه و بالأصالة، بل يحرك بتبع السفينة أو المحل.

قد يقال في وجه عدم اشتراط هذه المعنى من الاستقرار في القيام في الصّلاة:

بأنّ بعض الروايات الواردة في السفينة و الصّلاة فيها يدلّ على عدم اعتبار الاستقرار المقابل لحركة التبعية، و يدور لزوم الاستقرار و عدمه مدار ما يستفاد من هذه الأخبار جوازا و منعا، و تفصيلا بين الاضطرار و الاختيار، فإنّ قلنا بالجواز كما لا يبعد نقول هنا بالجواز، و لكن حيث إنّ القريب بالنظر كون النظر في الروايات الى بعض سفن الصغار المتداولة في المياه و الأنهار الصغيرة من قبيل الفرات و الدجلة، فلا يشمل لما نحن فيه، فلا ملازمة بين الجواز في مورد الاخبار و بين أن يقال بالجواز في ما نحن فيه لأنّ فيما نحن بصدده لا يكون المانع المتوهم إلّا المشي بالتبع، لا أنّ يكون الشخص متزلزلا كما ترى في السفن الكبيرة أو الطيارات و السيارات المتداولة فعلا، فمورد الرواية الواردة في الصّلاة في السفينة غير ما نحن فيه. «1»

(و قد يتمسّك برواية واردة في الاقامة، و هي الرواية 12 من الباب 13 من

______________________________

(1)- أقول: و لكن لو كان الحاصل من هذه الروايات هو جواز الصّلاة فيها، فنقول: أمّا أوّلا فحمل

هذه الأخبار على خصوص السفن الصغيرة كالبلم يكون بلا دليل، لأنّ الظاهر منها الاطلاق، و لم يكن المتعارف في زمان صدور الروايات خصوص السفن الصغيرة، بل كانت سفائن كبار، لتعارف السفر في البحر في الازمنة السالفة إلى حين صدور الروايات، و أمّا ثانيا فلو جازت الصّلاة و يتحقق القيام المعتبر فيها في السفن الصغيرة مع كون حركتها أكثر، ففي السفن الكبار و الطيارات و السيارات بطريق أولى، لأنّه يستفاد منها عدم اعتبار الاستقرار بهذه المعنى في القيام، فتأمل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 82

أبواب الأذان و الاقامة من الوسائل) الدالّة على اعتبار التمكن في الاقامة، كما يعتبر التمكن حال الصّلاة.

و استشكل فيها بأنّه بعد عدم اعتبار ذلك في الاقامة يوهن ظهورها في اعتبار التمكن في الصّلاة، و اجيب بأنّ عدم اعتبار التمكن في الاقامة ثبت من الخارج، و إلّا قلنا فيها أيضا، فتأمل.

و استدل بخصوص رواية هارون بن حمزة الغنوي، بدعوى دلالتها على جواز الصّلاة لأنّه عليه السّلام (قال: ان كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصلّ قائما، و ان كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعدا) «1» و استشكل فيها فراجع.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ الحق عدم اعتبار هذه المعنى من الاستقرار في القيام، فلا يضرّ حركة الشخص تبعا لأنّه بعد عدم دلالة دليل على اعتباره فنشك في أنّه هل يكون شرطا في القيام أولا، فيكون المرجع هو أصالة البراءة، لأنّه يكون ما نحن فيه على هذا من صغريات الشّك في الأقل و الأكثر الارتباطي، و حيث إنّا قلنا بأنّ الأصل في الأقل و الأكثر الارتباطى، هو البراءة، فكذلك نقول في المقام، لكونه من صغرياته.

و أمّا الكلام في الاستقرار في قبال التزلزل فاعتباره

غير بعيد، لأنّ المغروس من القيام المعتبر في الصّلاة هو هذا، فما هو المرتكز عند المتشرعة هو الاستقرار بهذه المعنى في القيام في الصّلاة، و يكون بحيث يعدّ التزلزل حال قيام الصّلاة أمرا منكرا، فافهم.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 83

الجهة الثالثة:
اشارة

إذا لم يتمكن المكلف من القيام في الصّلاة و عجز عن ذلك صلّى قاعدا، و إذا عجز عن ذلك صلّى على جنبه الأيمن، و إن عجز عن ذلك صلّى على جنبه الأيسر، و إن عجز عن ذلك صلّى مستلقيا.

و لا بدّ من ذكر الآيات و الأخبار الواردة في الباب حتّى يظهر حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى: أما الآيات فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ «1» و قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ «2» و ما يستفاد من الآيتين هو القيام و القعود و على الجنب.

[في ذكر الروايات فى الباب]

أمّا الروايات فمختلفة: بعضها يدلّ على كون الواجب أوّلا القيام، ثمّ إن عجز عنه القعود، ثمّ ان عجز عنه الصّلاة على الجنب، و بعضها يدلّ على القيام، ثمّ القعود ثمّ الاستلقاء، و بعضها يدلّ على أن مع العجز عن القيام يقعد، و ان لم يتمكن فعلى جنبه الايمن، و إن لم يتمكن فعلى جنبه الأيسر، و بعضها يدلّ على أن مع العجز عن القيام يكون تكليفه القعود، فإن لم يتمكن منه فعلى جنبه الأيمن، و إن لم يتمكن منه فعلى جنبه الأيسر، و ان لم يتمكن منه يصلّي مستلقيا.

أمّا ما يدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يقعد، و إن عجز عنه فيصلّي على الجنب، فهو روايات:

الرواية الاولى: ما رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام (في قول اللّه عز و جل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ» قال: الصحيح يصلّي قائما، و قعودا، و المريض يصلّي جالسا، و (عَلىٰ جُنُوبِهِمْ) الّذي يكون أضعف من المريض الّذي

______________________________

(1)- سورة آل عمران، الآية 191.

(2)- سورة

النساء، الآية 103.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 84

يصلّي جالسا). «1»

و الراوي عن أبى حمزة الثمالي يكون في هذه الرواية ابن محبوب، و هو بحسب الطبقة لا يمكن أن يروى عن أبي حمزة إلا أن تكون روايته عنه بنحو الوجادة، و على كل حال مفاد الرواية مفاد الآيتين، و تدلّ على أنّ بعد العجز عن القيام تصل النوبة بالجلوس، و بعد العجز عنه تصل النوبة بالجنب، و لا تعرض فيها للجنب الأيمن، او الأيسر، ثمّ الاستلقاء، كما لا تعرض في الآيتين المتقدمتين لهذا الحيث.

و يكون مثل الآيتين و هذه الرواية الروايتان المنقولتان في طرق العامّة:

الاولى ما رواها عمر بن حصين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الثانية ما روي عن امير المؤمنين عليه السّلام.

الرواية الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهة شيئا إذا سجد فإنّه يجزى عنه، و لم يكلف اللّه ما لا طاقة له به) «2» بناء على كون المراد من الاضطجاع خصوص النيام على الجنب لا مطلق النيام.

الرواية الثالثة: ما رواها علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعمانى (عن علي عليه السّلام (في حديث) قال: و أمّا الرخصة الّتي هي الاطلاق بعد النهي، فمنه قوله تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ فالفريضة منه أن يصلّي الرجل صلاة الفريضة على الأرض بركوع و سجود تام، ثمّ رخص للخائف فقال سبحانه: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالًا أَوْ رُكْبٰاناً

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5،

ص: 85

و مثله قوله عز و جل فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ و معنى الآية أنّ الصحيح يصلّي قائما، و المريض يصلّي قاعدا، و من لم يقدر أن يصلّي قاعدا صلّى مضطجعا و يؤمى بايماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة). «1»

بناء على كون المراد بالاضطجاع أن يصلّي على الجنب (كما لا يبعد كون المراد في الرواية هذا و أن لم نقل بكون الاضطجاع النيام، على خصوص الجنب لا مطلق النيام لأنّ الظاهر من قوله تعالى (وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ) هو الصّلاة على الجنب، و قوله عليه السّلام (و من لم يقدر أن يصلّي قاعدا صلّى مضطجعا) يكون فى مقام بيان المراد من قوله تعالى (وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ) فقوله عليه السّلام (صلّى مضطجعا) أى صلّى على جنبه.

فإن كنا نحن و هذه الروايات لا دلالة لها إلّا على كون الواجب أوّلا القيام، و القعود، ثمّ الجنب.

[في ذكر الروايات الدالّة على الترتيب]
اشارة

و أمّا بعض ما يدلّ على كون الفرض أوّلا القيام، ثمّ القعود، ثمّ الاستلقاء:

فالاولى: ما رواها عبد السّلام بن صالح الهروى عن الرضا عليه السّلام عن آبائه:

(قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن لم يستطع الرجل أن يصلّي قائما فليصلّ جالسا، فإنّ لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يؤمى ايماء. «2»

الثانية: الرواية 13 من الباب المذكور و هي رواية محمد بن ابراهيم عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إلّا أنّه قال يصلّي المريض قاعدا فإن لم يقدر صلّى مستلقيا «فارجع الكافي ففيه الرواية»).

و ترى أنّ الروايتين تدلّان على ان الوظيفة لمن لم يتمكن من الجلوس، هو

______________________________

(1)- الرواية 22 من الباب 1 من ابواب القيام

من الوسائل.

(2)- الرواية 18 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 86

الاستلقاء، فهما بظاهر هما معارضتان مع الطائفة الاولى الدالّة على كون الوظيفة لمن لا يتمكن من الجلوس الصّلاة على الجنب.

و أمّا ما يدلّ على كون التكليف مع العجز عن الجلوس الصّلاة على الجنب الأيمن، و إن لم يتمكن فعلى جنبه الأيسر، فهي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى إمّا أن يوجه فيومي إيماء او قال يوجه كما يوجه الرجل في لحده، و ينام على جانبه الأيمن، ثمّ يؤمى بالصّلاة، فإنّ لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة، ثمّ يؤمى بالصّلاة ايماء). «1»

بناء على كون المراد من قوله عليه السّلام (فإنّ لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، (و ليستقبل بوجهه القبلة) هو الصّلاة على جنب الايسر بقرينة قوله (و ليستقبل بوجهه القبلة) لأنّه بعد عدم التمكن من الصّلاة على الجنب الأيمن أمر بأن يصلّي كيف ما قدر و ليستقبل بوجهه القبلة و في هذه الصورة لا يمكن استقبال الجانب نحو القبلة، مع فرض عدم تمكنه من الصّلاة على الجنب الايمن إلّا بأن يصلّي على جنبه الايسر و يستقبل بهذا النحو بوجهه القبلة، لأنّه لا يمكن في صورة الاستلقاء استقبال الجانب أى الجنب نحو القبلة، فهذا شاهد على عدم كون المراد الاستلقاء، بل يكون المراد الصّلاة على الجنب الأيسر.

و اعلم أنّ متن الرواية يكون مشوّشا، لأنّ صدر الرواية المريض (إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى إما أن

يوجه) مناسب مع ذكر شق آخر في الرواية لأنّ قوله (اما أن يوجه) يناسب أن يقول بعد ذكر هذا الشق شقا آخرا و إلّا لا معنى

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 87

لذكر (إمّا) و يحتمل أنّ عمار حيث كان فارسيا بدّل الفاظ الامام عليه السّلام فى مقام النقل بألفاظ آخر و في غير محلها، و لهذا صار المتن مضطربا، و على كل حال يحتمل في الرواية هذا الاحتمال.

[في ان مرسلة الصدوق جامعا لكل الاحكام]

و أمّا ما يدلّ على أن من لم يتمكن من القيام صلّى قاعدا، و ان عجز عن ذلك صلّى على جنبه الايمن، و إن عجز فعلى الجنب الأيسر، و إن عجز عن ذلك صلّى مستلقيا فهي مرسلة الصّدوق رحمه اللّه (قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المريض يصلّي قائما فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الايمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الايسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه). «1»

هذا كله طوائف من الروايات، و قد عرفت أنّ الطائفة الاولى تدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يكون الجلوس مقدما، ثمّ بعده الصّلاة على الجنب، و أنّ الطائفة الثانية تدلّ على أن المقدم بعد العجز عن القيام هو الجلوس، ثمّ الاستلقاء.

فهذه الطائفة معارضة مع طوائف اخر لأنّ كل الطوائف غيرها متفقون على تقدم الجنب على الاستلقاء، و أنّ الطائفة الثالثة تدلّ على أنّ المقدم بعد الجلوس هو الصّلاة على الجنب الأيمن، ثمّ الأيسر، و ساكتة عن الاستلقاء، فهذه الطائفة تعارض مع الطائفة الاولى، لأنّ

ظاهر الاولى هو الصّلاة على الجنب بعد العجز عن الجلوس، و إطلاقها يقتضي جواز الصّلاة على الجنب الأيمن و الأيسر عرضا، و مقتضى مفاد الثالثة الترتيب بين الجنب الأيمن و الأيسر، و لكن يرفع التعارض بينهما بحمل المطلق

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 1 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 88

على المقيد بأن يقال: بعد العجز عن الجلوس يصلّي على الجنب الايمن، ثمّ الايسر، فتقيد الاولى بالثالثة.

و بعبارة اخرى يقيد الجنب الدالّ على جواز الصّلاة على مطلق الجنب بخصوص الجنب الايمن و أنّ الطائفة الرابعة تدلّ على أنّ مع العجز عن القيام يصلّي جالسا، ثمّ بعده على الجنب الأيمن، ثمّ بعده الأيسر، ثمّ الاستلقاء، فهذه الطائفة تعارض مع الاولى فقط من باب تقيد الجنب بجنب الأيمن، ثمّ بعده الايسر، و يرفع التعارض بينهما بحمل مطلق الجنب على خصوص الجنب الأيمن، و لا تعارض بينها و بين الثالثة لأنّ الثالثة ساكتة عن الصّلاة مستلقيا بعد العجز عن الصّلاة على أحد الجنبين، و هذه الطائفة متعرضة لها.

نعم، كما قلنا هذه الطائفة معارضة مع الطائفة الثانية، لأنّ هذه الطائفة جعلت الصّلاة مستلقيا في طول الجنبين، و الطائفة الثانية جعلته في طول الجلوس، و ظاهرها تقديم الاستلقاء على الجنبين.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أن مقتضى الطائفة الثانية تقديم الصّلاة مستلقيا بعد الصّلاة جالسا، و مقتضى ساير الطوائف تقديم الصّلاة على الجنب بعد الجلوس، غاية الأمر في بعضها التصريح بكون الاستلقاء في طول الجنب، و في بعضها التصريح بكونه في طول الجنب الأيمن و الأيسر، و حيث أن المشهور هو تقديم الصّلاة على الجنب الأيمن و الأيسر على الاستلقاء، فمرسلة الصّدوق الدالّة على ذلك، و إن

كانت في حدّ ذاتها لارسالها ضعيفة السند، لكنها منجبرة بعمل الاصحاب للشهرة الفتوائية على طبقها، فلا بدّ في مقام التعارض من الأخذ بهذه الطائفة و عدم الأخذ بما دلّ على تقديم الصّلاة مستلقيا بعد الجلوس، فافهم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 89

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 89

الجهة الرابعة:
اشارة

هل عيّن حدّ خاص للعجز أم لا؟ و بعبارة اخرى بعد كون التكليف على من لم يقدر من القيام، الجلوس هل عيّن ميزان خاص لعدم القدرة عليه من قبل الشارع أم لا؟

اعلم أنّ مقتضى بعض الروايات الواردة في الباب ايكال العجز إلى الشخص، و عدم تعيين ميزان له، كما يظهر ذلك من الرواية 1 من الباب 6 من أبواب القيام من الوسائل، و 2 من الباب المذكور المستفاد منهما أنّ الانسان على نفسه بصيرة.

فمقتضى ذلك تبديل تكليف المكلف من القيام إلى القعود إذا رأى نفسه عاجزا عن القيام لإيكال العجز إليه.

و لكن قد يتوهم أنّ ما رواها سليمان بن حفص المروزى (قال: قال الفقيه عليه السّلام المريض إنما يصلّي قاعدا إذا صار أن يمشي بالحال الّتي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما) «1» تدلّ على خلاف ذلك، و أنّ للعجز عن القيام و تبديل الوظيفة منه إلى الجلوس جعل حدا، و هو أن المكلف إذا رأى عدم قدرته على المشي بمقدار الصّلاة، لا يجب عليه القيام و يكون تكليفه الجلوس، و إن كان قادرا على ذلك يجب عليه القيام.

[في ذكر الاحتمالات فى الباب]
اشارة

و لكن لا مجال لهذا التوهم، و لا ظهور للرواية في ذلك، فنقول توضيحا للمطلب: بأنّ في هذه الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يقال: بأنّ من يقدر على القيام يقدر على المشي بمقدار الصّلاة، و بعبارة اخرى يكون التمكن من القيام متلازما مع التمكن من المشي بقدر

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 6 من ابواب القيام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 90

الصّلاة، و هكذا العجز عنه، ملازم مع العجز عنه فيكون التعبير فى مقام العجز عن القيام بالعجز عن المشي بمقدار الصّلاة، و يكون التكليف الجلوس فى هذا الفرض من باب التعبير باللازم.

و فيه أمّا أوّلا فالملازمة ممنوعة إذ لا تلازم بين العجز عن القيام و بين العجز عن المشي، إذ ربما يكون الشخص عاجزا عن القيام غير عاجز عن المشي و بالعكس، فلا تلازم بينهما حتّى يقال: بأنّ المذكور في الرواية أحد المتلازمين

و أمّا ثانيا لو فرض كون تلازم بينهما و لكن مع ذلك رفع اليد عن بيان نفس الشي ء و ذكر لازمه خلاف الظاهر، لعدم تعارف البيان بهذا النحو.

[في ذكر الاحتمال الثاني و الثالث]

الاحتمال الثاني: أن يقال: بأنّه و إن لم يكن بينهما تلازم دائما و لكن حيث يكون التلازم بينهما غالبا إذ من يعجز عن القيام يعجز عن المشي بمقدار الصّلاة غالبا و بالعكس، فعلى هذا لا يرد الاشكال الأوّل الّذي أوردنا على الاحتمال الأوّل إذ لا يدعى فى هذا الاحتمال الملازمة الدائمية بينهما، و يوجد في التحديدات العرفية نظير هذا التحديد. و فيه أنّه يرد على هذا الاحتمال الاشكال الثاني على الاحتمال الأوّل مع إمكان إنكار الملازمة الغالبية بينهما أيضا.

الاحتمال الثالث: أن يقال: بأنّ النظر في الرواية على التوسعة و التسهيل، فيكون المراد من الرواية أنّ من يتمكن من القيام فعلا، و لكن يكون مريضا يتمكن بالتمكن العقلى من القيام في أوّل الصّلاة جعل الشارع

تسهيلا له، و هو أن يكون مشقة المشى بقدر الصّلاة أكثر من القيام حال الصّلاة، فتدلّ الرواية على كفاية العجز عن المشي بقدر الصّلاة لجواز الصّلاة جالسا و إن كان قادرا على القيام.

و فيه أنّه من الواضح أنّ مع عدم العجز عن القيام لا بدّ من الصّلاة قائما، و لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 91

تصل النوبة بالصّلاة جالسا، كما ينادى بذلك صريح الروايات الواردة في الباب، و يبعد جميع الاحتمالات هو أنّ لازم جعل الحد لوجوب الصّلاة جالسا، و هو العجز عن المشي بمقدار الصّلاة، هو أنّ المريض إذا شك في أنّه هل يتمكن من القيام أم لا أن يمشي أوّلا بقدر الصّلاة حتّى يعلم بتمكنه من القيام إن تمكن من المشي بقدر الصّلاة، أو يعلم بعجزه عن الصّلاة قائما إن لم يتمكن من المشي بقدر الصّلاة، و الالتزام بذلك بعيد في الغاية.

و لا تقل: بأنّ الشخص غالبا يدرى تمكنه و عدم تمكنه من المشي بمقدار الصّلاة.

إذ نقول: أمّا أوّلا ليس الأمر كذلك، بل غالبا لا يدر الشخص، و أمّا ثانيا بأنّه لو يعلم ذلك غالبا يعلم غالبا قدرته عن القيام و عجزه في حال المرض، فلا حاجة لجعل هذا الحد له كى يعرف به مرتبة عجزه و عدمه، فعلى هذا يكون كل هذه الاحتمالات بعيد عن ظاهر الرواية.

الاحتمال الرابع:

أن يقال: بأنّ الرواية ليست متعرضة لبيان حدّ العجز المسوغ للصّلاة جالسا، بل متعرضة لحكم آخر، و هو ما نسب إلى المفيد رحمه اللّه و محتمل النهاية (و في النسبة إشكال يرجع إلى كلامهما) و هو أنّ كل من كان متمكنا من الصّلاة قائما ماشيا يجب عليه القيام ماشيا حال الصّلاة، و لا يجوز له

الجلوس، بأن يقال: إنّ لسان الرواية هو التنزل الجلوس اذا كان المكلف بحيث لا يقدر على المشي بمقدار الصّلاة، فإذا تمكن من أن يحفظ القيام و لو بأن يمشي قائما، يجب عليه القيام ماشيا حال الصّلاة، فكانت الصّلاة قائما ماشيا مقدما على الصّلاة جالسا.

و بعبارة اخرى مع التمكن من حفظ القيام، و لو برفع اليد عن الاستقرار

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 92

المقابل للمشي، يجب تقديمه على الجلوس مع حفظ الاستقرار، فتكون الرواية متعرضة لهذا، لأنّ لسان الرواية جواز الجلوس و وصول النوبة إلى الصّلاة جالسا إذا كان المكلف بحيث لا يقدر على المشي بمقدار صلاته، و أمّا إن كان متمكنا من المشي بمقدار الصّلاة مع حفظ القيام لا يجوز له الجلوس.

و هذا الاحتمال أقرب بالنظر من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، و لا مبعد له إلّا التعبير في الرواية (مقدار صلاته) لأنّ متنها هكذا (المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار أن يمشي بالحال الّتي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما) لأنّ التعبير (بالمقدار) يفيد أنّ المقصود هو أن يكون قادرا على المشي بمقدار و أمّا إن كان المراد تقديم القيام عن مشي على الجلوس فكان المناسب أن يقول (لا يقدر على المشى في صلاته) لا أن يقول (بمقدار صلاته) و على كل حال هذا الاحتمال يجي ء في الرواية بل بعد و بعد الاحتمالات السابقة يكون هذا الاحتمال أقرب في الرواية، و لكن ليس بحيث تكون الرواية ظاهرة فى هذا الاحتمال بالظهور العرفي (فعلى هذا تصير الرواية مجملة و لا يصح الاستشهاد بها لأحد من الاحتمالات الأربعة، فافهم).

إذا عرفت حال الرواية فلا تثبت جعل حدّ خاص للعجز عن القيام، و لا بدّ

من الالتزام بمفاد بعض الروايات الّذي يكون مفاده إيكال العجز عن القيام و عدمه إلى نفس المكلف، بل الانسان على نفسه بصيرة.

الجهة الخامسة:
اشارة

هل يكون المقدم القيام ماشيا بعد عدم التمكن من القيام مستقرا، أو يكون المقدم الجلوس فى هذا الحال مستقرا.

اعلم أنّ المدرك في تقدم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا على الارض إن كان رواية سليمان بن حفص المروزى المتقدمة، فقد مضى بكونها متعرضة لإفادة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 93

ذلك و ان لم يكن بعيدا، بل هذا الاحتمال أقرب من الاحتمالات الاخر، إلّا أنّه ليس بحيث يكون للرواية ظهور عرفي في ذلك، فبعد ذلك نقول: بأنّه الوجه في تقديم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا، كما لا يبعد كون نظر العلّامة رحمه اللّه في التزامه بذلك هو هذا، هو أنّ المستفاد من بعض ما ورد في الباب من الروايات مثل قوله (الصحيح يصلّي قائما و قعودا و المريض يصلّي جالسا) في رواية أبي حمزة، هو كون الواجب أوّلا القيام، ثمّ بعد عدم التمكن من القيام يكون الواجب الجلوس، فمن يتمكن من القيام ماشيا و إن لم يتمكن من الاستقرار المقابل للمشي، و لكن يكون قادرا على القيام، يجب عليه القيام، إذ إطلاق مثل هذه الرواية يقتضي وجوب القيام، و كونه مقدما على الجلوس و ان كان ماشيا.

و أمّا وجه وجوب الجلوس مع عدم القدرة إلّا على القيام ماشيا، فهو أنّ الاستقرار المقابل للمشى من مقومات الصّلاة، بحيث لا تعد الصّلاة ماشيا صلاة و إن كان قائما، و يرى أمرا مستنكرا و خلاف وضع الصّلاة في نظر المتشرعة، بل ادعى «1» صاحب الجواهر رحمه اللّه بأنّ حقيقة القيام الواجب في الصّلاة هو الوقوف، فليس الماشي قائما

لعدم وقوفه، و لذا ترى إن الاكثر لم يذكروا اشتراط الاستقرار في القيام، و ما عقدوا له فصلا و إن كان الاجماع على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصّلاة، فذكر شرطية الاستقرار في الركوع و السجود و عدم ذكر شرطيته في القيام ليس إلّا من باب كون القيام عبارة عن الوقوف الّذي ينافيه الحركة فضلا عن المشي في نظرهم، ثمّ ذكر لذلك مؤيدات و إشعارات من بعض موارد مختلفة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما ذكر وجها لتقدم الجلوس مع الاستقرار على

______________________________

(1)- جواهر، ج 9، ص 259.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 94

القيام ماشيا ليس بتمام، أمّا ما قيل من أنّ المشي مخالف لوضع الصّلاة و أنّ القيام واقفا من مقومات الصّلاة، ففيه أنّ الأمر ليس كذلك و لا يرى سيرة المتشرعة على هذا و لا يريه العرف من مقوماته مضافا إلى أنّ في الشرع شرّعت الصّلاة ماشيا و هو في النوافل، فمع فرض تشريع ذلك في النوافل كيف يمكن دعوى كون الوقوف حال القيام من مقومات الصّلاة.

[في ردّ كلام صاحب الجواهر]

و أمّا ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من أنّ القيام الواجب في الصّلاة عبارة عن الوقوف قائما و أنّ الماشي ليس بقائم، فدعوى بلا دليل.

و أمّا ما قال من أنّ ذكرهم شرطية الاستقرار في أفعال اخر من الصّلاة و عدم ذكره في القيام، دليل على كون القيام عبارة عن الوقوف، و حيث يكون المراد منه الوقوف و الوقوف لا يتحقّق إلا مع الاستقرار فلاجل هذا سكتوا عن اشتراطه في القيام.

ففيه أوّلا من أيّ طريق انكشف أنّ سكوتهم كان من باب ذلك (بل لعل كان من باب عدم اعتباره في القيام كما ان الأمر كذلك، الاستقرار شرط في

الصّلاة لا في القيام) و ثانيا إنّ ذكر شرطية الاستقرار في الركوع و السجود يكون من باب أمر آخر، و هو أنّه حيث لا يكفي في تحقق الركوع و السجود صرف الانحناء إلى خاص، بل يعتبر التوقف هنيئة لتحقق موضوعهما، فلهذا شرطوا الاستقرار فيها.

و بعبارة اخرى إنّ الركوع و السجود عبارة عن الهوى إلى حدّ خاص، و الرفع عن هذا الحد الخاص مع الوقوف بعد الهوى إلى حدّ خاص هنيئة فلهذا شرطوا الاستقرار، و على كل حال الالتزام بكون القيام عبارة عن الوقوف ممّا لا يمكن الالتزام به.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 95

فإذا لم يصر هذا الوجه تماما يبقى كلام آخر، و هو أنّه بعد ما بينا من أنّ الاستقرار شرط في الصّلاة و ليس شرطا في القيام حتّى يقال: إنّ مع عدم التمكن من حفظ شرط القيام يرفع اليد عن الشرط و يحفظ أصل القيام، فيقدم القيام ماشيا على الجلوس مستقرا، فيدور في محل الكلام أمر المكلف بين حفظ أحد الشرطين و رفع اليد عن الآخر لأنّ من شرائط الصّلاة القيام، و من جملة شرائط الصّلاة أيضا الاستقرار، و على الفرض بعد عدم تمكن المكلف من الاستقرار المقابل للمشي في حال القيام بل يتمكن من القيام ماشيا لا يمكن له حفظ كلا الشرطين، بل لا بد من صرف قدرته إمّا في حفظ القيام ماشيا، و إمّا في حفظ الاستقرار، فيتخير بين القيام ماشيا و بين الجلوس مستقرا، فيكون تكليفه إما التخيير بينهما لو لم نقل بأنّه بعد فرض كون بدل فيقدم الاستقرار فيكون التكليف الجلوس، مع الاستقرار، لعدم بدل، له و إمّا من تقديم جانب الاستقرار، على القيام بناء على ما ذكرنا من أنّ

ما ليس له البدل يقدم حفظه على ما له البدل فبهذا الوجه يقال: اما بتخيير المكلّف فيما نحن فيه بين القيام ماشيا و بين الجلوس مستقرا، و إمّا بتعيين الجلوس مستقرا.

[في ان القيام ماشيا مقدم على الجلوس]

و لكن نقول: بأنّه بعد كون شرطية الاستقرار غير ثابت بالدليل اللفظى و كونه ثابتا بالسيرة و الاجماع فقدر المتيقن من شرطيته هو صورة التمكن من حفظ الاستقرار، ففي ما نحن فيه لا يكون دوران، لأنّ إطلاق دليل اعتبار القيام يشمل حال التمكن من الوقوف و عدم تمكنه من ذلك، و لكن دليل اشتراط الاستقرار لا يشمل حال العجز عن الوقوف، فعلى هذا لا بدّ من الصّلاة قائما ماشيا في ما يدور الأمر بين الصّلاة قائما ماشيا و بين الصّلاة جالسا مستقرا كما أفتي به العلّامة رحمه اللّه و بعض المتاخرين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 96

هذا تمام الكلام فيما أفاده سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى في القيام.

أوّلا و الحمد للّه و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و على آله و لعنة اللّه على أعدائهم و أنا الاحقر على الصافي الگلپايگاني.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 97

الثالث من أفعال الصّلاة تكبيرة الاحرام
اشارة

و يقال بها تكبيرة الافتتاح لافتتاح الصّلاة بها كما أنّ بها حيث يحرم على المصلّي بعض ما كان حلالا عليه قبلها يقال تكبيرة الاحرام.

ثمّ اعلم بأنّ التكبيرات المشروعة في الصّلاة تكون خمس و تسعين تكبيرة: في الظهر إحدى و عشرين تكبيرة، و في العصر إحدى و عشرين تكبيرة، و في المغرب ست عشرة تكبيرة، و في العشاء إحدى و عشرين تكبيرة، و في الفجر إحدى عشرة تكبيرة، و خمس تكبيرات للقنوت في خمس صلوات، و اعتبار تكبيرة الاحرام في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه، إنّما الكلام في بعض الجهات:

الجهة الاولى:
اشارة

يظهر من بعض الروايات الواردة في طرقنا مشروعية ثلاث تكبيرات، أو خمس، أو سبع لافتتاح الصّلاة، فنسب إلى المشهور من فقهائنا قدس سرّه كون المكلف مخيرا بين جعل كل واحده منها تكبيرة الاحرام أى: تكبيرة الافتتاح، و كون الأفضل اختيار التكبيرة الآخرة تكبيرة الافتتاح كما يظهر من بعضهم، فإن كبّر ثلاثا فالأفضل جعل الثالثة، و إن كبر خمسا فالأفضل جعل الخامسة، و إن كبر سبعا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 98

فالأفضل جعل السابعة تكبيرة الافتتاح، و يظهر من بعض الفقهاء رحمه اللّه مثل صاحب الدروس و بعض آخر، بأنّ المتعين جعل الاولى منها تكبيرة الافتتاح إذا كبر ثلاثا او خمسا أو سبعا، و يظهر من بعض الآخر منهم تعين جعلها الاخيرة، و قال المجلسي «1» الأوّل رحمه اللّه بأنّه في مقام إتيان الثلاث أو الخمس أو السبع يجعل كلها تكبيرة الاحرام و بعبارة اخرى يجعل المصلّي كلّها تكبيرة الافتتاح، هذا حال الأقوال عندنا، و امّا عند العامة فما هو فتواهم هي مشروعية تكبيرة واحدة للافتتاح، و عدم مشروعية تكبيرات الست الاخر عندهم.

[في ذكر الاقوال فى تكبيرة الاحرام]
اشارة

إذا عرفت أنّ الأقوال عندنا أربعة:

القول الأوّل: التخيير بين جعل أيّها شاء تكبيرة الاحرام و هو ما نسب إلى المشهور.

القول الثاني: تعين جعلها الاولى، و هو المحكى عن الدروس و البهائى و الكاشانى في الوافى و المفاتيح و بعض آخر.

القول الثالث: تعين جعلها الأخيرة كما قد يظهر من المراسم و الغنية و بعض آخر.

القول الرابع: جعلها المجموع منها و هو قوله المجلسي الأوّل رحمه اللّه.

و اعلم قبل الشروع في بيان ما هو الحق بين الأقوال بأنّ ما نسب إلى المشهور من القول بالتخيير في جعل أيها شاء المصلّي تكبيرة الاحرام ليس بتمام، لأنا

بعد ما تفحصنا كلمات القدماء في هذه المسألة من اللذين كان بنائهم الاقتصار بفتاوى

______________________________

(1)- روضة المتقين جلد 2 صفحه 280.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 99

المتلقاة عن الائمة عليهم السّلام، و لم يبيّنوا إلّا الفتاوي المنصوصة المأثورة- كالمفيد رحمه اللّه و السيد رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في بعض كتبه، و بعض آخر كابن حمزة- نرى أنّ كلامهم غير ظاهر في القول بالتخيير، بل كلمات بعضهم ظاهر في خلافه، و يظهر من السلار أعنى: سالار بن عبد العزيز في المراسم أنّ المتعين جعل الاولى تكبيرة الافتتاح، و على كل حال الشهرة الفتوائية الّتي يمكن الاستناد بها، و نحن نستند بها و نقول: بأنّ من الشهرة نكشف وجود نصّ في المسألة لم يصل إلينا، غير موجود في ما نحن فيه.

[يستدلّ للقول المشهور برواية ابي بصير]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يستدل للقول المنسوب بالمشهور بالرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا افتتحت الصّلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا و إن شئت خمسا، و ان شئت سبعا، و كل ذلك مجز عنك غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة) «1» بأنّ الظاهر منها أنّ ما أمر بجهره من التكبيرات هو تكبيرة الافتتاح، و حيث لم يعيّن الجهة بخصوص الأوّل أو الآخر أو المجموع يكشف منه تخيير المكلف بين جعل أى منها شاء تكبيرة الافتتاح.

قد يقال بحمل قوله عليه السّلام في الرواية (غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بتكبيرة) على التقية بأن يقال: إنّه بعد ما يرى من ان المفتى به عند العامة ليست إلا تكبيرة واحدة لافتتاح الصّلاة، و لا يشرع عندهم ست تكبيرات غير هذه التكبيرة الواحدة،

فيقال بأنّ وجه النهي عن الجهر إلا بواحدة هو التقية، لأنّه إذا جهر بغير واحدة منها يصير مورد الاذى و الضرر، فلأجل التقية نهي عليه السّلام عن الاجهار بغير واحدة، و لهذا يقال: بأنّ الاجهار بواحدة ليس من باب كونها هي تكبيرة الافتتاحية حتّى يستدل بهذه الرواية على القول المشهور، و يقال: بأنّ ما يجهر به هو

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 100

التكبيرة الواجبة الافتتاحية، فالواجب ليس إلا واحدة، و حيث لم يعين الجهر بخصوص أحد منها، فلازمه كون المكلف مخيرا في جعل أيّها شاء تكبيرة الافتتاح لما عرفت من الاشكال.

و لكن بعد ما نرى في أنّ في الرواية الّتي ذكرها الصّدوق رحمه اللّه في الخصال و نقل بعض منها مع تغيير في الوسائل، أمّا الرواية، (قال الصّدوق رحمه اللّه في الخصال حدثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أحمد بن عبد اللّه الخليجى عن أبي علي الحسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن تكبير الافتتاح، فقال: سبع، قلت: روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه كان يكبّر واحدة، فقال: إنّ النبي: كان يكبر واحدة يجهر بها و يسر ستا) «1» نقل فعل رسول اللّه: من أنّه كان يجهر بواحدة منها و يسرّ ستّا، و لا يمكن حمل فعله: على التقية، فيوهن حمل هذه الفقرة من الرواية أبي بصير على التقية، بل يستفاد أنّ الجهر بالواحدة و إخفات الست كان مطلوبا لا من باب التقية، ثمّ بعد ذلك هل يمكن الاستدلال بهما على القول المنسوب إلى المشهور أم

لا؟

اعلم أنّ ما يستفاد من هذه الرواية، و كذا الرواية الّتي تنقل فعل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهره تكبيرة واحدة كما تساعد مع القول بالتخيير من باب ان يقال بان ما يختاره الامام أو ما اختار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من التكبيرات تكبيرة الافتتاح يجهر بها، كذلك تساعد مع القول بتعين الاولى، و كذلك مع القول بتعين الأخيرة، لأنّ قوله في رواية أبي بصير (غير أنك إذا كنت إما ما لم تجهر إلّا بواحدة) يدلّ على النهي من الجهر بغيرها و الواحدة الّتي يجوز جهرها على ما ادعى هو تكبيرة الاحرام، و القائل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 101

بتعين الاولى أو الاخيرة يقول: بأنّه يجهر بواحدة، و هي أوّل التكبيرات، أو آخر التكبيرات.

[في انّ الرواية تساعد مع قول المجلسي الاول ره]

بل يمكن أن يقال: بأنّ هذه الرواية تساعد مع القول المجلسى الأوّل رحمه اللّه أيضا، لأنّه و إن كان قائلا بجعل المجموع تكبيرة الافتتاح، و لكن على قول الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف بأنّه متى لم تتمّ تكبيرة إحرام الامام لا يجوز اقتداء المأموم به، فعلى قول المجلسي رحمه اللّه حيث يكون حال التكبيرات حال حروف كلمة (اللّه اكبر) يعني كما أنّ مع تلفظ الامام بكلمة اللّه أو (الألف، و الام، و الألف، و الكاف و الباء) قبل تمامية التكبير بتلفظه بلفظ (الراء) لا يجوز الاقتداء، بل يجوز بعد التلفظ بتمام الكلمتين، كذلك قبل إكمال تمام التكبير أى تكبيرات السبعة لا يجوز الاقتداء، فيكون النهي عن الاجهار بغير واحدة، لئلا يتوهم المأموم بأنّ الامام أتى بتكبيرة الاحرام، بل يجهر فقط بواحدة،

و هو آخر التكبيرات كى يعلم المأموم بأنّ الامام دخل في الصّلاة و تمت تكبيرة الاحرام.

فبعد ذلك لا يبقى وجه لكون الروايتين دليلا على خصوص القول المنسوب إلى المشهور).

ثمّ إنّه يمكن ان يقال: بأنّ ظاهر ما في بعض الروايات من الأمر باستفتاح الصّلاة بسبع تكبيرات ما رواها زرارة (قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام أو قال: سمعته استفتح الصّلاة بسبع تكبيرات ولاء) «1» هو أنّه في صورة الاتيان بسبع تكبيرات يكون الاستفتاح بها، كما ترى ان في هذه الرواية أمر باستفتاح الصّلاة بالسبع،

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 102

فلازم كون استفتاح الصّلاة بالسبع هو أنّ تمام السبع كان استفتاحها، فيبطل قولان من الأقوال الأربعة، و هو القول بالتخيير و القول بتعين جعل الاخيرة تكبيرة الافتتاح، لأنّه لو كان المصلّي مخيرا بين جعل أى واحد من السبعة، تكبيرة الافتتاح فما وقع الافتتاح بالسبعة، بل افتتح الصّلاة بواحد من السبعة و صار ما وقع قبل السبعة خارجا عن الصّلاة و مقدما عليها، فما استفتح به فكل تكبيرة من السبعة تقع قبل تكبيرة الاحرام يكون مقدما على الصّلاة، فلا يستفتح به الصّلاة و الحال أنّ هذه الرواية تدلّ على أنّ الافتتاح لا بدّ و ان يكون بكل السبعة، كما أنّه على القول بتعين الاخيرة يكون استفتاح الصّلاة، بها فقط فالتكبيرات الست الواقعة قبلها وقعت قبل الصّلاة و لا تستفتح بها الصّلاة، و الحال أنّ الرواية تدلّ على لزوم الاستفتاح بكل السبعة.

فيدور الأمر بين كون الافتتاح بمجموع السبعة كما هو قول المجلسي رحمه اللّه، و بين القول بتعين جعل الاولى، لأنّه بعد جعل الاولى تكبيرة الاحرام و إتيانه بما

بقى من السبعة بعدها فوقع افتتاح الصّلاة بكل من السبعة.

[في ذكر اشعار الروايتين على كون تكبيرة الاحرام هو الاولى و رده]

و يشعر على تعين جعل الاولى تكبيرة الافتتاح الروايتان الدالّتان على أنّ وجه تشريع الست، «1» هو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كبّر للصّلاة فلم يحر الحسين عليه السّلام (على ما في الرواية الاولى منهما) و أبطأ عن الكلام حتّى تخوفوا أنّه لا يتكلم، فافتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر الحسين عليه السّلام فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثانيا و هو كبّر و هكذا حتّى كبّر تكبير السابع (على ما فى الرواية الثانية) فصارت سنة، على ما في الرواية الاولى

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 و أيضا الرواية 4 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 103

منهما، أو فجرت بذلك السنة بذلك على ما في الثانية منهما، فيشعر منهما أن تكبيرة الافتتاح هي الاولى، لأنّه كبّر للصّلاة، ثمّ بعد ذلك شرع الست، فشرّع السّت بعد تكبيرة الافتتاح.

(و لكن هذا الوجه مخدوش أمّا أوّلا فلأنّ الظاهر من الرواية 7 من الباب المذكور كون علّة اخرى لتشريع سبع تكبيرات في الافتتاح، و لا يستفاد منها ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كبّر أوّلا للاحرام ثمّ شرّع السّت بعدها، و ثانيا أنّ الظاهر من الروايتين المتقدمتين هو أنّ قبل تشريع ست تكبيرات كبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر الحسين عليه السّلام فشرّع السّت، و لا يستفاد من ذلك أنّ بعد تشريع السّت أىّ منها صارت تكبيرة الافتتاح).

و يمكن ان يقال وجها لقول المجلسي رحمه اللّه بأنّ الظاهر من بعض أخبار

الباب بل نوعها، هو كون مجموع السبعة افتتاح الصّلاة، مثل ما قال في رواية «1» زرارة (استفتح الصّلاة بسبع تكبيرات) و لذا ترى أنّ بعض المتأخرين يقول: بأنّ الروايات ظاهرة في قول المجلسي رحمه اللّه و لكن الشهرة على خلافه.

و قد يستشكل على قول المجلسي رحمه اللّه بأنّ لازم قوله التخيير بين الأقل و الأكثر، لأنّ على قوله يكون المكلف مخيرا بين أن يفتتح الصّلاة بتكبيرة واحدة و بين أن يفتتحها بثلاث أو خمس او سبع، و هذا هو التخيير بين الأقل و الأكثر، و هو محال.

[في نقل كلام المحقّق الهمداني]

و قال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «2» جوابا عن هذا الاشكال: بعدم محذور في التخيير بين الأقل و الأكثر، و حاصل كلامه يرجع إلى أنّ تعلق الطلب بطبيعة يكون

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 249.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 104

مسماها أو مقدار من أفرادها أقل المجزى و الأكثر منها أفضل في الشرعيات و العرفيات فوق حدّ الاحصاء، لكون الاكثر أو في و أتم في الغرض و ان كان الاقل كافيا في رفع الالزام، فإذا تشاغل الشخص بالفعل فما دام متشاغلا يعدّ ممتثلا فإن وقف على الأقل يحصل الامتثال به، و إن لم يتوقف بل باق على تشاغله إلى الأكثر فبالأكثر يكون الامتثال.

و إن قلت: إنّ مع حصول الامتثال بالأقل فكيف يبقى الأمر حتّى يعد الأكثر امتثالا له.

قلت: إن قصد الامتثال بالأقل و اقتصر عليه فيعد هو امتثالا و إن قصد الامتثال بالأكثر و لم يقتصر على الأقل فلا يعد الأقل امتثالا، بل يكون الامتثال بالأكثر فلا مانع من التخيير بين الأقل و الأكثر،

هذا حاصل ما قال في المقام بتفصيل منه في كتابه المسمّى بمصباح الفقيه.

و لكن نقول: بأنّ الموارد مختلف فإنّ كان الأقل فردا للطبيعة و الأكثر فردا آخر للطبيعة كما في الخط، فشبر من الخط، فرد من طبيعة الخط و ذرع من الخط فرد آخر منها، فيمكن دعوى جواز التخيير بين الأقل و الأكثر و لكن لا يمكن ذلك في المقام، لأنّ كل تكبيرة، فرد من التكبير فتكبيرة واحدة فرد منه، و ليس ثلاث، تكبيرات أو خمس أو سبع تكبيرات فردا واحدا في قبالها، بل كل تكبيرة فرد في قبال تكبيرة اخرى، فعلى هذا في مثل ذلك لا مجال للتخيير بين الأقل و الأكثر لأنّ مورد التخيير بين الأقل و الأكثر يكون موردا يكون الأقل فردا واحدا و الأكثر فردا واحدا في قباله لا أفرادا متعددة، و المقام ليس كذلك، لأنّ كل تكبيرة من السبعة فرد مستقل في قبال الآخر مثل أفراد الانسان، ففرد واحد منه فرد و ليس

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 105

عشرة نفر من الانسان فردا واحدا بل تكون عشرة أفراد «1» و على كل حال لا يساعد العرف على التخيير بين الأقل و الأكثر في المقام.

[في ذكر فتاوى القدماء]

ثمّ بعد ذلك كله نذكر توضيحا للمطلب فتاوى بعض القدماء حتّى يظهر للناظر بأنّ دعوى الشهرة في المسألة على التخيير في محلّه أو لا، فنقول: قال السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات «2» (على أنّ أصحابنا يذهبون على أنّه مسنون للمصلّي أن يكبر تكبيرات قبل تكبيرة الافتتاح الّتي هي الفرض، و ليست هذه التكبيرات من الصّلاة) و المستفاد من عبارته كون الأخيرة تكبيرة الافتتاح، كما يظهر تعين جعل الأخيرة تكبيرة الاحرام و الافتتاح من ظاهر أبي

الصلاح في الكافي «3» و هو المستفاد من الغنية، و هو مختار يحيى بن سعيد في جامع الشرائع، و يظهر ذلك من عبارة اشارة السبق، و ظاهر المراسم «4» و قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية «5»: و هذه

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّ الأمر إن كان بالتكبير يكون مجال لهذا الاشكال بأن يقال: إنّ تكبيرات السبع مثلا سبع تكبيرات لا تكبيرة واحدة يكون التخيير بينه و بين الثلاث أو الخمس أو واحدة من باب التخيير بين الأقل و الأكثر و لكن الأمر تعلق بالافتتاح، فقال مثلا كما في رواية زرارة (استفتح الصّلاة الخ) فالاستفتاح كما يتحقّق بتكبيرة واحدة يتحقّق بالثلاث و الخمس و السبع، و يكون تكبير واحد فردا من طبيعة الافتتاح و الثلاث فردا و الخمس فردا و السبع فردا آخر، لا أفراد آخر، فعلى هذا يكون حال ما نحن فيه حال الخطّ الّذي جوز مدّ ظله العالى فيه التخيير بين الأقل و الأكثر و لم يجب مدّ ظله العالي عما قلت، و لعله صار مرضيه أدام اللّه عمره. (المقرر).

(2)- المسائل الناصريات، ص 210.

(3)- الكافى الفقه، ص 122، الغنية، ص 83.

(4)- المراسم، ص 70.

(5)- النهاية، ص 69- 70.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 106

التكبيرات السبع واحدة منها فريضة و لا يجوز تركها، و الباقى سنة، و عبارته في المبسوط (و هو الكتابة الّذي كان بنائه فيه على ذكر التفريعات، كما أفاد في أول كتابه حتى لا يقول العامة بأنّ الخاصة اقتصروا على أحكام خاصة و ما يكون لهم تفريعات، فبنى على ذكر التفريعات فيها و استخرج التفريعات من بين النصوص كما قال رحمه اللّه، فليس في كتابه

المبسوط «1» مقتصرا على ذكر الاصول المتلقاة) قال: (و يستحبّ التوجّه بسبع تكبيرات في أول كل فريضة و أول ركعة من نوافل الزوال (إلى أن قال) بينهنّ ثلاثة أدعية يكبّر ثلاث تكبيرات و يقول: اللهم الخ، و يكبر تكبيرتين و يقول لبيك الخ و يكبر تكبيرتين و يقول و جهت الخ (إلى ان قال) و واحدة من هذه التكبيرات بها الدخول في الصّلاة سواء قصد بالاولة أو بالاخيرة او بالوسطى أو غيرها فإنّ نوى بالأولة تكبيرة الاحرام كان ما عداها واقعا في الصّلاة و إن نوى بالأخيرة ذلك، كان ما عداها واقعا خارج الصّلاة، و الأفضل أن ينوى بالأخيرة ذلك).

و لا يخفي عليك أنّ مختاره في المبسوط هو التخيير بين جعل أىّ منها شاء تكبيرة الاحرام و لكن الأفضل جعلها الاخيرة. «2»

و قد ظهر ممّا مرّ أن الظاهر من كلمات جل القدماء هو تعين جعل الأخيرة تكبيرة الاحرام غير الشّيخ رحمه اللّه، فإنّ ظاهره في المبسوط هو التخيير مع كون الفضل

______________________________

(1) المبسوط، ج 1، ص 104- الوسيلة، ص 94.

(2)- أقول: كما لا يبعد أن يكون ظاهر كلامه في النهاية ذلك لعدم تعيين أنّ أيا منها تكبيرة الاحرام كما لا يبعد أن يكون التخيير مختار ابن حمزة في الوسيلة قال فيها: و التوجيه بسبع تكبيرات واحدة منها تكبيرة الحرام. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 107

في جعلها الأخيرة و بعد كون كتابه كما قلنا غير معدّ لذكر خصوص فتاوى المتلقاة، فلا يضرّ بالشهرة على تعين جعلها الأخيرة.

[في ذكر الاقوال في المسألة]

فترى أنّ الأقوال في المسألة كما قدّمنا أربعة:

القول الأوّل: تعين الاخيرة، و هو مختار جل القدماء إلّا الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط.

القول الثاني: تعين جعلها الأولى.

القول الثالث: التخيير في

تعيين جعل أيها شاء تكبيرة الافتتاح، و هو المشهور عند المتأخرين و المنسوب إلى المشهور من غيرهم.

القول الرابع: جعل المجموع الافتتاح و هو مختار المجلسى الأوّل رحمه اللّه.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لا يمكن الالتزام بقول الرابع لكون الشهرة على خلافه (مضافا إلى مخالفته مع بعض الروايات مثل الرواية الناقلة عن فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنّه كان يجهر بواحدة بناء على اشعارها بأنّ خصوص ما يجهر به هو تكبيرة نذكرها بعدا، الدالتان على كون الافتتاح بواحدة منها و هي تكبيرة الاخيرة).

و كذلك يشكل الالتزام بالتخيير أمّا أوّلا فلمخالفته مع ظواهر جلّ أخبار الباب بل كلها، و ثانيا المستفاد من الأخبار هو كون ست تكبيرات المنظمة بتكبيرة الاحرام على وزان واحد، بمعنى أنّ هذه التكبيرات إمّا من مقدمات الصّلاة، و إمّا من أجزائها و إمّا كون بعضها من مقدماتها و بعضها من أفعالها، فيكون خلاف الظاهر، و لازم القول بالتخيير هو هذا إذ لو اختار المصلّي مثلا الرابعة، فلازم ذلك

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 108

كون الثلاثة الواقعة قبلها من مقدمات الصّلاة و الثلاثة الواقعة بعدها من أجزاء الصّلاة، غاية الأمر الأجزاء المستحبة، و الحال أنّ ما يفهم من وضع تشريعها بمقتضى الروايات كون كل هذه الستة على نحو واحد و بوزان واحد.

إن قلت: إنّ الشهرة على التخيير.

قلت قد عرفت في ما اسلفنا عدم اشتهار التخيير، بل ظاهر أغلب القدماء هو تعين الأخيرة، فافهم.

و أمّا القول بتعين جعلها الاولى فتارة يقال: بعدم كون تكبيرة الاحرام محتاجا إلى القصد، فيمكن أن يقال بعد تعلق الوجوب بواحدة من التكبيرات و قهرا تكون الباقية منطبق أمر الاستحبابى، و تارة يقال: بأنّها محتاجة

إلى القصد فإن لم يقصد بها افتتاح الصّلاة فلا تصير منطبق عنوان الواجب، كما هو الحق، فبأىّ منها قصد الافتتاح فهي تصير افتتاح الصّلاة، و حيث إنّ القصد معتبر لعدم كفاية صرف إتيان تكبيرة عن امتثال الأمر بتكبيرة الاحرام، فلا يمكن أن يقال: بأنّ الاولى هي تكبيرة الاحرام بدعوى صيرورة الاولى تكبيرة الاحرام قهرا، و وقوع ما بقى التكبيرات سنة لما قلنا.

[في ان الاقرب جعل التكبيرة الاخيرة تكبيرة الاحرام لوجوه]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لا وجه لتعين الاولى أمّا أوّلا فلعدم دلالة رواية على ذلك غير روايتين الواردتين في علّة التشريع ذكرنا الكلام فيهما و وجه الاستدلال بهما و قلنا جوابهما، و امّا ثانيا فإنّ الشهرة على خلافه، فعلى هذا نقول:

بأنّ الأقرب بالنظر هو تعين جعلها الأخيرة لوجوه:

الوجه الأوّل:

للشهرة الّتي قدمنا بيانها من أن نوع القدماء قدس سرّه قائلون بتعين الأخيرة أو أفضليتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 109

[في الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: رواية فقه الرضا (و اعلم أنّ السابعة هي الفريضة و هي تكبيرة الافتتاح و بها تحريم الصّلاة) و رواية أبي بصير الّتي رواها كاشف اللثام في شرح الروضة، و فيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله اللهم أنت الملك الحق المبين الخ، و الدعاء عقيب الاثنين بقوله: لبيك و سعديك، و عقيب السادسة بقوله يا محسن قد أتاك المسي ء، قال عليه السّلام ثمّ تكبير للاحرام) و هما و ان كانتا ضعيفة السند في حدّ ذاتهما إلا أنّهما معتضدان بالشهرة.

الوجه الثالث: كون هذا القول أحوط حيث إنّ العمدة هي الشهرة، و هي إمّا على القول بالتخيير، و إمّا على تعين الأخيرة فلو اختار المصلّي الأخيرة فراعى الشهرة، هذا تمام الكلام في هذه الجهة.

الجهة الثانية:
اشارة

يظهر من جلّ الفقهاء استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام، و غيرها من التكبيرات المستحبة في الصّلاة، و لا يرى مخالف فيه من القدماء قدس سرّه الّا السيّد المرتضى رحمه اللّه في الانتصار، و من المتأخرين إلّا صاحب «1» الحدائق رحمه اللّه، فينبغي أوّلا ذكر أخبار الباب بنحو الاختصار، ثمّ بيان ما هو المختار إن شاء اللّه.

[في ذكر الروايات الواردة في رفع اليد في الصّلاة]

فنقول: إنّ بعض روايات الباب يحكى فعل أحد المعصومين:، و هي الرواية 1 و 2 و 3 و 6 و 12 من الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل، و هذه الطائفة لا تدلّ إلّا على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحدا من الائمة: رفع يديه حال تكبيرة الاحرام كما في 2 و 3 و 6 منها، و على رفع يده عليه الصّلاة و السلام حين مطلق التكبير كما في 1

______________________________

(1) الحدائق، ج 8، ص 42.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 110

منها، و في خصوص تكبير قبل الركوع، و بعد الركوع كما في 12 منها.

و رفع اليد بعد الركوع يكون موافقا مع العامة، فهم يقولون باستحباب التكبير بعده و نحن لا نقول باستحبابه، و على كل حال غاية دلالة هذه الطائفة مشروعية رفع اليد و رجحانه، و أمّا الوجوب فلا يستفاد منها.

و بعضها يكون متعرضا لعلة تشريع رفع اليدين، و هي الرواية 10 و 11 من الباب المذكور، و لا ظهور لهذه الطائفة في الوجوب، بل المستفاد منها بيان التشريع، فكما يناسب مع الوجوب يناسب مع ذكر علّة استحباب رفع اليدين عند التكبير.

و بعضها مثل ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: إذا افتتحت الصّلاة فكبرت،

فلا تجاوز اذنيك، و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك) «1» المتعرضة لعدم تجاوز اليدين عن الاذن، و عدم رفع اليد عن الرأس بالدعاء في المكتوبة غير متعرضة لأصل رفع اليد و أنّ مطلوبيته تكون على سبيل الوجوب أو الاستحباب.

و مثل ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: قال: على الامام أن يرفع يده في الصّلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصّلاة) «2» فهي متعرضة للفرق بين الامام و المأموم، فهي معارضة مع الأخبار المطلقة من حيث كون المصلّي إماما أو مأموما (مع إجمالها من حيث التعرض لرفع اليد في الصّلاة و بعد عدم إمكان حملها على مطلوبية رفع اليد في حال الصّلاة، فمردد بين كون المطلوب هو رفع اليد حال التكبير أو حال القنوت، نعم على نقل الحميرى في قرب الاسناد

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 111

كما ذكر في الوسائل (أن يرفع يديه في التكبير) يكون متعرضا لرفع اليد حال التكبير).

و مثل ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام (قال: و عليك برفع يديك في الصّلاة و تقليبها) «1» و هي لاجل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و تقليبها) ظاهرة في كون الأمر برفع اليد حال القنوت باعتبار أن فى هذا الحال يقلّب اليد و يجعل باطنها نحو السماء، أو محتمل في ذلك و إن كان من المحتمل أيضا إن يكون

المراد من التقليب الحاصل برفع اليدين حال التكبير لتقليب اليد عن وضعها الطبيعى، و لكن مع احتمال خلافه لا يبقى ظهور للرواية في كونها متعرضة لرفع اليد حال التكبير.

و مثل ما رواها إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال (دعوا رفع أيديكم في الصّلاة إلّا مرة واحدة حين يفتتح الصّلاة، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك، و اللّه المستعان و لا حول و لا قوة إلا باللّه) «2» فهي متعرضة لعدم رفع اليد في غير تكبيرة الاحرام من باب التقية حتّى لا يعرفونهم العامة، و أمّا كون رفع اليد واجبا أو مستحبا حال تكبيرة الاحرام و غيرها من التكبيرات، فهي غير متعرضة له.

و مثل الرواية 1 و 2 من الباب 10 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل فيحتمل كونهما متعرضة لحيث آخر أعنى: في مقام بيان حدّ رفع اليد لا في مقام بيان أصل رفع اليد فعلى هذا لا يستفاد من هذه الطائفة وجوب رفع اليد حال التكبير.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 112

و بعضها واردة في تفسير قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ): مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال:

هو رفع يديك حذاء وجهك). «1»

و مثل ما رواها إلا صبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام (قال: لما نزلت على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (فصل لربك و انحر) قال:

يا جبرئيل ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربي؟

قال: يا محمد أنها ليست نحيرة، لكنّها رفع الايدى في الصّلاة). «2»

و مثل ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن مقاتل بن حنان مثله إلا أنّه قال: ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك اذا تحرّمت للصّلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، و إذا ركعت، و اذا رفعت رأسك من الركوع و اذا سجدت فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السموات السبع و أنّ لكل شي ء زينة و أنّ زينة الصّلاة رفع الايدى عند كل تكبيرة). «3»

و مثل ما روى عن على عليه السّلام في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ). «4» إنّ معناه رفع يديك إلى النحر في الصّلاة.

و مثل ما روى عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) قال: هو رفع يديك حذاء وجهك. «5»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 14 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(4)- الرواية 15 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(5)- الرواية 16 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 113

و مثل ما روى عن جميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله عز و جل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصّلاة) «1».

و هذه الطائفة مع ارسال بعضها و ضعف سند بعضها مثل 13 لا يستفاد من الاولى منها أى رواية 4 إلّا رفع اليد، و

لا تعرض فيها لمورد رفع اليد، و الثالثة منها و هي 14 (مضافا إلى اشتمالها لما هو موافق لقول بعض العامة) و هو التكبير بعد رفع الرأس عن الركوع، فإن ذلك ممّا لا يرى له قائل بين الخاصة) لاشتمالها على ذيل و هو قوله (و إنّ لكل شي ء زينة الخ) لا ظهور لها في الوجوب، بل يناسب هذا النحو من التعبيرات مع الاستحباب، فلا يمكن الاتكال عليها و الالتزام بوجوب رفع اليد حال التكبيرات، مضافا إلى أنّ بعض الروايات متعرضة لخصوص حال تكبير الافتتاح، و بعضها للفصل بين الامام و المأموم،

[مستند العمدة في عدم وجوب رفع اليد]

و مستند العمدة في عدم وجوب رفع اليد حال التكبيرات، هو ما قلنا في الاقامة من أنّه لو كانت واجبة يكون بمثابة لا يمكن الترديد فيه و كان ظاهرا واضحا عند المسلمين، لابتلاء العموم به في كل يوم من الأيام خمس مرات، فكذلك في ما نحن فيه، فمن عدم وضوح ذلك بل اشتهار خلافه بحيث لا يرى قائل بوجوبه من القدماء إلّا السيّد رحمه اللّه كما في محكي الانتصار «2» (و ممّا انفردت به الامامية القول بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصّلاة لأنّ أبا حنيفة و أصحابه و الثورى لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلّا في الافتتاح للصلاة (إلى أن قال) و الحجة في ما ذهنا إليه طريقة الاجماع و براءة الذمة) و إن كان كلامه

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الانتصار، ص 147.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 114

أيضا قابل للحمل على غير الوجوب، لاحتمال كون نظره الشريف إلى أصل ثبوت ذلك بين الخاصّة خلافا لأبى حنيفة و الثورى فإنّهما لم يقولا بمشروعية رفع اليدين في

غير تكبيرة الافتتاح.

فمحط نظره يحتمل أن يكون صرف إثبات مشروعية رفع اليد عند كل تكبيرة في قبالهم، و تعبيره بالوجوب على هذا يحتمل أن لا يكون وجوب المصطلح بل مراده الثبوت بمعنى ثبوت ذلك و مشروعيته، فهو كما يناسب مع الوجوب يناسب مع الاستحباب، و من المتأخرين صاحب الحدائق «1» رحمه اللّه فنكشف عدم وجوبه قلنا.

[الحق استحباب رفع اليدين حال التكبيرات]

فالمختار، و ما هو الحق، هو استحباب رفع اليدين حال التكبيرات، غاية الأمر يمكن أن يكون استحبابه في تكبيرة الافتتاح أشد و للامام أشد استحبابا صرح في رواية «2» من روايات المتقدمة التفصيل بين الامام و المأموم، فيحمل ذلك على زيادة الفضل للامام، فعلى هذا الحق عدم وجوب رفع اليدين حال التكبيرات، و لكن يكون مستحبا، و العمدة ما قلنا في وجهه، و لا وجه للاشكال ببعض الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ) برفع اليد في الصّلاة بأنّ النحر من الجوامد فحمل (انحر) على النحيرة و هو رفع اليد حال التكبير خلاف الظاهر، لأنّ الاشتقاق منه بهذا النحو خلاف الظاهر، لأنّ النحر من المصادر التوليدية لا المصادر الاشتقاقية، لأنّه بعد المراجعة يرى الناظر بأنّ كل أقوال ذكر في الآية كما في تفسير الطبري (علي بن جرير) يكون مشتقا عن الجامد، فهذا ليس إشكالا في الروايات.

فالعمدة ما قلنا في وجه عدم الوجوب مضافا إلى بعض وجوه

______________________________

(1)- الحدائق، ج 8، ص 42.

(2)- الرواية 7 من الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 115

اخرى قدّمنا ذكره.

و الحمد للّه و الصّلاة على رسوله و آله و العن على أعدائه رب ارزقنا خير الدنيا و الآخرة.

الجهة الثالثة:

لو نسي تكبيرة الافتتاح فهل يجب عليه اعادة الصّلاة أم لا؟

اعلم أنّ ظاهر الرواية 1 و 2 و 4 و 5 و 7 من الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام من الوسائل، و 1 من الباب 3 من أبوابها من الوسائل، هو وجوب الاعادة أى: إعادة الصّلاة إذا نسي تكبيرة الاحرام و هذا ما ادعى بعض عليه الاجماع، و أنّه ممّا لا خلاف فيه

على الظاهر.

و في قبال ذلك بعض الأخبار منها الرواية 8 من الباب 2 من أبوابها، و هي تدلّ على عدم وجوب الاعادة إذا نسيها و تذكر بعد الصّلاة و منها الرواية 9 من الباب المذكور، و لكن يمكن حمل الرواية على صورة الشّك بأن يقال: إن قوله عليه السّلام (أ ليس كان من نية أن يكبر) هو أن من يكون بنائه على الاتيان، يأتيها و لا ينسيها، و لأجل هذا قال عليه السّلام (فليمض في صلاته) و منها الرواية 10 من الباب المذكور، و هي تدلّ على وجوب التكبير لو تذكر قبل الركوع، و عدمه إن تذكر بعده، و تكون صلاته صحيحة و منها الرواية 2 من الباب 3 من أبوابها من الوسائل، و هي بظاهرها تدلّ إجزاء تكبير الركوع عنها و عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة فهي بظاهرها معارضة مع بعض الآخر الدالّ على عدم وجوب الاعادة إذا دخل في الركوع سواء أتى بتكبيرة الركوع أم لا.

و على كل حال بعد دلالة الروايات المتقدمة- قبل هذه الطائفة- على وجوب إعادة الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و كون الحكم تقريبا من المسلمات عند

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 116

فقهائنا رضوان اللّه عليهم، فلا بدّ من ردّ علم هذه الأخبار على فرض دلالتها، مع قطع النظر عن معارضة بعضها مع بعضها الآخر، إلى أهلها فافهم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 117

الرابع من أفعال الصّلاة القراءة
اشارة

و كونها من جملة واجبات الصّلاة في الجملة ممّا لا يكون مورد خلاف لا بيننا، و لا بين العامّة عدا ما حكى عن الحسن بن صالح بن حي من أنّه قال: ليست القراءة شرطا فيها، و كذا لا خلاف بين فقهائنا رضوان اللّه عليهم في وجوب

الفاتحة في ركعتى الفجر، و ركعتى الاولى و الثانية من الظهرين و العشاءين، و أمّا عند العامة فقال الشافعى و سفيان و مالك و أحمد و إسحاق و ابو ثور و داود: بوجوبها في الصّلاة، و حكى عن الاصم و الحسن بن صالح بن حي أنّها مستحبة في الصّلاة و قال أبو حنيفة: يجب مقدار آية، و قال أبو يوسف و محمد: مقدار ثلاث آيات.

و أمّا السورة فالمشهور عندنا وجوبه في الأولتين من الصلوات الخمس، و فينا من لا يقول بوجوبه، و أمّا العامة فقال الشافعي و أكثر أصحابه: بأنّها مستحب، و قال بعض أصحاب الشافعي: بوجوبها و لا يجوز الاقتصار على أقل منها، و لكن يجوز تبديل ذلك بما يكون قدر آياتها من القرآن، و حكى أبو بكر بن المنذر عن عثمان بن أبي العاص أنّه قال: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب و ثلاث آيات بعدها، هذا كله في الركعتين الأولتين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 118

و أمّا في الركعة الأخيرة من المغرب، و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و هو الموضع الأوّل: من المواضع الّتي يقع الكلام فيها في مبحث القراءة، فنقول: أمّا العامة فلا خلاف بينهم في أنّ التكليف هو قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، و أمّا الخاصة فلا خلاف بينهم في إجزاء غير القراءة و إن كان الخلاف بينهم في ما يجزي بدل قراءة الحمد.

[في ذكر الاقوال فى القراءة]

فما يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» كون الأقوال عند الخاصّة رضوان اللّه عليهم أربعة:

القول الأوّل: كما يظهر من عبارته في الكتاب المذكور، هو إجزاء (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) و هو مختاره و مختار المفيد

«2» رحمه اللّه، و ظاهره اجزاء ذلك مرة واحدة.

القول الثاني: كفاية التسبيح عشر مرات، و هو أن يقول المصلّي ثلاث مرات (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) و يزيد في المرة الثالثة (اللّه أكبر) فيكون عشرة تسبيحات.

القول الثالث: كفاية تسع تسبيحات (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات.

القول الرابع: هو أن يقول المصلّي (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، فتكون اثنتا عشرة تسبيحة، هذه الأقوال الأربعة.

______________________________

(1) المعتبر، ج 2، ص 188- 189.

(2)- مقنعه، ص 113.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 119

و أمّا وجه التعبير من هذه الاذكار (بالتسبيحة) فيكون لأجل اشتمال كل منها على تنزيه اللّه تعالى.

[في ذكر الاخبار الواردة فى القراءة فى الركعتين الاخيرتين]

إذا عرفت الأقوال في المسألة فنعطف عنان الكلام إلى ذكر الأخبار في هذه المسألة، فنقول بعونه تعالى: بأن صاحب الوسائل تعرض للأخبار الراجعة إلى المسألة في بابين من أبواب القراءة في الصّلاة من الوسائل الباب 42 و الباب 51، و لسان الأخبار يكون مختلفا، فنذكر بعونه تعالى الأخبار و مقدار دلالتها حتّى يظهر لك ما هو الحق في المقام، فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك، و ان شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء). «1»

تدلّ على تخيير المكلف بين التسبيح و التحميد و الاستغفار، و بين فاتحة الكتاب من باب كون الفاتحة تحميد و دعاء، و لا دلالة لها على كون أحد فردي التخيير هو خصوص التسبيحات الأربعة، إلا أن يدعى انصراف التسبيح و التحميد في الرواية إليها،

و ليست الرواية متعرضة لعدد خاص، و لازم ذلك حصول المأمور به بصرف مسمى التسبيح و التحميد و الاستغفار، أو خصوص التسبيحات الاربعة مرة واحدة لو قلنا بانصراف التسبيح و التحميد إليها.

الرواية الثانية: و هي ما رواها معاوية بن عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القراءة خلف الامام في الركعتين الأخيرتين فقال: الامام يقرأ بفاتحة الكتاب،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 120

و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و إن شئت تسبح. تدلّ على أنّ تكليف الامام قراءة الفاتحة، و المأموم التسبيح). «1»

و المنفرد فمخير بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين، و لم يبين فيها نحوة التسبيح إلا أن يقال: بانصراف التسبيح في لسانهم: بالتسبيحات الأربعة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها علي بن حنظلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّه فهو سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّه سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت). «2»

تدلّ على التخير بين الفاتحة و بين الذكر في الجملة، و عدم أفضلية أحدهما على الآخر، و لم تكن الرواية في مقام بيان كفاية مطلق الذكر بقرينة ذيل الرواية و بعض روايات اخرى، فلا يمكن حمل الرواية على كفاية مطلق الذكر، بل يمكن كون المراد خصوص التسبيح.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها جميل بن دراج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عما يقرأ الامام في الركعتين في آخر الصّلاة، فقال: بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما

إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب). «3»

تدلّ على أنّ الامام يقرأ الفاتحة، و لا يقرأ المأموم، و لا تعرض فيها بأنّ المأموم يسكت أو يسبح أو يفعل غير ذلك، و تدلّ على أن المنفرد يقرأ.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 121

الرواية الخامسة: و هي ما رواها حريز عن زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه اكبر، و تكبر و تركع). «1»

(و في الرواية محمد بن إسماعيل الواقع في جلة أسانيد الرواية ليس محمد بن إسماعيل بن بزيع بل هو محمد بن إسماعيل النيشابوري).

تدلّ الرواية على أنّ المجزى في الركعتين الأخيرتين هو التسبيحات الأربعة مرة واحدة (و إطلاقها يشمل الامام و المأموم و المنفرد).

الرواية السادسة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: عشر ركعات: ركعتان من الظهر، و ركعتان من العصر، و ركعتا الصبح، و ركعتا المغرب، و ركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهنّ الوهم (إلى أن قال) و هي الصّلاة فرضها اللّه، و فوض إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فزاد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصّلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهنّ قراءة، إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء، فالوهم إنّما هو فيهن). «2»

تدلّ على عدم مشروعية القراءة في الأخيرتين، و أنّ

التكليف هو الاتيان بالتسبيح و التهليل و التكبير و الدعاء.

الرواية السابعة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثمّ قال: أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول (سبحان اللّه سبحانه اللّه سبحانه اللّه) تدلّ على أن أدنى ما يجزى في الأخيرتين هو ثلاث

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 122

تسبيحات، و بيّن المراد من التسبيحات هو أن يقول المصلّي (سبحان اللّه) ثلاث مرات). «1»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها رجاء بن أبي الضحاك (أنّه صحب الرضا عليه السّلام من المدينة إلى مرو، فكان يسبح في الاخيرتين يقول: (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات ثمّ يركع). «2»

هذه الرواية نقل فعل الرضا عليه الصّلاة و السلام من أنّه كان يصلّي و في صلاته في الركعتين الاخيرتين يقول (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، و قال المجلسي رحمه اللّه بأنّ عندي نسخة صحيحة من عيون، و فيها ليس فقرة (اللّه اكبر) ففي هذه النسخة ليست إلّا (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات.

اعلم أنّه ليس في روايات الباب رواية كان لسانها وجوب الاتيان بالتسبيحات الأربع ثلاث مرات إلّا هذه الرواية، و نحوه رواية 9 بناء على نقل ابن إدريس في أول السرائر، و هذه الرواية بناء على نقل المجلسي رحمه اللّه من كتاب العيون الذي كان موجودا عنده ليس فيها التكبير، بل

مشتمل على التسبيح و التمهيد و التهليل، فعلى هذا لا يكون مستند في الأخبار للقول بوجوب الاتيان بخصوص التسبيحات الاربعة ثلاث مرات، و قال البهبهاني رحمه اللّه بأنّ عدم وجدان المجلسى رحمه اللّه رواية تدلّ على وجوب إتيان المصلّي بالتسبيحات الأربعة لا يدلّ على عدم وجود رواية تدلّ على هذا الحكم، فتأمل.

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 123

الرواية التاسعة: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه (قال: لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله الّا اللّه) ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات، ثمّ تكبر و تركع- و رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة مثله إلّا أنّه أسقط قوله (تكلمه تسع تسبيحات) و قوله (أو وحدك) «1» و رواه في أول السرائر أيضا نقلا من كتاب حريز مثله إلّا أنّه قال فقل (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات ثمّ تكبر و تركع). «2»

أقول: لا يبعد أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين مرة تسع تسبيحات، و مرة اثنا عشر تسبيحة، و أورده حريز أيضا في كتابه مرتين انتهي كلام صاحب الوسائل رحمه اللّه.

تدلّ الرواية على نقل الصّدوق على عدم جواز القراءة في الأخيرتين و وجوب التسبيحات التسعة، و ليس فيها (اللّه أكبر) و تدلّ على

كون هذا الحكم للامام و المنفرد، و لم تتعرض للمأموم، و امّا بنقل السرائر تدلّ على وجوب ذلك لخصوص الامام لاسقاط (او وحدك) و تدلّ بنقل الصّدوق رحمه اللّه كما قلنا و نقل أول السرائر على وجوب (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) ثلاث مرات، فعلى هذا النقل يجب أن يقال (اللّه اكبر) ثلاث مرات أيضا فعلى هذا النقل هذه الرواية تدلّ على وجوب تسبيحات الأربع ثلاث مرات، و لكن المجلسي رحمه اللّه قال: بأن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 124

النسخ المتعددة الّتي رأيت من السرائر كانت بلا تكبير.

الرواية العاشرة: و هي ما رواها محمد بن عمران في حديث (أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: لأي علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة قال: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عز و جل، فدهش، فقال (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) فلذلك صار التسبيح افضل من القراءة). «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلا على أفضلية التسبيح على القراءة، و لا تدلّ على اعتبار التعدد، و لا على اعتبار خصوصية هذه التسبيحات. «2»

الرواية الحادى عشرة: و هي ما قال مرسلة الصّدوق و (قال الرضا عليه السّلام: إنّما جعل القراءة في الركعتين الأولتين و التسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه اللّه من عنده،

و بين ما فرضه اللّه من عند رسوله). «3»

تعرضت هذه المرسلة لعلة جعل القراءة في الأولتين، و جعل التسبيح في الأخيرتين فيمكن دعوى استفادة تعين التسبيح في الأخيرتين من هذه المرسلة.

الرواية الثانية عشرة: و هي مرسلة المحقق في المعتبر عن علي عليه السّلام (أنّه قال:

اقرأ في الأولتين و سبح في الأخيرتين). «4»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: لا يبعد دعوى كون المشروع و الواجب، هو خصوص هذه التسبيحات، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تكلم بخصوصها.

(3)- الرواية 4 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 125

تدلّ بنفسها على تعين التسبيح في الأخيرتين.

الرواية الثالثة عشرة: و هي ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان الّذي فرض اللّه على العباد من الصّلاة عشر ركعات و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعني: سهوا، فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة). «1»

تدلّ على عدم تشريع القراءة في السبعة الّتي تكون فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الرواية الرابعة عشرة: و هي ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيها، فقل (الحمد للّه و سبحانه اللّه و اللّه أكبر). «2»

استدل المحقق رحمه اللّه في المعتبر بهذه الرواية على عدم اعتبار الترتيب، و تدلّ الرواية على عدم جواز القراءة في الأخيرتين، و أن يقال (الحمد للّه

و سبحانه اللّه و اللّه اكبر) و ليس فيها التهليل أعنى (لا إله إلا اللّه) و يكون الترتيب بين الأذكار فيها على خلاف بعض آخر من الروايات، لتقديم التحميد فيها على التسبيح.

الرواية الخامسة عشرة: هي ما رواها معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين، يذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ، قال: أتمّ الركوع و السجود؟ قلت: نعم، قال: إنى أكره أن ا أجعل آخر صلاتي أوّلها). «3»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 126

تدلّ على عدم القراءة في الأخيرتين بناء على حمل الكراهة في الرواية على معناها اللغوي.

الرواية السادسة عشرة: و هي ما رواها محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صلّى يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاته الظهر سرّا، و يتسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء و كان يقرأ من الأولتين من صلاته العصر سرّا، و يسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء) «1» الحديث.

تدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يسبح في الأخيرتين من الظهر و العصر و العشاء و لا تعرض لها لخصوص تسبيحه إلّا أن يقال بانصراف التسبيح إلى خصوص التسبيحات الأربع.

الرواية السابعة عشرة: و هي ما رواها محمد بن حكيم (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال:

القراءة أفضل). «2»

لا تدلّ إلّا

على أفضلية القراءة على التسبيح في الأخيرتين.

الرواية الثامنة عشرة: و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 127

فيسعك فعلت أو لم تفعل). «1»

تدلّ على جواز القراءة إن كان المصلّي إماما و أمّا إن كان الفرادى فيسعه أن يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ و تخييره بين الفعل و عدمه يحتمل أن يكون المراد تخييره بين القراءة و أن لا يقرأ شيأ أصلا، و بين قراءة الفاتحة و التسبيح.

الرواية التاسعة عشرة: و هي ما رواها ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إن كنت خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين و قال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين قلت: أى شي ء تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب). «2»

تدلّ على التخيير بين التسبيح و بين القراءة في الأخيرتين لأنّ مقتضى الجمع بين إجزاء التسبيح و بين قراءته عليه السّلام الفاتحة هو كون المكلف مخيرا بينهما، و لا تدلّ على أزيد من التسبيح فهو يشمل مطلق التسبيح إلّا أن يحمل على خصوص التسبيحات الأربع.

الرواية العشرون: و هي ما رواها سالم بن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين و على الذين خلفك أن يقولوا (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و

اللّه أكبر) و هو قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن تقرءوا فاتحة الكتاب و على الامام أن

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 128

يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين). «1»

غاية ما تدلّ الرواية عليها مع قطع النظر عما فيها من الاشكال هو الكيفية أىّ: إنّ كيفية التسبيح هو (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر) و لا تدلّ على الكمية لعدم معلومية أن القوم يقولون التسبيح مرة أو ثلث مرات أو أكثر (إلا أن يقال: يستفاد من الخبر المرة فقط، لأنّه قال عليه السّلام (و على الذين خلفك أن يقولوا (سبحانه اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر).

الرواية الحادية و العشرون: و هي مرسلة عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان عليه السّلام (أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل و بعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب عليه السّلام قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام: كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلّا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصّلاة عليه). «2»

تدلّ على تعين القراءة في الأخيرتين لكن فيها اضطراب.

هذا كلّه الروايات المربوطة بمسألتنا، و قد عرفت أن بعضها مفادا مغاير مع بعض الآخر

[في ذكر المقامين فى المسألة]
اشارة

فلا بدّ من التكلم في المقامين:

المقام الأوّل:

في أن المتعين في الركعتين الأخيرتين هو خصوص الفاتحة أو

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 51 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 129

خصوص غير الفاتحة أو التخيير بينها و بين غيرها، و على فرض التخيير هل يكون أحد فردى الواجب المخير أفضل من الآخر أم لا.

المقام الثاني:

بعد إجزاء غير الفاتحة في الأخيرتين هل يكون المتعين هو خصوص التسبيحات الأربع مرة أو مرات أو بعض من التسبيحات الأربع أو يكفي مطلق التسبيع و التحميد و التكبير و التهليل و الدعاء و لو بغير لفظ سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر «1» أو يكفي التسبيح فقط أو يكفي مطلق الذكر.

امّا الكلام فى المقام الاوّل فنقول المشهور على كون المكلّف مخيّرا فيهما بين قراءة فاتحة الكتاب و غيرها و أن اختلفوا فى عدلها بانّه هو مطلق الذكر او خصوص التسبيح و كذا في كيفيّته و كميّته، و الروايات مختلفة فبعضها دالّة على خصوص الحمد «2» و بعضها دالّة على خصوص التسبيح «3» و بعضها على التخيير بينهما «4» و الثالثة شاهدة الجمع بينهما.

و يمكن التمسك لكون التسبيح افضل بفعل الرضا عليه السّلام على ما فى العيون «5».

امّا الكلام فى المقام الثاني فالمشهور كون التسبيح قائما مقام القراءة و امّا كيفيّتها و كمّيتها فبمقتضى رواية زرارة «6» كفاية مرّة من التسبيحات الاربعة

______________________________

(1)- سورة النمل، الآية 30.

(2)- الرواية 4 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب

42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 8 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(6)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 130

المذكورة فيها و ان كان الاحوط التعدد كما في رواية عيون الاخبار.

الموضع الثاني: بعد ما لا إشكال في اعتبار الفاتحة في الركعتين الأولتين من الفرائض كما قدمنا، و كون ذلك مسلما عند المسلمين و لهذا لا حاجة إلى إتعاب النفس بذكر البرهان و إقامة الدليل عليه بعد تسلمه عند الخاصّة و العامة و إن كان اعتبارها في النوافل محلّ كلام يأتى إن شاء اللّه.

و كذا لا إشكال في كون البسملة جزء سورة الفاتحة و كذا ساير السور و كونها آية منها غير سورة البراءة بناء على عدم كونها جزء سورة الانفال و كونها سورة مستقلة و غير البسملة الواقعة في ضمن سورة النمل و هي قوله تعالى (و أنّه من سليمان و إنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فإنّها جزء آية منها مسلما، فالبسملة في غير الموردين في أوّل كل سورة آية تامة و جزء من كل سورة.

و ما ينبغي أن نعطف عنان الكلام نحوه هو أنّه هل تجب سورة كاملة في الركعتين الاولتين من الفرائض بعد الفاتحة أم لا؟

فنقول: بأنّ المشهور بين الأصحاب وجوب السورة بعد فاتحة الكتاب و به صرح الشيخ رحمه اللّه في التهذيبين «1» و الخلاف «2» حيث قال (الظاهر من روايات أصحابنا و مذهبهم أنّ قراءة سورة اخرى مع الحمد واجبة في الفرائض و لا يجزي على أقل منها).

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 70؛ الاستبصار، ج 1، ص 314.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 325، مسأله

86.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 131

و قال في المبسوط «1» الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة و ان بعض السورة أو أكثرها لا يجوز مع الاختيار غير أنّه ان قرء بعض السورة أو قرن بين السورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصّلاة و يجوز كل ذلك في حال الضرورة و كذلك في النافلة مع الاختيار.

و قال في النهاية «2» و أدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض الحمد مرة واحدة و سورة معها في حال الاختيار و لا يجوز زيادة عليها و لا النقصان منها، فمن صلّى بالحمد وحدها متعمدا من غير عذر كانت صلاته ماضية و لم يجب عليه إعادتها غير أنّه قد ترك الأفضل و إن اقتصر على الحمد ناسيا أو في حال الضرورة من السفر و المرض و غيرها لم يكن به بأس و كانت صلاته تامة و قال أيضا: و لا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض فمن فعل ذلك متعمدا كانت صلاته فاسدة فإنّ فعله ناسيا لم يكن عليه شي ء و كذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة و هو يحسن تمامها، فمن اقتصر على بعضها و هو متمكن بقراءة جميعها، كانت صلاته ناقصة و إن لم يجب عليه إعادتها انتهي.

و قد يقال: بأنّ بين صدر عبارته في المبسوط و النهاية و بين ذيلها تناقض و تهافت لأنّ في الصدر قال ما يدلّ على وجوب السورة، و في الذيل قال ما يدلّ على أن تركها لا يوجب فساد الصّلاة كما قال في المفتاح الكرامة.

و قد يقال في توجيه كلامه: بأن مراده في الصدر من الوجوب هو الوجوب

______________________________

(1)- المبسوط، ج

1، ص 107.

(2)- النهاية، ص 75- 76.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 132

التكليفي و هذا لا ينافي مع كلامه في الذيل بأنّه لو تركها عامدا لا تفسد الصّلاة الوجوب التكليفي غير مناف مع عدم الفساد.

و لكن حيث إنّه لا يمكن أن يقال: بما قال في المفتاح الكرامة «1» من التناقض بين الصدر و الذيل لأنّه كيف يقول مثل الشّيخ رحمه اللّه يقول كلاما، و يقول بعد سطر على خلافه و كيف لم يكن متوجها بذلك و يختار فتوى على خلاف فتواه في صدر المطلب فلا يمكن الالتزام بذلك و أمّا حمل الصدر على الوجوب التكليفي حتّى لا ينافي مع الذيل من عدم فساد الصّلاة لو ترك السورة فأيضا بعيد في الغاية حيث إنّ الشيخ رحمه اللّه كيف يلتزم بالوجوب التكليفي و الحال أنّه لا يلوح كون جزء من أجزاء الصّلاة واجبا بالوجوب التكليفي فما خصوصية السورة توجب كون وجوبها التكليفي لا الوضعى.

فعلى هذا يمكن أن يقال توجيها لكلامه رحمه اللّه: بأنّ مراده من الصدر و الذيل في كلامه في المبسوط و النهاية هو استحباب السورة و جواز تركها، أمّا عبارة الذيل فمساعد مع هذا كمال المساعدة و أمّا عبارته في الصدر و لو أنّه في المبسوط عبّر بالوجوب و في النهاية: بأدنى ما يجزي، و لكن قد يعبّر بهذه التعبيرات في مقام أهمية المستحب من باب كون المراد بالوجوب اللزوم، لأنّه مع تصريحاته في ذيل كلامه لا يمكن حمل صدر كلامه إلا على هذا.

فعبارته في هذين الكتابين قابلة للحمل على الاستحباب فبناء على هذا يمكن أن يقال: بأنّ له في المسألة قولين لو لم نقل بارجاع كلامه في التهذيبين و الخلاف

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 2،

ص 350.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 133

إلى ذلك. «1»

و على كل حال حكي الاستحباب عن ابن جنيد و سلار و مال إليه في المعتبر و المنتهي و اختاره جمع من متأخر المتأخرين كصاحبى المدارك و الذخيرة.

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

إذا فهمت ذلك فما هو العمدة في الباب هو الأخبار فلا بدّ من عطف عنان الكلام بذكرها، فنقول بعونه تعالى: بأنّ ما يستدل على عدم وجوب السورة روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة). «2»

وجه الاستدلال بها هو أنّ المستفاد من الرواية جواز الاكتفاء بفاتحة الكتاب و هذا معنى عدم وجوب السورة و لكن يفهم منها أنّ اعتبار السورة كان أمرا مفروغا عنه و لهذا صار سقوطها محتاجا إلى السؤال.

الرواية الثانية: و هي ما رواها الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان فاتحة الكتاب تجزى وحدها في الفريضة. «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين

______________________________

(1)- أقول: و لكن هذا حمل بعيد لا يناسب مع عبارته رحمه اللّه، و إن قلنا: بأنّ بين صدر عبارته و ذيله تناقض و تهافت لم يكن ببعيد و لا يلزم كون هذا التهافت من ناحيته بل يمكن حصول ذلك بعدا من اشتباه الكتاب في مقام كتابة نسخ المبسوط و النهاية، فتأمل.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3

من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 134

الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا). «1»

تدلّ هذه الرواية على جواز ترك السورة في صورة التعجيل لحاجة أو لتخوف شي ء و حيث إنّ راوي هذه الرواية عن المعصوم هو عبيد اللّه بن علي الحلبي و راوي الرواية الاولى و الثانية كان الحلبي على ما بيّنا من كونهما رواية واحدة و الحلبيون و إن كانوا متعددين و لكن يمكن أن يكون راوي الرواية الاولى و الثانية هو راوي الرواية الثالثة أعنى: عبيد اللّه بن على الحبي فيحتمل كون هذه الروايات الثلاثة رواية واحدة لعدم ثبوت كونها أزيد من واحدة و بعد كون المتيقن مما صدر عن المعصوم عليه السّلام هو كلام واحد و كون الروايات واحدة فلا ندرى بأن ما صدر عنه عليه السّلام هو ما يدلّ على جواز ترك السورة مطلقا أو ما يدلّ على جواز تركها في خصوص صورة يكون للمصلي عذر فبعد ذلك لا تبقى لنا حجة على أزيد من صورة العذر فقدر المتيقن ممّا صدر عن المعصوم عليه السّلام هو جواز ترك السورة إذا كان عذر في البين فلا يبقى وجه للاستدلال بالرواية الاولى و الثانية لجواز ترك السورة مطلقا حتّى في ما لم يكن للمكلف عذر نعم يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة بعد قوة احتمال كونها رواية واحدة جواز ترك السورة في صورة الاستعجال بحاجة أو تخوف شي ء. «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الحسن الصيقل (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: رفع اليد عن الروايات بمجرد الاحتمال الّذي

أفاده مدّ ظلّه العالي مشكل و من البعيد كون بناء العقلاء على الاعتناء بهذه الاحتمالات و اسقاط الرواية عن الحجية فتأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 135

أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي ء؟

قال: لا بأس). «1»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصّلاة التطوع بالليل و النهار). «2»

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزيه أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها؟

قال: لا بأس). «3»

و قد ظهر لك أنّ الرواية 4 و 5 و 6 تدلّ على جواز ترك السورة في خصوص صورة العذر و ظهر لك أنّه على ما قلنا في الرواية 1 و 2 و 3 بأنّها رواية واحدة ليس المتيقن من الصادر عن المعصوم عليه السّلام إلّا جواز ترك السورة في صورة طروّ العذر.

[في نقل كلام صاحب الحدائق]

و قال صاحب الحدائق «4» رحمه اللّه كلاما حاصله أنّه بعد دلالة بعض الروايات على جواز ترك السورة مطلقا سواء كان عذر فى البين أولا، و بعضها على جواز ترك السورة في خصوص صورة طروّ العذر فمقتضى حمل المطلق على المقيد هو حمل ما يدلّ على جواز الترك مطلقا على المقيد بخصوص صورة طروّ العذر فتكون نتيجة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب القراءة فى

الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 2 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الحدائق، ج 8، ص 116.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 136

حمل المطلق على المقيد جواز ترك السورة في صورة العذر فقط.

و لكن هذا الكلام فاسد لأنّ مورد حمل المطلق على المقيد يكون في ما إذا عرض المطلق و المقيد على العرف يرى وحدة الملاك فيهما، مثل ما إذا قال القائل (اعتق رقبة) و (اعتق رقبة مؤمنة) و أمّا في ما أثبت المطلق حكما وضعيا بدون قيد و أثبت المقيد حكما وضعيا مقيدا فلا مجال لحمل المطلق على المقيد مثل ما نحن فيه لأنّه إذا عرض على العرف يجوز الاكتفاء بفاتحة الكتاب و يجوز الاكتفاء بها في خصوص صورة الاستعجال لا يفهم منهما كون ملاكهما واحدا، لإمكان أنّ المعصوم عليه السّلام قال في موضع: يجوز ترك السورة في مورد الاستعجال و هذا غير مناف مع أن يقول في موضع: آخر يجوز تركها مطلقا فعلى هذا في المقام لا وجه لحمل المطلق على المقيد. «1»

ثمّ إنّه مدّ ظله العالى عدل في اليوم اللاحق عما قال في اليوم السابق في مجلس البحث و قال: إنّ المطلق حيث يكون ظاهرا في كون تمام الموضوع للحكم هو نفس الطبيعة بدون دخل القيد و إنّ المقيد ظاهر في كون تمام الموضوع للحكم هو المقيد،

______________________________

(1)- أقول: هذا كلام أفاده سيدنا الاستاد مدّ ظلّه في مورد آخر أيضا و لا نفهم تماميته لأنّه إن كان مراده مدّ ظلّه العالي أنّه يحمل المطلق على المقيد في ما إذا كان لسانهما إثبات حكم تكليفي و لو لم يثبت وحدة الملاك فيهما، فهذا غير تمام.

و إن كان مراده أنّ وحدة الملاك يستكشف

في خصوص مورد يكون المطلق و المقيد متكفلين لبيان حكم تكليفي مطلقا و لا يستكشف ذلك في كل مورد يكونان متكلفين لبيان حكم وضعى ففيه أنّه لا كلية من الطرفين بل نحن ندور مدار استكشاف وحدة الملاك في كل مورد سواء كانا متكلفين لبيان حكم تكليفي أو وضعي فعلى هذا لا مانع من دعوى حمل المطلق على المقيد في المورد لأنّ العرف يرى وحدة الملاك بين المطلق و المقيد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 137

فلو ثبت وحدة ملاكهما و يرى العرف بأنّ لسان المطلق و المقيد يكون في مقام إفادة حكم واحد على موضوع واحد فمقتضى الجمع هو رفع اليد عن ظهور المطلق في إطلاقه و الأخذ بالمقيد.

و لا فرق في ما ذكر بين كونهما متكفلين لبيان حكم وضعى أو التكليفي فلو ثبت في المقام وجود رواية دالّة على جواز ترك السورة مع دلالة رواية اخرى على جواز تركها في خصوص صورة طروّ العذر فيحمل المطلق على المقيد و لكن بعد ما احتملنا من أنّ رواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و روايته عن الحلبي عنه عليه السّلام، و رواية حماد عن عبيد اللّه بن علي الحلبي عنه عليه السّلام تكون رواية واحدة، فالقدر المتيقن ممّا ثبت صدوره عنه عليه السّلام ليس إلا جواز ترك السورة في صورة الاستعجال فقط فلا دليل على جواز تركها مطلقا حتّى نحتاج إلى حمل المطلق على المقيد.

[في ذكر رواية اخرى]

و أمّا رواية اخرى و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة و يجزيه فاتحة الكتاب و يضع بوجهه

في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يؤمى في النافلة ايماء). «1»

و إن كانت تدلّ على جواز تركها في حال المرض و تكون رواية مستقلة غير الروايات الثلاثة المتقدمة- المحتملة كونها رواية واحدة و هي مثل الرواية 4 و 5 و 6 من الروايات المتقدم ذكرها في الدلالة على جواز ترك السورة في خصوص صورة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 138

الاستعجال أو المرض- و لكن مع ذلك بعد عدم الوثوق بصدور رواية دالة على جواز تركها، لاحتمال كون الصادر من الرواية 1 و 2 و 3 هو خصوص الرواية 3 الدالّة على جواز الترك في خصوص صورة الاستعجال فلا مجال لحمل المطلق على المقيد أعنى: رواية عبد الرحمن نعم لو فرض صدور أحد روايتى على بن رئاب أعنى: الرواية الاولى أو الثانية عن المعصوم عليه السّلام الدالّة على جواز تركها، لكان مجال لأن يقال بما قال صاحب الحدائق رحمه اللّه من حمل المطلق على المقيد.

[في ذكر الجهتين فى السورة]
اشارة

فظهر لك ممّا مرّ عدم وجود دليل على جواز ترك السورة في الركعتين الأولتين من الفرائض فعلى هذا نقول: ينبغي التكلم في السورة في جهتين:

الجهة الاولى: في أنّه هل تجب سورة كاملة في الأولتين بعد الفاتحة

أو يجوز تركها بأن لا يأتي سورة أصلا فقد ظهر لك عدم وجود دليل على جواز تركها.

(بل تجب السورة أمّا أوّلا فلدلالة بعض الروايات عليه و أمّا ثانيا فلان المراجع بأخبار باب الصّلاة من أوّلها إلى آخرها يجد كون وجوب السورة أمرا مفروغا عنه و لهذا كانت السؤالات واقعة عن خصوصياتها، مثل أنّه هل يجوز تركها في صورة الاستعجال أو المرض أم لا و مثل السؤال عن جواز القران بين السورتين و عدمه و مثل أنّ المأموم المسبوق الّذي لا يمهله الامام لأن يأتي بالسورة ما يكون تكليفه و غير ذلك و ظهر لك جواز تركها في صورة الاستعجال و المرض و في ضيق الوقت و ان لم يكن له دليل بالخصوص.

الجهة الثانية [في ذكر الاخبار الدالّة على جواز تبعيض السورة فى الصّلاة]

: و هي الكلام في جواز تبعيض السورة في الفريضة و عدمه فما يدعى كونه دليلا على جوازه روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها علي بن يقطين في حديث (قال: سألت

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 139

أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة). «1»

بدعوى دلالتها على جواز تبعيض السورة في الفريضة على كراهية و عدم كراهة في تبعيضها في النافلة.

اعلم أوّلا ان كون الكراهة هي الكراهة المصطلحة غير معلوم و ثانيا يحتمل في قوله عليه السّلام (أكره و لا بأس به في النافلة) احتمالان: الأوّل أن يكون المراد هو ما قال المدعي من أن يكون مراده أنّه أكره في الفريضة و لا بأس في النافلة الثاني ان يكون المراد من هذه الجملة (اكره في النافلة و لا بأس به) يعنى يكون في التبعيض في النافلة الكراهة و لكن لا بأس بالتبعيض لأنّ الكراهة غير

مناف مع الجواز فعلى الاحتمال الثاني لا تشمل الرواية الفريضة. «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها سعد بن سعد الاشعرى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقى من السورة؟ فقال: يقرأ الحمد ثمّ يقرأ ما بقى من السورة). «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل قرء

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- أقول: و لكن يضعف الاحتمال الثاني بما يكون في التهذيب من كون السؤال في الصدر عن المكتوبة و النافلة و لم يذكر الصدر في الوسائل فالمناسب الاحتمال الأوّل لأنّ المناسب أن يجب عليه السّلام عن الجواز و عدمه في كل من المكتوبة و النافلة فمراده من (أكراه) أى: أكره في الفريضة و لا بأس في النافلة.

(3)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 140

سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الّذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها؟ فقال: كل ذلك لا بأس به و إن قرء آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع). «1»

و لا بدّ من أن يكون المفروض كون ما أدى غلطا لا يمكن أن يؤديه صحيحا، لأنّه لو تمكن من أدائه صحيحا لوجب ذلك ثمّ إنّ هاتين الروايتين أى الثانية و الثالثة تدلّان على جواز تبعيض السورة و لا صراحة لهما على جواز ذلك في الفريضة و إن فرض لهما إطلاق يشملان النافلة و الفريضة فأوّلا

يمكن أن يقال: بأنّه بعد كون العمل على إتيان السورة و التزام الروات و الأصحاب على إتيانها لا يبقى إطلاق للروايتين لأنّه يمكن كون عدم تقييد الامام في كلامه بالنافلة من باب اعتماده عليه السّلام بما هو المتعارف و المرتكز عند الراوي من وجوب السورة في الفريضة و أنّه كان عالما بأنّ الراوي ينزّل كلامه في خصوص النافلة و لاجل ذلك ترك القيد و لم يكن ترك التقييد مع هذا الارتكاز و التعارف مخلا بالحكمة فمقدمات الاطلاق غير جارية في المقام فلا يكشف الاطلاق من كلامه عليه السّلام و أمّا ثانيا لو فرض كون إطلاق للروايتين فلو دلّ دليل آخر على وجوب سورة كاملة في الفريضة فيقيد إطلاق الروايتين به و تكون النتيجة حملهما على النافلة.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها إسماعيل بن الفضل (قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أو أبو جعفر عليه السّلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة فلمّا سلم التفت إلينا فقال: أمّا إنّي أردت أن اعلمكم). «2»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 141

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى المورد]

و فيها ثلاث احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من قوله عليه السّلام (اما إني اردت ان اعلمكم) هو تعليمهم بأنّه يجوز تبعيض السورة.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد تعليمهم بجواز ذلك تقية، و يضعف هذا الاحتمال.

أمّا أوّلا فإنّه بعد ما كانت العامّة يقرءون السورة فهم ملتزمون بذلك عملا و لو لم يقولوا بوجوبها، فلا حاجة إلى تعليمه عليه السّلام الشيعة بانهم يتركونها تقية، لأنّهم لو قرءوا السورة لم يقعوا في محظور لعدم

كون عملهم على خلاف العامة و هم لا يدرون بأنّ قاريها يقرئها من باب التزامه بوجوبها أو التزامه باستحبابها، فلا حاجة إلى التقية في المسألة حتّى يعلمهم.

(و امّا ثانيا إنّ الامام عليه السّلام الّذي ترك بعض السورة على ما في الرواية إمّا ترك من باب كونه بنفسه في مقام التقية بمعنى أنّه ترك تقية من باب وجود من يلزم التقية عنده فكيف لما سلم قال بعد الالتفات إليهم (اما انى اردت ان اعلمكم) و إمّا ترك و كان في تركه في مقام تعليم التقية للمأمومين أى: الشيعة فلهذا ترك بعض السورة فأيضا غير صحيح، لأنّه إن كان بصدد ذلك يمكن له أن يقول بهم: إذا ابتليتم بالعامة اتركوا السورة أو بعض السورة لا أن يصلّي صلاته و يترك واجبا من واجباته و هو السورة لأجل تعليم المأمومين طريق التقية، فحمل الرواية على التقية بعيد في الغاية.

الاحتمال الثالث: أن يكون تركها من باب طروّ عذر من استعجال أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 142

مرض و أرد أن يعلمهم بأنّ الترك كان لأجل ذلك «1».

و على كل حال حيث إنّ المستفاد من الرواية ليس إلّا صدور فعل عنه عليه السّلام من الاكتفاء ببعض السورة و كلام بعد الصّلاة فهي كاشفة عن فعله و ذكر بيان علّة فعله و هو التعليم و الفعل لا لسان له حتّى يفهم أنّ صدوره كان لأىّ جهة من الجهات هل كان لجواز ترك السورة الكاملة مطلقا أو كان لعذر من الأعذار أو كان لأجل التقية فلا يستكشف منه إطلاق.

ثمّ إن الرواية وردت في الفريضة لأنّ قول الراوي (صلّى بنا) ظاهر في كون الصّلاة جماعة فكانت الصّلاة فريضة و يستفاد من الرواية كون

اعتبار السورة في الصّلاة أمرا مسلما مرتكزا في أذهان المسلمين و كان تركها أمرا مستنكرا عندهم و لهذا صار الامام عليه السّلام في دفع ما يستنكره القوم من تركها فقال (أمّا إنّي اردت أن اعلمكم.

(و مثلها الرواية 3 من الباب المذكور و فيها الاحتمالات الثلاثة كالرواية السابقة غاية الأمر يضعّف حملها على التقية الوجه الأوّل لا الوجه الثاني).

الرواية الخامسة:

و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن

______________________________

(1)- أقول: و هنا احتمال رابع و هو أن يكون الترك و بيانه بأنّ الترك كان للتعليم كان من باب التقية لكن لا من باب ما احتملنا في الاحتمال الثاني بل كان بصدد التقية لوجه آخر و هو أنّه عليه السّلام بعد ما رأى بأنّ العامة فهموا بانهم عليهم السّلام و تابعيهم قائلون بوجوب سورة كاملة و صار هذا سببا لعداوتهم فاكتفي عليه السّلام ببعض السورة و قال بعدا أردت أن اعلمكم حتّى يتخيل الحاضر عند صلاته من المخالفين بأنّه عليه السّلام غير ملتزم بالوجوب لأنّ عمله على خلافه و قال بعدا لتابعيه أردت تعليمكم عدم الوجوب فكان فعله من ترك سورة كاملة و قوله بعد الصّلاة كليهما تقية فلا مانع على هذا من حمل الرواية على التقية بهذا النحو فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 143

سورة أ يصلّي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟ قال: نعم إذا كانت ست آيات قرء بالنصف منها في الركعة الاولى و النصف الآخر في الركعة الثانية). «1»

أظن أنّ أبا حنيفة يقول: إنّ التبعيض يجوز إذا كانت السورة ست آية فتكون الرواية لأجل موافقتها مع مذهبه مورد الوهن.

[في ذكر الرواية السادسة/ احتمالات فى الرواية]

الرواية السادسة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها، فإن فعل فما عليه؟ قال: إذا احسن غيرها فلا يفعل و إن لم يحسن غيرها فلا بأس). «2»

و في هذه الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون السؤال عن تبعيض سورة واحدة فيكون المراد من قوله (يقرأ سورة

واحدة في الركعتين) أنّه يقرأ بعضها في ركعة و بعضها الآخر في ركعة اخرى.

الاحتمال الثاني: أن يكون السؤال من جواز قراءة سورة واحدة في كلا الركعتين بأن يقرأ مثلا سورة التوحيد في الاولى و كذا يقرئها في الثانية و عدم جوازها، فلازم ذلك جواز قراءة سورة قرئها في الاولى في الركعة الثانية، و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى من الأوّل فلا ظهور للرواية في الاحتمال الأوّل حتّى تكون نتيجتها جواز تبعيض السورة.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 144

[في ذكر الرواية السابعة و الثامنة و التاسعة]

الرواية السابعة: و مهي ما رواها عمر بن يزيد (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أ يقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ قال: لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات). «1»

و هي أيضا مثل السابقة من جهة مجي ء احتمالين المتقدمين فيها و عدم ظهور لها في الاحتمال الأوّل.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته هل يقسم السورة في ركعتين؟ قال: نعم اقسمها كيف شئت). «2»

هذه الرواية تدلّ على جواز التبعيض.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال: أنّ لكل سورة حقا فاعطها حقها من الركوع و السجود و قلت: فيقطع السورة؟ قال: لا بأس). «3»

و لا يخفي عليك أنّ الراوي سئل عن القران بين السورتين فقال عليه السّلام إنّ لكل سورة حقا فاعطها حقها من الركوع و السجود ثمّ سئل سؤالا آخر (فيقطع السورة؟

قال: لا بأس.

يحتمل أن يكون

سؤاله عن جواز تقطيع السورة يعنى بعد ما لا يجوز القران يجوز أن يقطع السورة أى يكتفي ببعض السورة قال: لا بأس فعلى هذا تدلّ الرواية

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 145

على جواز تبعيضها «1».

[المشهور عند اصحابنا وجوب سورة كاملة]

هذا كله في ما يمكن أن يستدل به على جواز تبعيض السورة إذا عرفت هاتين الجهتين نقول: بأنّه على ما قلنا في أوّل المسألة ظهر لك أنّ المشهور عند أصحابنا هو وجوب سورة كاملة بعد الحمد في الأولتين من الثنائية و من غيرها و إن كان يظهر من عبارة الشّيخ رحمه اللّه في النهاية بل في المبسوط عدم وجوبها، و ليس بين أصحابنا من يقول بجواز ترك بعضها و وجوب بعضها الآخر و إن كان قول كذلك فلم يكن قولا معتنى به عند أصحابنا قدس سرّه.

و أمّا بعض أصحابنا القائلون باستحبابها و جواز تركها فلا يستفاد من كلماتهم رجحان قراءة بعض السورة كرجحان كلها، بل ظاهر كلماتهم هو استحباب إتيان سورة كاملة و جواز تركها و امّا رجحان إتيان بعضها فلا يستفاد من كلماتهم.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ بعض الأخبار المتقدمة الدالّة على جواز الاكتفاء ببعض السورة و جواز ترك بعضها ممّا لا يمكن العمل بها، لعدم عامل به بين أصحابنا أصلا و ليس قولا معتنى به عندهم.

فبعد ذلك نقول: ظهر لك أمران:

الامر الأوّل: عدم وجود دليل على جواز ترك كل السورة.

______________________________

(1)- أقول: و لكن كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي إن كان

المراد ما ذكر من الاحتمال فلازمه كون الذيل سؤالا آخر فلا يناسب أن يأتي بفاء التفريع و يقول (فيقطع) بل كان المناسب أن يقول: و (يقطّع) بل يحتمل أن يكون المراد من قوله (فيقطع السورة) هو أنّه بعد ما سئل عن القران و أجاب عليه السّلام بما يفيد عدم القرآن سئل متفرعا عليه سؤالا آخر و هو انّه بعد ما لا يجوز القران فلو شرع في سورة ثانية يتحقّق بها القرآن يجوز قطعها أولا؟ فقال: لا بأس به. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 146

الامر الثاني: عدم جواز ترك بعض السورة و الاكتفاء ببعضها هذا.

[في ذكر الروايات الدالّة على وجوب قراءة سورة كاملة]

ثمّ إنّه مضافا إلى ما قلنا من أنّه يظهر من عمل المسلمين من صدر الأوّل التزامهم بقراءة سورة بعد فاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين نقول: بأنّه يدلّ على وجوب قراءة سورة كاملة في الأولتين بعد الفاتحة روايات:

الرواية الاولى: بعض الروايات الّتي قدمنا ذكره الدالّ على جواز تركها في صورة الاستعجال و المرض مثل الرواية 3 من الباب 2 من أبواب قراءة الصّلاة من فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم جواز تركها في غير صورة الاستعجال أو تخوف شي ء.

و مثل الرواية 1 من الباب 14 من أبواب القبلة فإنّها لا تخلوا عن دلالة على عدم جواز تركها في غير صورة المرض.

الرواية الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و هي بنقل التهذيب هكذا (قال: اذا أدرك الرجل بعض الصّلاة وفاته بعض خلف الامام يحتسب بالصّلاة خلفه جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرء في كل ركعة ممّا ادرك خلف الامام في نفسه بأم الكتاب و سورة فإن لم

يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب فإذا سلم الامام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيها، لأنّ الصّلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بام الكتاب و سورة و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء ليس فيهما قراءة و إن أدرك ركعة قرء فيها خلف الامام فإذا سلّم الامام قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة ثمّ قعد فتشهد ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 147

فهى تدلّ على كون السورة واجبة بعد الفاتحة في الأولتين و تدلّ على عدم تبعيض السورة و وجوب البعض فقط، لأنّه قال (إن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب) و الحال أنّه إن كان بعضها واجبة و يكتفي بها كان اللازم أن يقول (إن لم يدرك السورة تامة يقرأ بعضها، فإن لم يقدر من البعض أجزأته أمّ الكتاب).

الرواية الثالثة: ما رواها منصور بن حازم (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر). «1»

يستفاد منها أنّ السورة واجبة لأنّه نهي عن قراءة الاقل و الأكثر منها

إن قلت: بأنّه بعد كون القران و هو إتيان اكثر من سورة واحدة مكروها فتدلّ على كراهة أقلّ من سورة تامة لأنّ كون الأكثر مكروها يوهن حمل النهي على التحريم.

أقول: بأنّ كراهة الأكثر استفيدت من دليل خارج لا من هذه الرواية فظهور (لا تقرأ) في حدّ ذاته باق في الحرمة غاية الأمر نرفع اليد عن هذا الظهور بقرينة المستفاد من الخارج و نحمله على الكراهة و أمّا بالنسبة إلى الأقل

فالظهور محفوظ).

الرواية الرابعة: ما رواها يحيى بن أبي عمران (قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول عن رجل ابتدأ ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلما صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسى:

ليس بذلك بأس فكتب بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني: العباسي). «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 148

وجه الاستدلال بها على وجوب السورة هو أنّ السؤال و الجواب يكون عن بسملة السورة فيستفاد منها مفروغية وجوب أصل السورة و يمكن أن يخدش في الاستدلال بها بأنّ النظر في السؤال و الجواب يكون في كون البسملة جزء السورة أولا و جوابه عليه السّلام دالّ على كونها جزء السورة (و لكن مع ذلك لا تخلوا عن دلالة و لا أقل من تأييد لوجوب السورة).

و لكن قد يوهن أصل الرواية لأجل ما في ذيلها من قوله (يعيدها مرتين على رغم أنفه) فإنّ ذلك لا يناسب كونه من كلام الامام عليه السّلام، فتأمل جيدا.

الرواية الخامسة: ما رواها العلاء عن محمد عن أحدهما عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقرأ بالسورتين في الركعة فقال: لكل سورة ركعة). «1»

فإن كان متن الرواية هكذا أعنى (لكل سورة ركعة) فليست الرواية مربوطة بمقامنا أصلا لأنّها على هذا تدلّ على عدم جواز القران بين السورتين.

و أمّا لو كان النقل غير ذلك و هو على نحو ذكرها في الوسائل في أبواب القراءة أعنى الرواية 3 من الباب 4 بالسند المذكور (قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في

الركعة فقال: لا لكل ركعة سورة) و هذا النقل موافق مع نقل الشّيخ رحمه اللّه في الاستبصار فقد يقال: بدلالتها على وجوب السورة لأنه قال (لكل ركعة سورة) و لكن يمكن أن يخدش فيها حيث إنّ السؤال يكون عن القران بين السورتين (فقال:

لا، لكل ركعة سورة) أى شرعت سورة واحدة لكل ركعة و أمّا كون تشريعها على نحو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة لها عليه.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 149

هذا كله في الأخبار الّتي يمكن أن يتمسّك بها على وجوب السورة و الحق دلالة بعضها على ذلك بمعنى كون المستفاد منه مفروغية وجوب السورة عندهم و كون السؤال فيها عن بعض خصوصيات اخرى.

الرواية السادسة: و هي الرواية المفصلة الّتي رواها الكليني رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه و الصدوق رحمه اللّه و ينتهي سندها بأبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل نقل معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيها ما يدلّ على وجوب السورة. «1»

هذا تمام الكلام في الأخبار ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ العمدة في المسألة هو عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على قراءة السورة كما تتبعنا و كان على طبقه عمل المسلمين بحيث كان تركها معدودا عندهم من المستنكرات كما يدلّ على ذلك ما روي من أنّ معاذ أمّ على جماعة فشرع سورة البقرة في صلاته بعد الفاتحة في الركعة الاولى و هكذا شرع في الثانية فلم يصبر واحد من المأمومين و تخلّف عنهم و ذهب إلى جانب من المسجد و صلّى، فالناس اعترضوا على هذا الشخص و قالوا نافقت،

ثمّ بعد وصول الخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال أ فتّان يا معاذ.

وجه الدلالة أنّه يظهر من هذا النقل كون العمل على إتيان سورة كاملة و هكذا يدلّ عليه ما نقل من أنّه بعد ما جاء معاوية عليه اللعنة بالمدينة صلّى صلاة الاولى و ترك السورة فاعترضوا عليه و قيل: أ سرقت من صلاتك يا معاوية أم نسيت؟

فأتى بالسورة في الصّلاة الثانية.

من كل ذلك يستفاد كون العمل على إتيان سورة بعد الفاتحة في الركعتين

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 150

الأولتين و هذا عمل المسلمين.

و أمّا العامّة فهم و إن قالوا بجواز ترك السورة و عدم وجوبها، لكن لم يكونوا منكرين لهذا العمل و إنما قالوا لأجل ما يروون من رواية دالة على جواز تركها.

فعلى هذا نقول: بأنّ العمدة في اعتبار السورة في الأولتين بعد الفاتحة و وجوبها هو العمل و حيث كان وجوبها أمرا مفروغا عنه فلهذا ترى أنّ الرواة و السائلين لا يسألون عنهم عليهم السّلام إلّا عن بعض خصوصياتها فارغين من أصل وجوبها كما أشرنا إلى ذلك و لذا ما ذكرنا من الأخبار دليلا على الوجوب كان منشأ دلالتها هو استفادة مفروغية أصل الوجوب منها.

و لا تقل: بأنّه لو فرض ثبوت عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين فلا يستفاد منه وجوبها، لأنّ العمل و التزامه باتيانها أعم من كون التزامه بالعمل من باب الوجوب أو استحبابها.

لأنّا نقول بأنّه (أمّا أوّلا لو ثبت العمل و التزام صادع الشرع و المسلمين على العمل بشي ء يكفي في كون ذلك الشي ء واجبا) و امّا ثانيا فلانّه بعد

عمله و عملهم و كون تركها مستنكرا عندهم كما عرفت من قضية ترك معاوية عليه الهاوية نكشف من ذلك وجوبها عندهم.

[في ذكر كلام المحقّق فى الشرائع]

و على كل حال فقد عرفت من ذلك كله أنّ ما قال المحقّق رحمه اللّه في الشرائع «1» (و قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوّلتين واجب في الفرائض مع سعة الوقت و امكان التعلم للمختار و قيل لا يجب و الأوّل أحوط) كلام متين.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 9، ص 331.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 151

[في ذكر مسائل فى المورد]
[المسألة الاولى]

هذا تمام الكلام في هذه المسألة ثمّ إنّ هنا مسائل:

المسألة الاولى: يجوز ترك السورة و كذا تبعيضها و كذا القران بين السورتين في النوافل و يدلّ عليه بعض روايات الباب فراجع و لا حاجة إلى ذكره فلا ينبغي الاشكال فيه إنّما الاشكال و الكلام في فرع و هو أنّه لو صار صلاة نفلية فرضا بالعرض مثل ما إذا نذر إتيان صلاة نافلة الصبح فهل يجوز ترك السورة فيها أولا يجوز بل يجب إتيانها وجهان:

وجه جواز الترك هو أنّها النافلة و إن عرضها الوجوب.

وجه وجوب السورة و عدم جواز تركها هو أنها فرض بعد تعلق النذر بها على الفرض.

و الأوّل أقوى لأنّه إن كان ما ذكر في الأدلّة في الصلوات النفلية أو الفرضية من الأمر بها أو جعل خصوصية لها و ترتب أحكام عليها إمّا تكون صيرورة النفل موضوعا لأحكام مشيرا إلى عناوين خاصة الّتي شرعت في الشرع نفلا أو فرضا و بعبارة اخرى كلما جعل موضوعا لحكم الفرض أو النقل كان مشيرا إلى المعنون بهذين العنوانين فالفرض مشيرا إلى الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و النفل إلى النوافل فقهرا ما وجب فيه السورة هو ما يكون فرضا أى يكون معنونا بهذا العنوان بحسب الشرع و ما لا يجب مشيرا إلى ما يكون نفلا بحسب جعل الشرع

أوّلا، فيكون لازم ذلك عدم وجوب السورة في النوافل و إن صارت فرضا بالعرض مثل ما إذا تعلق به النذر، و كذا تجب السورة في الفرائض و ان صارت نفلا بالعرض مثل صلاة العيدين.

و أمّا إن كان النفل و الفرض غير مشير إلى المعنون بعنوان النفل و الفرض

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 152

بحسب تشريعهما، بل يكون الفرض الواجب و النفل المستحب فلو صار النفل فرضا لعارض فهو واجب و كذا لو صار فرض نفلا لعارض فهو نفل فتجب السورة في النفل الّذي صار فرضا لعارض مثل النافلة المنذورة و لا تجب في الفرض الّذي صار نفلا لعارض.

و لكن حيث يكون حكم الشارع بوجوب السورة في الفرائض و عدمه في النوافل حكما متعلقا للمعنون بهذين العنوانين و مشيرا إلى ما شرع فرضا أو نفلا، فلازمه عدم وجوب السورة في النافلة المنذورة لأنّها مع تعلق للمنذر بها لا تخرج عن كونها نفلا بحسب تشريعها فافهم.

[المسألة الثانية و الثالثة]
اشارة

المسألة الثانية: قد عرفت ممّا أشرنا في أوّل المبحث بأنّ البسملة جزء للسورة فيجب إتيانها و قراءتها مع باقى آيات السورة عند إرادة قراءة السورة في الصّلاة فلو لم يقرئها فلم يقرأ السورة الكاملة و يدلّ على جزئيتها بعض الروايات و لا حاجة لذكرها فراجع.

المسألة الثالثة: قد عرفت ممّا مرّ أنّ السورة واجبة في الفرائض و لكن يستثنى من ذلك موارد فنذكر هذه الموارد و نتكلم عنها حتّى يظهر حقيقة الحال فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر المورد الاول للمسألة الثالثة]

المورد الأوّل: في ما يكون الشخص مستعجلا و يدل على سقوط السورة في الجملة فى هذا المورد الرواية 2 و 4 و 6 من الروايات المذكورة في الباب 2 من أبواب القراءة من الوسائل، و هذا الحكم في الحملة لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّه هل المراد من الاستعجال يكون مطلق العجلة و لو كان تعجيل الشخص لبعض امور غير مهمة أو لا يكون بهذا المقدار من السعة بل المتيقن منه هو خصوص التعجيل لبعض

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 153

امور يعتنى به.

لا يعبد الثاني امّا أوّلا فبمناسبة الحكم و الموضوع و ثانيا بقرينة سقوطها إذا تخوف شيئا. و المرض و فليس كل عجلة ممّا يوجب السقوط و إن كان لبعض امور لا يعتنى به.

[فى المورد الثاني و الثالث و الرابع]

المورد الثاني: المرض و هل يكون كل مرض موجبا للسقوط مثلا صداع مختصر أو لا يكون كذلك بل الأمراض الّتي يشق معها الصبر و التحمل وجهان و لا يبعد الثاني.

المورد الثالث: مطلق موارد الاضطرار و الضرورة و لا دليل على السقوط فيها إلّا تنقيح المناط بأن يقال: يكشف من السقوط في مورد الاستعجال و المرض أنّ المناط هو الضرورة و الاضطرار إلى الترك فيكون الترك جائزا في كل ضرورة و اضطرار، و الّا حديث الرفع و من المرفوعات ما اضطروا إليه.

المورد الرابع: ضيق الوقت و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في ما يدور الأمر بين ترك السورة و بين ترك بعض أجزاء الصّلاة مع ادراكه أكثر من الركعة في الوقت مثل ما إذا دار الأمر بين أن يترك السورة و يقع التشهّد و السلام في الوقت و بين أن يأتي بالسورة و يقع التشهّد و السلام في خارج

الوقت.

المقام الثاني: أن يكون الدوران بين ترك السورة و إتيان ركعة في الوقت و بين إتيانها و عدم درك ركعة في الوقت فلو بنى على ترك السورة يدرك ركعة من الوقت و لو بنى على اتيانها لا يدرك ركعة من الوقت.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 154

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول بعونه تعالى: إنّه يستدل لجواز ترك السورة و سقوطها تارة بأنّه بعد سقوطها في مورد الاستعجال، فأىّ عجلة أهم من التعجيل لأمر اخروي، فإن كان الوجه ذلك فقد يورد عليه ما أورده الشّيخ الانصاري رحمه اللّه في صلاته و هو على ما نقله في المصباح الحاج آقا رضا الهمداني رحمه اللّه «1»، حاصله هو أنّ المستعجل الّذي يسوّغ معه ترك السورة لأمر دنيوى أو دينى إن كان يسوغ له الترك على سبيل الرخصة لا العزيمة بمعنى جواز تركها فى هذا الصورة، لا أنّه يجب تركها، فلا يفيد لنا في ما نحن فيه أصلا، لأنّ الفرض هو كون سقوطها في ضيق الوقت على وجه العزيمة عند من يدعى سقوطها فى هذا الحال و إن كان التعجيل الّذي يسوغ معه ترك السورة هو كون سقوطها على وجه العزيمة، فإثباته لا يمكن في المورد إلّا على وجه دائر لأنّ وجوب ترك السورة أو حرمة فعلها في ضيق الوقت يتوقف على بقاء شرعية الوقت للصّلاة حتّى فى هذا الحال و بقاء شرطية الوقت فى هذا الحال يتوقف على عدم وجوب السورة و جزئيته للصّلاة فى هذا الحال، لأنّه إن كانت السورة جزء حتى فى هذا الحال فلم يتمكن المكلف من حفظ شرطية الوقت فتسقط شرطيتها، فيتوقف سقوط وجوب السورة فى هذا الحال على بقاء شرطية الوقت و الحال

ان بقاء شرطية الوقت فى هذا الحال موقوف على عدم جزئية السورة و هذا دور واضح. «2»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 288.

(2)- أقول: و قد فاتني الفيوضات المتعلقة بهذه المسألة بعد ذلك لعدم تمكنى من الحضور في درسه مدّ ظله العالى لبعض الابتلاءات إلى أن انتهي البحث إلى المسألة اللاحقة و لكن أنا أقول:

بأنّه لو تمّ هذا الدور يمكن أن يقال: أما أوّلا فبأنّ في ما نحن فيه في كلا الصورتين يدور الأمر.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 155

المسألة الرابعة:
اشارة

هل يجب تعيين السورة الخاصّة حين قراءة البسملة أولا يجب ذلك بل لو فرض كون المصلّي مرددا حين قراءة البسملة بين السورتين أو أزيد لا يضرّ ذلك و تصير البسملة جزء واحدا من السورة بتعقب ساير آيات هذه السورة عليها، فإنّ قرء البسملة بلا قصد كونها لأىّ سورة ثمّ تعقبها بآيات التوحيد تصير البسملة بسملة التوحيد و هكذا.

اعلم أنّ الناظر في كلمات الفقهاء قدس سرّه لا يرى تعرض القدماء قدس سرّه لهذه المسألة و لكن وقع الكلام فيها في كلمات المتأخرين و المشهور بين متأخرى المتأخرين هو وجوب تعيين السورة عند قراءة البسملة.

و اعلم أنّه قد يقال: بأنّه يجب التعيين بأنّه بعد كون البسملة جزء من السور و آية منها، و هي من كل سورة غيرها من السورة الاخرى فلا بدّ حين قراءتها قصد خصوص سورة حتّى تصير جزئها.

فإنّ كان الوجه هذا من باب ما قلنا في النية من أنّه إن كان الشي ء الّذي يوجده الشخص في الخارج قابلا لصيرورته منطبقا لعنوانين أو أزيد و بعبارة اخرى قابلا لصيرورته فردا لأكثر من طبيعة واحدة فإذا أراد الشخص أن يجعل هذا

______________________________

بين حفظ جزئية السورة و بين

حفظ شرطية الوقت فلو لم نقل مطلقا بأهمية حفظ شرطية الوقت و لكن يمكن أن يقال بذلك في المقام لخصوصية فيه و هو أنّه بعد ما نرى من سقوط السورة بمجرد الاستيحال أو تخوف شي ء يمكن دعوى استكشاف عدم كونها بحد الوقت في الأهمية خصوصا في المورد الثاني و هو الدوران بين حفظ الوقت لإدراك ركعة و ترك السورة و بين العكس.

و امّا ثانيا فيمكن دعوى عدم شمول دليل اعتبار السورة لمورد ضيق الوقت و عدم إطلاق له يشمل المورد، لأنّ الدليل كان بعض الأخبار المستفاد منه مفروغية وجوب السورة في الجملة و هو العمدة لكون العمل على إتيانها و لا إطلاق له يشمل حتّى مورد ضيق الوقت فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 156

الشي ء مصداقا و فردا لأحد من العنوانين أو الطبيعتين فلا بدّ من القصد و امتازه بمصداقيته لأحد من العناوين بالقصد كما قلنا في الظهر و العصر من أنّه بعد كون الظهر و العصر طبيعتين مختلفتين فلو أراد المكلف أن يصير أربع ركعات الّتي يأتى بها ظهرا أو عصرا، فلا بدّ من أن يقصد حين إتيانها بأنّها الصّلاة الظهر أو العصر فكل ما قصد تصير فردا و مصداقا لها، فكما أنّ الظهرية و العصرية محتاج إلى القصد فهكذا نقول في المقام بأنّه بعد كون البسملة من سورة خاصة غير البسملة من سورة اخرى فلا بد من أن يقصد حين قراءتها بأنّها تكون البسملة لأىّ سورة.

فيقال في جوابه: بأنّه ليس المقام كذلك لأنّ البسملة من كل سورة ليست طبيعة في قبال البسملة من سورة اخرى بمعنى كون كل بسملة من كل سورة طبيعة غير طبيعة البسملة من سورة اخرى و بعبارة اخرى ليست

البسملات من السور طبائعا مختلفة بل البسملة ليست الا طبيعة واحدة من كل سورة كانت، فكل بسملة من كل سورة فرد من هذه الطبيعة الواحدة و لا يمكن أن يقال: بكونها طبائعا مختلفة فعلى هذا يظهر لك كما قلنا في النية بأنّه إن كان لطبيعة واحدة فردان أو اكثر فانطباق الخارج على الطبيعة و صيرورته فردا لها غير محتاج إلى القصد لما قلنا في القصر و الاتمام فلا حاجة في مقام الاداء من قصد القصرية أو الاتمامية إنّ في المقام مقتضى ذلك أعنى: كون كل البسملات فردا لطبيعة واحدة هو عدم اعتبار قصد سورة خاصة حين قراءة البسملة بل بمجرد أدائها قربة إلى اللّه و تعقب آيات سورة من السور إليها تصير البسملة جزء لهذه السورة الخاصّة فعلى هذا يظهر في النظر البدوى عدم اعتبار قصد التعيين في البسملة.

و لكن مع إمعان النظر في كلمات القائلين بقصد التعيين يكشف كون نظرهم إلى جهة اخرى في وجه اعتبار قصد التعيين و هو أن يقال: بأنّه لا إشكال في كون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 157

المأمور به هو قراءة سورة من سور القرآن المجيد و لا إشكال في أنّ المعتبر في القراءة هو الحكاية بمعنى: أن القاري يحكي عن المحكي و بعبارة اخرى يكون تكلّمه بالكلام بعنوان الحكاية عن كلام الغير فإذا قرئها بعنوان الحكاية يعدّ حكاية و إلّا فلا، فمن يقرأ القرآن أو شعرا من الأشعار فلا يعدّ قراءة القرآن إلّا إذا كان حكاية عن المنزل من اللّه تعالى بقلب رسوله الخاتم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّه لا يصدق أنّه قرأ شعرا مرء القيس مثلا الّا إذا كان قاصدا حكاية شعره.

فعلى هذا

بعد ما وجب قراءة السورة في الصّلاة و على الفرض تكون البسملة جزء لها، فمتى لا يقصد القارى حكاية هذا الكلام الخاص و سورة مخصوصة في قبال ساير السور فلا يصدق أنّه قرأ هذه السورة الخاصّة فإذا قرء البسملة فإن قرئها بقصد السورة التوحيد مثلا يصدق عليها حكاية البسملة من سورة التوحيد و أمّا إذا قرئها لا بقصد سورة التوحيد بل قرئها بقصد مجرد قراءة القرآن فلا يعدّ قراءة البسملة من سورة التوحيد و إن يعدّ قراءة القرآن و حكاية القرآن.

فظهر ممّا ذكر من أنّه بعد كون المأمور به هو قراءة سورة خاصة و بعد ما لا تصدق القراءة إلّا إذا كان بعنوان حكاية خصوص سورة خاصة منزلة من السماء فمتى قصد البسملة من سورة خاصة و حكايته هذه البسملة الخاصّة من سورة مخصوصة يتحقّق موضوع القراءة و الّا فلا فلأجل هذا يعتبر قصد التعيين.

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في توجيه اعتبار قصد تعيين السورة في البسملة كما يظهر ذلك ممّا نقل من كلام الشّيخ الانصاري رحمه اللّه «1»، و على هذا لا فرق بين بسملة الفاتحة و بسملة ساير السور فكما يعتبر القصد في صيرورة البسملة جزء لسائر

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173- 172.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 158

السور كذلك في الفاتحة ثمّ يظهر من بعض ناقلي كلامه رحمه اللّه «1» إشكال و جواب.

[في ذكر اشكال و دفعه]

أمّا الاشكال فحاصله هو أنّه على ما قلت فمن قصد عند قراءة البسملة طبيعة القرآن و بعبارة اخرى قرئها بقصد مجرد القرآنية و لم يقصد حين قراءتها خصوص البسملة من سورة فقد قرأ القرآن و إن كان هو لم يقرأ آية خاصة من سورة و الحال أنّ

ذلك غير ممكن حيث إنّ البسملة المنزلة من السماء ليست إلّا خصوص البسملات التي نزلت في أوّل السور و ليست بسملة غيرها، فبعد عدم كون البسملة الّتي هي جزء القرآن غير أفراد البسملات المنزلة في أوّل السور فكيف تقول: بأنّ قاري البسملة الناوية فيها مجرد قراءة القرآن بدون تعيين سورة خاصة معينة قرأ القرآن و الحال أنّك قلت لا يصدق قراءة القرآن إلّا إذا قصد بها حكاية المنزل من اللّه تعالى حين قراءته و على الفرض ليس المنزل إلّا خصوص البسملات النازلة في أوائل السور لا طبيعة السورة فعلى هذا كيف يمكن أن يتحقّق قراءة القرآن مع عدم قصد البسملة الخاصة؟ و كيف تقول بمن قصد حكاية القرآن بقراءة السورة لا خصوص حكاية البسملة من سورة معينة بأنّه قرأ القرآن؟

و أمّا الجواب فهو أنّه لا مانع من حكاية الطبيعة و الإخبار عنها مع عدم إخبار عن فرد من أفرادها كما ترى أنّ من رأي زيدا رأى إنسانا أيضا من باب رؤيته زيدا، و لكن كما يمكن له الأخبار عن زيد أو عن الانسان و زيد كذلك يمكن له الإخبار عن نفس الانسان بدون إخبار عن زيد فيقول: رأيت الانسان فهو حكى و أخبر عن الطبيعة و لا يخبر عن فردها أصلا فهكذا نقول في المقام و الحاصل انّه بعد كون حقيقة القرآن هو الحكاية فلا تتحقق الحكاية إلا قصد المحكي و بعد كون

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173- 174- 175.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 159

الواجب قراءة سورة خاصة فلا بدّ من أن يقصد سورة خاصة عند قراءة البسملة.

و لقائل أن يقول: بأنّ المعتبر في باب نقل كلام الغير هو كون الكلام حكاية عنه

بحيث يكون الحاكي فانيا في المحكى و مندكا فيه بنحو لا يرى إلّا المحكى كالناظر في المرآت الغافل في نظره عن المرآت، لأنّه بعد كون الكلام الصادر من اللّه تعالى أو من غيره كلاما خاصا و وجودا مخصوصا، فلا يمكن قراءة نفس هذا الكلام الموجود و حكايته، فلا بدّ من إيجاده بالوجود التنزيلي، لأنّ القرآن صدر من اللّه تعالى و وقع في قلب رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يمكن قراءة خصوص ما صدر منه تعالى، فمعنى قراءة القرآن أو قراءة سورة منه هي إيجادها بالوجود التنزيلى و هو بجعل ألفاظه حكاية عن الألفاظ المنزلة لأنّه بعد ما يكون لكل شي ء وجودات أربعة: (ذهني و خارجي و كتبي و لفظي)، و بعد عدم إمكان وجوده الخاص خارجا، فمعنى قراءته هو إيجاده بالوجود التنزيلي و هو اللفظي فيكون قراءة القرآن أو قراءة شعر الغير أو كلام الغير عبارة عن حكايته و معنى الحكاية جعل الحاكي فانيا في المحكى و عدم كون النظر إلّا إلى المحكي كما ترى في مقام استعمال اللفظ و إرادة معناه، فإنّ المتلفظ به يجعله مندكا في معناه، غاية الأمر في مقام حكاية القرآن و قراءته لا يكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى بل يكون من قبيل استعمال اللفظ في اللفظ، و بعد ما عرفت ذلك فليس في الحاكى إلّا كل خصوصية موجودة في المحكي و لا يمكن غير ذلك لأنّ معنى الحكاية هي جعلها قالبا للمحكي و فانيا فيه، فلا بدّ من كون الحاكي متخصصا بكل ما تخصص به المحكى لا أزيد و لا أقل، فبأيّ نحو يكون المحكي لا بدّ و أن يكون الحاكي فعلى هذا لا

بدّ لنا في أن نفهم بأنّ المحكي يكون متخصصا بأيّ خصوصية تجعل الحاكى متخصصا به حتّى يكون حكاية عنه و إلّا لم يكن حكاية عنه.

[في ذكر وجه لعدم لزوم قصد كون بسملة جزء لسورة معينة]

إذا عرفت ذلك فبعد ما نرجع إلى بسملات السور من القرآن و وضع نزولها،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 160

فلا نرى لها تخصص بخصوصية في صيرورتها قرآنا و من كلامه المنزل إلّا صدورها من اللّه تعالى و تعقب آيات كل سورة بها فبسملة التوحيد لا يتخصص بكونها بسملته إلّا بتعقب آيات التوحيد بها ليس إلّا و هكذا البسملات من ساير السور فبعد كون الأمر كذلك فالبسملة الّتي تكون حاكية عن بسملة سورة التوحيد أو غيرها من السور لا تحتاج في صيرورتها حاكية عن البسملة من سورة التوحيد إلّا بتعقب آيات التوحيد بها و كذا في الحكاية عن البسملات من غير التوحيد من السور و لا تحتاج في كونها حاكية عنها إلى أمر آخر لما قلنا من أنّ الحكاية لا تقتضى إلّا هذا.

فعلى هذا يمكن أن يقال: بعدم اعتبار قصد تعيين سورة خاصة في البسملة بل إذا قرئها بقصد القرآنية فتصير جزء لسورة خاصة بمجرد تعقب آيات هذه السورة الخاصة بها و لو لم يكن قاصدا لهذه السورة حين قراءة البسملة.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 160

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: بأنّ كل بسملة من البسملات متخصصة ببعض خصوصيات لم يتخصص به ساير السور مثلا أحدها مدنية و الاخرى مكية و كذا خصوصية الزمان و المكان فلا يمكن حكاية هذه البسملة المختصّة ببعض هذه الخصوصيات إلّا إذا قصدها بخصوصها.

قلت: إنّ هذا النحو من الخصوصيات ليس ممّا يتعلق به الطلب فإذا وجبت قراءة سورة خاصة فلا يجب الّا قراءة هذه القطعة من القرآن النازل منه تعالى و أمّا خصوصية الزمان و المكان

و نحوها فلم يتعلق به الغرض أو الطلب حتّى يحتاج في مقام الامتثال من القصد هذه الخصوصيات.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 161

[فى نقل كلام الشيخ و الاشكال عليه و الجواب عنه]

ثمّ نقول توضيحا للمطلب: بأنّ شيخ رحمه اللّه «1» اختار وجوب تعيين السورة و ذكرنا حاصل ما أفاده و هو بنحو الاجمال أنّ الواجب على ما يظهر من دليل اعتبار السورة قراءة سورة خاصة و القراءة عبارة عن اتيانها بعنوان الحكاية عن السورة المنزلة فالحكاية لا تحصل إلّا باتيان البسملة بقصد سورة مخصوصة فلو قرئها لا بقصد القرآن لا تصدق قراءة القرآن و لو قرئها بقصد القرآن و لا يقصد به قراءة البسملة من السورة الخاصّة يصدق أنّه قرأ آية من القرآن و لا يصدق انّه قرأ بسملة من سورة خاصة.

و استشكل عليه كما ذكرنا: بأنّه إذا قرأ القاري البسملة بقصد القرآن و لكن لا يقصد البسملة من سورة خاصة فإمّا إنّك تقول: ليس القاري لها قارى القرآن أصلا فواضح الفساد و إمّا أن تقول: إنّها قراءة القرآن فإمّا أن تقول: بأنّها جزء من سورة خاصة فعلى الفرض لا يمكن لأنّ القاري لم يقصد سورة خاصة و إن تقل بأنّها تصير جزء لكل سورة تتعقبها آياتها فهو المطلوب و لا يمكن أن يقال بأن عليه يصدق قراءة القرآن و لا يصدق قاري لبسملة من سورة خاصة حتّى تقول انّه مع كونه قاري القرآن لم يكن قاريا لآية من سورة خاصة.

و أجاب عن ذلك بما قلنا: بأنّه لا مانع من صدق قراءة القرآن مع عدم قصد سورة خاصة من البسملة مع عدم صدق قراءة البسملة من سورة خاصة لأنّه يمكن حكاية الطبيعة و الإخبار عنها بدون حكاية و إخبار عن الفرد بل ربما يكون

الفرد مغفولا عنه حين حكاية الطبيعة لامكان ذلك كما بينا من أنّ الناظر إلى زيد رأى الانسان و رأى الفرد فيمكن أن يخبر عن رؤية الفرد و الجامع كليهما، و يمكن إخباره

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصاري رحمه اللّه، ص 146 و 147 و 148.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 162

عن خصوص الفرد كما يمكن أن يخبر عن خصوص الجامع بدون الإخبار عن الفرد.

[في ذكر اشكال بعض الاعاظم]

ثمّ استشكل عليه بعض الأعاظم «1» بما حاصله يرجع إلى أنّه على ما بينت من يقرأ البسملة بدون قصد تعيين سورة خاصة فقد قرأ القرآن و أتى بطبيعة البسملة فهذه البسملة طبيعة قابلة الانطباق و الجمع مع كل مصاديقها من البسملات فتصدق على كل منها بأنّها هي الآية الّتي قرئها، فللمصلّي و القاري أن يجعل هذه البسملة المقروة جزء لأيّ سورة شاء بانضمام باقى السورة بها، لأنّه بعد الانضمام يصدق أنّه قرء جميع آيات هذه السورة من البسملة الى آخرها و إن كان قرأ البسملة من هذه السورة على سبيل الابهام و الاجمال و قرأ باقى آياتها على التفصيل و حيث إنّ الواجب في السورة ليس إلّا قراءة سورة على الاطلاق فبقراءة البسملة بقصد طبيعة البسملة القرآنية و لحوق آيات مخصوصة يصدق أنّه قرأ السورة و أطاع أمر المولى نعم في ما تكون سورة بعينها و بخصوصيتها متعلقة للطلب كالفاتحة فلا يحصل امتثاله بهذا النحو لعدم وقوع بسملتها على الوجه الّذي تعلق به الطلب.

و دفع هذا الاشكال ناقل كلام الشّيخ رحمه اللّه و حاصله هو أنّ بعد كون المأمور به قراءة سورة خاصة و إن كان المطلوب طبيعة السورة فلا يتحقّق امتثاله إلا بقراءة سورة خاصة و إن كان للمكلف اختيار أيّ

سورة خاصة شاء و قراءة سورة خاصة لا تحصل إلّا بوقوع تمام السورة بقصد سورة خاصة كما قلت في الفاتحة و مجرد تعلق الأمر في الفاتحة بخصوصها و في السورة بطبيعتها، لا يوجب الفرق بينهما فى هذا الحيث حيث إن الأمر و إن كان متعلقا بالطبيعة إلّا أنّ امتثالها ليس باتيان إحدى السور على الابهام بل لا بدّ في مقام الامتثال من إتيان سورة معينة فإذا كان

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 173.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 163

الامتثال هذا، فلا بدّ حين البسملة من القصد بسورة خاصة فلو قرئها و لم يعيّن سورة خاصة لا تصير البسملة جزء لسورة بمجرد تعقب ما بقى من آيات من السورة بها.

ثمّ لو نوقش في ذلك و يقال: نمنع وجوب قراءة سورة خاصة على المصلّي بل يكفي قراءة قطعة خاصة من القرآن يطلق عليها أنها سورة تامة و إن لم يصدق عليها أنّها سورة خاصة فإنّ الطبيعة المأمور بها تصدق عليها بتفصيل بيّنا.

يقال في الجواب: بأنّ الواجب هو قراءة السورة و الأمر و إن كان بطبيعة السورة لكن المطلوب إتيان فرد من أفرادها، لكن لا فرق في وجوب فرد خاص بين كون الأمر متعلقا بخصوص فرد كالأمر بفاتحة الكتاب و من كونه متعلقا بالطبيعة غاية الأمر تارة يعيّن المولى الفرد و تارة يحوّله إلى المكلف و على كل حال يكون المطلوب هو قراءة سورة خاصة فيكون الحاصل بعد كل ذلك أنّ الشّيخ رحمه اللّه و ناقلي كلامه قائلون بوجوب التعيين مبينا على أنّ القراءة حيث تكون الحكاية فلا بد في مقام الحكاية من القصد بكون المقر و حكاية عن السورة الخاصّة فيجب تعيين سورة خاصة.

و لكن نحن قلنا:

بأنّه بعد كون الحاكي فانيا في المحكى، فلا يعتبر فيه إلّا ما هو موجود في المحكى، و حيث إنّ البسملة المحكى لم تصر جزء للسورة الخاصّة إلّا بلحوق آيات هذه السورة بها، فكذلك الحاكي منها.

و أمّا ما أجاب رحمه اللّه عن الاشكال الّذي أورد عليه: بأنّه لا تنافي بين حكاية الطبيعة مع عدم كونها حكاية عن فرد من أفرادها كما ترى بأنّ من رأى الانسان برؤية فرده، يصح أن يحكى رؤية الانسان بدون حكاية رؤية فرده.

فنقول: بأنّه كما أفاده إذا رأى رجل فردا من أفراد الانسان في يوم، و فردا آخر منه في يوم آخر، فصار بعد ذلك بصدد الإخبار عن رؤية الانسان لا بالفرد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 164

الذي رأى أولا و ثانيا، فقال رأيت إنسانا، فلا إشكال في كون كلامه، إخبارا أو حكاية عن نفس الانسان بدون كونه إخبارا عن الفرد، فلو بدا له و صار بصدد الأخبار عن أحد الفردين، فهو بدون فصل طويل و هدم الموالات بعد قوله: رأيت الانسان قال: و هو زيد فهل يقع شك في أنّه أخبر عن الانسان و عن زيد مع عدم كونه في مقام تلفظ (رأيت الانسان) إلّا في مقام الأخبار و الحكاية عن رؤية طبيعة الانسان و لكن لحوق كلامه بعد بهذا الكلام صار سببا لكون مجموع قوله رأيت الانسان و هو زيد إخبارا عن الطبيعة و الفرد كليهما.

إذا عرفت ذلك نقول في المقام: بأن من يقرأ البسملة بقصد القرآنية لا بقصد سورة خاصة و إن كان في مقام الحكاية عن الطبيعة لا الفرد، و لكن لحوق آيات التوحيد أو الكوثر مثلا بها يجعلها حكاية عن سورة التوحيد أو الكوثر، و يقال: إنّه

قرء سورة التوحيد أو الكوثر، فالبسملة حين قراءتها و إن لم تكن متخصصة بسورة خاصة و لكن مجرد ضمّ آيات سورة خاصة بها يجعلها جزء لهذه السورة الخاصة، و على الفرض ليس المطلوب إلّا قراءة سورة خاصة، فلا يعتبر القصد في البسملة، بل لحقوق الآيات اللاحقة تصير سببا لصيرورتها جزء لسورة خاصة و يحصل الامتثال. «1»

______________________________

(1)- أقول: أمّا ما أفاده في مقام جواب الشّيخ رحمه اللّه فغير تمام، لأنّ في المثال يكون الشخص مخبرا و حاكيا عن رؤية الانسان و زيد بتعدد الدالّ و المدلول، فقوله (رأيت الانسان) إخبار عن الطبيعة و قوله (و هو زيد) إخبار عن الفرد، لا أن قوله (رايت الانسان) بعد ضم (و هو زيد) صار حاكيا و إخبارا عن الطبيعة و الفرد كليهما، فقوله (رأيت الانسان) باق بحاله من كونه إخبارا عن خصوص الجامع، و لا ينقلب عما وقع إخبارا عنه و إن اضيف إليه قوله (و هو زيد) فكذلك البسملة بعد عدم قصد سورة خاصة وقعت إخبارا أو حكاية عن طبيعة البسملة، و لحوق آيات سورة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 165

قال مدّ ظلّه بأنّه ينبغي التكلم في أمر يظهر حال هذه الجهة بعنوان فذلكة البحث، فنقول: أمّا فذلكة البحث هو أنّه هل ما يجعل البسملة جزء لسورة خاصة

______________________________

خاصة بها لا يجعلها منها، بل يقال: إنّه قرأ القرآن في البسملة، و قرأ آيات سورة خاصة غير بسملتها الخاصة، و هذا لا يكفي في امتثال المأمور به، لأنّ المأمور به قراءة سورة خاصة كما أفاد في جواب إشكال بعض الأعاظم.

و أمّا ما قال مدّ ظلّه من عدم وجوب القصد، و كفاية لحوق الآيات من سورة في جعل البسملة الغير القاصد

بها السورة الخاصّة جزء لهذه السورة.

فاقول كما قلت بحضرته مد ظله فلنا سؤال و هو انّه على مختاركم ليس معين البسملة و كونها سورة إلا تعقب آيات السورة الخاصّة بها فعلى هذا لو اتى البسملة بقصد سورة ثمّ بدا له و أتى بما بقي من آيات سورة اخرى فلا بدّ من ان تلتزموا بصيرورتها جزء لهذه السورة لا قصدها لأنّ القصد لا يكون معنيا هل لحوق آيات كل سورة بها يجعلها من هذه السورة و أيضا لو نذر قراءة آية من سورة خاصة فأتى ببسملتها في مقام الوفاء بالنذر لم يف بنذره لانك قلت بان البسملة لا تصير موصوفا بجزئيتها لسورة خاصة إلا بتعقب ما بقي من آيات هذه السورة بها و لكن يمكن ان يقال في جواب كلا الاشكاليين بانّه يقال نحن لم نقل بعدم اعتبار قصد التعيين و يكفي مجرد قراءة البسملة بقصد القرآنية مع لحوق آيات سورة خاصة بها في صيرورتها جزء لها و لم نقل بانّه مع قصد الخلاف يكفي تعقب آيات سورة خاصة في جعلها جزء لهذه السورة لان مع قصد سورة خاصة من البسملة قصد قراءة آية من سورة خاصة لانه قصد الطبيعة و الفرد فلو قرء بعدها آيات غير السورة الّتي قصد بالبسملة فلا يوجب ذلك انقلاب البسملة عما وقع عليها بخلاف ما لو قصد بها مجرد الطبيعة لانها قابلة الانطباق مع كل فرد و بعد تعقب آيات سورة خاصة يجعل هذه البسملة جزء لهذا الفرد هذا ما يجي ء بنظري و لكن هو مدّ ظلّه صار في صدد الجواب عن الاشكال الّذي اوردته من ان على مبناكم يلزم عدم كون القصد من السورة الخاصة معينا للبسملة فلو اتى

بها بقصد سورة خاصة ثمّ بدا له و أتى بآيات سورة اخرى تصير البسملة جزء لهذه السورة المتعقبة بها آياتها مع فرض انّه قصد بها السورة الاخرى. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 166

هو لحوق آيات سورة خاصة بها فقط كما يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» في نجات العباد، أو يكون القصد فقط كما يظهر من شيخ الانصارى رحمه اللّه «2» و من تبعه «3»، أو يكون كل واحد منهما محققا لصيرورة البسملة جزء لسورة بمعنى: أنّها تصير جزء لسورة بلحوق آيات سورة خاصة بها، كما تصير جزء لها باتيانها بقصد سورة مخصوصة.

فإنّ قلنا بالأوّل فلو قرئها بقصد سورة خاصة ثمّ بعد قراءتها بدا له و أتى بآيات سورة اخرى تصير جزء لها و إن كان قصد حين إتيانها السورة الاخرى، لأنّ محقّق صيرورتها جزء لسورة ليس إلّا لحوق آيات هذه السورة بها.

و إن قلنا بالثاني من القصد صارت جزء للسورة المقصودة و لو بدا له و قرء آيات سورة اخرى لم تصر جزء لها، و كذلك على اختيار احتمال الثالث.

[في ذكر وجوه فى المورد]
[الوجه الاوّل]

إنّما الكلام في أنّ الحق أىّ من الاحتمالات الثلاثة فنقول: انّ ما يمكن أن يكون وجها لاحتمال الثانى، و هو مختار الشيخ رحمه اللّه، وجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الاشتغال لأنّ الشّك يكون في المكلف به لا فى التكليف، و بعبارة اخرى يكون الشّك في مقام الامتثال بعد معلومية التكليف، لأنّ المكلف يعلم بوجوب إتيان سورة خاصة و في مقام الامتثال لا يدري أنّ الامتثال يحصل بمجرد إتيان البسملة بدون القصد، أو يتوقف الامتثال على القصد، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إتيانها مع القصد حتّى يحصل العلم بامتثال التكليف باتيان

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 52-

56.

(2)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصارى، ص 146- 147.

(3)- المحقق الحائري في كتاب صلاته، ص 171.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 167

سورة تامة.

و فيه أنّ الأصل يكون مرجعا إذا لم يكن دليل اجتهادي على أحد طرفي المسألة، و معه لا تصل النوبة إلى الأصل.

[فى الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: هو أنّه بعد كون كل بسملة من كل سورة فردا لطبيعة غير طبيعة البسملة من سورة اخرى، فكما قلنا في الظهر و العصر بأنّهما محتاجان إلى القصد، لأنّ الخارج لا يكون منطبق أحد الطبيعتين إلّا بالقصد، فهكذا في المقام.

و فيه أنّه كما قلنا كون البسملات أفرادا من طبائع مختلفة في غير محله، بل كلها أفرادا لطبيعة واحدة و أمّا الظهر و العصر فقلنا بكونهما طبيعتين لأجل الدليل، و هو بعض الأخبار الدالّة على العدول من العصر إلى الظهر حيث أنّ المستفاد منه كونهما حقيقتين مختلفتين، و إلّا لا معنى للعدول من أحدهما إلى الاخرى.

الوجه الثالث: أنّ البسملات و إن كانت أفرادا لجامع واحد و البسملة صادقة على كل أفرادها، و لذا يصدق على من قرئها أنّه قرأ القرآن، و لكن حيث إنّ حقيقة القراءة الحكاية، فلا تصدق حكاية سورة خاصة تامة الّا إذا قصد بالبسملة هذا الشخص من السورة و إن لم يقصد فلم يمتثل الأمر المتعلّق بقراءة سورة خاصة و الحاصل أنّ حكاية البسملة المتشخصة بتشخص لحقوق (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) أو (إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ) بها لا تتحقّق إلا بالقصد.

و فيه أنّ لحوق آية خاصة بها لم يكن من مشخصاتها، بل تشخصها إنّما جاء من نحوة وجودها، فمجرد وجودها صارت مشخصة و لا دخالة للحوق آيات خاصة بها في تشخص البسملة، فإنّ التشخص إنّما يجي ء بمجرد الوجود، فليس لحوق آيات خاصة

من مشخصات البسملة حتّى يحتاج قصد حكاية هذه الوجود

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 168

المشخص إلى القصد بهذا العنوان أعنى: بعنوان كونها بسملة لآيات كذائية.

الوجه الرابع:

أنّ تشخص البسملة و إن لم يكن بلحوق آيات خاصة بها، إلّا أنّه في مقام الاشارة بالبسملة الخاصّة يشير بهذا اللحوق بها، فيقصد البسملة الّتي لحقتها آيات كذائية حتّى يمتاز بذلك عن ساير البسملات، بمعنى: أنّه بعد لزوم قراءة سورة خاصة و كون البسملات الطبيعة واحدة، ففي مقام القصد يقصد البسملة المتعقّبة بها آيات كذائية أى: آيات سورة خاصة، هذا بعض الوجوه، و عرفت فيما بينّا ما يمكن أن يكون وجها لهذا الاحتمال في المسألة.

و لكن مع ذلك نقول: بأنّه إن كان قصد التعيين ممّا لا بدّ منه، فكيف لم يتعرض لذلك أحد من القدماء قدس سرّه في كلماتهم مع عمومية البلوى، و لم يرد نصّ في ذلك، فيمكن أن يقال: بأنّه كما يكون المقصود في فهم المرادات و إلقاء اللفظ و إرادة معناه، هو إراءة المعنى، و لم يكن النظر الاستقلالى باللفظ أصلا، كذلك في مقام الحكاية لم يكن الحاكي إلّا في مقام الحكاية و إراءة المحكى أعنى: ما تكلم به.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ التشخص انما يجي ء من قبل الاستعمال فمجرد اصدار اللفظ ملازم مع تشخصه و الحاكي إنّما يحكي ما تكلم به لا الوجود المتشخص بل ما تكلّم به هو معنى كلي صادق على ما تكلم به أوّلا و ثانيا و ثالثا و هكذا، لأنّ الحاكي يحكي عن البسملة و هي و إن كانت وجوداته متشخصة و لكن هو يحكي عن الكلي الصادق على كل منها، فبعد عدم كون الحاكي إلّا في صدد حكاية هذا الكلي لا

خصوص البسملة الواقعة قبل آيات سورة كذائية لعدم كون كذلك موجبا لتشخصها، نعم بعد لحوق آيات سورة كذائية بها يصدق أنّه أتى بسورة كذائية و يكفي في صدق امتثال الأمر المتعلّق بسورة خاصة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 169

[الموضع الثالث قول المحقق ره من لا يحسنها يجب عليه التعلم:]

قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع: و من لا يحسنها يجب عليه التعلم و به قال العلّامة رحمه اللّه.

و ظاهرهما كون الوجوب تعيينا في الفرض و استشكل على ذلك سيد بحر العلوم رحمه اللّه في المصابيح: بأنّه لا وجه لوجوب التعييني لأنّه مع قدرة المكلف من الايتمام لا وجه لوجوب التعلم عليه تعيينا، بل هو مخيّر بين التعلم و الايتمام.

و عن كاشف الغطاء رحمه اللّه التصريح بوجوب التعلم تعيينا، و فرّع على ذلك: بأنّه لو ترك التعلم في سعة الوقت و ائتمّ أثم و لكن صحت صلاته.

و لا يخفي عليك بأنّه لا وجه لوجوب التعيينى، لأنّه بعد كون المكلف مخيرا بين الصّلاة جماعة و بين الفرادى فلا وجه لوجوب التعلم تعيينا عليه، لأنّ وجوب التعلم يكون مقدميا و ترشحيا من وجوب القراءة في الصّلاة و بعد كون وجوب القراءة أعنى: الفرد من الصّلاة مع القراءة وجوبها تخييريا لتخيير المكلف بينه و بين فرد آخر و هو الصّلاة جماعة أعنى: الايتمام فقهرا يكون وجوب التعلم المترشح من وجوب القراءة تخييريا، نعم مع عدم التمكن من الايتمام حيث يكون الواجب عليه الصّلاة الفرادى و حيث لا بدّ فيها من القراءة فيجب عليه هذا الفرد تعيينا، فيكون وجوب التعلم فى هذا الفرض وجوبا تعينيا.

فظهر لك بأنّه مع التمكن من الايتمام لا وجه لكون التعلم واجبا بالوجوب التعييني، هذا في صورة تمكن المكلف من الايتمام و أمّا مع عدم تمكنه و

وجوب مع القراءة في هذه الصورة فيجب تعلمها تعيينا في الوقت.

و قبل الوقت أمّا بعد دخول الوقت فواضح لأنّ الواجب أى: الصّلاة مع القراءة صار واجبا مطلقا، فيجب تحصيل مقدماته بحكم العقل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 170

و امّا قبل دخول الوقت فواجب أيضا إمّا من باب ما قلنا في الاصول بتصوير واجب المعلق و فرض كون الوجوب فعليا، و الواجب استقباليا، فلا إشكال في وجوب التعلم لأنّه و إن كانت الصّلاة و هي الواجب وقتها بعد دخول الوقت لكن وجوبها يكون قبل الوقت فيترشح من وجوبها الوجوب بالتعلم فيصير فعلا واجبا بحكم العقل و إمّا لما بينا أيضا في الاصول بأنّه و لو لم نتصور الواجب المعلق و قلنا بكون الهيئة مشروطا لا المادة و لكن يمكن مع ذلك تصوير وجوب المقدمات قبل الوقت بنحو آخر ذكرنا في الاصول.

الموضع الرابع: هل تعتبر رعاية قواعد التجويد

من الادغام بقسميه و الاظهار و الاخفاء و غير ذلك أو لا تعتبر هذه الامور؟

اعلم الضابط هو قراءة الحروف و الكلمات بحيث يعدّ عند أهل العرف أنّه تلفظ بالكلمة أو الحرف فهذا هو المقدار المعتبر و لا يلزم مضافا إلى ذلك رعاية آداب التجويد إلّا بمقدار يوجب عدم رعايتها عدم وقوع الكلام صحيحا لتغيير المعنى أو عدم صدق التلفظ بالكلمة او الحرف عند العرف و أمّا أزيد من ذلك فلا تجب رعايتها، فيكفي في تحقق إتيان الفاتحة أو السورة إيجاد ألفاظهما بنحو يعدّ عند العرف و أهل المحاورة بأنّ القارى قرأهما، فيكفي في قراءة الضاد أو الصاد أو غيرها إتيانهما بنحو يصدق عند أهل العرف أنّه تلفظ بهما.

و من هنا يظهر أنّه لا بد من رعاية إعراب الكلمات و بنائها، و بعبارة اخرى رعاية إعراب كل

حرف أو بنائه بنحو الصادر من جنابه تعالى لأن تركها يوجب الاخلال بالمعنى و كذلك التشديد و من هذا القبيل بعض موارد الادغام و لا يبعد عدم اعتبار الادغام في يرملون و إن كان الاحتياط في رعايته و على كل حال

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 171

فالضابط هو ما قلنا من أن يلاحظ القارى و يقرأ بحيث يعدّ عند العرف أنّه تلفظ و قرء الكلمة أو الحرف فافهم.

الموضع الخامس: هل يجوز قصد المعنى في القراءة أولا؟
اشارة

اعلم أنّه كما قلنا في بعض المباحث السالفة يعتبر في القراءة الحكاية بمعنى: أنّ من يقرأ كلامه تعالى أو كلام الغير لا يصدق على كلامه أنّه قراءة كلامه تعالى أو الغير إلّا إذا ألقى كلامه حكاية عن كلام الغير و لهذا قلنا بعدم كون القراءة من قبيل استعمال اللفظ في المعنى بل ليست استعمالا أصلا، بل يكون إيجاد اللفظ فعلى هذا إذا قرء سورة فإنّ كان المقصود بالقراءة الحكاية عن كلام الغير فقط فيصدق عليه أنّه قرأ كلامه و إن كان المقصود من إلقاء الكلام هو المعنى فهو يكون استعمال اللفظ في المعنى و لا يصدق عليه قراءة كلام الغير و إن كان المقصود من التلفظ بالكلام حكاية كلامه و المعنى كليهما، فلا يمكن، لأنّ ذلك يكون من قبيل استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد و هو محال.

فعلى هذا من يريد قراءة كلامه تعالى و يكون مأمورا به فلا يتحقّق الامتثال و قراءة كلامه إلّا إذا قصد من إيجاد اللفظ حكاية كلامه فقط بدون قصد المعنى و هنا إشكال و هو أنّه كيف يقال: بكون (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) إلى آخر سورة الفاتحة كلام اللّه تعالى مع استحالة عبادته تعالى لغيره و استعانته من الغير

أو طلب الهداية فإن التزمتم بكونه كلامه و هو قوله من نفسه و ينشأ و يقصد معناه) فالتزمتم بأمور محال و كفرتم و ان التزمتم بعدم كونه كلامه فهو أيضا مشكل آخر لأنّ الفاتحة سورة من القرآن الصادر منه تعالى على بينه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

اعلم بأنّه بعد معلومية فساد كون صدور هذه الآيات من (إيّاك) نعبد إلى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 172

آخر السورة من اللّه تعالى مريدا به نفسه تعالى بأنّه عبد اللّه أو طلب الاستعانة أو الهداية من الغير لأنّه جل و تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا، و من المحالات انتساب هذه الامور إليه جل شأنه فنفهم أنّ مراده تعالى من إيجاد هذه الكلمات هو تعليم العباد و توجههم و أمرهم بذلك الامور فبالدلالة العقلية نفهم أنّ المراد ليس إلّا أنّ العبيد يعبدونه و لا يعبدون سواه و يستعينون به و يطلبون منه الهداية.

[في ذكر الشاهد من تفسير مجمع البيان و التبيان]

و الشاهد على ذلك ما في تفسير «1» الطبري من نقل رواية ينتهي سندها إلى ابن عباس بأنّه إذا جاء جبرئيل بسورة الفاتحة إذا بلغ (باياك نعبد و إياك نستعين) فقل (فقل إيّاك نعبد و إيّاك نستعين) و كذلك في بعض «2» التفاسير فمن ذلك نفهم أن لفظ (قل) أو (قولوا) في أوّل سورة الفاتحة أو قبل (إيّاك نعبد) على اختلاف النقل محذوف و هذا شاهد على أنّ (إيّاك) نعبد إلى آخر السورة يكون مقول قول (قل) و العباد مأمورون بذلك فبذلك البيان يرتفع هذا الاشكال.

[يجوز قصد المعنى و لكن لا يلزم]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أنّه هل يجوز في مثل هذه الآيات الّتي مفادها الدعاء أو بيان حال العبد من أنّه يعبده تعالى و لا يعبد غيره قصد المعنى أولا؟

و بعبارة اخرى هل يكون في أمثال هذه الآيات قصد المعنى مضرا بصدق القراءة أولا؟ و على تقدير عدم كونه مضرا هل يلزم قصد المعنى أولا يلزم ذلك؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا من أنّ هذه الآيات كلام صدر منه تعالى بعنوان الأمر و تكون مقول قول (قل) و صار كلامه تعالى بهذا الاعتبار أعنى: باعتبار كونه دعاء من العبد فلا بدّ من قصد المعنى بحسب الاعتبار الّذي قلنا، غاية الأمر حيث أنّ قصد

______________________________

(1)- مجمع البيان، ج 1، ص 76.

(2)- التبيان، ج 1، ص 38.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 173

معناها لا يمكن إلّا لاوحدى العارف بالمعنى و بهذه الجهة الّتي بينا لا يتوجه به العوام من الناس أعنى: جل المأمورين بقراءتها في الصّلاة و ليست الفاتحة ممّا كانت قراءتها مأمورا به لخصوص إلا وحدى من الناس بل كلهم مأمورون بها و غالبهم غير ملتفتين بالمعنى أصلا، فمع كونهم مأمورين

بذلك و عدم تصريح من المعصومين عليهم السّلام بلزوم قصد المعنى نفهم عدم اعتباره و إلّا فلا بدّ ان لا يطيع أمر الصّلاة إلا هذا الأوحدي من الناس و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به فمن ذلك نكشف جواز قصد المعنى و عدم لزومه «1».

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث اجمالا بأنّ صيرورة (إيّاك نعبد) الى آخر السورة كلامه تعالى غير محتاج إلى تكلف من تقدير (قولوا) أو (قل) بل يكفي الدلالة العقلية على ذلك حيث بعد ما يعلم استحالة هذه الأدعية من اللّه تعالى إلى الغير فنعلم أنّ ذلك تعليم على العباد و إن كان في رواية ما يدلّ على أن جبرئيل قال (قل) أو (قولوا) فهو مؤيد ذلك فلا إشكال في كون هذه الآيات كلامه المنزل و لها معنى أراد اللّه تعالى منها مثل غيرها من الآيات القرآنية لأنّ القرآن نزل منه تعالى و قصد من الفاظه معانيها و كان معجزا بحسب اللفظ فإذا كان كذلك فليست صيرورة هذه الآيات كلامه تعالى إلّا على وضع ساير الآيات فمن يكون مأمورا بقراءتها فهو مضافا إلى عدم لزوم قصد المعنى له لا يمكن له قصد المعنى فيها، لأنّ المعتبر في القراءة هو كون المقروّ بقصد الحكاية عن الألفاظ المنزلة بعنوان القرآنية كما أفاده مدّ ظلّه.

فعلى هذا لا خصوصية لهذه الآيات بل لو قلنا بجواز قصد المعنى و عدم منافاته مع صدق القراءة في هذه الآيات فنقول في غيرها من الآيات و إن قلنا بمنافاة قصد القرآنية مع قصد المعنى في ساير الآيات فكذلك في هذه الآيات.

ثمّ إنّ مدّ ظلّه أجاب عن ذلك و قال ما حاصله يرجع إلى انّه إن كنا

نحن و مقتضى القاعدة في صدق القراءة فهو كما قلنا بأنّ القراءة عبارة عن حكاية الألفاظ المنزلة و جعل الحاكي قالبا لها فهذا ينافي قصد المعنى و لكن نرى في بعض الروايات الواردة في وجه تشريع فاتحة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 174

[في نقل كلام بعض الاعاظم]

ثمّ إنّه مدّ ظلّه بيّن مطلبا استطرادا لمناسبة مع المقام و قال: ثمّ إنّه قال بعض الأعاظم من معاصرينا (هو آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في صلاته) «1» في ضمن التكلم في قاطعية الكلام في مقام رد من يستشكل على وجوب ردّ السّلام في الصّلاة بقصد القرآنية كلاما، لا بأس بذكر كلامه و هو أنّه قال ما حاصله يرجع إلى أنّه استشكل على جواب ردّ السّلام بقصد القرآنية في الصّلاة بأنّ القراءة لا تصدق إلا إذا صدر الألفاظ من القاري بقصد الحكاية عن الألفاظ المنزلة و لا إشكال في أنّ الالفاظ المستعملة في معانيها تحكي عن هذه المعانى بحيث تكون فانية فيها فعلى هذا لا يصدق ردّ السّلام إلا إذا يوجّه المسلّم سلامه إلى المخاطب و لا يصدق على الألفاظ الّتي يقرأ بقصد الحكاية عن الالفاظ المنزلة أنّها خطاب إلى المسلّم عليه حتّى يصدق التحية و هذا الاشكال ليس من باب عدم جواز استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد لأنّه إن كان الاشكال هذا فيمكن جوابه بأنّ يقال: لا يجعل القصد إلى حكاية الكلام المنزل و القصد إلى ردّ التحية في عرض واحد في مقام إيجاد (سلام عليكم) بل يمكن جعل واحد منهما في طول الآخر بأن يتلفظ (بسلام عليكم) بقصد

______________________________

الكتاب مثل أنّه قال اللّه تبارك و تعالى: قسمت الصلاة بينى و بين عبدى فمن أوّل السورة الى جملة (إيّاك نعبد)

إنّما هو لى و جملة (إيّاك نعبد و اياك نستعين) إنما هو بينى و بين عبدى و الباقى إنّما هو لعبدى (سنن ابن ماجد) ج 2 ص 1243 ح 3784.).

عدم منافات بين صدق القراءة و الحكاية في مقام قراءة فاتحة الكتاب و بين قصد المعنى (إن قلت: فقل في ساير الآيات القرآنية بعدم مضرية قصد المعنى مع صدق القراءة قلت: بأنّه ان وجد دليل في غير الفاتحة بمثل ما ورد في الفاتحة نقول به و لكن حيث لا دليل في غيرها، فنقول في غيرها بما تقتضيه القاعدة من عدم جواز قصد المعنى (أقول: و لكن مع ذلك يمكن بعدم فرق بين الفاتحة و غيرها في هذه الجهة و لا يبعد كون الاحوط ترك القصد المعنى فتأمل). (المقرّر).

(1)- كتاب الصّلاة، ص 299.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 175

القرآنية و يكون داعيه بقصد القرآنية و ايجادها هو تحيّة الغير فيكون أحدهما في طول الآخر بل يكون الاشكال من جهة اخرى و هو أنّ (سلام عليكم) الّذي يكون قرآنا هو سلام الملائكة فهو قالب لهذه المعنى فإذا يقرئه المصلّي فقد قرء (سلام عليكم) الّذي هو كلام اللّه تعالى و هذا الكلام منه تعالى يكون معناه: سلام الملائكة لا سلام الشخص القاري بمخاطبه فهذا السّلام لا يمكن أن يكون تحية و ان قصد به معناه لأنّ معناه ليست التحية من المسلّم إلى المخاطب.

ثمّ قال بعد ذلك: و بالآخرة القول بجواز ردّ السّلام بقوله (سلام عليكم) بقصد قراءة القرآن يتوقف على جواز استعمال اللفظ في معنيين أحدها المجازي و هو اللفظ المنزل و الثاني المعنى الحقيقي و هو على تقدير جوازه غير مقصود للقائل بجواز ردّ السلام فإنّه يصرّح بتبعية قصد

الردّ و على فرض استعمال اللفظ في المعنيين يكون كلاهما في عرض واحد فترى أنّه في مقام بيان الاشكال مع قوله أوّلا بأنّ هذا الاشكال غير إشكال استعمال اللفظ في المعنيين قال بعد قوله و (بالآخرة) ما يدلّ على أنّ الاشكال في المقام هو إشكال استعمال اللفظ في المعنيين، لأنّه قال: و بالآخرة القول بجواز ردّ السّلام بقوله (سلام عليكم) بقصد قراءة القرآن يتوقف على جواز استعمال اللفظ في المعنيين فهذا محلّ النظر في كلامه.

و أيضا ما قال في دفع الاشكال بما حاصله يرجع إلى أنّ المسلّم يقصد بسلامه الحكاية عن الكلام المنزل و يقصد المحكى و هو الكلام المنزل الخطاب بالمسلّم و ردّ تحيته و لا يقصد بلفظه الصادر عن نفسه رد السّلام فعلى هذا القى اللفظ حكاية عن الكلام المنزل و قصد بالكلام المنزل ردّ السّلام فلا يوجب استعمال اللفظ في المعنيين و نظير ذلك كتابة (سلام عليكم) لشخص، فإنّ من يكتب (سلام عليكم) لا

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 176

يقصد بالسلام المكتوب ردّ التحية بل السّلام المكتوب يجعله حاكيا عن الملفوظ ثمّ يجعل السّلام الملفوظ و هو المحكي سلاما و تحية بالشخص المنظور.

ليس بتمام فإنّ من يسلم بالسلام بقصد القرآنية لا يجعل الكلام المحكي جواب التحية مضافا إلى أنّ إشكال المستشكل كان من جهة اخرى و هي أنّ السّلام المحكى قصد به الخطاب إلى أشخاص اخر و بعبارة اخرى معناه شي ء آخر فكيف يمكن أن يقصد به الخطاب إلى المسلّم.

و امّا تنظيره بالسلام المكتوب فأيضا ليس بصحيح فإنّ السّلام المكتوب لا يجعله الكاتب حاكيا عن الملفوظ ثمّ يجعل الملفوظ سلاما بالمخاطب بل بنفسه يسلّم بالمخاطب و إن انتقل حين الكتابة إلى السّلام

الملفوظ فكلامه رحمه اللّه فى هذا المقام أيضا مورد النظر.

ثمّ إنّه قد يتوهم جواز جعل رد السّلام (بسلام عليكم) الّذي جزء من القرآن بنحو آخر و هو أن يقال: بأنّ الشخص في مقام ردّ السّلام يتكلم (بسلام عليكم) الّذي هو جزء سورة زمر بقصد القرآنية لكن داعيه يكون من قراءة هذه الآية من القرآن جواب السّلام و ردّ التحية و بعبارة اخرى يصحح بهذا المورد السّلام في الصّلاة أعنى: بنحو الداعي على الداعي.

لكن هذا و ان كان وجها و لكن ليس بوجيه لأنّ صدق السّلام و ردّ التحية بهذا النحو غير معلوم، لأنّ مقضى وجوب ردّ التحية و السلام هو كون اللفظ تابعا للجواب و بعنوان التحية و على الفرض لا يقصد باللفظ إلّا قراءة القرآن و ان قصد بقراءته القرآن جواب التحية و لكن هذا المقدار غير كاف في صدق ردّ السّلام فافهم.

و يظهر من الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المصباح توجيه صحة ردّ

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 177

السّلام بصيغتى القرآن أى: سلام عليك و سلام عليكم في بعض الموارد الّتي يشكل جواب بعنوان التحية مثل صورة ردّ جواب الصبي أو جواب من سلّم ملحونا بنحو آخر و هو أنّه قال:

فوائد الاولى الأحوط في الموارد الّتي لم يثبت وجوب الردّ فيها لبعض الشبهات الموضوعية أو الحكمية كبعض الموارد الّتي تقدمت الاشارة إليه في طى الكلمات السابقة هو الردّ بصيغتى القرآن أى: سلام عليك و سلام عليكم قاصدا به قراءة القرآن ليحصل به الردّ على سبيل الكناية من باب إياك أعنى و اسمعي يا جاره اذا الظاهر كفاية مثله في صدق اسم ردّ التحية و عدم توقفه على إرادته من اللفظ بالدلالة

المطابقية و اللّه العالم انتهي.

لا يخفي عليك أنّ في مورد الكناية يستعمل اللفظ في معناه المطابقي و يفهم اللازم مثلا إذا قال الشخص: زيد كثير الرماد استعمل لفظ زيد في معناه و كثير في معناه أيضا، و رماد في معناه أيضا، و لكن كان غرض المتكلم من ذلك انتقال المخاطب إلى لازمه و هو سخاوة زيد غاية الامر إرادة الجدية تعلقت بافهام اللازم و كانت المعنى المطابقي مرادا بالارادة الاستعمالية لا الإرادة الجدية فإن أراد في المقام هكذا بأنّ من يتلفظ (بسلام عليكم) قصد القرآنية و يستعمله في معناه الحقيقى المطابقى و كان غرضه انتقال المخاطب الى لازمه و هو ردّ تحية المخاطب فهذا لا يصدق ردّ السّلام و لا ردّ التحية فلا يمكن توجيه ردّ السّلام بقصد القرآنية بهذا النحو و إن أراد غير الكناية المصطلحة بمعنى أن يكون عرضه هو استعمال لفظ (سلام عليكم) أو (سلام عليك) بقصد حكاية القرآن و أراد منه بالارادة الاستعمالية و الجدية المعنى المطابقي أى: المعنى الّذي أراده تعالى من هذا اللفظ غاية الأمر له

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 178

إرادة على كون ذلك جوابا و تحية على المسلم مثل إياك أعنى و اسمعي يا جاره فأيضا لا يصدق عليه الجواب لأنّ التحية و عدمها دائر مدار الصدق العرفي فلا يعدّ ذلك جواب ردّ السّلام و لا التحية على الشخص فافهم.

الموضع السادس: هل القران بين السورتين يكون مكروها، أو يكون حراما
اشارة

بمعنى: عدم جوازه و بطلان الصّلاة به.

لا يخفي عليك أنّ العامة لا يقولون لا بحرمته و لا بكراهته و ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في النهاية «1» و الخلاف «2» هو عدم جوازه غاية الأمر يظهر من كلامه في الخلاف عدم كون المسألة من المسلمات عند

الخاصّة بل هي مورد الخلاف و المشهور بين المتأخرين «3» جوازه على كراهية.

[في ذكر الاخبار المجوز و المانعة و الجمع بينهما]

أما روايات الباب فهي مختلفة فما قيل بدلالتها على عدم الجواز هي الرواية 1 من الباب 8 من أبواب القراءة و 2 من الباب المذكور بناء على عدم كون الكراهة هي الكراهة المصطلحة و 3 من الباب المذكور بناء على كون قوله (فيقطع السورة قال: لا بأس) بالتشديد و أمّا إن كان بالتخفيف فيكون معناه فهل يقطع السورة إذا شرع فيها (قال: لا بأس) فيختار من القطع و عدمه و لازم ذلك عدم البأس بالقران بين السورتين (و تقدم الكلام في هذه الرواية في ضمن التكلم في وجوب السورة و عدمه)، و 2 و 5 و 7 من الباب المذكور بناء على كون المفهوم للقضية (و 14 بناء على حمل (لا يصلح) فيها على المنع الغير المرضي فعله و إن كانت قابلة للحمل على

______________________________

(1)- النهاية، ص 75- 76.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 336.

(3)- الجواهر، ج 9، ص 354.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 179

الكراهة لأجل التعبير بلا يصلح) و 2 من الباب 4 من أبواب القراءة من الوسائل.

و أمّا ما يدلّ من الأخبار على الجواز فهي الرواية 9 من الباب 8 من أبواب القراءة و 11 من الباب المذكور و 14 بناء على كون (لا يصلح) مشعرا بالكراهة فمقتضى الجمع العرفي حيث يكون هو الحمل على الكراهة برفع اليد عن ظهور الأخبار الناهية بنصوصية الأخبار المجوّزة في الجواز فتكون النتيجة هي الحمل على الكراهة.

و لا يقال: بأن الأخبار المجوزة حيث تكون موافقة مع العامة لكون القران جائزا عندهم فتحمل على التقية و يؤخذ بالأخبار المانعة.

لأنّا نقول مع فرض إمكان الجمع العرفي فلا

تصل النوبة إلى الترجيح بالمرجحات «1» فعلى هذا لا يبعد كون القران بين السورتين مكروها فافهم.

ثمّ إنّه بعد ما قلنا ما هو حال القران في مقام الاثبات و عرفت ذلك فكيف حاله في مقام الثبوت؟

اعلم أنّ دخله عدما في الصّلاة بناء على كون القرآن محرما قابل لأنّ يكون على أحد من النحوين في مقام الثبوت: إمّا بأن يكون إتيان سورة زائدة على سورة واحدة بنفسها من الموانع للصّلاة و إمّا بأن يكون عدم إتيان سورة ثانية من القيود للسورة الاولى بمعنى: أنّ شرط السورة الواجبة هو كونها واحدة و بشرطاللا من الزيادة و الفرق بين الاحتمالين هو أنّه على الاحتمال الأوّل لو أتى المصلّي بسورة ثانية

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّ مفاد بعض الأخبار المجوزة هو الكراهة و الكراهة مخالف مع مذهب العامة فهم مخالفون مع كل من الطائفتين لانهم قائلون بالجواز بلا كراهة فلا معنى لترجيح احدى الطائفتين بمخالفة العامة). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 180

و تحقق القران فبطلان الصّلاة مستند الى وجود المانع و أمّا على الاحتمال الثاني فالبطلان مستند إلى فقد الشرط أى: شرط الجزء و هو السورة لا إلى المانع.

و أمّا لو التزمنا بكون القران مكروها فكيف يمكن توجيهه في مقام الثبوت.

اعلم أنّه على ما اخترنا و قلنا في بعض المباحث الاصولية بأنّه بعد كون الأمر بالصّلاة مثلا أمرا بايجاد طبيعتها و بعد كون هذه الطبيعة لها أفراد فالمكلف يختار اى فرد منها شاء فلو فرض أنّ لهذه الطبيعة أفراد يختلف بعضها مع بعض من حيث إيجاب كمال الطبيعة من بعضها الاخر أو نقص كمالها من بعض أفرادها الآخر ففي كلا الصورتين تحصل الطبيعة و يعدّ الفرد امتثالا للطبيعة و تحمل

عليه بالحمل الشائع الصناعي.

و لهذا قلنا لو صلّى مثلا مع القنوت فلا يعدّ القنوت أمرا خارجا عن حقيقة الصّلاة فالفرد من الصّلاة الّتي مع القنوت فردا منها غاية الأمر يكون أكمل من الفرد الّذي لا قنوت فيه.

و بهذا التوجيه قلنا: بأنّ ما يزاد في الصّلاة لا يعدّ خارجا منها، بل يعدّ جزئها كالقنوت.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الصّلاة لها فردان: فرد يأتي بها مع سورة واحدة و فرد يأتى بها مع السورتين فبناء اعلى كون القرآن بين السورتين مكروها، فالفرد الّذي يأتي بسورتين يعدّ من الصّلاة و جزء إلها، و يطلق على مجموع العمل المركب من الأجزاء و الشرائط و هذه السورة الثانية صلاة غاية الأمر بعد كون القران مكروها يكون هذا الفرد المأتى به مع السورتين أقل كمالا من الفرد الآخر المأتي به مع سورة واحدة فعلى هذا تعدّ السورة الثانية أيضا جزءا الصّلاة و ليست

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 181

أمرا خارجا منها «1»

[في ان محل النزاع فى جواز القران و عدمه فى موارد ثلاثة]

اعلم أنّ محلّ النزاع في جواز القران و عدمه يحتمل أن يكون في موارد ثلاثة:

المورد الأوّل: أن يكون النزاع في أنّه هل يجوز إتيان سورة أزيد من سورة واحدة لا بعنوان الجزئية بل بقصد مطلق القرآن أم لا، فمن يقول: بالجواز يقول بجواز قراءة سورة اخرى أو أكثر بقصد القرآن و من يقول بعدمه يقول: بعدم جواز ذلك فإذا قرأ بعد الفاتحة في الصّلاة سورة القدر مثلا، ثمّ قرأ سورة التوحيد بقصد مطلق القرآن فقد تحقق القرآن.

المورد الثاني: أن يكون محلّ النزاع في جواز ذلك و عدمه بقصد الجزئية فيكون محل الكلام في أنّه بعد ما أتى المكلف بجزء الصّلاة و هو السورة بعد الفاتحة و تحقق الجزء فهل

يجوز إتيان سورة اخرى بقصد كونه جزء آخر للصّلاة و بعبارة اخرى بقصد كونها جزءا مستقلا أم لا يجوز ذلك.

المورد الثالث: أن يكون محل النزاع في ما إذا أتى بسورة ثانية لا بقصد مطلق القرآن و لا بقصد كونه جزء مستقلا بل بعنوان كونها جزء الجزء بمعنى: أنّ السورة الواجبة في الصّلاة تارة يأتى بها في ضمن سورة واحدة و تارة في ضمن سورتين فمن يقول بالجواز يقول بذلك و من لا يقول بالجواز لا يقول به.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه: بأنّه و إن تمّ ما أفدت من أن بعض ما يأتي به في أثناء الصّلاة ممّا ليس داخلا في حقيقتها و يكون خارجا عن طبيعتها لكن يوجب كمالا في الفرد يعدّ جزء للصّلاة كالقنوت فلا يمكن أن يقال بذلك في ما نحن فيه لأنّ السورة الزائدة تصير موجبا لأقلية ثواب الفرد الّذي واجدا لهذه الزيادة عن الفرد الفاقد لها، فكيف تعدّ هذه السورة جزء للصّلاة ففي مقام الجواب عن هذا الاشكال و بيان توجيه كون محل النزاع في جواز القران و حرمته في أىّ مقام قال مدّ ظلّه: اعلم أنّ محلّ النزاع ... الخ (كما فى المتن). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 182

اعلم أنّ كون محلّ النزاع في الصورة الاولى بعيد و إن نقل في الجواهر «1» و المصباح بأنّ بعضا جعل محل النزاع في تلك الصورة لأنّه لا يستفاد ذلك من أخبار الباب، و كذلك الصورة الثانية.

و ما ينبغي أن يقع محل النزاع هو الصورة الثالثة لأنّ الظاهر من الأخبار هذه الصورة، لأنّ ظاهر (قوله لا قرآن بين السورتين) أو (لا تقرن بين السورتين) و غيرهما هو هذه الصورة لأنّ الظاهر منها

هو أنّه لا يجوز القران أو يكره القرآن، بعد جمعها مع الأخبار المجوزة، بين السورتين، و بعد كون السورة الاولى جزء للصّلاة إذا أتى المكلف بها بقصد الجزئية، فإذا (قال لا قران بين السورتين) يكون معناه عدم إتيان السورة الثانية بقصد الجزئية يعنى: لا يجوز إتيان سورتين بقصد الجزئية، و بعبارة اخرى يكون المستفاد من الأخبار هو أنّ ما هو الجزء يكون سورة واحدة لا أكثر من ذلك فافهم.

الموضع السابع [عدم جواز قراءة شي ء فى الفرائض من سور العزائم]
اشارة

: قال في الشرائع «2»: لا يجوز أن يقرأ في الفرائص شيئا من سور العزائم.

اعلم أنّ بين المسلمين خلافا في وجوب السجدة عند قراءة آيات السجدة من القرآن، فقال أبو حنيفة من العامة: بوجوب السجدة عند قراءة كل آية من آيات السجدة من القرآن، و قال الشافعى: بعدم وجوب السجدة فيها أصلا.

و أمّا المعروف بين أصحابنا. و هو وجوب السجدة فى أربع مواضع منها، عند قراءة آية السجدة من الم تنزيل المتصلة بسورة لقمان، و حم تنزيل، و و النجم، و اقرا

______________________________

(1)- الجواهر، ج 9، ص 358.

(2)- الجواهر، ج 9، ص 343.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 183

باسم، و مسنونة فى إحدى عشر منها، و يتمسكون بقول علي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عزائم الآيات أربع، و وجه التعبير بالعزيمة هو كون السجود عند قراءتها واجبة، و لأجل هذا يقال بالسورة الّتي فيها آية السجدة: بأنّها السورة العزيمة.

ثمّ إنّ العامة لم يمنعوا من قراءة شي ء منها في الصّلاة فريضة كانت أو نافلة حتى من يقول بوجوب السجدة عند قراءتها، و المعروف عندنا جماعة الخاصّة عدم جواز قراءتها في الصّلاة الفريضة و أمّا فى النافلة فلا بأس بها فيها،

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

فنذكر أوّلا الأخبار الراجعة إلى الباب، ثمّ نبين ما هو الحق في المقام إنشاء اللّه فنقول بعونه تعالى: بأنّ صاحب الوسائل ذكر أخبار الباب فى أبواب أربعة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال: يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب يركع و يسجد). «1»

قد يتوهم كون الرواية دالة على جواز قراءة العزيمة في النافلة و كذا في الفريضة و لو

بالإطلاق و لكن يمكن منعه لعدم كون السائل و المجيب عليه السّلام في مقام السؤال و الجواب عن أصل الحكم أعنى جواز قراءة السجدة و عدمه حتّى يقال بان لها الاطلاق بل الرواية واردة مورد حكم الاخر و هو انّه لو قرء آية السجدة الواقعة في آخر السورة ما يصنع و كان الجواب عن هذه الجهة فالمتيقن من الرواية هو النافلة.

الرواية الثانية: الرواية الّتي نقلها الشّيخ رحمه اللّه في التهذيب و هي ما رواها سماعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 37 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 184

قال من قرء اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع قال و ان ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الايماء و الركوع و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع) و قطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه فذكر قطعة منها في الباب 37 و قطعة منها في الباب 40 فراجع و يمكن منع الاطلاق للرواية يشمل الفريضة بقرينة الذيل (و لو فرض إطلاق لها فيقيد بقرينة بعض ما يدلّ على لمنع في الفريضة).

الرواية الثالثة: و هي ما رواها وهب بن وهب عن ابى عبد اللّه عن ابيه عن علي عليه السّلام (انه قال إذا كان آخر السورة السجدة اجزاك أن تركع بها). «1»

هذه الرواية أيضا لا إطلاق لها يشمل الفريضة لكونها في مقام بيان حكم آخر و هو جواز ترك السجد إذا كانت آية السجدة آخر السورة فحيث لم يكن في مقام بيان أصل حكم جواز قراءة آية السجدة في الصّلاة فلا إطلاق لها من هذا الحيث فقدر المسلم منها هو النافلة.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها

ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال ان صليت مع قوم فقرأ الامام اقرا باسم ربك الّذي خلق أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فاوم ايماء و الحائض سجد إذا سمعت السجدة). «2»

لا يستفاد من هذه الرواية جواز قراءة شيئا من العزائم في الفريضة بل تكون متعرضة لحكم آخر و هو انّه أن اتفق الاقتداء بامام مخالف لاجل التقية و الدخول في جماعة المخالفين ثمّ من باب الاتفاق قرء امامهم سورة السجدة و سمعت انت و لم تكن متمكنا من السجدة لكون ذلك خلاف مذهبم فاوم ايماء ثمّ بعد ذلك بين عليه السّلام حكما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 37 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 185

آخرا و هو ان الحائض إذا سمعت آية السجدة تسجد و ليس الحيض مانعا من ذلك.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال و عن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه و ربما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها كيف يصنع قال لا يسجد). «1»

هذه الرواية غير مربوطة بما نحن فيه بل متعرضة لحكم آخر كسابقها.

الرواية السادسة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن احدها (قال سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد قال يسجد اذا ذكر إذا كانت من العزائم). «2»

هي في مقام بيان حكم آخر و ليست في مقام بيان أصل جواز قراءة آية السجدة و عدمه، حتّى يقال ان لها إطلاق يشمل الفريضة لانها في مقام بيان

حكم ناسي السجدة فاجاب عليه السّلام يسجد إذا ذكر إذا كان من العزائم و امّا قراءتها جائزة فيها أم لا فلا تفرض لها.

الرواية السابعة: و هي ما رواها زرارة عن احدها: (قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم فإنّ السجود زيادة في المكتوبة). «3»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه (قال سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها قال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 39 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 186

يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة). «1»

الرواية التاسعة: و بالاسناد (قال و سألته عن امام يقرأ السجدة فاحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف و قد تمت صلاتهم). «2»

و رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر: على ما في التهذيب لكن بهذا النحو (قال سألته عن امام قرأ السجدة فاحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال يقدم غيره فيتشهد و يسجد و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم).

هذا كله الروايات في المسألة فنقول بعونه تعالى انّه كما قلنا في صدر المبحث لم ير من القدماء من افتى بالجواز في المسألة إلا ما نقل عن الاسكافي من جواز ذلك و ان يظهر من بعض توجيه كلامه فالمشهور بين القدماء هو عدم جوازها و ادعى عليه الاجماع و كما

بينا غير مرة يكون مراد القدماء قدس سرّه من الاجماع النص عن المعصوم عليه السّلام لا بعض ما اصطلح عند المتأخرين من الاجماع، و أيضا ما قال صاحب «3» الجواهر رحمه اللّه من انّه لم يظهر من القدماء من يقول بحرمة قراءة سور العزائم في الصّلاة وضعا بل ظاهر كلامهم هو الحرمة التكليفية لا الوضعية ليس في محله لانّ الظاهر من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف من وضع استدلاله هو الحرمة الوضعية و بطلان الصّلاة بقراءتها لانه استدل على حرمته بالنص و بأن مقتضى الاشتغال بالصّلاة هو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 40 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الجواهر جلد 9 صفحه 364.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 187

عدم قراءتها فيها فالظاهر من هذا الاستدلال أعنى الاشتغال هو كون قراءتها موجبا لعدم العلم بالفراغ عن الصّلاة لاحتمال كونها سببا لبطلان الصّلاة بها فافهم.

[فى ذكر الروايات المذكورة على عدم الجواز]
اشارة

إذا عرفت ذلك فتكلم في ما يمكن ان يستدل به من الروايات المذكورة على عدم الجواز:

منها الرواية الثانية و هي ما رواها سماعة و ذكرها الكليني رحمه اللّه و نقل عنه الوسائل غاية الأمر قطعها قطعتين قطعة منها ذكرها في الباب 37 و قطعة منها في الباب 40 و هي متعرضة لاحكام ثلاثة:

الأوّل ان من قرء اقرأ باسم ربك الّذي خلق يسجد إذا ختمها و اذا قام من السجود يقرأ فاتحة الكتاب و ليركع.

الثاني انّه إذا ابتلى الشخص بجماعة العامة و قرء الامام سورة السجدة و هو يسمع، و الحال انّه لا يسجد يكفي الايماء بدل السجدة و يركع لعدم تمكنه من السجدة فى هذا الحال لكون السجدة خلاف

مذهبهم كما قلنا في صدر المبحث.

الثالث ان جواز قراءة سورة السجدة في خصوص الصّلاة التطوع و لا يجوز قراءة اقرأ باسم في الصّلاة الفريضة و لا إطلاق لصدر الرواية اعنى ما يفيد حكم الأوّل بحيث يشمل الفريضة لكونه متعرضا لحكم آخر، و هو انّه لو قرأ اقرأ باسم يسجد يقرأ الفاتحة ثمّ يركع؛

و ان قلت بانّه يستفاد من الفقرة الثانية كون مورد حكم الصدر هو الفريضة لأنّ الفقرة الثانية تعرضت لتكليفه في الجماعة و الجماعة في الفريضة فهذا شاهد على كون مورد فرض الصدر من الرواية هو الفريضة أيضا.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 188

نقول اما أوّلا فمن المحتمل عدم كون كل واحد من الفقرات الثلاثة من الرواية متصلا بالآخر لاحتمال ان السائل سئل سؤالات منفصلة ثمّ جعلها في مقام النقل فصارت متصلة كل سؤال بالآخر.

و ثانيا يحتمل عدم كون صلاة الجماعة في الفقرة الثانية فريضة بل تكون نافلة لأنّ المفروض كون الجماعة من العامة و هم يجوّزون الجماعة في النافلة.

و ثالثا بان الفقرة الثالثة المصرحة فيها بالفرق بين النافلة و الفريضة و جواز قراءتها في الاولى و عدمه في الثانية شاهد على كون مورد حكم الصدر اى الفقرة الاولى هو النافلة إذا عرفت ذلك يستفاد من الذيل، عدم جواز قراءتها في الفريضة و امّا الرواية الثامنة الّتي رواها في قرب الاسناد عن علي بن جعفر و رواها في التهذيب مع اختلاف في المتن و يكون متن قرب الاسناد اجود و نقل التهذيب مضطربا تكون صدرها بحسب الظاهر منافيا مع الذيل لانه مع التصريح بان يسجد إذا قرأ العزيمة في الفريضة، قال في ذيلها و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة.

وجه

التنافي انّه مع تجويز السجدة في الصدر يقول في الذيل بان السجدة زيادة في الفريضة و لا يعود و من جملة ما يدلّ على عدم جواز قراءة العزيمة بل عمدتها هي الرواية السادسة و هي ما رواها زرارة و ظاهرها على النهي من قراءة العزيمة في المكتوبة معلّا بان السجدة زيادة في المكتوبة

[فى الاحتمالات فى الرواية/ الاول]

و في الرواية احتمالات:

الاحتمال الأوّل: ان يكون النهي هو النهي الوضعي أعنى بطلان بمجرد قراءة سورة العزيمة أو آيتها فبمجرد قراءتها تبطل الصّلاة فعلى هذا تكون قراءة سورة العزيمة أو آيتها الخاصّة من جملة موانع الصّلاة فيكون النهي ارشاد إلى الفساد.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 189

[فى الاحتمال الثاني و الثالث و الرابع]

الاحتمال الثاني: ان يكون النهي النهي الوضعى و ارشاديا لكن يكون ارشاد إلى عدم قابلية صيرورة صورة العزيمة جزء للصّلاة و لازم ذلك هو انّه لو اكتفي بسورة العزيمة فلم يأت بجزء من الصّلاة و هو السورة لأنّ مقتضى هذا النهي هو عدم قابلية سورة العزيمة لصيرورتها جزء و لكن لو قرء بعضها فعدل عنها و قرء سورة اخرى فلا تبطل صلاته بناء على جواز العدول و عدم حرمة القرآن بين السورتين فالفرق بين الاحتمال الأوّل و الثاني واضح

الاحتمال الثالث: ان يكون النهي نهيا تحريميا لا وضعيا، بمعنى انّه يحرم قراءة سورة العزائم في الصّلاة، غاية الأمر يكون ملاك تعلق النهي به هو كون قراءة العزيمة مستلزما اما لترك واجب و هو السجدة، و امّا فعل حرام و هو ابطال الصّلاة بسبب وقوع الزيادة و هو السجدة بقرينة العلة، و يقال بفساد الصّلاة في هذه الصورة من باب ان النهي من جزء العبادة يوجب فساد العبادة به، ففي هذه الصورة يكون فساد الصّلاة و عدمه دائرا مدار القول بان النهي في العبادة يوجب فساد العبادة أم لا، و يكون بطلان صلاته من باب عدم كون هذه الصّلاة مقربة، و يكون ملاك التحريم ما قلنا من ان العلة و هو قوله عليه السّلام (فان السجود زيادة في المكتوبة) تفيد ان قراءتها حيث يوجب ابتلاء المكلف اما بترك السجدة الواجبة

لو تركها إذا قرئها و لم يسجد و امّا بفعل السجدة إذا قرئها و سجد فيبتلى باتيان الزيادة و ابطال الصّلاة و هو محرم فيدور امره بين فعل محرم أو ترك واجب فلهذا حرّم على المكلف قراءتها في الصّلاة.

الاحتمال الرابع: هو ان يكون النهي نهيا ارشاد يا لكن لا ارشاد إلى مانعية سور العزائم كما كان مفاد الاحتمال الأوّل، و لا ارشاد إلى عدم قابليتها، لأنّ تصير جزء لها كما هو مفاد الاحتمال الثاني، بل يكون ارشاد إلى امر آخر، و هو انّه إذا قرء

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 190

العزيمة في الصّلاة يبتلى القارى اما بترك الواجب لو قرئها و لم يسجد، و امّا بفعل المحرم و هو ابطال الصّلاة لو سجد، فانّه إذا سجد فالسجدة زيادة و الزيادة مبطل، و لا يجوز ابطال الصّلاة، و هذا يستفاد من العلة المذكورة، لانه علل النهي بان السجدة زيادة في المكتوبة، و الفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الثالث هو انّه في الاحتمال الثالث يقال بحرمة القراءة تكليفا و كان بطلان الصّلاة بناء عليه لاجل عدم كون الصّلاة مع هذه السورة مقربة و لو لم يسجد سجدة التلاوة، و لكن بناء على هذا الاحتمال لا تصير الصّلاة فاسدة إلا إذا قرء العزيمة و سجد سجدة التلاوة في الصّلاة لصيرورة ذلك زيادة في المكتوبة، و لكن لو قرئها و لكن عصى و لم يأت بالسجدة فلا تبطل صلاته (بل لو قيل في الاحتمال الثالث بان النهي يكون تحريميا و متعلقا بالسورة، بمعنى انّه كانت قراءة العزيمة محرما فبمجرد قراءة بعضها و لو لم تقرأ آية السجدة تبطل صلاته لصيرورة البعض المقرو من السورة لأن لا يكون العمل

اى الصّلاة مقربة، و هذا بخلاف الاحتمال الرابع فانّه بعد كون النهي ارشاد إلى ان قراءة العزيمة توجب ابتلاءك بأحد الأمرين المذكورين فلو قرء بعض السورة ثمّ رفع اليد عنها لا تبطل الصّلاة بقراءة هذا البعض).

الاحتمال الخامس:

هو ان يقال بعد كون وضع العامة خارجا هو قراءة العزيمة في الصّلاة و السجدة متى قرءوها، فيقال: بأنّ النهي عن قراءة العزيمة و إن كان إرشاديا، و لكن يكون إرشادا بأنك إذا قرأت لا تسجد، و بعبارة اخرى لا تقرأ فإنّك إن قرأت لا تسجد، و بعبارة ثالثة يكون النهي إرشادا إلى عدم إتيان السجدة في الصّلاة إذا قرء الشخص العزيمة، لأنّ السجود زيادة في المكتوبة (فعلى هذا الاحتمال تكون هذه الرواية مخصصا لما دلّ على وجوب السجدة فورا حين تلاوة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 191

آية السجدة) و هذا الاحتمال بعيد.

[في ذكر مقدّمات ثلاث فى الاحتمال الثالث و الرابع و الخامس]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الخمسة نقول: أمّا الاحتمالات الثلاثة المتأخرة أعنى: الثالث و الرابع و الخامس، فهي احتمالات لا تناسب الرواية أصلا، توضح ذلك يحصل بمقدمات:

المقدمة الاولى: أنّ الظاهر من الأمر باتيان شي ء في العبادة، أو النهي عن فعل شي ء فيها هو كون ذلك الشي ء دخيلا فيها وجودا أو عدما، بمعنى جزئيته أو شرطيته أو مانعيته، مثلا إذا قال (اركع في الصّلاة) أو (لا تتكتف فيها) فالظاهر من الأوّل كون الأمر إرشادا إلى جزئية الركوع لها، و كون الثاني إرشادا إلى كون التكتف مانعا لها.

المقدمة الثانية: لا إشكال في أنّ الظاهر ممّا أخذ في العبادة مثلا في الصّلاة قيدا بنحو الجزئية أو الشرطية أو المانعية، هو كونه مأخوذا في طبيعة العبادة، مثلا إذا قال (لا تتكتف في الصّلاة) فالظاهر منه كون طبيعة الصّلاة مقيدة بعدمها، و كون التكتف مانعا عن حصول طبيعتها.

المقدمة الثالثة: أنّ وزان حرمة قطع الصّلاة ليس وزان الأجزاء و الشرائط و الموانع من حيث ما تقدم في المقدمة الثانية، بمعنى أنّ حرمة القطع لا تتعلق بطبيعة الصّلاة، بل ما

هو متعلق حرمة القطع هو الفرد ليس إلّا، لأنّ المحرم قطع العمل، و هو ليس إلّا الفرد لا الطبيعة، فطبيعة الصّلاة غير مقيدة بعدم القطع بحيث يكون القطع كأحد الموانع لطبيعتها بحيث لا يمكن تحقق الطبيعة بعدها، بل الحرمة تعلقت بفرد، فإذا شرع و صار في مقام امتثال الطبيعة باتيان فرد، فالنهي متعلق بالفرد بمعنى أنّه إذا قطع الفرد الّذي شرع فيه، فهذا الفرد غير قابل لأنّ يصير فردا و ارتكب فعلا محرما،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 192

فمورد تعلق حرمة القطع هو الفرد لا الطبيعة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ظاهر الرواية المتقدمة، أعنى: رواية زرارة، هو تعلق النهي بطبيعة الصّلاة، فقوله عليه السّلام (لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم) يكون مثل ساير النواهي المتعلقة بطبيعة الصّلاة، مثل أن يقول (لا تتكتف) أو (لا تتكلم) فكما أنّ غيرها ظاهر في الارشاد إلى كون متعلق النهي مانعا لطبيعتها، كذلك (لا تقرأ في المكتوبة) يكون إرشادا إلى كون ذلك مانعا لطبيعة الصّلاة، و كون طبيعتها مقيدة بعدمها، و علل ذلك بعلّة و هو أنّ السجود زيادة في المكتوبة، فيكون المراد هو الارشاد إلى أنّه لو قرأت العزيمة في الصّلاة، فحيث أنّ قراءتها ملازم للازم شرعي و هو السجود، لأنّه واجب فورا شرعا إذا قرئها، و إذا سجد توجب السجدة الزيادة، فلا تقرأ حتّى تبتلي بالمانع، و هو الزيادة في الصّلاة فعلى هذا ظهر لك ممّا قلنا أمران:

الامر الأوّل: أنّ ظاهر الرواية هو الارشاد إلى أنّ قراءة العزيمة من باب استلزامه للسجدة، و هي الزيادة في الصّلاة، صارت متعلق النهي، فما هو المانع للصّلاة هو إتيان السجدة لا نفس قراءة العزيمة، و اثره فساد الصّلاة لو أتى بالسجدة

بعد قراءتها، و أمّا لو قرئها و لم يأت بالسجدة إمّا نسيانا أو عصيانا فلا تبطل الصّلاة

الامر الثاني: ظهر لك أنّ الاحتمال الثالث و الرابع لا يمكن استظهارها من الرواية لأنّ الاحتمال الثالث هو كون النهي إرشادا إلى أنّ قراءتها موجبا لابتلاء المصلّي بأحد الأمرين: إمّا ترك السجدة الواجبة، و إمّا فعل المحرم و هو قطع الصّلاة، و على الاحتمال الرابع كان منشأ الحرمة التكليفية المتعلقة بقراءتها هو ابتلائه بأحد الأمرين، و مما بينا ظهر لك أن حرمة القطع حيث يكون متعلقا بالفرد لا بطبيعة الصّلاة، و ظاهر الرواية كون متعلق النهي طبيعتها، فلا وجه لحمل العلة المذكورة في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 193

الرواية على الارشاد بابتلائه إمّا بقطع الصّلاة أو بترك الواجب، لأنّ حرمة القطع غير متعلقة بطبيعة الصّلاة، و الرواية تنهي عن قراءة العزيمة في طبيعتها، فلا بدّ من كون النهي فيها إرشادا إلى ما يفسد الطبيعة لا الفرد، مضافا إلى أنّ الظاهر من الرواية هو كونها في مقام بيان المانعية السجدة، لا الارشاد إلى حرمة قطعها. «1»

و أمّا الاحتمال الخامس، فمضافا إلى بعده في حدّ ذاته، لكونه خلاف الظاهر نقول: بأنّه إن كانت الرواية ناظرا إلى عمل المسلمين خارجا من بنائهم على قراءة سور العزائم و إتيان السجدة عقيبها فكان النهي إرشادا إلى عدم إتيان السجدة عقيب قراءتها في الصّلاة، و كان مفاد الرواية في الحقيقة هو أنّه اترك السجدة في الصّلاة، لا أن يكون قراءتها منهيا عنها، لأنّه لو كان النهى عن قراءتها لكان اللازم ان لا يختص الحكم بخصوص سور العزائم، لأنّ العامة إن أوجبوا السجدة أوجبوها في جميع سور السجدة، و ان استحبوا استحبوها في الجميع، فلا

وجه لاختصاص النهي بالعزائم أعنى: خصوص السور الاربع، فمن هنا نفهم عدم كون نظر المعصوم عليه السّلام الى الاحتمال الخامس:

الاحتمال السادس:

و ممّا بينا لك يظهر أنّ في المقام احتمالا سادسا، و هو ما ذكرنا من كون النهي في

______________________________

(1)- أقول: أمّا ما ذكر مدّ ظلّه من كون حرمة القطع متعلقة بالفرد لا الطبيعة لم يكن خاليا عن الاشكال، لأنّ القطع كالتكتف و آمين و غيرهما ممّا يكون محرّما في طبيعة الصّلاة، غاية الأمر يبطل بسببه الفرد، كما أنّ ساير القواطع هكذا، نعم الظاهر من الرواية هو الارشاد إلى أنّ قراءتها يوجب إيجاد مانع في الصّلاة و هو السجدة، لا أن يكون إرشادا إلى ابتلاء المصلّي إما بترك الواجب أو بفعل المحرم.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 194

رواية زرارة المتقدمة إرشادا إلى المانعية أعنى: مانعية السجدة للصّلاة لا مانعية العزيمة، و أنّك لا تقرأ العزيمة لأنّ لها لازم شرعى و هو السجدة، و السجدة مانع للصّلاة، و ظهر لك بأنّ الاحتمال الثالث و الرابع و الخامس لا يمكن الأخذ بها.

و يظهر لك ممّا مر أنّه لا وجه لاحتمال الأوّل و الثاني أيضا، لأنّ ظاهر الرواية هو كون قراءة العزيمة موجبا للفساد لأجل السجدة، لا أنها لا تصير جزء للصّلاة و أنّ الرواية ترشد إلى فساد الصّلاة، لا إلى عدم قابلية العزيمة لأنّ تصير جزء و كذلك الاحتمال الأوّل، لأنّ في الاحتمال الأوّل كان البناء على حمل الرواية على كون نفس العزيمة مانعا لما قلنا من أنّ الظاهر كون السجدة موجبا للفساد، فهي المانع لا نفس العزيمة.

و يظهر من بعض الاعاظم (المراد شيخنا آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» اختيار كون لسان الرواية هو الحرمة التكليفية، فقوله (لا

تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم) يريد حرمة قراءتها، غاية الأمر ذكر علّة الحرمة و هو كون السجدة زيادة في المكتوبة، فالعلة علّة للتحريم لا للفساد، و لهذا نقول كلما يوجب السجدة يكون محرّما بالحرمة التكليفية، و أمّا فساد الطبيعة بقراءتها فلا نقول بمقتضى الرواية، بل نقول: بأنّه بعد كون قراءتها محرمة بالرواية، فنقول بفساد الصّلاة بقراءتها، لأجل أنّ الكلام المحرم ماح لصورة الصّلاة، أو لدعوى الاجماع على ذلك فعلى هذا نقول بالتفصيل، فنقول: إذا قرء المصلّي العزيمة عمدا تبطل الصّلاة بها، لأجل كونها ماح لصورتها و لو لم يسجد بعدها، و نقول في صورة الاسماع و السماع بعدم بطلان الصّلاة بمجردها. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 164 و 165.

(2)- أقول: تعرض سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى لكلامه رحمه اللّه و لكن لم يجب

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 195

ثمّ بعد ذلك كله هل نقول: بكون ظاهر الرواية، مع العلة المأخوذة فيها، هو كون نفس قراءة العزيمة مانعا و إن لم يتعقبها السجود، فتفسد الصّلاة بمجرد قراءتها، أو نقول: بأنّ الظاهر منها هو كون السجدة مانعا و الرواية فى مقام الارشاد بهذا، فعلى هذا لو قرء العزيمة و لم يسجد لم تبطل صلاته، و إن قرئها فسجد بعدها تبطل الصّلاة، لأنّ السجود زيادة في المكتوبة

اعلم أنّ الاحتمال الأوّل و إن كان احتمالا، لكن ما يستظهر من الرواية الاحتمال الثاني، أعنى: كون النهي في الرواية إرشادا إلى مانعية السجدة للصّلاة

[في ذكر وجوه أربعة فى الباب]
اشارة

ثمّ إنّه يظهر من كلام بعض من الفقهاء قدس سرّه الالتزام بفساد الصّلاة بمجرد قراءة العزيمة و إن لم تتعقبها السجدة ببعض وجوه اخرى:

الوجه الأوّل: هو أنّ قراءة العزيمة

ليست من الكلام الّذي يجوز في الصّلاة فعلى هذا يفسد بها الصّلاة، لأنّ الكلام عدا ما استثنى مفسد للصّلاة.

الوجه الثاني: أنّ ذلك فعل كثير، و فعل الكثير مبطل الصّلاة.

الوجه الثالث: أنّ ذلك ماح لصورة الصّلاة شرعا.

الوجه الرابع: هو أنّه بعد كون المراد من الصحة هو موافقة الأمر فيقال: إنّ

______________________________

عنه، و لكن أقول في جوابه رحمه اللّه بما استفدت من مطاوي كلامه مدّ ظلّه العالي، و هو أنّه نقول اما أوّلا لما اسلفنا من أنّ الظاهر في أمثال هذا النحو من النواهي هو الارشاد إلى مانعية المنهي عنه للمركب، و أمّا ثانيا فلأنّ خصوصية المورد تشهد على عدم كون النهي تحريميا، لأنّ الظاهر من العلة هو كون منشأ النهي كون السجدة زيادة في المكتوبة، و هذا صريح في كون النهي للارشاد، فلو فرض بأنّا لم نقل في أمثال هذه النواهي بأنّها ظاهرة في الارشاد إلى المانعية، ففي خصوص المورد يكون ظاهر العلة كون النهي للارشاد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 196

قراءة العزيمة في الصّلاة موجب للأمر بالسجدة، و مع الأمر بالسجدة يكون المصلّي مأمورا بابطال الصّلاة، و مع الأمر بابطالها لا يمكن له موافقة الأمر بوجوب المضى في الصّلاة، فلا توصف صلاته بالصحة، لأنّ الصحة موافقة الأمر و على الفرض لا يكون مأمورا بالمضى، بل يكون مأمورا بالسجدة، و مع الأمر بالسجدة مأمور بابطال الصّلاة، فلا يمكن له موافقة الأمر بالمضى في صلاته و إتمامه، و بعد عدم هذا الأمر لا تقبل الصّلاة للصحة، و هذا معنى فسادها، لأنّ معنى الفساد ليست إلّا عدم الصحة، فلأجل هذا يقال: بفساد الصّلاة بقراءته العزيمة و إن لم يتعقبها بالسجدة.

و في كل الوجوه نظر: أمّا في الوجه الأوّل

فلأنّ القرآن ليس من الكلام المحرم إلّا أن يدلّ دليل خاص على كون خصوص قراءة العزيمة محرمة، و هذا غير الاستدلال بهذا الوجه، أمّا في الوجه الثاني فواضح، لأنّه ليس ذلك من فعل الكثير المبطل، أمّا في الوجه الثالث فإن كان المراد من قولك هو أنّ قراءته العزيمة ماح لصورة الصّلاة عرفا، فواضح عدم عدّ ذلك عند العرف ماح لها، و إن كان المراد كونها ماح لصورتها شرعا، فلا نفهم معناه، لأنّ الصورة ليست ممّا يتصرف فيها الشرع (بل الشرع لا يبين إلّا ما يكون دخيلا في المأمور به وجودا أو عدما، فإنّ عدّ العزيمة مانعا فتبطل الصّلاة بها و إلّا فلا، و مع قطع النظر من بعض الروايات الّذي يكون الكلام الآن فيه و في دلالته، لا دليل على كون نفس العزيمة مانعا)

[في ذكر الامور فى الوجه الرابع]
اشارة

أمّا في الوجه الرابع فالمراجع بالكلمات يجد أنّ بعض الفقهاء من المتأخرين قدس سرّه و المعاصرين أجابوا عن هذا الوجه بوجوه:

الامر الأوّل:

إنّا لا نسلم أوّلا وجوب السجدة حتّى في هذا المورد، و ثانيا لا نسلم وجوب السجدة عند تلاوة آية السجدة فورا حتّى في ما قرائت العزيمة في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 197

الصّلاة، فبعد عدم وجوبها فورا فلا يوجب ما ذكر من المحظور في الاستدلال، لأنّ ذلك فرع الأمر بالسجدة فورا في الصّلاة، و نحن لا نسلم ذلك.

(و فيه أنّ السجدة واجب حتّى في هذا الحال، و وجوبه فورا واضح، و الشاهد على ذلك قوله عليه السّلام (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) في رواية زرارة، فإنّ لم تكن السجدة واجبة في صورة قراءة العزيمة في الصّلاة أو لم يكن وجوبها فوريا لما تصح العلّة).

[في ذكر الامر الثاني و الثالث]

الامر الثاني: أنّ السجدة في صورة قراءة العزيمة في الصّلاة إمّا تكون واجبة أولا، فإنّ كانت واجبة فلم تكن محرمة و لم تبطل الصّلاة بها، و إن لم تكن واجبة فلا يأتى بها فلا تصير قراءة العزيمة موجبا لفساد الصّلاة، فلا وجه لما قلت من أنّها توجب فساد الصّلاة بتوهم استلزام قراءتها الأمر بالسجدة و مع هذا الأمر يكون المصلّي مأمورا بابطال الصّلاة، و بعد عدم وجوب السجدة لا يترتب هذا المحظور.

الامر الثالث: أنّ ما قلت في الاستدلال من ان قراءة العزيمة موجب لفساد الصّلاة، لأنّ مع قراءتها يصير المصلّي مأمورا باتيان السجدة، و لازم ذلك النهي عن المضى في الصّلاة و هذا متفرع على كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده، و هذا ممنوع، مضافا إلى أنّه لو قلنا بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده نقول: بامكان المضى في الصّلاة و عدم بطلانه بمجرد الأمر بضده و النهي عنه إمّا بكفاية الملاك و إمّا على الترتب.

هذا كله ما قيل

في جواب هذا الاستدلال، و ما يقتضي التحقيق في الجواب بدون حاجة إلى ما قيل هو ما أشرنا في طى كلماتنا، و هو أنّ ما تعلق به الأمر هو طبيعة الصّلاة، لأنّها هي الّتي لاحظها المولى باعتبار المصالح الكامنة فيها، و صارت

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 198

مورد الأمر و ليست الأفراد مركب الأمر و متعلقه، و لهذا لسنا مأمورين إلّا بايجاد الطبيعة، غاية الأمر لا يمكن إيجادها إلّا في ضمن الفرد، و لكن الخصوصيات الشخصية غير دخيلة في غرض المولى، و غير واقعة تحت الأمر، فما تعلق به الأمر هو طبيعة الصّلاة، فعلى هذا نقول: بأنّ الفرد من الصّلاة الّتي يختاره المكلف في مقام الامتثال ليس مورد الأمر أصلا، فإذا شرع المصلّي في الصّلاة فما لم يتم صلاته يكون الأمر بالطبيعة باقيا، و ليس أمر متعلقا بالفرد يدلّ على وجوب إتمام هذا الفرد، بل الأمر بالطبيعة يدعوا نحو الطبيعة حتّى يمتثلها المكلف، فلو قطع الفرد و تركه و لم يتمه فالأمر بالطبيعة باق بحاله.

فيظهر لك ممّا ذكر بأنّه ليس أمر متعلقا بالفرد حتّى تصير قراءة العزيمة الموجبة للامر بالسجدة الموجبة للأمر بابطال الصّلاة بقول المستدل، موجبا لعدم بقاء الأمر بمضى الصّلاة الموجب لعدم ترتب الصحة، و هو معنى الفساد، لما قلنا من أنّ الأمر لم يتعلق إلّا بطبيعة الصّلاة، فمعنى الصحة موافقة المأتى به لهذا الأمر، فلو أتى بالفرد موافقا لنحو صارت الطبيعة مأمورا بها بحيث يكون جامعا لما أخذ فيها وجودا و عدما، فيترتب عليه الصحة، بمعنى أنّ به حصلت موافقة الأمر بالطبيعة، و لو لم يكن الفرد كذلك لا يترتب عليه الصحة، و هذا معنى الفساد، لا أن يكون أمرا بالفرد و

كانت الصحة عبارة عن موافقة هذا الأمر حتّى يقال: بأنّ مع الأمر بالسجدة لا تترتب الصحة و تكون الصّلاة فاسدة لعدم بقاء الأمر بالمضى في هذا الفرد من الصّلاة، حتّى يقال: بأنّ مع الأمر بالسجدة يلزم إبطال الصّلاة المنافى مع الأمر بالمضى، لما بيّنا من أنّ الأمر تعلق بالطبيعة لا بالفرد، فلو أتى بالفرد امتثل الأمر بها، و إلّا فلا، و الأمر بها باق بحاله، فلو قرء العزيمة و أتى بالسجدة لم يتمثل أمر الصّلاة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 199

فلا مجال، لأنّ يقال بأن القراءة موجب لحدوث الأمر بالسجدة الّذي مرجعه إلى الأمر بالابطال المنافي مع الأمر المضى، و مع عدم بقاء الأمر بالمضى لا تترتب الصحة، لأنّ معناها موافقة الأمر، و هذا معنى الفساد لما قلنا: بأنّ الأمر يدعو إلى الطبيعة، فلو صار الفرد موافقا لها تترتب الصحة و يصير الفرد موافقا لما أمر به، و هو الطبيعة، فإنّ أتى بالعزيمة و لم يسجد بعدها عصيانا مثلا و أتم صلاته يترتب على هذا الفرد من الصّلاة الصحّة لانّ هذا الفرد المأتى به صار موافقا لما امر به أعنى الطبيعة المأمور بها، فالصحة غير مترتبة على الأمر بالفرد حتّى يقال الأمر بالسجدة معناه الابطال المنافي مع الأمر بالمضى، فلا تترتب الصحة لما قلنا بأنّ الأمر بالطبيعة لا بالفرد، فإنّ اتى بالفرد امتثل الأمر بالطبيعة و إن كان عاصيا بترك السجدة، و لو اتى بالسجدة فالفرد غير قابل لأنّ يصير منطبق الطبيعة.

إن قلت: بأنّ إتيان العزيمة حيث يكون له لازم شرعى، و هو السجدة، و إتيان السجدة مستلزم لقطع الصّلاة، و هو حرام فمستلزم المحرم محرّم.

فأقول: ليس مستلزم المحرم محرما.

[فى كون رواية زرارة دالّة على وجه المانعيّة]

فانقدح بذلك كله أنّ قراءة

العزيمة بنفسها لا توجب بطلان الصّلاة، نعم لو قرئها و سجد عقيبها تبطل الصّلاة من باب أنّ السجدة زيادة في المكتوبة المستفاد ذلك من رواية زرارة المتقدمة، فالمانع للصّلاة هو السجدة. لا أصل قراءة العزيمة بينّا في مقام الاستفادة من رواية زرارة.

إن قلت: بأنّ رواية سماعة المتقدمة تدلّ على كون قراءة العزيمة بنفسها مانعة، لأنّه قال عليه السّلام فيها (لا تقرأ في الفريضة).

أقول: بأنّ بعد ذكر وجه المانعية في رواية زرارة بأنّ النهي المتعلّق بالقراءة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 200

كان إرشادا الى فساد الصّلاة بالسجدة، فلا وجه للأخذ بإطلاق رواية سماعة لأنّا فهمنا من رواية زرارة كون المانع السجدة لا سببها، و هو قراءة العزيمة

إن قلت: بأنّ الشهرة قائم على بطلان الصّلاة بقراءة العزيمة

نقول: إنّ المقدار الّذي يكون عليه قيام الشهرة هو كون قراءتها منهيا عنها، و أمّا بطلان الصّلاة بها فلم يقم عليه شهرة من القدماء، هذا تمام الكلام في قراءة العزيمة في الصّلاة عمدا.

[في ذكر مسئلة فى الباب]
اشارة

مسئلة: لو قرء العزيمة في الصّلاة نسيانا، مثلا شرع في الفريضة، ثمّ حين قراءته السورة نسي أنّ ما بيده من الصّلاة هي الفريضة، و يتخيل كونها في النافلة و شرع في سورة من سور العزائم الأربع، ثمّ بعد قراءتها تذكر كون ما بيده الفريضة، فما يكون تكليفه، و ما يصنع؟

[في ذكر الاقوال الاربعة فى المسألة]
اشارة

اعلم أنّ الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» في المصباح ذكر في المسألة أقوالا أربعة:

القول الأوّل: ما نسب إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه من أنّه يسجد بعد قراءة العزيمة، و يتم صلاته بعد السجدة

القول الثاني: أنّه يسجد بعد الصّلاة، و هو مختار السيّد رحمه اللّه في العروة.

القول الثالث: أنّه يؤمى بدل السجود، و لا تجب السجدة بعد الصّلاة، و هو مختار بحر العلوم رحمه اللّه في منظومته «2» حيث قال:

و يسجد الداخل فى نفل و في فريضة يؤمى له و يكتفى

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 293.

(2)- الدره النجفية، ص 138.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 201

النصّ و القول به قد يشكل إذ كان في حكم السجود البدل

القول الرابع: الايماء بعد قراءتها في الصّلاة، و السجود بعد الصّلاة.

و يمكن أن يقال: باحتمال خامس، و هو وجوب السجدة فورا و بطلان الصّلاة بعدها، هذا كله الاحتمالات في المسألة.

[في ذكر وجه القول الاول و الثاني]

أمّا الاحتمال الأوّل فما يمكن أن يكون وجها له إمّا كون مختاره عدم كون السجدة مبطلا للصّلاة، و عدم كونها زيادة و هذا واضح الفساد، لما قدمنا من كون صريح رواية زرارة كون السجود زيادة في المكتوبة.

و إمّا عموم بعض الأخبار الدالّ على وجوب السجدة في أثناء الصّلاة.

و هذا أيضا فاسد، لما قدمنا من أنّه لا بد من حمل الأخبار المطلقة على النافلة لو لم نقل بكون ظهورها، أو منصرفها النافلة من رأس، و عدم إطلاق لها يشمل الفريضة و أمّا وجه القول الثاني فهو أن يقال: بأنّه بعد عدم إحراز أهمية السجود من الصّلاة، لعدم استفادة أهميته من رواية زرارة حيث إنّ قوله (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) لا يستفاد منها إلّا أنّه

إذا قرئها يبتلى المصلّي من باب كون لازم شرعى لقراءتها و هو السجدة إمّا بترك الواجب و هو السجدة، و إمّا بقطع الصّلاة، لا أن يكون في مقام بيان أنّك لا تقرأ العزيمة، لأنّك إذا قرأتها يجب عليك سجودها فورا من باب أهميتها على الصّلاة، فإذا لم تكن الرواية دالّة على أهمية السجود على الصّلاة، دار أمر المكلف بين الأخذ بأحد المتزاحمين إمّا إتمام الصّلاة و ترك السجدة، و إمّا إتيان السجدة و قطع الصّلاة، فهو في هذا الحال بحكم العقل مخير بين الأخذ بايّهما شاء، و لكن حيث كان قطع الصّلاة قبل طرود هذه الحالة محرما مسلما، فيشك فعلا في أنّه هل يحرم القطع أم لا، فيستصحب حرمة القطع السابقة، و أثره حرمة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 202

القطع، فمن أجل ذلك يجب إتمام الصّلاة و إتيان السجدة بعدها. «1»

[في ذكر وجه القول الثالث و ردّه]

أمّا وجه قول الثالث فإنّ كان رواية أبي بصير و سماعة المتقدم ذكرهما بأن يقال: بأنّهما تدلان على كون الايماء بدلا عن السجدة، حيث قال عليه السّلام في الاولى (إن صلّيت مع قوم فقرأ الامام «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته، و لم يسجد فأوم إيماء) و في الثانية (و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزك الايماء) بدعوى ظهورهما في أنّ في الصّلاة يؤمى بدل السجود.

فنقول: هذا الوجه فاسد، إذ مفاد الروايتين و إن كان بدلية الايماء عن السجدة، لكن وجهه هو ابتلاء المصلّي بالامام المخالف، فيكون مراده من الرواية هو

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: إن كان وجه هذا القول هذا، أعنى: مجرد عدم إحراز اهمية السجود على الصّلاة، و كون

المصلّي مخيرا بين السجدة و إبطال الصّلاة، و بين إتمامها و إتيان السجدة بعدها، فلازم ذلك ليس تعين تأخير السجدة إلى بعد الصّلاة، بل لازمه هو تخييره بين هذا و بين السجدة و بطلان الصّلاة بها، فلا يثبت بذلك تعين تأخير السجدة و إتيانها بعدها

و إن كان الوجه في ذلك الاستصحاب المتقدم ذكره، ففيه أنّه لا أثر للاستصحاب في المقام، لأنّه لا يثبت إلّا وجوب المضى في الصّلاة، أو حرمة قطعها، و هذا ثابت مع قطع النظر عن ذلك، لأنّه على الفرض يكون أمر المصلّي دائرا بين حفظ واجب و هو السجدة و بين حفظ واجب آخر أو المحرم و هو وجوب المضى أو حرمة القطع، و ليس الدوران إلّا إذا كان التكليف بهما مسلما، فلا حاجة إلى إثبات أحد التكليفين بالاستصحاب، و لا أثر له فعلى هذا يكون أثر هذا الوجه هو التخيير لا تعيين الأخذ بأحد الطرفين إلّا أن يقال: بأنّه بعد حكم العقل بالتخيير لعدم مرجح بين طرفي التخيير، فباستصحاب حرمة القطع يحكم الشرع بعدم جواز القطع و وجوب المضى، فتكون الثمرة هو الأخذ بأحد طرفي التخيير، أعنى: وجوب إتمام الصّلاة و السجدة بعدها، فتأمل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 203

أنّهم حيث لم يجوزوا السجدة في أثناء الصّلاة، فأوم في هذا المقام، و هذا لا يدلّ على بدلية الايماء للسجدة حتّى في ما لم تكن تقية في البين.

و أمّا إن كان وجهه هو ما روى عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة، فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال:

يؤمى برأسه، و رواية 4 من باب المذكور قال و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ

آخر السجدة، فقال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع، ثمّ يقوم فيتم صلاته إلّا أن يكون في فريضة فيومي برأسه إيماء). «1»

فهي و إن كانت دالة على بدلية الايماء عن السجود إذا سمع آية العزيمة، و يمكن أن يقال: بعدم الفرق بين السماع و بين قراءتها نسيانا من باب تنقيح المناط، و هو عدم إتيان السجدة في الصّلاة، و يجاب بها عما أشكل بحر العلوم رحمه اللّه من أنّ الايماء إذا كان بدلا عن السجدة، فهو سجدة في هذا الحال، فما دلّ على كون السجدة زيادة في المكتوبة يشمل الايماء بان يقال: بأنّ هذه الرواية تدلّ على جواز الايماء بدلا من السجدة في الفريضة.

و لكن مع ذلك كله يكون الاشكال في سند الرواية، لأنّ انتساب هذا الكتاب بعلي بن جعفر عليه السّلام غير معلوم و بعض روايات هذا الكتاب و ان ذكر في قرب الاسناد أو غيره لكن هذا لا يوجب الاعتماد بتمام ما في هذا الكتاب فعلى هذا لا يمكن الأخذ بالرواية من حيث الاشكال في السند.

[في ذكر وجه القول الرابع]

و أمّا الوجه الرابع، فهو قول من لم يجتهد في المسألة و قال: بأنّه يؤمى في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 43 من ابواب القراءة الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 204

الصّلاة و يسجد بعدها، لأنّ بهذا يحصل اليقين بالبراءة.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه إن لم يكن الاشكال في سند رواية علي بن جعفر المتقدمة لقلنا بأنّ الحق هو القول الثالث، من أنّه يؤمى و يتم صلاته، و لا تجب السجدة بعد الصّلاة، و لكن الاشكال في سند الرواية كما قلنا، فعلى هذا لا يبعد الاخذ بقول الثاني و هو ان يتم صلاته و

يسجد بعد الصّلاة و تكون صلاته صحيحة لما قلنا في وجه ذلك من انّه مع عدم معلومية اهمية واحد من وجوب السجدة و حرمة قطع الصّلاة على الآخر فباستصحاب حرمة القطع نحكم بوجوب اتمام الصّلاة و إتيان السجدة بعدها. «1»

______________________________

(1) اقول و قد عرفت ما في التمسك بالاستصحاب فعلى هذا ما يأتى بالنظر فعلا هو انّه يقال بأهمية السجدة على الصّلاة تمسكا بقوله عليه السّلام في الرواية بان السجود زيادة في المكتوبة بانّه يستفاد من هذه الفقرة ان قراءة العزيمة توجب السجدة و حيث انّه يجب اتيانها فورا من باب اهميتها على الصّلاة فيوجب اتيانها الزيادة في الصّلاة فان كانت الصّلاة اهمّا منها أو في عرضها من حيث الاهمية فلا يناسب ان يقول هكذا لانه يقرأ العزيمة و لا يأتى بالسجدة فلا توجب الزيادة فإيجاب القراءة الزيادة من باب كون السجدة اهم من إتيان الصّلاة و لكن يمكن دفعه بان قوله عليه السّلام فإنّ السجود زيادة في المكتوبة لا يفيد اهميّة السجدة بل يحتمل ان يكون مراده عليه السّلام هو الارشاد بانك إذا قرأت العزيمة فتصير مبتلى بأحد الأمرين اما بترك السجدة فتركت الواجب و امّا بقطع الصّلاة و فعل المحرم فلا يفيد كون حفظ السجدة أهم من حفظ الصّلاة و عدم قطعها فعلى هذا لا يمكن ان يقال في المقام باتيان السجدة متعينا فيمكن ان يقال بتخير المكلف بين إتيان السجدة و بطلان الصّلاة بناء على كون السجدة زيادة سواء حصل سببه عمدا أو سهوا و بين تركها و المضى في الصّلاة و إتيان السجدة بعدا و لا وجه لأن يقال بعدم اطلاق لادلة وجوب السجدة عند تلاوة العزيمة مثل حال الصّلاة لأنّ العلة

المذكورة في رواية زرارة تدلّ على كون السجدة واجبة عند تلاوتها حتّى حال الصّلاة فعلى هذا في صورة قراءة العزيمة نسيانا لا يبعد كون.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 205

الموضع الثامن:
اشارة

لا تجوز قراءة سورة يفوت معها الوقت اعلم ان ما يتمسك يمكن التمسك به لهذا الحكم وجوه و قبل ذكر الوجوه نقول ان في المسألة قولين الأوّل عدم الجواز و هو منسوب إلى المشهور بين القدماء بل ادعى عليه الاجماع و الثاني الجواز و هو يظهر من كلام صاحب الحدائق رحمه اللّه «1» و بعض آخر فهو قال لم اجد ما يدلّ على تحريم ذلك إذا عرفت ذلك فنقول بان الكلام في جهتين:

الجهة الاولى: في تحريم ذلك و عدم جوازه و الجهة الثانية في بطلان الصّلاة بها فنذكر الوجوه حتّى يعلم بانّه هل يكتفي بكلها أو ببعضها لاثبات أحد الجهتين أو كلاهما أم لا؟:

الوجه الأوّل: التمسك بالرواية الّتي رواها سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمى (قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام في حديث لا تقرأ في الفجر شيئا من ال حم). «2»

و لا يستفاد منها في حدّ ذاتها الا النهي عن قراءة شي ء من (ال حم) في الفجر و امّا كون وجه النهي عنه هو فوت الوقت به او جهة اخرى فغير معلوم و لهذا تمسك بها بضميمة الرواية الّتي رواها سيف بن عميرة عن عامر بن عبد اللّه (قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول من قرأ شيئا من (ال حم) في صلاة الفجر فاته الوقت) «3» بان يقال يستفاد من الرواية الثانية كون منشأ النهي في الرواية الاولى هو فوت الوقت

______________________________

المكلف مخيرا بين إتيان السجدة و ابطال الصّلاة و بين

ترك السجدة و اتمام الصّلاة إتيان السجدة بعد الصّلاة فتأمل جيدا. (المقرّر)

(1)- حدائق جلد 8 صفحه 126.

(2)- الرواية 2 من الباب 44 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 44 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 206

بقراءة (حم).

و لا يخفي عليك ان ظاهر الرواية الثانية لا يستقيم لانه كيف تفوت قراءة حم الوقت، لأنّ وقت الفجر يكون ساعة و نصف تقريبا، و في هذا المقدار يمكن قراءة سورة البقرة مكررا فكيف لا يسع القراءة حم خصوصا (حم دخان).

و قد يقال بان المرد من الوقت هو الوقت الأوّل اى وقت الفضيلة، لأنّ وقتها انقص من قوت الاجزاء (و لا يخفي ان وقت الفضيلة ليس بهذا المقدار من الضيق لا يسع لقراءة حم)

[فى نقل كلام المحقّق الهمداني ره و رده]

و على كل حال قال في مصباح «1» الفقيه بانّه و لو حملت الرواية على وقت الفضيلة، مع ذلك يستفاد من ضم كل من الروايتين إلى الاخرى حرمة قراءة سورة يفوت بقراءتها الوقت، بان يقال المستفاد من الرواية الاولى هو النهي عن قراءة حم، و المستفاد من الثانية كون علّة النهي عن قراءتها هو فوت الوقت بقراءتها، فبعد كون علّة النهي هو فوت الوقت بها فيدور الحكم مدار العلة و نحوتها، لأنّ النهي مسبب عن العلة، فإنّ كان الوقت وقت لا يجوز تأخير الصّلاة عن هذا الوقت فلا يجوز فوت الوقت، و يكون حراما فيكون سبب الفوت غير جائز و محرم أيضا، و ان لم يكن الفوت محرما فلا يكون سببه محرما، فعلى هذا نقول: بان لازم ذلك كون ما يوجب فوت وقت الفضيلة مكروها، و ما يوجب فوت وقت الاجزاء حراما.

ان قلت ان لازم

ذلك استعمال لا تقرأ في الاكثر من معنى واحد و هو التحريم فيما يفوت قراءتها وقت الاجزاء و الكراهة في ما يفوت بها وقت الفضيلة.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه كتاب الصّلاة، ص 295.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 207

اقول كما قلنا في رواية ابن بكير نقول بانّه استعمل في الجامع و القدر المشترك فلا يلزم المحظور، فعلى هذا بهذا النحو يقال بحرمة قراءة ما يفوت به الوقت انتهي، و لكن مع ذلك كله نقول بان استفادة الحرمة من الروايتين مشكل، لأنّ احدهما لا يتعرض إلا للنهي عنها و الآخر لا يستقيم بظاهرها لما قلنا من انّه لا يفوت بقراءته حم الوقت (و حمله على وقت الفضيلة مضافا إلى عدم تماميته أيضا لما قلنا ان بقراءتها لا يفوت وقت الفضيلة لا شاهد له، لأنّ ذلك خلاف ظاهر الرواية فاستفادة هذا الحكم من ضم كل من الروايتين بلا اخرى مع الاشكال الّذي قلنا مشكل.

الوجه الثاني:

ان يقال في وجه تحريم قراءة ما يفوت به الوقت بان السورة، و ان كانت من اجزاء الصّلاة، و لكن ليس ما يفوت به الوقت واجبا، لأنّ وجوبه مستلزم لتكليف المحال فالواجب من السورة هو خصوص سورة لا يفوت بقراءتها الوقت، و ليس ما يفوت به الوقت متعلق الوجوب من رأس، لانّه لو كانت متعلق الوجوب يلزم تكليف المحال، لأنّ المكلف لا يتمكن من قراءته مع حفظ الوقت، فبعد عدم تعلق الوجوب بسورة يفوت قراءتها الوقت، فلو اتى بقصد الجزئية فهو تشريع و التشريع حرام، و امّا إذا قرئها في صلاته لا بقصد الجزئية فيحرم من باب ما استفاد من الروايتين المتقدمتين، فإنّ ظاهرهما و ان كان صورة قراءتها بقصد الجزئية، و لكن العلة كانت فوت

الوقت، فلا فرق بين قراءتها بقصد الجزئية أو بدون قصد ذلك، لأنّ في كلا الصورتين يفوت الوقت.

فحاصل هذا الوجه الاستدلال في صورة قصد الجزئية لحرمتها بعدم كونها متعلق امر الوجوبي الّذي اعتبر السورة جزء للصّلاة، فلو اتى بها بقصد الجزئية

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 208

فتشريع و التشريع حرام، و في صورة قراءتها لا بقصد الجزئية ببركة الروايتين و في هذا الوجه نظر يظهر بادني تأمل، و هو ان ما جعل مقدمة هو عدم تعلق الأمر الّذي تعلق بالسورة في الصّلاة لهذا القسم من السور، ثمّ قيل بانّه لو اتى بقصد الجزئية فتشريع محرم لانها لم تكن جزء حتّى يمكن قراءتها بعنوان الجزئية ليس بتمام، لانّا نقول ان الدليل الدالّ على وجوب السورة في الصّلاة ليس مقيدا بخصوص السورة الّتي لا يفوت بقراءتها الوقت، بل الدليل مطلق، و معنى اطلاقه هو كون الواجب قراءة سورة ما و المكلف متمكن من اختيار اى فرد شاء من أفراد السور فليس الواجب مقيدا بخصوص السور الّذي لا يفوت به الوقت، حتّى يقال بعدم تعلق الوجوب من رأس بالسور الّتي يفوت بقراءتها الوقت و يقال انّه لو قرء هذا القسم بقصد الجزئية فتشريع محرم لما قلنا.

الوجه الثالث:
اشارة

و هو الّذي يخطر بالبال و ذكرنا غير مرة من انّه يشترط و يعتبر في صيرورة الخارج أعنى الفرد الماتى به منطبق عنوان الطبيعة المأمور بها، و حصول الامتثال به في امتثال الطبيعة ان يكون هذا الفرد ممّا يمكن التقرب به إلى اللّه تعالى، و لهذا قلنا في باب اجتماع الأمر و النهي بانا و ان نجوّز الاجتماع و لكن مع ذلك لا نجوّز الصّلاة في الدار المغصوبة، لأنّ من يكون في فعله

طاغيا و عاصيا للمولى كيف يمكن له التقرب بجنابه في هذا الفعل، و لاجل هذا لا تصح الصّلاة في الدار المغصوبة.

فنقول في المقام بانّه بعد ما نرى بان مع قراءة السورة الطويلة يفوت الوقت، فيكف يمكن التقرب بها، و بعد عدم كون هذا العمل ممّا لا يمكن التقرب به فيكون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 209

فاسدا، و وجه عدم امكان التقرب به هو ان المصلّي بهذه الصّلاة المقرو فيها السورة الطويلة ترك الأمر بطبيعة الصّلاة المتعلقة به فعلا، لانّه فعلا مأمور باتيان طبيعتها مع الاجزاء و الشرائط و من جملتها وقوعها في الوقت، فهو بهذه الصّلاة يفوّت الوقت فيعصى الأمر بالطبيعة الواجبة عليه فعلا، و بعد كون هذا العمل عصيانا و طغيانا بالمولى فلم يكن قابلا لأنّ يصير مقربا له فيفسد العمل، و هذا وجه الفساد اى فساد الصّلاة.

[في نقل كلام الشيخ الانصاري]
اشارة

ثمّ ان للشيخ الانصارى رحمه اللّه كلاما في مقام عدم فساد الصّلاة بقراءة سورة يفوت به الوقت، و هو انّه لا يستفاد من النهي الوارد في رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمى مع ضمها برواية سيف بن عميرة عن عامر بن عبد اللّه المتقدم ذكرها إلا حرمة المقدمى، و لو فرض استفادة حرمة التشريعية بل و حرمة الاستقلالية أيضا لا يفسد بقراءتها الصّلاة.

و توضيح كلامه هو ان يقال ان استفاد من الروايتين حرمة المقدمى، و ليس مراده رحمه اللّه من حرمة المقدمى حرمته عقلا، بل غرضه انّه لو استفاد حرمته التشريعية و لكن هو من باب كون قراءتها موجبا لتفويت الوقت المحرم أو يقال باستفادة حرمة التشريعية بمعنى ان السورة الطويلة لا تقبل، لانّ تصير جزء للصّلاة فإذا لم تصر جزء، فاتيانها بعنوان الجزئية

تشريع محرم يقال بحرمة الاستقلالية بمعنى كون قراءتها من المحرمات مستقلا بناء على استلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضده، بانّ يقال بان المكلف بعد كونه مأمورا بالصّلاة في الوقت و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فتكون السورة الّتي بقراءتها يفوت الوقت حرام استقلالا، فكل ذلك لا يوجب فساد الصّلاة ما لم يوجب نقص جزء أو شرط و السورة القصيرة و ان انتفت هنا،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 210

و لكنها ساقطة لضيق الوقت الثابت كونه عذرا و لو كان بسوء اختيار المكلف.

[في ردّ كلام الشيخ الانصاري]

هذا حاصل كلامه رحمه اللّه و اعلم انّه كما قلنا ليس الدليل الدالّ على اعتبار السورة في الصّلاة دالا الّا على اعتبار سورة ما، و هو غير مقيد لا بالقصير و لا بعدم كونها طويلة، فعلى هذا لو قرء المصلّي في ضيق الوقت سورة يفوت به الوقت، فلا يكون إشكال من حيث عدم إتيان الجزء، لأنّ هذه السورة قابلا لأنّ تصير جزء، و لكن مخالفة الأمر بالطبيعة عصيان و محرم، فكما قلنا ليست قراءتها محرمة بمعنى كون العقاب على قراءتها بل العقاب على مخالفة الأمر المتعلّق بطبيعة الصّلاة في الوقت، فليست قراءتها محرمة لا بالحرمة المقدمية و لا التشريعية فيما اذا قرئها بقصد الجزئية، (نعم تصير محرمة بالحرمة التشريعية لو اتى بها بقصد خصوص كونها جزء الأمر و مورده)، و لا بالحرمة الاستقلالية، لما قلنا من استفادتها من الروايتين مشكل فلا تحرم بالحرمة المقدمية و لا التشريعية، لانّها قابلة لصيرورتها جزء لصدق سورة ما عليها، و لا الاستقلالية لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده، بل نقول ان بهذه الصّلاة الّتي يقرأ فيها سورة يفوت معها الوقت خالف الأمر بالطبيعة، و لهذا

ليست الصّلاة الّتي بها يعصي المولى قابلة لصيرورتها مقربا له، و لهذا تفسد فالسر في فساد هذه الصّلاة ما قلنا، فصار حاصل المسألة هو بطلان الصّلاة و فسادها فافهم. «1»

______________________________

(1)- اقول و لكن عندى الحكم بفساد الصّلاة المتضمنة لقراءة سورة يفوت بقراءتها الوقت مشكل لأنّ المكلف بقراءتها عصى الأمر بالطبيعية المشروطة بالوقت فصارت قراءتها مفوتا لفرد من الطبيعة و هو الصّلاة في الوقت و ليس هذا موجبا لأنّ يفسد فردا آخر منها و هو ما بيده من الصّلاة لانّه كما افاده مدّ ظلّه تكون هذه السورة قابلة لصيرورتها جزء غاية الأمر صارت قراءتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 211

الموضع التاسع: هل يجوز العدول من سورة إلى سورة اخرى
اشارة

اختيارا ما لم يتجاوز النصف إلا من و الحجد و التوحيد فانّه لا يجوز العدول منهما الى سورة غيرهما و لو لم بتجاوز النصف الا في يوم الجمعة منهما إلى الجمعة و المنافقين أم لا

[في ذكر المقامات الاربعة فى المورد]

فيقع الكلام في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: هل يجوز العدول من سورة إلى سورة اخرى أم لا؟

المقام الثاني: العدول جائز في خصوص ما لم يبلغ النصف أو لم يزد النصف أو يجوز و ان بلغ الثلثين من السورة أو يجوز و ان تجاوز من الثلثين.

المقام الثالث: هل يجوز العدول من الحجد و التوحيد الى غيرها من السور أم لا؟

المقام الرابع: بعد عدم جواز العدول من الحجد و التوحيد بغيرهما من السور هل يجوز العدول منهما بخصوص الجمعة و المنافقين في خصوص صلاة الجمعة أو يوم الجمعة أم لا؟

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

و قبل بيان الحق في المقام لا بدّ من ذكر الأخبار المربوطة بالمقام فنقول بعونه تعالى ان صاحب الوسائل ذكر اخبار المربوطة بالباب في أبواب ثلاثة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها قال له ان يرجع ما بينه و بين ان يقرأ ثلثيها). «1»

______________________________

موجبة لتفويت واجب آخر و هو الفرد الواجد للوقت فنقول أوّلا لا وجه لفساد الجزء لانّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده و ثانيا على فرض فساد الجزء لا وجه لفساد أصل الصّلاة و المسألة بعد محتاج إلى مزيد تأمل.

(1)- الرواية 2 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 212

و هذه الرواية تدلّ على جواز العدول و تدلّ بظاهرها على جوازه في ما يقرأ ثلثيها و امّا في صورة قراءة الزائد من ثلثيها فلا تدلّ على عدم جواز العدول بل ساكتة عنه.

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن مكي الشهيد رحمه اللّه في الذكرى نقلا من كتاب البزنطي عن أبي

العباس (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في اخرى قال يرجع إلى الّتي يريد و ان بلغ النصف). «1»

و هذه الرواية تدلّ أيضا على جواز العدول و لكن على جوازه و ان بلغ النصف و امّا في الزائد من النصف فيمكن ان يقال بدلالة مفهومها على عدم جواز العدول منها الى الاخرى. «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن الحسن باسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد اللّه بن علي الحلبي و عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن أبي الصباح الكناني و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المثنى الحناط عن أبي بصير كلهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسى فيأخذ في اخرى حتّى يفرغ منها ثمّ يذكر قبل ان يركع قال يركع و لا يضرّه). «3»

و هذه الرواية تدلّ على انّه لو نسى و اخذ في سورة اخرى يجزي و لا يضرّ

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- اقول و يمكن نصفه لأنّ قوله عليه السّلام و ان بلغ النصف) يدلّ على كون النصف المرتبة الخفية و هذا لا ينافي مع كون مرتبة اخفي منه و هي بعد النصف فتأمل. (المقرّر)

(3)- الرواية 4 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 213

ذلك و لا تدلّ على جواز العدول في حال العمد إلى سورة اخرى فالرواية غير مربوطة بما نحن فيه و تكون في مقام بيان حكم آخر.

الرواية الرابعة:

الرواية الّتي لا ربط لها بما نحن فيه «1»، لانّها واردة في الصورة الّتي شرع في قراءة سورة فغلط فيها هل له تركها و قراءة سورة اخرى او يدع المكان الّذي غلط فيه و يمضى في قراءته و هذه الرواية مضافا إلى الاشكال فيها لاجل دلالتها على كفاية بعض السورة تدلّ على جواز العدول في صورة وقوع الغلط في السورة المعدول عنها فلا تدلّ على جواز العدول في حال الاختيار و التمكن من القراءة صحيحا.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عمرو بن أبي نصر (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجل يقوم في الصّلاة فيريد ان يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد و قل يا ايّها الكافرون فقال يرجع من كل سورة الا من قل هو اللّه أحد و قل يا ايّها الكافرون). «2»

تدلّ الرواية على جواز العدول إلا عن الاخلاص و الحجد، و هل لها من حيث الاستثناء لها الاطلاق بمعنى دلالتها بالإطلاق على عدم جواز العدول منهما مطلقا في كل وقت و حال أم لا، لا يبعد عدم إطلاق لها من هذه الجهة، و حيث ان الرواية تكون في مقام بيان جواز الرجوع و العدول من كل سورة إلى غيرها غير السورتين، و ليس في مقام بيان ان عدم جواز الرجوع منهما يكون مطلقا بل تدلّ على الاستثناء في الجملة فتكون هذه الرواية من هذه الجهة مهملة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 36 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 214

الرواية السادسة: و هي ما رواها الحلبي (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام رجل قرأ

في الغداة سورة قل هو الله أحد قال لا بأس و من افتتح سورة ثمّ بدا له ان يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد و لا يرجع منها إلى غيرها و كذلك قل يا ايّها الكافرون). «1»

و اعلم ان أحمد بن محمد بن عيسى لا يمكن ان يروى عن ابن مسكان بدون الواسطة لما بينّا في طبقاتنا، فانّهما ليسا بحسب الطبقة في مرتبة بعد مرتبة الاخرى حتّى يمكن ان يروي أحمد عن ابن مسكان، فلا بدّ من ان يكون بينهما شخص آخر حذف في السند، ثمّ بعد ذلك نقول بانّها تدلّ على جواز العدول إلا من الجحد و التوحيد و لا يبعد كون الاطلاق للرواية من حيث الاستثناء بخلاف الرواية السابقة.

الرواية السابعة: و هي ما رواها في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن جعفر عن اخيه (قال سألته عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له ان يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة الّتي أراد قال نعم ما لم تكن قل هو اللّه أحد و قل يا ايّها الكافرون) «2» تدلّ على جواز العدول إلا عن التوحيد و الحجد.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّه احد قال يرجع إلى سورة الجمعة). «3»

و هذه الرواية تدلّ على جواز الرجوع من التوحيد في يوم الجمعة إلى سورة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 35 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من

الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 215

الجمعة، و هل يستفاد منها جواز العدول منها بالجمعة في خصوص صلاة الجمعة أو يجوز في يوم الجمعة و لو في غير صلاة الجمعة او، لا، اما قوله في الرواية (يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة) فلا دلالة له على احدهما، لأنّ في الجمعة محتمل لأنّ يكون المراد منها نفس صلاة الجمعة، و محتمل لأنّ يكون المراد منها يوم الجمعة، و لكن يمكن ان يقال بان قوله في صدر الرواية (في الرجل) ليس سؤاله عن خصوص صلاة الجمعة، لانّه ان كان السؤال عن صلاة الجمعة كان المناسب ان يقول في الامام لأنّ صلاة الجمعة يأتي بها جماعة و الامام يقرأ، فمن هنا يمكن ان يقال بان المراد يوم الجمعة.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد و انت تريد ان تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة فانك ترجع الى الجمعة و المنافقين منها). «1»

تدلّ على عدم جواز العدول من الاخلاص إلا في يوم الجمعة و فيها يجوز منها إلى الجمعة و المنافقين (و هل الرواية متحدة مع الرواية 6 رواهما الحلبى أم لا).

العاشرة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أراد ان يقرأ في سورة فاخذ في اخرى قال فليرجع الى السورة الاولى إلا ان يقرأ بقل هو الله أحد قلت رجل صلّى الجمعة فاراد ان يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد قال يعود إلى سورة الجمعة). «2»

الرواية الحادى عشر:

و هي ما رواها علي بن جعفر عليه السّلام عن اخيه موسى

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 216

بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ قال سورة الجمعة و اذا جاءك المنافقون و ان اخذت في غيرها و ان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليها). «1»

تدلّ بظاهرها على ان السورة الّتي يقرأ في الجمعة هي سورة الجمعة و اذا جاءك المنافقون، و ان شرع في غيرها قطعها، و ان كان ما شرع فيه التوحيد، و قوله (ما يقرأ في الجمعة) محتمل لأنّ يكون المراد يوم الجمعة أو خصوص صلاة الجمعة.

هذا كله في اخبار الباب، و امّا الفتوى فاحكام الاربعة مشهور كما يظهر من النهاية «2» و بعض آخر من القدماء «3» رحمه اللّه مع اختلاف يسير في كلماتهم في ان العدول يجوز ما لم يتجاوز النصف أو ما لم يبلغ النصف (راجع عباراتهم).

[الكلام فى مقامات أربعة]
[الاول و الثاني]

إذا عرفت ذلك نقول كما قدمنا يقع الكلام في مقامات أربعة:

المقام الأوّل: هل يجوز العدول من سورة الى اخرى أم لا، قد عرفت جوازه من بعض الأخبار المتقدمة ذكرها و هذا واضح في الجملة و هي الرواية 1 و 2 و 5 و 6 و 7 و 10.

المقام الثاني: هل يجوز العدول و ان تجاوز ثلثي المعدول عنه، أو يجوز ما لم يبلغ ثلثيها، أو يجوز ما لم يتجاوز نصفها، أو يجوز في خصوص ما لم يبلغ نصفها.

اعلم ان بعض الروايات كما قدمنا و ان كان له إطلاق من

هذا الحيث، و لكن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 69 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- النهاية، ص 77.

(3)- المبسوط، ج 1، ص 107.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 217

يستفاد من الرواية الثانية جواز العدول ما لم يتجاوز النصف، لانّه قال عليه السّلام يرجع إلى التي يريد و ان بلغ النصف) و به قامت الشهرة لأنّ المشهور عند القدماء قدس سرّه جواز العدول ما لم يتجاوز النصف (و ان تكن الرواية ضعيفة السند فضعفها منجبر بعمل الاصحاب)، و بعد ما قلنا مكررا من ان بناء القدماء كان على ذكر فتاوى المتلقاة عنهم عليهم السّلام، فنكشف من كلماتهم وجود النص، ففي هذا المورد نكشف النص و امّا الرواية الاولى الدالّة على جواز العدول ما لم يتجاوز ثلثيها، فهي مع قطع النظر عن احتمال كون قول المعصوم عليه السّلام ثلثها بدون الياء بين الثاء و الهاء، نقول بانّها معرض عنها عند الاصحاب للشهرة القائمة على خلافها.

[المقام الثالث و الرابع]

المقام الثالث: لا يجوز العدول من سورة الاخلاص و الجحد، و يدل على هذا الحكم الرواية 5 و 6 و 7 و 9 و 10 من الروايات المتقدمة، و ان كانت 9 و 10 متعرضة للااستثناء أيضا.

المقام الرابع: هل يجوز العدول من الاخلاص و الجحد في الجمعة الى الجمعة و المنافقين أم لا؟

اعلم الرواية الثامنة تدلّ على العدول من قل هو اللّه أحد الى الجمعة، فلا تعرض لها لا للعدول من الجحد و لا للعدول الى المنافقين، و الرواية التاسعة تدلّ على العدول من الاخلاص إلى الجمعة و المنافقين، بمعنى انّه لو شرع في الجمعة في الاخلاص في الركعة الاولى من صلاة الجمعة يعدل إلى سورة الجمعة، و ان شرع في

ثانيتها في الاخلاص يعدل منها إلى المنافقين، و الرواية العاشرة تدلّ على العدول في الجمعة من قل هو الله احد إلى الجمعة، و الرواية الحادي عشر تدلّ على العدول من التوحيد إلى الجمعة و المنافقين، فالرواية 8 و 9 و 10 و 11 تدلّ بالصراحة على

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 218

العدول من الاخلاص الى الجمعة أو إليها و الى المنافقين.

و قد يشكل في الجحد بانّه لا دليل على جواز العدول منها في الجمعة الى الجمعة و المنافقين و لكن تقول لا مجال للاشكال فيه:

اما أوّلا: فلان الشهرة قائمة على جواز العدول منها و من الاخلاص في الجمعة إلى الجمعة و المنافقين و هذه كاف في إثبات الجواز.

و ثانيا: قوله عليه السّلام في الرواية 11 (و ان اخذت في غيرها و ان كل قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليهما) يدلّ على العدول من كل سورة إليهما لأنّ قوله (و ان اخذت في غيرها) مطلق فلا يبقى من هذه الجهة إشكال.

[في ذكر بعض الفروع]
اشارة

إذا عرفت ما هو الحق في المقامات الاربعة يقع الكلام في الفروع:

[الاول و الثاني]

الفرع الأوّل: هل العدول من الاخلاص و الحجد إلى الجمعة و المنافقين يكون من باب اللزوم و الوجوب أو يكون من باب الجواز فقط.

اعلم انّه تارة يقال بان في صلاة الجمعة يجب قراءة الجمعة و المنافقين، و يكون مفاده ما دل على العدول منهما إليها هو العدول في خصوص صلاة الجمعة، فيكون العدول منهما إليهما واجبا، و امّا لو لم نقل بذلك فالروايات و ان كان محتملها الوجوب و لكن لا ظهور لها في ذلك، لأنّ قوله في الرواية 8 يرجع أو في 9 ترجع أو في 10 يعود أو في 11 فاقطعها يمكن كون الأمر الواقع عقيب الحظر، بمعنى ان العدول من الاخلاص و الحجد بعد كونه غير جائز، فالامر بالرجوع منهما إلى الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة يكون لدفع توهّم الخطر و لا ظهور لها في الوجوب.

الفرع الثاني: هل يكون مورد جواز العدول من التوحيد و الحجد إلى الجمعة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 219

و المنافقين في يوم الجمعة في خصوص صلاة الجمعة، أو هي و الظهر منها، أو هما و العصر منها، أو هن و الغداة منها؟

لا يخفي عليك ان في الرواية 9 قال (يوم الجمعة) و الرواية 8 قال في الجمعة، و قلنا باحتمال كون المراد من في الجمعة يوم الجمعة، لانّه ان كان المراد خصوص صلاة الجمعة، كان المناسب ان يقول السائل في الامام، لا ان يقول في الرجل، و امّا الرواية 10 فالظاهر منها خصوص صلاة الجمعة، و امّا الرواية 11 فقال فيها (في الجمعة) فنقول انّه و ان كان المصرح في الرواية 9 يوم الجمعة،

و لكن بعد ما كان القدر المسلم من مورد استحباب الجمعة و المنافقين صلاة الجمعة، فلا يبعد كون القدر المسلم في صلاة الجمعة و في ظهرها، لأنّ التعبير ورد غير مرة من الظهر من يوم الجمعة بالجمعة أيضا، فنقول ان القدر المسلم جواز العدول منهما إليهما في صلاة الجمعة و في صلاة الظهر من يوم الجمعة فافهم.

الفرع الثالث:

الظاهر من الأخبار المتقدمة الدالّة على عدم العدول من التوحيد و الجحد، هل هو الحرمة أو الكراهة؟

اعلم ان الظاهر من المشهور كون العدول منهما غير جائز، و لكن قال المحقّق رحمه اللّه في المعتبر «1» بكراهة ذلك، و لعل وجهه هو انّه بعد كون الداعى إلى العدول لدرك الافضل غالبا، فيكون ملاك حكم الشارع في مقام الثبوت هو درك ذلك، و لم يجز العدول منها إلا في يوم الجمعة إلى خصوص الجمعة و المنافقين، لانّهما بمقدار من الفضل لا يكون فيهما ملاك العدول، فيوجب هذا الملاك الكراهة، و لكن حيث ان

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 191.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 220

الظاهر من الروايات و المشهور هو عدم الجواز، فلا يبعد القول بالحرمة لا الكراهة.

الفرع الرابع:

قد يقال بانّه كما ترى يكون مورد كل الروايات الواردة في العدول هو فيمن أراد المصلّي ان يقرأ سورة فقرأ غيرها، ففي هذا المورد يجوّز العدول إلا أحد روايتي الحلبي، و هي الرواية السادسة، فإنّ فيها لم يذكر ذلك أعنى كون إرادة سابقة على قراءة المعدول إليه، و لكن هذه الرواية بقرينة روايته الاخرى و هي الرواية التاسعة المذكورة فيها (و انت تريد ان تقرأ بغيرها) لا تصير موجبا لغير ما يستفاد من ساير الروايات لاحتمال كون روايتى الحلبي واحدة، و لكن الناقلين عنه رواها باختلاف في التعبير لا ان تكونا روايتين، فعلى هذا مورد الروايات هو كون المصلّي أوّلا مريدا لقراءة سورة خاصة ثمّ شرع في غيرها من باب غفلته لما أراد سابقا، فقال بجواز العدول في ذلك المورد، فلا وجه للحكم بجواز العدول في ما إذا شرع في سورة لا عن غفلة بل شرع عامدا ثمّ بدا له

في الأثناء ان يعود الى الاخرى و لكن لا وجه لاختصاص العدول بخصوص هذه الصورة.

اما أوّلا: فلان من يريد قراءته سورة ثمّ يشرع في اخرى ينسى المراد و المقصود الأوّل لا ان يدخل في اخرى بلا قصد و عن غفلة، فمورد الروايات ليس من يدخل في سورة غفلة ثمّ جوّز العدول له منها، فعلى هذا لا يوجب كون المكلف أوّلا مريدا للمعدول إليه، و وقوع ذلك مورد السؤال لاختصاص الحكم بخصوص من يريد أوّلا سورة ثمّ شرع غفلة في اخرى فجاز له العدول منها إلى ما أراد أوّلا.

و ثانيا: نقول بان وجه كون المأخوذ في نوع الاسئلة الواردة في الأخبار صورة الإرادة هو انّه حيث ان الداعى غالبا إلى اختيار سورة خاصة يكون درك

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 221

الفضل و الثواب، فقهرا يختار الشخص كل سورة تكون قراءتها افضل، فيريد اتيانها ثمّ حال الشروع يقرأ سورة اخرى من باب نسيان الاولى، فلاجل هذا أخذ في السؤال صورة الإرادة من باب انّه لدرك الافضل يريد سورة خاصة، ثمّ بعد الشروع في غيرها يبدو له مجددا درك الافضل، فيسأل عن جواز العدول بها و عدمه، فلهذا لا يوجب اختصاص السؤال بهذه الصورة اختصاص الحكم بهذا المورد، فيجوز العدول سواء نسى ما أراد قراءته أوّلا فشرع في اخرى، او لا يكون سبق إرادة بل شرع في سورة ثمّ بدا له في الأثناء العدول إلى سورة اخرى.

[فى الكلام في ما يقتضيه الاصل فى المسألة]
اشارة

إذا عرفت ما هو الحق في المقامات الاربعة و بعض الفروع المتفرعة عليها، لا بأس بصرف عنان الكلام في ما يقتضيه الأصل في المسألة حتّى يرجع إليه في الموارد المشكوكة الّتي لا يستفاد حكمها من روايات الباب، فنقول بعونه تعالى:

قد يقال

بان الأصل عدم جواز العدول إلا في كل مورد ثبت جوازه بالدليل الخاص، اما لأنّ العدول يوجب القرآن بين السورتين، و امّا لاجل ان هذا يوجب الزيادة في الصّلاة.

و لا يخفي ما فيهما من الفساد اما في الأوّل؛

ففيه أوّلا منع كون ذلك قرانا، لانّا لو فرضنا كون إتيان بعض سورة ثمّ إتيان سورة بعدها من صغريات القرآن، و لم نقل بان القرآن عبارة عن إتيان سورة أوّلا بتمامها ثمّ إتيان سورة اخرى أو بعض سورة بعدها، و لكن محل الكلام في القرآن، سواء كان كل مورد اتى الشخص بسورة بقصد الجزئية ثمّ يأتى باخرى بقصد كونها أيضا جزء آخرا كان كل مورد يأتى بهما بعنوان كونهما جزء واحد، فليس مورد العدول من صغرياته، لأنّ في العدول يرفع اليد عن جزئيته السورة الاولى، و يجعل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 222

الثانية جزء، فلم يكن مورد العدول مربوطا بباب القرآن، و ثانيا بينّا كراهة القرآن.

و امّا ما في الثاني، فكون ما اتى من السورة الاولى زيادة، و موجبا لبطلان الصّلاة يكون مبنيا على عدم جوازه، و امّا لو ثبت جوازه و لو من الأصل، فلا مانع منه.

و قد يقال بان الأصل هو جواز العدول.

[في ذكر الامرين فى المسألة]

و المراد من هذا الأصل كما يظهر من بعض العبائر قابل لامرين:

الأوّل: ان يكون المراد من أصالة الجواز هو انّه بعد كون امر المولى و لو امرا ضمنيا بطبيعة السورة، و بعبارة اخرى بسورة ما كما قلنا و لم يبين سورة خاصة فالعقل يحكم بتخيير المكلف بين قراءة اى سورة شاء من السور، و يقال بان إطلاق الأمر يقتضي التخيير، فالمكلف مخير في جعل اى سورة من السور فردا لطبيعة السورة المأمور بها،

فإذا شرع في سورة فله ان يتمها و يتمثل بها الأمر، و له ان يرفع اليد عنها، و يأتى بالاخرى فما لم يفرغ من قراءة سورة تكون مقتضى القاعدة التخيير و هو معنى جواز العدول إلى الاخرى، فهذا وجه كون الأصل جواز العدول.

الثاني: استصحاب التخيير، بمعنى انّه لا إشكال في ان المكلف قبل الشروع في قراءة سورة كان مخيرا بين قراءة هذه السورة و بين قراءة غيرها، فبعد الشروع في السورة الفلانية يستصحب هذا التخيير الثابت له قبل الشروع، و هذا معنى جواز العدول، فباحد هذين الوجهين يقال بكون الأصل جواز العدول إلّا في ما ثبت عدم الجواز. «1»

______________________________

(1)- اقول و يمكن ان يقال بانا نشك في جواز العدول و عدمه و منشأ الشّك هو انّه هل يعتبر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 223

[الكلام فى اتيان السورة]

اذا عرفت ذلك نقول: بان وجه الأوّل فاسد، لأنّ المكلف بعد كونه مكلفا بطبيعة السورة، و لو بالامر الغيري أو الضمني أو الانبساطي، فقهرا يكون له الاختيار في مقام الامتثال لاختيار اى فرد من أفرادها، و امّا بعد اختياره فردا و شرع فيها فبها يتحقّق الامتثال فلا معنى للتخيير، لأنّ عدم تعيين فرد خاص من الطبيعة من ناحية الأمر يقتضي جواز اكتفاء المكلف في مقام الامتثال باى فرد من أفرادها، و امّا بعد الشروع في السورة و امتثال امر المولى باتيان بعض السورة فلا مجال للتخيير، لأنّ ما اتى صار مصداقا للامتثال، فلا يبقى امر حتّى يكون المكلف في اختيار الفرد من المأمور به مخيرا. «1»

اللهم إلا أن يقال بان الواجب هو السورة و امتثال هذا الأمر باتيان السورة، فما لم يأت بها حيث لم يأت بالمأمور به فيكون مخيرا في امتثال

المأمور به بين اى فرد شاء، و هذا معنى جواز العدول، و لكن نقول بانّه كما قلنا في محله بان الأمر بالمركب تعلق به و باجزائه، و لكن ليس الأمر بالاجزاء أمرا مقدميا و لا ضمنيا، بل هذا الأمر الواحد المتعلّق بالمركب انبسط على تمام اجزائه، فتعلقه بالاجزاء يكون بمعنى انبساطه على الاجزاء فبهذا المعنى صارت الاجزاء واقعة تحت الأمر، كذلك نقول بان الاوامر المتعلقة بالأجزاء تكون بهذا النحو، بمعنى ان السورة صارت متعلق

______________________________

في الصّلاة أو في السورة تقيده بعدم تبديل السورة أم لا فيكون المرجع هو البراءة.

(المقرّر)

(1)- (اقول قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث بان الواجب هو السورة فهو و ان شرع في السورة و لكن امتثال الأمر بالسورة لا يتحقّق إلا بعد إتيان تمام السورة فلم يمتثل هذا الأمر بالشروع حتّى يقال بعد الامتثال لا مجال للتخيير فإذا قلت ذلك قال مدّ ظلّه في مقام الجواب).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 224

الأمر و ان كان امرها غيريّا كذلك ينبسط على الاجزاء بمعنى صيرورة الأمر بها منبسطا إلى كل جزء جزء من اجزاء السور، فيكون كل كلمة و آية على هذا مأمورا به بمعنى تعلق الأمر و انبساطه عليها فإذا كان كذلك نقول بان من يشرع في قراءة السورة بقصد امتثال السورة المأمور بها، فكل ما يقرأ من السورة من الكلمات و الآيات تصير امتثالا للمأمور به، و يسقط بمقداره الأمر الانبساطي، فبعد ما شرع المصلّي في سورة و قرء بعضها فبهذا المقدار امتثل الأمر، و بعد صيرورة ذلك المقدار فردا للامتثال و صالحا لأنّ يصير جزء للمركب، فكيف يمكن قلبه عما هو عليه و اخراجه عن هذه الصلاحية، فلا يجوز العدول

بحسب القاعدة، لأنّ معنى العدول قلب ما وقع فرد للامتثال عما هو عليه من صيرورته مصداقا للطبيعة و امتثالا للامر بها، و هذا غير ممكن، فلاجل هذا تكون مقتضى القاعدة هو عدم جواز العدول من سورة إلى سورة اخرى. «1»

______________________________

(1)- اقول كما قلت بحضرته ادام اللّه ظله في مجلس البحث بان من يدعى كون الأصل هو جواز العدول ان كان مراده ما اقول من ان إطلاق الأمر يقتضي تخيير المكلف في اختيار اى فرد شاء من أفراد الطبيعة المأمور بها فلو فرض تمامية ما افدت من كون و زان أبعاض الاجزاء و جزء الجزء وزان الجزء بالنسبة إلى المركب بمعنى كون اعتبار جزء الجزء اعتبار الجزء بالنسبة المركب فكما أن الأمر بالمركب ينبسط إلى الاجزاء كذلك ينبسط امر الجزء و ان كان غيريا الى اجزائه أي جزء الجزء فكما ان من يشرع في الصّلاة فبكل جزء يأتي به يسقط الأمر بالمركب بالنسبة إليه و ان كان سقوط كله مراعى باتيان ما بقى من الاجزاء كذلك من شرع في جزء من اجزائها فبكل مقدار يأتى من جزء الجزء يسقط الأمر بالجزء و ان كان سقوط كل امره مراعي باتيان جميع اجزاء الجزء (و الحال ان ذلك مورد الاشكال في النظر لعدم كون اعتبار جزء الجزء عند العرف اعتبار جزء الكل).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 225

مضافا إلى انّه يقال في الجواب عن الوجه الأوّل المتمسك بجواز العدول بان إطلاق الأمر و ان فرض اقتضائه تخيير المكلف في أفراد الطبيعة و لكن يكون ذلك قبل شروعه في الفرد و امّا بعد الشروع فلا نسلم هذا التخيير. «1»

______________________________

و لكن مع ذلك نقول بان ذلك لا يستلزم عدم بقاء التخيير،

حيث ان المكلف ما لم يمتثل الأمر يكون بالخيار بين امتثال الطبيعة في ضمن اى فرد شاء، ففي المقام ما لم يمتثل الأمر بالجزء و هو السورة لعدم إتيان تمام السورة على الفرض، بل هو مشتغل بها، فالامر بالجزء باق و لو باعتبار ما بقى من اجزائه، فالتخيير الّذي يقتضي إطلاق الأمر بالجزء باق بحاله، فله رفع اليد عما بيده من السورة و اختيار فرد آخر، و لا تقل بان ما وقع من الجزء للجزء و لا يقبل خروجه عن صلاحية الجزئية، فلا يمكن تبديل السورة بسورة اخرى، و اخراج ما وقع من الصلاحية الحاصلة له، لأنّ ذلك لا يوجب عدم جواز العدول حيث ان ما وقع من السورة، و ان كانت قابلة و صالحة لأنّ يصير جزء للسورة، و لكن حيث ان المصلّي لم يأت بما بقى من السورة و له التخيير و تبديل الفرد بفرد آخر في مقام امتثال الطبيعة، فله ان يأتى بما بقى من اجزاء ما بيده من السورة، و له رفع اليد و إتيان سورة اخرى، و لازم ذلك عدم قابلية ما اتى من السورة الاولى، لأنّ تصير فردا للطبيعة المأمور بها.

و الحاصل انّا نقول ان التخيير الّذي يقتضي إطلاق الأمر، باق ما لم يمتثل الأمر و لازم ذلك تخير المكلف إلى ما قبل إتيان السورة، و لو قبل آخر كلمة منها رفع اليد عنها و إتيان سورة اخرى، كما ان هذا التخيير في أصل الصّلاة و إتيان اى فرد من أفرادها و لو لم يكن قطع الصّلاة حراما لقلنا ببقاء التخيير و لو قبل عليكم من فرد من الصّلاة، و كون المكلف مخيرا بين اتمامها و بين رفع اليد

عنها و اختيار فرد آخر فهذا وجه صحيح. و لم يقم ما افاده مد ظله بنظري القاصر فافهم. (المقرّر)

(1)- اقول و في هذا الكلام نظر لانه ان لم يكن الأمر مطلقا فلا بدّ من الالتزام بكونه مقيدا فان ادعى ان إطلاق الأمر لا يقتضي التخيير بعد الشروع فلا بدّ من التزامه بان بعد الشروع يكون الأمر مقيدا بكون الطبيعة في ضمن ما شرع من الفرد و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به بل الأمر باق بإطلاقه و لم يصر مقيدا بكون امتثالها بالفرد الّذي شرع فيه فلا وجه لهذا الكلام.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 226

و امّا الوجه الثاني من الوجهين المتمسك بهما لكون الأصل هو جواز العدول اعنى الاستصحاب بان يقال كان المصلّي قبل الشروع في سورة خاصة مخيرا بين اختيار اى فرد شاء من السور فيستصحب هذا التخيير بعد الشروع في السورة الخاصة و اثره جواز العدول من سورة إلى سورة اخرى ففيه ان المعتبر في الاستصحاب هو بقاء الموضوع و اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة و في المقام ليس الموضوع باقيا لتبدله فإنّ المتيقن تخييره قبل الشروع و قد تبدل ذلك لانه شرع في السورة هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

الموضع العاشر:
اشارة

قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع «1» روى اصحابنا ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذا الفيل و لايلاف، فلا يجوز أفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة.

اعلم ان هذا الحكم مشهور عند الاصحاب كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «2» و السيد رحمه اللّه «3» و الصدوق رحمه اللّه «4» و غيرهم، و يكفي وجها لهذا الحكم هو تسلم الحكم بين القدماء رحمه اللّه لما قلنا غير مرة من

انّه بعد كون بنائهم رحمه اللّه على الاقتصار في كتبهم على ذكر خصوص الفتاوي المتلقاة عنهم عليهم السّلام و كوننا و هم أهل النص و كونهم اللاحظين لبعض المجامع و كتب الحديث الّذي لم يصل إلينا، فمع ذلك كله لو اتوا على شي ء، و الحال ان العامة لم يقل به اصلا، فنكشف ذلك من وقوفهم على نص على هذا

______________________________

(1)- الشرائع، ج 1، ص 83 جواهر، ج 10، ص 20.

(2)- النهاية، ص 77.

(3)- الانتصار، ص 146.

(4)- الهداية، ص 135.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 227

الحكم، فعلى هذا نقول بانهم وقفوا على نص دالّ على الحكم المذكور، و افتوا على طبعة و لهذا قال السيّد رحمه اللّه في الانتصار «1» بان هذا الحكم من متفردات الامامية، و لهذا قال المحقق «2» رحمه اللّه روى اصحابنا.

هذا حال المسألة مع قطع النظر عما في ايدينا من الأخبار.

[في الروايات الواردة فى المسألة]

و امّا الأخبار فنقول: ذكر صاحب الوسائل رحمه اللّه روايات:

الاولى: ما رواها العلاء عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام الفجر فقرأ الضحى و الم نشرح في ركعة). «3»

تدلّ الرواية على نقل فعله عليه السّلام و امّا كون وجه فعله من باب كونهما سورة واحدة، و لهذا جمع بينهما أو كان وجه فعله جواز القرآن بين السورتين فلا دلالة لها على احدهما فلا تدلّ لا على كونهما سورة واحدة، و لزوم الجمع بينهما لو بنى المصلّي على قراءتهما في الصّلاة و لا على عدمه.

الثانية: ما رواها ابن مسكان عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام فقرأ بنا بالضحى و الم نشرح). «4»

و هذه الرواية لا تدلّ على كون قراءتهما في ركعة واحدة أو ركعتين

فلا دلالة لها على ما نحن فيه.

______________________________

(1)- الانتصار، ص 146.

(2)- الشرائع، ج 1، ص 83.

(3)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 228

الثالثة: ما رواها ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن زيد الشحام (قال صلّى بنا ابو عبد اللّه عليه السّلام فقرأ في الاولى الضحى و الثانية الم نشرح لك صدرك). «1»

و هذه الرواية أوّلا قابل لأنّ تحمل على كون قراءة الضحى في الركعة الاولى و الم نشرح في الركعة الثانية من باب جواز التبعيض في السورة فقرأ بعضها في ركعة و قرا بعضها في ركعة اخرى، و ثانيا لا تدلّ إلا على نقل فعله عليه السّلام، و يمكن كون فعله لاجل التقية، و الحاصل انّه مع تسلم الحكم بين الاصحاب تكون الرواية معرضا عنها فلا يعتني بها.

الرابعة: ما رواها الفضل بن الحسن الطبرسى في مجمع البيان (قال روا اصحابنا ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة و كذا سورة أ لم تر كيف و لِإِيلٰافِ قُرَيْشٍ). «2»

و قد ذكر في الباب بعض روايات اخرى و لا حاجة إلى ذكرها، لأنّ كل هذه الروايات لا يكفي لاثبات هذا الحكم المذكور و لا لنفيه، و العمدة هو تسلم الحكم بين قدماء الاصحاب رحمهم اللّه و لو شاء أحد ان يحتاط فالاحتياط إتيان سورة غير هذه الاربع المذكورة في مقام امتثال الأمر المتعلّق بطبيعة السورة في الصّلاة فافهم.

ثمّ ان هنا كلاما آخرا، و هو انّه بعد كون الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذلك بعد كون أ لم تر و لايلاف سورة واحدة، لو

بنى المصلّي على إتيان الم نشرح بعد الضحى، فهل يجوز أو يلزم قراءة البسملة قبل الم نشرح أو لا يلزم أو لا يجوز قراءة

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 229

البسملة، و هكذا في أ لم تر و لايلاف، و بعبارة اخرى يأتي ببسملتين أو بسملة واحدة قبلهما، و هذه الجهة محل كلام و خلاف بين الاصحاب، يظهر من بعضهم عدم الافتقار إلى البسملة (و نسب في البحار هذا القول الى الاكثر، بل عن التهذيب عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة، و عن التبيان «1» و مجمع البيان ان الاصحاب لا يفصلون بينهما) و هذا مختار المحقق رحمه اللّه في الشرائع «2» حيث قال و لا يفتقر إلى البسملة بينهما على الاشهر، و يظهر من بعضهم الافتقار إليها، فهل الحق عدم الافتقار إليها أو الافتقار بها ما يمكن ان يكون وجها للاوّل.

امّا أوّلا فلانه بعد كون الضحى و الم نشرح على الفرض سورة واحدة و هكذا أ لم تر و لايلاف و البسملة تقع في ابتداء السورة فلا افتقار إلى البسملة بين الضحى و الم نشرح، و كذا بين أ لم تر و لايلاف.

و امّا ثانيا بان البسملة لم تكن في مصحف «3» أبي و قراءته اقرب القراءات بقراءته الائمة عليهم السّلام بل في رواية ما يدلّ على انهم عليهم السّلام يقرءون موافقا لقراءته، و امّا وجه لزوم قرأته البسملة فهو ان يقال بعد كون البسملة مذكورة في ابتداء كل من السور الاربع فمقدار المسلم كون هذه السورة الاربع سورتين، و امّا سقوط

البسملة من بينهما فلا وجه له مع كونها مذكورة في المصاحف.

[فى ذكر القول المشهور عند القدماء]

إذا عرفت ذلك نقول بانّه كما بينّا كان عدم الافتقار إلى البسملة بل عدم

______________________________

(1)- التبيان، ج 10، ص 371، مجمع البيان ج 5، ص 507.

(2)- الشرائع، ج 1، ص 73.

(3)- مجمع البيان، ج 5، ص 544.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 230

الفصل بينهما بها مشهورا عند القدماء قدس سرّه لما قلنا من ان ظاهر الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» و في التبيان «2» و ظاهر الطبرسي رحمه اللّه في مجمع البيان «3» ظاهر المحقق رحمه اللّه و ظاهر المجلسي «4» رحمه اللّه هو كون عدم الفصل بينهما بالبسملة مشهورا مثل أصل الحكم بكونهما سورة واحدة، مضافا إلى ان الشافعي من العامة قال (ان البسملة آية من اوّل سورة الحمد بلا خلاف بينهم و في كونها آية من كل سورة قولان: احدهما آية من اوّل كل سورة، و ثانيهما: انّها بعض آية من كل سورة و انها انّما تتمّ بما بعدها فتصير آية، و قال أحمد و إسحاق و ابو ثور و ابو عبيدة و عطا و الزهري و عبد اللّه بن المبارك منهم انّها آية من اوّل كل سورة حتّى انّه قال من ترك بسم اللّه الرحمن الرحيم ترك مائة و ثلث عشر آية، و قال ابو حنيفة و مالك و الاوزاعي و داود منهم ليست آية من فاتحة الكتاب و لا من سائر السور فهم بين من يدعي كونها جزء القرآن و السورة، غاية الأمر بعضهم يقولون بكونها آية مستقلة من كل سورة، و بعضهم بانّها بعض الآية في غير الفاتحة، و امّا فيها فآية بلا خلاف، و بين من يدعى عدم

كونها جزء السور اصلا بل يقرأ تيمّنا و تبرّكا و بعد كون خارجية البسملة بهذا النحو عند المسلمين و هو كون البسملة الواقعة في اوائل السورة غير البسملة الواقعة في وسط سورة النمل، تقع في أوّلها اما من باب جزئيتها للسورة على قول، و امّا يتمنا على قول آخر، بحيث كانت دعوى كون البسملة واقعة في ما بين سورة من السور

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 72.

(2)- التبيان، ج 10، ص 371.

(3)- مجمع البيان، ج 5، ص 507.

(4)- بحار الانوار، ج 82، ص 46.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 231

امر مستنكرا، و كان هذا الأمر عندهم واضحا بحيث ان من يقول بكونها آية من اوّل السور، قال من تركها ترك مائة و ثلث عشر آية فمع فرض كون خارجيتها هكذا عند المسلمين، فهل ترى من بيان كون الضحى و الم نشرح سورة واحدة و كون أ لم تر و لايلاف سورة واحدة إلا عدم كون البسملة فاصل بين الضحى و الم نشرح و بين الفيل و لايلاف لانها سورة واحدة ليست البسملة إلا في اوائل السور، فلاجل ذلك مع تسلم عدم الفصل بالبسملة بين القدماء قدس سرّه نقول بعدم الفصل بها و عدم افتقار بها في مقام القراءة في الصّلاة. «1»

______________________________

(1)- (اقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث اما أوّلا كما قال بعض بعد كون البسملة في ابتداء كل السور الاربع المذكورة في المصاحف فلا وجه لتركها غاية الأمر دلت الروايات على كونها سورة واحدة و لعل وجه تخيل كونها اربع سور لا سورتين هو ما رأوا من ان البسملة في اوائل كل منها فدفع هذا التوهّم بانّها سورتان و ليس الافتتاح بالبسملة دليلا

على كونها اربع لعدم منافات بين الفصل بالبسملة بينهما و بين كونهما سورة واحدة و امّا ثانيا و هو العمدة فهو انّه ان قلنا كما افاد مدّ ظله بان معنى ورود الرواية منهم عليهم السّلام بانهما سورة واحدة هي عدم جواز الفصل بينهما بالبسملة و عدم كون بسملة بينهما و يضم ذلك مع ما هو مسلم عندنا من ان البسملة جزء لكل سورة و من جملة اجزاء القرآن فإذا قلنا بعدم الفصل بينهما بالبسملة و معناه عدم كون هذه البسملة جزء للسورة و اجزاء القرآن المنزل من السماء فمع كونها في المصاحف و كونها من جملة ما بين الدفتين و عدّها من القرآن الكريم فلازم هذه الدعوى كون البسملة الفاصلة بينهما من الزيادات الواقعة في الكتاب الكريم و بعبارة اخرى توجب هذه الدعوى القول بزيادة البسملتين في القرآن و لازم ذلك هو الالتزام بالتحريف في الكتاب العزيز و الحال ان بطلان التحريف بالزيادة فيه من المسلمات عند الخاصّة و ان كان كلام في التحريف بالنقيصة و الحال ان الحق فساد القول بالتحريف بالنقيصة أيضا و امّا ثالثا فيمكن ان يقال بجواز قراءة البسملتين في الصّلاة لو بنى المصلّي على قراءة السورتين من اربع سور المذكورة و الفصل بين السورتين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 232

[في ذكر قول الفقهاء فى الفصل بالبسملة و عدم الفصل]

اعلم ان الشّيخ رحمه اللّه و صاحب مجمع البيان رحمه اللّه و بعض آخر كالمحقّق رحمه اللّه في الشرائع ملتزمون بعدم الفصل بينهما بالبسملة و ابن ادريس «1» رحمه اللّه و المحقّق رحمه اللّه في المعتبر و جمع من المتأخرين التزموا بقراءته البسملة الفاصل بينهما، فمن التزامهم لا يمكن كشف نص على لزوم قراءته مع التزام مثل الشّيخ رحمه اللّه في

التبيان بعدم الفصل

______________________________

بالبسملة لما ورد في الرواية بانّه (اقرءوا كما يقرأ الناس) فلو لم نقل بكون البسملة الفاصل بينهما جزء للقرآن و لكن تجب قراءتها في الصّلاة لاجل ذلك و ان قلت بان اقرءوا كما يقرأ الناس يكون في مقام بيان القراءة على طبق قرأته الناس في صورة اختلاف القراءات لا في مثل المقام قلت بانه لا مانع لشمولها لمثل المورد أيضا و امّا رابعا و هو الوجه الّذي قلت بحضرته مدّ ظلّه في اليوم البعد حين البحث و هو اليوم الاثنين الخامس من جمادى الاولى من شهور سنة 1373 من الهجرة و هو انّه بعد ما نرى من كون البسملة مذكورة بين الضحى و الم نشرح و بين الفيل و لايلاف و بعد كون البسملة على مختارنا جزء للقرآن و آية من كل سورة فالضحى و الم نشرح مع بسملتهما سورة واحدة و كذلك الفيل و لايلاف مع بسملتهما سورة واحدة من القرآن فإذا قال المعصوم عليه السّلام و روى عنه بان الضحى و الم نشرح سورة واحدة أو ان الفيل و لايلاف سورة واحدة فظاهر كلامه عليه السّلام هو كونهما بالوضع الّذي يكون في القرآن أعنى مع بسملتهما سورة واحدة و ان كانت البسملة خارجة فكان المناسب ان يبينه عليه السّلام فنفس ما ورد من كونهما سورة واحدة دليل على احتياجهما ببسملتين و عدم كون البسملة الفاصلة خارجة عنها و الشاهد على صدق مدعانا هو ما ترى من ان في البعض السور المحكوم باحكام لا يقال ان البسملة خارجة عنها مثلا إذا قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين لا يقال ان بسملتهما ليست جزء السورتين بل الظاهر كون السورة بتمامها محكومة بحكم

الكذائي مع بسملتها و ليس هذا إلا من باب ان السورة تشمل للبسملة أيضا ففي المقام بعد ما يقول الضحى و الم نشرح سورة واحدة لا يفهم منه الا كونهما بوضعهما في القرآن و هو كونهما مبدوتان بالبسملة سورة واحدة فافهم ثمّ ان مدّ ظله العالى عطف عنان كلامه حول ما افاده سابقا من عدم الفصل بالبسملة بينهما بعد ذكر القائلين بكلي طرفين في المسألة فقال). (المقرّر)

(1)- السرائر، ج 1، ص 221.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 233

بينها بالبسملة، فعلى هذا نقول يظهر من الفخر الرازي في تفسيره الكبير بان في العامة من يقول بكونهما سورة واحدة و انه لا يفصل بينهما بالبسملة، و على هذا ليس الحكم من متفردات الامامية كما قال السيّد رحمه اللّه (الا ان يقال بان القائل بينهم قليل بحيث لا تعدّ المسألة خلافيا عندهم)، و كما قلنا سابقا كل من يقول منهم بكون البسملة جزء من السور أو يقول بعدم جزئيتها لها بل يذكر تيمنا و تبركا يقول بكون البسملة في ابتداء السور، فعلى هذا ما له الخارجية هو كون البسملة في غير سورة النمل واقعة في ابتداء السور، فلكل سورة بسملة اما جزء أو تيمنا، فمع هذه الخارجية عند المسلمين إذا قال المعصوم عليه السّلام بانّ الضحى و الم نشرح سورة واحدة و الفيل و لايلاف سورة واحدة لا يفهم إلا عدم كون البسملة بينهما بل لهما بسملة واحدة في أوّلهما، و لهذا كما نقل الفخر من يقول من العامة بكونهما واحدة يقول بعدم الفصل بالبسملة، و هذا ليس إلّا من باب ان لكل سورة بسملة واحدة عندهم و بعد كونهما سورة، فليس لهما إلّا بسملة واحدة فلا يبقى منشأ

لتوهّم كون البسملة الفاصلة جزء لها إلّا ممّا يرى في المصاحف الّتي تكون بايدينا انّه كتبت فيها هذه السورة الاربع مع البسملات الاربع، و هذا لا يكفي لاثبات جزئية البسملة الفاصلة بينهما، لانّه بعد عدها سورة واحدة و كون البسملة في اوّل كل سورة فلا يعلم كون البسملة الفاصلة بينهما جزء للقرآن.

ان قلت بان البسملة الفاصلة بينهما صارت سببا لتوهم كونهما سورتين فهذه البسملة ليست خارجة منها.

قلت بعد تنزيل ما ورد منهم عليهم السّلام من كونهما سورة واحدة على عدم فصل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 234

بالبسملة كما فهم الاصحاب، لاجل ما كان معروفا خارجا من كون البسملة في ابتداء كل سورة، لا ما بين السور إلا في سورة النمل، فلا يبقى مجال لتوهم كون البسملة جزء لها و من ذكر البسملة بينهما هو من يقول بكونهما سورتين، و الّا من يقول من العامة بكونهما سورة واحدة يقول بانّه لا يفصل بينهما بالبسملة كما نقل الفخر في تفسيره، فمما ذكرنا يظهر لك ان الحق هو انّه لا يفصل بينهما بالبسملة و لو أراد أحد ان يأتى بها يمكن ان يأتي بها بقصد الرجاء و لا يمكن قراءتها بقصد الجزئية فافهم.

و امّا الاجماع على عدم التحريف بالزيادة في القرآن فمع قول الشّيخ رحمه اللّه بعد الفصل بينهما بالبسملة لا يصح دعوى شمول هذا الاجماع للمورد فلا وجه للاشكال بان القول بعدم الفصل بينهما بالبسملة يوجب الالتزام بالتحريف بالزيادة في الكتاب العزيز المجمع عليه بطلانه لما قلنا من عدم شمول الاجماع للمورد. «1»

الموضع الحادى عشر:
اشارة

اعلم ان وجوب الجهر بالقراءة على الرجال في ركعتي الفجر و اولتين من المغرب و العشاء و الاخفات في غيرها يكون تقريبا من المسلمات

عند الخاصة، و ان خالف في ذلك المرتضى رحمه اللّه، و قال باستحباب الجهر في هذه الموارد، و لا إشكال في كون عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، و كذلك الصحابة و التابعين، و لهذا كان الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها امرا مفروغا عنه عند المسلمين فلو ترى عدم ذكر في كل الروايات أو في بعضها عن الموضع الّذي يجب فيه الجهر من الصلوات أو الاخفات بل يرى ذكر حكمه في الروايات فقط،

______________________________

(1)- اقول كما قلت سابقا الالتزام بعدم الفصل بينهما بالبسملة ممّا لا افهم له وجها وجيها لما قلت سابقا فلا نطيل الكلام باعادته. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 235

يكون ذلك لاجل ما قلنا من كون العمل على الجهر في الموارد المذكورة و الاخفات في غيرها، و مع كون العمل على ذلك فكان محل الجهر و هو ركعتي الفجر و اولتين من المغرب و العشاء امرا معلوما غير محتاج تعرضه في ضمن الاسئلة و الاجوبة في الروايات.

[في ذكر الروايات المربوطة بالباب]

إذا عرفت ذلك كله نعطف عنان الكلام إلى ذكر روايات الباب فنقول بعونه تعالى:

الاولى: و هي تدلّ على بيان ذكر علّة الجهر في ما يجهر و الاحفات في ما يخفت و فيها التعرض لوجوب الجهر في الموارد المذكورة. «1»

الثانية: و هي مشتملة على ذكر علّة اخرى لجعل الجهر في الموارد المعلومة و الاخفات في بعض الموارد. «2»

الثالثة: و يستفاد منها كون المجعول الجهر في بعض الموارد و الاخفات في بعض الموارد. «3»

الرابعة: الرواية 4 من الباب المذكور. «4»

الخامسة: تدلّ على ان فعل الرضا عليه السّلام كان على الجهر في الموارد الثلاثة المذكورة و في صلاة الليل و الشفع

و الوتر و الاخفات في الظهر و العصر. «5»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 236

السادسة: ما رواها زرارة (عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال اى ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الاعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته) «1».

السابعة: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال قلت رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه او قرء في ما لا ينبغى القراءة فيه فقال اى ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه). «2»

تدلّ الرواية السادسة على التفصيل بين ترك الاجهار في ما ينبغي الاجهار فيه، و ترك الاخفاء في ما ينبغي الاخفاء فيه عمدا، فتجب الاعادة، و بين تركه ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى، فلا تجب الاعادة، فمن وجوب الاعادة بترك ذلك عمدا نفهم كون الاجهار في ما ينبغي الاجهار فيه، و الاخفاء في ما ينبغي الاخفاء فيه واجب.

و يستفاد من الرواية السابعة أيضا لكن ليس ظهورها مثل السادسة (و على كل حال لو كنا

و هذه الروايات يستفاد من مجموعها كون الجهر مجعولا، كما في بعضها و واجبا كما في بعضها في الموارد المذكورة، و الاخفاء في غيرها، و عدم التصريح بموضع الجهر و الاخفات، أعنى عدم التصريح بان محل الجهر هو الركعتان من الفجر، و ركعتان من المغرب و العشاء، و الاخفاء في الظهر و العصر لا يضرّ بالمقصود، لانّه بعد معهودية عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة و التابعين على الجهر في هذه الموارد،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 237

و الاخفاء في غيرها تكون الأخبار ناظرة إليها، فإنّ قوله جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه، أو اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، يكون ناظرا إلى ما هو المغروس عند السائل من كون مواضع الاجهار الموارد المذكورة و موارد الاخفاء غيرها.

هذا حال هذه الأخبار، و في قبال ذلك كله الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه ان لا يجهر قال ان شاء جهر و ان شاء لم يفعل). «1»

تدلّ بظاهرها على تخيير المصلّي بين الاجهار في موضع الجهر، و بين الاخفاء.

[في ذكر الفتاوى]

هذا كله الأخبار المربوطة بالمقام، اما الفتاوي: فامّا العامة فالجمهور منهم قائلون باستحباب الجهر في المواضع المذكورة، و المخالف فيهم على ما في التذكرة ليس إلا أبي ليلى فانّه قال بوجوب الجهر كما عليه المشهور من الخاصة، و اما الخاصة فالمشهور بينهم هو وجوب الجهر، بل لم ينقل الخلاف إلا

عن السيّد رحمه اللّه و الاسكافي رحمه اللّه فانهما قائلان بالاستحباب كما ذهب إليه جمهور العامة.

إذا عرفت ذلك نقول، بانّه كما قلنا لا إشكال في كون عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الجهر في المواضع المذكورة، كما ان عمله مسلم عند المسلمين و كان تسلم عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك بنحو وقع الخلاف بين العامة في وجوب قراءة شي ء في الثالثة من المغرب و ركعتي الآخرتين من العشاء و عدمه، فمن يقول منهم بعدم وجوب شي ء يدعي ان من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يسمع شي ء فيها، فعمله مسلم بانّه كان يجهر في المواضع المذكورة فإذا ضم عمله الشريف مستمرا على الجهر مع قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بانّه (صلوا كما رأيتمونى

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 25 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 238

اصلي) تكشف من عمله وجوب الجهر، و لا يقال من ان الفعل اعم من كونه من باب الوجوب أو الاستحباب لما قلنا من ان عمله مع قوله المذكور يفيد الوجوب.

فمما ذكرنا يظهر لك بانّه ان كنا في محيط فقه العامة و اغمضنا عن النصوص الواردة من أهل البيت عليهم السّلام و مشينا على رويتهم، فلا بدّ لنا من الالتزام بالوجوب لا استحباب الجهر، و على كل حال نقول: اما عندنا فقد دلت رواية زرارة المتقدمة ذكرها على نقض الصّلاة و وجوب اعادتها لو جهر في ما لا ينبغى الاجهار فيه، و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، متعمدا و في قبالها دلت رواية علي بن جعفر المتقدمة ذكرها على

عدم وجوب الجهر، و تخيير المكلف بين الجهر و الاخفات، و افتى على طبق الاولى الشّيخ رحمه اللّه و غيره و على طبق الثانية السيّد رحمه اللّه فما نقول نحن في المقام

[في ذكر الوجوه في ما نحن فيه]
اشارة

ما يمكن أن يقال وجوه:

الوجه الأوّل:

ان يقال بانّه بعد كون جمهور العامة قائلين بالاستحباب لا الوجوب، فتحمل رواية علي بن جعفر على التقية، فتكون رواية زرارة بلا معارض.

و فيه، ان حمل رواية علي بن جعفر على التقية مشكل، لانه مع ثبوت عمل مستمر من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الجهر عند العامة، فلا موجب لأنّ يفتي موسى بن جعفر عليهما السّلام على التخيير تقية، لانه لو عرفت العامة التزام الخاصّة بالوجوب لا يوجب محذور للشيعة (و له عليه السّلام فحمل الرواية على التقية مشكل. «1»

______________________________

(1)- اقول لا ينافي ثبوت عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع كون اظهار حكم وجوب الجهر خلاف التقية، لان التقية كانت في اظهار خلاف فتواهم و رأيهم، كما ترى في ساير موارد التقية، فإنّ الشيعة لو اظهروا حكما على خلاف فتوى علمائهم صاروا في معرض الايذاء و ان كان حكمهم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 5، ص: 239

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 239

[في ذكر الوجه الثاني و الثالث]

الوجه الثاني: ان يقال بجمع العرفي بينهما، بان ظاهر رواية زرارة وجوب الاعادة مع عدم الجهر، و رواية علي بن جعفر نص في عدم وجوب الجهر، فيحمل الظاهر على النص و تكون النتيجة هي استحباب الجهر.

و فيه، انّه و ان كان هذا الجمع جمعا عرفيا في حدّ ذاته، و موافقا لما مشينا و قلنا في الأمر من ان امر المولى و بعثه الى فعل من الافعال، و يفيد هذا البعث في حدّ ذاته الوجوب لو لم يصل بيان من المتكلم الآمر على الاستحباب بالتفصيل الّذي قلنا في الاصول،

ففيما ورد طلب في دليل و ورد جواز تركه في دليل آخر فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، و لكن لا مجال لهذا الجمع في المقام، لأنّه و لو فرضت قابلية حمل فعله عليه السّلام في رواية زرارة (و عليه الاعادة) على الاستحباب بقرينة رواية علي بن جعفر، و لكن قوله في رواية زرارة قبل هذه الفقرة (فقد نقض صلاته) غير قابل على الحمل على الاستحباب فلا وجه لهذا الجمع.

الوجه الثالث: هو ان يقال بانّه بعد عدم امكان جمع العرفي بين الروايتين، لأنّ قوله في رواية زرارة (فقد نقض صلاته) صريح في نقض الصّلاة بترك الجهر عمدا، و رواية علي بن جعفر تدلّ على جواز ترك الجهر و لازمه عدم نقض بترك الجهر، فبينهما التعارض.

______________________________

على طبق عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو روايته، ففي المقام بعد كون جمهور العامة قائلين بالاستحباب يمكن كون حكم موسى بن جعفر عليه السّلام على خلاف التقية، لكن يوهن الحمل على التقية من جهة اخرى، و هو ان التخيير معناه كون طرفي التخيير مساويا، و هذا مخالف مع القول باستحباب أحد طرفي المسألة، فالحكم بالتخيير مخالف مع فتوى العامة من استحباب الجهر، فعلى هذا يكون حمل الرواية على التقية مشكل). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 240

نقول بانّه في مقام التعارض حيث انّه لا بد من الاخذ بما فيه المرجح من الروايتين فلا إشكال في لزوم الاخذ برواية زرارة، و طرح رواية علي بن جعفر لكون الشهرة الفتوائية و الروائية على طبق رواية زرارة، فبهذا الوجه نقول بان الحق هو وجوب الجهر في المواضع المذكورة و الاخفات في غيرها، فافهم.

[في ذكر بعض الفروع فى المسألة]
اشارة

ثمّ اعلم ان هنا فروعا:

الفرع الأوّل:
اشارة

في انّه بما يتحقّق الجهر و الاخفات.

قد يقال بان اقل الجهر هو ان يسمع الكلام القريب الصحيح إذا استمع و الاخفات ان يسمع نفسه ان كان يسمع، و قد يقال بان الحق هو كون الجهر و الاخفات من الصفات العارضة للصوت، فيقال صوت جهوري، و لا يبعد كون الأمر كذلك، لانّهما و صفان للصوت، فلو كان للصوت جوهر يقال انّه اجهر في صوته و ان لم يسمعه أحد، و يقال للصوت الّذي لم يكن له جوهر بانّه اخفي في صوته و ان يسمعه أحد، فالميزان في الجهر و الاخفات هو هذا.

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

و امّا الأخبار فلا دلالة لها على إثبات ما استظهرنا، و لا على خلافه فتذكر الأخبار حتّى يظهر لك ذلك فنقول بعونه تعالى بان الروايات هي ما جمعها صاحب الوسائل رحمه اللّه في الباب 33 من أبواب القراءة في الصّلاة:

الاولى: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما اسمع نفسه). «1»

هذه الرواية تدلّ على عدم كتابة القرآن و الدعاء إلا ما اسمع نفسه مطلقا، و لا

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 241

اختصاص لها بخصوص القراءة في الصّلاة، بل لا اختصاص لها بخصوص القراءة و الدعاء و الاذكار في الصّلاة، و الظاهر ان المراد منها بقرينة بعض ما يأتى من الروايات هو انّه لا يكتب إذا كان مثل حديث النفس بان يحرك لسانه، و لكن لا يكون صوت، فإن تدلّ بإطلاقها لحال الصّلاة، فتدل على عدم كفاية ما لا يسع نفسه، اى يكون تحريك لسان فقط، لا ان يكون صوت في البين

مثل حديث النفس فلا ربط لها بما نحن بسدده من تعيين حدّ الجهر و الاخفات، لأنّ غاية ما يمكن دلالتها عليه هو عدم كفاية هذا المقدار، و امّا ما حدّ الجهر و الاخفات فلا تدلّ عليه.

الثانية: ما رواها سماعة (قال سألته عن قول اللّه عز و جل و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها قال المخافة ما دون سمعك و الجهر ان ترفع صوتك شديدا). «1»

و هذه الرواية غير مربوطة بالمقام، لانّها لا تدلّ إلا على ان المخافة ما دون سمعك و الجهر رفع الصوت شديدا، و امّا حدّ الوسط بينهما و هو الجهر و الاخفات الذي نحن بسدده فلا دلالة لها لاحدها.

الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام على الامام ان يسمع من خلفه و ان كثروا فقال ليقرأ قراءة وسطا يقول اللّه تبارك و تعالى و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها). «2»

لا تدلّ الرواية إلا على ان الامام يقرأ قراءة وسطا، و لا دلالة لها على ان ما هو حدّ الجهر و الاخفات فلا تكون مربوطا بالمقام.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 242

الرابعة: ما رواها الحلبي (قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه قال لا بأس بذلك إذا اسمع اذنيه الهمهمة). «1»

تدلّ بظاهرها على كفاية سماع الهمهمة.

الخامسة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته

و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته في غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «2»

ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 52 أيضا مع اختلاف يسير في المتن مع النقل المذكور، و هي هذه (عن علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «3»

نقل صاحب الوسائل الرواية في كل من البابين عن الشّيخ رحمه اللّه و على ما في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه تكون الرواية هكذا (محمد بن أحمد بن يحيى العمركي عن علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما). «4»

السادسة: و هي ما رواها إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في قوله

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 52 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- التهذيب، ج 2، ص 97، ح 365.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 243

عز و جل و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها قال الجهر بها رفع الصوت و التخافت ما لم تسمع نفسك و اقرأ ما بين ذلك). «1»

السابعة: و روى أيضا (القائل علي بن ابراهيم) عن أبي جعفر الباقر عليه

السّلام (قال الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك و الاخفات ان لا تسمع من معك و الا يسيرا). «2»

هذا كله في روايات الباب.

[في ذكر كلمات الفقهاء فى مفهوم الجهر و الاخفات]

ثمّ اعلم بانّه كما قلنا الجهر و الاخفات يكون من صفات الصوت، و ليس معناهما و تفسيرهما سماع الغير الصوت، و سماع النفس الصوت فمن تخيل بان معنى الجهر هو سماع الغير و من الاخفات سماع النفس فكل صوت يسمعه الغير فهو جهر و كل صوت لا يسمعه الغير بل يسمعه النفس هو الاخفات فقد تخيل تخيلا فاسدا، لانه لا يستفاد ذلك لا من الروايات كما عرفت و لا من كلمات من تعرض للمسألة من قدماء فقهائنا قدس سرّه فننقل أوّلا عباراتهم حتّى تعلم ان ما نقول حقا.

قال الشّيخ رحمه اللّه في النهاية «3»، و اذا جهر لا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا، و اذا خافت فلا يخافت دون اسماعه نفسه ذكر في المبسوط «4» أيضا نحوه، و قال في موضع آخر من المبسوط و لا يجوز ان يقرأ في نفسه، بل ينبغي ان يسمع نفسه ذلك

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 33 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- النهاية، ص 80.

(4)- المبسوط، ج 1، ص 108.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 244

و يحرّك به لسانه، و قال المفيد رحمه اللّه «1» في المقنعة بعد ذكر الجهر في الجهرية و الاخفات في الاخفاتية، و لكن لا يخافت بما لا يسمعه اذنبه من القرآن.

اما كلامهما المتقدم ذكره فليس تفسيرا للجهر و الاخفات أصلا، بل هو في الحقيقة بيان المراد من الآية الشريفة وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا

تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا نظير بعض الروايات الواردة في تفسيرها، غاية الأمر بيّن الشيخ رحمه اللّه مورد النهي من كلي طرفي الجهر و الاخفات و المفيد رحمه اللّه ذكر مورد النهي من الاخفات فقط، و لم اجد هذا الحكم و لا تفسيرا للجهر و الاخفات في الكافي و الغنمية و لم و لا في الاقتصاد و الجمل و القعود و جمل العلم و العمل و شرحه و المقنع و الهداية و قال الشيخ رحمه اللّه في التبيان «2» و قوله (و لا تجهر بصلوتك و لا تخافت بها و ابتغ بين ذلك سبيلا) نهى اللّه عن الجهر العظيم في حال الصّلاة و عن المخافة الشديدة و امر ان يتّخذ بين ذلك سبيلا و حدّ اصحابنا الجهر في ما يجب الجهر فيه بان يسمع غيره و المخافة بان يسمع نفسه، و قال المحقق «3» رحمه اللّه في المعتبر: و أقل الجهر أن يسمع غيره و الاخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعا و هو إجماع العلماء و لأنّ ما لا يسمع لا يعدّ كلاما و لا قراءة الخ.

و ذيل عبارة الشّيخ رحمه اللّه في التبيان و عبارة المحقق رحمه اللّه و إن كان في مقام ذكر ما يعتبر في الجهر و الاخفات في القراءة في الصّلاة حيث قال الأوّل: و حدّ أصحابنا الجهر الخ و الثاني: و أقل الجهر أن يسمع غيره و الاخفات أن يسمع نفسه (الخ)، و لكن

______________________________

(1)- المقنعة، ص 141.

(2)- التبيان، ج 6، ص 533.

(3)- المعتبر، ج 2، ص 177.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 245

مع ذلك ليس مرادهما ذكر حدّ الحقيقى للجهر و الاخفات و بيان

المراد منهما و تفسيرهما، بل نظرهما إلى أمر آخر و هو أنّ الجهر و الاخفات الواجبين في القراءة يعتبر فيهما أن يسمع الغير في الجهر و أن يسمع النفس في الاخفات فخصا الجهر و الاخفات الواجبين بهذين الموردين رحمه اللّه.

[في ذكر نكتة لطيفة فى الباب]

فظهر لك ممّا قلنا نكتة لطيفة و هي أنّ ظاهر أخبار الباب و ظاهر كلام الفقهاء ليس تفسيرا للجهر بأنّه ما يسمع غيره و الاخفات ما يسمع نفسه فانقدح بذلك امور:

الامر الأوّل: أنّه إن كان سماع الغير تفسيرا للجهر و سماع النفس تفسيرا للاخفات فلا يبقى مجال للنزاع في تعيين حدّ الصوت و لأن يقال: إنّ الحد في الجهر ظهور جوهر الصوت و في الاخفات عدم ظهور جرس الصوت لأنّه بعد كون الجهر عبارة عن صوت يسمعه الغير و الاخفات عبارة عن صوت يسمعه النفس فيدور الجهر و الاخفات مدارهما.

الامر الثاني: إنّ سماع الغير و سماع النفس ليس تفسيرا للجهر و الإخفات و لا يستفاد ذلك لا من رواية و لا من كلام القدماء رحمه اللّه.

الامر الثالث: من توهّم مثل صاحب مفتاح «1» الكرامة رحمه اللّه من كون كلام الشيخ رحمه اللّه أو غيره تفسيرا واحدا للجهر و الاخفات يكون في خطاء بل خصوا الجهر الواجب بما يسمع غيره، و الاخفات الواجب بما يسمع نفسه، فقيّدوهما بقيد لا أنّ حقيقتهما قائمة بهما كما بينا لك في مطاوي كلماتنا.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 2، ص 365.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 246

[في ذكر المقامات فى المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في مقامات:

المقام الأوّل:

في أنّه هل يعتبر في الجهر الواجب في بعض الصلوات و الاخفات الواجب في بعضها أمر آخر سوى ظهور جرس الصوت و عدم ظهوره أم لا؟ و بعبارة اخرى هل يعتبر في أقل مرتبة الجهر أن يكون بحيث يسمع الغير و في أقل مرتبة الاخفات أن يكون بحيث يسمع نفسه أم لا يعتبر ذلك؟

قد يقال بأنّ مقتضى الرواية الاولى و الثانية المتقدمتان هو اعتبار إسماع النفس في أقل الاخفات، لأنّ مفاد الاولى هو عدم كتابة القرآن و الدعاء في ما لا يسمع نفسه، و لأنّ مفاد الثانية هو كون المخافة المنهي عنها ما دون سمعك، فيستفاد منهما عدم عدّ هذه المرتبة اخفاتا واجبا في الصّلاة و لكن كما بينّا سابقا ليس اسماع الغير دخيلا في حقيقة الجهر و لا إسماع النفس دخيلا في حقيقة الاخفات.

فنقول: أمّا ما قيل من اعتبار السماع النفس في صدق أقل مرتبة الاخفات بأنّ الروايتين تعرضتا لا لخصوص الجهر و الاخفات في القراءة، بل الاولى متعرضة لأقل مرتبة يكتب من القراءة و الدعاء و القراءة أعم من حال القراءة في الصّلاة و غيرها، فتشمل جميع الأذكار الصّلاة و كذلك الثانية تشمل جميع أذكار الصّلاة، و المراد منهما عدم البلوغ بمرتبة لا يسمع النفس، و هل هذا القيد أخذ بنحو الموضوعية بمعنى: أنّه و لو علم القارى بأنّه قرأ اخفاتا، و تحقق الصوت الاخفاتية أى: الهمس في الصوت يجب مع ذلك إسماع النفس أو أخذ بنحو الطريقية بمعنى: أنّ سماع النفس طريق إلى تحقق الصوت بعنوان القراءة الاخفاتية و أمارة عليه رحمه اللّه.

ثمّ إنّ سماع النفس المأخوذ هل يعتبر أن يكون فعليا، أو يكفي تقديرا

بمعنى: أنّه يعتبر ان يسمع النفس الصوت فعلا، و لازمه هو لزوم السماع النفس و إن كان مانع

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 247

للسمع و هذا معنى اعتبار اسماع الفعلي أو يكفي أن يكون الصوت بمرتبة لو لم يكن مانع في البين كان يسمعه نفس المتكلم القاري و هذا معنى اسماع التقديري.

و بعبارة اخرى هل يعتبر في صدق أنّ الشخص أتى باقل الواجب من الاخفات أن يتأثر بسببه مضافا إلى تأثر مقاطع الحروف آلة السمع أيضا أو لا يعتبر ذلك بل يكفي كون تاثر مقاطع الحروف بسببه بحيث لو لم يكن للسامعة مانع يتأثر منه سامعة القاري.

فأقول: لا وجه للالتزام بفعلية السماع بل إن كان السماع معتبرا، فهو معتبر تقديرا بمعنى: أن يكون الصوت بحيث لو لم يكن مانع في البين يسمعه القاري و هذا واضح و بعد ذلك نقول: بأنّه يمكن دعوى دخل ذلك على وجه الطريقية لا الموضوعية بمعنى: كون سماع نفسه أمارة على تحقق الصوت و وجه ذلك هو أنّ الصوت إن كان صوتا فيسمعه نفس المتكلم و بعبارة اخرى إن لم يكن ما يتكلم به مثل حديث النفس بل كان أقل مرتبة الصوت فيكون خارجا قابلا لأن يسمعه نفس المتكلم و حيث لا يكون تفكيك بينهما أعنى: بين أقل مرتبة الصوت و بين اسماع نفسه خارجا، فجعل إسماع النفس أمارة على ذلك فلا يستفاد من الروايتين أخذ اسماع نفسه على وجه الموضوعية بحيث يدور صدق اقل مرتبة الاخفات مداره.

و أمّا اعتبار سماع الغير في أقل الجهر فلا دليل عليه أصلا، نعم بعد ظهور جوهر الصوت في الجهر فيكون الصوت بحدّ من العلو يكون قابلا لأن يسمعه الغير فافهم.

المقام الثاني:

لو فرض اعتبار

سماع النفس فهل المعتبر هو سماع مادة الصوت فقط و إن لم يسمع هيئة الصوت أو يعتبر سماع مادته و هيئة، و بعبارة اخرى

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 248

لو قرأ الشخص آية فهل المعتبر سماع جامع الصوت الّذي يوجد بقراءتها و إن لم يسمع الالفاظ و الكلمات و الحروف، أو يعتبر سماع ذلك، مقتضى الرواية الاولى اعتبار سماع الصوت من المادة و الهيئة، لأنّه قال فيها (لا يكتب من القراءة و الدعاء الّا ما اسمع نفسه) فظاهرها إسماع نفسه القراءة و الدعاء و لا يصدق سماع القراءة و الدعاء إلّا إذا سمع الصوت بمادته و هيئة من الكلمات و الحروف.

و قد يقال: بأنّ الرواية الرابعة المتقدمة تدلّ على كفاية سماع الهمهمة و هو يحصل بسماع مادة الصوت فقط، و بذلك نقول بكفاية سماع الهمهمة، و ليست هذه الرواية معارضة مع الرواية الاولى لأنّ الاولى تكون في مقام بيان أصل اعتبار السماع و هذه الرواية تبين أن السماع اللازم هو سماع مادة الصوت لا المادة و الهيئة معا. «1»

المقام الثالث:

قد مر أنّ ما ذكر من اعتبار سماع الغير في أقل الجهر لا دليل عليه أصلا، و كذا لا يستفاد من الرواية الاولى و الثانية كون سماع النفس دخيلا على

______________________________

(1)- أقول: هذا ما قلت بحضرته مدّ ظلّه في مجلس البحث) و لكن الرواية الاولى يكون لسانها سماع القراءة و الدعاء و سماع الهمهمة لا يكون سماعا للقراءة و الدعاء فلا يمكن أن يقال بكون الرواية الرابعة شارحا لها.

و أمّا الرواية الخامسة من الروايات المتقدمة الّتي نقلها صاحب الوسائل رحمه اللّه في أحد الأبواب بنحو و في باب آخر بنحو آخر عن الشّيخ رحمه اللّه فحيث

إنّ عبارة التهذيب الّتي نقلناها هي هكذا (قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما) فهي تدلّ على عدم لزوم كون صوت أصلا، فلا يمكن الأخذ بها، بل تحمل على ما حملها الشيخ رحمه اللّه من كون ورودها مورد ابتلاء الشخص بالامام المخالف فيكفي في هذا الحال هذا المقدار كما ينادي به بعض روايات اخر فمحمول على التقية. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 249

وجه الموضوعية في أقل الاخفات نعم غالبا لا يتحقّق الصوت إلّا و يسمعه نفس المتكلم ثمّ إنّه لا حدّ لمرتبة الأعلى من الاخفات بل مع عدم ظهور الصوت و عدم ظهور جرسه يصدق الاخفات.

و أمّا حدّ الأعلى من الجهر فالمستفاد من الآية الشريفة وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ. «1»

مع ما ورد من أهل البيت عليهم السّلام في تفسيره، هو النهي عن الجهر العظيم و عن الاخفات بما دون السمع و الأمر بالابتغاء ما بينهما، و النهي إن كان نهيا تحريميا تكليفيا، فلا يجوز أن يجهر جهرا عظيما، و لو جهر فحيث إنّ النهي النهي التكليفي فيدور بطلان الصّلاة و عدمه مدار إخلال ذلك بقصد القربة و عدمه، و على كون النهي وضعيا يكون الجهر بهذا المقدار من العلو من موانع الصّلاة فتفسديه و ليست الآية متعرضة لحدّ الجهر و الاخفات الواجب في الصّلاة بل تعرضت لجهة اخرى و هو حدّ الافراط و التفريط فافهم.

الفرع الثاني [في صلاة الجمعة و صلاة الظهر من يوم الجمعة]
اشارة

: يقع الكلام في صلاة الجمعة و صلاة الظهر من يوم الجمعة من حيث الجهر و الاخفات.

أمّا الكلام في حكم صلاة الجمعة من حيث الجهر و الاخفات فنقول: قال العلّامة رحمه اللّه في المنتهي: إنّه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة

و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه، و الأصل عدمه انتهي

______________________________

(1)- سوره اسراء، الآية 110.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 250

و يظهر من بعض آخر القول باستحباب الجهر فيها، و قد يتوهم أنّ دعوى العلّامة رحمه اللّه من إجماع كل من يحفظ عنه العلم دليل على كون استحبابه إجماعيا.

و لكن كما قلنا في أصل مسئلة الجهر و الاخفات بان جمهور العامة قائلون باستحباب الجهر فيمكن ان يكون التزامهم باستحباب الجهر في صلاة الجمعة من هذا الباب و أمّا الخاصّة القائلون بوجوب الجهر في مواضعها، و الاخفات في مواضعها فلا نسلم فتواهم على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة.

فبعد ذلك نقول: بأنّه كما قلنا في صلاة الجمعة: بأنّ أصلها ثبت بعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ بعد مضى مدة من اقامته صلاة الجمعة نزلت الآية الشريفة (يا ايّها الذين آمنوا إذا نودى الخ) فالمقصود من النداء في هذه الآية هو النداء المخصوص للجمعة المخصوصة كان إمامها رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكيفية خاصة و آداب مخصوصة فلا يبقى وجه للتمسك بهذه الآية لوجوب صلاة الجمعة مطلقا و لو كان مناديها كل من كان و وضعها في الاسلام فالصّلاة الجمعة الّتي يجب السعي إليها إذا نودي لها هي التي أقامها رسوله، و من له الأمر من بعده.

و لهذا يرى من وضع انعقادها من الصدر الأوّل من الاسلام إلى الحال عند الخاصة و العامة أنّ من يقيمها، و من بيده أمرها هو الخليفة ففي هذا الحيث لا يكون اختلاف بيننا و بين العامة و إن كان الاختلاف في أنّهم يقولون أنّ الخليفة هو الفلان و الفلان ثمّ

الفلان ثمّ على عليه الصّلاة و السلام ثمّ من يكون أمر خلافة المسلمين و رياستهم بيده و نحن نقول: بأنّ بعد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تكون الخليفة إلّا من نصّ عليه اللّه و رسوله و هو على و أولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

[في وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة]

فكما أنّ أصل صلاة الجمعة ثبت بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذلك ما يكون مسلما من فعله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 251

هو أنّه جهر بالقراءة فيها و لم ينقل من أحد بانّه اخفي في قراءة صلاة الجمعة فبعد عمله المستمر من الجهر في قراءتها نكشف وجوب الجهر في صلاة الجمعة كما قلنا في أصل المسألة فكما أنّ الجهر في الغداة و في الأوليين من المغرب و العشاء ثبت بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجوبه، هكذا يثبت من فعله في صلاة الجمعة و مداومته على الجهر بالقراءة فيها كون الجهر واجبا، خصوصا مع قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (صلّوا كما رأيتموني اصلّي فعلى هذا ما ينبغي أن يذهب إليه هو وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة.

هذا بالنسبة إلى حكم صلاة الجمعة من حيث الجهر و الاخفات في قراءتها و أمّا حكم صلاة الظهر في يوم الجمعة من حيث الجهر و الاخفات في قراءتها فمحل خلاف فهل نقول بالجواز أو بوجوب الجهر أو نقول بوجوب الاخفات فيها، أو نقول بالتفصيل بين الجماعة و الفرادى؟

[في ذكر الروايات الواردة فى الباب]

اعلم أنّ المراجع في الروايات يرى أنّ لسان الأخبار مختلف في المقام فنذكر أوّلا الأخبار الواردة في المسألة ثمّ نذكر ثانيا ما هو الحق في المقام إن شاء اللّه، فنقول بعونه تعالى شأنه:

الاولى: ما رواها عمران الحلبي (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم، و القنوت في الثانية). «1»

تدلّ على جواز الجهر في صلاة الظهر من يوم الجمعة.

الثانية: و هي ما رواها الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا، أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم، و قال: اقرأ سورة الجمعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 252

و المنافقين في يوم الجمعة). «1»

تدلّ على الجواز في صلاة ظهر الجمعة إذا صلّى وحدة.

الثالثة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال لنا: صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال: اجهروا بها). «2»

تدلّ بظاهرها على وجوب الجهر بالقراءة في الظهر من الجمعة و الانكار الّذي فرضه السائل يحتمل أن يكون مراده إنكار العامة لهم و يحتمل أن يكون مراده إنكار الخاصة لهم من باب كون عدم الجهر بها معروفا عندهم. «3»

الرابعة: ما رواها محمد بن مروان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ قال: تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهرا). «4»

يحتمل أن يكون المراد إتيان صلاة الجمعة في السفر و الأمر بالجهر بالقراءة فيها، و يحتمل أن يكون المراد الظهر و أنّ القراءة فيها تكون جهرا.

الخامسة: ما رواها جميل (قال: سألت أبا عبد اللّه عن الجماعة يوم الجمعة في

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- أقول: و لكن إن كان المراد إنكار العامة لهم فكيف قال عليه السّلام مع ذلك (اجهروا بها) لأنّ مع إنكارهم تجب التقية كما أنّ حمل الانكار على إنكار الخاصّة بعيد من باب أنّ الخاصّة كيف ينكرون

على عمل مثل محمد بن مسلم رحمه اللّه. (المقرر)

(4)- الرواية 7 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 253

السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر و لا يجهر إمام فيها بالقراءة إنّما يجهر إذا كانت خطبة). «1»

السادسة: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه أيضا عن حسين بن سعيد عن العلاء عن محمد بن مسلم (قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في الظهر و لا يجهر الامام فيها بالقراءة و إنّما يجهر إذا كانت خطبة). «2»

اعلم أنّ السند إن كان كما ذكر صاحب الوسائل عن الشّيخ رحمه اللّه تكون الرواية مرسلة، لأنّ حسين بن سعيد لا يمكن أن يروي عن العلاء بلا واسطة، لأنّه في طبقة لا يروي عنه بلا واسطة و يحتمل كون الروايتين أعنى: الخامسة و السادسة رواية واحدة لقرب كل واحد منها بالآخر من حيث المتن فروى جميل من باب علمه بصدور الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من باب استماعه مثلا عن محمد بن مسلم و هذا احتمال صرف لا أن يدعي علم أو ظن على كونهما رواية واحدة هذا، ثمّ إنّهما تدلّان في حدّ ذاتهما على أنّ الامام لا يجهر في صلاة الظهر و إنّما الجهر يكون في صلاة الجمعة.

هذا كله روايات الباب، ثمّ اعلم بأنّه كما قلنا كان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالجهر في القراءة في صلاة الجمعة و أمّا في صلاة الظهر من يوم الجمعة فلا ندري نحوة عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنّه هل جهر فيها بالقراءة أو لا، نعم يمكن أن يقال:

بأنّ عمل المسلمين خارجا كان على الاخفات فيها، و يقال: بأنّه مع كون عمل المسلمين على الاخفات فيها مع عمومية الابتلاء بها، فإن كان الأمر على خلاف ما عليه المسلمون لكان

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 73 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 254

اللازم بيانه، فمن ذلك نكشف كون الواجب الاخفات في القراءة فيها.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني ره و ردّه]

فما ذكر الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المقام من أنّه إن كان الجهر واجبا مع عموم الابتلاء كان اللازم ذكره مع كون المسلمين على خلافه و لكن هذا لا ينافي استحباب الجهر إذ ربّ مستحب يكون العمل على خلافه أعنى: لم يعملوا به مع استحبابه فكون عمل المسلمين على الاخفات لا ينافي مع الاستحباب «1» ليس في محله لما قلنا من أنّ عمل الخارجي إن كان هو الاخفات كما يظهر من الرواية الثالثة المتقدّمة من كون الجهر أمر مستنكرا عند المسلمين فمع عموم الابتلاء و عدم ردّ ظاهر يكشف ذلك عن عدم كون الجهر مطلوبا وجوبا و لا استحبابا «2» و على كلّ حال نقول: بأنّ لسان روايات الباب كما عرفت مختلف فبعضها يدلّ على وجوب الجهر و بعضها على حرمته فهل يمكن أن يجمع بينهما بجمع عرفي أولا؟

قد يقال: بامكان الجمع و رفع التعارض من بين بدعوى أنّه بعد كون الجهر في صلاة الجمعة واجبا كما مر منا، يقال: بأنّه يحمل رواية الجميل و محمد بن مسلم الدالّتان على النهي عن الجهر فيها على نفي الوجوب بقرينة روايات الآمرة بالجهر فيها، بأن يقال: إنّ مفادهما بقرينة هذه الروايات هو أنّ الجهر

يكون واجبا إذا كانت

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 300.

(2)- أقول: الحق عدم دلالة كون عمل المسلمين على الاخفات بمجرده دليلا على نفي وجوب الجهر كما قال في المصباح و لا على كون الاخفات هو الوظيفة كما أفاد سيدنا الاستاد مد ظله العالى، لأنّه مضافا إلى امكان منع العمل هكذا، نقول: ليس العمل دليلا على كونه مستندا عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمّا عدم بيان رد عملهم من ناحية المعصوم عليه السّلام فأوّلا يمكن أن يكون لأجل التقية و ثانيا يكفي بيانا بعض الروايات المتقدمة الدالّة على جواز الجهر و وجوبه فيها. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 255

خطبة يعنى: تكون الصّلاة صلاة الجمعة و أمّا إذا كانت ظهرا فلا يجهر فيها الامام أى: لا يجب الجهر فيها.

أو يقال بقرينة روايات الدالّة على الجواز بأنّه و إن قلنا بأنّ الجهر في صلاة الجمعة مستحبا، فالنهي عن الجهر يحمل على عدم الاستحباب و لا ينافى عدم الاستحباب مع الجواز بمعنى الاعم.

أو يقال: بأنّ النهى عن الجهر في الروايتين في صلاة الظهر من يوم الجمعة يكون في مقام دفع توهّم الوجوب فلا يكون نهيا تحريميا، فتكون نتيجة الجمع هو عدم حرمة الاخفات و عدم وجوبه غاية الأمر إن قلنا بوجوب الجهر في الجمعة فالنهي عن الاخفات في ظهرها لا تدلّ إلّا على عدم وجوب الجهر فيها بقرينة ما يقابلها من الروايات فلا ينافي النهي مع استحبابها، خصوصا إن كان النهي دفعا لتوهم الوجوب و إن كان الجهر في صلاة الجمعة مستحبا، فمعنى النهي عن الجهر في ظهرها هو عدم استحباب الجهر فيها، فبقرينة باقى الروايات نقول بجواز الجهر لا باستحبابه فعلى

كل حال يرفع اليد عن ظاهر النهي في الخبرين بالنصّ على الجواز في ساير الروايات و هذا جمع عرفي يقال في مقامات كثيرة.

[فى الجمع بين الروايات]

و لكن في الجمع بين الطائفتين من الروايات بهذا النحو تأمّل لأنّه مع تأمل في رواية جميل و محمد بن مسلم الدالّتان على حرمة الجهر في حدّ ذاتهما يرى أنّهما غير قابلين لهذا الجمع و العرف لا يساعد معه، فإن محمد بن مسلم أو جميل الراويان للروايتين بعد ما سمعا الكلام عن المعصوم عليه السّلام هل فهما من قوله (و لا يجهر الامام) عدم وجوب الجهر على الامام حتّى يقال: بأنّ النهي قابل للحمل على عدم وجوب الجهر أو لم يفهما منه إلّا عدم جواز الجهر فالعرف بعد ما يراجع هذا النهي و يراجع الأمر الوارد بالجهر في الطائفة المعارضة لهاتين الطائفتين هل يرى أنّ المتكلم فيهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 256

أراد شيئا واحدا، و هو عدم الوجوب أو يفهم التعارض بين الأمر بالجهر و النهي عنه فما يأتي بالنظر هو التعارض بين الطائفتين و عدم كون هذا الجمع عرفيا.

اذا لا يمكن الجمع بينهما بهذا النحو المذكور و تكون متعارضين فكما حقق في محلّه إن كان لاحدهما مرجح من المرجحات يصير سببا لترجيحه و طرح ما يقابلها، و إلّا فالحكم هو التخيير أو التساقط على الكلام فيه فعلى هذا نقول: بأنّ الترجيح يكون مع رواية محمد بن مسلم و جميل لأنّ المشهور أفتوا على طبقهما بل كان عليه عمل المسلمين كما ينادي بذلك الرواية الاخرى من محمد بن مسلم المذكورة في ضمن الروايات المتقدمة الدالّة على أنّ الجهر كان أمرا مستنكرا، فالترجيح معهما، فكما قلنا سابقا في حاشية العروة: الحق هو

الاخفات فإنّه لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من كونه أحوط. «1»

الفرع الثالث: لا إشكال في عدم وجوب الجهر على النساء
اشارة

في ما يجب الجهر فيه على الرجال لدلالة بعض الروايات عليه «2»، لأنّ الرواية الثالثة منها تدلّ على عدم وجوبه عليهنّ، مضافا إلى كون ذلك مفتى به الأصحاب.

و ليس الوجه في ذلك ما قيل: من أنّ في الروايات قال (رجل) فلا يجب الجهر على النساء لأنّه إن كان المدرك هذا فقط فليس ذكر الرجل مخصّصا مثل ساير الموارد.

______________________________

(1)- أقول: أمّا أوّلا ما أفاده مدّ ظلّه من عدم إمكان جمع عرفي بين الطائفتين من الروايات بحمل النهي الوارد في رواية جميل و محمد بن مسلم على عدم الوجوب بقرينة الأخبار المجوّزة فتكون نتيجه الجمع جواز الجهر. (المقرّر).

(2)- فارجع الباب 31 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 257

[العمدة في عدم وجوب الجهر على النساء]

و العمدة ما قلنا من أنّه أوّلا تدلّ عليه رواية علي بن جعفر المذكورة «1» و ضعف سند الرواية الدالّة على ذلك تنجبر بعمل الاصحاب فلا مجال للاشكال في عدم وجوبه عليهن.

و ثانيا اشتهار ذلك بين الأصحاب.

و أمّا وجوب الاخفات عليهنّ فلا وجه له لعدم دليل عليه (و الأصل البراءة عن الوجوب) نعم جهرها مع سماع الأجنبي صوتها، فإن قلنا بعدم إشكال في إسماع صوتها فلا إشكال و أمّا إن قلنا بعدم جواز إسماع صوتها الاجنبى فحيث إنّ التكليف باخفاء صوتها عن الأجنبي يكون حكما تكليفيا لا وضعيا، فيدور فساد صلاتها في صورة الجهر مع إسماع صوتها الاجنبي و عدم فسادها، مدار منافات الجهر مع قصد التقرب و عدمه، لأنّ الجهر منهي فمع كونه منهيا عنه لا يصير مقربا و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي لما قلنا غير مرة من فساد صلاتها من باب عدم كون صلاتها مقربا فى هذا الحال فافهم.

الفرع الرابع: لو جهر في موضع الاخفات أو اخفى في موضع الجهر
اشارة

فهل تبطل الصّلاة أولا؟ و قبل الشروع في بيان حكم المسألة و جهاتها نذكر الروايتين المربوطتين بالمقام فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و اخفي في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال: أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الاعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري، فلا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 31 من ابواب القراءة فى الصلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 258

شي ء عليه، و قد تمت صلاته). «1»

الثانية: ما رواها حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي

الجهر فيه، أو أخفى في ما لا ينبغي الاخفاء فيه، و ترك القراءة في ما ينبغي القراءة فيه، أو قرء في ما لا ينبغي القراءة فيه، فقال: أىّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه). «2»

[في ذكر مقامات فى المسألة]
اشارة

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المسألة في مقامات:

المقام الأوّل:
اشارة

لا إشكال في شمول الرواية من جهر في موضع الاخفات أو بالعكس ساهيا أو ناسيا، أو لا يدري و تذكر بعد الصّلاة، فلا يجب عليه الاعادة، و كذا لو تذكر بعد مضى محل تداركه، مثل ما إذا دخل في الركوع، لأنّه لو كان الجبران و إتيان القراءة واجبا عليه يلزم إعادة الصّلاة لأنّه بعد الصّلاة أو بعد الدخول في الركن إن كان الجهر في موضع الاخفات أو الاخفات في موضع الجهر غير مغتفر فتجب اعادة الصّلاة و المستفاد من الرواية عدم وجوب إعادتها إذا وقع ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري.

و أمّا لو جهر في موضع الاخفات، أو أخفي في موضع الخبر ناسيا أو ساهيا أو لا يدري و لم يمض محل التدارك مثل ما فعل ذلك و لم يدخل بعد في الركوع، أو أتى ببعض الفاتحة أو السورة كذلك و الحال أنّه في بعضها الاخرى مثلا في صلاة الغداة قرء (الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ) إخفاتا، و تذكر و هو مشغول بقراءة (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) فهل يجب عليه تدارك ما قرء على خلاف النحو الواجب عليه أولا، بل وقع ما وقع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 259

صحيحا و لا شي ء عليه.

اعلم أنّ مفاد الرواية الاولى هو أنّ من جهر في موضع الاخفات أو العكس إن كان عن عمد فقد نقض صلاته و عليه الاعادة و مفهوم ذلك و هو الّذي أداه عليه السّلام بنحو المنطوق و ذكرها و فرع بفاء التفريع و هو أنّه إن كان

ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته فإذا نظر إلى الفقرتين الواقعتين في جواب السؤال يرى أنّ مفاد الفقرة الاولى حكم أداه بصورة المنطوق و حيث كان لهذا المنطوق مفهوما، فتعرض له و صرح به في الفقرة الثانية فكلما اعتبر من القيود و الأحكام في الفقرة الاولى اعتبره في الفقرة الثانية، غاية الأمر في الأولى ذكر قيدا و هو العمد و حكم بحكم و في الثانية مع عدم القيد المذكور حكم على عدم الحكم المذكور في الفقرة الاولى.

فعلى هذا نقول: بأنّه بعد الحكم بوجوب الاعادة في الفقرة الاولى إذا فعل ذلك متعمدا، فقهرا نفهم أنّ مورد المفهوم يكون كل مورد كان قابلا للاعادة نفاها فعلى هذا لا بد و أن تكون الفقرة الثانية متعرضة لكل صورة لو لم يكن الحكم بعدم الاعادة كانت مورد الاعادة، و بعبارة اخرى لو لم يكن حكم الشارع بعدم شي ء عليه و إتمام صلاته لكان اللازم عليه اعادة الصّلاة غاية الأمر نفي الاعادة فلازم ذلك هو كون الصورة الثانية و هو ما فعل ذلك ساهيا ناسيا أو لا يدري و تذكر قبل مضى محل تداركه غير داخل في الفقرة الثانية من الرواية لأنّ في هذه الصورة لا يوجب فعل ذلك لا عادة الصّلاة بل الواجب إعادة ما قرأ على غير ترتب الواجب عليه من الجهر أو الاخفات.

و بعبارة اخرى نكشف من الأمر بالاعادة في الفقرة الاولى من الرواية أنّ مورد الثانية لا بد و أن يكون كل مورد يوجب عدم اغتفار الجهر في موضع الاخفات

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 260

أو العكس إعادة الصّلاة فحكم عليه السّلام بعدم وجوب الاعادة و هذه الصورة خارجة

عن المفروض في الفقرة الثانية و لأجل هذا نقول: بعدم شمولها لها «1».

و السؤال و إن كان مطلقا و الفقرة الاولى و إن كانت تشمل هذه الصورة و لكن (عليه الاعادة) في الفقرة الاولى يوجب تخصيص الحكم في الفقرة الثانية (بأنّه قد

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ قوله عليه السّلام في الفقرة الثانية (لا شي ء عليه) يدلّ على عدم شي ء عليه إذا فعل ذلك نسيانا أو سهوا أو لا يدري مطلقا سواء مضى محل التدارك لا، و أمّا ما افاده من أنّ قوله عليه السّلام في الفقرة الاولى (و عليه الاعادة) دليل على أنّ مورد الجواب في الفقرة الثانية يكون في ما يقبل الاعادة و عدمها فقال (لا شي ء عليه) أى لا إعادة عليه فعلى هذا لا تشمل موردا يبقى محل التدارك، فعندي مورد الاشكال و قلت بحضرته مدّ ظلّه، و هو أنّه لا إشكال في أنّ السؤال يكون مطلقا بمعنى: أنّ قوله جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه الخ يكون السؤال عن الجهر في غير مورده، فهو سؤال مطلق و الفقرة الاولى أيضا مطلق لشمولاه لصورة تذكره بعد الصّلاة و لصورة تذكره بعد مضى محل التدارك، و لصورة لم يمض محل التدارك، و لهذا لو قرء آية من آيات الفاتحة أو السورة أو كلمة منهما جهرا في مورد يجب الاخفات أو عكسه عامدا تبطل الصّلاة و عليه الاعادة فلا بدّ و أن تكون الفقرة الثانية مطلقا أيضا تشمل لصور الثلاثة أمّا أوّلا فلأنّ مقتضى كون الفقرة الثانية هي مفهوم الفقرة الاولى هو شموله للصور الثلاثة لأنّ المفهوم موافق مع المنطوق في الاطلاق و التقييد و لا فرق بينهما إلّا من

حيث إثبات حكم في المنطوق لموضوع مع وجود القيد، و عدم الحكم مع عدم القيد ففي المقام أمر بوجوب الاعادة في ما جهر في موضع الاخفات أو عكسه إذا فعل متعمدا في جميع الصور، ففي الفقرة الثانية ليس عليه شي ء لعدم كون ذلك معتمدا في جميع الصور، و ثانيا بعد كون ظاهر السؤال هو السؤال عن مطلق الصور، و الظاهر من الفقرة الاولى هو جميع الصور في الحكم بالاعادة في حال العمد فإن لم تكن الصورة الّتي لم يمض محل التدارك داخلا في الجواب في الفقرة الثانية، فلازمه عدم جواب الامام عليه السّلام عن صورة وقوع تلك الصورة سهوا أو نسيانا أو لا يدري، و هذا خلاف الظاهر فلاجل ذلك نقول بشمول الرواية لجمع الصور، و لم يقبل مدّ ظلّه ما قلت، و قال: و السؤال و إن كان ... (كما فى المتن). (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 261

تمت صلاته و لا شي ء عليه) على مورد يقبل عدم الاعادة و أنّه و إن كانت الفقرة الثانية غير محكوم بحكم عدم شي ء عليه، كان عليه الاعادة فلهذا لا تشمل هذه الصورة.

و أمّا الرواية الثانية فيحتمل قويا كونها متحدة مع الرواية الاولى و إن كان بين متنهما اختلاف، لأنّ راويهما زرارة و راوي عنه في كليهما هو حريز فيبعد بالنظر أنّ زرارة سئل عن هذه المسألة مرتين، فمع هذا الاحتمال لا يسلم كونهما روايتين، و بعد كونهما رواية واحدة لا ندري بأنّ ما صدر عن المعصوم عليه السّلام هو ما في المتن الاولى أو الثانية فلا بدّ من الأخذ بما هو المتيقن من النقلين «1».

[في ذكر الوجوه فى الباب]

ثمّ اعلم بأنّ دخل الجهر و الاخفات في الصلوات الجهرية و الاخفاتية

و اعتبارهما فيهما ثبوتا مع قطع النظر عن مقام الاثبات يتصور على وجهين:

الوجه الأوّل: أن يكونا دخيلين في نفس الصّلاة بدون توسيط القراءة و بعبارة اخرى يكون في عداد ساير ما يعتبر في الصّلاة شرطا أو شطرا، و بعبارة ثالثة هما معتبران في نفس الصّلاة في قبال القراءة فكما أنّ القراءة ممّا تعتبر فيها هكذا الجهر و الاخفات معتبر ان فيها و ان كان محلهما حال القراءة و لكنهما أمران معتبران في حيال القراءة في الصّلاة.

الوجه الثاني: أن يكونا دخيلين في الصّلاة بتوسيط القراءة بمعنى: أنّهما

______________________________

(1)- أقول: أمّا أوّلا فقد عرفت أنّ الرواية الاولى بإطلاقها تشمل لهذه الصورة و ثانيا كانت الرواية الثانية عين الاولى فما أفاده مدّ ظلّه العالي في محله، و لكن إن كانت غير الاولى ففيها لا يأتي ما بينه مدّ ظلّه في الرواية الاولى، لعدم تعرضها إلّا لصورة فعل ذلك نسيانا أو سهوا و قال (لا شي ء عليه) فافهم). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 262

شرطان للقراءة و بعبارة اخرى يعتبر في القراءة المعتبرة في الصّلاة أن تكون جهرا في بعض صلواته و إخفاتا في بعضها، فبناء عليه هما من شرائط القراءة.

فعلى الاحتمال الأوّل مع فرض دلالة رواية زرارة على وجوب الاعادة على من جهر في موضع الاخفات أو العكس ان كان فعله متعمدا، و عدم شي ء عليه إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى نقول: بأنّ مقتضى القاعدة هو أنّه لو قرء بعض الفاتحة أو السورة حتّى كلمة منها، و كان محل التدارك باقيا أعنى: لم يدخل في ركن لا يجب عليه تداركها، و تصح الصّلاة مع تركه الجهر و الاخفات، لأنّه على الاحتمال الأوّل كان محل إتيان

الجهر أو الاخفات حال القراءة فمع إتيان القراءة و عدم إتيان أمر آخر معتبرا في الصّلاة في حيال القراءة فالقراءة المعتبرة أتى بها، و سقط أمرها، و الجهر مضى محله، لأنّه لا يمكن إتيانه إلّا في ضمن القراءة الواجبة و على الفرض أتى بالقراءة الواجبة و لا ينقلب ما وقع عما وقع عليه فبقاء وجوب الجهر مع ذلك غير معقول لعدم امكان إتيانه في محله، لأنّ محله كان حال الاتيان بالقراءة و القراءة الواجبة وجدت على الفرض، و إتيان فرد آخر من القراءة مع الجهر لا يفيد أيضا، لأنّ هذا الفرد ليس الفرد الواجب من القراءة الّذي كان محل الجهر أو الاخفات.

فبناء على هذا لا يجب عليه الاعادة في هذه الصورة لرواية زرارة و لا يجب تداركه لعدم إمكان تداركه لفوت محل تداركه بعد القراءة، فتكون النتيجة عدم وجوب تدارك الجهر أو الاخفات لو تركهما ناسيا أو ساهيا أو لا يدري في صورة عدم مضى محل تداركه، أى: عدم دخوله في الركن لو قلنا بكونهما دخيلا في نفس الصّلاة لا في القراءة المعتبرة في الصّلاة.

و أمّا لو ترك أحدهما متعمدا و لم يدخل في الركوع سواء ترك في كل القراءة،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 263

أو في بعضها حتّى في كلمة و دخل في كلمة اخرى، و فرض كونهما دخيلان في نفس الصّلاة، و فرض دلالة رواية زرارة على وجوب الاعادة فبطلان الصّلاة و وجوب الاعادة يمكن أن يكون لأجل أنّه زاد في صلاته، لأنّ القراءة الواقعة على غير وصف الجهر لا تقبل لأن تصير جزء لأنّ بها ترك الجهر الواجب أو اخفات الواجب، فما أتى من القراءة بعد عدم قابليتها لأن تصير جزء الصّلاة تكون

زيادة فيها، فتبطل الصّلاة أو من باب أنّ ذلك تشريع محرم، لأنّه أتى بالقراءة متعمدا اخفاتا مثلا مع كون الواجب الجهر بها أو بالعكس، فتبطل بها الصّلاة، أو لأنّه ترك الجهر الواجب أو الاخفات المعتبر ان في الصّلاة عمدا، أو لأنّه أتى بالمانع و هو الجهر في محل الاخفات أو العكس، و هذا من الموانع الّتي بها تبطل الصّلاة.

لا يخفي عليك أنّ ظاهر رواية زرارة كون البطلان و وجوب الاعادة مستندا إلى ترك الجهر في ما ينبغي الجهر فيه، أو الاخفات في ما ينبغي الاخفات فيه، لا من باب الزيادة و لا من باب التشريع كما تو همه بعض و لا من باب إيجاد المانع «1» هذا كله لو قلنا بكون الجهر و الاخفات دخيلا في نفس الصّلاة بدون توسيط القراءة.

و أمّا بناء على الوجه الثاني، أعنى: كونهما دخيلين في القراءة و من شرائطها، فنقول بعونه تعالى: أنّه لو ترك الجهر أو الاخفات ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى، فكما

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بأنّ الظاهر من قوله في السؤال (جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه الخ) و قوله عليه السّلام (أيّ ذلك فعل متعمدا الخ) هو استناد وجوب الاعادة إلى نفس الجهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه، و هو ظاهر في أنّ نفس الجهر في محل الاخفات أو العكس صار موجبا لوجوب الاعادة و هذا مبطل للصّلاة لا ترك الاخفات أو ترك الجهر كما أفاد مدّ ظلّه، و قلت بحضرته و تم البحث و لم يتعرض بعد لذلك فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 264

قلنا تكون رواية زرارة متعرضة لصورة الاعادة و عدمها بمعنى: أنّ قوله في الفقرة الاولى

بوجوب الاعادة و نقض الصّلاة إذا ترك أحدهما عامدا نكشف أنّ الفقرة الثانية الّتي تكون في الحقيقة مفهوم الفقرة الاولى تعرضت لصورة يوجب ترك أحدهما نسيانا أو سهوا أو لا يدري إعادة الصّلاة لو لا هذه الرواية فقال (لا شي ء عليه) أى: لا تجب الاعادة فلم تكن الرواية متعرضة لصورة لا يوجب تركهما إعادة الصّلاة، و هو ما ترك أحدهما و لم يمض محل تداركهما. «1»

فظهر لك ممّا مرّ أنّه إن قلنا بكون الجهر و الاخفات ممّا لهما دخل في أصل الصّلاة ففي صورة ترك أحدهما ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا بدّ أن نقول: بعدم وجوب اعادة الصّلاة و عدم لزوم تداركهما و لو تذكر قبل الركوع، لأنّ تداركهما لا يمكن إلّا بتدارك القراءة، و هي وقعت على الفرض جزء و بعد وقوعها جزء لا تنقلب عما وقعت عليه، فلا يمكن تداركهما في حال القراءة الّتي تقع جزء الصّلاة، فإن كان الجهر و الاخفات واجبا في هذا الحال، فلا يمكن إتيانهما إلّا بابطال ما بيده من الصّلاة ثمّ إعادتها، و الحال أنّ رواية زرارة تدلّ على عدم وجوب الاعادة و إن قلنا بدخلهما في القراءة، فلا تعرض لرواية زرارة لهذه الصورة لأنّها متعرضة لصورة لو لا الرواية كان الواجب اعادة الصّلاة فيها هذا.

[في كون عمل رسول اللّه ص على الجهر و الاخفات لا يدلّ على كونهما من شرائط القراءة]

نعم، هنا كلام آخر، و هو أنّه لا دليل لنا على كون الجهر و الاخفات دخيلين في القراءة من الصّلاة و كونهما من شرائطها، بل يمكن كونهما ممّا يكون دخيلا في أصل الصّلاة بدون توسيط القراءة، لأنّ عمدة الدليل في وجوب الجهر و الاخفات في مواضعها على ما بيناها هي عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و

المسلمين من بعده، و ليس في البين ما

______________________________

(1)- أقول: ما يخطر بالبال كما قلت شمول رواية زرارة لهذه الصورة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 265

يدلّ على أنّ المواظبة على اتيانهما و عدم تركهما هل يكون من باب دخلهما في الصّلاة أو من باب دخلهما في القراءة، و مجرد إتيانهما و كون محلهما حال القراءة، بل و مجرد دلالة بعض الروايات بأنّه يجهر في القراءة أو يخفي بها، لا تدلّ على كونهما من شرائط القراءة.

فعلى هذا لو لم نقول بكون الظاهر كونهما ممّا اعتبر في الصّلاة فلا وجه لأن نقول بكونهما معتبرين في قراءة الصّلاة، و بعد ذلك يقال: بأنّ القدر المسلم من العمل الذي هو عمدة الدليل في الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها ليس إلّا على كونهما معتبرين في أصل الصّلاة في عداد ساير الأجزاء و الشرائط.

فعلى هذا تكون النتيجة هو أنّه لو قرء الشخص ناسيا أو ساهيا أو لا يدري القراءة جهرا في موضع الاخفات أو بالعكس، و لم يدخل بعد في الركوع، فلا تجب إعادة ما قرء على خلاف الوجه الواجب عليه، و لا تجب إعادة الصّلاة، أمّا عدم وجوب إعادة الجهر أو الاخفات باعادة القراءة فلعدم إمكان إعادتهما إلّا باعادة الصّلاة، لأنّ إتيانهما في حال القراءة الواجب غير ممكن إلّا بافساد الصّلاة و إعادتها ثانيا على وجهها، و على الفرض تدلّ رواية زرارة على عدم وجوب إعادة الصّلاة، فلا تجب اعادة الصّلاة، فافهم.

المقام الثاني:
اشارة

قد عرفت بأنّ في المسألة روايتين تنتهي سندهما إلى حريز، و هو يروي عن زرارة و هو يروي عن أبي جعفر عليه السّلام و من المحتمل كونهما رواية واحدة كما أنّه من المحتمل كونهما روايتين.

و

على كل حال تعرض في إحداهما لخصوص صورة النسيان و السهو و تعرض في الاخرى في مقام الجواب لصورة العمد في الفقرة الاولى، و لصورة النسيان

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 266

و السهو و لا يدري في الفقرة الثانية فما ينبغى التكلم فيه في هذا المقام هو أنّ المراد من المتعمد الّذي وجب عليه الاعادة هل هو الّذي يكون قاصدا إتيان الفعل فقط، أو الّذي يكون قاصدا إلى الفعل و العنوان، أعنى: قاصدا إلى الجهر في محل الاخفات، أو الاخفات في موضع الجهر.

و بعبارة اخرى بعد كون الناسي من يصدر عنه الفعل من باب نسيانه الشي ء، و لكن يكون هذا الشى موجودا في خزينته (و بعبارة اخرى في الحس المشترك)، و الساهي هو الّذي غفل عن الشي ء أصلا و يجري شي ء على لسانه و يتكلم به، فالمتعمد هو الّذي يكون ملتفتا إلى الشي ء و غير غافل عنه.

فالناسي في المقام هو الّذي كان عالما بحكم الجهر و الاخفات و بموضعهما، و يكون حين صدور الفعل عنه على خلاف وجه ما علم به محفوظا في الخزينة و لكن ينسى الحكم أو الموضوع أو كليهما، فيصدر عنه القراءة على خلاف ما قرره الشارع.

و الساهي هو الّذي كان عالما سابقا، و لكن غفل كلية عما علم به، بحيث لا يكون الموضوع و الحكم، أو الموضوع، أو الحكم موجودا في خزينته، ففي مقام القراءة مع غفلته يجهر في محل الاخفات أو بالعكس بدون توجه، بل يكون صرف سبق اللسان.

ففي مقابل الناسي و الساهي يكون المعتمد، فالمتعمد هل هو الّذي يصدر عنه الجهر أو الاخفات، لا على وجه النسيان و لا السهو، بل مع القصد و التوجه بالجهر أو الاخفات يجهر

أو يخفي، أو يكون المتعمّد في مقابلهما و في مقابل الجاهل، و هو الذي لم يكن عالما لا بالموضوع و لا بالحكم او بأحدهما، فيكون المراد من المتعمد على هذا هو الّذي يصدر عنه الفعل مع القصد و التوجه إلى الجهر و الاخفات و الى حكمهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 267

و مع ذلك يجهر في محل الاخفات أو بالعكس.

لا يبعد كون الظاهر من المتعمد في حدّ ذاته هو الأوّل أعنى: من يكون قاصدا إلى الفعل بمعنى: أنّه يصدر عنه الجهر الاخفات عن قصد سواء علم بكون ما يأتى به من الجهر أو الاخفات على خلاف حكم الشارع أم لا، و سواء علم بعدم كون هذا الموضع الّذي يجهر فيه، أو يخفى فيه محل الجهر أو الاخفات أم لا، و بعبارة اخرى سواء علم بالحكم بالموضوع أو لا يعلم بهما أو بأحدهما.

فعلى هذا قد يشكل في شمول الرواية للجاهل مضافا إلى أنّه بعد ما قلنا من أنّ منشأ العمدة في وجوب الجهر و الاخفات في الصّلاة هو العمل، و كيف يمكن أن يخفى العمل على مسلم حتّى يسأل عن وظيفته و يجيب عليه السّلام بمعذورية الجاهل، لأنّ العمل كان على الجهر في صلاة الغداة و المغرب و العشاء، و الاخفات في صلاة و الظهر و العصر فمع هذا العمل يبعد كون جاهل بالحكم أو بالموضوع إلّا أن يقال: بأنّ المراد ليس من يجهل العمل، بل مع علمه بعمل المسلمين لا يدري الوجوب.

[ليس في كلمات القدماء تعرض لصورة الجهل]

فلأجل ما قلنا قد يقع الاشكال في النظر بدوا في شمول الرواية للجاهل، و بعد ما راجعنا كلام القدماء قدس سرّه رأينا عدم فتوى و تعرض منهم إلّا للناسي و الساهي، و ليس

في كلماتهم تعرض لحكم الجاهل، و ما يرى في كلماتهم يكون موافقا مع مضمون رواية اخرى من زرارة المتقدمة المتعرضة لخصوص السهو و النسيان، و لا يرى منهم عمل على طبق هذه الرواية المشتملة لصورة الجهل بقوله عليه السّلام (أو لا يدري) فهل يعدّ ذلك إعراضا منهم عن هذه الرواية أم لا؟

[في ذكر الاشكالين فى المورد]

و لكن مع ذلك نقول: بأنّه ما يرى من شمول الرواية للجاهل، و حكمهم بكونه كالناسي و الساهي في ما نحن فيه من المحقّق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و من تأخر عنهما، و كون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 268

ذلك مسلما بينهم تقريبا، فلا يمكن طرح هذه الرواية و أن لا يعمل بها، و ما قلنا من الاشكالين يمكن دفعهما.

أمّا الاشكال الأوّل: فنقول: بأنّ الفقرة الاولى من الرواية المتعرضة لصورة العمد و إن كانت في حدّ ذاتها ظاهرة فيمن يكون صدور الفعل عنه عن القصد سواء كان ملتفتا و قاصدا العنوان أو لا و لو لم تكن في الرواية الفقرة الثانية و اكتفي عليه السّلام بذكر الفقرة الاولى كان الجاهل خارجا، لأنّ المفهوم الفقرة الاولى لا يشمل إلا الناسي و الساهي لظهور المتعمد في الفقرة الاولى لما يقابلهما فقط، و لكن مع ذكر الفقرة الثانية و ذكر (لا يدري) فإنّ تقل بالناسي و الساهي فقط يكون مفهوم الفقرة الاولى، لا ينافي مع ذلك لشمول الحكم للجاهل، لأنّه ذكر عليه السّلام حكم مورد آخر يكون حكمه مثل الناسي و الساهي بعدهما بصورة العطف، فمع تصريح الامام عليه السّلام بقوله (لا يدري) لا يبقى إشكال في شمول الرواية للجاهل.

و أمّا الاشكال الثاني: و هو استبعاد كون شخص جاهلا بعمل المسلمين يصير مورد السؤال

و الجواب فأيضا قابل للدفع، لأنّه مع التزام العامة بعدم وجوب الجهر و الاخفات، و كونهما مستحبين لا واجبين عندهم، فلا بعد في ان يكون بعض الناس، من أجل ما يرى من التزامهم خارجا بالاستحباب، في الجهالة في حكم المسألة، و لهذا وقع مورد السؤال و الجواب، فمما ذكرنا يظهر لك شمول الرواية للجاهل بالموضوع و الحكم، ثمّ إنّه لا فرق في الجاهل بالحكم بين من يكون جاهلا مركبا، و بين من يكون غير ملتفت أصلا بالحكم.

و هل تشمل الرواية الشّاك، و هو الّذي لا يكون جاهلا بالحكم بالجهل المركب، مثل من يكون ملتفتا مثلا بالعمل المسلمين بالجهر في بعض الصلوات

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 269

و الاخفات في بعضها، و لكن يكون مرددا في أنّ ذلك يوجب وجوبهما أم لا، فمع هذا الشك جهر في موضع الاخفات أو بالعكس، أو لا تشمله.

[في ان لا تشمل الرواية للشاك لا صدرها و لا ذيلها]

لا يخفي عليك بأنّ قوله عليه السّلام (لا يدري) لا يشمل الشاك (لأنّ من يكون لا يأتى بأحد طرفي شكه إلّا بعنوان الرجاء و الاحتياط، لا بعنوان الجهر في ما لا ينبغي الجهر فيه أو عكسه، فلفظ (لا يدري) و إن كان بنظر البدوي قابلا لأن يشمل الشاك، لكن بعد التأمل في الفقرة الاولى، و تقابلها مع الفقرة الثانية، و عدم كونه متعمدا، لعدم كون جهره في محل الاخفات أو بالعكس من باب ما يفعله المتعمد- لأنّ المتعمد في الرواية بعد ضم الفقرة الثانية بالاولى و هو من يصدر عنه الفعل عن قصد و التفات إلى الفعل، و إلى كونه في ما لا ينبغي و على خلاف وضعه المشروع، حيث إنّه بعد شمول لا يدري للجاهل بالحكم و الموضوع، يكون المراد من

المعتمد هو خصوص من يكون قاصدا الى الفعل و الى عنوان كون هذا الفعل على خلاف ما حكم الشرع- فعلى هذا نقول: بأنّ الشاك غير داخل لا في صدر الرواية و لا في ذيلها.

أمّا الصدر فلأنّه ليس متعمدا، لأنّه لا يجهر في محل الاخفات أو بالعكس إلّا من باب الرجاء أو الاحتياط لا بعنوان كونه في غير ما ينبغي، و أمّا الذيل فلأنّ الذيل يكون مقابل الصدر، فبعد كون الصدر هو من يدري الفعل مع عنوانه، فالمراد من الذيل هو من لا يدري ذلك، أى: يكون جاهلا بذلك، فقوله (لا يدري) منصرف من الشاك، لأنّ الشاك ليس عامدا و لا غير عامد أى الناسي و الساهي و الجاهل، لأنّه ليس إتيانه بشي ء لا ينبغي فعله لا عن تعمد، و لا غير تعمد بل يكون

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 270

إتيانه الفعل بعنوان الرجاء و الاحتياط. «1»

و أمّا من يكون عالما بالحكم و لكن لا يعلم بمحله، و بعبارة اخرى يكون جاهلا بالموضوع- مثلا يعلم بأنّ بعض الصلوات يجب الجهر فيه، و بعضها يجب الاخفات فيه، و لكن لا يدري بأنّ محل الجهر و موضوعه هو صلاة الغداة و المغرب و العشاء، و موضوع الاخفات هو الظهر و العصر، فأخفى في محل الجهر، أو بالعكس- فهذه الصورة بعيد خارجية في الغاية، لأنّه مع العمل المستمر على الجهر في بعض الصلوات و الاخفات في بعضها، كيف يخفى على أحد محل الجهر و الاخفات (و لكن مع ذلك لو اتفق هذا الفرض، فيكون من قبيل الجهل بالموضوع لا يجب عليه الاعادة بمقتضى رواية زرارة المتقدمة. «2»

______________________________

(1)- أقول: هذا حاصل ما استفدت ممّا قاله ظله العالى في وجه خروج

الشاك إلّا دعوى الانصراف، و أمّا ما ذكر في وجه الانصراف فلم أفهم، لأنّه على ما أفاده مدّ ظلّه سابقا يكون الظاهر من المتعمد هو الّذي يقصد الفعل و إن لم يقصد العنوان و (لا يدري) جملة واقعة بعد الذكر الناسي و الساهي الّذي يكون مفهوم الفقرة الاولى، و بين حكم (لا يدري) لكونه كالناسي و الساهي، لا أن يكون (لا يدري) في مقابل المعتمد، فعلى هذا نقول في وجه خروج الشاك: بأنّ المتعمد هو الّذي يقصد الفعل و (لا يدري) هو من لا يعلم و هو بعمومه يشمل الجاهل و الشاك، فالصدر، و هو المتعمد، بنفسه يشمل الشاك، لأنّ الشاك قاصد إلى الفعل أيضا و الذيل و هو (لا يدري) يشمل الشاك، فمقتضى الصدر هو وجوب الاعادة على الشاك، و مقتضى الذيل عدم الوجوب، فيتعارض الصدر مع الذيل، فتكون النتيجة أيضا عدم إمكان الالتزام بشمول الرواية للشاك، و بعد عدم كونه داخلا في الرواية أعنى: غير داخل لا في الصدر و لا في الذيل للتعارض بين الصدر و الذيل، فهو غير معذور بمقتضى القاعدة الأوّلية و يجب عليه الاعادة و القضاء فتأمّل.

(المقرّر)

(2)- أقول: فانقدح بذلك كلّه شمول الرواية صدرا للعالم بالحكم و الموضوع، فيجب عليه.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 271

المقام الثالث:
اشارة

بعد الالتزام بصحة صلاة الجاهل بالحكم، و عدم وجوب الاعادة عليه لو جهر المكلف في موضع الاخفات، أو العكس يكون هنا إشكال معروف، و هو أنّه مع فرض معذورية الجاهل بحكم الجهر و الاخفات، و عدم وجوب الاعادة عليه.

إمّا أن يقال: بأنّ منشأ المعذورية هو كون التكليف بالجهر و الاخفات مخصوصا بالعالم بهذا الحكم، فهذا محال للزوم الدور مضافا إلى أنّه على هذا لا

وجه لاستحقاق العقاب على تركه و إمّا أن يقال: بكون التكليف مطلقا و لا اختصاص له بالعالم بالحكم، بل يشترك فيه العالم و الجاهل، فكيف يقال بعدم وجوب إعادة الصّلاة و تماميتها كما يظهر من رواية زرارة مع إمكان التدارك بالاعادة و القضاء، و كيف يقول من يقول بعدم استحقاق العقاب مع إطلاق الأمر و عدم امتثاله، هذا حاصل الاشكال و قد بيّن بتقريرات مختلفة.

أمّا استحقاق العقاب و عدمه، فيظهر من بعض الكلمات استحقاقه، فلا وجه للاشكال بعدم استحقاق العقاب، و لا إجماع و لا شهرة قائمة على عدم استحقاقه العقاب.

و أمّا ما يقال من أنّه لو كان التكليف من رأس متعلقا بغير الجاهل، فمضافا إلى لزوم الدور لاستلزامه توقف العلم بالحكم على وجود الحكم، فإن كان الحكم متوقفا على العلم به يلزم الدور، و بطلان الدور واضح، لأنّه يلزم كون الشي ء الواحد موجودا و معدوما في مرتبة واحدة، و هذا محال رأسا، و لو مع قطع النظر عن الدور

______________________________

الاعادة و ذيلا للناسى و الساهي و الجاهل بالحكم و الموضوع فلا يجب يجب عليهم إعادة الصّلاة. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 272

إن كان الحكم مختصا بالعالمين بالأحكام، فالبعث على الشي ء لا بد و أن يكون بعد علم المبعوث إليه بالبعث، و هذا محال لأنّه كيف يعقل بعث المولى بعد علم العبد بالبعث، فنفس البعث محال عليه في ظرف علم العبد بالبعث.

و أمّا ما يقال: بأنّه لا يعقل وجود العلم مع عدم وجود المعلوم، و لهذا لا يمكن العلم بالحكم مع عدم وجود حكم، فلا يمكن اختصاص الحكم بخصوص العالمين بالأحكام.

ففيه أنّ وجود العلم معقول مع عدم وجود المعلوم، و ما لا يمكن هو وجود

الجزم مع عدم وجود ما يجزم به. «1»

إذا عرفت عدم معقولية كون الحكم مختصا بالعالم به، و لهذا قالوا بأنّ له تعالى في كل واقعة حكما واحدا يشترك فيه العالم و الجاهل، فلا وجه هنا لدعوى عدم إطلاق الأمر بالجهر و الاخفات و اختصاصه بخصوص العالمين.

فنقول: بأنّ ظاهر كلام الشّيخ رحمه اللّه هو كون الاشكال في المسألة مختصا بخصوص صورة الالتزام باستحقاق العقاب، لأنّه على هذا يرد الاشكال حيث لا يجامع الحكم بالصحة مع استحقاق العقوبة، و أمّا مع عدم استحقاق العقوبة فلا يرد الاشكال ففيه انّه كما قلنا في بيان الاشكال ليس هو منحصرا بهذه الصورة، بل إن قلنا بعدم استحقاق العقاب يكون الاشكال أيضا و هو أنّ عدم العقوبة كاشف عن عدم التكليف على الجاهل، و لازم ذلك كون الحكم مختصا بالعالم، و هو مستلزم

______________________________

(1)- أقول: و وجود العلم بدون وجود المعلوم ظاهرا غير معقول، لأنّ النسبة بين العلم و المعلوم التضايف، فلا يمكن العلم بدون المعلوم، نعم يمكن حصول القطع مع عدم وجود المقطوع به، لأنّ الفرق بين العلم و القطع هو أنّ العلم اعتقاد جازم موافق مع الواقع، و القطع اعتقاد جازم يمكن كونه موافقا للواقع، و يمكن عدم مطابقة مع الواقع. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 273

ما قلنا من الدور و استحالة البعث، هذا.

[في ذكر كلام المحقّق الهمداني ره و دفعه]

ثمّ إنّ الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» بعد ما يقول بأنّ الظاهر من بعض استحقاق الجاهل بالجهر و الاخفات للعقوبة، فمع فرض استحقاقه العقوبة، تصدى لدفع الاشكال الوارد على فرض استحقاق العقوبة و ذكر في كيفية مجامعة الحكم بالصحة مع استحقاق العقوبة وجها حاصله هو أنّه يمكن أن يكون في مقام الثبوت و

الواقع لأصل طبيعة الصّلاة مصلحة ملزمة توجب الأمر بها، و كان للفرد من الصّلاة الواقعة مع الجهر و الاخفات مصلحة اخرى ملزمة فلأجلها أمر بهذا الفرد من الصّلاة.

و بعبارة اخرى يكون من باب تعدد المطلوب، فمطلوب من المولى هو الطبيعة و لهذا يأمر بها، و مطلوب آخر له و هو إتيان فرد منها واجدا لخصوصية الجهر أو الاخفات و لهذا يأمر به أيضا بأمر آخر، فمع فرض كون المطلوب متعددا، و كون ظرف امتثال الأمر الثاني المتعلّق بالفرد الواجد للخصوصية هو في ضمن امتثال الطبيعة، بحيث لا يمكن امتثاله إلّا في هذا الظرف، لأنّ المطلوب الثاني هو الاتيان بفرد الطبيعة واجدا للخصوصية، فلو أتى المكلف بالطبيعة في ضمن الفرد الواجد للخصوصية فقد امتثل الأمرين، و أمّا لو أتى بطبيعة الصّلاة في ضمن فرد آخر غير الفرد الواجد للخصوصية فقد امتثل أمر الطبيعة، و أمّا الأمر بالفرد الواجد للخصوصية لم يمتثله، و لا يمكن بعد ذلك امتثاله لما قلنا من أنّ المطلوب إتيانه في ضمن الطبيعة المأمور بها، و على الفرض أوجد الطبيعة فلا يمكن امتثال الأمر بالفرد لمضى محله، و يصح أن يعاقب على تركه لمخالفة العبد أمر المولى.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 316.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 274

فوجه العقاب هو عصيان المولى و مخالفته لأمره، و وجه عدم الاعادة و القضاء عليه و إتمام صلاته هو عدم إمكان أعادته أو قضائه لمضى محله بامتثال الطبيعة فعلى هذا نقول: لا تنافي بين الالتزام باتمام الصّلاة و عدم وجوب الاعادة و القضاء، و بين استحقاق العبد للعقوبة بترك الفرد الواجد للجهر أو الاخفات.

إن قلت: بعد كون أمر من المولى على الطبيعة، و أمر على الفرد الواجد للخصوصية،

فلو بنى المكلف على امتثال الطبيعة بدون امتثال الفرد في ضمنها، فحيث أنّ بها يقع عصيان الفرد فلا يمكن صيرورة ذلك امتثالا للطبيعة، لأنّ هذا العمل لا يكون مقربا مع فرض عصيان الأمر المتعلّق بالفرد به فعلى هذا يبقى الأمر بالطبيعة، لعدم إمكان امتثاله إلّا في ضمن امتثال أمر الفرد.

قلت: بعد ما اخترنا من عدم كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهي عن ضده الخاص، فلا يوجب الأمر بالفرد الواجد للخصوصية للنهي عن ضده الخاص، و هو طبيعة الصّلاة، و بعد عدم صيرورة هذه الصّلاة الماتى بها بعنوان امتثال الطبيعة منهيا عنها، فلا مانع لأن تصير مقربا، فباتيانه يمتثل الأمر بالطبيعة، و يبقى الأمر بالفرد، و لا يمكن امتثاله، فيعاقب على ترك امتثاله، و لا محل لاعادته، أو قضائه.

إن قلت: بأنّه بعد ما يكون لطبيعة الصّلاة على ما فرضت مصلحة صارت متعلق الأمر لأجلها مع قطع النظر عن كونها في ضمن فرد خاص، و للفرد الخاص منها مصلحة اخرى توجب الأمر به، و لازم ذلك كون الطبيعة بنفسها واجدة لمصلحة صارت مورد الأمر فعلى هذا لو أتى بالطبيعة في حال العلم في ضمن فرد آخر غير الفرد الواجد للخصوصية كان اللازم عدم وجوب الاعادة و القضاء، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك.

قلت: نحن فى هذا المقام نكون في مقام التصور، و بيان توجيه لدفع ما يتوهم

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 275

من التنافي في مفاد رواية زرارة و كلمات الفقهاء قدس سرّه من الحكم بأنّ الجاهل بالحكم في الجهر و الاخفات تمت صلاته و لا إعادة عليه، و مع هذا يعاقب على ترك الجهر. أو الاخفات و أنه في مقام الثبوت يمكن كون طبيعة الصّلاة مشتملة

على مصلحة لكن لا على سبيل الاطلاق، و الصّلاة الواجدة لخصوصية واجده من الجهر و الاخفات واجدة لمصحلة اخرى توجب تعلق أمر بالطبيعة و أمر بالفرد، فنقول: يمكن أن تكون طبيعة الصّلاة في حال العلم بالحكم واجدة لخصوصية لم تكن مطلوبة و متعلق الأمر بنفسها مثل كون مطلوبية طبيعة الصّلاة مقيدة بخلوصها عن شائبة التجري، و مع تقييدها بذلك ينافي كونها مطلوبة في حال العمد و التردد.

فعلى هذا يمكن تصوير كون الطبيعة مورد تعلق أمر في حال الجهل باعتبار واجديتها لمصحلة، و كون الفرد الواجد للخصوصية متعلق أمر آخر باعتبار واجديته لمصحلة اخرى، فلا ينافي عدم وجوب الاعادة و القضاء مع استحقاق العبد للعقاب، هذا حاصل مراده في المقام.

و لو أمعنت النظر في بياننا في توجيه مراده يظهر لك عدم ورود إشكالين عليه:

الاشكال الأوّل: أنّه على هذا التوجيه يكون استحقاق العقاب على ترك الجهر أو الاخفات، لأنّ مطلوب الثاني هو إتيان الصّلاة جهرا أو اخفاتا، و الحال أنّ وجوبهما لا يكون نفسيا، بل يكون غيريا فلا عقاب و لا ثواب عليهما، بل الثواب على فعل الصّلاة الواجدة للأجزاء و الشرائط و منها الجهر أو الاخفات، و العقاب على تركها.

الاشكال الثاني: أنّ الجهر أو الاخفات ليسا بنفسهما مطلوبين آخرين صارا متعلق الأمر، فلا معنى لكون المطلوب متعددا باعتبار الطبيعة و باعتبار

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 276

الجهر الاخفات.

أمّا بيان عدم ورود الاشكالين فهو أنّه على ما قلنا يفرض كون الطبيعة باعتبار واجديتهما لمصحلة بنظر المولى متعلقة لأمر، و كون الفرد منها لواجديته لخصوصية الجهر أو الاخفات متعلقا لأمر آخر لا الجهر أو الاخفات، فلا يكون استحقاق العقاب على ترك الفرد من الصّلاة الواجدة لخصوصية واجديته من

الجهر أو الاخفات بل يكون الفرد متعلق الأمر فلا يرد أحد من الاشكالين لأنّا لا نقول بكون الجهر و الاخفات بنفسهما متعلقين لأمر، و لا نقول بكون العقاب على تركهما فبما قال رحمه اللّه و بينّا مراده بنحو أو فى قد اجيب عن الاشكالين.

[في ذكر اشكال المحقّق الحائري على المحقّق الهمداني]

ثمّ إنّ بعض الاعلام (يعني آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) استشكل «1» على هذا التوجيه الذي ذكره آية اللّه الهمداني رحمه اللّه، و ذكر توجيها آخر لدفع الاشكال المتقدم، أمّا الاشكال فهو أنّه على ما قال في المصباح يلزم صحة العمل إن أتى بالطبيعة متعمدا في ضمن فرد غير الفرد الواجد للخصوصية المأمور به، فإنّ إتيان الطبيعة على ما فرضها عبادة و إن قارن عصيان الأمر الآخر، و هذا الاشكال هو الاشكال الّذي أورده آية اللّه الهمداني رحمه اللّه على نفسه، و أجاب عنه بأنّه يمكن كون طبيعة واجدة لخصوصية لأجلها لا يمكن كونها مطلوبة حال العمد و التردد.

اعلم بأنّه و إن بينّا مراده رحمه اللّه بنحو أو فى بحيث يندفع عنه بعض الاشكالات كما نبهنا عليه إلّا أنّه ما قلت في جواب الاشكال- الّذي يمكن أن يورد عليه من أنّه بعد كون أمر من المولى على الطبيعة و أمر على الطبيعة المقيدة، فلو بنى المكلف على امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، فحيث إنّه يتحقّق بامتثاله عصيان الأمر بالطبيعة

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 194.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 277

المقيدة فلا يصير مقربا، لأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده- بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص فلا إشكال.

يمكن لقائل أن يورد عليه و يقول: بأنّا و إن قلنا بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص

لأنّ ضد الشي ء عدمه لا خصوص الفعل الوجودى المقارن للعدم و هو الضد الخاص، و لكن هذا يكون في ما لا يكون نفس الأمرية الضد بهذا الفعل الوجودي، و أمّا إذا كان نفس الأمرية هذا الضد بالفعل الوجودي، فلا يمكن كون هذا الفعل الوجودي مأمورا به و مقربا، و في المقام يكون كذلك حيث إنّ نفس الأمرية عدم الطبيعة المقيدة يكون بوجود الطبيعة المطلقة، ففي مثل هذه الصورة لا مانع من الالتزام بكون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهي عن ضده فعلى هذا لا يمكن امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة مع كونه عصيانا للأمر بالطبيعة المقيدة، فلأجل هذا لا يتم ما بينه رحمه اللّه لدفع الاشكال، و نذكر إنشاء اللّه بأنّ الوجه الّذي ذكره العلّامة الحائرى رحمه اللّه أيضا لا يندفع الاشكال، و نذكر إنشاء اللّه ما يندفع به الاشكال.

[الكلام في توجيه كلام المحقّق الحائري و الهمداني]

فنقول: أمّا التوجيه الّذي ذكره بعض الأعلام (أعنى: علامة الحائري رحمه اللّه) «1» في دفع الاشكال، فهو أن يقال: بأنّه يمكن أن يكون لطبيعة الصّلاة الواجدة لخصوصية الجهر أو الاخفات مصلحة موجبة للأمر بها على الاطلاق، و لكن للطبيعة الجامعة، مع قطع النظر عن خصوصية الجهر و الاخفات، توجد مصلحة ملزمة مع الجهل بالحكم، فليست المصلحتين في عرض واحد، بل المصلحة في الطبيعة توجد بعد الجهل، فما له المصلحة أوّلا و صار مورد الأمر هو خصوص الطبيعة الواجدة للخصوصية، و لكن في طولها توجد مصلحة عند جهل المكلف بالحكم بأصل

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 192.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 278

الطبيعة، فتصير مورد الأمر حال الجهل، و بهذا يندفع الاشكال، إذ العقاب يكون على تركه لخصوص الفرد من الطبيعة الواجدة للجهر أو الاخفات، و أمّا عدم

وجوب الاعادة فيكون من باب أنّ الطبيعة في حال الجهل لأجل واجديتها لمصحلة صارت مورد الأمر و على الفرض أتى بها، و لا يمكن معها امتثال الطبيعة في ضمن الفرد الواجد لخصوصية الجهر أو الاخفات.

و مما مرّ يظهر لك الفرق بين التوجيهين، فإنّه على التوجيه الأوّل تكون المصلحتان في عرض واحد قائمة إحداهما بمطلق الطبيعة، و الاخرى بالفرد الواجد للخصوصية من الطبيعة، و على الثاني تكون المصلحة على المقيد مع قطع النظر عن الجهل و لم تكن مصلحة قائمة في هذا الحال على الطبيعة المطلقة، و باصطلاحه على الطبيعة الجامعة، فإذا طرأ الجهل توجد مصلحة على الطبيعة المطلقة، فالمصلحة على الطبيعة الجامعة توجد في طول المصلحة على الطبيعة المقيدة بالجهر أو الاخفات.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ المكلف بالجهر أو الاخفات تارة يعلم بالحكم و يعمل على علمه بمعنى: أنّه مع علمه بالحكم يجهر في موضعه و يخفي في موضعه، و تارة يعلم بهما أى: بحكمهما و لكن لا يعمل بعلمه، فيجهر في موضع الاخفات أو بالعكس، و تارة يكون جاهلا بالحكم و من أجل جهله يجهر في موضع الاخفات أو بالعكس، و تارة مع جهله بالحكم يعمل من باب الاتفاق على طبق الواقع فيجهر في موضعه. و يخفي في موضعه.

[في ذكر الصور فى المسألة]

أمّا فى الصورة الاولى: فتكون نتيجة توجيه صاحب المصباح رحمه اللّه، و كذلك نتيجة توجيه علامة الحائري رحمه اللّه هو درك المكلف مصلحة المقيد، لأنّه على كلا التوجيهين ليس في حال العمد إلّا مصلحة واحدة، و هي المصلحة الموجودة في المقيد، أمّا على القول الأوّل منهما لأنّ المطلق من أجل خصوصية تكون فيه، و هي خلوه

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 279

عن شائبة التجري ليس

فيه مصلحة، و أمّا على القول الثاني فلأنّ مع الجهل تحدث مصلحة في المطلق فليس في حال العمد مصلحة مترتبة عليه.

أمّا فى الصورة الثانية: فعلى التوجيه الأوّل منهما لا يدرك المكلف لا مصلحة مطلق الطبيعة و لا مصلحة المقيد، لأنّه على ما عرفت ليس في المطلق مصلحة حال العمد، و على الفرض لم يدرك مصلحة المقيد لعدم الاتيان به، بل خالف أمره لأنّه أتى بالجهر في محل الاخفات أو بالعكس، و كذا على التوجيه الثاني لأنّ حال العمد ما فيه المصلحة هو المقيد و على الفرض لم يدركها، و أمّا المطلق أعنى: الطبيعة الجامعة، فلم تكن فيها مصلحة حال العلم بالحكم.

أمّا فى الصورة الثالثة: فعلى كلا التوجيهين يدرك المكلف مصلحة الطبيعة الجامعة، و لا يدرك مصلحة المقيد، لأنّه على التوجيه الأوّل فات عنه المصلحة القائمة على المقيد لترك الجهر في محل الاخفات أو بالعكس و لأنّه على التوجيه الثاني ليس في حال الجهل إلّا المصلحة المحدثة في المطلق (الّا على الاحتمال الأوّل الّذي نذكر في كلامه في الصورة الرابعة إن شاء اللّه).

أمّا فى الصورة الرابعة: فعلى التوجيه الأوّل لا إشكال في كون المكلف مدركا لكلا المصلحتين مصلحة المطلق و المقيد كالصورة الاولى، لأنّه على الفرض أتى بالصّلاة المشروطة بالجهر أو الاخفات فأدرك المصلحة القائمة على المطلق و المقيد كليهما

[في ذكر ثلاث احتمالات فى الصور الاربعة]

، و أمّا على التوجيه الثاني فيشكل الأمر، لأنّ في كلامه احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون مراده هو أنّ في صورة الجهل مضافا إلى المصلحة القائمة بالمقيد توجد و تحدث مصلحة اخرى في المطلق حال الجهل، فيكون في حال الجهل مصلحتان مصلحة في المطلق و مصلحة في المقيد، و أمّا في حال العلم

تبيان الصلاة، ج 5،

ص: 280

فلا يكون إلا مصلحة واحدة قائمة بخصوص المقيد.

فإن كان مراده هذا ففساده ظاهر، لأنّ لازم ذلك كون الجاهل بالحكم الّذي أدرك الواقع مدركا لمصلحتين، و كون العالم بالحكم العامل على طبق الواقع مدركا لمصلحة واحدة، فيكون العالم العامل بالواقع أسوأ حالا من الجاهل العامل بالواقع، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و هو أيضا لا يلتزم به.

الاحتمال الثاني: أن يكون مراده من إحداث مصلحة حال الجهل في المطلق أى مطلق طبيعة الصّلاة، هو أنّ للجاهل تحدث مصلحة اخرى على المطلق، فهو يدرك مصلحة المطلق و مصلحة المقيد، و لكن لا مثل الاحتمال الأوّل، بل يفرض كون العالم مدركا لمصلحتين مصلحة المطلق و مصلحة المقيد كالجاهل بالحكم، فالعالم و الجاهل يدركان مصلحتين، و هذا الاحتمال ليس مراده.

و على كل حال إن كان مراده هذا، فلا معنى لقوله بأحداث مصلحة في المطلق حال الجهل، لأنّ ظاهر ذلك عدم وجود مصلحة في المطلق حال العلم مضافا إلى أنّه على كلا الاحتمالين يرد عليه أنّه لا مجال لاستحقاق العقاب على الجاهل إذا صادف وقوع عمله على خلاف الواقع، لأنّ المفروض كون الجهل سببا لا يجاد مصلحة في المطلق مضافا إلى مصلحة المقيد، فهو مع كونه مدركا لكلا المصلحتين لا وجه لاستحقاقه للعقاب.

الاحتمال الثالث: أن يكون نظره إلى أنّ كل مصلحة قائمة على الطبيعة المقيدة بالجهر أو الاخفات حال العلم بالحكم توجد و تحدث هذه المصلحة في الطبيعة الجامعة، أى المطلق، حال الجهل بالحكم، فالعالم بالحكم و الجاهل به مدركان لمرتبة واحدة من المصلحة، غاية الأمر إنّ العالم يدرك هذه المرتبة في ضمن المقيد، و الجاهل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 281

يدركها في ضمن المطلق، فلا يفوت

من الجاهل مصلحة و إن كان آتيا على خلاف الواقع و تاركا للجهر أو الاخفات.

[التحقيق فى الاحتمال الثالث]

فإن كان مراده هذا فيرد عليه بأنّه على هذا يقع رحمه اللّه في الاشكال الّذي يفرّ منه، و هو الدور، لأنّه بناء على هذا يكون العالم بالحكم مأمورا بالصّلاة المقيدة بالجهر أو الاخفات و الجاهل بالحكم مأمورا بطبيعة الصّلاة، لأنّ ما فيه المصلحة للاول هو المقيد و الثاني هو المطلق، فيلزم اختصاص العالم بحكم و هو مستلزم للدور، مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب على هذا. «1»

و أمّا ما يتوهم من كون نظره في إحداث المصلحة في الطبيعة الجامعة حال الجهل لا إلى مطلق حال الجهل حتّى الصورة الّتي يأتي الجاهل بما وجب عليه واقعا من الجهر في موضعه و الاخفات في موضعه، بل يكون نظره إلى أنّه تحدث مصلحة متعلقة بالمطلق في خصوص الصورة الّتي يكون جاهلا بالحكم و يأتي الصّلاة على

______________________________

(1)- أقول: و ازيد عليها احتمالا رابعا، و هو أن يفرض حدوث مصلحة في حق الجاهل حال الجهل، و لكن تكون هذا المصلحة أقل من المصلحة الّتي تكون للعالم، مثلا العالم يدرك عشرين درجة باعتبار إدراكه لمصلحة المطلق و المقيد، و الجاهل عشرة درجات من باب إدراكه المطلق فقط، فوجه صحة صلاة الجاهل المقصّر في تركهما هو ادراكه لمصلحة المطلق الّتي أقل من المطلق و المقيد الّتي يدركها العالم العامل بالوظيفة، فهو مستحق للعقاب لتركه المقيد عن جهل لا يعذر فيه، و أمّا صحة صلاته فهو لأجل امتثاله الأمر المتعلّق بالمطلق لأجل حدوث مصلحة فيه حال الجهل.

و إن كان نظره رحمه اللّه إلى هذا فيرد عليه ما أورده على جعل الطرق و الامارات من أنّ جعلها مستلزم

لتوفيت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، لأنّه على هذا مع الحكم الشارع بعدم وجوب الاعادة فوّت منه المصلحة الكامنة في المقيد، فعلى كل الاحتمالات الأربعة ليس توجيه رحمه اللّه دافعا للاشكال. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 282

خلاف النحو الواجب عليه، و هو الصورة الّتي أجهر في موضع الاخفات، أو بالعكس، ففي هذه الصورة يقول بأحداث مصلحة في الطبيعة الجامعة.

فهو، مع عدم كونه مفاد ظاهر كلامه، لأنّ ظاهر كلامه، احداث المصلحة حال الجهل في المطلق، لا يفيد لدفع الاشكال المتقدم في مسئلة معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات، لأنّه يقال ما قلت من إحداث المصلحة في المطلق في صورة الجهل بالحكم، و وقوع الصّلاة فاقدة للجهر أو الاخفات.

إن قلت: إنّ المصلحة الحادثة في المطلق في هذا الحال تكون مثل المصلحة الموجودة في المقيد حال العلم، فتكون المصلحتان متساويتين، غاية الأمر في حال العلم هذه المصلحة قائمة على المقيد، و في حال الجهل على المطلق.

فيلزم إشكال الدور لأنّه يلزم كون الحكم بالمقيد مخصوصا بالعالمين به مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب بعد كون تكليف الجاهل واقعا هو المطلق.

و إن قلت: بكون المصلحة في هذه الصورة من الجهل تحدث في المطلق المقيد بكون قراءته جهرا في موضع الاخفات و اخفاتا في موضع الجهر بعكس المجعول للعالم رحمه اللّه.

فهو، مضافا إلى كونه خلاف ظاهر كلامه، لأنّ ظاهر كلامه حدوث المصلحة حال الجهل في المطلق لا في المقيد بالعدم، لا يمكن به توجيه دفع إشكال استحقاق العقاب، لأنّه على هذا يكون تكليفه حال الجهل إتيان المطلق في ضمن المقيد المضاد لما هو المقيد حال العلم، فلا وجه لاستحقاق العقاب فيبقى الاشكال.

(و إن قلت: بأنّه في هذا الحال توجد مصلحة زائدة في

المطلق لم تكن هذه المصلحة في غير هذا الحال، فيلزم كون العالم المدرك للواقع أسوأ حالا من الجاهل،

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 283

مضافا إلى عدم وجه لاستحقاق العقاب.

و إن قلت: بأنّ العالم مدرك لمصلحة المقيد، و المطلق و الجاهل مدرك لمصحلتين مصلحة المطلق و المقيد، فهو مضافا إلى كونه خلاف ظاهر كلامه لانه قال تحدث مصلحة في المطلق للجاهل، و هذا يدلّ على كون مصلحة في المطلق في حق العالم بالحكم يوجب عدم استحقاق العقاب، و الحال أنّهم يقولون باستحقاقه).

[في ذكر الكلام المحقّق الحائري ره]

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ نظر العلّامة الحائري رحمه اللّه يكون إلى أمر ننبه عليه تتميما للفائدة بعد ذكر مقدمة، و هي أنّ الترتب المعنون في الاصول يعنون في موردين:

المورد الأوّل: في مسئلة الضد، و هو أنّه قال الشّيخ البهائي رحمه اللّه بأنّ الأمر بالشي ء و إن لم يكن مقتضيا للنهي عن ضده، فلا أقل من اقتضائه عدم الأمر بالضد، و ثمرة ذلك تظهر في ما كان الضد عبادة، فحيث إنّ صحة العبادة متوقف على الأمر، ففي صورة كون الواجب العبادى ضد واجب آخر فلا يكون قابلا لصيرورته مأمورا به، و بعد عدم كون أمر به لا يترتب عليه الصحة.

و في مقام الجواب عن هذا البيان قال بعض: بأنّا نصحح أمرا للضد بنحو الترتب بأنّا نفرض أحد الأمرين مطلقا، و الآخر مشروطا بعصيان أمر المطلق، و من يقول بصحة الترتب- و هو مختارنا و اثبتناه في الاصول و بينّا وجهه مفصلا- يقول:

بأنّ الأمر بالأهم و إن كان مطلقا و تكون مرتبة إطاعته و عصيانه متأخرا عن رتبة نفسه، فالمولى بعد ما يرى كون الأهم و كذا المهم محبوبا له، و يرى بأنّه لا يتمكن

العبد من امتثال كل منهما، و يكون الأهم أحب بنظره فيأمر به مطلقا، و يجعل أمره بالمهم مشروطا بعصيان أمرا الاهمّ، فيتصور بهذا النحو أمرا مترتبا على عصيان الأمر

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 284

بالاهم بالمهم، و قد بينا وجه صحة الترتب في الاصول بما لا مزيد عليه، و نذكر هنا أيضا على وجه الاختصار.

[في ذكر وجها لصحّة الترتيب]

فنقول بعونه تعالى: بأنّه و إن ذكر لتصحيح الترتب وجوه من بعض المحققين، و لكن الوجه الّذي يكون خاليا عن الاشكال هو أن يقال: بأنّ ما يوجب تخيل استحالة الترتب هو توهّم استلزام ذلك الأمر بالضدين في آن واحد، و نذكر بيانا يرتفع به الاشكال و يرى عدم وجه للاستحالة، و هو أنّ المولى لو أمر أحدا باتيان الضدين في آن واحد يلزم الأمر بالضدين و البعث فيهما في آن واحد، و هو محال.

(و وجهه ليس إلّا أنّ البعث جدا بما لا يتمكن المبعوث إليه من امتثاله محال، لأنّ حقيقة بعث العبد إلى الفعل إرادة صدور الفعل من العبد، لأنّ هذا معنى الإرادة التشريعية في قبال الإرادة التكوينية الّتي يقدم المريد باتيان مراده بنفسه في الخارج، و يحرك عضلاته نحوه، و في التشريعية يريد من الغير فيبعثه نحو الفعل، فمع علم المريد بعدم إمكان انبعاث العبد نحو الفعل كيف يريد الفعل منه و يبعثه نحوه، فوجه الاستحالة هو عدم إمكان البعث و تعلق الإرادة بالمتناقضين أو الضدين).

و أمّا إذا أمر بشيئين بأمرين، مثلا أمر بانقاذ الابن بأمر، و أمر بانقاذ الأخ بأمر آخر، فلا يرى كونهما أمرا بالضدين في حدّ ذاتهما، و لا تنافي بينهما في حدّ ذاتهما إلّا إذا كان الأمران بحيث يبعثان و يحرّكان العبد نحو إتيان كل

واحد منهما في عرض واحد لتزاحم كل منهما مع الآخر، و أمّا إذا كان أحد الأمرين في طول الآخر فلا يوجب اجتماع الضدين، فلو أمر المولى أمرا مطلقا بانقاذ الأخ في آن، و أمر بأمر مطلق بانقاذ الابن في هذا الآن مع عدم تمكن العبد من انبعاثه نحو كل منهما في هذا الآن فيكون امرا بالضدين.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 285

و أمّا إذا كان أحد الأمرين في طول الآخر، و في ظرف لا يكون أمرا آخر شاغلا للزمان، فلا يوجب الأمر بالضدين، فعلى هذا نقول: في ما أمر بشي ء و يكون ضده واجبا آخرا كالمثال المتقدم، فللمولى يكون مطلوبان أحدهما إنقاذا لابن، و الثاني إنقاذا الأخ، و يرى بأنه لا يمكن حفظ كل من مطلوبيه لعدم تمكن العبد من إنقاذهما في آن واحد، فيامر أمرا مطلقا بما يكون أشدّ حبّا به، فيأمر في المثال بانقاذ الابن مثلا، و لكن لو رأى بأنّ العبد لا يمتثل هذا الأمر و لا ينبعث نحوه و يعصيه، و لا ينقذ الابن فيأمر في هذا الفرض بانقاذ الأخ كي يحفظ مطلوبه المهم إذا رأى أنّه لا يحفظ مطلوبه الأهم، فبعد كون كل منهما مطلوبا له، و يكون أحدهما أهمّ في نظره من الآخر، و يرى عدم انبعاث العبد نحو الأهم، ففي هذا الحال ما يصنع المولى هو أنّه يأمر أمرا مطلقا بالأهم، و يأمر أمرا آخرا مشروطا بعصيان الأهم بالمهم، فبعد كون الأمر بالمهم في طول الأمر بالاهم و مشروطا بعصيانه، فلا يكون مستلزما للأمر بالضدين.

إن قلت: بأنّ الأمر بالمهم و ان كان مشروطا بعصيان الأهم و لا يكون في رتبة الأمر بالأهم و لكن الأمر بالأهم يكون في هذه

المرتبة، لأنّ أمر الأهم يكون مطلقا و اطلاقه يشمل هذا الحال.

قلت: أمّا الإطلاق اللحاظي فلا يمكن لأنّ العصيان و اطاعة الأمر ممّا يكونان في طول الأمر فلحاظهما في رتبة سابقة على الأمر غير ممكن، لأنّه بعد الأمر إمّا يعصي الأمر أو يطيع، فقبل الأمر لا يمكن لحاظ الموضوع المأمور به و طلبه في حال الاطاعة أو حال العصيان:

و أمّا الاطلاق الذاتي بمعنى: كون الموضوع، أو متعلق الطلب مرسلا و بلا تقيد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 286

بقيد- كما نذكر بيانه في جواب ما قال في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بالترتب إنشاء اللّه- فهو يفرض للأهم و له الاطلاق بهذه المعنى، لكن بعد كون فرض الأمر بالمهم في رتبة عصيان الأهم، فالعبد في هذا الحال لا ينبعث نحو الاهم فأمر المولى على الأهم و ان كان باقيا، و لكن لا يكون مؤثرا لعدم انبعاث العبد إليه، فلهذا لا يكون يامر بالضدين.

إن قلت: بأنّه بعد ما فرضت كون الأمر بالمهم في فرض عصيان الأمر بالاهم، فقبل العصيان لا يكون أمر على المهم، و على الفرض يكون ظرف امتثال الأمر بالمهم هو ظرف عصيان الأمر بالأهم، فكيف يفرض قبل ظرف العصيان أمر بالمهم.

قلت: بأنّه بعد تصحيح الشرط المتأخر كالشرط المتقدم و المقارن، فيكون العصيان للأهم شرطا متأخرا للأمر بالمهم، فمع علم المولى بالعصيان يأمر في رتبة سابقة على العصيان بالمهم، فالأمر بالمهم مشروط بالعصيان بنحو الشرط المتأخر، فبهذا النحو يصح الترتب.

إن قلت: إن لازم ما قلت استحقاق العبد للعقوبتين لو ترك الأهم و المهم كلاهما، لأنّه خالف أمرين من أوامر المولى.

قلت: نلتزم بذلك و لا مانع منه، لأنّه بعد تصحيح تعلق الأمرين باختلاف الرتبة، و

كون أحدهما مشروطا، فلو خالف كل من الأمرين يستحق بحكم العقل للعقوبتين عقوبة على ترك الأهم و عقوبة على ترك المهم.

فانقدح بذلك كله أنّه لا مانع من صحة الترتب و مدعي الاستحالة لا بد له من إثباتها.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 287

و قد ذكرنا بأنّه إن كان الأمر ان بحيث يوجبان للامر بالجمع في رتبة واحدة كان محالا، مثل ما إذا أمر بامر واحد بالمتضادين، و قد ذكرنا عدم استلزامه ذلك لاختلاف الأمرين من حيث الاطلاق و الاشتراط، و عدم كون الأمر المشروط في رتبة الأمر المطلق في هذا المورد، فصحة الترتب و تصويره واضح، و يكون أمرا عرفيا يتفق كثيرا ما للنوع، مثلا تقول أنت بخادمك جئني بالماء البارد، و لو رأيت أنّه لا ينبعث نحوه تقول: و إن لم تأت به فات بكل ماء موجود فعلا: و الأمثلة كثيرة. «1»

المورد الثاني: في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري
اشارة

فإنّ بعض الاعلام (و هو السيّد «2» محمد الاصفهاني رحمه اللّه) قد تصدى لدفع الاشكال في حجية الظن، و أنّ حجيته يوجب اجتماع الضدين بالترتب، و حاصل ما نقله بعض تلامذته (في الدرر) بعد تهافت في كلامه صدرا و ذيلا (فإنّ ظاهر صدر كلامه هو تصوير الاطلاق

______________________________

(1)- أقول: الحق استحالة الترتب، لأنّ القائلين بصحته لا يتكلمون في وجه الاشكال، و لا يدور كلامهم حول النقطة الّتي هي جوهر المطلب، و هو أنّه نسأل عنهم بأنّه في الرتبة الّتي تقول:

بأمر المولى و بعثه نحو المهم، و هي رتبة سابقة على العصيان، هل يكون بعث من المولى في هذه المرتبة نحو الأهم أو لا.

فإنّ قلت: ليس بعث نحو الأهم في هذه الرتبة، فيكون خارجا عن محل النزاع، لأنّ محل النزاع يكون في ما كان

الأمر بالأهم باقيا و لا إشكال فيه، و إنّما الاشكال في تصحيح أمر متعلق بالمهم.

و إن قلت بأنّ الأمر بالأهم و البعث نحوه باق في هذا الحال و هذه المرتبة يكون البعث فيها بالمهم، فمعنى ذلك البعث في هذه الرتبة بالأهم و المهم في آن واحد، و رتبة واحدة مع كونهما ضدين، فهذا محال لكونه طلبا للضدين، فلا يعقل تصوير أمر بالمهم بنحو الترتب لما قلنا. (المقرّر)

(2)- درر الفوائد، ص 351- 352.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 288

و التقييد في موضوع الحكم، كما يظهر من مثاله بالعتق، و ظاهر ذيل كلامه تصوير الاطلاق و التقييد في الحكم، و يظهر ذلك من مثاله بصلوة الجمعة).

(أقول: لم أفهم التهافت هو أنّ الأحكام لا تتعلق بالموضوعات الخارجية، بل تتعلق بالموجودات الذهنية لا مقيدة بالذهن، و الآمر قبل الأمر إمّا أن يكون الموضوع مطلوبا له على الاطلاق، و إمّا أن يكون مطلوبه مقيدا، و صيرورة مطلوبيته مقيدة إمّا أن تكون باعتبار المصلحة في المقيد، و إمّا أن تكون من باب تزاحم غير المقيد لغرضه الآخر، فبالكسر و الانكسار يصير المقيد مطلوبا له، فعدم صيرورة غير المقيد في الصورة الاولى مطلوبا يكون من باب عدم المقتضى فيه، و في الثانية يكون من أجل طروّ المانع و في هذه الصورة لا بدّ للآمر من لحاظ عنوان المطلوب مع لحاظ عنوان آخر متحد معه، صار سببا لخروج غير المقيد عن المطلوبية، فلو فرض عنوانان لا يمكن اجتماعهما في الذهن بحيث يكون المتعقل لأحدهما لا مع الآخر، فلا يمكن الكسر و الانكسار بينهما حتّى يرفع اليد عن أحدهما، و يبقى الآخر.

و من هنا يظهر أنّ ما هو المتعلّق و الموضوع للأحكام الواقعية، لا يمكن

تعقله مع ما هو الموضوع في الأحكام الظاهرية، فلو تصور صلاة الجمعة مثلا، فلا يمكن في تصورها إلّا تصور الحالات الّتي يمكن أن تتصف بها في هذه المرتبة، مثل كونها في المسجد أو الدار و أمثالهما، و أمّا اتصافها بكون حكمها الواقعي مشكوكا، فليس يتصور في هذه الرتبة، لأنّ هذا الوصف يعرض الموضوع بعد عروض الحكم به، و لا يمكن لحاظ أوصاف المتأخرة عن الحكم في

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 289

موضوع ذلك الحكم.

و إن قلت: بأنّ العنوان المتأخر، أعنى: كون الموضوع مشكوك الحكم، و إن لم يكن في مرتبة العنوان المتقدم و هو نفس الموضوع، و لكن ذات الموضوع ملحوظ في مرتبة عنوان المتأخر، فعند ملاحظة عنوان المتأخر يجتمع العنوانان.

قلت: أمّا في تصور الموضوع في الحكم الواقعي فلا يلاحظ الحكم العارض عليه و أمّا تصور الموضوع بلحاظ كونه مشكوك الحكم فلا بدّ و أن يكون بلحاظ الحكم، لأنّ الموضوع مشكوك الحكم، فلا يلاحظ في هذا اللحاظ الموضوع الواقعى لعدم إمكان لحاظ الموضوع مجردا عن الحكم و بين لحاظ الموضوع ثابتا له الحكم.

فحينئذ نقول: متى يتصور اللاحظ الآمر صلاة الجمعة بملاحظة ذاتها تكون مطلوبة، و متى يتصورها بملاحظة كونها مشكوك الحكم تكون متعلقة لحكم آخر، فلا يكون الحكمين في مرتبة واحدة، بل تعلق حكم بالموضوع الواقعي في مرتبة، و تعلق الحكم بالموضوع المشكوك حكمه في مرتبة اخرى، فلا يلزم اجتماع الضدين، فبهذا النحو صار بسدد دفع الاشكال في جعل الطرق و الامارات.

[في ردّ كلام المحقّق الاصفهاني]

و فيه أنّ الترتب في هذا المورد غير تمام، و لا يمكن دفع اشكال لزوم اجتماع الضدين به، و فهم ذلك محتاج إلى ذكر مقدمة على سبيل الاختصار، و بينا تفصيله في المطلق

و المقيد في الاصول، و هو أنّ الاطلاق، على ما قلنا و هو الحق، عبارة عن الارسال، فالمطلق أعنى: المرسل، و بالفارسية (رها) فإذا كان المتكلم أو الآمر في عالم لحاظ موضوع حكمه لاحظ متعلق الحكم كالصّلاة مثلا، أو موضوعه كالانسان مثلا، و جعله مركزا لحكمه و موضوعه، و متعلقه الطبيعة بدون تقيده بقيد

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 290

حتى قيد الارسال، مثلا في المثال جعل الصّلاة تمام المتعلّق بدون تقيده بقيد من الجهر أو الاخفات أو غيرهما، أو جعل الانسان موضوعا لحكمه بدون تقيده بكونه رجلا أو امرأة، عالما أو جاهلا و غير ذلك، بحيث يكون ما هو تمام الموضوع و المتعلق للحكم هو نفس الطبيعة مرسلا عن القيد، لا بنحو يكون الارسال قيدا له، بل بمعنى عدم لحاظ شي ء معها فيكون اللفظ مطلقا، و المعنى أى الموضوع أو المتعلّق مطلقا.

فليس المراد من الاطلاق إلا الارسال عن القيد، لا أن يكون الملحوظ حين الاطلاق الشياع و السريان في جميع أفراد الطبيعة كما توهّم بعض، و عرّف المطلق بانه لفظ شايع في جنسه، بل في المطلق على ما قلنا لا يلاحظ إلّا الطبيعة، و بعد عدم لحاظه إلّا الطبيعة بدون تقيدها بقيد، ففي كل مورد توجد الطبيعة و في ضمن أىّ خصوصية كانت ترى الحكم قهرا، لأنّ موضوع الحكم ليس إلا هي، ففي كل مصداق من المصاديق لها يكون الحكم، لكن لا من باب كون المصداق موضوعا للحكم بخصوصياته المشخصة، بل من باب كونه مصداقا للطبيعة، فيكون في المطلق ثبوت الحكم على الأفراد دائرا مدار وجود الطبيعة و عدمها في أىّ خصوصية كانت، و في ضمن أىّ فرد كانت.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ كل

وجود من الوجودات يكون فيه الطبيعة يصير مصداقا لها و موضوعا للحكم، أو متعلقا له، لكن لا من باب أنّ الحاكم لاحظ هذا الفرد و أسري حكمه إليه، بل من باب أنّ ما هو تمام الموضوع لحكمه موجود فيه، فإذا قال (اعتق رقبة) فمعنى إطلاق الرقبة هو كونها تمام الموضوع للحكم بدون خصوصية زائدة، فلازم إطلاقها هو كفاية عتق أىّ رقبة شاء المكلف مؤمنة كانت أو

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 291

كافرة، و ليست كفاية ذلك من باب لحاظ الحاكم شيوع الرقبة في كل فرد فرد من الرقبة، بحيث لاحظ حين الحكم جميع مصاديق هذا العنوان، بل يكون من باب أنّ تمام الموضوع حيث يكون الرقبة فإذا أعتق رقبة يسقط الأمر لاتيانه ما هو تمام موضوع حكمه.

و يظهر لك أيضا أنّه ليست معنى الاطلاق عدم اجتماع عنوان المطلق مع خصوصيات اخرى، لأنّه على ما قلنا ليست خصوصية اخرى غير العنوان الّذي صار تمام متعلق الحكم دخيلا في الموضوع و ملحوظا، و لكن هذا لا ينافي مع اجتماع العنوان الماخوذ الملحوظ مع ساير العناوين، ففي المثال ليس المأخوذ إلا طبيعة الرقبة، و لكن لا مانع من اجتماعها في الخارج مع بعض عناوين اخر، مثلا مع عنوان العلم و الجهل، فلو تحقق عنوان الرقبة يكفي في كونها تمام المتعلّق للحكم، سواء كانت عالما أو جاهلا، غنيا أو فقيرا و غير ذلك، و لكن اجتماع بعض العناوين مع عنوان الرقبة لا يوجب كون هذه العناوين دخيلا و ملحوظا حال الحكم، لأنّ الملحوظ ليس الرقبة، لأنها تمام الموضوع لحكمه.

فعرفت ممّا مر أنّ انطباق الطبيعة الّتي صارت موضوعا أو متعلقا للحكم مع بعض العناوين آخر لا يوجب كون هذه العناوين

ملحوظا حال الحكم على الطبيعة، و كون الحكم ساريا إلى هذه العناوين، و مع ذلك يسرى الحكم إلى كل فرد من الطبيعة من باب كون ذلك مصداقا لها بمعنى كونه موضوعا للحكم، لكن لا من باب كونه ملحوظا، بل من باب كون الطبيعة الّتي تكون تمام الموضوع للحكم موجودا فيه.

فمن هنا يظهر لك أنّ العلم بالحكم أو الجهل بالحكم و إن كانا من الحالات الطارية على الحكم، و لا يمكن لحاظهما في الموضوع المتقدم رتبة من الحكم، و لكن

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 292

هذا لا يمنع من شمول إطلاق موضوع الحكم لحالهما أى: لحال العلم و الجهل بالحكم، لأنّه بعد كون الموضوع عنوانا آخر و هو يكون تمام الموضوع للحكم، فأينما وجد يوجد الحكم و إن كان منطبقا مع عناوين آخر، فإذا قال مثلا (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أقيموا الصّلاة) فما هو تمام الموضوع هو الايمان، و ما هو تمام المتعلّق هو الصّلاة بدون تقييدهما بقيد آخر، فمتى وجد الايمان و حصل هذا العنوان يكون الوجوب ثابتا، لأنّ تمام الموضوع في ثبوت الوجوب لم يكن إلا الايمان و إن وجد معه عنوان أو عناوين اخر، فالمؤمن في حال علمه و جهله بهذا التكليف موضوع للحكم من باب وجود تمام موضوع الحكم فيه، و هو الايمان.

فعلى هذا نقول: بأنّ إطلاق التكليف الواقعى يشمل حال العلم و الجهل بالتكليف الواقعي، فمع شمول إطلاقه لحال الجهل لا يبقى مجال لما قال من أنّ التكليف الواقعي لم يكن في حال الجهل، ففي حال الجهل قابل لأنّ يجعل الشارع تكليفا اخر في طول الواقع، و هو التكليف الظاهري، لما قلنا من شمول إطلاق التكليف الواقعي حال الجهل، لكن لا

من باب لحاظ حال الجهل، بل من باب تحقق ما هو الموضوع للحكم في هذا المقام أعنى: في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري (مضافا إلى أنّ لازم ذلك هو التصويب، لأنّ لازم ما قال رحمه اللّه هو عدم كون الحكم الواقعي حال الجهل، فيلزم كون العالم موضوعا لحكم غير ما يكون الجاهل مختصا به، و بعبارة اخرى يلزم كون الأحكام الواقعية مخصوصة بالعالمين بالأحكام و هذا دور).

[في ان احكام الواقعيّة احكاما انشائية]

فظهر لك أنّ الجواب عن لزوم اجتماع الضدين في جعل الطرق و الامارات لا يدفع بالترتب و فرض كون حكم الظاهري في طول الحكم الواقعي، و ما يدفع به

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 293

الاشكال هو الّذي بينا في محله من فرض كون الحكم الواقعي إنشائيا، فإذا صادفه الأمارة يصير فعليا و منجّزا بأن يقال: بأنّه كما قلنا تكون حقيقة الأمر و النهي هي البعث و الزجر، فمرتبة الانشاء و الشأنية هي مرتبة بعث المولى و زجره، و لكن حيث يكون جوهر البعث و روحه هو انبعاث العبد نحو الفعل أو انزجاره عن الفعل، فإذا يرى المولى أنّه يمكن انبعاث العبد أو انزجاره يريد عنه، و أمّا إذا رأى بأنّه لا يتمكن من الانبعاث و الانزجار، فلا يمكن أن يريد منه أى يبعثه أو يزجره، فمرتبة الانشاء هي مرتبة البعث و مرتبة الفعلية هي مرتبة يمكن انبعاث العبد أو انزجاره، و بلوغ الحكم بهذه المرتبة لا يمكن إلّا بعد علم المكلف بالبعث أو الزجر بنفس تكليف المولى، أو بوسيلة جعل آخر مثل أن يجعل الاحتياط في حال الجهل، فما لم يبلغ الحكم المرتبة الفعلية ليس فيه روح البعث و هو إرادة الانبعاث من العبد، بل يكون

الحكم حكما انشائيا غير فعلى و غير منجّز، و إذا صار عالما بالحكم بعلمه بنفس هذا الحكم و البعث، أو بجعل آخر مثل جعل الاحتياط أو غيره يصير الحكم فعليا و منجزا لكون التنجّز مساوقا للفعلية، و ليس التنجّز من مراتب الحكم بل من صفاته.

إذا عرفت ذلك فالأحكام الواقعية أحكاما إنشائية، و لكن لو تعلق العلم بها أو قامت الأمارة عليها أو جعل الاحتياط في موردها تصير فعليا و منجّزا، و لو لم تقم الأمارة عليها تكون باقية في مرتبة الانشاء، و يتدارك مصلحتها الفائتة في هذا الحال بمصلحة قائمة في جعل الأمارة في هذا الحال، فعلى هذا لا يلزم اجتماع الضدين لعدم كون الواقعي فعليا في صورة عدم إصابة الطريق بها، بل يكون انشائيا، فالحكمين و إن كان أحدهما في صورة عدم الاصابة يبعث إلى شي ء و الآخر يزجر عنه، و لكن بعد عدم كونهما في مرتبة واحدة فلا يلزم اجتماع الضدين، لكون أحدهما

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 294

شأنيا و الآخر فعليا، فبهذا النحو يرتفع الاشكال لا بنحو الترتب

[يظهر من ردّ كلام المحقّق الاصفهانى امور ستة]

و يظهر لك أوّلا: أنّ الأحكام الواقعية تصير فعلية بقيام الأمارة عليها عليها أو بجعل الاحتياط في مواردها و يمكن صيرورة الأحكام الواقعية فعلية بما دل على طلب العلم مثل قوله «1» تعالى (فَلَوْ لٰا نَفَرَ الخ) أو ما يدلّ على السؤال يوم القيامة، بعد جواب العبد في مقام الاعتذار عن عدم العمل (باني لم أعلم) بأنّه (هلّا علمت) فمن التحريص على طلب العلم بالأحكام الشرعية يستكشف كون الواقعيات فعليا (و هذا معنى العلم الاجمالى بتكاليف واقعية، و لهذا يجب الفحص عنها و العمل عليها على طبق ما قام عليها العلم أو العلمى).

و

يظهر لك ثانيا عدم كون الحكم الواقعى فعليا إذا لم يصادفه العلم أو العلمي.

و يظهر لك ثالثا بأنّ مقتضى الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بما قلنا، هو أنّ الأمارة لو صادفت الواقع تكون مؤديها حكما حقيقيا، و إن لم تصادفه ليست مؤديها حكما حقيقيا، بل تكون حكما صوريا لعدم كون مصلحة في نفسها، بل هي حكم طريقي. «2»

و يظهر لك رابعا أنّ الفرق بين التربت في الضد و بين الترتب هنا، هو أنّ

______________________________

(1)- سورة التوبة، الآية 122.

(2) أقول: فمن هنا يظهر لك أنّ تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بنحو الترتب المتقدم ذكره لا يتصور على الطريقية، بل لا بدّ من الالتزام بالموضوعية في الطرق و الامارات، لأنّ معنى الترتب جعل حكم آخر في فرض جهل المكلف بالواقع واجد لمصلحة اخرى غير ما جعل لذات الشي ء أوّلا، و هذا خلاف التحقيق. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 295

التكليف و البعث إليه يكون فعليا، غاية الأمر في رتبة العصيان لا يؤثر بعث المولى و لهذا يحيى الأمر بالمهم لحصول شرطه، فاطلاق الأمر بالأهم محفوظ و يشمل حال العصيان، غاية الأمر لعدم تأثير بعثه نقول: بعدم مانع من تعلق بعث مشروطا بالمهم، و أمّا فى المقام الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي فعلى ما قلنا مع فرض كون إطلاق الحكم الواقعي شاملا لحال الجهل بالنحو المتقدم بيانه، و لكن هذا الحكم في حال الجهل لم يبلغ مرتبة البعث، لأنّ المولى يرى عدم قابلية الحكم للانبعاث، فالقصور ليس من ناحيته، بل يكون من ناحية العبد ففي هذا الفرض أعنى، فرض جهل المكلف، لا يكون الحكم الواقعي فعليا أصلا حتّى يتوهم التضاد بينه و بين الحكم الظاهري

حتّى تصل النوبة في تصحيح الأمر بالحكم الظاهري بنحو الترتب، مضافا إلى بطلان توجيه الترتب لغير هذه الجهة أيضا فافهم.

و يظهر لك خامسا بأنّ ما قلنا من التوجيه في تصحيح الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري يكون في ما يرى الحكم الظاهري في مقابل الحكم الواقعي، و بعبارة اخرى يكون في ما أدت الأمارة أو الأصل على حكم على خلاف الحكم الواقعي، و بعبارة ثالثة تكون مؤدى الأمارة أو الأصل طلب فعل، و الحال أنّ هذا الفعل يكون حراما واقعا أو بالعكس، و بهذا النحو نرفع التضاد المتوهم و نجمع بينهما.

و أمّا إذا كان لسان الأمارة أو الأصل هو التوسعة في الواقعي، بمعنى أنّ ما يكون معتبرا وجودا أو عدما، و مطلوبا أو مبغوضا هو الأعم من الواقعي و الظاهري، و هو مثل ما يكون الحكم الواقعي في مقام بيان دخل جزء أو شرط في المأمور به، و يكون لسان دليل الحكم الظاهري التوسعة في الشرط أو الجزء مثل الطهارة في الصّلاة، فإنّ المستفاد من الحكم الواقعي شرطيتها للصّلاة، و مقتضى قوله

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 296

(كل شي ء طاهر حتّى تعلم انّه قذر) أو استصحاب الطهارة هو كون الطهارة الظاهرية فردا للطهارة، فمعناهما هي التوسعة في الطهارة الّتي شرط في الصّلاة، و بينا ذلك مفصلا في مبحث الاجزاء في الاصول، و في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و قلنا باجزاء الصّلاة الواقعة مع الطهارة الظاهرية عن الواقع، فكل مورد يكون لسان دليل الحكم الظاهري التوسعة في دليل الحكم الواقعى، سواء كان الحكم الظاهرى اصلا أو أمارة، نقول بعدم تعارضهما، و إجزاء الظاهري عن الواقعي، لكون ما اعتبر أعمّ من الواقعي و الظاهري.

يظهر لك

سادسا بأنّه لا يمكن دفع الاشكال في الجهر و الاخفات- المتقدم ذكره من أنّه كيف تقول بصحة الصّلاة الواقعة على خلاف وصفها الواجب لترك الجهر أو الاخفات، و مع ذلك تقولون باستحقاق الجاهل بها للعقاب- بما قاله العلّامة الحائري رحمه اللّه من الترتب على نحو الترتب الّذي قال استاده العلّامة السيّد محمد الاصفهاني رحمه اللّه في مسئلة الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، لما قلنا لك.

[لا يمكن فى مسئلة الجهر و الاخفات بالتوسعة]

إذا عرفت ذلك كله فهل يمكن ان يقال في مسئلة معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات: بالتوسعة بأن يقال: بأنّه بعد دلالة رواية زرارة المتقدمة على عدم وجوب الاعادة على تركهما و تمامية الصّلاة الواقعة بدون الجهر أو الاخفات- بأنّ أصل طبيعة الصّلاة واجبة و اعتبر فيها شرط، و هو كون قراءتها جهرا أو اخفاتا، و بعد ملاحظة صدر رواية زرارة مع ذيلها نكشف من كون طبيعة الصّلاة واجبة و اعتبر فيها شرط، و هو كون قراءتها جهرا أو اخفاتا و واجدة لتلك المصلحة في حال الجهل و إن تكن فاقدة للجهر أو الاخفات، فنقول: بأنّه لا مانع من كون الطبيعة واجدة لمصلحة في صورة علم المكلف إذا أجهر فيها أو أخفي فيها، و تكون واجدة

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 297

لتلك المرتبة من المصلحة في حال الجهل و إن أجهر في ما ينبغي الاخفات فيه أو بالعكس.

و لكن قد يستشكل في ذلك بأنّه لو فرض كون الطبيعة واجدة لمرتبة من المصلحة و لو بدون الجهر أو الاخفات في قراءتها كما فرضت في صورة الجهل، فمن أىّ علة اعتبر أحدهما في حال العلم مع فرض كون الطبيعة واجدة لتلك المرتبة من المصلحة بدونهما و هل يكون دخلهما إلّا لغوا. «1»

اعلم

بأنّ في معذورية الجاهل بالجهر و الاخفات يكون اشكالان:

الاشكال الأوّل: إشكال الدور، و هو أنّه إن قلت: بأنّ الجاهل غير مكلف

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: أمّا أوّلا فإنّ ذلك منقوض بما أفدت من هذا النحو من التوسعة فإنّ في الموارد الّتي تقول بالتوسعة- مثل ما إذا كان مفاد الحكم الواقعي جعل الشرطية الواقعية، و لسان جعل الحكم الظاهري كون الشرط أعم من الظاهري و الواقعي مثل (كل شي ء طاهر) بالنسبة إلى شرطية الطهارة الخبيثة في الصّلاة- يرد هذا الاشكال لأنّه يقال مع فرض كون الطهارة أعمّ من الواقعية و الظاهرية واجدة لمرتبة واحدة من المصلحة تكون الطهارة الواقعية واجدة لها، فيكون جعل الطهارة الواقعية حال العلم بها لغوا.

و ثانيا يمكن أن يكون للطهارة الواقعية مرتبة من المصلحة حال العلم، و لا تكون هذه المرتبة في الطهارة الأعم من الواقعى و الظاهرى في هذا الحال، لكن تكون لها هذه المرتبة في خصوص حال الجهل، و هكذا يمكن كون الصّلاة مع الجهر أو الاخفات واجدة لمرتبة من المصلحة في حال العلم لا تكون هذه المرتبة بدونهما في حال العلم، و لهذا أمر المولى بالصّلاة معهما حال العلم بهذا الحكم، و لكن تكون هذه المرتبة من المصلحة في الصّلاة بدون واجديتها للجهر أو الاخفات في حال الجهل بهما، فلأجل هذا لم يشرع للجاهل إلّا الصّلاة الواجدة للجهر أو الاخفات، ثمّ تمّ مجلس البحث و لم يبين مدّ ظله العالى مختارة في ورود هذا الاشكال و عدمه، و قال في اليوم اللاحق). (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 298

بالجهر الاخفات و أنّ هذا الحكم شرّع لخصوص العالم بهذا الحكم، فهذا دور للزوم توقف الموضوع على العلم

بالحكم، و الحال أنّ العلم بالحكم مؤخر عن الموضوع بمرتبتين.

الاشكال الثاني: أنّه بعد ما لا تجب الاعادة و تمت صلاته، فما الوجه لاستحقاق العقاب، لأنّ عدم وجوب الاعادة يكون من باب تحقق الامتثال، و بعد تحقق الامتثال لا وجه لاستحقاق العقاب.

[في جواب السيد البروجردي ره عن الاشكالين فى الجهر و الاخفات]

فنقول بعونه تعالى: أمّا الجواب عن الاشكال الأوّل فكما قلنا في الاصول و ذكرنا في طي كلماتنا السابقة بنحو الاجمال: بأنّه يمكن أن يقال: بأن يكون في مقام الثبوت حكما مطلقا على جميع المكلفين، و يشمل إطلاقه العالم و الجاهل بإطلاقه الذاتي على الجهر في الصّلاة أو الاخفات فيها، و بعد ملاحظة خارجية الجهر و الاخفات من الصدر الأوّل إلى زمان صدور رواية زرارة الدالّة على معذورية الجاهل بحكمهما على ما قلنا من كون عمل المسلمين على الجهر في بعض الصلوات، و الاخفات في بعضها، بحيث كانت الصّلاة منقسمة بقسمين الجهرية و الاخفاتية، بنحو لو كنّا و هذا العمل و لم يفتوا فقهاء العامة على عدم وجوبهما، لم يتخيل أحد عدم وجوبهما، فمع كون خارجيتها على هذا النحو، فمن يتركها لم يكن إلّا من باب الاستناد بقول الفقهاء، فالرواية تدلّ على معذورية الجاهل الّذي يكون تركه مستندا إلى حجّة في نظره.

فمن هنا يظهر لك أنّ قوله في الفقرة الثانية من الرواية (و لا يدري) لا يشمل الشاك لأنّ تركه لا يكون مستندا إلى شكه لأنّ الشاك لو أتى أو يترك يكون من باب آخر كالاحتياط مثلا، لا أن يكون شكه منشأ فعله، و أمّا (لا يدرى) يشمل

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 299

الجاهل لما قلنا من أن الجاهل يكون استناده في تركهما إلى الجهل، فهو حيث يكون جاهلا بحكمهما فمن باب حجة عنده كقول

فقهاء العامة أو غير ذلك يتركهما، فلا مانع من أنّ الشارع جعل لهذا الجاهل حكما ظاهريا، و هو كون الصّلاة الواجبة عليه بلا جهر أو اخفات، فالحكم الواقعي المجعول أوّلا و إن كان مطلقا يشمل العالم و الجاهل بالحكم و لكن حيث إنّه لا يمكن انبعاث المكلف نحوه لجهله، و يكون روح البعث هو الانبعاث فالحكم الواقعي يكون شأنيا و لا يكون فعليا، فجعل الشارع حكما ظاهريا آخر في حقّ الجاهل، فلم يكن دور أصلا لأنّ الحكم الواقعي غير مختص بالعالم بالحكم حتّى يلزم، الدور بل هو حكم يشترك فيه العالم و الجاهل، و لكن مع جهل المكلف يكون حكما غير فعلى و في هذا الحال جعل حكما ظاهريا للجاهل بالحكم، فتكون النتيجة كون الصّلاة في حق الجاهل غير مقيد بالجهر أو الاخفات.

و أمّا الاشكال الثاني فنقول في جوابه: بأنّا لا نسلم كون الجاهل في ما نحن فيه مستحقا للعقاب و إن قاله بعض الفقهاء قدس سرّه، بل و إن قال به جميعهم، حيث إنّ الحاكم في باب استحقاق الثواب و العقاب هو العقل، و ليس مجال لاتفاق الفقهاء او فتواهم أو الاجماع فيه و لا حجية لها، فعلى هذا نقول: لا نسلم استحقاق العقاب، و معه لا يبقى إشكال من حيث التنافى بين عدم وجوب الاعادة و بين استحقاق العقاب.

ثمّ اعلم بأنّ ما قلنا من عدم فعلية الحكم الواقعي لا ينافي مع ما قلنا في محله من أنّ التكاليف الواقعية و إن لم تصر فعليا لعدم إمكان إرادة المولى انبعاث العبد نحوها لجهله بالبعث، و لكن يمكن أن يريد المولى انبعاثه نحو هذه التكاليف الواقعية المجهولة و يبعث نحوها ببعث آخر من جعل الاحتياط

أو وجوب طلب العلم.

وجه توهّم التنافي هو أن يقال: بأنّ التكليف الواقعي الأوّلى و ان لم يعلم به

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 300

المكلف و لهذا ليس قابلا لأنّ يصير فعليا، و لكن صار فعليا بسبب بعث آخر و هو البعث بطلب العلم، فمن الواضح أنّ وجوبه ليس نفسيا بل يكون تهيئا لأن يصل العبد إلى الواقعيات و احكام المولى، فإذا ترك طلب العلم و ترك لأجله الواقعيات يعاقب على الواقعيات لأنّها صارت بسبب الأمر بطلب العلم فعليا لأنّه فهم العبد من وجوب طلب العلم عدم رضى المولى بترك الأحكام المجهولة فبعد ذلك نقول:

بأنّ الحكم الواقعي، و هو حكم الجهر و الاخفات في الصّلاة، صار فعليا و يصح العقاب على تركه.

وجه عدم التنافى هو أنّه و إن قلنا ذلك، لكن بعد دلالة الدليل على معذورية الجاهل و تمامية صلاته الواقعة بلا جهر أو إخفات تكون هذه الرواية مخصصا لما يدلّ على صيرورة الأحكام الواقعية فعلية لكون هذا الدليل خاصا فنخصص به بعض المطلقات الدالّة على طلب العلم الموجب لصيرورة الواقعيات فعلية بسببه و استحقاق العقاب على ترك الواقع، لأنّ مقتضى هذه الرواية كون جهله عذرا، فمن هنا يكشف عدم كون الواقع فعليا في المورد، فافهم.

المقام الرابع:
اشارة

في حكم الجهر بالبسملة في ما يتخفت فيه بالقراءة.

[في ان فى الجهر بالبسملة خمسة اقوال]

اعلم أنّ هنا أقوالا خمسة:

الأوّل: استحباب «1» الجهر بها في ركعتي الأوليين، و كذا في الثالثة و الرابعة لو قرء فيها أيضا مطلقا سواء كان إماما أو غير إمام، و هذا هو القول المشهور على ما ادعى غير واحد.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 321. جواهر، ج 9، ص 385.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 301

الثاني: استحباب الجهر بها في خصوص الأولتين و أمّا الاخيرتين فلا يستحبّ الجهر بها في شي ء من الصلوات، بل لا يجوز و هذا مختار صاحب السرائر. «1»

الثالث: اختصاص الاستحباب بالامام فقط دون غيره، و هذا محكي عن ابن جنيد. «2»

الرابع: وجوب الجهر بها مطلقا، نسب هذا القول إلى القاضي ابن براج في المهذب «3» و كذا إلى ظاهر الصّدوق رحمه اللّه في الخصال «4» بناء على كون كلامهما يشمل الأخيرتين أيضا.

الخامس: اختصاص وجوب الجهر بها بخصوص الأوّلتين، و هو المحكي عن أبي الصلاح في الكافي. «5»

هذا كله الأقوال في المسألة،

[في ذكر الروايات في حكم البسملة]
اشارة

و أمّا الأخبار.

فالاولى: منها ما رواها صفوان الجمال (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و كان يجهر في السورتين جميعا). «6»

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 218.

(2)- المختلف، ج 2، ص 155 عن ابن جنيد.

(3)- المهذب، ج 1، ص 92، الخصال، ص 604.

(4)- المهذب، ج 1، ص 92، الخصال، ص 604.

(5)- الكافى في الفقه، ص 177.

(6)- الرواية 1 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 302

تدلّ هذه الرواية على الجهر استحبابا أو وجوبا على خصوص الامام، و أمّا غير الامام فلا دلالة عليه، و تدلّ على كون جهره عليه السّلام

في الأوّلتين فلا دلالة لها على الأخيرتين لأنّه قال (إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر بالبسملة) و قال (و كان يجهر في السورتين) جميعا، و هذا شاهد على كون نظر الناقل نقل فعله في الأوّلتين لأنّ في الأخيرتين ليست غير الفاتحة سورة اخرى حتّى يقول يجهر في السورتين. «1»

(و لا دلالة لها على كون الجهر بها واجبا أو مستحبا لأنّ الراوي ينقل فعله عليه السّلام و هو كما يساعد مع الوجوب يساعد مع الاستحباب أيضا).

الرواية الثانية: و هي ما رواها حنان بن سدير (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فتعوّذ باجهار، ثمّ جهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «2»

لا دلالة لها على الجهر لغير الامام، و حيث يكون نقل الفعل لا إطلاق لها يشمل الركعتين الأخيرتين.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو حمزة (قال: قال علي بن الحسين عليه السّلام يا ثمالي إنّ الصّلاة إذا اقيمت جاء الشيطان إلى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فإن قال: نعم ذهب و إن قال: لا، ركب على كتفيه، و كان إمام القوم حتّى ينصرفوا، قال:

فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال: بلى ليس حيث تذهب، يا ثمالي إنّما

______________________________

(1)- أقول: دلالة قوله (و كان يجهر في السورتين) على كون فعله عليه السّلام في خصوص الأوّلتين ممنوع لأنّ الناقل ينقل فعله و أنّه يجهر بالبسملة في كل من السورتين، و أمّا انحصار كون قرائية في كل ركعة بالسورتين فلا يدلّ عليه، بل يمكن أن يكون نظره إلى أنّ متى يكون محل قراءة السورتين يجهر بالبسملة فيها. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 303

هو الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «1»

تدلّ على مطلوبية جهرها للامام و لا إطلاق لها يشمل الأخيرتين لو قرء فيهما إن لم نقل بظهورها في الأوّلتين لانه قال فيها (إذا اقيمت جاء الشيطان).

الرواية الرابعة: و هي ما رواها اعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام في حديث شرايع الدين (قال و الاجهار ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في الصّلاة واجب). «2»

و أعمش عامي، و هذه رواية من روايات كتاب يسمى بشرائع الدين، و أمّا دلالتها فباطلاقها يشمل الامام و المأمور و المنفرد، و يحتمل شموله للركعتين الأخيرتين، و يأتى الكلام فيها أيضا بعدا.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون (قال: و الاجهار ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة). «3»

و هي مطلق من حيث الامام و المأموم، و يحتمل اطلاقها للاولتين و الأخيرتين، و لفظ سنة قابل للحمل على الاستحباب.

الرواية السادسة: و هي ما رواه رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا عليه السّلام (أنّه كان يجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل و النهار). «4»

و حيث أنّها نقل الفعل فقدر المتيقن منها هو الأولتين و صورة كونه إما ما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 304

لاحتمال كونه عليه السّلام يصلّي صلاته الفريضة جماعة و هو الامام، و كان جهره بها في خصوص

الأوّلتين.

الرواية السابعة: و هي ما رواها أبو حفص الصائغ (قال: صلّيت خلف جعفر بن محمد يجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم. «1»

و هذه الرواية لا تدلّ إلّا على نقل الفعل و جهره عليه السّلام و هو كان إماما، فتدلّ على خصوص الامام و لا إطلاق لها يشمل استحباب الجهر في الأخيرتين من الصّلاة، فقدر المتيقن منها الأوّلتين.

الرواية الثامنة: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن الحسين بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان (قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب به (بسم اللّه الرحمن الرحيم فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر به (بسم اللّه الرحمن الرحيم و أخفي ما سوى ذلك). «2»

و نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه هذه الرواية في الباب 57 من أبواب المذكورة حديث 2، و لكن يرى في هذا النقل بأنّ سند الرواية ينتهي إلى صفوان، و هو يروي عن عبد الرحمن بن أبي نجران بعكس ما نقل في الباب 21، و هذا غير صحيح و المراجع بالتهذيب يرى أنّ الصحيح هو النحو الّذي ذكره في الباب 21.

و على كل حال لا تدلّ هذه الرواية إلّا لخصوص الامام، لأنّ الراوي ينقل فعله عليه السّلام و الحال أنّه يؤم الناس، و لا تدلّ على استحباب الجهر في الأخيرتين لعدم

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 21 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 57 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 305

إطلاق لها، بل ربما يقال: بأنّ ظاهرها خصوص الأوّلتين لتعبيره فيها (فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ب بسم

اللّه الرحمن الرحيم و اخفي ما سوى ذلك) و هذا التعبير لا يناسب إلّا باعتبار الأوّلتين.

الرواية التاسعة: هي ما رواها سليم بن قيس الهلالي (قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمدين لخلافه، و لو حملت الناس على تركها لتفرق عنّي جندي، أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الّذي كان فيه (إلى أن قال) و حرمت المسح على الخفين، و حددت على النبيذ، و أمرت باحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت الناس الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم (إلى أن قال) إذا لتفرقوا عني الحديث). «1»

الرواية العاشرة: الرواية المعروفة ذكر في تفسير، و عدّ فيها من علامات المؤمن الجهر ب بسم اللّه الرحمن الرحيم.

هذا كله الروايات في المسألة.

إذا عرفت ذلك نقول: ينبغى قبلا ذكر مقدمة مفيدة في فهم الحق في المسألة، و هي أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في الخلاف «2» مسئلة: يجب الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم في الحمد و في كل سورة بعدها كما يجب بالقراءة، هذا في ما يجب الجهر فيه، فإن كانت الصّلاة لا يجهر فيها استحب أن يجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و إن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع كل سورة، و هو

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 38 من ابواب القراءة فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 331- 322.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 306

مذهب الشافعي إلّا أنّه لم يذكر استحباب الجهر في ما يخفى فيه بالقراءة، ذكر ذلك في البويطي و في

اختلاف العراقيين، و ذكر ابن المنذر عن عطاء و طاوس و مجاهد و سعيد بن جبير أنّهم كانوا يجهرون به بسم اللّه الرحمن الرحيم و روي مثل ذلك عن ابن عمر، و أنّه كان لا يدع الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم في أمّ القرآن و السورة بعدها، و ذهب أبو حنيفة و سفيان الثوري و الأوزاعي و أبو عبيدة و أحمد إلى أنّه يسرها و قال ما لك: المستحب أن لا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم و يفتتح القراءة بالحمد للّه رب العالمين. «1»

[فى المستفاد من الروايات الواردة فى الباب]

و اذا تأملت في ما ذكرنا يظهر لك بأنّ ما هو المفتي به عند أكثر العامة، بل كلهم هو عدم وجوب الجهر به (بسم الرحمن الرحيم) في الجهرية، فالامامية في قبالهم ملتزمون بوجوب الجهر بها في الجهرية، فإذا ظهر لك وضع البسملة عند العامة من تجويز بعضهم، تركها رأسا (و من تجويز الاجهار بها و الاسرار بها من بعضهم و من الحكم بالاسرار بها من بعضهم) نقول: بأنّه يظهر لك بأنّ المحتمل بل القريب كون الرواية الرابعة و كذلك التاسعة ناظرتان إلى ما يكون به عمل العامة و فتواهم من التزامهم بعدم وجوب الجهر بها في الجهرية، فإن قوله عليه السّلام و الاجهار به (بسم اللّه الرحمن الرحيم) في الصّلاة واجب، كما في الرواية الرابعة، يكون ناظرا إلى بيان

______________________________

(1)- أقول: و قال العلّامة رحمه اللّه في التذكرة عند التعرض للمسألة: و قال الشافعى: يستحبّ الجهر بها قبل الحمد و السورة في الجهرية و الاخفاتية، و به قال عمرو بن الزبير و ابن عباس و ابن عمرو و أبي هريرة و هو مذهب عطا و طاوس و سعيد بن جبير

و مجاهد، و هو موافق لقولنا في الاخفاتية و قد بيّنا وجوب الجهر في الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة و أحمد و أبو عبيد لا يجهر بهما بحال (إلى أن قال) و قال النخعى جهر الامام بها بدعة و قال مالك: المستحب أن لا يقرئها، و قال ابن أبي ليلى و الحكم و إسحاق: و إن جهرت فحسن و إن اخفت فحسن. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 307

وجوب الجهر بها في الجهرية و بيان بطلان ما يعمله العامة، و كذلك قول علي عليه السّلام:

و ألزمت الناس الجهر به بسم اللّه الرحمن الرحيم و بيان ردعه الناس عما بدعه الخلفاء الجور لو لا خوف التفرق، كان في قبال تركهم العمل بما وجب اللّه من الجهر بها في الجهرية.

فعلى هذا لا مجال للاستدلال بها على وجوب الجهر بها في الاخفاتية، و لا حاجة في ذكر توجيه الرواية الرابعة بأنّ المراد من الوجوب الثبوت، و من الرواية التاسعة بأنّه لو كان الجهر واجبا لما كان إلزامه عليه السّلام مستندا إلى بدعة السابقين «1» فعلى هذا بعد التوجّه إلى فتوى العامة يحتمل أقلا كون النظر في الروايتين إلى وجوب الجهر بها في الجهرية لا إلى وجوب الجهر بها في الاخفاتية «2»

[في ان قدر المتيقن من الرواية الاولى و الثانية و السادسة و السابعة و الثامنة هو الامام]

إذا عرفت حال

______________________________

(1)- أقول: و الحال أنّ المستفاد من الرواية هو أن لفظ (ألزمت) و غيرها يكون فعل المتكلم المفرد المؤنث حتّى كانت المعنى: أنّ الولاة ألزموا الناس بالجهر، بل المراد أنّه لو أنا الزمت و فعلت كذا و كذا لتفرق عنى جندي، فعلى هذا ليس الاستناد إلى الولاة حتّى يقال: بأنّ الولاة أوجبوا الجهر بها لا أنّ الجهر واجب. (المقرر)

(2)- أقول: و هذا من إفاداته

الشريفة أدام اللّه تعالى ظله على رءوس الأنام حيث إنّ الناظر يرى بأنّ جل المتأخرين، بل كلهم وقعوا في الاشكال من حيث الروايتين المتقدمتين، و قال بعضهم: بالآخرة بوجوب الاحتياط بالاجهار بها في الاخفاتية، و لكن الناظر في ما أفاده في المقام يعلم أنّ ببيانه الشريف يدفع الاشكال، و لا يستظهر من الروايتين ما يمكن أن يكون وجها لوجوب الجهر بالبسملة في الاخفاتية، بل الروايتان ناظرتان إلى ما أفاده مدّ ظلّه العالى.

و من هنا يظهر أنّ ما يقول مدّ ظلّه من أنّ الرجوع إلى فتاوي العامة و الاطلاع بأقوالهم مؤثر في فهم الروايات و يؤيد في الاجتهاد و استنباط الاحكام، يكون في محله.

كما قال في المقام: بأنّا و إن كنّا أصحاب النص، و يكون وضع فقهنا في استنباط الاحكام على خلاف طريقتهم، و لا نعمل بالقياس و الاستحسان، بل نعمل بقول اللّه و كتابه و سنة رسوله و الائمة.

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 308

الروايتين نقول: أمّا الرواية الاولى و الثانية و السادسة و السابعة و الثامنة لا تدلّ إلّا على نقل الفعل، و القدر المتيقن منها هو الامام و الركعتين الأوّلتين و لا تدلّ على الوجوب، بل يساعد مع الاستحباب، و مثلها الرواية الثالثة لأنّها لا إطلاق لها يشمل الأخيرتين و تدلّ على خصوص الامام، و لا تدلّ على وجوب الجهر، لأنّ ترتب مثل هذه الآثار وقع في الروايات على ترك بعض المستحبات، أو فعل بعض المكروهات.

و أمّا الرواية العاشرة فلا تدلّ على كون الجهر بها مطلقا حتّى في غير حال الصّلاة من علامات المؤمن، و قدر المتيقن منها هو الجهر في الصّلاة، أمّا خصوص الجهر بها في الجهرية، أو الأعم منها و الاخفاتية، أو

في كل منهما على خصوص الامام، أو الاعم منه و المأموم و المنفرد فغير معلوم، و على كل حال لا دلالة لها على وجوبها خصوصا بقرينة بعض المذكورات في الرواية، نعم ان ثبت وجوب الاجهار بها في الإخفاتية فيقال: لا يضرّ عدها في ضمن المستحبات.

و أمّا الرواية الخامسة (و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون قال: و الجهار به بسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصّلوات سنة) فهذه الرواية بعمومها تدلّ على كون الجهر بها في جميع الصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية سنة لأنّه عليه السّلام قال (في جميع الصلوات) فيعمّ كل صلاة و لا يبعد شمول

______________________________

عليهم الصّلاة و السلام، و لكن بعد كون ائمتنا عليهم السّلام كلّهم مبتلى بالعامة و كانوا في محيطهم، ففهم فتاويهم مؤثر في فهم مرادات الائمة عليهم السّلام، و هذا هو دأب فقهائنا رضوان اللّه عليهم إلى زمن المحقق رحمه اللّه، و الشهيدين قدس سرّه، و بعدهم تركت هذه الطريقة قليلا قليلا، و لهذا انحرف الفقه عن مجراه، و هو مدّ ظله لاطلاعه على هذه الجهات يكون وضعه في الفقه على طريق سوى و منهج مستقيم لم يبلغ بمقامه إلّا الأوحدى، اللّهم احفظه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 309

إطلاقه الاحوالي منها للامام و المنفرد، و أمّا شمولها للأخيرتين فقد يقال: بأنّ عمومها يشملهما لأنّه قال (في جميع الصلوات) و لكن يمكن منع شمول عمومها للأخيرتين من باب أنّ النظر فيها إلى كون الجهر بها سنة في جميع الصلوات، أعنى: سواء كانت الصّلاة ظهرا أو عصرا أو مغربا أو عشاء أو غداة، و سواء كانت فريضة أو نافلة، و أمّا بعد

كونه سنة في جميع الصلوات ففي أيّ موضع منها يكون سنة هل سنة في خصوص الأوّلتين أو فيهما و الاخيرتين فيمكن منع شمول العموم لغير الأوّلتين و أنّ المتيقن الاولتان فقط وجهان.

و أمّا قوله (سنة) فهي تناسب مع الوجوب و الاستحباب، ففي الجهرية الوجوب سنة، و في الاخفاتية الاستحباب سنة ففي حدّ ذاتها لا ظهور لها لا في الوجوب و لا في الاستحباب.

[الحقّ وجوب الجهر بالبسملة فى الصّلوات الجهرية]

فتكون النتيجة هو أنّ الكلام تارة يقع في الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية و عدمه فالحق هو وجوبه لأنّ ذلك من المسلمات عندنا خلافا للعامة، و بيّنا عبارة الخلاف و التذكرة الدالتين على ذلك، و قلنا بأنّه من المحتمل، بل القريب كون النظر في الرواية 4 و 9 المتقدم ذكرهما بهذه الجهة، و تارة يقع الكلام في وجوب الجهر أو استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية، و قلنا في هذا المقام بعدم دليل على وجوب الجهر بها، نعم يستفاد من بعض الروايات استحبابه على الامام، و الرواية 5 المتقدمة تدلّ بالإطلاق على شمول الحكم للامام و المنفرد.

فقد عرفت ممّا مرّ أنّ الكلام لا بد و أن يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في حكم الجهر بها في الجهرية، و لم ير تعرض لهذه الجهة في الجواهر و المصباح.

الجهة الثانية: في حكم الجهر بها في الاخفاتية، و تعرضنا لكلا الجهتين

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 310

و أمضينا الكلام فيهما بحمد اللّه تعالى.

فرع: هل يستحبّ الجهر بالبسملة للمأموم المسبوق أيضا أم لا؟

اعلم أنّه بعد كون صلاة الجماعة بحسب الشرع على ما يستفاد من أحكامها و وضعها، هو متابعة المأمومين للامام، و كون كل منهم على وضع واحد، فمن وضعها يظهر أنّ اقتضاء الجماعة هو عدم ظهور

عمل على خلاف الامام إلّا في ما استثنى فعلى هذا مع عدم الاطلاق لما دلّ على استحباب الجهر بالبسملة يشمل المورد، لا وجه للالتزام باستحباب الجهر بها في المورد، خصوصا مع منافاته لوضع الجماعة لاقتضائها كما قلنا لمتابعة المأموم للامام، و عدم ظهور فعل منه على خلاف تبعية، و الجهر بها للمسبوق على خلاف، لأنّ الامام يخفت في الركعتين الأخيرتين من الصّلاة. «1»

الموضع الثاني عشر: هل الموالاة في القراءة شرط في صحتها أم لا؟
اشارة

و المراد بالموالاة كما يظهر من بعض الكلمات، هي أن لا يفصل بين أبعاض القراءة بسكوت معتد به، أو كلام مغاير عدى ما ورد الدليل على جوازه كسؤال الرحمة و غيره.

إن كان الوجه في اعتبارها فيها هو ما يقال: من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يوالي في قراءته، فيجب التأسي بفعله لقوله (صلّوا كما رأيتموني اصلّي).

[لا يكون فعل النّبي ص دالا على لزوم الموالاة]

ففيه أنّ مجرد ذلك لا يكون دليلا على الوجوب، لأنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلّه كان من باب العادة، لأنّ بحسب العادة من يشرع في أمر أو عمل يتمه و لا يفصل بينه بشي ء، و لكن ليس ذلك من باب دخل عدم الفصل في القراءة عنده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قوله (صلّوا كما

______________________________

(1)- أقول: إنّه إن كان لما دل على استحباب الجهر بها إطلاق، فلا وجه لما أفاده مدّ ظلّه من منافات ذلك مع وضع الجماعة، لأنّ مجرد ذلك لا يوجب تقييد الاطلاق، و إن لم يكن له إطلاق فيكفي في نفي الاستحباب عدم الدليل عليه، نعم يمكن دعوى منع الاطلاق. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 5، ص: 311

رأيتموني أصلّي) لا يستفاد منه اعتبار الموالاة في القراءة، لأنّه ليس ناظرا إلى هذا الحيث لكون النظر فيه إلى إتيانها على نحو صلّى من جامعيّتها للأجزاء و الشرائط، و لا يمكن اجرائه مجرى العادة.

و إن كان الوجه في اعتبارها ما قال في المصباح «1»: من أنّ المتبادر من أوامر القراءة في الصلوات و لو بواسطة المناسبة المغروسة، هو الاتيان بها بنحو يعدّ في العرف مجموعها قراءة واحدة، فالفصل بينها بكلام أو سكوت مخلّ بصحتها لدى العرف.

ففيه أنّ استفادة الموالاة

بالمعنى الّتي ذكرها في القراءة، و كون ذلك متبادرا من الأمر بالقراءة، مشكل مضافا إلى أنّه إن كان الوجه في اعتبارها هو الوجه الأوّل فهو يدلّ على اعتبار الموالاة في الصّلاة لا في خصوص القراءة منها.

الى هنا تمّ الجزء الخامس من كتاب تبيان الصّلاة بحمد اللّه و منّه و به تم احكام القراءة في الصّلاة و يتلوه الجزء السادس فى احكام بقية افعال الصّلاة مع قواطعها.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 313.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء السادس

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 5

[تتمة المقصد الثاني]

[تتمة فصل في أفعال الصلاة]

الخامس من أفعال الصّلاة الركوع
اشارة

اعلم أنّ دخله في الصّلاة و كونه من جملة واجباتها في الجملة من المسلمات، بل ربما يعدّ مثل أصل وجوب الصّلاة من الضروريات في الدين، و يجب في كل ركعة من ركعات الصّلاة ركوع واحد إلّا في صلاة الآيات، و ربما يكون الركوع أهمّ واجبات الصّلاة، حتّى كان إطلاق الركعة باعتباره، فيقال: صلاة الصبح ركعتان، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء و الظهر و العصر أربع ركعات باعتبار كون الواجب في الاولى ركوعان، و في الثانية ثلاثة ركوعات، و فيما بقى منها أربع ركوعات.

و لهذا قلنا: بأنّا نفهم من بعض التعبيرات الواردة في الروايات، مثلا (ثمّ تقوم إلى الركعة الثانية) أو (تقوم إلى الركعة الثالثة) بأنّ المراد هو القيام إلى الركوع، و لهذا يكون قيام الواجب هو القيام إلى الركوع، و قد مرّ الكلام فيه في القيام.

بل ربما يطلق الركوع على نفس الصّلاة كما ورد من الخاصّة و العامة في تفسير قوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ «1» بأنّ المراد من الركوع هو الصّلاة يعني: صلوا

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 43.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 6

مع المصلين، فمما مرّ يظهر لك أنّ اعتباره في الصّلاة في الجملة ممّا لا إشكال فيه و يكون ركنا من أركانها كما يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه تعالى،

[في واجبات الركوع]
اشارة

ثمّ بعد ذلك نشرع في واجباته فهي، على ما يظهر من بعض العبائر، خمسة:

الاولى: من واجباته، على ما في الشرائع، أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه.

اعلم بأنّه لا إشكال في أنّ المراد من الركوع هو الانحناء، و بالفارسية (خم شدن) فيقال بالمنحني بأنّه الراكع متى يكون راكعا و منحنيا خلقة أو لعارض، و لا يعتبر في مفهومه العرفي إحداث

الانحناء.

فنقول: بعد ما لا يعتبر في مفهوم الركوع عرفا إلّا مطلق الانحناء (الانحناء بمرتبة خاصة) و بعد ما لا إشكال في أنّه ليس للركوع حقيقة شرعية، بل استعمل في الشرع في معناه العرفي، و إن تصرف فيه الشرع يكون تصرفه بدخل أمر زائد فيه، لا من باب التصرف في حقيقته، فيقع الكلام في أنّه هل يعتبر في الركوع المعتبر في الصّلاة حدّ خاص من الانحناء أو لا يعتبر ذلك، بل يحصل مفهومه و يصدق الركوع بمجرد الانحناء و ان كان قليلا، و على تقدير اعتبار حدّ خاص و وجوب مرتبة خاصة ما هذا الحدّ و هذه المرتبة.

فنقول: أمّا عند العامة فالمنسوب بأبي حنيفة هو تحقق الركوع بصرف الانحناء في أىّ مرتبة من مراتبه، فصرف الانحناء محقّق الركوع و إن لم يبلغ بمرتبة تبلغ اليد بالركبة لتحقق الانحناء بما دون ذلك أيضا و قال الشافعي، على ما في كتابه المسمى بالامّ (باعتبار حدّ خاص في الركوع المعتبر في الصّلاة، و هو وصول كفيه إلى ركبتيه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 7

و أمّا عند الخاصّة فاعتبار الانحناء إلى حدّ خاصّ في الركوع الواجب في الصّلاة في الجملة مسلم و إن كان الخلاف بينهم في ما هو الحدّ، فاختلافهم في المرتبة التي يجب الانحناء في الركوع بهذه المرتبة، فقال المحقق رحمه اللّه في الشرائع «1»: و الواجب فيه خمسة أشياء:

الأوّل:

أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، و عن جملة اخرى منهم التعبير بهذا النحو، مثل العلّامة رحمه اللّه في القواعد و التحرير و المنتهي و الشهيد رحمه اللّه في الذكرى، و حكي عن بعضهم بأنّ الواجب الانحناء بمقدار يصل معه كفّاه بركبتيه، و عن بعضهم أنّه

يجب الانحناء لى أن تبلغ راحتاه بركبتيه، و عن بعضهم أنّه يجب الانحناء إلى حدّ تصل أطراف أصابعه بركبتيه، و هل المراد من أطراف الأصابع هو طرفها المتصل بالكف كما قال صاحب جامع المقاصد رحمه اللّه، و هو بعيد، أو المراد من أطرافها هي منتهاها الّتي تعد منتهي اليد أعنى: ا الأنامل كما هو الظاهر من أطراف الاصابع.

هذا هو بعض الأقوال في المسألة،

[في ذكر الروايات المربوطة بالركوع]

و أمّا الروايات الّتي تكون بمقامنا مرتبطة.

الرواية الاولى: و هي الرواية الّتي تنتهي سندها بزرارة، (و هو يروي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و إذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك، و تمكن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك). «2»

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 69.

(2)- الرواية 1 من الباب 28 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 8

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام، (و فيها قال عليه السّلام (و تصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك الخ). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيها (ثمّ ركع، و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، و ردّ ركبته إلى خلفه حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، تردّد ركبتيه إلى

خلفه الخ. «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن الرجل ينسى القنوت في الوتر و غير الوتر، فقال: ليس عليه شي ء، و قال: إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته، و ليس عليه شي ء). «3»

الرواية الخامسة: و هي مرسلة المحقق رحمه اللّه في المعتبر و العلّامة رحمه اللّه في المنتهي عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي قالوا و بلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة. «4»

[في ان ليس بين الفقهاء اختلاف فى حد الركوع]

هذا كله في الروايات الّتي ذكروها وجها لما نحن فيه، و بعد ما عرفت ذلك نقول: أمّا فتوى الفقهاء من القدماء قدس سرّهم إلى زمان المحقق رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه و إن كانت مختلفة بحسب اللفظ كما قلنا، لأنّ بعضهم قال: بكفاية بلوغ أطراف الاصابع الركبة،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 15 من ابواب القنوت من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 28 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 9

و بعضهم بلوغ اليد إلى الركبة و بعضهم بلوغ أطراف الاصابع عين الركبة، و بعضهم بلوغ الكف، و بعضهم بلوغ الراحة إلى الركبة.

لكن لا يستفاد من كلماتهم اختلاف بعضهم مع بعض الآخر في هذه الخصوصية، بل نظرهم إلى الرد على أبي حنيفة من كفاية مطلق الانحناء كما تخيله هو، و لهذا لا تشم رائحة خلاف بينهم حتّى يقال: بأنّ كل قول من الأقوال يكون مخالفا مع الآخر،

بل كما كان الأمر بين المسلمين من المخالفة مع قول أبي حنيفة القائل بكفاية مطلق الانحناء و مسماه في الركوع، و كان وجه مخالفتهم معه ما روي في طرقهم عن أنس (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك) و أن المستفاد منها وجوب الانحناء بحدّ يمكن للمصلّي وضع كفّيه على ركبتيه، كان الأمر كذلك عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم، فكانوا في مقام بيان كون حدّ خاص للركوع الواجب في الصّلاة، فهم متفقون في ذلك و ان كانت عبائرهم مختلفة، و لذا لا يرى نقل خلاف من بعضهم على خلاف قول بعض آخر فى هذه الجهة.

[هل الركوع عبارة عن نفس الانحناء الى حدّ خاصّ]

مسئلة: هل الركوع عبارة عن نفس الانحناء بمرتبة خاصّة، و هي المرتبة تصل اليد بالركبة بحيث يكون ساير مراتب الانحناء قبل هذه المرتبة، أعنى: الهوى هذه المرتبة، مقدمة للركوع و خارجا عن حقيقته، سواء نقول: بكون نفس الانحناء إلى المرتبة الخاصّة ركوعا أو الهيئة الحاصلة من البلوغ بهذه المرتبة، أو لا يكون كذلك، بل يكون تمام مراتب الانحناء ركوعا، غاية الأمر يجب شرعا بلوغ الانحناء إلى مرتبة خاصّة، بمعنى: أنّ الشخص إذا أهوى من القيام يعدّ راكعا إلى أن يصل بآخر الحدّ المطلوب شرعا، فمعنى وجوب الركوع وجوب جميع هذه المراتب من الهوى إلى آخر مرتبة، و هو المقدار من الانحناء الّذي يتمكّن معه المصلّي من وصول

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 10

يده بركبته.

و يتفرع على ذلك فرع، و هو أنّه لو أهوى الشخص لغير الركوع، ثمّ بعد ما وصل بحدّ الركوع أو ما قبل حدّ الركوع في مرتبة من الهويات، فقصد الركوع يصحّ ركوعه إن قلنا بالأوّل، و لا

يصح إن قلنا بالثاني.

قال السيّد البحر العلوم رحمه اللّه على ما في منظومته «1» بالأوّل حيث قال:

و لو هوى لغيره ثمّ نوى صح كذا السجود بعد ما هواى إذا الهوى فيهما مقدمة خارجة لغيرها ملتزمة

و كذا قال صاحب «2» الجواهر رحمه اللّه.

و قال العلّامة «3» رحمه اللّه و بعض آخر: بعدم الصحة.

[ما اختاره السيّد البحر العلوم في هذا الباب بوجهين]
اشارة

اعلم أنّ الرواية الرابعة المتقدمة (و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، فقال: ليس عليه شي ء، و قال: إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء) تدلّ على ما اختاره السيّد البحر العلوم رحمه اللّه بوجهين.

الوجه الأوّل:

لقوله عليه السّلام فيها (إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع) فهذه الفقرة تدلّ على عدم كون الهوى جزء للركوع، بل الركوع أمر يحصل بعد الهوى و الهوى مقدمة له، لأنّه عليه السّلام قال (أهوى إلى الركوع.

______________________________

(1)- الدّر النجفية، ص 126.

(2)- الجواهر، ج 10، ص 76.

(3)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 165.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 11

الوجه الثاني:

أنّ الرواية تدلّ على الرجوع قائما لا عادة القنوت ما لم يضع يده على ركبتيه و إن وضع فلا يرجع و ليمض في صلاته، و بالاولوية القطعية تدلّ على جواز الرجوع قبل وضع اليد لنسيان القراءة، أو لنسيان السجدة من الركعة السابقة، فتدلّ على بقاء محل التدارك قبل بلوغه إلى حدّ يتمكن من وضع اليد، و بعد كون هذه المرتبة آخر مرتبة يجب الانحناء إليها و بها يتحقّق الركوع فتدلّ الرواية على أنّ قبل هذه المرتبة حيث لم يدخل بعد في الركوع الّذي هو ركن في الصّلاة يكون محل تدارك الجزء المنسي باقيا، و أمّا إذا وضع يده فقد دخل في الركن و مضى محل التدارك، فيستفاد من هذه الرواية أنّ الركوع عبارة عن مرتبة خاصة من الانحناء، و هي المرتبة الّتي مع بلوغها بها يتمكن من وصول إليها ركبة «1».

و مما قلنا يظهر لك أنّه لا وجه لأنّ يقال: بأنّ تمام مراتب الانحناء يكون ركوعا و إن كانت المرتبة الأخيرة مطلوبة شرعا أيضا لما قلنا من أنّ مفاد الرواية هو كون المراتب المتقدمة على المرتبة الأخيرة خارجة عن الركوع.

[في كلام الشيخ الانصارى و المحقّق الهمداني]

و يظهر من كلام الشيخ «2» الأنصاري رحمه اللّه على ما ذكره الحاج آغا رضا «3» الهمداني رحمه اللّه في المصباح أنّه و إن كان الهوى مقدمة خارجة عن الركوع، و لكن حيث

______________________________

(1)- أقول أمّا الوجه الثاني فقابل للمنع، لأنّ غاية ما يستفاد من الرواية هو لزوم الرجوع قبل وضع اليد، و عدم الجواز بعد وضع اليد و لا يستفاد من ذلك كون جواز الرجوع قبل وضع اليد من باب عدم وصوله حدّ الركوع، و عدم جوازه بعد ذلك من باب كونه و أصلا

بحدّ الركوع، بل يحتمل كون الرجوع جائزا في صورة و لو كان داخلا في الركوع و إن كان هذا الاحتمال خلاف الظاهر. (المقرر)

(2)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصارى، ص 157.

(3)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 325- 327.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 12

يكون الركوع عبارة عن الانحناء، و الأمر بالانحناء يقتضي إيجاد الانحناء و إحداثه لعدم صحة أن يقال: بمن يكون منحنيا (انحن) فلا بدّ من أنّ المكلف يحدث الانحناء، فلازم ذلك عدم كفاية الركوع و عدم صدقه إذا كان منحنيا و واقعا بحدّ الركوع، فلو هوى المصلّي لامر آخر حتّى وصل إلى حدّ الركوع، فلا يصح أن يقصد الركوع في هذا الحال، بل لا بدّ من احداث انحناء خاص مجددا في امتثال الأمر بالركوع.

و هذا الوجه ليس بتمام، لأنّه و لو أنّه لا يصح أن يأمر الآمر المنحنى بالانحناء المطلق الشامل لاحداث الانحناء و إبقائه، و لكنّه قابل لأن يصير مأمورا ببقاء الانحناء، فإذا لم يكن الركوع إلّا الانحناء الخاص و وجود هذه المرتبة من الانحناء لا حدوثها، فالمنحنى مع كونه منحنيا قابل لأن يتوجه عليه الأمر بالانحناء للركوع، و هو يتمكن الامتثال ببقائه في هذه المرتبة من الانحناء بقصد الانحناء للركوع، فوجهه ليس بوجيه.

إذا عرفت ذلك يمكن أن يقال بوجه آخر لعدم كفاية الركوع الّذي لم يكن الهوى إليه بقصد الركوع، و هو أنّه كما قلنا في بعض مطاوي كلماتنا في النية بأنّ العناوين القصدية محتاجة إلى القصد، فالقيام لا يصير مصداق التعظيم مثلا الّا إذا قصد به ذلك، لأنّ القيام عند ورود شخص كما يكون قابلا لأنّ يصير مصداقا للتعظيم، كذلك قابل لأن يصير مصداقا للتحقير أو لغيره، فلا يصير منطبق عنوان أحدها إلا

بالقصد، و قلنا بأنّ الصّلاة و أجزائها من العناوين القصدية، فالأفعال الخارجية الواقعة بصورة الصّلاة، و كذا كل جزء و فعل منها، لا تصير منطبق عنوان الصّلاة أو جزء الصّلاة إلّا بالقصد، فقراءة الفاتحة قابلة لأن تكون قراءة الصّلاة، و لأن تكون بداعي شفاء المريض، فلا تصير جزءا للصّلاة إلّا إذا قصد بها فاتحة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 13

الصّلاة، و الصّلاة مركبة من أقوال و أفعال، و كل منهما لا تصير من أقوالها و أفعالها إلّا إذا أتى بها بداعى كونها من أقوالها و أفعالها، فتحصل أنّ الصّلاة و أجزائها من أقوالها و أفعالها من جملة العناوين القصدية، غاية الأمر يعتبر فيها أن تقع بقصد التقرب أيضا.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما نرى من عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك من عمل المسلمين إلى الآن، هو كون بنائهم على إحداث الركوع و الهوى من القيام إلى الركوع، ثمّ القيام بعد الركوع ثمّ الهوى إلى السجود، و لم ينقل من فعله صلى اللّه عليه و آله و سلم إتيان الركوع بدون كون هواه بقصد الهوى إلى الركوع، و كذا عمل المسلمين، فمن ذلك نكشف كون واجب من واجبات الصّلاة الهوى الركوع بقصد إيجاد الركوع، و كون الهوى إليه بالوجوب النفسى، فالهوى و إن كان مقدمة للركوع لكن يجب نفسا و بقصد كونه هويا إلى الركوع، و كذلك الهوى إلى السجود.

[يجب كون الهوى الى الركوع بقصد الركوع]

فبعد ذلك نقول: بوجوب كون الهوى إلى الركوع بقصد الركوع لا بقصد أمر آخر، و لو فرض عدم تسلم وجوب الهوى، و كان مورد الشّك فليس الشّك فيه شكا في التكليف من حيث الحكم و ان كان من جملة

الشّكوك الراجعة إلى الشّك في التكليف موضوعا، و بعبارة اخرى لا يجرى في هذا القسم من الشّك في التكليف البراءة، لأنّه مع هذا العمل الّذي قلنا من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و عدم رؤية خلافه من عمل المسلمين لا يمكن أن يقال: بعدم وجود حجة على الحكم حتّى يكون مجالا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، بل يكون المورد مورد الاحتياط.

فبهذا الوجه نقول: بوجوب كون الهوى الركوع بقصد الركوع لا بقصد أمر آخر، فلو هوى بقصد شي ء آخر، كقتل حية أو غيره حتّى وصل إلى حدّ الركوع أو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 14

إلى بعض المراتب قبل مرتبة الركوع الواجب بحيث لم يقع بعض مراتب الانحناء بقصد الركوع، فلا يكتفي بهذا الركوع، بل لا بدّ من كون الهوى من القيام بتمام مراتبه إلى حدّ الركوع بقصد الركوع. «1»

[في ذكر مسائل فى الباب]
اشارة

مسئلة: من يكون من جهة اليد أو الرجل خارجا عن المتعارف إمّا لطولهما، أو لقصرهما يرجع إلى المتعارف، و كذلك مقطوع اليد، لأنّ المستفاد من روايات الباب كون الحدّ الواجب في الانحناء في الركوع هو المقدار الّذي يتمكن المصلّي معه من وضع اليد على الركبة، و من الواضح أنّ الأحكام يعرض على المتعارف من الموضوعات، فلا بدّ من إرجاع غير المتعارف بالمتعارف، فمقطوع اليد و من يكون من حيث اليد أو الرجل خارجا عن المتعارف فيرجع إلى المتعارف، فالواجب عليهم الأخذ بمتعارف الموضوع أو متعلق الحكم، فافهم.

[من لم يتمكّن من تمام الانحناء لعارض يأتي بما يتمكن]

مسئلة: و من لم يتمكن من تمام الانحناء لعارض يأتي بما يتمكن منه، و ليس الوجه في ذلك قاعدة الميسور أو قوله (إذا أمرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم) أو

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مدّ ظله العالى من الوجه لا يكون بنظري القاصر تماما، لأنّ ما يرى من عمل النبي (ص) أو المسلمين يكون من باب اقتضاء الوضع الطبيعي لذلك، و هو أنّ الشخص المصلّي مع كونه قائما حال الصّلاة، يقضي أن ينحني و يهوي إلى الركوع لا لأمر آخر، فغير معلوم كون العمل من باب وجوب ذلك، و مع الشّك لا وجه للاحتياط، بل تجري البراءة.

فعلى هذا نقول: لو أهوى بقصد غير الركوع حتّى و لم يبلغ إلى مرتبة غاية مرتبة المعتبر في الركوع الواجب، ثمّ انحنى من هذه المرتبة إلى المرتبة الواجبة، أعنى: المرتبة يتمكن معها من وضع اليد على الركبة فيصح الركوع لو قصد الهوى من هذه المرتبة إلى المرتبة الواجبة بقصد الركوع بلا اشكال، نعم لو بلغ إلى المرتبة الواجبة فالأحوط هو عدم الاكتفاء بهذا الركوع إن قلنا بكون الواجب إحداث هذه المرتبة من

الركوع، و إن لم نقل بذلك فيقصد به الركوع و يكتفي به، لأنّ المصلّي ليس مأمورا إلّا بالركوع و لا دخل للهوى فيه فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 15

قوله (ما لا يدرك «1» كله لا يترك كله) حتّى يستشكل فيها بأنّ الركوع عبارة عن انحناء خاص، فليس انحناء آخر ميسوره حتّى يتمسّك بقاعدة الميسور، أو يقال: إنّه ليس من قبيل جزء الشي ء حتّى يتمسّك بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم (إذا أمرتكم) أو (ما لا يدرك كله).

بل نقول في وجه ذلك: بأنّا نفهم من الدليل الوارد فيمن لا يتمكن من القيام بأنّه يؤمى للركوع و السجود، بأنّ الايماء مرتبة من الركوع، و الشارع لا يرضى بترك الركوع و لو لم يتمكن من المرتبة الأعلى لا بدّ له أن يأتى بالمرتبة الممكنة، و بعد كون الايماء مرتبة من الركوع يكون الانحناء بأيّ مرتبة كانت ركوعا، فلا بدّ من الاتيان بالممكن بالاولوية القطعية المستفادة من الدليل المذكور.

[في ان من كان كالراكع خلقة او لعارض]

مسئلة: و لو كان الشخص كالراكع خلقة أو لعارض قيل: وجب أن يزيد في انحنائه لركوعه ليكون فارقا بين القيام اللازم للركوع، بل في جامع «2» المقاصد أنّه لو كان انحنائه على أقصى مراتب الركوع ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد.

اعلم أنّه تارة يكون الشخص في مرتبة من الانحناء لم يبلغ الحدّ الاقصى من الركوع بحيث لو انحنى في الجملة لا يخرج من أقصى حدّ الركوع و في هذا الحال يتمكن من الانحناء إلى هذا الحد، و تارة بلغ بالحدّ الأقصى من الركوع بحيث لو انحنى يخرج عن حدّه.

أمّا في الصورة الاولى فنقول: قد يقال يجب الانحناء إلى الحدّ الواجب في

______________________________

(1)- عوالى الألى، ج 4،

ص 58.

(2)- جامع المقاصد، ج 2، ص 289.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 16

الركوع مع التمكن لما قال في الجواهر «1» من أنّه يجب الانحناء كى يفرق بين هيئة القيام و بين هيئة الركوع و فيه أنّه ليس الواجب في لسان دليل عنوان الافتراق، بل الواجب هو النفس القيام و الركوع، و في المقام لو كان الشخص متمكنا من القيام يجب عليه و هو خارج من الفرض، لأنّ الفرض في من لا يتمكن من الانتصاب أصلا، فإذا لم يتمكن من ذلك يجب عليه الركوع فقط، و على الفرض يتمكن من الركوع إمّا من باب أنّ الركوع عبارة عن هذه المرتبة من الانحناء، و لا دخل للهوى فيه كما هو مختار نفس صاحب الجواهر رحمه اللّه، و إمّا من باب أنّه و إن كان الهوى واجبا إلّا أنّه على الفرض غير متمكن منه، فيجب ما تمكن و هو قصد الركوع بقاء في هذه المرتبة من الانحناء.

و لكن نقول في وجه وجوب الانحناء في هذه الصورة في الجملة: بأنّا نكشف من الأدلة أنّه يجب في الصّلاة بعد القيام للّه متذللا مرتبة اخرى من التذلّل، و هي عبارة عن الانحناء بعنوان الخضوع له سبحانه، و غاية هذا التذلل هي المرتبة الأقصى من الركوع، ففي الفرض هذا الشخص المنحني يكون تذلّله و هو الركوع، مرتبة بعد هذه المرتبة، لأنّ هذه المرتبة قيامه في الحقيقة فعلى هذا يجب عليه الانحناء للركوع كى يعمل بوظيفة التذلل.

و أمّا الصورة الثانية فلا يبعد فيها عدم وجوب انحناء زائد لأنّ الزائد علي هذه المرتبة لم يكن تذللا له تعالى، إذا المستفاد من تعيين الحدّ للركوع هو كون أقصى مراتبه هذه المرتبة الّتي هو بحسب طبعه

واجد، فهي ركوعه إذا قصد بها الركوع لعدم تمكنه من تحصيل القيام المتصل بالركوع، و لا الهوى إلى الركوع، فافهم.

______________________________

(1)- الجواهر، ج 10، ص 81.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 17

[من يصلى جالسا يجب عليه الانحناء]

مسئلة: من يصلّي جالسا إمّا من باب كون تكليفه الجلوس أو من باب جواز الجلوس له كمن يصلّي النافلة، فلا يكفي في ركوعه الانحناء بمقدار يتمكن من وصول اليد إلى الركبة، لأنّه بدون الانحناء أو الانحناء اليسير تصل يده إلى ركبتيه حال الجلوس، بل يجب عليه الانحناء بمقدار يستوي ظهره تقريبا كحال الركوع القيامي، لأنّ المستفاد من الأدلة الانحناء بهذا المقدار في الركوع، لا مجرد امكان وصول اليد، فافهم.

الثاني: من واجبات الركوع الطمأنينة.

اعلم أنّ المراد من الطمأنينة المبحوث عنها في المقام ليس الاستقرار المقابل لحركة أجزاء البدن، بل المراد هو الوقوف يسيرا في حدّ الركوع في قبال العامة، فإنّ أبا حنيفة مثلا قال: يكفي مجرد الوصول الحدّ ثمّ الذهاب إلى السجود بدون وقوف و توقف حال الوصول إلى حدّ الركوع، ففي قبال هذا القول تعرضوا في فقهنا للمسألة، و قالوا: باعتبار الطمأنينة، و بهذه المعنى قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» الطمأنينة في الركوع ركن من أركان الصّلاة.

فالمراد من الطمأنينة هو الوقوف في حدّ الركوع و السكون، لا أن يصل إلى الحدّ و يرفع الرأس بدون التوقف و لا يكون كنقر الغراب كما في الخبر، فهذه معنى الطمأنينة، لا الطمأنينة في قبال تزلزل الأعضاء و إن كانت الطمأنينة بهذه المعنى الّتي قلنا يستلزم الاستقرار و عدم التزلزل في الجملة أيضا.

الثالث: من واجبات الركوع الذكر.
اشارة

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 348.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 18

اعلم أنّ الشّيخ رحمه اللّه قال في الخلاف التسبيح في الركوع و السجود واجب، و به قال أهل الظاهر داود و غيره، و به قال أحمد، و قال عامة الفقهاء: إنّ ذلك غير واجب.

دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، لأنّه إذا سبح جازت صلاته بغير خلاف، و إذا لم يسبح فليس على صحتها دليل، و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم (صلّوا كما رأيتموني اصلّي) يدلّ عليه، لأنّه سبح بغير خلاف، و روى عقبة بن عامر: لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال اجعلوها في سجودكم، و هذا أمر يقتضي الوجوب. «1»

و قد ظهر لك

أنّ عامة الفقهاء قائلون بعدم وجوب ذكر في الركوع و السجود رأسا، نعم داود الظاهري الاصبهاني و غيره من أهل الظاهر و أحمد من العامة قالوا بوجوب التسبيح، و أمّا عندنا فقد ادعى الشّيخ رحمه اللّه الاجماع باصطلاحه على وجوب التسبيح في كل من الركوع و السجود، فنقول: أمّا روايات الباب فعلى طوائف:

الطائفة الاولى:

ما يمكن أن يقال: بدلالتها على وجوب التسبيح بدون تعرض فيها من التسبيحة الكبرى أو الصغرى، و هي روايتان:

الرواية الاولى: و هي ما رواها داود الابزارى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

أدنى التسبيح ثلاث مرّات و أنت ساجد لا تعجل بهنّ). «2»

و هذه الرواية و إن وردت في السجود لكن نعلم بعدم فرق في هذا الحيث بين

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 348.

(2)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 19

الركوع و السجود.

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع و السجود؟ قال: ثلاث تسبيحات). «1»

و هل للروايتين إطلاق يشمل الكبرى و الصغرى كليهما، أو منصرف بالكبرى فقط الصغرى فقط يأتي الكلام فيه.

الطائفة الثانية:

ما يمكن أن يقال: بدلالتها على إجزاء خصوص التسبيحة الصغرى ثلاث مرات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي نجران عن مسمع بن أبي سيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا، و ليس له و لا كرامة أن يقول: سبّح سبّح سبّح). «2»

و نقل صاحب الوسائل عن مسمع عن رواية اخرى، و هي الرواية 4 من الباب المذكور رواها صفوان عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يجزى الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن.

اعلم أنّ روايته الثانية لا تعرض فيها للركوع و السجود، و ليس فيها ما في ذيل الرواية الاولى، و لا يبعد كونهما رواية واحدة نقل صفوان عن مسمع تارة و عبد الرحمن عنه تارة اخرى، و على كل حال تدلّ

على إجزاء ثلاث سبحان اللّه أعني: الصغرى لا الكبرى، لأنّ الرواية الاولى بقرينة ما في ذيلها (و لا كرامة أن

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 20

يقول: سبّح سبّح سبّح) تدلّ على الصغرى.

الرواية الثانية: و هي ما رواها حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصّلاة؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسلا تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه). «1»

و ذكر في الوسائل رواية اخرى، و هي ما رواها يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. قلت: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع و السجود؟ قال: تسبيحة واحدة). «2»

و روايته هذه تدلّ على إجزاء تسبيحة واحدة في الركوع و السجود، و لا يبعد كونهما رواية واحدة، و على كل حال في ما رويها حماد عنه لا تعرض للركوع و السجود، بل قال (أخف ما يكون من التسبيح في الصّلاة) إلّا أن يقال: لا مورد لهذا التسبيح إلّا في الركوع و السجود، نعم لو قلنا بكون روايتي معاوية رواية واحدة، و كانت روايته الثانية ذيل الرواية الاولى، ففي الثانية أعنى: ما نقل عنه يونس تعرض للركوع، فعلى كل حال تدلّ على إجزاء التسبيحة الصغرى ثلاث مرّات.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها سماعة (قال: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن؟ قال: نعم قول اللّه تعالى «يا أيّها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا» قلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات

تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه ثلاثا). «3»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 21

و هذه الطائفة تدلّ على أنّ المجزي أو في ما يجزي هو الصغرى ثلاث مرات.

الطائفة الثالثة:

تدلّ على كفاية التسبيحة الكبرى مرة واحدة مع الاختلاف في متن بعضها مع بعض الآخر من حيث كيفية التسبيحة الكبرى، لأنّ الرواية الثانية منها على ما ترى تدلّ على أنّ كلمة (و بحمده) جزء للكبرى، و الحال أنّ (و بحمده) ليس في الاولى، و على كل حال.

الرواية الاولى: و هي ما رواها هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال: تقول في «الركوع سبحان ربي العظيم» و في «السجود سبحان ربي الأعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة و السنة ثلاث و الفضل في سبع). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بكر الحضرمى قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟ قال: تقول «سبحان ربي العظيم و بحمده» ثلاثا في الركوع «و سبحان ربي الاعلى و بحمده» ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص اثنين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبح فلا صلاته، و من لم يسبح فلا صلاة له). «2»

و الرواية 7 من هذا الباب هي أيضا هذه الرواية و إن جعلها صاحب الوسائل رواية مستقلة، و المستفاد من هاتين الرويتين كفاية التسبيحة الكبرى مرة واحدة في الركوع و السجود، لأنّ في الاولى من الروايتين المذكورتين قال (الفريضة من

ذلك تسبيحة) و في الثانية منهما قال (من لم يسبّح فلا صلاة له) و أمّا لو ترك أحدها أو اثنتين منها فقد ورد النقص في الصّلاة، لا أنّه يوجب بطلان الصّلاة، فترك

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 22

الواحد او الاثنتين منها يوجب سلب كمال من الصّلاة، فتدلّ الروايتان على كفاية المرة من الكبرى.

و هل يلزم إضافة و (بحمده) في الكبرى أولا: فإن قلنا: بأنّه بعد عدم ذكره في الرواية الاولى نستفيد جواز تركه و جواز فعله لذكره في إحداهما و تركه في الاخرى، و إن قلنا: بكون تركه في الاولى يمكن أن يكون من باب معلومية كون و (بحمده) جزء لها فاكتفي بمعلوميته و تركه للايجاز و الاختصار و أنّ بمجرد ذكر (سبحان ربي العظيم) أو (سبحان ربى الاعلى) يفهم المخاطب كفاية المرة في الكبرى، و يرى عدم لزوم ذكر تمام التسبيحة، فلهذا ترك (و بحمده) اتكالا على معروفيته، و لا يبعد الاحتمال الأوّل فيجوز ترك (و بحمده). «1»

الطائفة الرابعة:

ما تحتمل دلالتها على كفاية التسبيحة الصغرى مرة واحدة، و تحتمل دلالتها على كفاية الكبرى مرة واحدة، و يحتمل إطلاقها للكبرى و للصغرى فتدلّ على كفاية مرة واحدة من كل منهما.

الرواية الاولى: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: ما يجزى من القول في الركوع و السجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل، و واحدة تامة تجزي). «2»

يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السّلام (و واحدة تامة تجزي) هي الكبرى، فتكون الرواية دالّة على أنّ في الصغرى لا يكتفي إلّا

بثلاث تسبيحات، و أمّا في الكبرى فيكتفي بواحدة منها، و يحتمل أن يكون المراد هو الصغرى فقال عليه السّلام ثلاث

______________________________

(1)- أقول: و لا يبعد الثاني فالأحوط اضافة (و بحمده). (المقرر)

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 23

تسبيحات) أى ثلاث سبحان اللّه في ترسل، و لكن لو أتى بمرة واحدة من قول (سبحان اللّه) تماما بحيث يكون في حال الركوع لا أن يكون بعضها قبل الوصول إلى حدّ الركوع و بعضها في حال الرفع منه فيكفي سبحان اللّه مرة واحدة. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام (قال: سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟

فقال: ثلاثة و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسين بن علي بن يقطين عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟ فقال: و تجزيه واحدة). «3»

[في ذكر الاحتمالات فى الرواية الثالثة]

و لا يبعد كونهما رواية واحدة و إن جعلها صاحب الوسائل روايتين (أقول:

في التهذيب جعلهما روايتين) و على كل حال يحتمل في هذه الرواية أيضا احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كون المراد من (تجزيك واحدة) هو إجزاء التسبيحة الكبرى مرة واحدة، فتدلّ الرواية على اجزاء مرة واحدة في الكبرى

الاحتمال الثاني: كون المراد اجزاء التسبيحة مرة واحدة سواء كانت الكبرى أو الصغرى، و لا يبعد دعوى كفاية الواحدة من كل منهما من باب إطلاق

______________________________

(1)- أقول: و لعله يكون الاحتمال الثاني أقوى إذ الصغرى لقلة حروفها و كلماتها لم يقع الّا وحدة منها

في حال الركوع، و لهذا كلامه يدلّ على أنّه لو وقع أحد منها في الحدّ فيكتفي بها فتأمّل. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 24

الروايتين لأنّ الروايتين تدلّان على كفاية مرة واحدة من التسبيحة، و التسبيح إطلاقه شامل لتسبيحة الكبرى و الصغرى.

[في ذكر الطائفة الخامسة من روايات الباب]

الطائفة الخامسة: تدلّ على اجزاء غير التسبيح في ذكر الركوع و السجود و هي روايتان:

الرواية الاولى: و هي ما رواها هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

قلت يجزى أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود (لا إله إلّا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) قال: نعم، كل هذا ذكر اللّه).

الرواية الثانية: و هي ما رواها هشام بن سالم مثله و لها ذيل و هو أنه (قال:

و سألته تجزى عني مكان التسبيح في الركوع و السجود (لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر) قال: نعم). «1»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا أصل وجوب الذكر في الركوع و السجود فيستفاد من مجموع الطوائف من الروايات المذكورة، فأصل وجوب ذكر أعم من التسبيح و غيره فيه لا ينبغي أن يصير محل كلام، و المستفاد من الطائفة الثانية مع ضمها بالطائفة الثالثة إذا عرض على العرف بمقتضى الجمع هو تخيير المكلف بين أن يقرأ التسبيحة الصغرى أعنى (سبحان اللّه) ثلاث مرات، و بين أن يقول الكبرى مرة واحدة و هذا لا إشكال فيه.

و أمّا الطائفة الاولى فتارة يقال: إنّ لها إطلاقا يشمل الكبرى و الصغرى بمعنى دلالتها على إجزاء الصغرى و الكبرى إذا قرء ثلاث مرات، فإن قلنا بذلك فيعارض

______________________________

(1)- الرواية 2 من

الباب 7 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 25

إطلاقها مع الطائفة الثالثة، على كفاية المرة في الكبرى، و مقتضى حمل المطلق على المقيد هو تقييد الطائفة الاولى بالثالثة،

[نتيجة الجمع وجوب الثلاث في خصوص الصغرى]

فتكون نتيجة الجمع وجوب الثلاث في خصوص الصغرى فقط، و يعارض مع إطلاقها الرواية الّتي رواها يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن عمار المتقدمة «1» الدالّة على كفاية تسبيحة واحدة للمريض، و مقتضى الجمع تقييدها بها أيضا فتكون النتيجة وجوب الثلاث في خصوص الصغرى لغير المريض، و يعارض إطلاقها الرواية الّتي رواها علي بن حمزة (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المستعجل ما الّذي يجزيه في النافلة؟ قال: (ثلاث تسبيحات في القراءة، و تسبيحة في الركوع و تسبيحة في السجود) «2» لأنّ هذه الرواية تدلّ على كفاية المرة في النافلة للمستعجل، فتكون نتيجة جمع كل هذه هو وجوب ثلاث مرات في الصغرى الّا للمريض و إلّا في النافلة للمستعجل.

تنبيه: (ينبغي ذكره و إن لم يكن مربوطا بالمقام، و هو أنّه قد مرّ في القراءة بأنّ العلّامة رحمه اللّه قال بكفاية التسبيح بدلا عن الفاتحة في النافلة، و قيل: بأنّه ليس له مدرك، فنقول: يمكن أن تكون هذه الرواية أي رواية علي بن حمزة مدركه، لأنّها تدلّ على إجزاء ثلاث تسبيحات في القراءة في النافلة، فتأمل).

و أمّا الطائفة الرابعة فإنّ قلنا بإطلاق الطائفة الاولى فيقع التعارض بين الاولى و الرابعة، لأنّ الاولى تدلّ على أنّ أدنى ما يجزي هو ثلاث مرات، و الرابعة تدلّ على كفاية المرة.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 4 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 26

فنقول:

بأنّه على فرض الاطلاق للاولى و على فرض شمول الطائفة الرابعة للتسبيحة الصغرى أيضا، و لم نقل بدلالتها على إجزاء المرة في خصوص الكبرى، فالطائفة الرابعة ليست إلّا روايتين أو روايات ثلاث، بناء على جعل رواية علي بن يقطين باعتبار كون الناقل عنه متعددا روايتين، فنقول: بأنّ الرواية الثانية و الثالثة من هذه الطائفة و إن تدلا على إجزاء الواحدة كانت الكبرى أو الصغرى، و لكن الرواية الاولى و هي رواية زرارة تقيد إطلاقها لدلالتها على إجزاء الواحدة، لأنّ فيها قال عليه السّلام (و واحدة تامة تجزي) و المراد بحسب الظاهر من هذه الفقرة هو الكبرى، و إن قلنا سابقا بأنّ فيها احتمالان، لكن الظاهر كون المراد من (تامة) هو الكبرى فعلى هذا تدلّ هذه الرواية على إجزاء الواحدة في خصوص الكبرى، فمقتضى الجمع بين رواية زرارة و هي الرواية الاولى من هذه الطائفة، و بين روايتي علي بن يقطين، بناء على اطلاقها، هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة كفاية المرة في خصوص الكبرى كما هو مفاد رواية هشام بن سالم و أبي بكر الحضرمي، هذا كله بناء على أن نقول بإطلاق الطائفة الاولى.

و أمّا لو قلنا بعدم إطلاق للطائفة الاولى كما هو الحق، فلا إطلاق لها حتّى يقال بتعارض هذه الطائفة مع الطائفة الثالثة، أمّا وجه عدم إطلاق لها فلأنّه و إن تدلّ على إجزاء ثلاث تسبيحات، و أنّه أدنى ما يجزي، و لكن بعد ما نرى من أنّ عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و كذا المسلمين، و ما نقل من الصلوات البيانية، هو أنّهم يقرءون الكبرى في الركوع و السجود، فيستفاد من عملهم كون المتعارف عند المسلمين هو

التسبيحة الكبرى.

فعلى هذا نقول: بأنّ المطلق منزل على المتعارف، بمعنى أنّه بعد كون بعض أفراد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 27

المطلق بحيث يكون عند المخاطب المتعارف من لفظ المطلق هذا الفرد بالخصوص، فلو أراد المتكلم من المطلق أى الطبيعة هذا الفرد بالخصوص لعلمه بأنّ المخاطب لا يفهم من لفظه المطلق إلّا هذا و لم يأت بالقرينة على كون مراده المقيد فما أخلّ بغرضه، لأنّه اكتفي بما هو المتعارف عند المخاطب، فلم يبق مع هذا إطلاق حتّى يؤخذ به، لأنّ من مقدمات الاطلاق عدم كون القدر المتيقن في البين حتّى يعدّ عدم البيان إخلالا بالغرض فعلى هذا نقول: بأنّه مع تعارف إطلاق التسبيح على الكبرى و أنّهم لا يرون من العمل إلّا الكبرى، فينزل المطلق على المتعارف و لا إطلاق للفظ التسبيحة يشمل الصغرى أصلا.

فبناء على هذا لا يكون مفاد الطائفة الاولى من الروايات و قدر متيقنه إلّا الكبرى، و هكذا ليس مفاد الطائفة الرابعة إلّا الكبرى، لأنّ المراد من التسبيحة على ما بيّنا هو هذا.

فعلى هذا لا يكون تعارض بين الطائفة الرابعة و الثانية، و لا مع الثالثة، و لا مع الاولى، لأنّ الثانية تدلّ على إجزاء التسبيحة الصغرى مرة واحدة، و الاولى بعد ما قلنا من كون المراد منها الكبرى تدلّ على أنّ المجزى ثلاث تسبيحة من التسبيحة الكبرى، و الثالثة تدلّ على إجزاء المرة في الكبرى، و الرابعة تدلّ على إجزاء الكبرى مرة واحدة أيضا بعد ما قلنا من حمل التسبيحة فيها على الكبرى «1». «2» (و على كل

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض الاستاد مدّ ظله العالى لما يبقي من التعارض بين الطائفة الاولى، بناء على حمل التسبيح فيها على الكبرى، مع الطائفة

الثالثة لأنّه على ما أفاده مدّ ظله العالى تدلّ الاولى على أنّ أدنى ما يجزى هو الثلاث في الكبرى، و الطائفة الثالثة تدلّ على إجزاء المرة في الكبرى، و لكن يمكن الجمع بينهما بعد صراحة الطائفة الثالثة في إجزاء المرة في الكبرى:

بأنّه يحمل الطائفة الاولى على الأفضلية، و أنّ أدنى مراتب الفضل هو الثلاث و هذا لا ينافي كون الواجب مرة واحدة، فتأمّل جيدا. (المقرر)

(2)- أقول: و لكن لي هنا كلام قلت بمحضره الشريف مدّ ظلّه العالي، و هو أنّ الطائفة الاولى من الروايات مطلق، و إطلاقها يشمل الكبرى و الصغرى، و ما أفاده مدّ ظله العالى من حمل المطلق على المتعارف من التسبيح، و هو الكبرى، لأجل عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المسلمين بحيث لا يكون المتعارف عندهم إلّا الكبرى، ليس بتمام، لأنّ غاية هذا كون فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلم على قراءة الكبرى، و ليس هذا بحدّ يوجب صيرورته قرينة على إرادة المقيد أعنى: خصوص الكبرى، من مطلق التسبيحة بحيث لو اكتفي المتكلم بهذا التعارف و أراد من مطلقة في كلامه الكبرى ما أخل بغرضه، مضافا إلى إطلاق التسبيحة في لسان بعض الأخبار على الصغرى كما ترى في الطائفة الثانية من الروايات، و هكذا لا وجه لمنع إطلاق الطائفة الرابعة و قوله (و واحدة تامة تجزي) إن لم نقل بكونه ظاهرا في أنّ التسبيحة الواحدة لو أتى بها تماما و في حدّ الركوع، لا في الطريق، تجزي، فليس ظاهرا في ما أفاده مدّ ظله العالى من أنّ المراد منه هو التسبيحة الكبرى، فكان المراد أنّ تسبيحة واحدة من الكبرى تجزي، فمع تساوي الاحتمالين لا وجه

للأخذ بأحدهما و حمله عليه.

إذا فهمت ذلك أقول: بناء على إطلاق الطائفة الاولى يقيد إطلاقها كما بينا بما بينا و أمّا الطائفة الرابعة فبناء على إطلاقها أقول: بأنّه لا بد من تقييدها بالطائفة الثانية الدالّة على أن أدنى ما يجزى في الصغرى هو إتيانها ثلاث مرات، فمقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة هو إجزاء المرة في خصوص الكبرى، و أمّا الصغرى فلا بدّ من إتيانها ثلاث مرات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 28

حال تكون النتيجة من الطوائف الأربع على ما ذكرنا، هو اجزاء تسبيحة واحدة من الكبرى و ثلاث مرات في الصغرى.)

[امّا الكلام في اجزاء غير التسبيح عن التسبيح]

إذا عرفت ذلك يبقى الكلام في الطائفة الخامسة من الروايات الدالّة على إجزاء غير التسبيح، فنقول بعونه تعالى: إنّ ما يظهر من رواية هشام بن الحكم و صدر رواية هشام بن سالم، هو إجزاء (لا إله إلّا الله الحمد للّه و اللّه اكبر) و فيها أنّ

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 29

(كل هذا ذكر اللّه) فيقع الكلام أوّلا في مفاد هذه الطائفة من الروايات، و ثانيا في جمعها مع الطوائف الاخر، فنقول بعونه تعالى:

أمّا الكلام في المقام الأوّل فما يستفاد من صدر رواية هشام بن سالم و هشام بن الحكم هو كفاية (لا إله إلّا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) من باب أن كل هذا ذكر اللّه، و معناه كون الخصوصية أى خصوصية التسبيح، غير معتبرة، بل يكفي كل ما يكون ذكر اللّه، و بعبارة اخرى المستفاد عدم دخل كيفية خاصة في ذكر الركوع و السجود، بل ما يكون ذكرا مجز عن التكليف بالذكر.

و هل يستفاد من الروايتين كون كمية الذكر بقدر التسبيح، أو يستفاد

عدم لزوم ذلك، أو ليست الروايتان متعرضتين لهذه الجهة أصلا.

لا يبعد أن يقال: بأنّه لا بدّ و أن يكون الذكر في الكمية بقدر ثلاث تسبيحة من الصغرى، أو واحدة من كبرى من جهة أنّه قال في الروايتين (يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود و لا إله إلا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) لأنّ صدق كون ذكر آخر مكان التسبيح هو كون الكمية بقدر التسبيح، و يكون السؤال عن الكيفية، و إتيان ذكر آخر مكانه أعنى: في محله، و أمّا ذيل رواية هشام بن سالم و ان لم يذكر فيه (الحمد للّه) لأنّه قال (يجزي عنى مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر؟ قال: نعم) لكن مع ذلك لا يدلّ على كفاية أقل من ثلاث تسبيحة من الصغرى أو واحدة من الكبرى بتوهم أنّ المستفاد منه كفاية (لا إله إلّا اللّه و اللّه اكبر) لكونهما ذكران لا ثلاثة أذكار.

أمّا وجه عدم الدلالة فلان الذيل ليس إلّا في مقام السؤال عن الكيفية و أنّه يجزي مكان التسبيح ذكرا آخر أو يعتبر خصوص التسبيح، فقال عليه السّلام يجزي، و لا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 30

تعرض فيه بعد كفاية الذكر (من لا إله إلّا اللّه و اللّه اكبر) هل يكتفي بمرة منها أو ثلاث مرات حتّى يصير بقدر التسبيح من حيث الكمية إن لم نقل بظهور (مكان التسبيح) في اعتبار كون غير التسبيح كمية مثل كمية التسبيح فافهم. «1»

[الكلام فى الجمع بين الطائفة الخامسة و غيرها]

أمّا الكلام في المقام الثاني، و هو كيفية الجمع بين هذه الطائفة أعنى: الطائفة الخامسة، و سائر الطوائف، فنقول: ما يظهر في بدو النظر، هو أنّه و إن

كان التعارض بين هذه الطائفة و سائر الطوائف لأنّ هذه تدلّ على كفاية كل ذكر، و ساير الطوائف يدلّ على كفاية خصوص التسبيح إمّا الصغرى و إمّا الكبرى و إمّا كليهما، و لكن مقتضى الجمع بينهما هو حمل ساير الطوائف من الأخبار على الأفضلية، لأنّه بعد كون الطائفة الخامسة نصا في جواز كل ذكر و كفايته، فلا بدّ من حمل ساير الطوائف على الفضل، و كون التسبيح من بين الأذكار أفضل من غيره.

و لكن بعد ما نرى من تسلم كون الذكر في الركوع و السجود التسبيح عند القدماء رضوان اللّه عليهم، كما يظهر لك من عبارة المتقدمة من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف و من عبارة المحقق رحمه اللّه في الشرائع حيث قال (الواجب الخامس التسبيح و قيل يكفي مطلق الذكر و فيه تردد) فمع أنّهم رووا هاتين الروايتين الدالّتين على إجزاء غير التسبيح، و مع ذلك كان المسلم عندهم وجوب خصوص التسبيح، نكشف من كون

______________________________

(1)- أقول: لا يبعد أن يقال: بأنّ رواية هشام بن الحكم و صدر رواية هشام بن سالم غير متعرضة للكمية، و لكن المستفاد من ذيل رواية هشام بن سالم هو عدم لزوم كون الكمية بقدر كمية التسبيح، لأنّه بعد ما سئل في الصدر عن إجزاء ثلاثة أذكار (لا إله إلا اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر) و أجاب عليه السّلام بإجزائه من باب كون الكل ذكر اللّه، سئل في الذيل بأنّه يكفي أقل من هذا، و هو أن يقول (لا إله إلا اللّه و اللّه اكبر) فقال عليه السّلام: نعم، فلا يبعد كفاية مسمى الذكر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 31

الخدشة فيهما، و أنّهم أعرضوا لأجلها عنهما، فلا

يمكن الاعتناء بهما، فالأحوط الواجب هو إجزاء خصوص التسبيح. «1»

هذا تمام الكلام في واجبات الركوع، و قد قلنا بأنّها ثلاثة:

الأوّل: الانحناء بمقدار يمكن وصول اليد إلى الركبة، الثانية الطمأنينة، الثالثة الذكر بتفصيل سبق ذكره، و ليس القيام بعد الركوع، و لا الطمأنينة بعده من واجبات الركوع، فمن جعل واجباته خمسة باضافة هذين الأمرين بالثلاثة المتقدمة فلا وجه له، لأنّها إن كانا واجبين يكونان من واجبات نفس الصّلاة، لا الركوع، فافهم.

[في انّ لا اشكال في كون الركوع ركنا]

مسئلة: لا إشكال في كون الركوع ركنا، و قد قلنا سابقا بأنّ الركن قد عرّفه بعضهم بأنّ ما كان نقصه عمدا و سهوا موجبا لبطلان الصّلاة، و بعضهم مضافا إلى كون نقصه موجبا لبطلان الصّلاة قالوا: بأنّ ما يوجب زيادته عمدا أو سهوا لبطلان الصّلاة و قد قلنا بان الانسب مع المعنى اللغوي من الركن هو الأوّل أعنى: ما يوجب نقصه عمدا و سهوا لبطلان الصّلاة، و على كل حال لا إشكال في أنّ زيادة الركوع و كذا نقصه يوجب بطلان الصّلاة عمدا كان أو سهوا إلّا في الجماعة، فإنّ زيادته مغتفر للمتابعة بتفصيل يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه و هذا ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه بعد كون الركوع ركنا يوجب نقصه بطلان

______________________________

(1)- أقول: أمّا الاحتياط ففي محله، و أمّا التمسك بعبارة المحقق رحمه اللّه فليس ذلك من باب كون خصوص التسبيح مسلّما لأنّه قال في السجود عبارة يفهم منها عدم كون وجوب التسبيح مسلما لأنّه قال في السجود (الرابع الذكر و قيل: يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع) مع كون وزان الركوع و السجود من هذا الحيث واحدا، لأنّ الأخبار المتمسك بها متعرضة لكلّ من الركوع

و السجود، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 32

الصّلاة و ان كان سهوا فلا إشكال في أنّ الصّلاة تبطل بتركه إذا ترك و لا يمكن إتيانه لمضى محلّ إتيانه،

[في انّ اىّ محل لم يمض محلّ تداركه]

فيقع الكلام في أنّه أىّ محل لم يمض محل تداركه حتّى إذا تذكر المصلّي نسيانه يأتى به، و في أيّ موضع مضى محل تداركه و اتيانه حتّى يقال: بطلان الصّلاة لو تذكر في هذا المحلّ.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: بأنّه لا إشكال في أنّه إذا ترك الركوع نسيانا و أتمّ الصّلاة و فرغ منها المصلّي، و أتى بأحد من منافيات الصّلاة و تذكر تركه، تبطل الصّلاة و عليه إعادتها، فهذا المورد ممّا لا إشكال فيه، كما أنّه لا إشكال في أنّه لو نسى المصلّي الركوع، و تذكر قبل أن تسجد و لو هوى إلى السجود يأتي بالركوع و صلاته صحيحة.

[في انّ الكلام في ما نحن فيه في موردين]

إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في ما دخل المصلّي في السجدة الاولى و تذكر ترك الركوع المورد الثاني: في ما أتى بالسجدتين فتذكر تركه، فهل تبطل الصّلاة أم لا؟

[في ذكر اقوال الفقهاء]

أمّا في ما نسى الركوع و دخل في السجدة الاولى فتذكر تركة، فللفقهاء أقوال أربعة:

القول الأول: و هو المشهور «1» بطلان الصّلاة إذا دخل في السجدة الاولى و تذكر نسيان الركوع.

القول الثاني: إلقاء السجدة، و إتيان الركوع، ثمّ السجدتين، و الاتيان بما بقى من صلاته و عدم بطلان صلاته سواء كان نسيان الركوع في الركعة الاولى، أو في

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 109.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 33

ساير الركعات و هو المنسوب إلى ما ذكره الشيخ رحمه اللّه.

القول الثالث: إلقاء السجدة و إتيان الركوع، ثمّ ما بقى من صلاته، لكن في خصوص الركعتين الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و أمّا في الأولتين و ثالثة المغرب تبطل الصّلاة، و هذا القول مختار الشّيخ رحمه اللّه على ما يظهر من كلامه في المبسوط، و قال به حتّى بعد كون التذكر بعد إتيان السجدتين.

القول الرابع: ما نسب إلى ابن بابويه رحمه اللّه و هو إلقاء السجدة و الاتيان بالركوع المنسى، ثمّ السجدة و ما بعدها من أجزاء الصّلاة، لكن في غير الركعة الاولى من الصّلاة، فهذه أقوال أربعة في المسألة.

و أمّا في المورد الثاني أعنى: ما إذا نسى المصلّي الركوع و سجد السجدتين، ثمّ تذكر نسيانه، فالمنسوب إلى الشّيخ رحمه اللّه كما ذكرنا في المورد الأوّل هو صحة الصّلاة في خصوص الركعتين الأخيرتين و إلقاء السجدتين و الاتيان بالركوع و ما بعده، و لكن لم ينسب إلى غيره هذا، بل قالوا ببطلان الصّلاة في هذا المورد.

[في ذكر روايات الباب]

أمّا الكلام في المورد الأوّل فنقول: بأنّه لا بد أوّلا من ذكر أخبار المربوطة بالباب، ثمّ بيان ما هو الحق في المقام:

الرواية الاولى: و هي ما رواها رفاعة عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد، و يقوم قال: يستقبل). «1»

أمّا هذه الرواية فلا تدلّ على قول المشهور لأنّ مورد السؤال هو صورة التذكر بعد القيام من السجود، و هو لم يكن إلّا بعد الاتيان بالسجدتين، فلا تدلّ على

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 34

بطلان الصّلاة بالدخول في السجدة الاولى.

الرواية الثانية: و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتّى يضع كل شي ء من ذلك مواضعه). «1»

تدلّ هذه الرواية على قول المشهور أعنى: على بطلان الصّلاة لو نسى الركوع و دخل في السجدة الاولى، لأنّها تدلّ على أنّ نسيان الركوع موجب لبطلان و لزوم استيناف الصّلاة كى يضع المصلّي كل شي ء في موضعه و محله، فالرواية و إن لم تكن متعرضة لخصوص حال الدخول في السجود، و لكن تدلّ على أنّه إذا نسى الركوع يوجب نسيانه استيناف الصّلاة، و يصدق نسيانه بمجرد مضى محله و دخوله في الجزء اللاحق و إن لم يكن اللاحق ركنا، فلو قلنا ببقاء محله قبل الهوى إلى السجود و أنّه يأتى بالركوع لو تذكر في هذا الحال، فهو يكون من باب دليل خاص، فعلى كل حال تدلّ الرواية على وجوب استيناف الصّلاة مع التذكر بعد الدخول في السجود.

و حمل قوله (يستقبل) في هذه الرواية و الرواية السابقة على الرجوع إلى إتيان الركوع ثمّ ما بعده، لا على استيناف الصّلاة بعيد جدا (خصوصا قوله في هذه الرواية (حتى يضع كل شي ء من ذلك مواضعه) يدلّ على أنّه يستأنف الصّلاة لأنّه لو استأنف الصّلاة

يقع كل شي ء في محلّه، و أمّا لو رجع فلا، لأنّه وقعت السجدة في غير محلّه).

الرواية الثالثة: بناء على كونها غير الرواية 3 من هذا الباب، و هي ما رواها ابن مسكان عن أبي بصير (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل نسى أن يركع قال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 35

عليه الاعادة). «1»

تدلّ على أنّ نسيان الركوع موجب لاعادة الصّلاة، و نسيانه يصدق إذا لم يأت به في محله و دخل في جزء آخر، فتدل على بطلان الصّلاة لو نسيه و دخل في السجود و تجب الاعادة، هذا كله في ما يمكن أن يستدل به على القول المشهور، و قلنا بعدم دلالة الرواية الاولى على قولهم.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها صفوان عن أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصّلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصّلاة). «2»

قد يقال: بدلالة الرواية الاولى و الرواية الرابعة على عدم بطلان بمجرد الدخول في السجدة الاولى، لأنّ الظاهر من هاتين الروايتين هو بطلان الصّلاة بعد تمامية السجدتين، فبالمفهوم تدلّان على عدم بطلانها بمجرد الدخول في السجدة الاولى.

لكن نقول: أمّا الرواية الاولى فهي و إن كانت متعرضة لصورة تذكر نسيان الركوع بعد الفراغ من السجدتين كما قلنا، و لكن حيث وقع ذلك في كلام السائل لا وجه للتمسك بها، فإنّ السائل سئل عن خصوص هذا الفرض يعني فرض الفراغ من السجدتين، فأجاب عليه السّلام بما يدلّ على بطلان الصّلاة في مورد السؤال، فهذا لا يدلّ على عدم بطلان الصّلاة في مورد آخر.

______________________________

(1)- الرواية 4 من

الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 36

و أمّا الرواية الرابعة ففيها و إن وقع في كلام الامام عليه السّلام الحكم بالبطلان إذا نسى الركوع و تذكر بعد السجدتين، و لكن مع ذلك لا يستظهر منها عدم البطلان في صورة تذكر نسيان الركوع قبل إتمام السجدتين، لأنّه لا يستفاد من الرواية إلّا أنّه إذا أيقن ترك الركوع بعد السجدتين استأنف الصّلاة و لا ظهور لها في عدم البطلان لو ايقن قبل ذلك فلا وجه لأن يقال: بأنّ هذه الرواية يقيد إطلاق الرواية الثانية و الثالثة، بل الاطلاق بحاله محفوظ، فبمقتضى إطلاقهما يكون الوجه هو بطلان الصّلاة لو تذكر المصلّي نسيان الركوع بمجرد الدخول في السجد الاولى، فبما قلنا يظهر لك وجه ما تسمك به المشهور من بطلان الصّلاة في ما نحن فيه، و وجه قول المخالف للمشهور. «1»

ثمّ إنّ هنا رواية اخرى تدلّ على عدم بطلان الصّلاة في صورة نسيان الركوع و إن تذكر نسيانه بعد إتمام السجدتين، و حملها الشيخ رحمه اللّه على الركعتين الأخيرتين، و هي ما رواها الشيخ رحمه اللّه عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، (قال: فإنّ استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما، فيبنى على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف، فليقم فليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه). «2»

______________________________

(1)- أقول: إنّ مفهوم الرواية الرابعة تدلّ على عدم بطلان الصّلاة لو أيقن قبل إتمام السجدتين،

فمفهومها معارض مع إطلاق الرواية الثانية و الثالثة، و مقتضى الجمع بينهما هو تقييد إطلاقهما بها، فتكون النتيجة عدم البطلان لو تذكر بعد الدخول في السجدة الاولى نسيان الركوع، فتأمل. (المقرر)

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 37

و في الرواية اضطراب ان كانت بنحو المذكور، لأنّ السؤال يكون عن و الجواب يكون عن صورة اليقين، فلا يناسب الجواب مع السؤال، و لكن رواها الصدوق رحمه اللّه في الفقيه سليمة عن هذا الاضطراب، قال في باب أحكام السهو في الصّلاة: و روى العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، فقال: يمضى في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما، و يبنى على صلاته الّتي على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف فليقم و ليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه.

و هذه الرواية معارضة مع جميع الروايات الأربعة المتقدمة، و لكن لم يعمل بها فنعرض عنها.

[ما ذهب إليه المشهور يكون مطابقا مع القاعدة]

ثمّ اعلم أنّ ما ذهب إليه المشهور من بطلان الصّلاة بمجرد الدخول في السجود يكون مطابقا مع القاعدة، و يظهر لك بعد ذكر مقدمة، و هي أنّ الصّلاة مركب من المركبات يتألف من أجزاء لا يتحصل المركب إلّا بتحصل هذه الأجزاء لدخلها فيه، فمع فقد أحد أجزائه يفقد هذا المركب، و إذا وجد كلّ ما له دخل في وجود المركب من الأجزاء و الشرائط يوجد المركب، و هذا واضح كما أنّه من الواضح أنّ صيرورة كل جزء من أجزاء هذا المركب أعنى: الصّلاة، جزء

فعليا لها موقوف على تحقق المركب بتحقق ساير أجزائه، بمعنى أنّه لا يقال: إنّ الركوع الخارجي أو السجود او غيرهما صار جزء فعليّا للصّلاة إلّا إذا وجدت الصّلاة بوجود ساير أجزائها و شرائطها، فمع تحقق المركب يصدق أنّ الجزء جزء فعلي له، فصيرورة كل جزء من أجزائه جزء فعليا للمركب، أعنى: الصّلاة، موقوف على إتيان جميع الأجزاء و الشرائط.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 38

و ما هو محلّ الكلام هو أنّه كما تكون جزئية كل جزء للصّلاة فعلا موقوفة على تحقق ساير أجزائها، هل تكون قابلية الجزء اللاحق الّذي يكون محلّ وجوده و إتيانه بعد الجزء السابق المترتب عليه بحسب الاعتبار و دخله في الصّلاة لأن يكون جزء لها موقوفة على إتيان الجزء السابق أم لا؟

مثلا بعد ما لا إشكال في أنّ السجود جزء للصّلاة، و بعد ما لا إشكال في كون ظرف وجوده بعد الركوع لأنّ دخله في المركب في هذا الموضع، و لا يصير جزء فعليا إلّا بعد حصول ساير الأجزاء و تحقّق المركب، فهل تكون قابليته لأن يصير جزء موقوفة على تحقق الجزء السابق أم لا، و بعبارة اخرى لم يكن السجود قابلا لأن يكون جزء للصّلاة، و يكون سجودا لها إلّا إذا أتى به بعد الركوع أو لا يتوقف على ذلك، و بعبارة ثالثة هل يكون من شرائط السجود أو أجزائه وقوعه بعد الركوع في صيرورته جزء للصّلاة أولا؟ مثلا كما أنّ الانحناء الخاص، بنحو تقع المواضع السبعة على الأرض، ممّا يعتبر في السجود، كذلك يكون من شرائطه وقوعه بعد الركوع أم لا يكون كذلك، بل يكون الترتيب بين الركوع و السجود، و هكذا بين بعض الشرائط مع بعضها شرط من شرائط

الصّلاة في قبال ساير الاجزاء و الشرائط.

ما يأتي بالنظر هو عدم كون قابلية صيرورة جزء من الأجزاء جزء موقوفة على وجود الجزء السابق، بل كل جزء من الأجزاء يكون قابلا لصيرورته جزء بدون توقفه على الجزء الآخر، غاية الأمر لا يصير جزء من الأجزاء فعليا إلّا إذا أتى بجميع أجزاء المركب أعنى: الصّلاة، و لهذا لو أتى بجميع الأجزاء و لم يأت بواحد منها، فالبطلان و فساد المركب مستند إلى عدم هذا الجزء، و إلّا فساير الأجزاء باق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 39

على قابليتها.

و بعبارة اخرى ليس من جملة ما يعتبر في الجزء اللاحق كونه مترتبا على الجزء السابق لعدم دليل على ذلك، بل الأمر تعلق بنفس الأجزاء، غاية الأمر لا بدّ من إتيان بعض الأجزاء بعد بعض الأجزاء من باب شرطية الترتيبى المعتبر في أصل الصّلاة لا في الجزء.

[في ذكر انّ مقتضى القاعدة هو بطلان الصّلاة]

إذا عرفت تلك المقدمة يظهر لك أنّ ما يقتضي القاعدة هو بطلان الصّلاة لو نسي الركوع و تذكر بعد الدخول في السجود، لأنّ محلّ الركوع مضى لدخول المصلّي في السجود.

و لا مجال لأن يقال: بأنّ السجود الواقع منه ليس قابلا لأن يصير سجودا للصّلاة، لأنّ السجود الّذي جزء للصّلاة هو السجود الّذي يقع بعد الركوع، و في الفرض لم يأت بالركوع فيكون السجود كأن لم يكن، و بعد كونه كأن لم يكن فما مضى محل الركوع، فيأتى بالركوع و يمضي في صلاته و يأتي بما بعده من الأجزاء.

لأنّه بعد كون السجود قابلا لأن يصير جزء للصّلاة في أيّ محل اتفق و لو قبل الركوع، لعدم دخل وقوعه بعد الركوع في قابليته لأن يصير جزء لها، غاية الأمر لا يصير جزء فعليا إلّا بعد إتيان

المركب بسائر أجزائه، فهو مع هذه القابلية يكون جزء للصّلاة و وقع متصفا بوصف الجزئية الغير الفعلية، فمع صيرورة السجود جزء أعنى: قابلا لأن ينضم ساير الأجزاء به و يأتلف بها المركب، فقد مضى محلّ التدارك الركوع، و بعد مضى محل تداركه لا يمكن إتيان الركوع، فمقتضى القاعدة هو فوت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 40

محلّ تدارك الركوع بالدخول في السجود. «1»

______________________________

(1)- أقول: غاية ما يستفاد ممّا أفاده مدّ ظله العالى هو كون الدخول في السجود موجبا لمضى محلّ تدارك الركوع، و يكون كلامه في محله من هذا الحيث إلّا أنّ ذلك يوجب تمامية قول المشهور إن لم تكن رواية صفوان عن أبي بصير، أعنى: الرواية الرابعة، و أمّا معها فكما قلنا لا بد من الالتزام بالصحة لو تذكر نسيان الركوع قبل إتيان السجدتين و لو دخل في السجدة الاولى.

و نقول: أمّا الكلام في المورد الثاني، أعنى: ما إذا نسى الركوع و تذكر نسيانه بعد إتيان السجدتين، فالحق بطلان الصّلاة و إن دلت الرواية 2 من الباب 11 من أبواب الركوع على خلاف ذلك، و حملها الشّيخ رحمه اللّه على الركعتين الأخيرتين، و لكن عرفت أنّ هذه الرواية غير معمول بها، و لم يتعرض سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى للمورد الثاني، و ما قلت هنا يكون مختاري، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 41

السادس من أفعال الصّلاة السجود
اشارة

(و هو في اللغة كما في مجمع البحرين «1» الميل، و الخضوع، و التطامن، و الاذلال، و كلّ شي ء ذلّ فقد سجد، و منه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه، و سجد الرجل وضع جبهته على الأرض الخ) (و بعد كون معناه اللغوي وضع الجبهة على الأرض لا يبعد كونه

في لسان الشرع مستعملا في معناه اللغوي، و لكن اعتبر فيه بعض قيود و شرائط) و وجوبه في الجملة في الصّلاة من المسلمات، و واجباته امور:

الأمر الأوّل: السجود على سبعة أعظم.
[في ذكر الاخبار الواردة فى السجود]

اعلم أنّ المستفاد من بعض الروايات الواردة في طرق العامة هو وجوب السجدة على الأعظم السبعة فراجع «2» كتبهم، و أمّا عندنا فما يمكن أن يستدل به على الحكم المذكور في الجملة بعض الروايات:

منها: ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: السجود

______________________________

(1)- مجمع البحرين، ص 199.

(2)- سنن البيهقى، ج 2، ص 101 و 103.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 42

على سبعة أعظم الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الابهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم). «1»

و منها: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عليه السّلام (قال: يسجد ابن آدم على سبعة أعظم يديه، و رجليه، و ركبتيه، و جبهته). «2»

و منها: ما رواها حماد بن عيسى و فيها (و سجد على ثمانية اعظم: الجبهة، و الكفين، و عينى الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الانف، فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنة و هو الإرغام). «3»

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ العامة و إن ذكروا في طرقهم ما يدلّ على وجوب السجدة على سبعة أعظم، و لكن في غير الجبهة منها يكون الاختلاف بينهم، و أمّا عندنا فالحكم تقريبا مسلّم في الجملة، و نقول: أمّا السجود على الجبهة فيدلّ على اعتباره

و وجوبه، مضافا إلى ما مرّ، بعض الروايات الواردة فيمن أصابت جبهته مكانا غير مستو، و بعض ما يدلّ على أنّه يجزي من السجود بالجبهة ما بين قصاص الشعر الى الحاجب و بعض ما يدلّ على مساواة المسجد للموقف، و بعض ما يدلّ على أنّ من كان بجبهته دمل و نحوه يحفر حفيرة، فارجع الباب 8 و 9 و 10 و 11 و 12 من أبواب السجود.

فأصل وجوبه مسلّم إنّما الكلام في حدّ الجبهة، فنقول: بأنّ الجبهة هي السطح الواقع بين الجبينين من طرف العرض، و الواقع بين الأنف و قصاص الشعر من طرف

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب كيفية الصّلاة و جملة من احكامها و آدابها، ج 2.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 43

الطول، فليس الجبينان داخلين فيها، و كان ربما تطلق الجبهة و يراد ما يعمّ الجبينيين، و لكن المراد في المقام هو غيرهما لأنّ معناها ما قلت، و مجرد استعمالها في الاعم لا يوجب صرفها عن معناها الحقيقي.

و كذلك ليس المراد من الجبهة خصوص الحدّ الفاصل بين الأنف و القصاص، أعنى: القطعة المحاذية للأنف، لأنّ الجبهة أوسع من ذلك كما قلنا، بل المراد منها هو ما بين النزعة و الأنف و القصاص و الجبين و ما يظهر من بعض الروايات من كون الجبهة، ما بين الأنف و القصاص و الجبين ليس المراد كون خصوص هذه الناحية هو الجبهة بل هذه الروايات إمّا تكون في مقام بيان عدم وجوب استيعاب جميع ما بين القصاص و الأنف حال السجود و كفاية المسمى،

و إمّا أن تكون في مقام بيان أنّه لا يجب السجود على نقطة خاصة من وسط الجبهة، بل يكفي أيّ موضع من هذا الحدّ في أعلاه و أسفله و وسطه، لا في مقام كون خصوص مقابل الأنف و القصاص حدّ الجبهة، فافهم.

[هل يجب الاستيعاب فى الجبهة او لا؟]

مسئلة: قد عرفت أنّ الجبهة الّتي يجب السجود عليها هي ما بين النزعتين المقابلتين للجنبين، ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أمرين:

الأمر الأول: هل يجب الاستيعاب في الجبهة، بمعنى وجوب وضع جميع سطح الجبهة على الأرض، أو لا يجب الاستيعاب؟

الأمر الثاني: بعد عدم وجوب الاستيعاب هل يكتفي في مقام إتيان هذا الواجب، أى: وضع الجبهة على الارض، مجرد وضع شي ء من الجبهة على الأرض و لو نقطة بمقدار يحصل مسمى السجود، أو يجب أكثر من ذلك مثل أن يكون الموضع الّذي يضع من الجبهة بقدر سعة درهم أو أنملة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 44

[الكلام فى الامر الاول و الثاني]

أمّا الكلام في الأمر الأول: فنقول: لا يجب الاستيعاب: أمّا أوّلا فلأنّ ظاهر الدليل الّذي يدلّ على وجوب السجدة على الجبهة لا يقتضي ذلك، لعدم دلالة رواية زرارة المتقدمة إلّا على وجوب السجدة على الجبهة، و الجبهة، و الجبهة عبارة عن مجموع العظم الذي بينا مفهومه، فإذا وقع نقطة من هذا العظم على الأرض يصدق أنّ المصلّي وضع جبهته على الأرض عند العرف، كما ترى أنّه يقال عرفا بمن وضع مثلا موضعا من يده على راس أحد: بأنّه وضع يده على رأسه، ففي مقام صدق وضع الجبهة على الأرض عند العرف لا يعتبر استيعاب جميع الجبهة.

و أمّا ثانيا بعض الروايات فارجع الباب 9 من أبواب السجود و نذكر بعضها إنشاء اللّه، و هذا البعض من الروايات دليل على عدم وجوب الاستيعاب.

و امّا الكلام فى الأمر الثاني: بعد عدم وجوب الاستيعاب هل يكفي مسمى الوضع أو يجب أكثر من ذلك؟

قد يقال: بوجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف أنملة من الجبهة متمسكا بالرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: الجبهة

كلها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم، أو مقدار طرف الانملة). «1»

[في عدم دلالة رواية زرارة على ما نحن فيه]

و في هذا الباب روايات من زرارة لا يبعد كون كل منها رواية واحدة، و على كل حال يقال: بأنّ الرواية تدلّ على وجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف الأنملة من الجبهة.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 45

و لكن يمكن أن يقال: بعدم دلالة الرواية على ذلك، لأنّ الظاهر منها كفاية أيّ موضع من الجبهة، ثمّ ذكر مقدار الدرهم او طرف الأنملة يكون من باب المثال، و الشاهد على ذلك، أعنى: عدم كونهما حدا تجب رعايته، اختلافهما في المقدار، لأنّ طرف الأنملة و بالفارسية (نوك ناخن) يكون أقل من درهم، فهذا دليل على عدم وجوب خصوص مقدار الدرهم، فافهم.

بل يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من قوله عليه السّلام فيها (الجبهة كلها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط على الأرض أجزأك) هو كفاية المسمّى في غير الجبهة من المواضع السبعة أيضا، لأنّ المستفاد من هذه الرواية أنّه حيث تكون الجبهة موضع السجود، فبكلّ موضع منها يسجد يكفي، لأنّ كلها مسجد و ساير المواضع السبعة يكون كذلك، أعنى: يكون الكفان موضع السجود و هكذا، فبأيّ موضع منه يسجد يكفي، فتأمّل.

و لا ينافي ما قلنا- من كفاية المسمّى و عدم وجوب الاستيعاب، بل و عدم وجوب وضع مقدار الدرهم أو طرف الاصابع- الرواية 5 من الباب 14 من أبواب ما يسجد عليه، و هي ما رواها علي بن جعفر عليه السّلام عن موسى بن جعفر قال: سألته عن المرأة تطول

قصتها، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيها الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: لا، حتّى تضع جبهتها على الأرض.

وجه توهّم المنافاة هو أنّ الرواية تدلّ على وجوب وضع تمام الجبهة على الأرض، لأنّه مع فرض السائل من وقوع بعض الجبهة على الأرض (قال عليه السّلام:

لا، حتى تضع جبهتها على الارض) أى: تمام جبهتها.

و أمّا وجه عدم التنافي و دفع التوهم، هو أنّ السائل و إن فرض وقوع بعض

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 46

الجبهة على الأرض، و لكن جوابه عليه السّلام بأنّه (لا، حتّى تضع جبهتها على الارض) لا يدلّ على وجوب الاستيعاب، بل يحتمل أن يكون المراد هو أنّ مجرد وصول بعض الجبهة لا يكفي، لأنّا نقول: باعتبار كفاية المسمى، بل لا بدّ من وضع الجبهة على الأرض، و هو لا يصدق إلّا بمقدار يتحقّق مسمى الوضع.

و بعبارة أخرى بعد كون فرض السائل من وصول بعض الجهة على الأرض له صورتان: صورة تكون بحيث يصدق عرفا وضع الجبهة على الأرض، و صورة لا يصدق ذلك مثل ما وقع بقدر رأس إبرة من الجبهة على الأرض، فالامام عليه السّلام قال (لا حتّى يضع جبهتها على الأرض) يعني: لا يكفي كل وضع، بل لا بدّ من أن يكون بنحو يصدق الوضع.

فمع هذا الاحتمال لا يرى في الرواية مناف مع رواية زرارة المتقدمة، لأنّا أيضا نقول: باعتبار الوضع بمقدار يصدق عرفا أنّه وضع جبهته على الأرض و إن لم نقل بوجوب الاستيعاب، و لا وجوب وضع مقدار الدرهم، أو طرف الأنملة «1» فظهر لك مما مر عدم وجوب الاستيعاب بل كفاية مسمى الوضع و ان كان الاحوط وضع مقدار الدرهم من الجبهة على الارض

فافهم.

و أمّا الكف فنقول: إنّ ما ورد في طرقنا، ففي رواية زرارة المتقدمة قال:

(السجود على سبعة اعظم الجبهة و اليدين) فعبّر فيها بلفظ اليدين، و كذا في رواية قرب الاسناد، و أمّا في رواية حماد فقال (و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفين

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه لو فرض دلالة رواية علي بن جعفر على النهي عن وضع البعض و لكن بعد خصوصية رواية زرارة في الجواز، يجمع بينهما بحمل هذه الرواية على الاستحباب فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 47

الخ). فعبّر بلفظ الكف فعلى هذا لا ينبغي الاشكال في أنّ المراد هو الكف، أعنى: يجب وضع الكفين من اليدين، أمّا أوّلا فلأنّ المعصوم عليه السّلام، على ما في نقل حماد، سجد على الكف، و ثانيا فلأنّ المنصرف من وضع اليد هنا وضع الكفين، فلا إشكال في أنّ الواجب وضع الكفين على الأرض، كما لا إشكال في أنّ الواجب وضع باطن الكف، لأنّ ذلك المتبادر من الأمر بوضع الكف و السجود عليه.

ثمّ إنّه هل يجب الاستيعاب في الكفّ بمعنى: وضع تمام باطن الكف أو لا يجب ذلك، بل يكفي مجرد وصول مقدار منه و لو بقدر رأس إبرة لا يبعد أن يقال: بكفاية المسمى فيه أيضا أمّا أوّلا لأنّه بعد وضع مقدار من الكفّ يصدق عرفا أنّه وضع كفّه على الأرض، و ثانيا لما استفدنا من رواية زرارة من أنّه بعد كون الجبهة أو الكف مسجدا فأيّ مقدار منه يوضع على الأرض يجزي.

فبناء على هذا لا يجب وضع تمام الكف، بل لو وضع الكف بنحو يكون بعض أصابعه غير ملصق على الأرض، أو أخمص الراحة منفصلا عن الأرض يكفي.

و أمّا ما توهّم من

كون الأصابع خارجا عن الكفّ، فليس في محله، لأنّ هذا مفاد الكفّ في نظر الأعاجم و أهل الفرس، و أمّا عند العرب فالكفّ يشمل الأصابع.

ثمّ إنّ السيّد المرتضى رحمه اللّه قال: بوجوب وضع الزند على الأرض لا الكفّ، و نقل ذلك عن ابن جنيد و الحلي في السرائر أيضا، و لا نرى مدركا لكلامهم، و لعلّه يكون نظره إلى ما في كلام المنقول من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من (السجود على سبعة اعظم) فيقال: إنّ عظم اليد المقصود سجوده هو عظم الزند، و لكن إن كان نظره إلى ذلك لا وجه له بعد التصريح بأنّه يجب وضع الكفّ، فافهم.

[في ذكر رواية حماد]

و أمّا الركبة، ففي رواية زرارة قال (و الركبتين) و في رواية حماد قال (و عينى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 48

الركبتين) فنقول: حيث إنّ رواية حماد تكون نقل فعل المعصوم عليه السّلام و عين الركبة و إن قلنا في الركوع بأنّها عبارة على ما في اللغة عن نقرة في مقدمها، و لكل ركبة عينان و هما نقرتان في مقدمهما، و هي في نقطة أسفل من الركبة، و لكن لا تدلّ مع ذلك نقل حماد على كفاية وضع هذا الموضع، لأنّه بعد كونها نقل الفعل، و من يضع ركبته على الأرض يقع عين ركبته على الأرض، فلا تدلّ الرواية على كفاية عين الركبة و لو لم يضع نفس الركبة على الأرض.

و بعد استفادة وجوب وضع الركبة على الأرض من رواية زرارة، و لا يستفاد من رواية حماد ما يدلّ على كفاية غير الركبة، فالواجب هو وضع الركبتين على الأرض. «1»

ثمّ إنّه يكفي المسمّى و لا يجب الاستيعاب كما قلنا في الكفّين فلاحظ.

و

أمّا الابهامان فقد عرفت أنّ في رواية زرارة قال عليه السّلام (و الابهامين) و في رواية حماد نقل بأنّ أبا جعفر عليه السّلام سجد على ثمانية أعظم منها أنامل ابهامي الرجلين، نعم يكون في طرق العامة ما يدلّ على أنّ الواجب هو وضع أطراف الأصابع، و لكن ليس في طرقنا إلّا لفظ الرجلين، أو الابهامين، أو أنامل الإبهامين.

أمّا الرجلين فبعد التصريح بأنّ الواجب وضع موضع مخصوص منه و هو الابهامان، فمن المسلّم عدم كفاية غير الابهامين.

و أمّا الابهامين فالأنملة كانت عبارة عن المفصل الواقع في الأصبع، أو

______________________________

(1)- أقول: على ما يظهر من كلام أهل اللغة كما قدمت كلامهم في الركوع، لا يمكن وصول عيني الركبة على الأرض، لأنّها على ما قالوا حفرتان حولى الركبة، فكيف يمكن وصولهما إلى الأرض، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 49

خصوص مفصل الأصبع الّذي فيه الظفر، و الابهامان و إن كانتا عن تمام الاصبعى الأكبرين، و لكن يحتمل تعين وضع رأس الابهامين من باب كون وضع الطبيعي في السجدة هو وضع رأس الابهام على الأرض، و لكن مع ذلك يشكل دعوى تعين وجوب وضع رأس الابهام، لأنّ الابهام أعم، و يمكن كون وضع الأنملة من باب كونها جزء الابهام، فافهم. «1» هذا تمام الكلام في هذا الجهة.

مسئلة: قد عرفت ممّا مرّ أنّ في طرق العامة يرى بعض الروايات يدلّ على وجوب السجود و وضع مواضع سبعة على الأرض و لكن مع ذلك يرى أنّ أكثرهم لا يفتون بوجوب السجدة إلّا على الجبهة، و أمّا وضع ساير المساجد فلا يقول أكثرهم بوجوبه، بل يقولون باستحبابه، و منشأ ما قالوا هو ما نقل عن النبي صلى اللّه عليه و آله و

سلم بأنّه قال: (اللّهم سجد لك وجهي) و لم يقل: سجد لك ساير الأعاظم، و أمّا في طرقنا فصرّح في رواية زرارة بأنّ السجود على سبعة أعظم، و كذا في غيرها ما يدلّ على أنّ السجود يكون على سبعة أعظم، فترى أنّ المستفاد منها هو أنّ السجود يقع على الكفين، و الركبتين، و الابهامين كما يقع السجود على الجبهة.

[في ذكر اشكال في عدم كون النسيان في غير الجبهة موجبا للبطلان]

فمن هنا يجي ء إشكال، و هو أنّه يدعي التسلّم بعدم كون نسيان وضع أعظم السبعة غير الجبهة موجبا لبطلان الصّلاة، و أنّ ما يبطل الصّلاة هو نسيان وضع خصوص الجبهة و بعبارة اخرى الركن هو ما يبطل به الصّلاة باخلاله العمدي و السهوى، و السجدة من جملة أركان الصّلاة، فهل يكون محقّق الركن خصوص

______________________________

(1)- أقول: نعم لو كان المراد من الأنملة رأس الاصبع كما في كتاب المنجد، فلا يبعد دعوى تعين وضع رأس الابهام إمّا من باب انصراف وضع الابهام بوضع رأسه، و امّا من باب كون الظاهر من فعل المعصوم عليه السّلام وضع الأنملة و هو رأس الاصبع على ما في المنجد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 50

وضع الجبهة على الأرض، أو هو مع وضع ساير الاعظم السبعة؟

فإنّ كان الأوّل فلازمه فساد الصّلاة بنسيان وضع الجبهة، و عدم بطلانها باخلاله بسائر المواضع السبعة، و أمّا على الثاني فتبطل الصّلاة بنسيان وضع كل واحد من المواضع السبعة.

فالعامة حيث قال أكثرهم باستحباب وضع غير الجبهة من المواضع السبعة، يقولون بأنّ محقّق السجدة وضع الجبهة، فلا تبطل الصّلاة بترك وضع ساير المواضع السبعة.

و أمّا نحن الخاصّة فقد عرفت بأنّ المعتبر في طرقنا وجوب السجود على الأعظم السبعة، أعنى: تتحقق السجدة بوضع تمام هذه الاعظم، فالظاهر من رواية

زرارة و حماد هو أنّ السجدة تتحقق بوضع المواضع السبعة، فلازم ذلك كون السجدة عبارة عن ذلك، فما هو الركن هو السجدة، و السجدة هذا، فلو نسي و لم يضع أحدا منها على الأرض فقد أخلّ بركن الصّلاة، و الحال أنّه يدّعى الاجماع على أنّ ما هو محقق للسجدة الّتي تكون ركنا للصّلاة وضع الجبهة فقط على الأرض، فلو نسى وضعها فقد أخلّ بالركن، و أمّا لو أخلّ بغيرها من المواضع السبعة فلم يخلّ بالركن، بل أخلّ بواجب غير الركن، فلا تبطل الصّلاة لو تركها سهوا.

[في ذكر الاحتمالان في رواية زرارة]

فكيف يجمع بين كون السجدة على جميع هذه المواضع على ما في رواياتنا، و بين كون خصوص وضع الجبهة على الأرض محقّق الركن في السجود، فنقول: يحتمل في رواية زرارة احتمالان:

الاحتمال الأوّل: كونها في مقام بيان أنّ حقيقة السجدة تتحقق بوضع هذه الاعظم السبعة على الأرض بحيث لو لم يضع واحدا منها على الأرض لم يتحقّق ما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 51

هو سجدة الصّلاة عند الشارع فعلى هذا الاحتمال يكون التنافي بين رواية زرارة و الاجماع المدعى على كون خصوص وضع الجبهة محقّق للسجدة.

الاحتمال الثاني: هو أن يكون محقّق السجدة مجرد وضع الجبهة على الأرض، و لكن حيث يكون وضع سائر المواضع مقارنا لوضع الجبهة، أعنى: إذا وضعت الجبهة على الأرض يوضع الكفان، و الركبتان، و الابهامان على الأرض غالبا، فمن باب ذلك (قال السجود على سبعة أعظم) لا من باب دخل وضعها في تحقق السجدة الّتي هى ركن للصّلاة فعلى هذا الاحتمال لا تنافي بين ما يستفاد من رواية زرارة، و بين الاجماع على كون محقّق الركن صرف وضع الجبهة على الارض.

فبهذا الاحتمال الثاني يمكن حمل رواية

زرارة و يوجّه ظاهرها بحيث لا ينافي مع الاجماع، و يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه التكلم في أنّ محقّق ركنية السجود هل هو خصوص وضع الجبهة على الأرض و عدم دخل لسائر المواضع، أو لها دخل في ركنيتها.

الامر الثاني: من واجبات السجود

، وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه من الأرض و نباتها بتفصيل لم يكن هنا محلّ بحثه، و لم يتعرض له سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي).

الامر الثالث: من واجبات السجود
اشارة

، أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه إلّا أن يكون علو يسير بمقدار لبنة يدلّ على هذا الحكم في الجملة روايات:

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن السجود على الأرض المرتفع؟ فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 52

موضع بدنك قدر لبنة، فلا بأس). «1»

و نقل في الكافي بدل (بدنك) (رجليك) و احتمل بعض كون العبارة (يديك) لا بدنك.

الرواية الثانية: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المريض أ يحلّ له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ قال: فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة، أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض و إن كان أكثر من ذلك فلا). «2»

تدلّ الاولى على اغتفار ارتفاع موضع الجبهة من موضع البدن بقدر لبنة بالمنطوق، و على عدم اعتفار أزيد من ذلك بالمنطوق أيضا.

و بعض الروايات يدلّ على وجوب الاستواء بين موضع الجبهة و الموقف.

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا، و لكن يكون مستويا). «3»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أبو بصير يعنى (المرادي) (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد؟ فقال: إني احبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي و كرهه). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب

10 من ابواب السجود من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 53

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السّلام في حديث (أنّه سألته عمّن يصلّي وحده، فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس). «1»

و هذه الروايات على فرض دلالتها على اعتبار الاستواء بين الجبهة و الموقف في حدّ ذاتها، فمقتضى الجمع بينها و بين الرواية الاولى من روايتي عبد اللّه بن سنان هو استحباب الاستواء، كما يظهر من رواية أبي بصير استحباب الاستواء (مضافا إلى إمكان أن يقال: بأن عبد اللّه بن سنان بعد ما رأى أنّه عليه السّلام أجاب (و لكن يكون مستويا) سئل مجددا فأجاب باغتفار الارتفاع إذا كان قدر لبنة، فبناء على هذا يكون المراد من وجوب الاستواء ما لا ينافي الارتفاع بقدر لبنة، فتأمل).

فتكون النتيجة أنّ موضع الجبهة ان كان مرتفعا من موضع البدن بأكثر من لبنة فلا يغتفر، و إن كان بقدر لبنة أو أقل منها مرتفعا فلا بأس به،

[في ذكر بعض الفروع]
اشارة

ثمّ إنّ هنا بعض الفروع نتعرض بعون اللّه تعالى فنقول:

الفرع الأوّل هل يغتفر انخفاض موضع الجبهة عن موضع البدن بقدر لبنة و عدم اغتفاره إن كان أكثر من لبنة كما اغتفر في ارتفاعه بقدر لبنة و عدم اغتفاره بأزيد من لبنة أم لا؟

قد يقال: بأنّ الظاهر من بعض الروايات هو اعتبار الاستواء، فما خرج من ذلك هو صورة ارتفاع موضع الجبهة من الموقف بقدر لبنة، و أمّا انخفاضه فمخالف للاستواء المستفاد من الرواية الثانية من روايتي عبد اللّه بن سنان.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 6، ص: 54

و لكن فيه أنّ الاستواء الدالّ عليه أحد روايتي عبد اللّه بن سنان هو الاستواء المقابل للارتفاع لا الانخفاض، لأنّ السائل سئل عن جواز ارتفاع الجبهة، فأجاب عليه السّلام (لا و لكن يكون مستويا) فالاستواء المعتبر هو الاستواء المقابل للارتفاع و لكن يمكن أن يقال: بدلالة رواية عمار على اغتفار انخفاض الجبهة بقدر آجرة و عدم اغتفار الأكثر من ذلك، لأنّ المستفاد منها ذلك، غاية الأمر مورد السؤال فيها هو المريض، و لكن لا خصوصية للمريض في هذا الحيث، أمّا عدم اغتفار انخفاض الجبهة من الموقف بأكثر من لبنة أو آجرة فتدلّ عليه هذه الرواية بالأولوية، لأنّه بعد عدم اغتفار ذلك للمريض ففي غيره بالاولوية غير مغتفر، و أمّا اغتفار أقل من آجرة لغير المريض فيستفاد منها بإلغاء الخصوصية. «1»

و لكن مع ذلك الفتوى على طبق رواية العمار مشكل، لأنّه بعد ما نرى من عدم تعرض لهذا الحكم في كلام القدماء رحمهم اللّه، بل يظهر من عبارة صاحب الجواهر رحمه اللّه كون اخفضية موضع الجبهة عند بعض الفقهاء قدّس سرّهم مطلوبا لكونه أقرب إلى التذلل و التواضع، فلم يكن هذا الحكم مورد فتوى القدماء من الأصحاب و أنّهم مع رؤيتهم رواية عمار إمّا أعرضوا عنه، و إمّا لم تكن الرواية بنظرهم دالا على هذا الحكم.

______________________________

(1)- أقول: و لكن في اغتفار انخفاظ الجبهة في أقل من لبنة في غير المريض تمسكا برواية عمار فمشكل لاحتمال الخصوصية في المريض، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد عدم وجود دليل على وجوب الاستواء المقابل للانخفاض كما قلنا لأنّ كلّ ما يدلّ على اعتبار الاستواء يكون في مقام بيان اعتبار الاستواء المقابل للعلو، فنشك في أنّه

هل يعتبر الاستواء المقابل لانخفاض الجبهة أم لا يعتبر ذلك في أقل من آجرة، فنرفع شرطيته أو جزئيته بالبراءة، لأنّ الشّك يكون بين الأقل و الأكثر الارتباطى، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 55

و نحن إذا تأملنا في الرواية نفهم عدم ظهور لها في هذا الحكم، لأنّها محتمل لاحتمالين:

الاحتمال الأوّل: أن يكون السؤال عن ارتفاع البساط عن موضع الجبهة، و كان جوابه عليه السّلام ناظرا إلى هذا، فيستفاد منه عدم جواز أخفضية موضع الجبهة عن موضع البدن بأكثر من آجرة.

الاحتمال الثاني: أن يكون سؤال السائل عن جواز الصّلاة على البساط إمّا من باب عدم استقراره و تمكنه، و إمّا من باب كونه خلاف التذلل، فيكون جوابه عليه السّلام ناظرا إلى سؤاله، و أنّه لا مانع من الصّلاة على البساط لو كان بقدر آجرة أو أقل من حيث الارتفاع من موضع الجبهة فعلى هذا لا يكون السؤال و الجواب مربوطا بما نحن فيه، بل يكون السؤال من أصل الصّلاة على البساط، من باب عدم استقرار البساط أو خلاف التذلل، فأجاب عليه السّلام بأنّ ارتفاعه إن كان عن موضع الجبهة بقدر آجرة أقل فلا مانع منه، و لا ظهور للرواية في الاحتمال الأوّل إن لم نقل بظهورها في الاحتمال الثاني، فلهذا لا يمكن الاستدلال على ما نحن فيه برواية عمار، فلا دليل في البين على عدم جواز أخفضية موضع السجود عن مواضع البدن فافهم.

[الكلام فى الفرع الثاني]
اشارة

الفرع الثاني: الاستواء المعتبر بين الجبهة و غيرها، هل يعتبر بين الجبهة و بين خصوص القدمين أعنى: الابهامين، أو بينها و بين الابهامين و الركبتين، أو بينها و بين ساير الأعظم السبعة حتّى الكفين؟

اعلم أنّ المستند في اغتفار ارتفاع الجبهة عن موضع البدن

بمقدار لبنة أو أقل و عدم اغتفاره في أكثر من اللبنة هو أحد روايتي عبد اللّه بن سنان المتقدمة فما يستفاد منها هو الّذي لا بد أن نختاره، فنقول يحتمل في قوله عليه السّلام في هذه الرواية في جواب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 56

سؤال السائل عن السجود على الأرض المرتفع (اذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس) احتمالات أربعة:

[في ذكر الاحتمالات الاربعة في المورد]

الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد من موضع البدن هو موضع البدن حال القيام، فيكون المراد على هذا أنّه لا بد من التساوي بين موضع القدم حال القيام و بين موضع الجبهة حال السجود، فلو فرض أنّ المصلّي حال القيام وقع في موضع يكون أخفض من موضع الجبهة باكثر من لبنة، و لكن إذا ذهب إلى الركوع أو بعد الركوع ذهب إلى موضع آخر يكون هذا الموضع مساويا مع موضع الجبهة، فليزم بطلان الصّلاة، أو إذا كان حال القيام في موضع يكون موضع السجود مساويا معه، و لكن ذهب إلى موضع آخر يكون أرفع من موضع الجبهة بأكثر من لبنة، لا بد أن نلتزم بصحة الصّلاة، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بأحد منهما، و نسب هذا الاحتمال إلى كاشف الغطاء رحمه اللّه.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من موضع بدنك موضع القدمين حال القيام بشرط عدم انتقاله من المحل الواقع عليه حال القيام إلى موضع آخر.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد من موضع بدنك محل جلوسه قبل الركوع، ففي كل موضع جلس فيه قبل السجود، فلا بدّ و أن يكون محل السجود مساويا معه إلا إذا كان ارتفاع الجبهة بمقدار لبنة أو اقل منها.

الاحتمال الرابع: أن يكون المراد من موضع بدنك موضع

البدن حال السجود بمعنى أن لا يكون موضع الجبهة أرفع من موضع البدن حال السجود باكثر من مقدار لبنة.

إذا عرفت هذه الاحتمالات نقول: بأنّ مقتضى وضع الانحناء المطلوب حال

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 57

السجود عند العرف هو الاحتمال الرابع، لأنّه إذا كان موضع البدن الواقع على الارض مع موضع الجبهة حال السجود مساويا يكون انسب مع الانحناء السجودي، مضافا إلى أنّ مناسبة الحكم و الموضع يقتضي كون المراد من موضع البدن موضع البدن حال السجود، فإنّ هذا الحال أعنى: حال السجود، صار محكوما بهذا الحكم، فإذا أمر بعدم أرفعية موضع الجبهة عن موضع البدن حال السجود، فلا يفهم منه العرف إلّا ملاحظة التساوي في هذا الحال، و يكون ساير الاحتمالات خلاف الظاهر، فاذا قيل مثلا: لا ترتفع موضع جبهتك عن موضع بدنك حال السجود فلا يفهم منه العرف إلّا ملاحظة الموضع في حال السجود، و لا يفهم منه تساوي موضع الجبهة مع موضع البدن حال السجدة موضعه في حال القيام، أو حال الجلوس.

[الأظهر هو الاحتمال الرابع]

فمن هنا يظهر انّ الاقوى هو الاحتمال الرابع المتبادر ذلك من الرواية، و أمّا ما ورد من التعبير بلفظ (المقام) في الرواية الاخرى من روايتي عبد اللّه بن سنان الدالّ على اعتبار استواء موضع الجبهة مع مقام المصلّي، فلا يكون دالّا على كون الاعتبار بموضع قيام المصلّي القابل لانطباق على الاحتمال الأوّل أو الثاني من الاحتمالات الأربعة امّا أوّلا فلأنّه ليس (المقام) ظاهرا في محل القيام بحسب اطلاقاته، و لذا ترى أنّك تقول في مقام الدعاء (اللّهم إنّ هذا مقام العائذ بك من النار) فتقول إذا كنت قائما كنت جالسا (هذا مقام العائد). فيحتمل أن يكون المراد من المقام المكان، و

ثانيا بعد قوله عليه السّلام في الرواية الاخرى من روايتي عبد اللّه بن سنان (موضع بدنك) و قلنا بأنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون النظر إلى حال السجود، فيحمل المقام على الموضع الّذي يكون موقفه حال السجود بقرينة هذه الرواية.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 58

الفرع الثالث:

بعد كون الواجب عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع البدن إلّا بقدر لبنة أو أقل، فيقع الكلام في ما هو المراد من موضع البدن حال السجود.

اعلم أنّه لا إشكال في أنّ ما يقع من البدن على الأرض حال السجود ليس إلّا الكفين، و الركبتين، و الابهامين، و يكون ما بقي من البدن متجافيا عن الأرض و غير ملاصق مع الأرض، فهل تكون العبرة بوضع تمام هذه المواضع السبعة، أعنى:

الكفين، و الركبتين، و الابهامين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة بأكثر من لبنة عن كل هذه المواضع، او تكون العبرة بخصوص الركبتين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين حال السجود بأكثر من لبنة، أو تكون العبرة بالركبتين و الابهامين، بمعنى: عدم جواز ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين و الابهامين حال السجود، كلّ محتمل:

وجه الأوّل: أنّ كل هذه المواضع الستة موضع وقوع ثقل البدن حال السجود.

وجه الثاني: أنّ ما يقع عليه ثقل البدن حال السجود بعد وضع الجبهة على الأرض، هو الركبتان، و لا دخل للكفين و الابهامين.

وجه الثالث: أنّ وضع السجود مقتض لوضع الابهامين، فهما من مواضع البدن حال السجود، لأنّه لا يرفع الرجلان، و الرجلان يعدّ جزء البدن بخلاف الكفّين، أحوط الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل. «1»

______________________________

(1)- أقول: بناء على كون الميزان ملاحظة موضع البدن حال السجود، لا يبعد كون الاحتمال الأوّل أقرب مضافا إلى كونه

أحوط، لأنّ الميزان ليس موضع ثقل البدن، بل ما أخذ في الدليل هو موضع البدن، و لا إشكال في أنّ كل هذه المواضع الستة يكون موضع البدن. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 59

الفرع الرابع:
اشارة

هل يجب عدم أرفعية موضع السجدة من كل من الركبتين، و كل من الابهامين، و كل من الكفين بناء على كون المراد من موضع البدن كل هذه المواضع الستة، أو لا يجب ذلك، بل يكفي عدم ارفعية موضع السجدة عن بعض منها، مثلا إذا كان موضع السجدة غير مرتفع من بعض هذه المواضع يكفي في تحقق حكم المذكور و إن كان أرفع من مقدار لبنة من بعضها الاخر.

الحق الأوّل، لأنّ ظاهر الدليل عدم كون موضع الجبهة أرفع بأزيد من لبنة عن موضع البدن، فكل ما يعدّ حال السجدة موضع البدن لا بدّ و أن يكون غير مرتفع موضع السجدة منه بأكثر من لبنة، فافهم.

[في ذكر الاقوال فى المورد]

تنبيه لو وضع المصلّي جبهته نسيانا على موضع أرفع من لبنة من مواضع بدنه، أو وضع على موضع نجس، أو وضع على غير ما يصح السجود عليه، فهل يجوز رفع راسه من هذا الموضع، ثمّ وضعه على موضع لا يكون أرفع من موضع بدنه من لبنة، أو وضع رأسه على موضع طاهر، أو ما يصح السجود عليه من الأرض أو ما أنبت منها غير المأكول و الملبوس، أو لا يجوز ذلك، بل يجب جرّ جبهته و وضعها على موضع خال عن الاشكال وجوه بل أقوال:

القول الأوّل: عدم الجواز مطلقا.

القول الثاني: الجواز مطلقا.

القول الثالث: التفصيل بين ما إذا وضع رأسه على موضع مرتفع، فيجوز الرفع، و بين ما وضع جبهته على موضع نجس أو على ما لا يجوز السجود عليه، فلا يجوز الرفع في هذه الصورة.

لا إشكال في أنّه لو جرّ جبهته إلى موضع آخر طلبا لتحصيل مسجد واجد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 60

للشرط، و وضع جبهته على هذا الموضع، فتصح

السجدة و تصح الصّلاة، إنّما الكلام في جواز رفع الرأس و وضعه ثانيا في موضع يصح السجود عليه.

فنقول: إنّ الكلام تارة يقع في ما تقتضيه القاعدة، و تارة في ما يستفاد من أخبار الباب.

أمّا الكلام في ما تقتضيه القاعدة فنقول: أمّا ما يمكن أن يكون وجها لعدم جواز رفع الرأس، فهو أنّه يوجب زيادة السجدة، و زيادتها مبطلة،

[في جواز رفع الرأس وجوه]
اشارة

و أمّا ما يمكن أن يقال في وجه جواز رفع الرأس فوجوه:

[الاول و الثاني]

الوجه الأوّل: أن يقال: بأنّ في السجدة إذا وقعت الجبهة على موضع يكون أرفع من اللبنة من موضع البدن لا تكون سجدة عرفا، فإذا لم يصدق على هذه السجدة أنها سجدة عرفا لا تكون زيادتها مبطلة للصّلاة، لأنّ ما يدلّ على كون زيادة السجدة مبطلة يدلّ على ما هو سجود عرفا، و ليس هذا سجود عرفا، و يظهر هذا الوجه من صاحب الجواهر رحمه اللّه «1»، و لهذا لم يقل بجواز الرفع إلّا في صورة وضع جبهته على موضع أرفع من لبنة.

الوجه الثاني: أنّه لو سجد على موضع أرفع، أو على موضع نجس، أو على ما لا يصح عليه السجدة، فلا يكون هذا السجود سجودا شرعا، و بعد عدم كونه سجودا شرعا فليست زيادتها مبطلة، لأنّ المراد من أنّ زيادة السجدة مبطلة يكون هو السجدة الشرعية، أعنى: إذا حصلت سجدة مع ما اعتبر فيها شرعا تصدق الزيادة و الّا فلا.

______________________________

(1)- جواهر، ج 10، ص 159.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 61

الوجه الثالث:

هو أن يقال: بأنّ الزيادة في الصّلاة تصدق إذا وجدت جزء من أجزائها من أوّل الأمر متصفا بالزيادة، فلا تكون زيادتها مبطلة إذا لم يكن من أوّل حدوثه متصفا بالزيادة، لأنّ المستفاد من الأدلة هو بطلان الصّلاة بالزيادة اذا احدث الزيادة و لا يصدق احداث الزيادة إلا إذا وجدت من أوّل الأمر متصفا بالزيادة، فبناء على هذا يقال: بأنّه في ما نحن فيه لو رفع المصلّي رأسه ثمّ وضعه على موضع يصح السجود عليه، أو لم يكن مرتفعا فالسجود الثاني يتصف بالجزئية للصّلاة لواجديته لما يعتبر في سجود الصّلاة، و الاول لا يتصف بالزيادة لعدم كونه من أوّل الأمر واجدا لوصف الزيادة، و بعبارة اخرى

لم يحدث زائدا، بل بعد إتيان سجود الثاني يصير زائدا، و هذا النحو من الزيادة غير مبطلة للصّلاة، هذا كلّه في الوجوه الثلاثة الّتي ذكر وجها لجواز رفع الرأس و السجود ثانيا، و الوجه الثاني و الثالث ذكرهما الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في كتابه. «1»

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: أمّا الوجه الأوّل ففيه أنّه لا يمكن أن يقال بجواز الرفع من باب عدم صدق السجود العرفي، لصدق السجود عرفا على السجود الواقع على موضع أرفع من لبنة عن موضع البدن، أو على ما لا يصح عليه مسلما، و كيف يمكن أن يقال: بأنّ من وضع جبهته على موضع لا يكون أرفع من موضع البدن بقدر لبنة سجود عند العرف، و أمّا لو وضع جبهته على موضع أرفع من موضع البدن بأزيد من لبنة بمقدار يسير، مثلا بقدر عشر لبنة بأنّه لم يكن سجودا عرفا، فمن هذا الحيث لا يمكن ان يقال بجواز رفع الرأس، و هكذا في ما وضع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه فيصدق عليه السجود عرفا لأنّه لا يكون موضوع السجود عند

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 345.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 62

العرف إلّا وضع الجبهة على الأرض، فعلى كل موضع وضع الجبهة يصح عرفا أنّه سجد (نعم، يمكن أن يقال في بعض أفراد السجود على الموضع المرتفع: بعدم صدق السجود العرفي مثل ما إذا كان موضع الجبهة أرفع بمقدار كثير بحيث لا يحصل الانحناء اللازم في السجود، فتأمل) فعلى هذا بهذا الوجه لا يمكن أن يقال: بجواز رفع الرأس من السجدة الاولى و السجود ثانيا.

أمّا الوجه الثاني فنقول: بأنّ مدرك كون زيادة السجدة مبطلة ليس إلّا التسلّم عند

الأصحاب قدس سرّهم و إلّا فلم يبلغ نصّ دالّ عليه إلينا، و قوله عليه السّلام في رواية زرارة (فإنّ السجود زيادة في المكتوبة) في السجدة التلاوة، فاستفادة هذا الحكم منه مشكل، و يأتي تمام الكلام فيه في الخلل إنشاء اللّه، و ظاهر عبائر الأصحاب عدم كون زيادة السجدة المبطلة خصوص زيادة السجدة الشرعية حتّى يقال: بأنّ زيادة السجدة المبطلة للصّلاة منحصرة بما إذا زاد السجود الشرعي، أعنى: السجود الّذي جعله الشارع جزء للصّلاة.

أمّا الوجه الثالث فنقول: ينبغي أن يتكلم في أنّ الزيادة تصدق إذا وجد جزء من أجزاء الصّلاة ثانيا بعد وجوده الأوّل بعنوان الجزئية أو لا يعتبر ذلك.

و بعبارة اخرى إذا تحقق جزء في الخارج، ثمّ أوجد المكلف هذا الجزء ثانيا يكون الثاني مصداق الزيادة، أو يتصور كون أوّل ما وجد بقصد الجزئية مصداقا للزيادة بعد وجود هذا الجزء بقصد الجزئية ثانيا، مثلا في السجود إذا أتى بأربع سجدات بقصد الجزئية، فلا إشكال في كون السجدتين منهما زائدا، فهل تكون السجدتان الأخيرتان من أربع سجدات مصداقا للزيادة، أو تكون الأولتان من أربع سجدات مصداقا للزيادة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 63

و بعبارة ثالثة هل يعتبر في صيرورة الجزء مصداقا للزيادة أن يكون حين حدوثه متصفا بالزيادة، أولا يعتبر ذلك؟

فإن قلنا بالأوّل فلا مانع من أن يقال: بجواز رفع الجبهة من الأرض و وضعها ثانيا لعدم اتصاف السجدة الاولى بالزيادة، و وقوع السجدة الثانية جزء للصّلاة.

و إن قلنا بالثاني، فلو رفع رأسه و وضع ثانيا فقد زاد في صلاته، لأنّ السجدة الاولى وقعت زائدة، و يأتي التحقيق في كون الأمر في الزيادة بنحو الأوّل أو الثاني في الخلل إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ

صيرورة جزء من اجزاء الصّلاة مصداقا للزيادة تكون موقوفة على وقوعه بقصد الجزئية بعد وقوع الجزء أولا و اتصافه بالجزئية فدائما يكون مصداق الزيادة الوجود الثاني من الجزء لا الوجود الأوّل منه، و أمّا بناء على عدم اعتبار ذلك فلو وجد أربع سجدات في ركعة فقابل لأن تكون الأوّلتان منها مصداقا للزيادة، و قابل لأنّ تكون الأخيرتان منها مصداقا للزيادة «1» ثمّ إنّه يفرض بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين لأنّ زيادتهما، و لو كانت سهوا، في ركعة واحدة مبطلة، و أمّا حيث لا تكون زيادة سجدة واحدة سهوا في ركعة مبطلة للصّلاة، فلا بدّ من فرض الزيادة المبطلة بالنسبة إلى سجود واحد في صورة العمد، لأنّه لو زاد سجدة واحدة على السجدتين الواجبتين في ركعة واحدة تبطل الصّلاة

______________________________

(1)- أقول: بأنّ في هذه الصورة لا بد أيضا من أن تكون الاخيرتان مصداق الزيادة، لأنّ بعد إتيان الاولتين بقصد الجزئية و وقوعهما بتمام ما يعتبر فيهما، فهما صارتا منطبق السجدتين المأمور بهما في الصّلاة، و سقط الأمر بهما، فقهرا لو وجدت بعدها سجدتان آخرتان بقصد الجزئية فهما تكونان زيادة في الصّلاة و مصداقا للزيادة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 64

و إلّا فلا، فلا بدّ من فرض صورة يأتي المكلف بسجدة زائدة عمدا حتّى تبطل بها الصّلاة، و كيف يفرض ذلك، لأنّه لا تصدق الزيادة في السجدة إلا إذا أتى بها بعنوان الجزئية، و مع فرض إتيان ما هو الواجب و ما هو الجزء و هو السجدتان، فكيف يمكن فرض إتيان سجدة بقصد الجزئية عامدا عالما، و لا يقع جزء للصّلاة حتّى يقع الكلام في أنّ رفع الرأس منها هل يوجب الزيادة المبطلة أم لا.

فنقول: يمكن فرض ذلك،

و هو أن يفرض أنّ المصلّي ينحني بقصد السجود الواجب في الصّلاة، ثمّ تقع جبهته على الموضع المرتفع، أو على ما لا يصح السجود عليه اتفاقا ففي هذه الصورة أتى بالسجدة بقصد الجزئية عمدا، فإن رفع راسه و يضع ثانيا على الموضع الواجد للشرائط، فيقع الكلام في أنّ السجدة الاولى تكون زيادة أم لا، فيمكن فرض إتيان سجدة بقصد الجزئية عامدا و صيرورتها زيادة بناء على عدم جواز الرفع.

[في ذكر الروايات فى الباب]

هذا كلّه في الوجوه الآتي استدل بها على كون رفع الرأس جائزا بحسب القاعدة، و ما بينّا فيها، و أمّا بمقتضى النصوص فنقول بعونه تعالى: إنّ في المقام روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها معاوية بن عمار (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم جواز الرفع و وجوب الجرّ إذا وقعت الجبهة على النبكة (و النبكة على ما قيل بالنون و الباء الموحّدة المفتوحتين واحدة النبك و هي

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 65

اكمة محددة الرأس و قيل النباك التلال الصغار).

و يحتمل كون وجوب الجرّ و عدم جواز الرفع من باب وقوع الجبهة على الموضع الّذي لا يجوز السجود عليه لارتفاعه عن موضع البدن، و يحتمل أن يكون الجرّ من باب أنّ جبهة المصلّي وقع على الموضع الّذي لا تستريح الجبهة، فلأجل عدم كونه مستريحا يريد أن يضع جبهته على مكان آخر مستو لا أن يكون رأسه واقعا على موضع لا يصح السجود عليه و مع هذا قال بعدم جواز الرفع و وجوب الجرّ حتى يكون شاهدا لما

نحن فيه، بل يكون عدم جواز الرفع على هذا الاحتمال من باب وقوع الجبهة على موضع يصح السجود عليه، و لا يكون أرفع من موضع البدن بأزيد من لبنة، و لكن لم يكن الرأس على موضع مستريح، و لهذا قال بعدم جواز الرفع و وجوب الجرّ، و الشاهد على كون مفاد الرواية هو الاحتمال الثاني خصوصية ذكر النبكة، لأنّ وقوع الجبهة عليها صار موجبا لعدم استراحة الشخص، و يريد وضعها على موضع مستريح، فقال عليه السّلام (فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض) و لكن مع ذلك يمكن أن يقال: بأنّ قول الامام عليه السّلام مطلق، لأنّه أمر بعدم جواز الرفع مطلقا و وجوب الجرّ. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها ابن مسكان عن حسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: أضع وجهي للسجود، فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع احوّل وجهي إلى مكان مستو؟ فقال: نعم جرّ وجهك على الأرض من

______________________________

(1)- أقول: لا وجه للاطلاق بعد احتمال كون عدم جواز الرفع من باب وقوع الجبهة على المسجد الّذي يصح السجود عليه و غير مرتفع، فلا تفيد الرواية لما نحن فيه حيث إنّ كلامنا يكون فيما إذا تقع الجبهة على الأرض المرتفع أو ما لا يصح السجود عليه، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 66

غير أن ترفعه). «1»

دلالتها على عدم جواز الرفع و وجوب الجرّ واضح.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «2» (قال: سألته عن الرجل يسجد علي الحصى، فلا يمكن جبهته من الأرض، قال: يحرّك جبهته حتّى يتمكن فينحني، و لا يرفع رأسه). «3»

الرواية الرابعة: و

هي ما رواها أبو مالك الحضرمي عن الحسين بن حماد (قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: ارفع رأسك ثمّ ضعه). «4»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها الفضل بن صالح عن الحسين بن حماد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسجد على الحصى، قال: يرفع راسه يتمكّن). «5»

و هاتان الروايتان تنتهي سندهما إلى الحسين بن حماد الراوي للرواية

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل أيضا في هذا الرواية ما احتمل في الرواية الاولى من كون النهي عن الرفع من باب وقوع السجدة مع ما يعتبر فيها، و لكن حيث لم يكن مستريحا من جهة وقوع الجبهة على الحصى، أجاز التحريك حتّى يتمكن و لم يجوز رفع الرأس فحيث يحتمل ذلك فلا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه، أعنى: على الصورة الّتي لم تقع الجبهة على الموضوع الّذي لا يجوز السجود عليه. (المقرّر)

(4)- الرواية 4 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 67

الاولى، فالرواية الثانية و الرابعة و الخامسة يرويها راو واحد، و هو الحسين بن حماد، غاية الأمر كل رواية من الروايات الثلاثة يروي شخص عنه غير من يروي عنه روايته الاخرى، و على كل حال تدلّان الروايتان الأخيرتان على جواز الرفع.

[نذكر لرفع التعارض احتمالات أربعة]

إذا عرفت حال الروايات، فيقال: بأنّ الرواية الاولى و الثانية و الثالثة دالات على عدم جواز رفع الجبهة، و أنّه يجب الجرّ، و الرواية الرابعة و الخامسة على جواز الرفع،

فيقع التعارض بين الطائفتين، فنقول: إنّ هنا بعض الاحتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يقال: بأنّ الرواية الثانية و الرابعة و الخامسة حيث يكون راويها واحدا، و هو الحسين بن حماد، فلا ندري بأنّ ما رواه هذا الراوي و صدر من المعصوم عليه السّلام هل هو الرواية الثانية حتّى يقال: بكون ما صدر دالا على عدم جواز الرفع، أو الرواية الرابعة و الخامسة حتّى يكون ما صدر دالا على جواز الرفع، فلا يمكن الاعتماد بأحد منها لأنّا لا ندري أيهما صدر منه عليه السّلام، و إذا سقطت روايات الحسين بن حماد عن الحجية، تبقى الرواية الاولى و الثالثة الدالتان على عدم جواز الرفع بلا معارض، فتكون النتيجة عدم جواز رفع الرأس.

الاحتمال الثاني: أن يقال: بحمل ما يدلّ على عدم جواز الرفع على الكراهة بقرينة ما يدلّ على جواز الرفع.

الاحتمال الثالث: أن يحمل ما يدلّ على جواز الرفع على صورة الاضطرار، و عدم إمكان الجرّ.

الاحتمال الرابع: أن يقال: أمّا روايات الحسين بن حماد فقد سقطت عن الحجية لما عرفت، و أمّا الرواية الاولى و الثالثة أعنى: رواية معاوية بن عمار و علي بن جعفر، فلا تدلّان على ما نحن فيه، لاحتمال كون موردهما هو صورة وقوع الجبهة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 68

على المحل الّذي يكون واجدا للشرائط، فلهذا لا يجوز الرفع، فلا دلالة لهما على ما نحن فيه، و هو صورة وقوع الجبهة على الموضع المرتفع، أو على ما لا يصح السجود عليه، فلا دليل في البين يدلّ على جواز الرفع، أو على عدم جوازه، فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في ما نحن فيه. «1»

تنبيه في ما يصح السجود عليه، فنقول: إنّما يصح السجود على

الأرض أو ما أنبتت الارض إلّا المأكول و الملبوس منه، و هذا الحكم في الجملة مسلّم يدلّ عليه الروايات فارجع أبواب ما يسجد عليه.

[في ذكر مسئلة في المورد]

مسئلة: هل يستحبّ الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنّا المسمى بالجلسة الاستراحة، أو يجب ذلك، أو ليس بواجب و لا مستحب، بل يجوز للمصلّي الجلوس مطمئنا كما يجوز له القيام بعد الرفع من السجود بدون جلوس، فهو بالخيار بينهما بدون ترجيح لأحد طرفيه.

[في ذكر الاخبار الواردة على وجوب جلسة الاستراحة]

اعلم أنّ لسان الأخبار مختلف في هذا المقام فنذكر أوّلا الأخبار و مقدار دلالتها، ثمّ كيفية الجمع بينها مع الامكان، و إلّا فالاخذ بما فيه المرجح، فنقول: أمّا ما يمكن أن يقال بدلالتها على وجوب جلسة الاستراحة:

الرواية الاولى: و هي ما رواها أبو بصير (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الاولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا

______________________________

(1)- أقول: ذكر مدّ ظله العالى بعض الاحتمالات و لم يختر أحد الاحتمالات، و لم يقل بأنّ ما هو الحق في نظره من الاحتمالات، و أمّا الرواية 6 من الباب المذكور، فهي على تقدير دلالتها على جواز الرفع، فهي في النافلة فلا يمكن أن يستدل بها على جواز الرفع في الفريضة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 69

ثمّ قم). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: رايته إذا رفع راسه من السجدة الثانية من الركعة الاولى جلس حتّى يطمئن، ثمّ يقوم). «2»

[في ذكر الاخبار الواردة على عدم وجوب جلسة الاستراحة]

أمّا ما يمكن أن يقال بدلالتها على عدم وجوب جلسة الاستراحة فروايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها زرارة (قال: رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام إذا رفعا رءوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا). «3»

الرواية الثانية: و هي ما رواها أصبغ بن نباته (قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئن، ثمّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين عليه السّلام قد كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رءوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الابل، فقال امير المؤمنين عليه السّلام: إنّما يفعل ذلك

أهل الجفاء من الناس إنّ هذا من توقير الصّلاة). «4»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها رحيم (قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:

جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى و الثالثة فتستوي جالسا ثمّ تقوم، فنصنع كما تصنع، فقال: لا تنظروا الى ما أصنع أنا، اصنعوا

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 70

كما تأمرون). «1»

لا يوجد في إسناد التهذيب على تتبعنا (رحيم) إلّا في هذه الرواية، فيكشف ذلك من عدم كونه من روات الحديث لعدم نقل روايات منه.

الرواية الرابعة: ما رواها في المنتهى العلّامة رحمه اللّه عن الزيد النرسي على تقدير دلالتها و كونها متعرضة لهذا الحكم، هذا كله روايات الباب.

قال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف (مسئلة 119: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية يستحبّ له أن يجلس ثمّ يقوم عن جلوس، و به قال في الصحابة مالك بن الحويرث و عمرو ابن سلمة و الحرمي و الزهري و مكحول و إسحاق و ابو ثور و الشافعي، و يجوز أيضا أن يعتمد على يديه فيقوم عن غير جلسة، و به قال عبد اللّه بن عمرو عمر بن عبد العزيز و المالك و أحمد، و قال قوم ينهض على صدور قدميه و لا يجلس و لا يعتمد، رووا ذلك عن علي عليه الصّلاة و السلام و ابن مسعود، و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه الخ). «2»

و اعلم أنّه يظهر

من بعض ما ورد في طرق العامة كون عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على الجلوس بعد الركعة الاولى و الثالثة من الصّلاة، و لكن لا يظهر كون عمله المستمر على ذلك، و لم يظهر من العامة كون المختار عند كلهم هو الاستحباب.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه قد يقال: بأنّ لسان كل من الطائفتين من الروايات معارض مع الاخرى، و بعد تعارضهما و عدم إمكان الجمع بينهما، فلا بدّ من الأخذ بما

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 5 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- جامع أحاديث الشيعة، ج 5، ص 286، ح 6.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 71

فيه الترجيح، و يكون الترجيح مع ما يدلّ على الوجوب، لأنّ الأخبار الدالّة على جواز الترك موافق مع العامة، فتكون النتيجة وجوب جلسة الاستراحة. «1»

مسئلة: هل يجب الارغام بالأنف
اشارة

، أو يستحبّ ذلك؟

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]

نذكر أوّلا روايات الباب ثمّ ما هو الحق في المقام، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد اللّه البرقى عن محمد بن مضارب (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الانف سجود). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الابهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم). «3»

و لا إشكال في السند، و أمّا دلالتها فالمستفاد منها كون السجود على سبعة أعظم، و عدم كون إرغام الانف من السجود الواجب، بل هو مستحب في السجود.

______________________________

(1)- و لكن فيه أنّه كما قلنا بعد كون عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على إتيان جلسة الاستراحة، و لم يثبت كون دوام فعله على ذلك، فلا وجه للتمسك بعمله صلى اللّه عليه و آله و سلم على الوجوب، مضافا إلى أنّ العمل كما يجامع مع الوجوب يجامع مع الاستحباب، و أمّا الروايات فبعد كون التعارض بين الطائفتين، فأوّل المرجحات هو الشهرة، و الشهرة على الاستحباب كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه، فلا يبعد كونها من جملة المستحبات و إن كان الأحوط عدم تركها). (المقرر)

(2)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6،

ص: 72

إن قلت: إنّ قوله (و أمّا الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) يدلّ على كون ذلك فرض النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في قبال فرض اللّه تعالى، لا أن يكون المراد من السنة الاستحباب.

نقول: إنّه يستفاد من هذه الفقرة كونه سنة من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لكن سنته أعم من أن تكون على وجه الوجوب، أو على وجه الاستحباب، فالرواية و إن لم تدلّ على كون الارغام الّذي من سننه صلى اللّه عليه و آله و سلم مستحبا، لا تدلّ على كونه واجبا أيضا، فتكون الرواية من هذا الحديث مجملا غير ظاهرة في الاستحباب أو الوجوب.

و يستفاد منها كما قلنا كون الارغام جزء مستحبا من السجود، لا أمرا خارجا من السجود، لأنّ قوله (أمّا الفرض فهذه السبعة) يدلّ على عدم كون الارغام من فروض السجود، بل هو من مستحباته، فمن هنا يظهر لك أن ما قيل في الرواية الاولى من أنّ قوله عليه السّلام (و ليس على الأنف سجود) يدلّ على عدم كون الارغام جزء للسجود و لا يدلّ على عدم كونه واجبا مستقلا من الصّلاة في عداد ساير الواجبات، لا وجه له بعد كون المستفاد من الرواية الثانية هو كونه من السجود لكن من جملة مستحباته، فلا وجه لأن يقال: باحتمال كونه جزء مستقلا في قبال السجود، فلا دلالة للروايتين على وجوب إرغام الأنف.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن عمار عن جعفر عن أبيه (قال: قال علي عليه السّلام: لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما

يصيب الجبين). «1»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 73

دلالتها على وجوب الارغام واضح بعد نفى الإجزاء عن صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة (عمن سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه). «1»

دلالتها كسابقها، و لكن الاشكال في سندها لأنّ من سمع عنه عبد اللّه بن المغيرة غير معلوم.

هذا حال الروايات، فظهر لك أنّ الاولى و الثانية لا دلالة لهما، و الثالثة و الرابعة ضعيفة السند، فلا مستند لوجوب الارغام إلّا روايتين ضعيفتين، هذا مضافا إلى أنّه لو كان إرغام الأنف واجبا مع شدة ابتلاء المسلمين به، لأنّه على تقدير وجوبه يجب إتيانه في كل يوم أربعة و ثلاثين مرة، لكان اللازم كون وجوبه كالواضحات مثل أصل الصّلاة و السجود، و حيث لا عين و لا أثر من عمل المسلمين و وجوبه عندهم فيه، يقطع بعدم وجوبه، فالحق عدم وجوبه، و لكن يستحبّ كما هو مختار الجلّ، فافهم.

[في ذكر جهات في ما نحن فيه]
اشارة

ثمّ هنا بعض جهات نتعرض لها:

الجهة الاولى:

هل الارغام لا بد و أن يكون بخصوص التراب أو بأعم منه و على مطلق الأرض، أو بأعم منهما و من كل ما يصح السجود عليه؟

وجه خصوص التراب هو أنّ مادة الارغام هو الرغام، و الأمر بالارغام

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 4 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 74

يفيد وضع الأنف على الرغام و بالفارسية (خاك) و لكن يمكن أن يقال: بأنّ وجه التعبير بالارغام هو من باب كون الغالب السجود على التراب، و لم يكن البناء على وضع شي ء آخر، و لهذا أمر بالارغام، فالأمر لا يفيد اختصاص كون الوضع بخصوص التراب، فلا وجه للاختصاص خصوصا مع إمكان أن يقال: باستفادة جواز الارغام على مطلق ما يصح السجود عليه من الرواية الثالثة و الرابعة الدالّة على أنّه لا بدّ من إصابة الأنف بما يصيب الجبين، فكل ما يجوز حال السجود إصابة الجبين به تجوز إصابة الانف به، فافهم.

الجهة الثانية:

هل الموضع الّذي يرغم من الأنف هو أعلى الأنف، أعنى:

النقطة المتصلة بالجبهة بين الحاجبين، أو أسفل الأنف، أو لا خصوصية لنقطة من نقاط الأنف، بل بكل نقطة من الأنف يحصل الارغام يحصل المطلوب من الأمر بالارغام؟

و لا يبعد ذلك لعدم تعيين خصوصية في الأخبار بل، يمكن استفادة عدم الخصوصية من الرواية الثانية، لأنّه قال عليه السّلام فيها (و ترغم بانفك إرغاما) و يستفاد من ذلك أنّه يكفي الارغام على أىّ وجه حصل ذلك فعلى هذا لا وجه لاختصاص نقطة خاصة من الأعلى كما نسب إلى السيّد المرتضى رحمه اللّه أو الأسفل، أو ما قيل: من إرغام المنخرين لكون الارغام بالمنخرين بعيد في الغاية، لأنّ المنخرين عبارتان عن ثقبتي الأنف، و الأمر بارغامهما

بعيد (نعم حيث إنّه بحسب الوضع الطبيعي وضع أسفل الأنف على الأرض سهل فيرغم به، و لكن مع ذلك لا يستفاد خصوصية له).

ثمّ إنّ في السجود بعض مسائل نتعرض لها إن شاء اللّه.

[في كلام السيّد اليزدي ره]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 74

قال السيّد رحمه اللّه في العروة في ضمن مسئلة 2 من مسائل السجود (بل الأحوط

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 75

إزالة الطين اللاصق بالجبهة في السجدة الاولى، و كذا الصقت التربة بالجبهة فإنّ الأحوط رفعها، بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه).

و لنا هنا حاشية على العروة (لا يتوقف صدقه على رفعها قط، إذ ما لصق بجبهته جزء من الأرض فبحدوث هيئة السجود منه يصدق أنّه ساجد على الأرض، نعم رفعها لعله أحوط).

منشأ اعتبار وجوب الرفع ما ذكر من أن صدق السجود متوقف عليه، فإذا رفع رأسه من السجدة الاولى، و لم يرفع ما يسجد عليه اللاصق بجبهته، و انحنى بهذا الحال نحو السجدة الثانية، لا يصدق أنّه سجد سجدتين.

و لكن السجود حيث يحصل بحدوث هيئة خاصة، فبحدوث هذه الهيئة يتحقّق السجود و يصدق تحقّق السجدتين بتعدّد هذه الهيئة، فالمصلّي إذا وضع جبهته بوضع خاص فيقال في العرف، إنّه ساجد، و إذا رفع رأسه من السجدة الاولى، و كان الطين أو غيره ممّا يصح السجود عليه لاصقا بجبهته، ثمّ انحنى ثانيا لا يجاد السجود فأتى بهيئة خاصة يقال: إنّه سجد مرتين و الشاهد على ذلك هو أنّه إن كان مجرد اللّصوق موجبا لصيرورة السجدتين سجدة واحدة، و كون الثاني بقاء وجود الأوّل،

فيلزم أن يقال بمن لصق الطين بجبهته حين رفع الرأس من السجدة الاولى: بأنّه ساجد و أنّه وضع جبهته على الارض، مع أنّه لا إشكال في أنّه لا يقال في العرف: إنّه وضع جبهته على الأرض، بل يقال لصق بجبهته الأرض، و لكن الاحتياط مع ذلك

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 76

مطلوب على ما قلنا في حاشيتنا. «1»

[في ذكر مسائل مربوطة بالمقام]

و قال السيّد رحمه اللّه أيضا: مسئلة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة و إن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأىّ هيئة كان ما دام يصدق السجود، كما إذا ألصق صدره و بطنه بالأرض بل و مدّ رجله أيضا، بل و لو انكبّ على وجهه لاصقا بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور، لكن قد يقال: بعدم الصدق و أنّه من النوم على وجهه).

و قلنا في الحاشية (لا يترك) أعنى: لا يترك الاحتياط في السجود على الهيئة المعهودة، و لكن لا يبعد كون الأمر أزيد من الاحتياط، و أنّ الاقوى عدم جواز السجود بنحو قال من كون الصدر و البطن، بل الرجل لاصقا بالأرض، لأنّا نرى أنّ السجود المتعارف عند المتشرعة غير ذلك، بل لو فعل أحد هذا النحو ليرى المسلمون أمرا مستنكرا، و ما أخذ من صاحب الشرع و السيرة عليه هو هذا النحو المعهود المتعارف، و لا مجال لأنّ يقال: بأنّه بعد عدم دلالة نصّ على اعتبار خصوص هذا القسم من السجود، فنشك في دخل هذه الخصوصية في السجود، و ندفعها بأصالة البراءة، لأنّ مع هذه المعهودية لا مجال لإجراء البراءة، فافهم.

و أيضا قال: مسئلة 3 يشترط في الكفين وضع باطنهما مع الاختيار، و مع

______________________________

(1)- أقول: إنّه و إن لم يصدق على

من بجبهته طين حين رفع رأسه من السجدة الاولى أنّه واضع جبهته على الارض، و لكن حيث أنّ حقيقة السجود وضع الجبهة على الأرض، و معنى وجوب السجدتين في كل ركعة وضع الجبهة على الأرض مرتين، فلا يصدق عرفا على من يكون الطين لاصقا بجبهته في السجدة الاولى ثمّ وضعها ثانيا بهذا الحال، أنّه وضع جبهته على الأرض ثانيا، بل وضع جبهته مع الطين على ما وضع عليه من النقطة الواقعة الجبهة عليها حين انحنائه للسجدة الثانية، فالمسألة محل إشكال، و الأحوط رفع الطين. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 77

الضرورة يجزي الظاهر، كما أنّه مع عدم إمكانه لكونه مقطوع الكفّ أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالاقرب من الذراع و العضد.) «1»

______________________________

(1)- أقول: قال سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى أوّلا ما يفيد كون ذلك مرضيّه، كما أنّه يظهر من عدم حاشية له في هذه المسألة كون ما اختاره السيّد رحمه اللّه مختاره دامت بركاته.

ثمّ قال: بأنّه لو لم يتمكن من وضع الباطن يضع ظاهر الكف لأنّه لا وجه لاعتبار الباطن في الكفين إلّا ما قلنا من أنّ المنساق من الأمر بوضع الكف، هو وضع الباطن من الكف، و أنّه المتبادر، لأنّه بوضع الطبيعي يضع باطن الكف، و مع تسلّم ذلك يكون اعتبار الباطن حين إمكان وضع الباطن، و مع تعذره يضع الظاهر من الكفين، ثمّ على تقدير تعذر الكف (باطنه و ظاهره) فما وجه وجوب وضع الأقرب فالأقرب من اليد؟

فقال مدّ ظله العالي: بأنّه لو قلنا: بأنّ الواجب وضع اليدين كما في بعض الأخبار، و هو وضع الكفين كما في بعض الأخبار المتقدمة عند ذكر ما دلّ على وجوب سبعة أعظم في السجود،

فلو قيد ما يدلّ على وضع اليدين بما يدلّ على وجوب خصوص وضع الكفين من اليدين، فقدر المتيقن من التقييد حال إمكان وضع الكف، أمّا مع تعذره فيأخذ بما دلّ على وجوب وضع مطلق اليد.

فقلت بحضرته مدّ ظله العالي: بأنّه بعد تقييد مطلق اليد- و بعبارة اخرى طبيعة اليد- بما يدلّ على مطلوبية خصوص فرد من هذه الطبيعة و هو الكف، فنتيجة حمل المطلق على المقيد، هو كون المطلوب المقيد، فلا دليل على مطلوبية غير المقيد أصلا، فمع تعذر الأخذ بالمقيد، و هو وضع الكف يسقط الأمر به، و لا وجه لوجوب إتيان المطلق، لعدم كونه مطلوبا بمقتضى حمل المطلق على المقيد.

فقال مدّ ظلّه العالي: بأنّه تارة يقال: بأنّ دليل المقيد لا إطلاق له يشمل حال الاضطرار، أو يقال: بأنّه و إن كان له إطلاق يشمل حال الاضطرار، و لكن يكون التقييد في فرض وجود القيد، فمع تعذر القيد لا يمكن التقييد، فيبقى إطلاق دليل الدالّ على مطلق اليد باق بحاله.

و تارة يقال: بأنّه بعد فرض كون معنى حمل المطلق على المقيد هو استفادة كون الملاك واحدا، و بعد الجمع يكون تمام الملاك هو خصوص المقيد لا المطلق، فلا يكون المطلوب إلّا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 78

ثمّ قال في مسئلة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الاتيان بالذكر، فإنّ أمكن حفظها عن الوقوع ثانيا حسبت سجدة، فليجلس و يأتى بالاخرى إن كانت الاولى، و يكتفي إن كانت الثانية.

وجه هذه الفقرة واضح، لأنّه بذلك تحققت سجدة من السجدتين، غاية الأمر حيث رفع رأسه قهرا من الأرض قبل الذكر ترك ذكر السجود، و هو مغتفر

ثمّ قال: و إن عادت إلى الارض قهرا فالمجموع سجدة

واحدة فيأتي بالذكر، و إن كان بعد الاتيان به اكتفى به.

و نحن كنا موافقا معه، أمّا وجه عدم كون وضع الجبهة ثانيا سجدة مستقلة و لا يحسب سجدة برأسها، هو أنّه لا بدّ في السجدة مثل ساير أجزاء الصّلاة القصد، و حيث إنّ المصلّي وقع رأسه ثانيا على الأرض قهرا، فلم تقع السجدة الثانية سجدة للصّلاة، فلو لم يأت بالسجدة الثانية فلا بدّ له من إتيانها بعد ذلك، و أمّا وجه كون مجموع ما وقع سجدة واحدة، هو أنّ العرف يعد مجموعا من الوضع الاختياري و القهري الواقع من المصلّي سجدة واحدة، فبعد رفع الرأس قهرا ثمّ وضعه ثانيا

______________________________

المقيد، و القيد له اطلاق يشمل الحالات الطارية من الاضطرار و غيره، فلا يكون المطلوب إلا خصوص المقيد، أعنى: خصوص الكفين و خصوص باطنهما، فإذا تعذر يسقط هذا التكليف، أى: وضع الكف على الأرض إلّا أن يثبت بدليل آخر وجوب وضع ظاهر الكف، أو غير الكف من ساير أعضاء اليد مثل قاعدة الميسور و غيرها.

و لو كان الاحتمال الأوّل، أعنى: فرض كون القيد في غير حال الاضطرار، و كان المطلق مطلوبا حال الاضطرار، فلا وجه لوجوب الأقرب بالكف ثمّ الأقرب فالاقرب، لأنّ لسان المطلق يقضي بكفاية وضع كل نقطة من نقاط اليد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 79

يقولون: بأنّ الثانية هو بقاء وجود الاولى، لا أن تكون وجودا آخر. «1»

ثمّ قال السيّد رحمه اللّه في ضمن مسئلة 10: و إذا لم يمكن إلّا الرفع فإنّ كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر فالأحوط الاتمام ثمّ الاعادة، و إن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوىّ كما لو التفت بعد رفع الرأس و ان كان الأحوط الاعادة أيضا (أقول:

اعلم أنّ سيدنا الاستاد مدّ ظله العالى قال بعدم جواز ترك الاحتياط في الصورتين الأخيرتين في حاشيته، فهو يحتاط باتمام الصّلاة و الاعادة في جميع الصور.

فأقول: بأنّه تارة في صورة وضع الرأس على ما لا يصح السجود عليه نقول

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالى: بأنّ ما أفدتم من عدم قابلية صيرورة وضع الرأس على الأرض ثانيا بعد رفع الرأس قهرا من الارض السجدة الصلاتية، فتمام لأنّ السجدة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بشرائطه مع القصد.

و أمّا كون السجدة الواقعة بعد رفع الرأس من الاولى قهرا هي بقاء السجدة الاولى فواضح البطلان.

لأنّ السجدة عند العرف و الشرع عبارة عن ايجاد هيئة خاصة، غاية الأمر عند الشرع اعتبر فيها بعض الامور الغير المعتبرة في السجدة العرفية، و تعددها بتحقق هذه الهيئة متعددا، فمن وضع رأسه بقصد السجدة على الأرض فيتحقق منه السجدة بمجرد الوضع، فلو رفع رأسه عمدا أو اضطرار أو قهرا، ثمّ وضع ثانيا عمدا أو قهرا فالثانية سجدة اخرى غير الاولى و على هذا لو رفع راسه من الاولى قهرا قبل إتيانه بذكر الواجب في السجود، ثمّ وقع مجددا جبهته على الأرض، فلا يجب إتيان الذكر المتروك في الاولى بدعوى كون الثانية بقاء وجود الاولى لما قلت، و لو لم يأت بالسجدة الثانية يجب عليه إتيانها لعدم قابلية صيرورة وضع القهرى ثانيا السجدة الثانية، و لو أتى بكلا السجدتين، فما وقع منه قهرا و إن كانت سجدة زائدة و لكن لم تبطل لأجلها لوقوعها بغير اختيار، و بعد ما قلت، قال مدّ ظلّه العالي: يمكن أن يقال: بكون وجود الثاني الواقع قهرا بقاء الوجود الأوّل لما قلنا، و يمكن عدم كونها بقاء

الوجود الأوّل لما قلت، و بهذا النحو خرج مدّ ظله العالى عن المسألة و لم يفد شيئا آخر. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 80

بجواز الرفع، و قد تقدم الكلام فيه و عدم بطلان الصّلاة بالرفع، فيلزم الرفع لأنّ مع جواز الرفع يتمكن من تحصيل شرط المسجد، و هو كونه ممّا يصح السجود عليه و الاتيان بالذكر في ما لم يأت به و تارة لم نقل بجوازه في حال التمكن من الجرّ فقال مدّ ظلّه العالي: بأنّ في هذه الصورة لا يبعد سقوط هذا الشرط فى هذا الحال، و كذلك سقوط جزئية الذكر بدليل (لا تعاد).

[في ذكر الروايات المربوطة بترك السجدة]

مسئلة: إذا ترك سجدة واحدة من ركعة نسيانا، فتارة يتذكر قبل الركوع من الركعة اللاحقة، و تارة يتذكر بعده، فإن تذكر قبله يجب عليه الجلوس و الاتيان بالسجدة، ثمّ الاتيان بما بقى من الأجزاء المترتبة عليها، و ان تذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصّلاة، و يدلّ على كلتا الصورتين بعض الأخبار

منها: و هي ما رواها إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل نسى أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثم يسجدها فانها قضاء). «1»

و منها: و هي ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) أنّه سئل عن رجل نسى سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته. قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: يقضي ما فاته إذا ذكره). «2»

صدرها يدلّ

على خصوص صورة التذكر بعد الركوع، و أمّا حكم قبل

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 81

الركوع فلم يتعرض له (و أمّا ذيلها ففيه كلام في أنّه لو وقع المنافي بعد الصّلاة ثمّ تذكر نسيان السجدة، هل يكفي قضاء السجدة، أو تجب إعادة الصّلاة، أو يجب كليهما احتياطا).

و منها: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم، قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فان كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو). «1»

و هي مع قطع النظر عن إضمارها تدلّ على حكم تذكر ما قبل الركوع، و كذا الصورة تذكره بعد الركوع، و أمّا قوله (فليس عليه سهو) ففيه كلام من حيث أنّ المراد أنّه لا يوجب تلك السجدة السهو، أو يكون المراد غير ذلك

و أمّا الرواية 3 من الباب المذكور، و هي ما رواها ابو بصير، فلا يخلو عن اضطراب.

و أمّا الرواية 5 فهي غير معمول بها من باب دلالتها على وجوب إعادة الصّلاة لو تذكر بعد الركوع ترك السجدة من الركعة السابقة لو حملت على السجدة الواحدة، و أمّا لو قلنا: بأنّ المراد من فرض السائل هو ترك طبيعة السجدة، أعنى:

كلتا السجدتين، فلا إشكال في الرواية و إن لم تكن مربوطا بما نحن فيه، لأنّه على هذا تدلّ على أنّ من ترك السجدتين من الركعة السابقة فتذكر نسيانهما قبل الدخول في ركوع اللاحق يجب إتيانهما، ثمّ إتيان ما بقى من الاجزاء المترتبة عليهما، و إن تذكر بعد

الركوع فحيث لم يبق محل تداركهما تبطل الصّلاة، لأنّ ترك السجدتين معا من

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 82

ركعة موجب لبطلان الصّلاة.

و اعلم أنّ الرواية تكون مرسلة لأنّ معلّى بن خنيس يروي عن رجل لم يذكر اسمه، مضافا إلى أنّ معلى بن خنيس في هذه الرواية إن كان معلى بن خنيس المعروف، فعلى ما في رجال الكشي قتل هو في زمن الصادق عليه السّلام فلم يكن في زمان إمامة أبي الحسن الماضي أعنى: موسى بن جعفر عليه السّلام. «1»

و على كل حال ما قلنا من الحكم في المسألة، أعنى: نسيان سجدة واحدة في صورة تذكره قبل الركوع من وجوب إتيان السجدة، و بعد الركوع من قضائها في غير الركعة الأخيرة معلوم، إنّما الكلام في مورد خاص، و هو ترك سجدة واحدة، أو سجدتين في الركعة الأخيرة.

فنقول: تارة يتذكر تركها أو ترك السجدتين قبل السلام، فلا إشكال في وجوب الاتيان بها، و الدليل على ذلك أنّ المستفاد من الروايات المذكورة وجوب تدارك السجدة لو تذكر تركها قبل الركوع سواء كان في الركعة الاولى من الصّلاة أو الثانية أو الثالثة، ففي صورة تركها في الركعة الثانية و تذكر نسيانها قبل الدخول في الركوع الثالثة، يجب تداركها مع أنّه أتى بالتشهد و القيام و التسبيح، فمن هنا نكشف أنّ محلّ تداركها باق لو تذكر تركها بعد التشهّد (مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال في وجه ذلك لو ترك سجدة واحدة أو سجدتين و تذكر بعد التشهّد بأنّه قبل الدخول في الركن يكون محلّ التلافي باقيا لأنّه لا يوجب الرجوع و إتيان ما فات زيادة ركن)

______________________________

(1)- أقول: و لكن

يمكن كون الراوي مع ذلك هو معلى بن خنيس المعروف، و لا ينافي صيرورته مقتولا في زمن الصادق عليه السّلام لإمكان كون سؤاله عن أبي الحسن عليه السّلام في حال حياة الصادق و إمامته عليه السّلام فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 83

[في ذكر نسيان السجدتين بعد السلام في موردين]

و أمّا لو تذكر بعد السّلام فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في ما ترك المصلّي السجدتين من الركعة الاخيرة و تذكر بعد السلام قبل فعل المنافي، فهل يقال ببطلان الصّلاة لأنّه ترك السجدتين و لا يمكن اتيانها لوقوع السلام، و بوقوعه مضى محل تداركهما، فتبطل الصّلاة، أو يقال بوجوب إتيانهما بعد السلام، لأنّ محل تداركهما باق، و السلام حيث وقع في غير محله فلم تتمّ الصّلاة.

وجه بطلان الصّلاة هو أن يقال: بكون السّلام موجبا لخروج المكلّف من الصّلاة، لأنّه المخرج، و بعد كونه مخرجا فتمت الصّلاة و مضى محل تداركهما، كما لو وقع مبطل بعد السّلام ثمّ تذكر تركهما، و نسيان السجدتين معا في ركعة واحدة مبطل للصّلاة.

وجه تداركهما و إتيان التشهّد و السلام بعدهما و صحة الصّلاة، هو أنّا لا نسلم كون كل سلام مخرجا، و لهذا لو سلّم ثمّ تذكر ترك ركعة، تقولون باتيان الركعة و صحة الصّلاة، و كذا لو سلّم سهوا بعد التشهّد الأوّل فليست الصّلاة مبطلة، فعلى هذا يكون محل تدارك السجدتين باقيا و يتداركهما و يأتي بالتشهد و السلام بعدهما، و تصح الصّلاة و الحق هذا.

أمّا المقام الثاني: و هو نسيان سجدة واحدة في الركعة الأخيرة و تذكر نسيانها بعد السّلام قبل فعل المنافي، فقد يقال: بمضى محلّ تداركها و وجوب قضائها، لا إتيانها بعنوان الأداء ثمّ إتيان التشهّد و السلام بعدها، من باب أنّ السّلام

مخرج، فهو خرج من الصّلاة فلا بدّ من قضائها، لأنّ بعد مضى محلّ التدارك يكون التكليف قضاء السجدة المنسية، و الالتزام بالفرق بين ما إذا ترك السجدتين في الركعة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 84

الاخيرة فتذكر بعد السّلام بأنّه يأتي بها و يأتي بعدها بالتشهد و السلام، و بين ترك سجدة واحدة في الركعة الأخيرة و تذكر نسيانها بعد السّلام بأنّه مضى محلّ تداركها، بل لا بد من قضائها.

[في التزام الفرق من جهتين]

أمّا وجه الفرق فهو أمران:

الأمر الأوّل: أنّه إن قلنا بصحة السّلام و كونه مخرجا في ما ترك السجدتين من الركعة الأخيرة فيلزم من صحته فساده، لأنّه على تقدير صحته و وقوعه مخرجا يلزم بطلان الصّلاة، لأنّه ترك السجدتين و مضى محل تداركهما فيبطل السّلام و تفسد بفساده الصّلاة، و أمّا في صورة ترك سجدة واحدة فلا يلزم من صحة السّلام فساده، لأنّه على فرض وقوعه صحيحا و إن وقع قبل السجود و لكن يكون صحيحا و مخرجا، و لازمه قضاء السجدة الواحدة و صحة الصّلاة و صحة السّلام مع فرض صحة الصّلاة.

الأمر الثاني: أنّه يمكن أن يقال: بأنّ السّلام إذا وقع قبل إتيان السجدتين فالسلام لم يكن مخرجا من الصّلاة من باب دلالة ما ورد في أنّه إذا سلم ثمّ تذكّر عدم إتيان الركعة بأنّه يأتي بها و لا تبطل الصّلاة، على أنّ السّلام إذا وقع قبل إتيان الركن السابق عليه فلم يقع في محله و لم يكن مخرجا، فإذا وقع قبل السجدتين من الركعة الأخيرة لم يكن مخرجا، فمحل تداركهما باق، و أمّا السجدة الواحدة فحيث أنها ليست بوحدتها ركنا فلا يجرى فيها ما جرى في السجدتين، و السلام يكون مخرجا، فمضى محل تداركها.

[في ردّ كلام الفرقين بين نسيان سجدة و نسيان سجدتين]

(و في كلا الأمرين نظر، أمّا في الأوّل فلو فرض لزوم فساد الصّلاة و فساد السّلام من صحة السّلام و وقوعه مخرجا، فهذا لم يصر سببا لعدم كونه مخرجا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 85

لو فرض وجود الدليل على وقوعه مخرجا في أيّ محل وقع، و أمّا في الثاني فيمكن أن يقال: بأنّا نستكشف من عدم بطلان الصّلاة إذا وقع السّلام ناسيا بعد التشهّد الأوّل و من دلالة الدليل على

إتيان الركعة لو تذكر بعد السّلام نسيانها، بأنّه ليس السّلام في أىّ محل و على أيّ وجه اتفق مخرجا فعلى هذا لا بد في كون محل التدارك باقيا أو عدم بقاء محلّ تداركها من فهم كيفية مخرجية السلام، و لا يبعد عدم كون السّلام مخرجا مطلقا، بل لو وقع في محلّه يكون مخرجا، و أمّا الرواية 6 من الباب 4 من أبواب التسليم من الوسائل، و هي حديث ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم أحدهما قول الرجل «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» يعنى: في التشهد الأوّل) فلا دلالة لهذا الحديث على كون السّلام مخرجا حتّى لو وقع نسيانا في غير محلّه لأنّه لو فرض وقوع السّلام نسيانا بعد التشهّد الأوّل فلا تقول أنت ببطلان الصّلاة من باب السلام، فالنظر في هذه الرواية يكون إلى خصوص صورة العمد، و أنّه لا تقل «السلام علينا» عمدا كما يصنعون العامة يقولونه في التشهد، فتأمل).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 86

السّابع من أفعال الصّلاة التشهد
اشارة

اعلم أنّ المسلم عند جميع المسلمين هو أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يجلس بعد الركعتين من صلاة الفجر، و بعد الركعتين الأوّلتين من ساير الصلوات اليومية، و كذا بعد الثالثة من المغرب، و بعد الركعة الرابعة من الرباعية، و يأتي بذكر، و يسمى تلك الجلسة مع الذكر الّذي فيها بالتشهد، فكون عمله صلى اللّه عليه و آله و سلم باتيان التشهّد من الامور المسلمة عند الخاصّة و العامة من المسلمين

و إنّما الكلام بينهم في جهة اخرى، و هي أنّ العامة اختلفوا في وجوب التشهدين و عدمه على أقوال:

قول بوجوبهما كما يظهر عن قليل

و

قول بعدم وجوبهما، و هو المشهور عندهم

و قول بالتفصيل بين التشهّد الأوّل و الثاني: بأنّ الأوّل ليس بواجب، و الثاني يكون واجبا.

[في انّ عند الامامية التشهدين واجبين]

و أمّا عند الخاصّة فكل من التشهدين واجب، لأنّا أصحاب النص و المقتفى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 87

بآثار النبي و الائمة المعصومين عليهم الصّلاة و السلام، و ما وصل منهم إلينا يدلّ على وجوبهما كما نذكر إنشاء اللّه، هذا بالنسبة إلى أصل التشهّد و وجوبه.

[في ذكر الروايات المربوطة بالتشهد و المستفاد منها]
اشارة

و أمّا الواجب في التشهدين يظهر من العامة كيفيات مخصوصة و اختلافها يسير، و لكن في كلها أدخلوا «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» في التشهّد مع كونه من السّلام المخرج، و أمّا عندنا فالمستفاد من الأخبار كون الواجب فيهما أوّلا الشهادتين، فنذكر الأخبار و نقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الملك بن عمر و الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «1»

الرواية الثانية: و هي رواية مفصله رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «2»

و هاتان الروايتان تشتملان على بعض ما يستحبّ في التشهد، فلا يمكن استفادة وجوب خصوص الكيفية المذكورة فيهما، و من المعلوم عدم كون كلّ ما ذكر في الأخيرة واجبا.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها زرارة (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال: أن تقول «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له» قلت: فما يجزى من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتين). «3»

قد يقال: بأنّ مفاد الرواية كفاية شهادة واحدة في التشهّد الأوّل و عدم لزوم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 88

الشهادة بالرسالة، و لكن نقول: بأنّ الرواية من هذا

الحيث ممّا أعرض عنها الأصحاب لعدم نقل فتوى على كفاية تشهد واحد في التشهّد الأوّل إلّا عن صاحب الفاخر، و بعد كون الرواية ممّا أعرض عنه الاصحاب، فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله و لا يجوز العمل بها.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإنّ كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه). «1»

صدر الرواية يدلّ على مضى الصّلاة إذا فرغ من الشهادتين، و أمّا ذيلها فيحتمل أن يكون المراد هو الواجب الشهادتان في التشهد، و الزائد عليهما من المستحبات و الاضافات الواردة في بعض الروايات كالرواية الثانية، ليست داخلة في التشهّد فبناء عليه بعد الشهادتين إن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه، و على كل حال تدلّ على كون الشهادتين في التشهّد الأخير.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: التشهّد في الصلوات؟ قال: مرتين، قال: قلت: كيف مرتين؟ قال: إذا استويت جالسا فقل «اشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» ثمّ تنصرف، قال: قلت: فقول العبد: التحيات للّه و الطيبات و الصلوات للّه، قال: هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه). «2»

[في ذكر وجه كون الرواية الخامسة مضطربة]

و لم تكن الرواية خالية عن الاضطراب، فإنّك ترى أنّ المقصود من السؤال

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 89

الأوّل و هو

قوله محمد بن مسلم (التشهد في الصّلاة) غير معلوم و الكلام غير تمام، فهل سئل عن وجوب التشهد، أو عن وحدته و تعدده، أو عن كيفيته، نعم بعد الجواب بقوله عليه السّلام (مرتين) يفهم كون السؤال من وحدته و تعدده فقال (مرتين) يعني يكون التشهّد الواجب مرتين، و ليس المراد من مرتين الشهادتين حتّى يكون السؤال عن الكيفية، فأجاب بأنّه مرتين أى: شهادتين، لأنّ المراد من مرتين هو كون التشهد مرتين اى دفعتين: دفعة بعد الركعة الثانية و دفعة بعد الثالثة أو الرابعة.

ثمّ بعد ما أجاب بأنّ التشهّد مرتين قال السائل (كيف مرتين) يعنى بعد كونه مرتين، فكيف كيفيتهما فقال عليه السّلام (إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله) ثمّ تنصرف يعنى: قل هاتين الشهادتين في المرة الاولى و في المرة الثانية يعني: في التشهّد الأوّل و في الثاني كليهما، و أمّا احتمال كون (مرتين) الشهادتين، و كون قول السائل (كيف مرتين) يعني: كيف كيفية الشهادتين، فبعيد لما قلنا.

ثمّ إنّه بعد كل ذلك قوله عليه السّلام (ثمّ تنصرف) يكون بحسب الظاهر يعنى تخرج من الصّلاة، فيستفاد من ذلك كون النظر في الرواية إلى بيان كيفية التشهّد الثاني لا الأوّل، و لا فرق في ذلك بين حمل (مرتين) على دفعتين كما قلنا، أو على حمله على الشهادتين أعنى: الشهادة بالوحدانية و الشهادة بالرسالة، فالرواية لا تخلوا عن اضطراب. «1»

______________________________

(1)- أقول: و يستفاد من الرواية كون كيفية التشهّد ما ذكر فيها بالبيان الّذي أفاده مدّ ظلّه العالي، و أمّا (تنصرف) فقابل للحمل على الانصراف إلى أمر آخر من واجبات الصّلاة، و عدم وجوب

(التحيات للّه الخ) كما يشهد بذلك ذيل الرواية، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 90

الرواية السادسة: و هي ما رواها سورة بن كليب (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما يجزي من التشهد، قال: الشهادتان). «1»

الرواية السابعة: و هي ما رواها الحسن بن جهم (قال: سألته يعني:

أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال:

إن كان قال «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم» فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد). «2»

و كما ترى المذكور في الوسائل في النسخة الّتي عندى ذكر (أشهد) قبل قوله (محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم) و لكن في بعض نسخ الاستبصار ليس (اشهد) و يكون هكذا (و أنّ محمدا رسول اللّه).

ثمّ إنّ هذه الرواية و إن تكن متعرضة لبيان حكم آخر، و لكن يستفاد منه أنّ ذكر الشهادتين بالنحو المذكور في الرواية كاف في أداء الواجب من الشهادتين.

إذا عرفت ذلك يظهر لك كما قلنا أوّلا أنّ الشهادتين- أعنى: الشهادة بوحدانية اللّه تعالى، و الشهادة برسالة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- واجب في التشهّد لدلالة الروايات على ذلك، فهذا الأمر مسلم عندنا و يستفاد من الروايات.

[في كيفية الشهادتين في التشهد]

ثمّ يقع الكلام في جهة، و هي أنّه هل المعتبر كيفية خاصة في الشهادتين، أو لا يعتبر ذلك، بل يكفي كل لفظ دالّ على الشهادة بالوحدانية و الرسالة.

اعلم أنّ مفاد الرواية السادسة هو إجزاء الشهادتين بلا تصريح فيها باعتبار

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 4 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية

6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 91

كيفية خاصة، و هل المتبادر من الشهادتين الشهادتان اللتان بهما يدخل الشخص في ربقة الاسلام ظاهرا، فكان مراد أبي جعفر عليه السّلام في جواب السائل ما يجزي من التشهد (قال: الشهادتان) يعني الشهادتين المعهودتين عند المسلمين، فإنّ في هاتين الشهادتين يكفي (أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه) أو يكون المتبادر من الشهادتين في هذا الخبر الشهادتين المعهودتين عند المسلمين في مقام التشهّد في الصّلاة.

فإن كان المتبادر الأوّل فيكفي مجرد «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه» و إن كان الثاني و سلّم كون المتعارف عند المسلمين في ذكر التشهّد خصوص «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» فلا بدّ من الاقتصار على خصوص هذه الكيفية.

و يستفاد من الرواية السابعة كفاية غير هذه الكيفية المعهودة، لكون مفادها كفاية «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» بدون ضم (وحده لا شريك له) و كفاية «أشهد أنّ محمدا رسول اللّه» بدون ضم الشهادة بعبوديته، فان كنا نحن و الرواية السادسة و الرواية السابعة و بعض الروايات الاخرى الدالّة على ذكر كيفية معهودة، يكون مقتضى الجمع بينها كفاية مطلق ما يكون شهادة على الوحدانية و الرسالة، لأنّه ذكر بعد كيفية في رواية كرواية زرارة، و ذكر كيفية اخرى في رواية اخرى كرواية الحسن بن الجهم، و ذكر مطلق الشهادتين بدون التصريح بكيفية خاصة في رواية اخرى كرواية كليب، يمكن أن يقال: بكفاية كل لفظ مشتمل على الشهادتين.

و لكن قد يقال: بأنّ الرواية الخامسة، و هي رواية محمد

بن مسلم، تدلّ على إجزاء خصوص الكيفية المعهودة في التشهد، و عدم كفاية غيرها.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 92

و لكن، كما قلنا أوّلا، يكون متن هذه الرواية مضطربا، و ثانيا نقول: بأنّه بعد كون «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» هو الشهادة بالتوحيد، و لو ضم عليه «وحده لا شريك له» لم يكن إلّا تأكيد الشهادة بالتوحيد، فلا يفهم العرف من كل من النحوين اى (أشهد لا إله إلّا اللّه) و (أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له) إلّا كون النظر فيهما إلى الشهادة بالتوحيد، لا خصوصية في العبارة الاولى أو الثانية، بل يرى أنّ ما هو في الأمر بالكيفيتين ليس إلّا أنّ العبد يشهد بالتوحيد، فعلى هذا بكل من النحوين يجوز الاتيان في مقام الشهادة بالتوحيد، و كذلك في الشهادة بالرسالة لا فرق بين أن يقال (و أشهد أنّ محمدا) أو أن يقال (و أنّ محمدا) فعلى هذا لا تعارض بين رواية محمد بن مسلم، أعنى: الرواية 5، و بين الرواية الحسن بن الجهم، أعنى: الرواية 7.

فيظهر لك أن ما قال بعض الاعاظم قدس سرّهم (المراد شيخنا الاستاد آية اللّه الحائري رحمه اللّه) «1» من أنّه لا يكون معارض مع رواية محمد بن مسلم إلّا رواية الحسن بن الجهم، ليس في محله، لعدم تعارض على ما قلنا بينهما.

فيمكن أن يقال: بعدم وجوب خصوص الكيفية المعهودة أعنى «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» بل يكفي «أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه» و لكن الأحوط الاقتصار على الكيفية المعهودة. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص

271.

(2)- أقول: أمّا أوّلا ما ينصرف من قوله عليه السّلام في جواب سؤال السائل في رواية كليب (الشهادتان) هو الشهادتان المعهودتان المتداول ذكرهما في تشهد الصّلاة، لا التشهّد الّذي به يصير الشخص مسلما و محكوما بحكم الاسلام، و أمّا ثانيا ما أفاده مدّ ظله العالى من أنّ العرف يفهم من العبارة الواردة في رواية محمد بن مسلم، و العبارة الواردة في رواية الحسن بن الجهم هو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 93

و أمّا بعض الأخبار الدالّة بظاهرها البدوي على كفاية التحميد في التشهّد أو غيره و لو أنّ المصلّي لا يقرأ الشهادتين، مثل الرواية 2 من الباب 5 من أبواب التشهد و الرواية 3 من الباب المذكور، فتكون في مقام كفاية ذلك من الأذكار المستحبة، لا في مقام بيان عدم وجوب الشهادتين (و لو فرض عدم تسليمك لذلك فالرواية غير معمول بها).

[في ما يجب في التشهد بعد الشهادتين]

فظهر لك ممّا مرّ وجوب الشهادتين في التشهد، و قد مرّ الكلام في كيفيّتهما، هذا كله في ما قلنا بأنّه الواجب أوّلا في التشهد، و أمّا ما يجب ثانيا أعنى: بعد الشهادتين، فهو الصلوات على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كذلك على آله عليهم السلام، و يدلّ على ذلك مضافا إلى الآية الشريفة «1» «إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» بأن يقال: بأنّ الظاهر من الأمر فيها، أعنى (صَلُّوا) هو الوجوب، لما قلنا من أنّ ظاهر الأمر هو الطلب، و الطلب من المولى يقتضي أن يأتي العبد بمطلوبه، و لو ترك ما طلبه يصحّ للمولى المؤاخذة عليه و أنّه لم خرجت عن مراسم العبودية، و لم تأت مطلوبى، و مجرد

الطلب كاف في ذلك، و لا حاجة إلى اتعاب النفس في إثبات أنّ الأمر حقيقة في الطلب الّذي لا يرضى بالترك أعنى:

______________________________

كون النظر في وجوب الشهادة هو الشهادة بالتوحيد و الرسالة، و لا دخل في الالفاظ المتداولة، فغير تمام لأنّ مفاد رواية محمد بن مسلم اعتبار الكيفية الخاصّة كما يفهم من رواية الحسن بن الجهم أيضا هذا، خصوصا مع أنّ في إحداهما تكون الشهادة بالعبودية و الرسالة، و في إحداهما تكون الشهادة بالرسالة فقط، فيقع التعارض بينهما، نعم يمكن أن يقال: بأنّه بعد ضم كل منهما بالآخر نفهم التخيير، و على كل حال الأحوط كما أفاده مدّ ظله العالى هو الاقتصار على الكيفية الخاصة المعهودة المتداولة، فافهم. (المقرر)

(1)- السورة الاحزاب، الآية 56.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 94

الوجوب، بل مجرد الطلب كاف في صحة المؤاخذة، و لهذا قال سبحانه «1» تعالى «مٰا مَنَعَكَ أَلّٰا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»

فعلى هذا يكون الظاهر من (صلّوا) طلب الصّلاة و لو ترك المطلوب يصحّ العتاب و العقاب عند العقلاء، و بعد كون الأمر في الآية ظاهرا في الوجوب، و يكون الاجماع على عدم وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في غير الصّلاة، مع ضم إجماع آخر عليه، و هو الاجماع على عدم وجوب الصّلاة عليه في الصّلاة في غير حال التشهد الأوّل و الثاني، فتدلّ الآية على وجوب الصّلاة عليه في التشهدين.

[في ان دلّت الآية الشريفة على الوجوب بنحو الاجمال]

إن قلت: كل ذلك مبنى على كون الأمر (صلّوا) للوجوب، و نحن نمنع ذلك و نقول: بأنّه يدور الأمر بين تقييد المتعلّق و المادة، و هو الصلاة و اختصاصه بخصوص حال التشهّد من الصلاة و بين التصرف في الهيئة و حمل الأمر على الاستحباب،

و التصرف في الهيئة أهون، فيحمل الأمر على الاستحباب، فلا تدلّ الآية على وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم.

نقول: بأنّ الآية تدلّ على نحو الاجمال على وجوب الصّلاة، لأنّه من الواضح عدم كون إطلاق له مثل ساير الآيات الدالّة على بعض الأحكام، فقوله تعالى (اقيموا الصّلاة) لا يدلّ إلّا على وجوب إقامة الصّلاة في الجملة، و أمّا كون الواجبة أيّ صلاة فتدلّ عليه الروايات و الأخبار، كذلك هذه الآية تدلّ على وجوب صلاة عليه في الجملة، و بعد الاجماع على عدم وجوب ذلك في غير الصّلاة، و بعد الاجماع على عدم وجوب ذلك في الصّلاة في غير التشهد، و بعد الاجماع و التسلّم على وجوبه

______________________________

(1)- السورة الاعراف، الآية 12.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 95

في التشهد، نفهم أنّ مورد وجوبه هو في التشهّد في الصّلاة.

[لا يرد اشكال تخصيص الاكثر]

فبهذا البيان لا يرد إشكال تخصيص الأكثر بأن يقال: بأنّه لو انحصرنا مورد وجوب الصّلاة بالتشهد فيلزم تخصيص الأكثر، لأنّه خرج غير مورد الصّلاة، و خرج من الصّلاة غير مورد التشهد.

لأنّا نقول: بأنّ أمر (صلّوا) يدلّ على وجوب الصّلاة، و مقتضاه أوّلا ليس إلّا صرف مطلوبية وجود ما منه في أىّ حال، و بعد دلالة الدليل، و هو الاجماع، على عدم وجوبه في غير حال التشهد، نفهم كون مورده التشهدين، و ثانيا قلنا: بعدم كون الآية إلّا في مقام وجوبه في الجملة، و أمّا محلّه فقد ثبت من الخارج، و هو ضمّ الاجماعين بالآخر كما قلنا، فيستفاد من الآية بالبيان المتقدم وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في التشهد.

إن قلت: إنّ غاية ما قلت وجوب الصّلاة في التشهد، و أمّا

كونه من واجبات التشهد فغير معلوم، و يحتمل كونه واجبا مستقلا في الصّلاة.

نقول: احتمال كونه واجبا مستقلا- بأن يكون له ثواب مستقل لو أتى به، و عقاب مستقل لو تركه غير الثواب العقاب المترتب على فعل الصّلاة و تركها، و لا يضر تركه بالصّلاة- في غير محلّه.

أمّا أوّلا لتسلّم ذلك (و ثانيا لأنّ المستفاد من الروايات كون الصّلاة عليه و على آله من أجزاء التشهّد لا شيئا مستقلا، فبعد دلالة الآية يكون من أجزائه الواجبة) و مضافا إلى بعض الروايات الدالّة على ذلك مثل الرواية 1 من الباب 3 من أبواب السجود أعنى: ما رواها عبد الملك بن عمر و الأحوال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: التشهّد في الركعتين الأوّلتين «الحمد للّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 96

و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» و كونها في خصوص التشهّد الأوّل لا يضرّ بالمقصود، لأنّ التشهّد الأوّل و الثاني من باب واحد، و كونها مشتملا.

على (الحمد للّه) في أوّله و (تقبل شفاعته و ارفع درجته) في آخره لا يضر بالاستدلال، لأنّ استحبابهما ثبت من الخارج، فالباقي باق على لزوم إتيانه.

[استدلّ برواية 1 و 2 من الباب 10 على وجوب الصّلوات عليه و على آله]

و استدل بالرواية 1 و 2 من الباب 10 من أبواب التشهّد على وجوب عليه و على آله.

و استشكل بأنّ الروايتين واحدة لكون الراوي في كل منهما أبو بصير و زرارة، و بعد وحدتهما فيمكن أن يكون الصادر الرواية الثانية، و هي لا تدلّ على المطلوب، لأنّ في المنزّل عليه، و هو الصوم و الزكاة، ليست صحة الصوم منوطا بالزكاة، فكذلك

ليست صحة الصّلاة موقوفا على الصّلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم.

و يمكن دفعه بأنّه في المنزّل عليه كون التنزيل من باب المبالغة، أو جهة اخرى لا يوجب رفع اليد عن الظاهر في المنزّل، فتأمّل).

فمضافا إلى الآية الكريمة المتقدمة و مضافا إلى بعض الأخبار هو كون عليه و على آله صلوات اللّه عليهم من أجزاء التشهدين من الصّلاة من المسلّمات عندنا، و لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الصدوقين قدس سرّهم و عن ابن جنيد من أنّه التزم بالاجتزاء بها في أحد التشهدين مع الاشكال في صحة النسبة إلى الصدوقين قدس سرّهم كما ذكر في الجواهر، و بعد كونه من المسلمات فلا مجال للاشكال في وجوبها

[في انّ في العامّة من يقول بوجوب الصّلوات على محمد و آله فى التشهد]

، و في العامة من

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 97

يقول بوجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو مختار «1» الشافعى في خصوص التشهد الأخير، و فيهم من يقول «2» بوجوب الصّلاة على آله في التشهّد و هو البويحى من أصحاب الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين.

فعلى هذا تدلّ على وجوب الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم الآية الشريفة و على وجوب الصّلاة عليه و على آله بعض الأخبار و ما قلنا من التسلّم الّذي يكون في المسألة، فمن جملة ما وجب في التشهدين الصّلاة على رسوله و على آله صلوات اللّه عليهم. «3»

[في ذكر امور مربوطة بالمقام]
اشارة

ثمّ إنّ هنا امورا نتعرض لها:

الأمر الأوّل:

لا يجب عندنا غير الشهادتين و الصّلاة على النبي و آله صلوات اللّه عليه و عليهم في التشهد، و أمّا الأذكار الواردة في بعض الروايات غير ما ذكر تكون مستحبا، و أمّا العامة فهم يقولون بأذكار في التشهّد و فيها «السلام على النبي» و «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» قبل الشهادتين، و عندنا ليس «السلام على النبي و رحمة اللّه و بركاته» واجبا و أمّا «السلام علينا» فعندنا يكون من السلام المخرج، و لا يجوز إتيانه في التشهّد الأوّل، و محلّه بعد التشهّد الثاني على نحو يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 232.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 233.

(3)- أقول: لم يتعرض سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى لكيفية الصّلاة، و لكن الأحوط الاقتصار على الكيفية الخاصّة المعهودة، و هي «اللّهم صلّ على محمد و آل محمد» لذكر هذه الكيفية في بعض الأخبار فتأمل جيدا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 98

الأمر الثاني:

لو نسى المصلّي التشهد، فتارة يقع الكلام في التشهّد الأوّل، و تارة يقع الكلام في التشهّد الثاني.

أمّا الكلام في التشهّد الأوّل فنقول: ما يستفاد من الروايات هو أنّه لو تذكر نسيانه قبل الركوع من الركعة الثالثة، فيرجع و يأتي بالتشهد و بما بعده من واجبات الصّلاة، و لو تذكر نسيانه بعد الدخول في الركوع فيمضي في صلاته و يتمها، يسجد سجدتي السهو (فارجع الباب 7 من أبواب التشهد)، و ليس في الروايات ما يدلّ على وجوب قضاء التشهّد المنسي بعد الصّلاة، و لكن وجوب قضائه بعد الفراغ من الصّلاة، ثمّ إتيان سجدتي السهو مسلّم لأنّ ظاهر الاصحاب قدس سرّهم وجوبه، فلو لو نقف على نصّ دال على وجوب قضاء

التشهّد المنسي بعد الصّلاة، فلا يصير سببا لمنع وجوبه، لأنّه بعد ما نعلم أنّ في الجوامع الأوّلية كانت أخبارا و لم تصل إلينا تلك الجوامع، و رأينا بأنّ مشهور القدماء أو جميعهم متفقون على وجوب قضاء التشهد، نكشف وجود نصّ في المسألة دالّ على ذلك و لم يصل إلينا.

و أمّا الاستدلال على وجوب قضاء التشهّد الأوّل لو نسيه بالرواية الّتي رواها علي بن أبي حمزة (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهد التشهّد الّذي فاتك). «1»

بدعوى أنّ قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (ثمّ تشهد التشهّد الّذي فاتك) يدلّ على

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 99

وجوب قضاء التشهد، لأنّ مفاده قضاء التشهّد الّذي فات عنه.

و لكن الاستدلال غير تمام لأنّ ما هو المسلم عند الأصحاب قدس سرّهم وجوب قضاء التشهّد بعد السّلام أوّلا، ثمّ إتيان سجدتي السهو، فالرواية لا تكون دليلا لهم لأنّ مفادها وجوب قضاء التشهّد بعد سجدتي السهو، و المراد من الرواية ظاهرا هو التشهد الّذي يؤتى في سجدتي السهو، و أنّه يأتي بالتشهد بهذا النحو، فلا تفيد للمقصود.

و كذلك لا وجه للاستدلال على وجوب قضاء التشهّد المنسي بالرواية 1 من الباب المذكور، و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا نسيت شيئا من الصّلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، ثمّ ذكرت فاصنع الّذي فاتك سواء.

لأنّه يوجب أوّلا تخصيص الأكثر لعدم

الالتزام بقضاء شي ء من واجبات الصّلاة إلا التشهّد و السجدة الواحدة، فلا يمكن الأخذ بعمومها، و ثانيا يوجب الأخذ بعمومه لتخصيص المورد لعدم قضاء في الركوع المنسي و التكبير المنسي، لأنّه لو ترك الركوع نسيانا أو مضى محل تداركه تبطل الصّلاة.

كما أنّه لا وجه للاستدلال على وجوب قضاء التشهّد بالرواية 6 من الباب 3 من أبواب الخلل و هي ما رواها حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ينسى عن صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشي ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك، فقال:

يقضي ذلك بعينه، فقلت: أ يعيد الصّلاة؟ فقال: لا.

لما قلنا في الرواية السابقة، و لكن مع ذلك كما قلنا بعد تسلّم وجوب قضاء التشهد يجب قضائه، هذا كله في ما نسى التشهّد الأوّل.

[الكلام في حكم نسيان التشهّد الثاني]
اشارة

و أمّا الكلام في حكم نسيان التشهّد الثاني و تذكر نسيانه بعد السّلام الواجب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 100

قبل فعل المنافي من حيث وجوب قضاء هذا التشهّد و عدمه، و وجوب سجدتي السهو و عدمه، أو وجوب الرجوع و إتيان التشهّد ثمّ السّلام بعده و عدمه، فما يمكن ان يقال: بكونه مربوطا بالمقام روايات:

[ذكر روايات الباب]
الرواية الاولى:

و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسى التشهّد حتّى ينصرف، فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، و قال: إنّما التشهّد سنة في الصّلاة). «1»

يحتمل كونها متعرضة لحكم خصوص نسيان التشهّد الأول، و يحتمل كونها متعرضة لخصوص الثاني، و يحتمل كونها متعرضة لحكم كليهما.

أمّا الاحتمال الأوّل فبعيد في الغاية.

و أمّا الاحتمال الثاني فيمكن أن يقال في تقويته: بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية (يفرغ من صلاته و قد نسى التشهّد حتّى ينصرف) كون الانصراف بعد نسيان التشهد و عدم فصل بينهما (خصوصا لو كان الانصراف كناية عن السلام) فيكون ذلك قرينة على كون المنسي التشهّد الثاني.

و أمّا وجه الاحتمال الثالث فهو أن يقال: إنّ ظاهر الرواية كون التذكر بعد الانصراف، فيستفاد من الرواية نسيان تشهد و تذكار نسيانه بعد الانصراف من الصّلاة، و بترك استفصال الامام عليه السّلام من كون المنسي التشهّد الأوّل أو الثاني، نفهم عدم كون فرق بين كون المنسي التشهّد الأوّل أو الثاني من حيث حكم وجوب

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 101

الاتيان بعد السّلام و دالا على أنّ وجوب إتيانه بعد الانصراف عبارة عن قضائه.

و يمكن

أن يقال: بأنّ الدليل على كون اتيانه بعد السّلام بعنوان القضاء- لا من باب كون المراد من الأمر باتيانه من باب بقاء محله، و وقوع السّلام في غير محله، و عدم كونه مخرجا في هذه الصورة- قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (إنّما التشهّد سنة، في الصّلاة) يعني حيث يكون التشهّد سنة، لا فرضا مثل الركوع و ساير الأركان، فلا يضر نسيانه بالصّلاة، و يكفي قضائه في حال تذكر نسيانه.

و لكن يمكن أن يقال في دفعه: بأنّ قوله عليه السّلام (إنّما التشهّد سنة) يكون في مقام بيان ما قال في ذيل الرواية (إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه) بأنّه حيث يكون التشهّد سنة، فلو تذكر و لم يكن قريبا من مكانه لا مانع من إتيانه في غير المكان الّذي صلّى فيه، و يكتفي أن يطلب مكانا نظيفا.

الرواية الثانية:

و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد؟ قال: يسجد سجدتين يتشهّد فيهما). «1»

و هذه الرواية على تقدير إطلاقها لنسيان التشهّد الأوّل و الثاني، فلا يدلّ إلّا على وجوب سجدتي السهو لأجل نسيان التشهد، و أمّا وجوب قضائه فلا تدلّ عليه، بل يمكن أن يقول أحد: بأنّ هذه الرواية، و كذا بعض الروايات الواردة في نسيان التشهّد المذكور في هذا الباب على تقدير إطلاقها للتشهد الأوّل و الثاني، تدلّ على عدم وجوب قضاء التشهد، لأنّها تدلّ على وجوب سجدتى السهو فقط لو نسى التشهد إلّا أن يقال: بأنّ كل هذه الروايات يكون متعرضا لنسيان التشهّد قبل

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 102

الركوع و بعد الركوع

فلا إطلاق له يشمل للتشهد الثاني.

الرواية الثالثة:

و هي ما رواها محمد بن علي الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسهو في الصّلاة فينسى التشهد؟ قال: يرجع فيتشهد، قلت: ليسجد سجدتي السهو؟ فقال: لا، ليس في هذا سجدتا السهو). «1»

حمل هذه الرواية على التشهّد الأخير ممكن لأنّ الأمر بالرجوع مطلقا بدون تقييد الأمر بكونه قبل الركوع شاهد على كون المنسي التشهّد الأخير، إذ حملها على التشهد الأوّل محتاج إلى حمل الرواية على ما قبل الركوع من الركعة الثالثة، مع عدم تصريح في الرواية به، و إطلاقها يقتضي الرجوع في أي حال يكون الشخص، فلو حمل على التشهّد الثاني لم يمض محل تداركه و لو بعد السلام، غاية الأمر وقع بلا محلّ و كونه موجبا لخروجه من الصّلاة مطلقا محلّ كلام.

فيمكن حمل الرواية على التشهّد الأخير، كما أنّه يحتمل كون المراد الأول، و لا بدّ من حملها على ما إذا كان التذكر قبل ركوع الركعة الثالثة، و لكن حيث قال فيها (يرجع فيتشهد) يستفاد منها عدم كون التشهّد ممّا فات من المصلّي بل يكون محل تداركه باقيا، و يكون أداء لا قضاء فهي تدلّ على عدم وجوب قضاء الثاني لو تذكر بعد السلام، بل لا بدّ من اتيانه و يكون في محله، فيكون على هذا اداء.

و أمّا الرواية 7 و 8 من الباب 7 من أبواب التشهّد الدالتان على بطلان لو ترك التشهد، فلم يعمل بهما و لا بدّ من رد علمها إلى أهلها.

[الكلام في مقتضى القاعدة في المورد]

إذا عرفت حال الروايات نقول: أمّا مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 103

الروايات فهو وجوب تدارك التشهّد و إتيان السّلام

بعدها، لعدم مضى محلّ تداركه و لكن هنا كلام آخر و هو أنّه إن قلنا: بكون السّلام مخرجا إذا وقع في محلّه مع رعاية الترتيب المعتبر، و من الترتيب وقوعه بعد التشهد، و إذا لم يقع السّلام في محله لم يكن مخرجا، و لم يكن المصلّي فارغا من الصّلاة فعلى هذا لا بد من العمل على طبق القاعدة في ما نحن فيه باتيان التشهّد في ما تذكر بعد السّلام نسيانه و لم يأت بالمنافي، إتيان السّلام بعد التشهد.

و أمّا لو قلنا: بكون السّلام مخرجا كيفما اتفق و أينما اتفق، ففي ما نحن فيه خرج من الصّلاة، و لا مجال لتدارك المنسي في الصّلاة لخروجه بالسلام من الصّلاة، فيأتي الكلام في أنّه هل يجب قضاء التشهّد أم لا، و قد قلنا في حاشيتنا على العروة الوثقى بأنّ (السلام الواجب ليس مفوّتا لمحل السجدتين في الركعة الأخيرة على الأقوى كما مر، و أمّا السجدة الواحدة و التشهد منها إذا تذكر بعده قبل المنافي ففيهما إشكال أحوطه الاتيان بهما بقصد ما في الذمّة و بما يترتب عليهما و سجدتا السهو لما في ذمته بسبب نقص السجدة أو التشهد، أو زيادة السلام) و لما نرى كلمات القدماء قدس سرّهم من السيد رحمه اللّه في جمل العلم «1» و العمل و ابن براج «2» رحمه اللّه في شرح قول السيّد رحمه اللّه (و المذكور من السلار في المراسم) أنّه يجب إتيان التشهد، ثمّ السّلام بعده و الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «3».

______________________________

(1)- جمل العلم و العمل، ج 3، ص 36.

(2)- المهذب، ج 1، ص 156.

(3)- المبسوط جلد 1 صفحه 122.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 104

[السلام قبل التشهد ليس مخرجا من الصّلاة]

نعم كلامه يكون في موضع

أخر من المبسوط «1» على نحو يقبل الانطباق على ما قلنا من حيث عدم قصد الأداء و القضاء، لأنّ مفاد عبارة الشيخ رحمه اللّه ربّما يكون ذلك حيث عبّر بلفظ القضاء و إتيان السّلام بعده، و على كل حال يكون الواقع قبل التشهّد غير مخرج، هذا تمام الكلام في ما يهمّنا البحث عنه في التشهد.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على رسوله و آله أجمعين.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 155.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 105

الثامن من أفعال الصّلاة التسليم
اشارة

اعلم أنّ الكلام في التسليم يقع في امور:

الأمر الأوّل:

لا إشكال في أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يسلّم في آخر صلاته، و على ذلك كان عمله، بل و عمل المسلمين من الصحابة و غيرهم، و كان أمر السّلام و إتيانه في آخر الصّلاة من الأمر المفروغ عنه عند الخاصّة و العامة و إن كان الكلام بينهم في وجوبه و استحبابه.

و يظهر للناظر في الآثار و الأخبار من أنحاء الأسئلة و الأجوبة كونه مذكورا في آخر الصّلاة، و يكون من الصّلاة مثل ساير ما يكون من الصّلاة كالركوع و السجود و غيرهما، بل ربما يرى أمره من حيث الوضوح أولى من بعض ما يعتبر في الصّلاة، بحيث ما يرى في الأخبار يكون نوع الأسئلة و الاجوبة عن خصوصياته.

و كلها شاهد على عدم كلام عند المسلمين في أصله، و لهذا كانوا يسألون عن بعض خصوصياته، مثلا من طروّ الحدث بينه و بين التشهد، أو من كيفية التسليم، أو من أن الامام كيف يسلّم و المأموم كيف يسلّم، فكون العمل على إتيان السّلام في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 106

آخر الصّلاة، و كون مفروغية ذلك مستفادا من مطاوي الأسئلة و الأجوبة الواردة في الروايات ممّا لا كلام فيه.

الأمر الثاني:
اشارة

يقع الكلام في أنّه بعد كون العمل على التسليم في آخر الصّلاة، فما صورة هذا التسليم؟

اعلم أنّ صيغ السّلام لا تكون خارجة عن الثلاثة المعروفة، و هي عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين و السلام عليكم و رحمة اللّه (و بركاته عليه) أو بدون ذلك.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا عند العامة فلا إشكال في كون التسليم الّذي يذكر في آخر الصّلاة و بعنوان المخرج

لا يكون الصيغتين الأوّلتين لأنّهم يعدّونهما جزءا للتشهّد، و يذكرونهما قبل الشهادتين من التشهد، كما يظهر ذلك لمن يراجع بما هو كيفية التشهّد عندهم (فارجع الخلاف و بداية المجتهد) فلا إشكال عندهم في أنّ السلام المخرج ليس إلّا الصيغة الثالثة، أعنى: (السلام عليكم) مع كون الخلاف بينهم في كون خصوص السّلام هو المخرج، أو كلّ ما يفعل المصلّي بعد التشهد، هذا عند العامة.

و أمّا عند الخاصّة فإنّهم و ان لم يقولوا بمقالة العامة من كون (السلام علينا) جزءا للتشهد، و لكن الظاهر منهم (إلّا عند شاذ) كون (السلام على النبي) جزء للتشهد، و عدم كونه السّلام المخرج، و لا إشكال في أنّ المستفاد من جلّ أخبارنا كون السلام المعهود المذكور في آخر الصّلاة هو (السلام عليكم).

و يدلّ على ذلك الأخبار المذكورة في الأبواب المختلفة، فإنّ المستفاد منها كون السلام هو (السلام عليكم) مثل هذه الرواية، فإنّ فيها قال (ثمّ التفت فإذا أنا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 107

بصفوف من الملائكة و النبيين و المرسلين، فقال لي: يا محمد سلّم، فقلت: عليكم و رحمة اللّه و بركاته). «1»

مثل الرواية الّتي فيها قال (و صلّوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلّم بعضهم على بعض، ثمّ خرجوا إلى أصحابه فأقاموا بإزاء العدو، و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تكبّر و كبروا و قرا فانصتوا و ركع فركعوا و سجد فسجدوا، ثمّ جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فتشهد، ثمّ سلّم عليهم فقاموا، ثمّ قضوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلّم بعضهم على بعض). «2»

و يستفاد من قوله (ثمّ سلّم بعضهم على بعض) و من قوله (ثمّ سلم عليهم) بأنّ السلام

كان (السلام عليكم) لا (السلام علينا) لأنّه بعد ما قال (سلّم بعضهم على بعض) و من قوله (ثمّ سلم عليهم) نفهم أنّ السّلام كان بعنوان الخطاب، و هو ليس إلا (السلام عليكم).

و مثل الرواية 4 من الباب المذكور، و مثل الرواية 2 من الباب 3 من أبواب التشهد، و مثل الرواية 2 من الباب 4 من أبواب التشهد.

[يستفاد من الاخبار كون السّلام (السّلام عليكم)]

فالمستفاد من هذه الروايات هو كون التسليم في آخر الصّلاة، و لا إشكال في أنّ السّلام هو (السلام عليكم) لكون المعهود منه عند المسلمين من الخاصّة و العامة هو (السلام عليكم) بل بعضها نصّ في ذلك، مثل الرواية الّتي رواها أبي بصير «3»، لأنّ فيها بعد ذكر (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) قال (ثمّ تسلم) و من

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب افعال الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 108

الواضح أنّ المراد من السّلام الّذي أمر به بعد (السلام علينا) ليس إلّا (السلام عليكم) فما عليه العمل و يكون على طبقه بعض الروايات في طرقنا، هو كون المخرج الواقع في آخر الصّلاة هو (السلام عليكم).

[يستفاد من الاخبار كون السّلام (السلام علينا و على عباد للّه الصالحين)]
اشارة

نعم هنا بعض الأخبار الوارد في طرقنا فيه التعرض و الذكر عن (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) و صار سببا لأن يقال، كما قال بعض، بأنّه السّلام المخرج أيضا مثل (السلام عليكم) أو أنّه لو قال (السلام علينا) يكون (السلام عليكم) مستحبا أو أنّ مجموعهما المخرج و محلل الصّلاة،

[في ذكر الروايات فى الباب]
اشارة

فنذكر بعونه تعالى هذه الطائفة من الأخبار فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل (تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك) و إنّما هو شي ء قالته الجن بجهالة فحكى اللّه عنهم، و قول الرجل (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال الصادق عليه السّلام: أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله (تبارك اسم ربك و تعالى جدك) و هذا الشي ء قالته الجن فحكى اللّه عنها، و بقوله (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) يعني: في التشهّد الأوّل). «2»

مفاد الروايتين فساد الصّلاة بقول الرجل: تبارك اسمك الخ، و هو ما قاله الجن كما يظهر من قوله تعالى في سورة الجن نقلا عنهم و (السلام علينا) و يمكن أن يكون

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 109

قوله (يعني: في التشهّد الأوّل) في الرواية الثانية من نفس الصّدوق رحمه اللّه لا من كلام الصادق عليه السّلام.

و لا يخفي عليك أنّه لا يستفاد منهما إلّا كون (السلام علينا) ممّا يفسد به الصّلاة، فيحتمل أن يكون وجه فساد الصّلاة به

من باب كونه محلل و مخرجه، كما توهم بعض من استدل بهما على كون (السلام علينا) مثل (السلام عليكم) مخرجا و محلّلا، و يحتمل أن يكون فساد الصّلاة به من باب كونه من كلام الادمي، و حيث يكون كلام الآدمي مفسدا في أثناء الصّلاة لها، فقال عليه السّلام: يفسد به الصّلاة، و الاحتمال الثاني إن لم يكن أقوى فلا أقل من عدم ظهور للروايتين في الاحتمال الأوّل.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحلبي (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كلّ ما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فهو من الصّلاة، و إن قلت: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فقد انصرفت). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها ابو كهمس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد، فقلت و أنا جالس (السلام عليك أيّها النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و رحمة اللّه و بركاته) انصراف هو؟ قال: لا، و لكن إذا قلت (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) فهو الانصراف). «2»

و لا يستفاد من هاتين الروايتين إلّا كون (السلام علينا) موجبا للانصراف من الصّلاة، و به يخرج الشخص من الصّلاة، و لكن كما قلنا في الروايتين الاولتين من احتمال وجه كونه انصرافا للصّلاة، هو كونه كلام الآدمي، فإذا وقع كلام الآدمي

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 110

يوجب الانصراف من الصّلاة لفساد الصّلاة به، و هذا غير كونه مخرجا للصّلاة كالسّلام عليكم.

الرواية الخامسة: و

هي ما رواها أبو بصير، و هي رواية مفصّلة (و قال في آخرها: و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمّ تسلّم). «1»

و هذه الرواية تدلّ على أنّ السّلام الآخر غير «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين».

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا نسى الرجل أن يسلّم، فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) فقد فرغ من صلاته). «2»

أمّا مفاد الرواية، فمن قوله عليه السّلام (إذا نسى الرجل أن يسلم) يستفاد أنّ مورد الرواية مورد نسيان الشخص السلام، فقال (إذا ولى وجهه عن القبلة).

[في ذكر الاحتمالات في الرواية السادسة]

ففي هذا احتمالان، فتارة يكون مفروض كلامه ما إذا ولى عن القبلة بيسير بحيث لم يتحقّق الانحراف المبطل للصّلاة و المنافى لها، و تارة يكون مفروض الكلام هو إذا ولى عن القبلة بحيث تحقق المنافي.

فإن كان الأوّل، و لم يكن الواو في قوله بعده (و قال السّلام علينا) الواو الحالية، فيكون مفاد الرواية أنّه إذا نسى الرجل التسليم و ولى عن القبلة، لكن لا بمقدار يكون منافيا مع الصّلاة، و قال بعد ما ولى (السلام علينا) فقد فرغ من

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 111

صلاته، فيكون مفادها هو حصول الفراغ من الصّلاة باتيان (السلام علينا) فتدل الرواية على كونه مخرجا في هذا الفرض.

و لكن هذا خلاف ظاهر الرواية لأنّ ظاهر قوله (ولى عن القبلة) هو الاستدبار عنها و إن كان الواو الواقع قبل قوله (السلام علينا) حالية يكون المراد أنّه إذا نسى و

ولى بمقدار لم يكن منافيا مع الصّلاة، و الحال أنه قال (السلام علينا) قبل ان ولى وجهه عن القبلة، فقد فرغ من صلاته، فيكون مفاد الرواية هو الفراغ من الصّلاة في صورة نسيان السّلام إذا قرء (السلام علينا) قبل التولية عن القبلة.

و على هذا تدلّ الرواية على كون السّلام المخرج غير (السلام علينا) و لكن اكتفي في هذه الصورة (بالسلام علينا).

و إن كان الثاني أعنى: يكون المراد من (ولى عن القبلة) هو التولية عنها بحيث تحقق المنافي، و لم تكن الواو في قوله (و قال السّلام علينا) حالية، فيكون المراد أنّه إذا نسي السّلام و ولى عن القبلة بحيث تحقق المنافي و (قال السّلام علينا) بعد ذلك، فقد فرغ من الصّلاة.

فيشكل الأخذ بهذا الاحتمال، لأنّه بعد حصول المنافي بالاستدبار و تذكر نسيان السلام، فقد فرغ من الصّلاة و صلاته مجزية لحديث (لا تعاد) سواء يأتي بعد ذلك (بالسلام علينا) أو لم يأت به، و أمّا لو كان المراد من (ولى) هو التولية عن القبلة و كانت الواو في قوله (و قال السّلام علينا) حالية، فيكون المراد هو أنّه إذا نسي السلام و الحال أنّه قال (السلام علينا) ثمّ بعد ما ولى و انحرف عن القبلة و تحقق المنافي، فقد فرغ من الصّلاة، فتدلّ الرواية على كفاية (السلام علينا) لو نسى السّلام المحلل، و يستفاد من الرواية كون السّلام المحلل غير (السلام علينا) و كفاية (السلام

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 112

علينا) عنه في حال النسيان.

فعلى هذا الاحتمال لا بدّ من الالتزام أوّلا بكفاية (السلام علينا) و كونه مخرجا في صورة نسيان (السلام عليكم) و ثانيا لا بدّ من الالتزام بأنّه لو نسي (السلام عليكم) و

لم يأت (بالسلام علينا) أيضا و تحقق المنافي فلم يفرغ من صلاته، و تكون صلاته فاسدة، مع أنّ حديث (لا تعاد) يدلّ على عدم الاعادة و صحة بنسيان السّلام سواء أتى (بالسلام علينا) أو لم يأت به لو تذكر بعد فعل المنافي، و الالتزام به مشكل، فتأمل.

[في ذكر الرواية السابعة و الاحتمالات فيها]
اشارة

الرواية السابعة: و هي ما رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (في كتابه إلى المأمون قال: و لا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» لأنّ تحليل الصّلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلّمت). «1»

يستفاد من الرواية أنّ منشأ عدم جواز أن يقال (السلام علينا) في الأوّل، هو كون تحليل الصّلاة التسليم، و على هذا في الرواية احتمالان:

الاحتمال الأول:

أنّ منشأ عدم جواز إتيان (السلام علينا) في التشهّد الأوّل هو نفس محللية السلام، فحيث إنّ السّلام محلل، فلا يجوز إتيانه في الأثناء، لأنّه لو أتى به في الأثناء يخرج من الصّلاة، فيكون مفاد الرواية على هذا الاحتمال صغرى، و هو أنّ (السلام علينا) سلام و كلّ سلام محلل (فالسلام علينا) محلل (فالسلام علينا) لأجل كونه محللا لا يجوز إتيانه في التشهد الأوّل فيثبت من الرواية كونه محللا، فيثبت به المطلوب، و هو كون (السلام علينا) محلل للصّلاة و أنّه مصداق

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 12 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 113

التسليم المحلل.

الاحتمال الثاني:

أنّ يقال: بأن منشأ صيرورة محللية السّلام سببا لعدم جواز إتيان (السلام علينا) في التشهّد الأول، هو أن محللية السّلام حيث تكون من باب كونه كلام الآدمي فإنّ (السلام عليكم) كلام الآدمى، كذلك حيث يكون (السلام علينا) كلام الآدمي، فلو أتى به في التشهّد الأوّل تصير الصّلاة فاسدة، و لهذا قال (فإذا قلت فقد سلّمت) يعنى أتيت بكلام الآدمي في أثناء الصّلاة، كما أنّه لو أتى (بالسلام عليكم) في التشهّد الأوّل تفسد الصّلاة من باب كونه كلام الآدمي، لا من باب نفس محلليته و جعله محللا، فكذلك (السلام علينا) فقوله عليه السّلام إنّ تحليل التسليم، يكون مراده أن السّلام صار محللا للصّلاة من باب كونه كلام الآدمي، فلا تقرأ السلام، لأنّه سلام، و السلام كلام الآدمي، لأن صيرورته محللا يكون لأجل كونه كلام الآدمي فعلى هذا يكون وجه عدم جواز إتيان (السلام علينا) في الأوّل كونه محللا، و منشأ عدم جواز إتيانه لكونه تحليل الصّلاة، و كون السّلام تحليل الصّلاة له خصوصيتان الخصوصية الاولى كونه محلل الصّلاة،

أعنى: يخرج به من و يكون آخر الصّلاة، و الخصوصية الثانية كون السّلام المحلل كلام الآدمي.

فعلى الاحتمال الأوّل قوله عليه السّلام (لأنّ تحليل الصّلاة التسليم) إن كان النظر إلى أنّ نفس محللية التسليم صار موجبا لعدم جواز إتيانه في التشهّد الأوّل فيستفاد من الرواية كون «السلام علينا» محللا للصّلاة كالسلام عليكم، و هذا هو الاحتمال الأول رحمه اللّه.

و إن كان النظر إلى كون وجه عدم الجواز كون السّلام المحلل كلام الآدمى، و لأجل كون وجه محللية السّلام هو كونه كلام الآدمى لا يجوز «السلام علينا» في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 114

التشهّد الأوّل، فيستفاد من الرواية كون «السلام علينا» محللا من حيث كونه مثل «السلام عليكم» في خصوصية كونه كلام الآدمي، لا أنّ السّلام علينا يكون مثل السّلام عليكم المحلّل في جميع الخصوصيات حتّى يقال: بأنّ من خصوصياته كونه محللا فالسلام علينا محلل، و هذا هو الاحتمال الثاني في الرواية.

و هذه الرواية قابلة الحمل على الاحتمال الأوّل، فتكون نتيجة هو كون «السلام علينا» مصداق المحلل، و لكن يحتمل الاحتمال الثاني في الرواية أيضا و على الاحتمال الثاني لا يستفاد من الرواية كون «السلام علينا» هو السّلام المحلل، بل غاية ما يستفاد هو كونه كالسلام المحلل في كونه كلام الآدمي إذا وقع في أثناء تبطل به الصّلاة مثل السّلام عليكم، فإنّه إذا وقع في أثناء الصّلاة تبطل الصّلاة به لكونه كلام الآدمي «1» و على كل حال سند الرواية ضعيف).

الرواية الثامنة:
اشارة

و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول: السّلام علينا و على عباد

اللّه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة، ثمّ تؤذن القوم). فنقول و أنت مستقبل القبلة «السلام عليكم» و كذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» مثل ما سلّمت و أنت إمام، فاذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك، فان لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد. «2»

______________________________

(1)- اقول و لكن ظهور الرواية في الاحتمال الأوّل ممّا لا يخفى. (المقرر)

(2)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 115

[فى المستفاد من الرواية الثامنة]

المستفاد من الرواية هو بيان حكم الامام و المنفرد و المأموم:

الأوّل: حكم الامام في التسليم، و مفاد الرواية هو كون التسليم له منحصرا بأن يسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يقول «السلام علينا» و بمجرد التسليم بهذا النحو تنقطع صلاته، و بعبارة اخرى تمت صلاته و لم تبق منها شي ء، ثمّ يؤذن القوم و يقول مستقبل القبلة «السلام عليكم».

فمن هذه الفقرة من الرواية تستفاد أوّلا أنّ التسليم للامام منحصر في خصوص «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» و تدلّ بمفهوم الحصر على عدم كون «السلام عليكم» تسليم الصّلاة له.

و ثانيا تدلّ على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء التسليم المخرج.

و ثالثا تدلّ على عدم كون «السلام علينا» فقط التسليم المخرج، بل هو مع السلام على النبي هو التسليم المخرج.

و رابعا تدلّ على كون «السلام عليكم» شيئا خارجا من الصّلاة إمّا واجبا مستقلا بناء

على حمل قوله (ثمّ يؤذن القوم) على الوجوب، و إمّا مستحبا مستقلا بناء على حمل قوله (ثمّ يؤذن القوم) على الاستحباب هذا مفاد الفقرة الاولى، فلازم هذه الفقرة هو الالتزام بهذه الامور الأربعة الّتي قلنا بأنّها مفاد هذه الفقرة من الرواية.

الثاني: حكم المنفرد، و هو أن يسلم مثل ما يسلم الامام، و هو ان يقول بعد السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «السلام علينا».

الثالث: حكم المأموم (فقال: قل: مثل ما قلت) يحتمل أن يكون المراد أنّه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 116

يقول بعد السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «السلام علينا» ثمّ يسلّم على من على يمينه و شماله، و لا بدّ أن يكون هذا السّلام «السلام عليكم» فيستفاد من الرواية كون «السلام عليكم» مرتين مرة على اليمين و مرة على اليسار، و إن لم يكن على شماله أحد فمرة على من على يمينه، هذا ما يستفاد من هذه الرواية.

[فى الرواية الّتي رواها ابو بكر الحضرمي]

و هنا رواية اخرى يمكن أن يقال كما قيل: بدلالتها أيضا على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من السّلام الواجب مثل الرواية الثامنة، من الباب 2، و هي أيضا الرواية 3 من الباب 4 رواها صاحب الوسائل في البابين و هي ما رواها أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: إني اصلّي بقوم فقال: تسلم واحدة و لا تلتفت قل:

السّلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام عليكم). «1»- «2».

و النظر في الرواية في قوله عليه السّلام (تسلم واحدة) يحتمل أن يكون إلى الخلاف العامة، فانهم يقولون بثلاث تسليمة فقال: تسلم واحدة و

لا تلتفت، ثمّ في مقام بيان سلام واحد قال (قل: السّلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السّلام عليكم) و حيث يكون النظر على هذا الاحتمال إلى بيان أنّ السّلام الّذي يذكره العامة ثلاثة مرات لا يجب إلّا مرة واحدة، و لا إشكال في أنّ السّلام الّذي محل الخلاف بين العامة و الخاصة في أنّه يقال ثلاثة مرات أو مرة واحدة هو «السلام عليكم» فالمستفاد من الرواية على هذا كون التسليم «السلام عليكم» مرة واحدة و كان ذكر السّلام على النبي توطئة لبيان «السلام عليكم» لا أن يكون السّلام على النبي من السّلام المخرج.

و يحتمل أن يكون النظر إلى بيان وجوب السّلام مرة واحدة و إلى بيان ما هو

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 117

السلام فعلى هذا لا يكون نظر المعصوم عليه السّلام إلى بين خصوص كون السّلام مرة حتى يقال: إنّ ذلك كان في قبال العامة، و العامة يقولون: بكون خصوص «السلام عليكم» ثلاث مرات لا غيره، بل يكون النظر من بيان ذلك إلى بيان ما هو السّلام الواجب فقال: قل: السّلام الخ فيستفاد من الرواية كون السّلام الواجب هو «السلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته و السلام» عليكم، ففي الرواية احتمالان.

إذا عرفت ذلك كله اعلم أنّه كما قلنا سابقا تقول العامة كما في رواياتهم بأنّ «السلام عليك أيّها النبي و السلام علينا» يكونان جزء للتشهد الأوّل و الثاني، و يذكرونها قبل الشهادتين من التشهد، و لكن المستفاد من رواياتنا عدم جواز إتيان السّلام علينا في التشهّد الأول، بل

و لا قبل الشهادتين من التشهّد الثاني، لأنّ به يخرج من الصّلاة إمّا لكونه محللا، و إمّا لكونه كلام الآدمي على الكلام فيه، و إمّا السلام على النبي فالمستفاد من رواية أبي بصير المفصّلة المبينة لكيفية التشهد، و هو كون السّلام على النبي و السلام علينا جزء للتشهد الثاني لكن لا جزء واجبا بقرينة بعض روايات اخر الدالّ على عدم كونهما جزء واجبا للتشهد، و لكن المستفاد من الرواية الثامنة المتقدمة هو كون السّلام عليك من السّلام الواجب و جزء له، و كذا من الرواية السابقة، أعنى: رواية أبي بكر الحضرمي على الاحتمال الثاني فيها، غاية الأمر يستفاد من الرواية الثامنة كون السّلام على النبي مع علينا هو السلام الواجب، و يستفاد من رواية أبي بكر الحضرمي كون السّلام الواجب «السلام عليك ايها النبي و السلام عليكم».

[هل يقال بالتخيير بين (السلام عليكم) و بين (السّلام علينا) او لا؟]

فهل يقال: بأنّ مقتضى الجمع بين الروايتين هو التخيير بين السّلام علينا و السلام عليكم أولا؟ ثمّ إنّه إن قلنا بكون «السلام عليك ايها النبي و السلام علينا»

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 118

من أجزاء التشهّد الثاني و كون «السلام عليكم» هو السّلام الواجب فهو، و أمّا إن قلنا بكون «السلام علينا» من السّلام المخرج، فتدلّ الرواية الثامنة المتقدمة على كون «السلام عليك ايها النبي» جزء للسلام المخرج فتدلّ هذه الرواية و رواية أبي بكر الحضرمي على كون «السلام عليك» السّلام المخرج، غاية الأمر الرواية الثامنة تدلّ على كونه مع «السلام علينا» سلاما واجبا، و رواية أبي بكر تدلّ على كونه مع «السلام عليكم» سلاما واجبا، فيعود محذور، و هو أنّه يلزم من الأخذ بالرواية الثامنة و الالتزام بكون «السلام علينا» هو السّلام المخرج الالتزام بكون «السلام عليك»

جزء من السّلام و لا بدّ من دفع هذا المحذور.

ثمّ نقول توضيحا حتّى يظهر للمراجع ما هو الحق في المقام: بأنّ ما روي في هذا المقام عن أبي بصير روايات ثلاث و أنّ أبا بصير و إن كان متعددا، لكن أبا بصير الراوي لهذه الروايات ليس خارجا عن اثنين: أحدهما محمد بن قاسم بن علي، أو قاسم بن أبي علي المكنى بأبي بصير المعروف بأبي بصير الأكبر، و هو الّذي مات بعد وفات الصادق عليه السّلام بسنتين تقريبا.

و ثانيهما هو ليث المرادي بن البختري المعروف بأبي بصير الأصغر، و يظهر من بعض رواياته المنقول في الكافي في تاريخ مواليد الائمة عليهم السّلام أنّه كان حيا إلى قرب زمان شهادة الرضا عليه السّلام، و على كل حال هما من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، و موثقان و إن خدش فيهما في رجال الكشي.

و اعلم أنّ الرواية المفصلة الّتي نقل فيها التشهّد المفصّل، و قال في آخرها:

«السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمّ تسلّم» يكون من أبي بصير الأكبر روى عنه زرعة، و لكن الراوي عنه هو سماعة على ما رأينا في أسانيد الروايات، و الراوي

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 119

عن سماعة هو زرعة، و لكن في هذه الرواية يروي زرعة عن أبي بصير، و بحسب الطبقات لا يمكن أن يروي زرعة عن أبي بصير بلا واسطة إلّا أن يقال: بأنّ سماعة سقط في مقام النقل.

و على كل حال تدلّ الرواية المفصلة، و هي الرواية الخامسة من الروايات ذكرناها في المقام، على وجوب التسليم بعد السّلام علينا، و من الواضح أنّ المراد من (تسلّم) هو «السلام عليكم».

و هكذا الرواية السادسة من

الروايات المذكورة، رويها سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هو أبو بصير الأكبر، و بينا ما يستفاد منها.

[في ذكر الرواية الثامنة مجددا و التوضيح فيها]
اشارة

و أمّا الرواية الثامنة الّتي ذكرناها، و هي ما رواها محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فهو أبو بصير الأصغر، أعني ليث المرادي، فقد عرفت أنّ هذه الرواية تشمل على فقرات ثلاث نذكرها مجدداً تتميما للفادة، فنقول: عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كنت إماما فانّما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم السلام، و تقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة، ثمّ يؤذن القوم، فتقول و أنت مستقبل القبلة: السّلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، مثل ما سلّمت و أنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد. «1»

[في ذكر ثلاث فقرات فى الرواية]

اعلم أنّ الرواية كما قلنا سابقا بنحو الاختصار تشتمل على فقرات ثلاثة،

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 120

فتارة يقال في مقام بيان المراد منها:

بأنّ الفقرة الاولى تكون في مقام بيان أنّ السّلام المحلل المخرج للامام هو أنّ يسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و أن يقول: السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فبعد ذلك انقطعت الصّلاة يعني تمت الصّلاة، ثمّ يؤذن القوم يقول: السّلام عليكم.

ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يكون الظاهر من هذه الفقرة كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله

و سلم جزء السّلام المحلل، فيكون قوله (فإنما التسليم أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول: السّلام علينا) في مقام بيان حصر التسليم في السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، أو يكون قوله عليه السّلام (أن تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) توطئة لبيان ما هو السلام المحلل، و هو «السلام علينا» كلاهما محتمل، و يستفاد من هذه الفقرة امور نقول بعد ذكر الفقرتين الأخيرتين.

و أمّا الفقرة الثانية فتدلّ على أنّ المنفرد يكون تسليمه «السلام علينا» و يحتمل أن تكون هذه الفقرة دالة على أنّ تسليمه أيضا هو أن يسلم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يقول «السلام علينا» ثمّ بعد انقطاع صلاته يقول «السلام عليكم» بقرينة قوله عليه السّلام في هذه الفقرة (مثل ما سلّمت و أنت إمام) و يحتمل خلافه، و هو أن يكون تسليم المنفرد مجرد «السلام علينا» ظاهر هذه الفقرة ذلك حيث إنّه إن كان عليه السّلام في مقام بيان كون تسليم المنفرد أيضا «السلام علينا» بعد السّلام على النبي عليه السّلام و إتيانه «بالسلام عليكم» بعد انقطاع صلاته، كان المناسب أن يكتفي بقوله (و كذلك إن كنت وحدك) أو أن يقول (و إن كنت وحدك فسلّم مثل ما يسلّم الامام) فالظاهر من هذه الفقرة كون تسليم المنفرد هو «السلام علينا» بدون وجوب السّلام عليكم أو استحبابه عليه و لو بعد الصّلاة.

و أمّا الفقرة الثالثة فهي تدلّ على كون «السلام عليكم» تسليم صلاة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 121

المأموم، لا السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم،

و لا السّلام علينا، لأنّ قوله عليه السّلام (و سلّم على من على يمينك و شمالك) فيكون الفرض السّلام على من على اليمين و على من على الشمال، فليس الفرض إلّا أن يقول «السلام عليكم» على من يمينه و «السلام عليكم» آخر على من بيساره، و إن لم يكن على يساره أحد فيسلّم على من بيمينه، و يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيلها (و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد) أنّ المأموم لا يدع التسليم على جانب اليمين و إن يكن على شماله أحد، يعني: و لو لم يكن على يمينه أحد و يكون على شماله أحد فقط بناء على كون متن الحديث (إن يكن على شمالك) و أمّا إن كان متن الحديث (إن لم يكن) و سقط في مقام النقل لفظ (لم) يكون مفاد هذه الفقرة هو أنّه لا يدع التسليم على اليمين إن لم يكن على شماله أحد.

[يستفاد من الرواية الثامنة امور ستّة]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن كان هذا مفاد هذه الرواية، فيستفاد منها امور:

الامر الأوّل: كون تسليم الامام منحصرا بالسلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا بناء على الاحتمالين المتقدمين في كون ذكر السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء الذي ذكره في الرواية، أو كان توطئة لبيان ما هو التسليم و هو السّلام علينا.

الامر الثاني: كون السّلام عليكم خارجا عن الصّلاة.

الامر الثالث: كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم جزء للسلام المخرج بناء على عدم كون ذكره توطئة لبيان السّلام المخرج و هو السّلام علينا.

الامر الرابع: كون التسليم للمنفرد خصوص السّلام علينا بناء على

عدم كون قوله (مثل ما سلّمت و أنت إمام) ناظرا إلى أنّ وظيفته هو السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و أن يقول السّلام علينا، ثمّ بعد انقطاع الصّلاة يقول السّلام عليكم كما هو الظاهر كما قلنا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 122

الامر الخامس: عدم كون السّلام عليكم وظيفة له بناء على كون تسليمه خصوص السّلام علينا لا وظيفته الواجبة و لا المستحبة.

الامر السادس: كون وظيفة التسليم للمأموم خصوص «السلام عليكم» مرة عن اليمين و مرة عن الشمال إن كان على شماله أحد. «1»

و على كل حال إن كان ما بيّنا مفاد الرواية يستفاد منها بعض أحكام لا يلتزم به أحد، بل بعضها خلاف ما هو المسلم عندهم.

أمّا أوّلا فلعدم التزام أحد بكون السّلام للامام منحصرا (بالسلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) لأنّهم إما يقولون باختصاص السلام بالسلام عليكم، أو بالتخيير بينه و بين السّلام علينا.

و ثانيا: تدلّ على عدم كون الوظيفة الواجبة أو المستحبة للمنفرد «السلام عليكم» بناء على كون المراد من الفقرة الثانية من الرواية كون تسليم المنفرد خصوص «السلام علينا» كما هو الظاهر من الاحتمالين المتقدمين في هذه الفقرة، مع أنّه لم يقل به أحد لأنّهم بين من يقول بوجوب خصوص السّلام عليكم أو بوجوبه و وجوب السّلام علينا تخييرا، و لكن لو أتى بالسلام علينا، فالسلام عليكم مستحب.

______________________________

(1)- أقول: في كون مفاد الفقرة الثالثة من الرواية كون تسليم المأموم خصوص «السلام عليكم» محل إشكال لأنّ قوله عليه السّلام (فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلّم على من على يمينك و شمالك) يدلّ على

أنّه يقول مثل ما قال و سلّم، و هذا يدلّ على أنّه يقول أوّلا ما قال من السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، و سلّم بعد ذلك على من على يمينه و شماله، فتأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 123

و ثالثا: تدلّ الفقرة الاولى من الرواية على كون السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من السلام المخرج بناء على عدم كون ذكره توطئة لا لسلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.

[في ذكر مقدّمة لظهور كون الرواية الثامنة سبقت لبيان حكم آخر]

و أمّا إن كانت الرواية سبقت لبيان حكم آخر، لا لبيان ما هو صيغة التسليم للامام و المأموم و المنفرد، و هذا يظهر لك بعد بيان مقدمة.

أمّا المقدمة فهي أنّه قد عرفت من مطاوي كلماتنا بأنّ المسلّم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان في صلاته في مقام إتيان السّلام آتيا بصيغة «السلام عليكم» في الجملة، و أنّ عمل المسلمين كان على إتيان «السلام عليكم» في مقام تسليم الصّلاة، ثمّ بعد ذلك كان خلاف بن العامة في أن «السلام عليكم» يجب في كل صلاة مرة أو أزيد، فقال بعضهم بوجوب أزيد من مرة، و أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم اتى بازيد من مرة، و قالت عائشة: بأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أتى في صلاته «السلام عليكم» مرة واحدة، و في رواياتنا يوجد ما يدلّ على إتيان التسليم مرتين.

إذا عرفت تلك المقدمة- أعنى: كون «السلام عليكم» الّذي كان العمل على إتيانه في آخر الصّلاة من حيث وجوبه مرة واحدة، أو أزيد في كل صلاة مورد الكلام- نقول: بأنّ الرواية تكون متعرضة لبيان حكم الامام و

المنفرد و المأموم من حيث تكليفهم في إتيان «السلام عليكم» مرة واحدة، أو أزيد و إن وقع فيها ذكر من «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أو السّلام علينا» لم يكن الامام عليه السّلام في مقام بيان هذا الحيث، لسوق الكلام لبيان ما قلنا.

فمحطّ نظره عليه السّلام في الفقرة الاولى (إنما التسليم ان تسلّم على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقول السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين الخ) هو بيان كون السّلام للامام مرة واحدة،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 124

و لو ذكر قبله السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا، و الشاهد على ذلك التشقيقات الواردة بثلاثة شقوق: الامام، و المنفرد، و المأموم، ثمّ ذكر كون «السلام عليكم» للمأموم مرتين: مرة على من على يمينه و مرة على من على يساره إن كان على يساره أحد.

فالرواية على هذا ليست في مقام بيان كون التسليم غير التسليم المعهود المحلل يعنى «السلام عليكم» بل تكون في مقام بيان حكم الامام و المنفرد و المأموم بالنسبة إلى حكمهم في كون هذا التسليم المعهود أعنى «السلام عليكم» مرة عليهم، أو يكون الواجب مرة على بعضهم و مرتين على بعضهم، فقال عليه السّلام بكونه مرة للامام، و مرتين للمأموم إن كان على يساره أحد.

[في بيان اشكال و دفعه]

إن قلت: بأنّه إن كانت الرواية في مقام بيان حكمهم بالنسبة إلى إتيان المرة، أو أزيد من «السلام عليكم» المحلل للصّلاة، فكيف قال فيها بعد قوله: علينا و على عباد اللّه الصالحين (فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة) لأنّ معنى ذلك عدم كون السّلام المحلل هو «السلام عليكم» و عدم كونه

أصلا من واجباته، فكيف تقول:

بأنّ قوله عليه السّلام (إنّما التسليم) ليس في مقام بيان كون التسليم غير «السلام عليكم» لأنّه لو كان التسليم في قوله (إنّما التسليم) هو التسليم المعهود، فلا معنى لقطع الصّلاة بغيره.

أقول: إنّا لسنا في مقام بيان أنّ الرواية تدلّ على كون السّلام المخرج هو «السلام عليكم» حتّى تقول بأنّ قوله (انقطعت صلاته) تدلّ على خلافه، بل نكون في مقام بيان أنّ الرواية ليست متعرضة لأصل ما هو السّلام المخرج و انه هو «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» لا غير، بل تكون في مقام بيان أنّ التسليم المعهود، و هو «السلام عليكم» يجب مرة على الامام و مرتين على المأموم و مرة على المنفرد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 125

بناء على أحد الاحتمالين المتقدمين في الفقرة الثانية من الرواية فالرواية في مقام بيان هذا و إن كان المستفاد منها ضمنا كون «السلام علينا» مخرجا.

[في عدم ورود بعض الاشكالات المتقدّمة على التوجيه المذكور]

و الغرض من ذلك بيان عدم ورود بعض الاشكالات المتقدمة في الرواية بناء على التوجيه الأوّل في الرواية، فلا يرد على الرواية أنّ مفادها انحصار «السلام في السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» لأنّه بعد كونها في مقام بيان حكم الامام من حيث وجوب «السلام عليكم» عليه مرة، أو أزيد، و بيّن فيها كون الواجب عليه مرة، فغاية ما يمكن أن يقال: هو أنّ الرواية تدلّ على كون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» مخرجا أيضا، و كون «السلام عليكم» في هذه الصورة واجبا خارجا، أو مستحبا خارجا من الصّلاة.

و كذلك لا يرد على الفقرة الثانية

بأنّها تدلّ على عدم كون «السلام عليكم» لا واجبا و لا مستحبا للمنفرد، لأنّه على هذا التوجيه يقال: بأنّها تدلّ على كون «السلام عليكم» مرة مشروعة عليه بناء على أحد الاحتمالين المتقدمين في الرواية في هذه الفقرة، و على كل حال فالرواية مورد الاشكال. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال كما افاد مد ظله العالي: بأنّه إن كان سوق الرواية لبيان حكم التسليم المعهود واجبا على الامام و المأموم و المنفرد مرة أو أزيد، فيمكن أن يقال: بأنّ بيان «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» كان من باب التوطئة لافادة أنّ «السلام عليكم» لا يجب على الامام إلا مرة واحدة، و في قوله (فقد انقطعت صلاته) إمّا أن يقال: بأنّ في هذا الفرض حيث أتى «بالسلام علينا» فأتى بمخرج فيصير «السلام عليكم» مستحبا أو واجبا خارجا من الصّلاة فعلى هذا ليست الرواية دالة على انحصار التسليم مطلقا «بالسلام عليك ايها النبي و السلام علينا»

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 126

إذا عرفت ذلك كله فهل نقول بعد اللتيا و اللتي: بأنّه يكون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» معا أو خصوص «السلام علينا» من السّلام المحرج، أعنى: كما أن «السلام عليكم» يكون سلاما مخرجا و محللا، هكذا يكون «السلام علينا» فيكون المصلّي مخيرا بينهما في مقام أداء السّلام المخرج، و يقال في وجه ذلك:

بأنّه بعد ما نرى من أن العامة يروون أنّ «السلام عليك و السلام علينا» جزء من التشهد، غاية الأمر غير عائشة يروون قبل الشهادتين، و هي تروى بعد الشهادتين في التشهّد الثاني، و على كل حال يكون الغرض أنّه يظهر من

نقلهم الالتزام باتيانهما، كما أنّه يظهر من بعض الأخبار الواردة في طرقنا كون «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» إمّا جزء للتشهد الثاني، أو للسلام المخرج، فمن رواية زرعة عن أبي بصير كونهما جزء للتشهد الثاني، و من رواية ابن مسكان عن أبي بصير كونهما

______________________________

و إمّا أن يقال: بأنّ مفاد قوله عليه السّلام (انقطعت صلاته) بعد ذكر «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» مثل مفاد قوله المعصوم عليه السّلام في رواية اخرى بعد ذكر التشهّد (تمت صلاته) فكما أنّ هذه العبارة تكون قابلة للتوجيه بأنّ يقال: إنّ المراد من إتمام الصّلاة هو عدم بقاء شي ء منها بعناية و اعتبار أفاده مدّ ظلّه العالى، و هذا لا ينافي مع بقاء التسليم، و كونه هو المخرج، فكذلك يقال بأنّ التعبير بفقد (انقطعت صلاته) لا ينافي مع بقاء التسليم من الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة قطعت أى تمت و لا يبقى إلا التسليم الّذي اعتباره ليس نحو اعتبار ساير الاجزاء.

و لا تقل بأنّ (تمت) غير (انقطعت) لأنّه على كل حال هذا التعبير غير حال عن الاشكال، لأنّه إن كان التسليم المخرج «السلام علينا» فما وجه تعبيره (بانقطعت) و الحال أنّه يمكن أن يقال:

بأنّ الأنسب التعبير بلفظ (تمّت) و لكن يمكن أن يقال: بأنّ في مقام نقل الناقلين تغيرت العبارة الصادرة عن المعصوم عليه السّلام في هذا النحو، يمكن توجيه الخبر بنحو لا ينافي مع كون «السلام عليكم» مستحبا أو واجبا خارجا عن الصّلاة في فرض إتيان المكلف «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام علينا» على الاحتمال الأوّل، أو

كونه السّلام المخرج حتّى في هذا الحال على الاحتمال الثاني في قوله عليه السّلام (انقطعت صلاته) فتأمل جيدا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 127

السلام المخرج، فيقال بكون «السلام علينا» سلاما مخرجا مثل «السلام عليكم» أولا يمكن أن يقال بذلك من باب أنّ مفاد رواية زرعة عن أبي بصير هو كونهما جزء للتشهد، و عدم كونهما سلاما مخرجا لأنّه بعدهما (ثمّ تسلّم) و رواية ابن مسكان عن أبي بصير لم تكن خالية عن الاشكال و قد مضى الكلام فيها (مضافا إلى كونهما مفادا متعارضين، لأنّ مقتضى الاولى كونهما جزء للتشهد و عدم كونهما سلاما، و الثانية تدلّ على كونهما السّلام المحلل لا جزء للتشهد، و بعد عدم دلالة كل ما استدل به من الروايات الّتي تعرضنا لذكرها على كون «السلام علينا» سلاما محللا، فلا يبقى وجه يتكل عليه، و يقال بكونه السّلام المحلّل.

[هل نقول بكون السلام المحلل هو (السلام عليكم) فقط]

فما نقول في المقام؟ هل نقول: بكونهما أحد فردى الواجب التخييرى؟ أو نقول: بكون السّلام المحلل خصوص «السلام عليكم»؟

ثمّ إنّ مقتضى الاحتياط هو الأخذ بمفاد رواية أبي بكر الحضرمي الدالّة بظاهرها على كون السّلام المحلل «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و السلام عليكم» و عدم الاقتصار «بالسلام علينا» في مقام امتثال السّلام المحلل، نعم لو أتى به احتياطا فلا يقصد به الخروج، و يأتى بعده «السلام عليكم».

و الحاصل أنّه لو لم يكن في المقام رواية ابن مسكان عن أبي بصير لم يكن دليل على كون «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» سلاما، لأنّ ما توهمت دلالته على ذلك من الروايات كان توهما في غير محله كما عرفت، لعدم دلالته على ذلك، فيبقى في البين هذه الرواية فقط،

و هذه الرواية و إن كان الاشكال في سندها لأجل محمد بن سنان الراوي عن ابن مسكان، و كان متنها مورد اشكالات على ما ذكرنا، و لكن تمسك الشّيخ رحمه اللّه بها و كونها مورد اعتنائه، و إن احتمل كون منشأ فتواه غير هذه الرواية، صار سببا لأنّ لا يقول الانسان بعدم كون «السلام علينا» سلاما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 128

محللا بضرس قاطع، و يدّعي كون «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» أحد فردى السّلام المحلل

[في ذكر قول الشيخ الانصاري ره]

هذا كلّه بحسب القواعد و الموازين الاجتهادية، و أمّا طريق الاحتياط، فذكر شيخ الانصاري رحمه اللّه «1» بأنّه لو جمع بين الصيغتين من دون قصد الخروج بالاولى كان أحوط الاحتمالات.

و استشكل عليه بعض الأعاظم قدس سرّهم في صلاته (المراد الاستاد الحائري رحمه اللّه) «2» بأنّه لا يكون هذا أحوط الاحتمالات، إذ يكون أحد الاحتمالات اعتبار قصد الخروج، فعلى مذهب من يعتبره ليس ما ذكر طريق الاحتياط، و لم يراع في هذا الاحتياط هذا الاحتمال.

و لكن يمكن دفعه بأنّه ليس غرض الشّيخ رحمه اللّه من بيان أحوط الاحتمالات بيان طريق الاحتياط على كل احتمال يكون أو يحتمل في المسألة حتّى يرد الاشكال، و يأتى إن شاء اللّه بعدا عدم اعتبار قصد الخروج زائدا على القصد باتيانه جزء للصّلاة و علمه بكونه محللا و مخرجا.

ثمّ إنّه رحمه اللّه قال: بأنّ غاية الاحتياط الممكن أن يأتى بالصيغتين و يقصد الخروج بما عيّنه الشارع له على تقدير التعيين، و على تقدير الآخر يعيّن في نفسه إحداهما.

و فيه أنّ معنى قصد التعيين هو تعلق القصد بأحدهما المعيّن، و معنى قصد التخيير هو تعلق القصد إمّا بأحدهما المفهومي، أو بأحدهما المصداقي، و

على كل حال لا يجتمع قصد التعيين مع قصد أحدهما تخييرا، لأنّ مع قصد أحد المعين تعلق

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للشيخ الانصاري، ص 185.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 287.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 129

القصد بخصوص الأحد المعيّن، و معنى تعلق القصد بأحدهما المخيّر هو تعلق القصد إمّا بهذا، أو بهذا لا بهذا معيّنا، فلا يجتمع قصد التعيين مع قصد التخيير. «1»

و على كل حال لو أتى بالصيغتين و لا يقصد الخروج بالاولى فقد عمل بالاحتياط (و الاحوط ضم السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على الصيغتين، فافهم).

الأمر الثالث:
اشارة

قد وقع الكلام في كون السّلام جزء من أجزاء الصّلاة، أو كونه واجبا مستقلا.

اعلم بأنّه في بعض رواياتنا وقع التعبير بكون تحليل الصّلاة التسليم مثل ما رواها محمد بن علي بن الحسين (قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: افتتاح الصّلاة الوضوء و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم). «2»

[في ذكر احتمالات الثلاثة فى المورد]
اشارة

فنقول: بأنّ فيها احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون النظر في جعل تحليل الصّلاة التسليم إلى أنّ المحرّم بالحرمة التكليفية، حيث يكون إتيان المنافيات للصّلاة فيها بعد التحريم، و الدخول فيها، فالسلام يكون سببا و موجبا لحلية إتيان كلّ ما كان محرّما على المصلّي قبله، فيحل بالحلية التكليفية إتيان ما كان محرّما عليه في الصّلاة قبل التسليم،

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّ التعيين المنجّز ينافي التعليق المنجّز، و لكن لو كان التعيين معلقا و التخيير معلّقا فلا تنافي بينهما، لأنّه على هذا يقصد كل واحد منهما طولا، فيقصد أحد المعين إن كان المخرج أحد المعيّن أوّلا، و لو لم يكن أحدهما المعيّن مخرجا فيقصد أحدهما المخيّر في طول الأوّل، فيقصد كل واحد منهما، و لكن طوليا و لا إشكال، فتأمل. (المقرر)

(2)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 130

فيكون جعل التسليم محلّلا بالنظر إلى المنافيات.

[في ذكر الاحتمال الثاني و الثالث]

الاحتمال الثاني: أن يكون النظر في جعله محلّلا إلى المنافيات أيضا، و لكن هذا من باب كون السّلام محللا بالحلية الوضعية لما كان محرّما على المصلّي في بالحرمة الوضعية قبله، و بعبارة اخرى بعد ما شرع في الصّلاة يحرم عليه المنافيات بالحرمة الوضعية، أعنى: إتيان أحد المنافيات كان سببا لفساد الصّلاة، و صار التسليم محلّلا، أعنى: صار سببا لحلية الوضعية لما كان موجبا إتيانه لفساد الصّلاة قبله، أعنى: إذا سلّم فلو أتى بأحد المنافيات فلا يصير سببا لبطلان الصّلاة لأنّه أتى به بعد المحلل و هو التسليم.

الاحتمال الثالث: أن يكون جعل التسليم تحليلا بالنظر إلى نفس الصّلاة لا إلى المنافيات.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه كما انّه من أعمال الحج الاحرام، و جعل للاحرام آداب

و شرائط و موانع، و منافيات، و لعلّ وجهه هو حضور العبد لإطاعة المولى بنحو تخضّع و تخشّع، فينزع الألبسة الّتي يلبسها و يتزين بها نفسه، و يلبس ثوبي الاحرام علامة للانكسار و الخشوع، و يترك بعض ما ينافي مع هذه العبودية، و لا بدّ له من ترك هذه التروك إلى أن يتم ما وجب عليه بعد الاحرام، و بعد تمامية الاحرام جعل بعض الامور محلّلا للاحرام كالتقصير و الحلق، فبهما يحلّ على المحرم ما كان محرّما عليه قبلهما، فالحلق و التقصير أمران خارجان عن الاحرام و ليسا جزء و لا شرطا له، و لكن مع ذلك هما محللان له.

[حال السّلام في الصّلاة حال الحلق و التقصير فى الاحرام]

فكما أنّ الاحرام عبادة اعتبر فيه بعض ما اعتبر فيه و وضعه و نحوة عباديته مع الآداب و الشرائط المعهودة، و الموانع المحرّمة على المحرم حال الاحرام، و جعل له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 131

محللا يوجب الاتيان بهذا المحلل جواز ارتكاب ما حرم عليه حال الاحرام بعد هذا المحلل، فالحلق و التقصير محللان باعتبار نفس الاحرام و ان وضع عباديته بنحو ورد من الشرع على كيفية خاصة، و آداب مخصوصة، و لا يخرج العبد من هذه العبادة إلّا بايجاد بعض الامور الخارجة عن حقيقته.

فكذلك يقال في الصّلاة: بأنّها عبادة و توجه خاص نحو جنابه، و هذه العبادة جعل لها إحراما و هو التكبير، و جعل لها بعد ذلك آدابا و شرائط، و لها منافيات فاعتبرت بنحو لا بدّ للمصلّى بعد الدخول فيها من إتيان ما اعتبر فيها و ترك ما يضادها فيها، و حرم فيه من أوّلها إلى آخرها، و بعد ما تمّ و أتى المصلّي بها إلى آخرها جعل السّلام محللا لما حرم

عليه قبل ذلك، فحال السّلام في الصّلاة يكون حال الحلق و التقصير في إحرام الحج.

و يؤيد ما قلنا- من أنّ وضع الصّلاة و اعتبارها على نحو وضع اعتبار إحرام الحج أنّه اعتبر للصّلاة، من باب كونها توجه خاص نحو المولى و عبادة مخصوصة، في ابتدائها ما يحرم بسببها ما يضادها، و جعل في آخرها و بعد تماميتها ما به يحلل كلّ ما حرم على المصلّي فالتعبير بتكبيرة الاحرام يكون من باب أن بها يحرم على المصلّي ما كان حلالا عليه قبل ذلك، و كذلك جعل التسليم ما به يحلل عليه ما كان محرّما عليه حال الصّلاة.

فعلى هذا ليس وجه كون التسليم محللا باعتبار المنافيات كما كان في الاحتمال الأوّل و الثاني، بل ليس منشأ محلليته إلّا أنّ الصّلاة باعتبار كونها من الامور الاعتبارية الّتي تكون نحو توجه إلى الخالق، و متى شرع الشخص فيها يكون وضعها بحيث لا بد للمصلّي من رعاية آداب إلى تمامها و المواظبة الخاصة، فما لم يفرغ منها

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 132

فعليه رعاية هذه الآداب و الوظائف، و بعد تماميتها لا يلزم ذلك عليه و يحلّل عليه ما ينافي مع التوجّه الخصوص حال الصّلاة، فجعل التسليم محللا.

الأمر الرابع:
اشارة

هل السّلام يكون واجبا أو مستحبا؟

اعلم أنّ المسألة مورد الخلاف عند العامة فبعضهم قالوا باستحبابه، و بعضهم بوجوبه، و قال أبو حنيفة بالأوّل و المشهور عندهم الوجوب (و إن كان الخلاف بينهم في بعض جهات آخر) و لكن كلا من القائل بالوجوب و الاستحباب قائلون: بأنّ عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم هو إتيان التسليم في صلاته، و أمّا الخاصّة فأقوالهم ثلاثة.

[في ذكر الاقوال فى المورد]

القول الأوّل: و هو ما ذهب إليه كثير من القدماء كالسيد رحمه اللّه و القاضي رحمه اللّه و الحلي رحمه اللّه و ابن جنيد رحمه اللّه هو وجوب التسليم، و إليه ذهب جلّ من المتأخرين.

القول الثاني: استحباب التسليم كما قال به الشيخان و العلّامة رحمه اللّه، و القائلون بالاستحباب بين قولين:

الأوّل استحبابه مطلقا، و هو ما يظهر من العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه مثل التذكرة «1».

الثاني استحباب التسليم أعنى: السّلام عليكم في صورة إتيان السّلام علينا، فإذا لم يأت بالسلام علينا و أتى بالسلام عليكم فهو السّلام المخرج، و أمّا لو قال السلام علينا فهو السّلام الواجب، و يكون إتيان السّلام عليكم بعده مستحبا يجوز فعله و يجوز تركه، و هذا القول هو الّذي يظهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط «2» و في

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 115.

(2)- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 243.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 133

التهذيب «1» و لا يستفاد من كلامه في الخلاف غير ذلك، لأنّه ليس في هذا الكتاب إلّا في مقام بيان كون وجوب السّلام و استحبابه ذات قولين عند الخاصّة رحمه اللّه فارجع المبسوط و التهذيب و الخلاف.

هذا أقوال فقهائنا في مسئلة وجوب التسليم و عدمه.

[فى الاستدلال العلّامة على الاستحباب وجوه]
اشارة

و قد استدل العلّامة رحمه اللّه- على ما يظهر من كلامه في التذكرة، و على ما يظهر من كلامه في المنتهي، و إن كان في المنتهي يقول: بوجوب التسليم، و يجيب عن الادلّة الّتي اقيمت على استحباب التسليم- بوجوه:

الوجه الأوّل:

أصالة البراءة عن وجوب التسليم، لأنّا بعد ما نشكّ في وجوبه و عدمه يكون الشّك بين الأقل و هو أجزاء الصّلاة إلى التشهد، و بين الأكثر و هو وجوب هذه الاجزاء مع التسليم، فوجوب الأقل معلوم، و وجوب الأكثر مشكوك فمقتضى أصالة البراءة عن الأكثر عدم وجوب إتيان التسليم.

و فيه أنّ منشأ البراءة هو قبح العقاب بلا بيان، بمعنى أنّه مع عدم بيان التكليف من ناحية المولى يقبح العقلاء المؤاخذة و العقاب على هذا التكليف، و لا مجال لاجرائها هنا، لأنّه بعد ما أمضينا الكلام في أنّ استمرار عمل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الصحابة و التابعين و ساير المسلمين على إتيان السّلام في آخر الصلاة.

فمع هذا العمل المستمر هل يمكن أن يقال: باجراء البراءة و قبح العقاب على ترك التسليم، و هل هذا البناء لا يكون كافيا على بيانيته، و هل العقلاء يقبحون العقاب على ترك هذا الفعل مع ما له من الوضع خارجا و عند المسلمين، فلا مجال في

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 320.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 134

المسألة لاجراء البراءة أصلا.

[فى الوجه الثاني و الثالث و الرابع]
اشارة

الوجه الثاني: أنّ التسليم الثاني ليس بواجب، و هكذا التسليم الأوّل.

و فيه أنّ نظره رحمه اللّه كان إلى ما قالته العامة من وجوب التسليم مرتين، أو ثلاث مرات، فقال رحمه اللّه: بأنّه كما لا يجب التسليم الثاني فكذلك لا يجب الأوّل، فكأنّه أجرى قياسا، فقال لا يجب تسليم واحد لعدم وجوب التسليم مرتين، فعلى هذا يعلم فساد الاستدلال، لأنّ: القياس باطل.

الوجه الثالث: أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم علّم الصّلاة الاعرابى لم يعلّمه التسليم، فقال (قريب بهذه المضامين) الصّلاة قراءة و ركوع و

سجود، فإن كان التسليم من واجباتها لبينه صلى اللّه عليه و آله و سلم له.

و فيه أوّلا أنّ مجرد عدم ذكر التسليم في رواية تعليم الأعرابى لا يدلّ على عدم وجوبه و إلّا يلزم التزام العلّامة رحمه اللّه بعدم وجوب كل ما لم يذكر في هذه الرواية، و لا يلتزم به.

و ثانيا لعلّه كان عدم ذكره من باب أنّه كان عالما بوجوب التسليم، و لذا لم يذكر.

و ثالثا يحتمل عدم كونه في مقام بيان جميع خصوصيات المعتبرة فيها أى في الصّلاة، بل يكون في مقام بيان أنّ الصّلاة من هذا السنخ، فهذا السنخ أعنى: يكون سنخ واجبات الصّلاة من سنخ القراءة و الركوع و السجود.

الوجه الرابع: قول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن رجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم قال: تمت صلاته.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 135

[الرواية الّتي استدلّ بها العلّامة قد نقلت بعبارات مختلفة]

و فيه أنّ الرواية الّتي روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في هذا الباب نقل بعبارات مختلفة:

فالاولى: ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن سعد عن أبي جعفر «1» يعني: أحمد بن محمد عن أبيه محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد و محمد بن أبي عمير كلهم. «2»

عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع راسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد، قال: ينصرف فيتوضأ، فإنّ شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمّ يسلّم و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته.

و الثانية: ما رواه الكليني رحمه اللّه عن علي بن إبراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير مثله، إلّا أنّه (قال:

و إن كان الحدث بعد التشهّد- نقل هذه صاحب الوسائل رحمه اللّه في ذيل الرواية الاولى).

و الثالثة: و هي ما رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّي ثم يجلس، فيحدث قبل أن يسلّم، قال: تمت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب التشهد من الوسائل.

(2)- أقول: استفدت من كلام سيدنا و استادنا الاعظم مدّ ظله العالى بأنّ الظاهر كون لفظ (كلهم) غير صحيح، لأنّ محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد ليسا في طبقة ابن أبي عمير، فيمكن أن يكون السند هكذا (عن أبيه محمد بن عيسى و الحسين بن سعيد كليهما عن محمد بن أبي عمير. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 136

أذى فسلّم في نفسه و قام فقد تمت صلاته). «1»

و يكون في الباب بعض روايات اخر مثل ما رواها الحسن بن الجهم (قال:

سألته يعنى أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد). «2»

[في ذكر الجواب عن الاستدلال بهذا الاخبار]

فنقول في مقام الجواب عن الاستدلال بهذا السنخ من الأخبار على عدم وجوب التسليم: بأنّه أمّا عن بعض الروايات الّتي تعرض عن الحكم بعد التشهد، و أنّه إن فرغ من التشهّد فأحدث تمت صلاته، فبأنّه بعد ما عرفت في مطاوى كلماتنا بأنّ بناء العامة كان على إتيان «السلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و

سلم و السلام علينا» في التشهد قبل الشهادتين، و الائمة عليهم السّلام كان بنائهم على بيان فساد هذا العمل، و أنّه يأتي بهما بعد الشهادتين و الصلوات في خصوص التشهّد الثّاني من الصّلاة، فبعد كون المتعارف هو إتيان «السلام علينا» بعد التشهّد لأمر الائمة عليهم السّلام به.

فمن الروايات الّتي يستفاد منها تمامية الصّلاة لو وقع الحدث بعد التشهّد نقول: بأنّه بعد كون المعهود من التسليم عندهم هو «السلام عليكم» فيكون سؤال السائلين عن وقوع الحدث قبل هذا السّلام و بعد التشهد، و بعد كون المتعارف إتيان «السلام علينا» في التشهّد بعد الشهادتين، فيقال بأنّه من الممكن كون منشأ قول المعصوم عليه السّلام (تمت الصّلاة) لو وقع الحدث بعد التشهّد هو أنّ مورد السؤال يكون موردا أتى المصلّى بالسلام علينا، و حيث إنّه من السّلام المخرج فقال (تمت الصّلاة)

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 137

و لا يجب إتيان «السلام عليكم» مع فرض إتيان «السلام علينا». «1»

[في ذكر كلام المحقّق الحائري ره توجيهين لرفع التنافي]
اشارة

ثمّ إنّ بعض أعلام معاصرينا (المراد استادنا «2» الحائرى رحمه اللّه) تصدى لتوجهين حتّى يرفع التنافي بين كون الحدث مبطلا للصّلاة، و بين ما يدلّ على عدم كونه مبطلا لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم.

أمّا التوجيه الأوّل: فقال ما هذا حاصله: بأنّا نفرض كون المأمور به متعددا:

أحدهما الصّلاة المركبة من الاجزاء و الشرائط من التكبير إلى التشهّد.

الثاني مركب آخر صار المأمور به، و هذا المأمور به مركب من الصّلاة و غير الصّلاة و هو التسليم، فالصّلاة في هذا المركب من الأجزاء، فالتسليم ليس واجبا مستقلا، بل واجبا غيريا أى

ضمنيا، لأنّه من الأجزاء المركب الّذي تكون جزء منه، فجعل الشارع في المركب الأوّل المأمور به أعنى: الصّلاة، بعض الامور من قواطعه و مبطلاته، كما جعل له أجزاء و شرائط، و هذه القواطع الكلام و الحدث و غيرهما، و جعل بعض الامور قاطعا و مفسدا للمركب الثاني مما جعل مفسدا للمركب الأوّل كالركوع الزائد و زيادة الركعة و غيرهما، و جعل بعض الامور المفسد للمركب الأوّل مفسدا للمركب الثاني لا مطلقا بل في حال خاص.

______________________________

(1)- أقول: بعد فرض عدم استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب، و جوابه بأنّه (تمت صلاته) فاطلاقه يشمل ما إذا قال «السلام علينا» و ما إذا لم يقل «السلام علينا» نعم لو سلّم كون المتعارف هو أنّهم كانوا آتين «بالسلام علينا» في تشهدهم، فيمكن أن يقال: بأنّه عليه السّلام حيث كان عالما بما تعارف عندهم، فرأى عدم احتياج التقييد، و لكن تعارف الاتيان «بالسلام علينا» في آخر التشهّد الثاني عند الشيعة في زمن صدور الرواية، غير معلوم. (المقرّر).

(2)- كتاب الصلاة للمحقق الحائرى، ص 278- 279.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 138

فنقول بأنّه بعد الدليل على عدم إفساد الحدث لو وقع قبل السّلام و بعد التشهد، بأنّه جعل الحدث مفسدا للمركب الأوّل و هو الصّلاة، و لم يجعل ذلك مفسدا للمركب الثاني الّذي عبارة عن الصّلاة و غير الصّلاة و هو التسليم، فكما أنّ الكلام لو صدر عمدا مبطل للصّلاة و هو المركب الأوّل، فلا مانع من أن يكون الحدث مانعا و مبطلا للمركب الثاني لو وقع عمدا، فلو وقع بعد التشهّد عمدا يبطل به المركب الثاني، و أمّا لو وقع اضطرارا فلا، فتكون نتيجة هذا التوجيه عدم كون السّلام جزء للمركب

الأوّل أعنى: الصّلاة، و لكن ليس واجبا مستقلا، بل هو جزء لمركب آخر يأتلف من الصّلاة و من التسليم.

[في ذكر اشكال المحقّق الحائري ره على نفسه و الجواب عنه]

ثمّ استشكل على نفسه و أنّه إن قلت: إنّ هذا البيان مناف مع بعض الروايات الدالّة على أنّ التسليم يكون آخر الصّلاة، و آخر الشي ء جزء من هذا الشي ء، فكيف تقول بكون السّلام أمرا خارجا من الصّلاة، و جزء لمركب آخر.

ثمّ قال: نقول: بأنّه و إن كان الظاهر في حدّ ذاته من آخر الشي ء ما قلت، و لكن بعد شيوع استعمال آخر الشي ء على ما ليس جزء لهذا الشي ء، فلا مانع من رفع اليد عن هذا الظاهر جمعا بين هذه الرواية و غيرها، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه.

[في ردّ كلام المحقّق الحائري ره في التوجيه في الروايات]
اشارة

و لكن نحن نقول: بأنّ ما قاله رحمه اللّه إن كان نظره إلى أنّ الصّلاة ليست بمأمور به بالأمر النفسى أصلا، و ليس هنا إلّا مركب و مأمور به واحد، و هو ما يتألف من الصّلاة و من التسليم، فمن الواضح فساده، بل الضرورة تقضى على خلافه، لأنّ نفس الصّلاة ممّا أمر اللّه تعالى به، و تكون بنفسها مأمورا بها.

و إن كان نظره، كما هو ظاهر كلامه، إلى أنّ الصّلاة تكون مأمورا بها، و لكن هنا مأمور به آخر مؤلف من الصّلاة و من غيرها و هو التسليم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 139

فنقول: فيه:

أمّا أوّلا: بأن الالتزام بكون المأمور به متعددا في المقام ممّا لا دليل عليه، و ما الدليل على وجود أمر متعلق بالصّلاة، و أمر آخر متعلق بمركب مؤلف من الصّلاة و التسليم.

و ثانيا: أنّه لو فرض وجود الأمرين المتعلقين بالمركبين أحدهما الصّلاة، و الآخر الصّلاة و التسليم، فلو اخذ أشياء دخيلا في أحد المركبين أو مبطلا لأحدهما، فلا يصير دخيلا أو مبطلا للآخر.

فعلى هذا نقول: بأنّه ما يكون مبطلا، كما يظهر من الادلة،

يكون مبطلا إذا وقع في أثناء أحد المركبين فقط. و هو الصّلاة، فإنّ الادلة تشهد على ذلك، فالكلام مبطل إذا وقع في أثناء الصّلاة، و كذا زيادة الركوع و غيرهما، فبناء على هذا بعد تمامية الصّلاة، و هو أحد الأمرين المتعلقين لا أمر بفرض هذا القائل بالتشهد، لأنّه على فرضه يكون السّلام خارجا عن المأمور به الأول، أعنى: الصّلاة، بل هو جزء المأمور به الآخر المركب منه و من الصّلاة، فلو وقع أحد المنافيات لا وجه لإبطال الصّلاة به، لتماميتها على الفرض، بل لا وجه لفساد المأمور به الآخر أيضا لو وقع أحد المبطلات، لأنّ المبطلات مبطلات للصّلاة لو وقعت في أثنائها تبطلها، لا في أثناء مأمور به آخر لعدم دليل على مبطليتها له.

و ثالثا لو كان الأمر كما قال من أن بعض المبطلات نلتزم بعدم كونه مبطلا لو وقع بعد التشهد، كما يظهر من ذيل كلامه حيث قال: من أنّ أخبار الباب منحصرة في طوائف أربع:

[في ذكر طوائف أربعة من الاخبار]

الأولى: ما يدلّ على كون تحليل الصّلاة التسليم.

الثانية: ما يدلّ على وجوب التسليم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 140

الثالثة: ما يدلّ على أن المصلّي إذا فرغ من التشهّد فقد تمت صلاته.

الرابعة: ما يدلّ على أنّ الحدث الواقع بعد التشهّد قبل السّلام ليس مبطلا للصّلاة، و بما قلنا يحصل الايتلاف بين هذه الطوائف.

و أنت إذا تأملت في هذه الطوائف ترى أنّ مرجعها إلى طائفتين:

الطائفة الاولى: ما يدلّ على كون السّلام محللا للصّلاة و واجبا، و وجوبه أيضا يستفاد ممّا يدلّ على كونه تحليل الصّلاة.

و الطائفة الثانية: ما يدلّ على كون تمامية الصّلاة بالتشهد و عدم مضرية وقوع المنافي بعده للصّلاة.

فنقول: إنّه بعد ضم هذا الكلام منه رحمه اللّه في هذا

المقام و توجيهه هنا إلى ما قال في كتابه- في الصفحة سابقة قبل الصفحة المذكورة فيها هذا التوجيه- بأنّه اعتبر كون التسليم محللا في قبال المنافيات، أعنى: محلليته تكون باعتبار تحليل ما كان مبطلا للصّلاة قبل إتيان التسليم، فقبل التسليم تكون المنافيات محرمة بالحرمة الوضعية، و بالسلام تحل بالحلية الوضعية، و بعبارة اخرى جعل السّلام على هذا محللا و موجبا لعدم فساد الصّلاة باتيان ما لو وقع قبل السّلام صار مفسدا لها.

فنقول: بعد كون هذا معنى المحللية، فما قال من التوجيه لو تم يفيد لنا إن كان المحذور في المسألة هو وجود ما يدلّ على إتمام الصّلاة بالتشهد، و ما يدلّ على عدم إفساد الحدث قبل السّلام للصّلاة فيقال: بأنّ السّلام واجب بالوجوب الضمني للمركب المؤلّف منه و من الصّلاة، و الحدث مبطل للصّلاة المأمور به بالامر الآخر لا لهذا المركب.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 141

و لكن ما يصنع هذا القائل مع ما دلّ على كون تحليل الصّلاة التسليم، و ما التزم به من أن معنى كون التسليم محللا هو فساد الصّلاة بوقوع المنافيات قبله، فكيف تجمع بين انحصار المحلل بالتسليم يعنى: انحصار ما بسببه لا تفسد المنافيات للصّلاة بعد حدوث هذا الشي ء بخصوص التسليم، و التزام جواز بعض المنافيات و عدم مفسديته لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم، فكيف تلتئم بين الطائفتين من الروايات، فقد عرفت ممّا بينّا عدم تمامية توجيهه الأوّل من توجيهين المذكورين في كلامه رحمه اللّه.

[في ذكر الاحتمالات فى الباب]

و لكن يمكن أن يقال: بأنّه قد عرفت سابقا في الأمر الثالث من الامور تعرضنا في مبحث التسليم بأنّه يحتمل في قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم (تحليلها التسليم) احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

كون التسليم تحليلا باعتبار محللية بالحلية التكليفية لما كان محرّما بالحرمة التكليفية في الصّلاة.

الاحتمال الثاني: كونه محللا بالحلية الوضعية لما كان محرّما بالحرمة الوضعية في الصّلاة، فباتيانه لا تبطل الصّلاة بما تبطل لو وقع فيها، و هذا الاحتمال هو ما يظهر كونه مختار بعض الاعاظم المتقدم ذكره.

الاحتمال الثالث: أن يكون جعل السّلام محللا باعتبار نفس الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة بعد كونه توجها خاصا و عبادة مخصوصة، و بحسب وضعها و اعتبارها خشوعا نحو جنابه، اعتبرت فيه أجزاء و شرائط، و لها موانع، و حيث يكون المصلّي مشتغلا بها و متوجها نحو جنابه بهذه العبادة، لا بدّ من رعاية جميع ما يعتبر فيها وجودا أو عدما، فالصّلاة توجه خاص إليه تعالى و يمكن فرض جعل مخرج لها من غير سنخها حتّى يحلل به ما يكون محرّما على المصلّي قبل ذلك، و كان منافيا مع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 142

هذا التوجه.

فالسّلام للصّلاة جعل كالحلق و التقصير للاحرام، فكما أنّهما أمران خارجان عن الاحرام، و لكن لا يحلل على المحرم ما كان حراما عليه حال الاحرام إلّا بهما، كذلك بالسلام يحلل ما لم يكن حلالا للمصلّي قبل السلام، مع كون السّلام من غير سنخ أجزاء الصّلاة، فلا تنافي بين كون السّلام واجبا، و محللا و بين كون آخر الصّلاة التشهد، و عدم البطلان بالحدث الواقع اضطرارا بين التشهّد و التسليم، لأنّ الحدث المبطل هو الحدث الواقع في الصّلاة، و هو على الفرض فرغ من الصّلاة. «1»

التوجيه الثاني:
اشارة

من توجهين المذكورين في كلام بعض الأعاظم قدس سرّهم «2» المتقدّم ذكره، هو ما يرجع حاصله إلى أنّ معنى كون الشي ء قاطعا للصّلاة، هو أنّ به تقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة بين

الأجزاء، و به يرتفع الربط الحاصل بين أجزاء الصّلاة، فبعد كون وجود القاطع سببا لقطع هذا الربط و الهيئة الاتصالية، فيمكن للشارع أن يغتفر عن هذا الربط و الاتصال، و يرفع اليد عنه و يقبل الأجزاء المتخلل بين بعضها مع بعض أحد المبطلات بدون واجديتها للهيئة الاتصالية، كما ترى من أنّه تقبّل بعض الأجزاء الّذي لم يقع على النحو المعتبر من ربط اللاحق بالسابق، و رضى بما وقع مع

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظله العالى يكون السّلام على ما أفاده محللا، و معنى محلليته هو عدم جواز ما ينافي هذا التوجّه الخاص أعنى: الصّلاة، قبل هذا المحلل، و فساد الصّلاة لو وقع قبل السّلام أحد المنافيات، فكيف يجمع بين هذا و بين عدم بطلان الصّلاة بالحدث الواقع بين التشهّد و السلام، و بما أفاده مد ظله العالي في المراد من كون السلام تحليلا للصّلاة لا يندفع الاشكال الواقع بين كون السّلام واجبا و محلّلا للصّلاة، و بين تمامية الصّلاة بالتشهد، و عدم إفساد الحدث للصّلاة لو وقع قبل السلام. (المقرر)

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 279.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 143

قضاء ما بقى، كما في التشهّد و السجود المنسيّين، فما أتى به محكوما بالصحة، و إن كان ناقصا باعتبار ما أمر به أوّلا.

فيقال في المقام بأنّ الحدث الواقع بين التشهّد و السلام يقطع الربط اللازم بين السلام اللاحق و التشهد السابق، فمعنى عدم إبطال الحدث هو تمامية الصّلاة الواقع بدون هذا الربط اللازم.

[في ردّ التوجيه الثاني]

و فيه أنّ ما يظهر من كلامه رحمه اللّه أنّه يستفاد من الدليل الدالّ على عدم بطلان الصّلاة بالحدث اغتفار الربط اللازم بين السّلام و التشهد، فما رفع اليد عنه

الشارع على ما قاله رحمه اللّه، هو الربط بين الجزء السابق و اللاحق، و الاكتفاء باتيان الاجزاء بدون هذا الربط و الاتصال، كما مثّل بالتشهد و السجود المنسيين، و لا دليل لنا في ما نحن فيه على ذلك، لأنّه لازم اغتفار الربط اللازم بين جزء السابق و اللاحق في المقام، هو اغتفار ربط السلام، و هو الجزء اللاحق، بالأجزاء السابقة يعنى: بأىّ نحو يوجد السّلام يكفي في امتثاله، و إن لم تكن الهيئة الاتصالية بينه و بين الأجزاء السابقة محفوظة بالحدث الحادث بينه و بين التشهّد.

و هذا يقتضي إيجاد السّلام بعد الحدث بأن يتوضأ مجددا و سلّم، لأنّ لازم ما قاله اغتفار الربط، و قبول السّلام على أيّ نحو اتفق، و لو بدون الربط بسابقه من الأجزاء، و الحال أنّه لا دليل يدلّ على وجوب الوضوء و إتيان السّلام بعد الحدث، الحادث و لا يفتي به من كان بصدد التوجيه، و لا يفتى به أحد من الفقهاء قدس سرّهم، بل لو تمّ ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بالحدث المتخلل بين التشهّد و التسليم، فهو يقتضي تماميّة الصّلاة و إن وقعت بلا تسليم. «1»

______________________________

(1)- أقول: ظاهر كلام بعض الاعاظم في التوجيه الثاني ما أفاده مدّ ظلّه العالي، و لكن يمكن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 144

[في استدلّ السيد المرتضى رحمه اللّه فى الناصريات]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات «1» استدل على وجوب السّلام بما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم (مفتاح الصّلاة الطهور و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم).

و هذه الرواية و إن تكن في طريق العامة- و قلنا في محلّه: بأنّ الحجة عندنا هو الكتاب، و قول المعصومين عليهم السّلام من النبي

صلى اللّه عليه و آله و سلم و غيره من المعصومين عليهم صلوات اللّه الملك المنّان إذا كان الطريق إليهم متواترا، أو على نحو يشمله دليل

______________________________

أن يقال في مقام التوجيه: بأنّ بعد ما نرى بعض ما يدلّ على وجوب السّلام و كونه محلّلا، و نرى بعض ما يدلّ على عدم فساد الصّلاة بالحدث الواقع بين التشهّد و التسليم. و يقال في مقام الثبوت: بأنّ الشارع يمكن أن يرفع اليد عن التسليم في خصوص هذا المورد، و يقبل الصّلاة بلا تسليم مكان الصّلاة مع التسليم، و في مقام الاثبات يقال: بتخصيص ما دلّ على كون الحدث مبطلا بهذا الحديث الدالّ على عدم بطلانه لو وقع بعد التشهّد و قبل التسليم.

أو أن يقال في مقام الثبوت: بأنّه نظرا إلى بعض المصالح جعل الشارع للصّلاة فردين: فردا بلا تسليم، و هو ما إذا وقع الحدث اضطرارا بعد التشهد، و فردا مع التسليم، و هو ما إذا لم يقع الحدث بعد التشهّد اضطرارا، فكما أنّ لطبيعة الصّلاة أفرادا من القصر و الاتمام، و الصحيح و المريض، كذلك لها فردان بهذا الاعتبار فعلى هذا ليس كل فرد ناقصا عن فرد آخر لواجديته لما هو المعتبر في طبيعة الصّلاة، بل كلاهما مساويان في الفردية للطبيعة، فالصّلاة بلا تسليم ليست ناقصة عن الصّلاة مع التسليم.

فليس على هذا الاحتمال الالتزام بأنّ الشارع يقبل الناقص مقام الكامل، كما هو الأمر في الاحتمال الأوّل الّذي قلنا، بل كلاهما تامان، و لذا قال عليه السّلام على ما في الرواية (تمت صلاته).

و ففي مقام الثبوت لا يبعد كون الأمر على النحو الّذي قلنا في الاحتمال الثاني، و في مقام الاثبات يقال: بأنّ ما دلّ على عدم

بطلان الصّلاة بالحدث الواقع بعد التشهد، بكونه تخصيصا أو تقييدا لما دلّ على مبطلية الحدث، فتأمل جيدا. (المقرر).

(1)- المسائل الناصريات، ص 209.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 145

حجية خبر الواحد، و لهذا لا نعتني بما في طرق العامة، لعدم الوثوق بالناقلين، و لم يكن كلّ ما هو حجة عندهم حجة عندنا، لأنّهم تركوا التمسك بالعترة و خالفوا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في الأمر بالتمسك بالثقلين كتاب اللّه و عترته، و عملوا بالأقيسة و كلّ ما نقل من الصحابة و التابعين بأيّ نحو كان- و لكن هذه الرواية نقلت بطرق متعددة و لا يبعد أن يصير بسبب تعدد الطرق ممّا يوجب الاطمينان بصدورها، إلى أن ينتهي سندها بمحمد عن عبد اللّه بن عقيل عن محمد بن حنيفية عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، مضافا إلى ورود رواية قريبة من حيث المضمون مع هذه الرواية في طرقنا عن الصادق عليه السّلام. «1»

تدلّ هذه الرواية على أنّ تحليل الصّلاة التسليم، فظهور الرواية في كون تحليل الصّلاة منحصرا بالتسليم ممّا لا إشكال فيه، و لا حاجة إلى ما قال السيّد رحمه اللّه أو بعض من تأخر عنه في توجيه الرواية في انحصار المحلّل بالتسليم إمّا بأنّ مفرد المضاف يفيد العموم، أو بأنّ يقال: بأنّ (التسليم) يكون المبتدأ المؤخر و (تحليلها) الخبر المقدم من باب كون مقتضى القاعدة كون الوصف خبرا و التحليل وصف، فقدم على الخبر فيفيد الحصر، أو بأنّ (التحليل) و إن كان مبتداء و (التسليم) خبرا، لكن انّ كان أعمّ من التسليم و من غيره، يعنى: يكون التحليل غير منحصر بالتسليم، يلزم كون

المبتدأ أعمّ من الخبر و هذا لا يجوز.

لأنّه كما قلنا ظهور الرواية في كون تحليل الصّلاة منحصرا بالتسليم ممّا لا إشكال فيه.

[الاشكال بالرواية المربوطة في الباب من حيث السند]

إن قلت: بأنّ سند الرواية المنقولة في كتب العامة موهون، و ما روي

______________________________

(1)- الرواية 1 و 8 من الباب 1 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 146

عن الصادق عليه السّلام فقال فيها (افتتاح الصّلاة الوضوء) «1» و هذا يوهن دلالة الفقرة الثالثة من الرواية و هي قوله (تحليلها التسليم) على انحصار التحليل في التسليم، لأنّه بعد عدم كون افتتاح الصّلاة منحصرا بالوضوء، بل الغسل و التيمم أيضا مفتاحان للصّلاة، فكما أنّ افتتاح الصّلاة الوضوء لا يفيد الحصر كذلك تحريمها التكبير و تحليلها التسليم لا يفيدان الحصر بقرينة السياق، بل تكون الرواية في مقام بيان كون الوضوء و التكبير و التسليم افتتاح و تحريم و تحليل للصّلاة في الجملة، و أمّا حصرها بها فلا.

قلت: يمكن أن يقال في الجواب عن هذا الاشكال.

أمّا أوّلا فبأن ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّ (مفتاح الصّلاة الطهور و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم) حجة لما قلنا، و لا يرد الاشكال المتقدم بهذه الرواية، لأنّ فيها قال (مفتاح الصّلاة الطهور) و لم يقل مفتاح الصّلاة الوضوء.

و أمّا ثانيا فلأنّه بعد كون أقسام الطهارة من الغسل و الوضوء و التيمم تحت جامع واحد، و هو الطهور، فما يتوقف عليه الصّلاة هو الطهارة، و لا يمكن الدخول فيها إلّا معها، و التعبير بمفتاح الصّلاة لعلّه يكون من باب هذا، أعنى: من باب توقف الصّلاة بها، فكأنّه هي مفتاحها، فجعل المفتاح الوضوء في طرقنا يكون من باب كونه طهورا، لا لخصوصية في

نفس الوضوء، فمفتاح الصّلاة منحصر بالطهور، و جعل الوضوء مفتاحا لها يكون من باب كون الوضوء أحد مصاديق الطهور.

و ثالثا يقال: بأنّه لو فرض عدم كون الوضوء مفتاح الصّلاة من باب كونه فردا من أفراد الطهور، بل كان لخصوصية في نفسه، فنقول: بأنّ مقتضى هذه الرواية

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب التسليم و الرواية 8 من الباب المذكور من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 147

و ظهورها هو كون مفتاح الصّلاة أيضا منحصرا بالوضوء، كما أنّ تحريمها منحصر بالتكبير و تحليلها منحصر بالتسليم و إن نقل بكون الغسل أو التيمم أيضا مفتاح لها، فيكون هذا باعتبار الأدلة الخارجية الدالّة على ذلك، ففي خصوص الفقرة الاولى نقول بعدم الحصر من باب دليل خارجى، و ليس هذا الدليل الخارجى في الفقرتين الاخيرتين من الرواية، فظهور هما في الانحصار باق بحله، فقد عرفت ممّا مرّ كون الروايتين دالتين على انحصار تحليل الصّلاة بالتسليم، فافهم.

[في كلام السيّد المرتضى رحمه اللّه في الناصريات]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 147

و يظهر من كلام السيّد رحمه اللّه في الناصريات في جواب عما قيل وجها لعدم وجوب السلام، و هذا كلامه في مقام بيان استدلال المخالف أى: القائل بعدم وجوب التسليم (و أمّا ما تعلق به المخالف ما رواه عبد اللّه بن مسعود أنّه علمه التشهد، ثمّ قال: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، و بخبر أبي هريرة أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قد علّم الاعرابي و لم يذكر التسليم.

و الجواب عن خبر ابن مسعود أنّه روي في بعض الأخبار أنّ عبد اللّه بن مسعود

هو القائل «إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك» و ليس من كلامه عليه السّلام، على أنّ ظاهر الخبر متروك بالاجماع لأنّه يقتضي بأن صلاته تتمّ إذا أتى بالشهادة و بالاجماع أنّه قد بقى عليه شي ء و هو الخروج، لأنّ الخروج عندهم يقع بكل مناف الصّلاة فبطل التعلق بالظاهر) «1» أنّه يجب الخروج بالاجماع، فيظهر منه أنّه من جملة الأدلة على وجوب السّلام هو وجوب الخروج من الصّلاة.

[في ذكر مقدمة لبيان النتيجة]

إذا عرفت ذلك كله نذكر مقدمة، ثمّ ما يكون نتيجتها فنقول بعونه تعالى: بأنّه تارة يقال في الصّلاة بأنّ ما صار واجبا و متعلقا للأمر هو نفس هذه الأجزاء

______________________________

(1)- المسائل الناصريات، ص 213.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 148

و الشرائط بدون اعتبار وحدة بينها، بمعنى أنّ التكبير واجب، و القراءة واجب، و هكذا الركوع و غيره بدون ربط كل واحد منها بالآخر، فإذا شرع المصلّي في الصّلاة فحيث إنّ الأجزاء الموجودة وجودات متعددة، فكل جزء بعد وجوده ينعدم، و الجزء الآخر يوجد أيضا و ينعدم، فلا يكون للصّلاة وجود إبقائيا و لا تعدّ الآنات المتخللة بين الأجزاء في غير حال اشتغاله باتيان جزء من أجزائها مثل السكوت المتخلل بين جزءين، من الصّلاة لأنّ الصّلاة ليست إلا نفس الأجزاء و لا ربط بينها، نعم بعد تمامية هذه الأجزاء بنحو المعتبر يقال: إنّه صلّى، أعنى: فينتزع من هذه الأفعال الصّلاة، فليست الصّلاة على هذا وجودا واحدا مستمرا و إن كان المصلّي مشتغلا بها لعدم تعلق الوجوب إلّا بنفس الأجزاء المتألف منها المركب، بل الصّلاة على هذا لها وجودات متعددة يوجد كل جزء و ينعدم، و يوجد بعده جزء آخر.

و تارة يقال: بأنّ هذه الأجزاء و إن كانت متعلقة الأمر، و

لكن الصّلاة تكون من الامور الاعتبارية الّتي جعلها الشارع، و لوحظ حين اعتبارها لها أجزاء و شرائط باعتبار دخل هذه الأجزاء و الشرائط في الغرض الّذي لأجله صار المولى في مقام الأمر بها، أى: بالصّلاة، و حيث إنّ هذه الأجزاء متشتتات متفرقات، فباعتبار دخل هذه المتفرقات في حصول مطلوب المولى، و هذا الخضوع الخاص الذي هو معراج المؤمن، اعتبر المعتبر حيث وحدة بينها، و لهذا و لو يرى بأنّ بحسب كل جزء جزء من أجزائها أشياء متفرقة، و لكن بحسب هذه الوحدة يرى شيئا واحدا اعتباريا، و بناء على هذا إذا شرع المصلّي في الصّلاة، فيقال باعتبار هذه الوحدة: إنّه في الصّلاة ما دام هو مشتغلا بها، فما لم يخرج منها بمخرج فهو في الصّلاة، و هذا بخلاف الصورة الاولى، و هو أن يكون نفس هذه الأجزاء و الشرائط

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 149

المتفرقات موردا للأمر لأنّه على الاولى بمجرد إتيان كل جزء تعدم هذا الجزء و يوجد جزء آخر، فالسكوتات المتخللة لا يعدّ جزء من الصّلاة إلّا مسامحة، بخلاف الصورة الثانية فإنّ بناء عليها حيث اعتبرت وحدة بين هذه الأجزاء إذا شرع في الصّلاة فهو فيها و إن انعدم جزء و لم يوجد بعد جزء آخر، فما يتخلل بين الأجزاء من الأفعال الخارجة عن الصّلاة من السكوت و غيره يعد من الصّلاة، كما أنّ الأمر هكذا في كل مركب من المركبات الاعتبارية الّتي اعتبرت وحدة بين أجزائها.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ المصلّي ما دام يكون في الصّلاة و لم يخرج فيه بمخرج فهو في الصّلاة، فكما أنّه إذا سكت بين الأجزاء المعتبرة في الصّلاة لا يقال: إنّه خرج من الصّلاة، كذلك لا يعد

المصلّي خارجا من الصّلاة إلّا إذا دخل في أمر خارج عن الصّلاة مناف معها، مثل أن يتكلم بكلام غير جائز في الصّلاة، أو يأتي بغيره من المنافيات.

و بهذا البيان يمكن أن يقال: بعدم كون اعتبار الصّلاة بنحو الأوّل، فالصّلاة وجود مستمر من أوّل التكبير إلى الآخر سواء كان المصلّي مشتغلا بجزء من أجزائها، أو واقعا بين جزءين منها غير مشتغل باتيان واحد منها كالسكوت المتخلل، فإنّه من الصّلاة، و يقال في كل هذه الحالات: إنّه في الصّلاة، و هكذا بعد الفراغ من جزء الآخر من أجزاء الصّلاة قبل إيجاد فعل خارجى إنّه في الصّلاة فإذا أتى بما هو خارج عنها يقال: إنّه خرج من الصّلاة و ما هو بمصلّ و بأنّه بعد ما أتى المصلّي بالتشهد فهو و إن أتى بتمام أجزاء الصّلاة، و لكن ما لم يأت بالسلام الّذي جعله الشارع مخرجا يقال: بأنّه في الصّلاة، فلا بدّ من صدق الخروج من الصّلاة من إتيان شي ء خارج من الصّلاة، فيمكن أن يكون جعل السّلام مخرجا لها بمعنى: أنّه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 150

فيها ما لم يأت بالسلام، فالسلام يكون سنخه من غير سنخ أجزائها، لأنّ أجزاء الصّلاة ذكر و قرآن و دعاء، و السلام من كلام الآدمي لا يكون ذكرا و لا قرآنا و لا دعاء، فاعتبره الشارع في آخر الصّلاة حتّى به يخرج عنها، و قبلها لا يجوز إتيان المنافيات لكونه من الصّلاة قبل إتيان السّلام بالاعتبار الّذي قلنا، كما يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في الباب على أنّ السّلام جعل مخرجا لأنّه كلام آدمى و أوّل ما يبتدأ به الآدمى السلام، فجعل السّلام مخرجا عنها بمعنى: أنّ الشخص حين الصّلاة

متوجها باللّه تعالى بالقرآن و الذكر و الدعاء، فبعد الفراغ عنها جعل مخرجا، فيتوجه المصلّي بعد صلاته إلى أحد مثل نفسه من بني آدم و يسلّم عليه.

فبهذا الاعتبار يمكن أن يقال: باحتياج الصّلاة إلى المخرج كى يعدّ خارجا من الصّلاة، و جعل الشارع هذا المخرج السلام، فيمكن أن يقال: بأنّ للسلام اعتبارين، فباعتبار داخل في الصّلاة لأنّ قبله لا يجوز الاتيان بما لا يجوز إتيانه في الصّلاة، و باعتبار خارج عنها لأنّ سنخه غير سنخ الصّلاة لأنّه كلام آدمي، و لا يكون قرآنا و ذكرا و دعاء.

إذا عرفت ما قلنا من إمكان كون وضع السّلام بهذا النحو ثبوتا، فيمكن أن يقال في مقام الاثبات بأنّ المستفاد من ظواهر أكثر الادلة كون السّلام جزء للصّلاة و من جملة واجباتها، و لكن المستفاد من بعضها المتقدم ذكره كون الصّلاة تماما بعد إتيان التشهد، و من بعضها كون الحدث الواقع بين التشهّد و السلام غير مبطل لها، و هذا بظاهره ينافي جزئيته للصّلاة، فنقول: أمّا ما يدلّ على كون الصّلاة تماما بالتشهد، فيمكن توجيهه بما قلنا من أنّه بعد كون اعتبار السّلام في الصّلاة على غير اعتبار سائر الأجزاء فحيث إنّ وضع دخله في الصّلاة ليس كسائر الأجزاء، فيصح

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 151

بهذا الاعتبار أن يقال قبل إتيانه (تمّت الصّلاة) لأنّ ما هو سنخ الصّلاة من القرآن و الذكر و الدعاء قد تم و إن كان بقى منها ما هو غير سنخها و هو مخرجها أعنى:

السلام، فبهذا النحو يمكن توجيه ما دلّ من الأخبار على تمامية الصّلاة قبل بنحو لا ينافي مع ما دلّ من الأخبار على كونه من واجباتها.

[ما دلّ على عدم كون الحدث بين التشهد و السلام مبطلا مورد الاعراض]

و أمّا ما يدلّ على عدم

كون الحدث الواقع بينه و بين التشهّد مبطلا للصّلاة، فنقول بعونه تعالى: تارة يقال: بأنّ هذه الطائفة من الأخبار لم تكن معمولا بها عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، فتكون هذه الطائفة معرضا عنها عند الاصحاب، فليست الروايات حجة حتّى نتصدى لجمعها مع ما يدلّ على جزئية السّلام من الأخبار.

و تارة لا يقال كذلك، فلا بدّ أن يقال: بأنّه بعد دلالة بعض الروايات على كونه جزء من الصّلاة و دلالة أدلّة مبطلية الحدث بإطلاقها على بطلان الحدث في أيّ موضع وقع من الصّلاة، و بعد دلالة هذه الطائفة على عدم مبطلية الحدث في خصوص ما إذا وقع بين التشهّد و السلام، فمقتضى القاعدة هو تقييد الدليل الدالّ على مبطلية الحدث في الصّلاة بهذا الدليل، فتكون النتيجة عدم مبطلية الحدث في ما إذا وقع بين التشهّد و التسليم.

[في ذكر امور]
اشارة

و ينبغي التنبيه على امور:

الامر الأوّل: لو نسي السلام
اشارة

، و تذكر بعد وقوع أحد المنافيات، فهل تبطل الصّلاة لأجل نسيان السلام، أو لا تبطل و لا تجب إعادتها وجهان:

وجه صحة الصّلاة و عدم بطلانها بنسيان السّلام هو حديث المعروف بحديث (لا تعاد) لأنّ السّلام ليس من جملة المستثنى، بل داخل في المستثنى منه.

وجه فساد الصّلاة هو وقوع الحدث أو غيره من المنافيات في أثناء الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 152

[في ذكر وجه الصحّة و كلام بعض الاعاظم في المورد]

اعلم أنّه يظهر من بعض الأعاظم أنّه قال: بعدم شمول حديث (لا تعاد) للمورد إلّا على وجه دائر، لانّ شمول (لا تعاد) لما نحن فيه يتوقف على كون التذكر بعد الصّلاة لعدم شمول الحديث للاثناء، و كونه بعد الصّلاة يتوقف على عدم كون الحدث واقعا في أثناء الصّلاة، و عدم كون الحدث الواقع في أثناء الصّلاة يتوقف على عدم جزئية السّلام في هذا الحال أى: حال نسيانه، و عدم كونه جزء في هذا الحال يتوقف على شمول (لا تعاد) للمورد، و هذا دور لتوقف شمول (لا تعاد) على عدم وقوع الحدث في الأثناء المتوقف على عدم جزئية السلام، و الحال أنّ عدم جزئية السّلام في هذا الحال موقوف على شمول (لا تعاد) للمورد.

و يمكن أن يقال: بأنّ العكس مستلزم للدور أعنى: عدم شمول (لا تعاد) من باب وقوع الحدث في أثناء الصّلاة مستلزم للدور أيضا، لأنّ وقوع الحدث في الأثناء متوقف على كون السّلام جزء في هذا الحال، و كونه جزء في هذا الحال موقوف على عدم شمول (لا تعاد) للمورد و الحال أنّ عدم شمول (لا تعاد) للمورد موقوف على كون الحدث واقعا في الأثناء الموقوف على كون السّلام جزء في هذا الحال الموقوف على عدم رفع جزئية السّلام بحديث (لا تعاد)

فيتوقف عدم شموله، على عدم شموله و هذا دور يلزم منه توقف الشي ء على نفسه.

[في ذكر التفصيل بين الصورة الاول و الثاني]

و ما يأتي بالنظر كما قلنا سابقا في حاشيتنا على العروة هو التفصيل، ففي صورة يشمل حديث (لا تعاد) لو نسي السلام، و في صورة لا يشمله.

أمّا الصورة الاولى فهي أن ينسى السلام، ثمّ استدام نسيانه حتّى الاخلال بالموالاة المعتبرة عرفا بين الأجزاء بحيث إذا تذكر ترك السّلام لا يمكن له إلحاق السّلام بسائر الأجزاء من الصّلاة من جهة حصول الفصل المخلّ بالموالاة المعتبرة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 153

بين الأجزاء.

و أمّا الصورة الثانية فهي أن ينسى السّلام و يتذكر نسيانه في حال يمكن إلحاقه بالجزء السابق من أجزاء الصّلاة من باب إمكان حفظ الموالات، و لكن منشأ عدم إمكان إلحاقه هو وقوع الحدث حال نسيانه، أو طرو أحد من المنافيات غير الحدث.

ففي الصورة الاولى نقول: بصحة الصّلاة لشمول حديث (لا تعاد) و في الصورة الثانية نقول: بأنّه لا بد من إعادة الصّلاة لعدم شمول حديث (لا تعاد) له.

وجه التفصيل هو أنّ الظاهر من حديث (لا تعاد)- بعد ما قلنا في محلّه بكونه متعرضا لخصوص السهو، لكون لسانه هو أنّ كل شي ء من أجزاء الصّلاة و شرائطها غير الخمسة المستثنى يعلم المكلف بكونه جزءا أو شرطا للصّلاة، و يكون بناء المكلف على إتيانه لو تركها لأمر غير اختياري أى: لاجل النسيان، فلا تعاد لأجل هذا الترك الغير الاختياري- هو عدم وجوب الاعادة في خصوص كل مورد يكون منشأ التام و تمام العلة للترك هو النسيان، فلا يشمل ما يكون الترك مستند إلى أمر غير النسيان، أو إلى النسيان و غير النسيان.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ في الصورة الاولى يكون ترك

السّلام مستندا إلى نفس النسيان، و هو صار تمام العلة لتركه، لأنّ نسيانه استمر إلى أن أخلّ بالموالات، فيستند الترك إلى النسيان، بخلاف الصورة الثانية لأنّ في هذه الصورة ليس الترك مستندا إلى خصوص النسيان، لأنّه تذكر في زمان يمكن له إلحاق السّلام بالأجزاء السابقة، و ما صار سببا لعدم إمكان الالحاق ليس النسيان، بل وقوع الحدث أو غيره من المنافيات، فالفرق بين الصورتين هو ما قلنا من أنّ في الاولى يكون تمام العلة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 154

لترك السّلام السهو، و في الثانية لا يكون كذلك، بل الحدث أو غيره من المنافيات صار سببا لعدم إمكان الاتيان بالتسليم،

[في ذكر كلام المحقّق الحائري ره لشمول لا تعاد للصورتين]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يظهر من بعض «1» الاعاظم (مراده مدّ ظله العالى شيخنا الحائري رحمه اللّه) على ما قال في صلاته في هذه المسألة في جواب (لا يقال) الثاني ما يستفاد منه كون المورد بإطلاقه أعنى:

في كلتا الصورتين المتقدمتين، مورد الحكم بصحة الصّلاة من باب شمول حديث (لا تعاد) و نحن نذكر كلامه في (لا يقال) و ما قال في جوابه (لأنّا نقول) حتّى يظهر ما بيّن في (لأنّا نقول) لشمول الحديث و تقريب كلامه بوجه أو في هو ان يقال لا يقال بأنّه ان تقل بأنّ حديث (لا تعاد) بعد فرض كون مورده السهو هو نفس حدوث السهو، بمعنى: أنّ (لا تعاد) يرفع جزئية الجزء أو شرطية الشرط في غير المستثنى بمجرد حدوث السهو و طروه للمنسي بحيث إنّ الشخص لو ترك جزء نسيانا مثلا، و لكن آنا مّا بعد هذا السهو قبل طروّ مانع أو دخول في الغير تذكر نسيان هذا الجزء لا يجب عليه إتيانه، و بعبارة واضحة إن تقل

بأنّ في مورد طروّ الحدث أو غيره من المنافيات بعد سهو السّلام رفع حديث (لا تعاد) جزئية التسليم قبل طروّ أحد القواطع و صار بصرف سهو السّلام جزئية السّلام مرفوعا بمقتضى حديث (لا تعاد) بحيث لو صار متذكرا بعد هذا السهو قبل طروّ القاطع لم يكن جزء.

ففيه أنّ هذا ممّا لا يمكن الالتزام به و كيف يمكن أن يقال: إنّ بمجرد حدوث السهو عن الجزء و لو تذكر نسيانه آنا مّا قبل فعل المنافي، أو الفصل الطويل، أو مضى محله بدخوله في ركن، بأنّه لا يجب إتيان هذا الجزء بمقتضى حديث (لا تعاد).

و إن تقل بأنّ في المورد بعد فرض نسيان السّلام لا يرفع جزئية التسليم بمجرد

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقق الحائري، ص 283.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 155

حدوث النسيان، بل بعد طروّ الحدث، أو غيره من المنافيات ترفع جزئيته بمقتضى حديث (لا تعاد) فما لم يحدث ليس المورد مورد شمول الحديث، و لكن بمجرد حدوث المنافي ترفع جزئية التسليم بمقتضى الحديث.

ففيه أنّه على هذا وقع الحدث في أثناء الصّلاة لأنّك على ما قلت لا ترفع الجزئية، إلّا بعد طروّ الحدث و بعد كون رفع الجزئية على ما قلت بعد طروّ الحدث، فالحدث وقع بين السّلام و ساير الأجزاء المتقدمة من الصّلاة فعلى هذا لا مجال لدعوى شمول (لا تعاد) للمورد.

فقال في جواب هذا الاشكال الّذي أورده بصورة (لا يقال) جوابا، و هو ما قاله في (لأنّا نقول) و حاصله: هو أنّا لا نقول: بكون جزئية السّلام مرفوعة بمجرد السهو قبل طروّ المنافي حتّى يرد الاشكال الأوّل، و لا أن نقول بأنّ بعد طروّ المنافي ترفع جزئية السّلام بمقتضى حديث (لا تعاد) حتّى يرد الاشكال

الثاني، بل نقول:

بأنّ سهو السّلام يتصور على أنحاء ثلاثة:

[في ذكر كلام المحقّق الحائري و تصوير سهو السلام على انحاء ثلاثة]

الأوّل أن يحدث السهو و بمجرد حدوثه ترتفع جزئية السّلام.

الثاني أنّ يعرض السهو ثمّ يحدث، و بحدوث الحدث ترتفع جزئيته لا قبله.

الثالث أنّ السهو الّذي يتعقبه أحد المنافيات يوجب ارتفاع جزئية التسليم، بمعنى: أنّ السهو المستمر في علم اللّه تعالى إلى طروّ ما يمضي بسببه محلّ التدارك يكون سببا لرفع جزئيته، فليس نفس حدوث السهو سببا لرفع جزئيته، و لا السهو بعد طروّ الحدث، بل نفس السهو لكن السهو المستمر في علم اللّه إلى طروّ الحدث سبب لرفع الجزئية، فعلى هذا لا يرد الاشكال لأنّ: الاشكال يرد على كون نفس حدوث السهو سببا، و كذا الاشكال يرد على كون السهو بعد طروّ الحدث سببا لرفع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 156

جزئية، لأنّه على هذا يكون السهو قبل طروّ الحدث سببا، لكن لا مجرد حدوثه، بل السهو المستمر في علم اللّه تعالى.

ثمّ قال رحمه اللّه: بأنّه لو قلنا: بصحة توجه التكليف على الناسي للجزء باتيان المركب الفاقد لهذا الجزء فنقول: بأنّ الناسي للسلام يكون تكليفه من أوّل الأمر الصّلاة بلا سلام، فالعالم به مأمور بالصّلاة مع السّلام و الناسي له مأمور بالصّلاة الفاقد عنه بمقتضى حديث (لا تعاد) و إن لم نقل بصحة توجيه التكليف بالفاقد على الناسي كما أفاده شيخ الأنصاري رحمه اللّه فيقال بعد دلالة حديث (لا تعاد) بعدم وجوب الاعادة على الناسي في غير المستثنى نقول: بأنّ معنى عدم وجوب الاعادة هو العفو عنه و قبول الفاقد كالواجد، غاية الأمر لو قلنا بصحة توجيه التكليف على الناسي فتكون النتيجة هو عدم جزئية السّلام من رأس فتكون صلاة ناسى الجزئية من أوّل الأمر من قبل

الشارع هي الصّلاة بلا تسليم، فوقوع الحدث بعد التشهّد قبل السلام لم يقع في أثناء الصّلاة، فبصرف جريان (لا تعاد) و رفعه جزئية السّلام تقع الصّلاة صحيحة و يقع الحدث بعد الصّلاة، فلم يبطل به الصّلاة أصلا، و أمّا لو لم نقل بصحة توجيه التكليف على الناسي و قلنا بمقالة شيخ الأنصاري رحمه اللّه و قلنا بأنّ مفاد (لا تعاد) هو العفو و قبول الناقص مقام التام، فيمكن أن يقال: بأنّ غاية ما يدلّ حديث (لا تعاد) هو العفو عن التسليم، و حيث إنّ معنى العفو هو انّه مع كون التسليم حتّى في هذا الحال جزء للصّلاة و لكن الشارع تقبّل فاقد الجزء مقام واجد الجزء ففي هذا الحال بعد كون التسليم جزء فالحدث وقع في أثناء الصّلاة أى: بين التسليم الواجب حتى في هذا الحال، و بين ساير الأجزاء بناء على عدم إمكان توجيه تكليف خاص بالناسي في هذا الحال، و لعل هذا كان منشأ احتياط الميرزا الشيرازي رحمه اللّه في حاشيته

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 157

على نجاة «1» العباد.

[في ان يكون مراد المحقّق الحائرى ره القبلية و البعدية الزمانية]

و قد عرفت ممّا قلنا في بيان مراده رحمه اللّه في هذا المقام هو أنّ الظاهر من كلامه في قوله (لا يقال جزئية السّلام إنّما ترتفع بعد وقوع الحدث إذ قبل وقوعه لو تذكر يجب عليه التسليم قطعا، و لازم ذلك وقوع الحدث في الأثناء) يكون النظر إلى القبلية و البعدية الزمانية، بمعنى أنّه إن تقل بكون السهو قبل زمان طروّ الحدث رفع جزئية التسليم، فليس كذلك لأنّ لازم ذلك هو أنّه لو تذكر في هذا الحال آنا مّا بعد السهو لم يكن الواجب عليه إتيان السلام، و إن تقل: بأن بعد زمان

حدوث الحدث ترفع جزئيته فلازمه وقوع الحدث في أثناء الصّلاة.

و جوابه عن هذا الاشكال ما بينا و إن كان من المحتمل حمل كلامه على القبلية و البعدية الطبعية بمعنى: انّه يقال في توجيه مفاد كلامه في (لا يقال) بأنّه إن تقل بأنّ السهو قبل الحدث لكون تقدم الطبعى له صار موجبا لرفع جزئية السلام، فهو غير ممكن الالتزام كما مر، و إن تقل إنّ بعد حدوث الحدث أعنى: بعدية الطبيعة ترتفع الجزئية بحديث (لا تعاد) فهذا يوجب الدور الّذي قدمنا ذكره، و قلنا بأنّ هذا يظهر من بعض الأعاظم قدس سرّهم لأنّ شمول حديث «لا تعاد» موقوف على عدم وقوع الحدث في الأثناء، و عدم وقوع الحدث في الأثناء موقوف على عدم كون السّلام جزء في هذا الحال، و عدم كونه جزء في هذا الحال موقوف على شمول لا «تعاد» له و من الفرض توقف شموله على عدم وقوع الحدث في الأثناء، و قلنا بأنّه يمكن فرض قلب الدور، و لكن الظاهر من كلامه هو ما بينا من التقدم و التأخر الزمانى.

______________________________

(1)- نجاة العباء، ص 150.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 158

و على كل حال بعد ما قال: بأنّه على القول بعدم توجيه التكليف بالناسي و كون لسان «لا تعاد» قبول الناقص منزلة الواجد، و لازمه هو العفو عن خصوص سهو السّلام لا الحدث، فالصّلاة تبطل لاجل الحدث الواقع في أثناء الصّلاة، قال:

بأنّه يمكن توجيه صحة الصّلاة بناء على هذه المبنى أيضا بأن يقال: إنّه تارة يقال في قاطعية الحدث و ساير القواطع بأنّ معنى كونه قاطعا هو أنّه يمنع الجزء اللاحق من الارتباط بالأجزاء السابقة، و بعبارة اخرى لا يمكن معه أن يتصل الجزء اللاحق

بالأجزاء السابقة، و حدوثه يصير سببا لذلك بدون تأثيره في الأجزاء السابقة، فأجزاء السابقة على هذا باقية على ما كانت من صلاحيتها لأن يتألف منها المركب لو انضم إليها الجزء اللاحق، فيكون حدوث المنافي سببا لعدم إمكان انضمام جزء اللاحق بالسابق.

و تارة يقال: بأنّ معنى قاطعية القواطع و أثر وجوده في أثناء الصّلاة هو عدم إمكان اتصال جزء اللاحق بالسابق، و تأثيره في الأجزاء السابقة في سقوطها عن الصلوحية لا يتلاف المركب منها و من الأجزاء اللاحقة فعلى هذا يؤثر القاطع في الأجزاء السابقة و اللاحقة كليهما، فيسقط بالقاطع الأجزاء السابقة على حدوثه عن القابلية و الأجزاء اللاحقة عن قابلية الانضمام، فيحتمل في كون القاطع قاطعا الاحتمالان المتقدمان.

و حيث إنّ الحق كون معنى القاطعية على ما قلنا في الاحتمال الأوّل، فنقول:

ليس طروّ الحدث إلّا سببا لعدم إمكان اتصال السّلام بالأجزاء السابقة على تقدير جزئيته، فنقول بعد كون مفاد حديث «لا تعاد» هو عدم جزئية السّلام في هذا الحال فليست الصّلاة إلا ما وقع قبل الحدث، فالحدث وقع بعد الصّلاة فلا يضرّ بالصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 159

إن قلت: بأنّ مفاد «لا تعاد» كما هو عدم وجوب الاعادة في غير المستثنى كذلك مفاده وجوب الاعادة في الخمسة المستثنى فبعد طروّ الحدث ارتفعت الطهارة في أثناء الصّلاة، فتجب الاعادة لاجلها بمقتضى نفس هذا الحديث.

فنقول: إنّ هذا على تقدير جزئية التسليم في هذا الحال و بعد عفو الشارع و الاغماض عنه وقع الحدث بعد الصّلاة و الطهارة كانت موجودة حال الصّلاة، لأنّ الصّلاة أوّلها التكبير و آخرها التشهّد على هذا مضافا إلى إمكان أن يقال: بان مبطلية الحدث في الأثناء مطلق محلّ المنع، بل المتيقن منها ما إذا

وقع قبل تمامية الأركان، و يؤيد ذلك رواية زرارة الدالّة على أنّ من أحدث بعد السجدة الاخيرة يتطهر و يطلب مكانا نظيفا للتشهد معللا بأنّ (التشهد سنة) و يظهر منها حكم الحدث قبل السّلام و على هذا لا يحتاج في الحكم بصحة الصّلاة إلى ترك التشهّد و التسليم سهوا، بل مع التذكر لو وقع الحدث قهرا يحكم بصحة الصّلاة.

إذا عرفت مراده رحمه اللّه بالنحو الاوفى و إن كان بيانه غير واف لبيان مراده، نقول بعونه تعالى: بأنّه تارة يقال: بأنّ حديث «لا تعاد» يشمل السهو و الجهل و العلم و العمد كما يقول به شيخنا الاستاد رحمه اللّه (المراد العلّامة الخراساني رحمه اللّه) أو يقال بشموله للسهو و الجهل، و تارة يقال: بأنّ مورده ليس إلّا السهو، لأنّ من يتعمد في ترك جزء أو شرط من أجزاء صلاته و شرائطه فهو ليس في مقام امتثال الصّلاة، فلا تكون صلاة هذا الشخص صلاة حتّى يقال في حقه «لا تعاد الصّلاة» بل يقال في حقه:

صلّ، و كذلك لا يشمل الجهل لأنّ الظاهر منه هو أن من يكون بصدد امتثال أمر الصّلاة، و من الواضح بأنّ من يكون وضعه هكذا يتعلم أحكامها و آدابها و أجزائها و شرائطها قبلا، فيصير بعد ذلك بصدد امتثال أمرها، فمثل هذا الشخص إن لم يصدر

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 160

منه لأجل طروّ أمر غير اختياري شرطا أو جزء منها فلا تعاد الصّلاة لأجلها.

فيظهر أنّ الحديث لا يشمل إلّا السهو لأنّ المصلّي كان بصدد امتثال أمر الصّلاة و صار طروّ امر غير اختياري و هو السهو موجبا لترك جزء أو شرط، ففي هذه الصورة يكون مفاد الحديث عدم وجوب الاعادة، و بعد

كون مورد الحديث السهو، و بقرينة ما استثنى فيه أعنى: الخمسة، نفهم أنّ المستثنى منه تكون من الامور الوجودية لأنّ كل ما استثنى ليس إلّا من الامور الوجودية «الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود» فالمستثنى منه أيضا ليست إلّا من الامور الوجودية، فالحديث لا يشمل إلّا ما كان المطلوب وجوده في الصّلاة لا ما كان عدمه مطلوبا كالحدث و نظائره.

[ما يقوى بالنظر هو التفصيل فى المسألة]

إذا عرفت أنّ ما رفع بمقتضى حديث «لا تعاد» هو خصوص السهو في خصوص الامور المطلوبة وجودها شرطا أو شطرا في الصّلاة ما عدا الخمسة المستثناة، فنقول: إنّ ما يقوى بالنظر في المسألة هو التفصيل كما قلنا بين ما إذا طرأ النسيان و استمر إلى أن يحصل الفصل الطويل، ثمّ تذكر نسيان السّلام بحيث لا يمكن مع هذا الفصل ضمّ السّلام بأجزاء السابقة من باب فوت الموالاة نقول بعدم وجوب الاعادة و شمول حديث «لا تعاد» للمورد، و بين ما إذا لم يحصل الفصل بل طرأ الحدث و كان الزمان المتخلل بين السهو و التذكر بمقدار لا يفوت الموالاة و لو لا الحدث لكان المجال لاتيان السّلام باقيا، و لكن الحدث صار سببا لعدم إمكان إتيان السّلام و ضمّه بالأجزاء السابقة، فلا يشمله حديث «لا تعاد» و تبطل و تجب إعادتها.

[في ان يكون مورد حديث لا تعاد اذا كان منشأ ترك المنسي مجرّد السهو]

أمّا بيان الفرق فهو أنّ الظاهر من حديث «لا تعاد» عدم وجوب الاعادة في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 161

صورة يكون منشأ ترك المنسي مجرد السهو لا أمرا آخر فعلى هذا نقول: بأن في الصورة الاولى على الفرض نسي المصلّي السّلام و استمر نسيانه و طال إلى أن زالت الموالاة العرفية، فنفس النسيان صار سببا لترك السلام، فمقتضى «لا تعاد» عدم وجوب الاعادة لأجله، و أمّا في الصورة الثانية بعد فرض عدم كون زمان النسيان طويلا بل يكون قصيرا بحيث يمكن لو لا طروّ الحدث إتيان السّلام و ضمّه بالأجزاء السابقة عرفا، فما صار سببا في هذه الصورة لترك السّلام و عدم إمكان إتيانه هو الحدث لا النسيان، و لهذا تكون هذه الصورة خارجة عن مورد حديث «لا تعاد».

إن قلت: بأنّه كما قلت ففي

الصورة الاولى صار فصل الطويل و فوات الموالاة سببا لعدم إمكان إتيان السّلام لا السهو، فلا فرق بين الصورتين.

قلنا بأنّ الموالاة ليست إلا شرطا يعتبرها العرف، و هي عبارة عن إتيان كل جزء لاحق متصلا بالاتصال العرفي بالجزء السابق، و بعبارة اخرى بعد اعتبار وحدة بين المركب كالصّلاة، فيحكم العرف باشتراط إتيان كل جزء متصلا بالجزء السابق و عدم إيجاد فصل يخلّ بالوحدة، و هذا معنى اعتبار الموالاة في الصّلاة، و لهذا قلنا: بأنّ شرط الموالاة شرط عرفي لا الشرعى، فمن هنا يظهر لك أنّ الجزء اللاحق، باعتبار حفظ الوحدة في المركب عند العرف، مقيد و مشروط بأن يأتي غير منفصل عن الجزء السابق، ففي الحقيقة يكون كل جزء لاحق مقيدا بهذا القيد، فليست الموالاة أمرا اخر ما وراء اعتبار الاتصال العرفي بين الجزء السابق و اللاحق، فالجزء اللاحق مشروط بذلك، و لهذا لو أتى به منفصلة عن الجزء السابق، فليس قابلا لأنّ يصير جزء للمركب، فإذا كان الأمر كذلك تعرف الفرق بين الصورتين، لأنّ في الصورة الاولى ترك السّلام و يكون منشأ تركه هو نفس النسيان لا الأمر الآخر

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 162

و استمر النسيان إلى مرتبة لا يمكن معه تدارك السّلام المنسي لا النسيان و فوات الموالاة لما قلنا، و أمّا في الصورة الثانية يكون ترك السّلام مستندا إلى حدوث الحدث لا إلى النسيان، و لهذا لا يكون حديث «لا تعاد» بمفاده كما بينا شاملا لهذه الصورة، فافهم.

الأمر الثاني: هل يجب قصد الخروج في السّلام الواجب أم لا؟
اشارة

اعلم بأنّه لا يرى في كلمات القدماء قدس سرّهم تعرض لهذه المسألة نعم، ذكر الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «1» المسألة و بيّن وجهين لاعتباره و نقل اختياره من الشيخ فى المبسوط.

[في ذكر الوجوه فى المسألة]
اشارة

فنذكر نحن حاصل ما استدل به من الوجهين على وجوب قصد الخروج في السلام، بمعنى اعتباره و صفا في السلام، و كون هذا القصد من شرائطه.

[الوجه الاول و الجهتين فى الباب]

الوجه الأوّل: قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: إنّما الأعمال بالنيّات، فمتى لا يقصد الخروج به لا يتحقق الخروج من الصّلاة.

و فيه أنّه قد ذكرنا في مبحث النية أنّ اعتبار القصد في تحقق شي ء في الخارج يمكن أن يكون من جهتين:

الجهة الاولى: أن يكون العمل ممّا اعتبر فيه إتيانه بداعى العبودية و التقرب إلى جنابه تعالى و هذا القصد يعتبر في العبادات وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ. «2»

الجهة الثانية: أنّ بعض الامور يكون من العناوين القصدية، بمعنى أنّ فعل

______________________________

(1)- ذكرى، ج 3، ص 438، طبع القديم، ص 209.

(2)- السورة الليل، الآية 19 و 20.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 163

الخارجي لا يصير منطبق بعض العناوين إلا بالقصد كالتعظيم و التوهين، فحيث إنّ الفعل الواقع خارجا قابلا لانطباق على العناوين المختلفة، فلا يصير منطبق أحد هذه العناوين إلّا بالقصد، فقيام الشخص عند دخول رجل في المجلس قابل لأن يكون لتعظيم هذا الرجل، و قابل لأن يكون لأخذ شي ء مثلا من محل آخر، فلا يصير هذا القيام منطبق أحد العنوانين إلّا بالقصد، و مثل التعظيم في هذه الجهة التوهين، و الحاصل أنّ بعض الامور يكون من العناوين القصدية، فلأجل هذا يعتبر في صيرورة الفعل الخارجى مصداق هذا النحو من العناوين القصد.

إذا عرفت كون منشأ اعتبار القصد أحد الجهتين نقول: بأنّه إن كان قوله (المعتبر في السّلام قصد الخروج) أنّ السّلام الواجب يكون هو السّلام المتصف بكونه مخرجا، فيكون لدعوى اعتبار قصد الخروج

فيه مجال، و لكن إن كان الواجب بحسب مفاد الادلة السلام، فإذا أتى به بقصد التقرب يتحقّق الامتثال، و لا يجب أزيد من ذلك، فلا يجب قصد الخروج.

الوجه الثاني:
اشارة

هو أن يقال: بأن السّلام الّذي يكون تحليل الصّلاة به، هو السلام الّذي يقصد به الخروج عن الصّلاة و إلّا تبطل به الصّلاة لكونه كلام الآدمى، حيث إنّ السّلام لا يكون من سنخ الصّلاة لا ذكرا، و لا قرآنا، و لا دعاء، فإذا صدر من المصلّي في الصّلاة تبطل به الصّلاة لكون الكلام الآدمى مبطل لها، نعم إذا أتى به بعنوان الخروج فلا تبطل به الصّلاة، فلا بدّ من اتيانه بقصد الخروج حتّى يصير امتثالا للأمر بالسلام، و لا يصير مصداقا للكلام المبطل، هذا حاصل الوجه الثاني.

و فيه أنّ كون السّلام من سنخ الكلام الآدمى صحيح، و لكن كون جواز هذا الكلام الآدمى في آخر الصّلاة و عدم إفساد الصّلاة به و صيرورته جزء متوقف على

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 164

وقوعه بقصد الخروج أوّل الكلام، لعدم دليل مساعد على اختصاص جوازه و صيرورته جزء بأن يقصد الخروج.

[في وجه عدم اعتبار قصد الخروج امور]
اشارة

أمّا وجه عدم اعتبار قصد الخروج فأمور:

[الاوّل و الثاني]

الامر الأوّل: الأصل، لأنّا نشك في اعتبار قصد الخروج في السّلام و عدمه، و لا دليل يدلّ على اعتباره أو عدمه، فالمرجع هو البراءة لأنّ الشّك يكون في أمر زائد، فتكون المسألة من صغريات الأقل و الأكثر الارتباطي.

الامر الثاني: بعض الروايات المتقدمة الدالّة على عدم جواز إتيان «السلام علينا» في التشهّد الأوّل معللا (بأنّه انصراف، أو إذا قلت فقد سلّمت) فإنّه يدلّ على أنّ مجرد السّلام انصراف، أو سلام بدون اعتبار قصد الخروج في صيرورة إتيانه غير جائز، و إن كان قصد الخروج موجبا لصيرورة السّلام انصرافا أو سلاما، كان اللازم تخصيص عدم جواز إتيانه في التشهّد الأوّل بالصورة الّتي قصد به الخروج.

و فيه أنّه قلنا سابقا بأنّ هذه الأخبار ليست ظاهرة في عدم جواز إتيان «السلام علينا» في التشهّد الأوّل من باب كونه سلاما، بل يحتمل كون منشأ عدم الجواز في هذه الأخبار كون «السلام علينا» كلام آدمى، و لا يجوز إتيان الكلام الآدمى في أثناء الصّلاة فلأجل كونه من الكلام الآدمى نهي عن اتيانه، فيكون وجه كونه انصرافا أو أنّه إذا قلت (سلّمت) هو حيثية كونه الكلام الآدمى لا حيثية كونه سلاما جزء للصّلاة و مخرجا و محللا لها، فلا تدلّ هذه الروايات على عدم اعتبار قصد الخروج في السّلام لما قلنا من احتمال كون النظر في عدم جوازه لكونه انصرافا، أو لكونه تسليما إلى كون السّلام من الكلام الآدمى تبطل به الصّلاة لو وقع في أثنائها، لا من حيث خصوصية كونه سلاما و محللا حتّى يقال: بأنّ نفس السّلام صار

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 165

منهيا عنه بدون اعتبار قصد الخروج فيه، فيستكشف من ذلك

كون السّلام المخرج نفس السّلام لا السّلام بقصد الخروج.

الامر الثالث:

هو ان يقال: بأنّه بعد كون السّلام ممّا يعمّ به البلوى لابتلاء المسلمين به في كل يوم و ليلة خمس مرات به أقلا و قلما يوجد مثله مورد ابتلاء عامة أهل الاسلام، و بعد كون قصد الخروج من الصّلاة به ممّا يكون مغفولا عنه عند العامة، بل لا يخطر ببال بعضهم دخل هذا القصد أصلا، و يأتون به مع الغافلة عن ذلك، فإن كان قصد الخروج معتبرا فيه كان على الشارع بيانه، إذ مع ما يرى من ابتلاء المسلمين به و مع مغفوليتهم عن هذا القصد فلو كان المعتبر قصده عند الشارع، و مع هذا ترك التعرض لاعتباره، و لم يعلمهم اشتراط السّلام به، فقد أخلّ بغرضه، و جاء بما يكون خلاف الحكمة، فحيث إنّ إخلاله بالغرض، و صدور خلاف الحكمة منه غير جائز عقلا، فمن عدم بيان دخل هذا القصد في السّلام نستكشف عدم دخله، و هذا معنى الاطلاق المقامي، أو التمسك بما نقل شيخ الانصاري رحمه اللّه عن المحقق رحمه اللّه في المعارج من أنّ عدم الدليل دليل العدم فعلى هذا لو تمّ هذا الوجه لا تصل النوبة بالأصل العملى أعنى: الوجه الأوّل، لأنّ هذا دليل اجتهادي.

و لكن يمكن ان يقال بعدم تمامية الوجه الثالث بأن يقال: بعد ما نرى بعض الأخبار الدالّة على كون السّلام تحليلا للصّلاة، و كون المتبادر عند المسلمين من صدر الأوّل غير أبي حنيفة هو كونه مخرجا من الصّلاة، فيمكن ردّ دعوى كون اعتبار قصد الخروج فيه ممّا يكون مغفولا عنه عند المسلمين حتّى يقال: بأنّه مع الغافلة عنه إن كان معتبرا كان اللازم بيانه، بل يمكن أن يقال:

بأنّه مع هذا الارتكاز فكان المسلمون يأتون به بما هو مخرج و محلل، و هذا لا ينفك من قصد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 166

التحليل و الخروج.

[الكلام فى الامور الثلاثة المذكورة فى الباب]

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الأصل فلو وصلت النوبة به فلا إشكال في إجرائه على المختار في الشّك بين الأقل و الأكثر الارتباطى من إجراء البراءة العقلية و النقلية، و أمّا الوجه الثاني فقد عرفت الاشكال فيه، و أمّا الوجه الثالث فإن كان نظر من يدعي في المقام أنّ عدم الدليل دليل العدم إلى أنّ اعتبار قصد الوجه يكون مغفولا عنه عند المسلمين، و يريد غفلتهم حتّى عن كون السّلام هو المحلل و مخرج الصّلاة و جزء آخر منها، و أنّه به يتم الصّلاة، فهذا ممنوع.

لأنّ هذه المعنى مضافا إلى عدم كونه مغفولا عنه، يكون المرتكز عندهم لأنّ كل مسلم يعلم كون السّلام مخرجا و محللا، و إن كان يريد أنّه مضافا إلى العلم و التوجه بذلك و في ارتكازهم حين إتيان السّلام لا يرون اعتبار شي ء أزيد من ذلك، و هو لزوم قصد الخروج و قصد المحللية منه حين إتيانه، و يكون مغفولا عنه عندهم، فهو كلام في محلّه.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا يبعد اعتبار علم المصلّي بكون السّلام مخرجا و محللا و آخر الصّلاة، لأنّه بعد كون مرتكز هم ذلك لا يكون عدم بيان الشارع هذا المقدار مخلا بالغرض، حتّى يدفع بالإطلاق المقامى، أو عدم الدليل دليل العدم، لأنّ كلّ من يصلّي يأتي بالسلام قاصدا كونه جزء عالما بكونه آخر الصّلاة و محللها، و أمّا أزيد من ذلك و هو لزوم قصد الخروج بالسلام مضافا إلى القصد باتيانه من باب كونه جزء للصّلاة و علمه بكونه

آخر الصّلاة و محللها، فلا وجه له لكون ذلك مغفولا عنه فبالاطلاق المقامى، أو عدم الدليل دليل العدم نقول: بعدم اعتبار قصد الخروج بهذا المعنى.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 167

فقد عرفت ممّا بينا عدم اعتبار قصد الخروج بالمعنى المتقدم.

ثمّ إنّ هنا لبعض الاعاظم قدس سرّهم «1» (المراد العلّامة الحائري) كلاما لا يخلوا عن الاشكال (فارجع ذيل مسألته اعتبار قصد الخروج و عدمه، ثمّ إنّه لو أتى بالصيغتين و قصد الخروج الخ في كتاب صلاته).

الوجه الثالث:
اشارة

لا إشكال في أنّ المراد من «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» و المقصود ممّن يسلّم عليه فيه هو خاتم الأنبياء نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم لدلالة بعض الروايات على ذلك، و هذا مسلّم عند الخاصّة قدس سرّهم، و كذلك عند العامة و إن يكن كلام آخر بينهم في أنّ بعضهم يقولون بأنّ السّلام على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يكون بصيغة «السلام عليك أيّها النبي» في حال حياته و «السلام على النبي» بعد وفاته صلى اللّه عليه و آله و سلم، و يكون الغرض على كل حال أنّ المراد من هذا السّلام الّذي يؤديه المصلّي هو السّلام على رسولنا صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و أمّا «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» أمّا المراد من العباد اللّه الصالحين فهو معلوم، فالغرض السّلام على عباد اللّه الصالحين، و أمّا المراد من السلام علينا، فإن كان مع المصلّي أشخاص آخر مثل أن يكون المصلّي في الجماعة، فيمكن أن يكون المراد من «علينا» الّذي يسلّم عليهم نفس المصلّي و من يكون معه، و إن لم يكن أحد معه فضمير «علينا» و ان

كان ضمير المتكلم مع الغير، و لكن كما أنّه قد يأتي المتكلم بالضمير الجمع لشخص واحد بعنوان التعظيم، كما قال عزّ اسمه (إنّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون» ربّما يتأتى بالضمير الجمع تذليلا، فيقال: بأنّه يراد

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 286.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 168

من «السلام علينا» السّلام على نفس المصلّي و جي ء بالضمير الجمع تذليلا في مقام الدعاء و السلام و الرحمة، فالمراد في الصيغتين الاولتين من صيغ السّلام معلوم، فلو أراد المصلّي قصد معناهما، أمّا للزوم القصد، أو لمجرد جوازه فيقصد بهما ما قلنا.

و أمّا «السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» فما يراد في هذا السلام، و بعبارة اخرى من يكون المخاطب في السّلام عليكم، و بعبارة ثالثة بعد كون ضمير (كم) في «السلام عليكم» ضمير خطاب فمن الجماعة المخاطبون في هذا الخطاب؟

اعلم أنّ الشهيد رحمه اللّه قال في الذكرى «1» و يستحبّ قصد الامام التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين لذكر اولئك و حضور هؤلاء، و الصيغة صيغة خطاب، و يقصد المأموم باولى التسليمين الردّ على الامام و بالثانية الأنبياء و الائمة و الحفظة و المأمومين، و امّا المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك.

[في ذكر الكلام الشيخ الانصاري ره]

و قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه «2» يستحبّ أن يقصد الامام الملكين لما في عدة من الروايات من أنّه تحية الملكين، و أن يقصد الأنبياء و الملائكة لحديث المعراج المشتمل على تسليمه عليهم السّلام لما رآهم خلفه و أن يضم إليهم الأئمة لما في عدة من الروايات من عدم قبول الصّلاة عليه من دون الصّلاة على آله عليهم السّلام فكيف السّلام على سائر الأنبياء انتهي.

[في ردّ كلام الشهيد ره]

و يرد على كلام الذكرى كما قال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «3» أمّا أوّلا فلأنّ قوله رحمه اللّه: لذكر اولئك، لو تم كونه دليلا، يتم في خصوص من يذكر التشهّد الطويل

______________________________

(1)- ذكرى، ج 3، ص 435، ذكرى، ص 208، طبع القديم.

(2)- كتاب الصّلاة لشيخ الانصارى، ص 187.

(3)- كتاب الصّلاة من مصباح الفقيه، ص 386.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 169

المذكور في رواية زرعة عن أبي بصير، فهو يذكر هؤلاء أعنى: الأنبياء و الأئمة و الحفظة، و أمّا من لم يذكر التشهّد الطويل، فهو لا يذكر اولئك حتّى يكون ذكره إياهم موجبا لأنّ يخاطب في سلامه عليهم، و امّا ثانيا مجرد الذكر لا يوجب كونهم مخاطبا في السلام، و وجوب قصدهم في «السلام عليكم» على من يصلّي.

[في الردّ على المحقّق الهمداني ره و توجيه كلام الشهيد ره]

و لكن يمكن أن يقال في توجيه كلام الشهيد رحمه اللّه في الذكرى بأنّه بعد ما يكون لفظ (كم) موضوعا للخطاب، و من يتوجه بالمعنى يدري أنّ معنى «السلام عليكم» هو السّلام على المخاطبين، فمن يقول «السلام عليكم» متوجها بالمعنى يخاطب أشخاصا في سلامه، و لا يكون في البين من يخاطب به إلا الطوائف المذكورة، أعنى:

الأنبياء و الائمة و الحفظة و المأمومين، فلهذا يخاطبونهم، و هم يكونون طرف خطابه و على هذا تكون النتيجة وجوب قصدهم في «السلام عليكم» لعدم معقولية توجيه الخطاب بدون كون مخاطب للمتكلم في خطابه، فمن خطابه يفهم كون مخاطب له، فلا بد من أن يقصدهم في سلامه.

و لكن حيث نرى أنّ اغلب المسلمين غير ملتفت بالمعنى في «السلام عليكم» و هي من الامور المغفول عنها، لأنّ كثيرا من المسلمين لا يكون أهل لسان العرب، و لا يفهمون معنى السّلام و الخطاب أصلا

فنقول: إن كان قصد الخطاب واجبا لكان اللازم بمقتضى الحكمة بيانه على الشارع، فمن عدم بيانه نكشف عدم وجوبه، و هذا معنى الاطلاق المقامي، فنقول باستحبابه، فالوجه في التزامه باستحبابه هو هذا مع اقتضاء الدليل في حدّ ذاته الوجوب، و الوجه في استحباب قصد التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين هو أنّه بعد كون قصد الخطاب مطلوبا في التسليم،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 170

فليس الأنسب إلّا قصد هؤلاء الطوائف لذكر اولئك و حضور هؤلاء «1» هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام الشهيد رحمه اللّه في الذكرى.

[في ردّ كلام الشيخ الانصاري ره]

و أمّا ما قال شيخ الانصاري رحمه اللّه ففيه أنّ ما قال من ورود روايات على كون السلام تحية الملكين، فلم نجد إلّا في رواية واحدة، و هي رواية مفضل بن عمر، و أمّا قصد الأنبياء و الملائكة لحديث المعراج، ففيه أنّ قصده صلى اللّه عليه و آله و سلم في ليلة المعراج الأنبياء و الملائكة لكونهم يقتدون به لا يوجب وجوب هذا القصد على غيره صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و أمّا ما قال من ضمّ الأئمة عليهم السّلام لمّا ورد من عدم قبول الصّلاة على النبي بدون صلاة على آله عليهم السّلام فلا تقبل السّلام على ساير الأنبياء بدون السّلام عليهم بطريق الاولى.

ففيه أنّ عدم قبول الصّلاة على النبي بدون ضمّ الآل لا يوجب ضمّ الآل في السلام الّذي يسلّم على الأنبياء، لأنّ في السّلام عليهم سلّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليهم، فليس في سلامه عليهم سلاما على نفسه حتّى يقال: لا يقبل السّلام على النبي بدون

______________________________

(1)- أقول: أمّا الالتزام بوجوب القصد فمردود بما

أفاده مد ظله العالي من أنّه بعد كون ذلك من الامور المغفول عنها عند المسلمين، لأنّ كثيرا منهم غير ملتفت بمعناه و خطابه من غير العرب من المسلمين، و أمّا العرب فعوامهم غافلون عن ذلك، فمن ذلك نكشف عدم وجوبه، لأنّه مع شدة الابتلاء به لو كان واجبا عند الشرع مع ما يرى من غفلة المسلمين عنه و مع ذلك لم يبينه فقد أخلّ المولى الحكيم بغرضه، فلم يكن واجبا لعدم بيانه، و أمّا الالتزام بالاستحباب من باب أنّه مع كون حقيقة «السلام عليكم» هو السّلام بعنوان الخطاب، و لا يمكن الخطاب بلا قصد إلى المخاطب، و بعد عدم وجوب قصد الخطاب فنلتزم باستحبابه، لا وجه له، لأنّ عدم وجود وجه دالّ على الوجوب لا يوجب صيرورة قصد هؤلاء مستحبا، بل لا بدّ من الدليل على الاستحباب، كما لا وجه على الوجوب، نعم لا مانع من قصدهم رجاء و باحتمال المطلوبية، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 171

السلام على الآل، لأنّ في ما يسلّم عليه لا بد من ضمهم لا في ما لا يسلم عليه (إلّا أن يقال: بأنّ في السّلام على الأنبياء يضم النبي و مع ضمه لا بد من ضم آله لعدم قبول السلام به بدون ضمهم) فما قال شيخ الانصاري رحمه اللّه في المقام وجها لاستحباب قصد الملكين و الأنبياء و الائمة و الملائكة عليهم السّلام لا وجه له و ليس بتمام.

[ما يظهر من العامّة و الخاصّة في المورد]

ثمّ إنّه ورد في طرق العامة و نقلوا أنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يسلّم مرتين مرة عن يمينه و مرة عن شماله، و من المعلوم أنّه كان يصلّي صلاته جماعة، و كان إماما في الجماعة،

فالامام يسلّم مرتين مرة عن يمينه و مرة عن شماله.

و أمّا ما يظهر من أخبارنا فهو أنّ الامام يسلّم مرة مستقبل القبلة على ما في بعض الأخبار «1» و في معناها الرواية 9 من الباب المذكور، لأنّ فيها قال (إنى اصلّي بقوم فقال: سلم واحدة و لا تلتفت) و هي تدلّ على الاستقبال و عدم الالتفات من القبلة، و بعض الأخبار يدلّ على أنّ الامام يسلّم تسليمة واحدة بلا تعرض فيه لاتيانه مستقبل القبلة مثل الرواية 4 من الباب المذكور و 5 و 14 و 15 من الباب المذكور.

فما في الرواية الّتي و هي ما رواها عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك الخ) «2» فلا يعمل بها، لأنّ المشهور موافقون مع مفاد ساير الروايات، و أنّ الامام يسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة فأعرض الاصحاب عنها.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل و أيضا الرواية 8 و 11 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب التسليم من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 172

و أمّا المأموم فالمستفاد من رواياتنا هو أنّه يسلّم تسليمين تسليما عن يمينه و تسليما عن شماله (إن كان على شماله احد) مثل الرواية 1 و 3 و 4 و 6 و 8 من الباب المذكور، نعم يدلّ الخبر 15 من الباب المذكور على أنّ المأموم يسلّم ثلاث تسليمات واحدة ردّا على الامام، و واحدة على من يصلّي يمينه، و واحدة على يساره إن كان أحد على يساره، و لكن لا يعمل بما يدلّ على كون تسليمه واحدة

أو ثلاثة، هذا حال الروايات.

(أقول: و لم يقل مدّ ظلّه في المسألة بعد ذلك شيئا، و عطف عنان الكلام في مبحث الآتي و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله).

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 173

المقصد الثالث في قواطع للصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 175

بسم اللّه الرحمن الرحيم نحمد اللّه على آلائه و نشكره على نعمائه و نصلّي و نسلّم على محمد خاتم أنبيائه و آله و لعنة اللّه على أعدائهم من الآن إلى يوم لقائه

الكلام في القواطع

اشارة

قسّم في كلماتهم القواطع بما يكون قاطعا للصّلاة سواء وجد في أثنائها عمدا أو سهوا، و بما تكون قاطعيته في خصوص صورة العمد، و نذكر كلا القسمين إنشاء اللّه بدون إفراد كل منهما عن الآخر، لأنّ كون بعض القواطع من القسم الأوّل أو الثاني محلّ الكلام و الاشكال فنقول بعونه تعالى شأنه:

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 176

الأوّل: من القواطع التكفير أو التكفف
اشارة

قال في مجمع «1» البحرين (التكفير في الصّلاة هو الانحناء الكثير حالة القيام قبل الركوع، قاله في النهاية، و التكفير أيضا وضع إحدى اليدين على الاخرى).

و منشأه أنّ الضعفاء من الناس و الطبقة الثالثة منهم، يقال لهم العلج، كانوا يصنعون ذلك في مقابل الأقوياء و الدهاقين، و الدهقان معرب ده بان، فالعلج يكفرون بعنوان التذلل و الخضوع عند الدهاقين، و لمّا جي ء ببعض الاسراء في زمان عمر صنعوا ما كان عادتهم، فقال عمر: ما هذا؟ فاجيب: بأنّ هذا تواضع و تذلل، فقال: نعم الفعل ان يصنع لرب العالمين، فصار التكفير متداولا بين الناس، فهذا من بدعه.

و في وجوبه و استحبابه و كراهته خلاف بين العامة، و لكن عند عوامهم يكون أمره مشددا، و ينكرون على من لا يتكفف في صلاته.

و أمّا عندنا فالمشهور تحريمه، و قال بعض بكراهته و هو مختار المحقق رحمه اللّه في

______________________________

(1)- مجمع البحرين، ص 285.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 177

المعتبر «1» فلا بدّ في فهم حكم المسألة من ذكر أخبار الباب حتّى يظهر ما هو الحق في المقام فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر الاخبار الواردة فى التكفير و التكفف]
اشارة

الرواية الاولى: و هي ما رواها الشّيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضاله جميعا عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: قلت له الرجل يضع يده في الصّلاة و حكى اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التكفير لا يفعل). «2»

و قوله: حكى اليمنى على اليسرى يعنى: وضع يده عملا في مقام السؤال فوضع يده اليمنى على يده اليسرى، فقال عليه السّلام في الجواب: ذلك التكفير، يعنى: وضع اليد بهذا النحو تكفير فلا يفعل.

[في ذكر الاحتمالات الخمسة للرواية الاولى]

و احتمالات الرواية خمسة:

الاحتمال الأوّل: ان يكون المراد ترك التكفير من باب كونه محرّما بالحرمة التكليفية في الصّلاة و غيرها.

الاحتمال الثاني: أن يكون محرّما بالحرمة التكليفية لكن في خصوص حال الصّلاة لا مطلقا.

الاحتمال الثالث: أن يكون النهي النهي الوضعي، بمعنى الارشاد إلى بطلان الصّلاة بالتكفير، لا أن يكون محرّما تكليفا.

الاحتمال الرابع: أن يكون النهي باعتبار وجود حضاضة فيه، فيكون

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 255- 256.

(2)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 178

النهي للكراهة.

الاحتمال الخامس: أن يكون النهي عنه باعتبار عدم كون ذلك من آداب الصّلاة، فلا يكون النهي دالّا على الحرمة و لا الكراهة، بل يكون عليه السّلام في مقام بيان عدم فعل ذلك في الصّلاة من باب عدم كونه من آدابها.

[في ذكر الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة]

الرواية الثانية: و هي ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: و عليك بالاقبال على صلاتك (إلى أن قال) و لا تكفر فإنّما يصنع ذلك المجوس). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام (في حديث قال: و لا تكفر فانما يصنع ذلك المجوس). «2»

و لا يبعد عدم كون هذه الرواية غير الرواية الثانية، و الرجل الواقع في طريق الثانية كان هو زرارة، و على كل حال قد يقال: بدلالتهما على الكراهة بقرينة قوله عليه السّلام (فانما يصنع ذلك المجوس) و لكن نقول ما هو مفاد الروايات بعدا إنشاء اللّه.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن جعفر (قال: قال أخي: قال علي بن الحسين عليه السّلام وضع الرجل إحدى يديه على الاخرى في الصّلاة عمل و ليس في الصّلاة عمل). «3»

قد يقال: بأنّه بعد

عدم كون مجرد كون التكفير عملا موجبا لعدم الجواز في الصّلاة لأنّ الكبرى، و هو عدم كون العمل في الصّلاة، ممنوع إذ ليس كل عمل ممنوع

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 179

في الصّلاة، فلا بدّ من أن يقال: بأنّ التكفير حيث يأتى به العامة بعنوان التذلل و جزئيته للصّلاة، فقال عليه السّلام: بأنّ التكفير عمل، يعني: عمل يأتي به بقصد الجزئية و التشريع، و حيث إنّ الصغرى تكون هذا فتكون الكبرى و هو قوله: و ليس في الصّلاة عمل، يعني: ليس في الصّلاة عمل يأتي بعنوان التشريع و الجزئية مع عدم كونه جزء و على هذا الاحتمال تكون العلة متحدة مع المعلول، لأنّ العلة هي التشريع و نفس المعلول و هو كون التكفير عمل هو التشريع، فكأنّه قال: لا يجوز التشريع، لأنّه لا يجوز التشريع.

[في ذكر الرواية الخامسة و السادسة]

الرواية الخامسة: و هي ما في الوسائل رواها علي بن جعفر في كتابه نحوه و زاد (و سألته عن الرجل يكون في صلاته يضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعه، قال: لا يصلح ذلك فإنّ فعل فلا يعودن له). «1»

الرواية السادسة: و هي ما رواها الصّدوق رحمه اللّه في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الاربعمائة (قال: لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدى اللّه عز و جل يتشبه بأهل الكفر يعنى: المجوس) و هنا رواية اخرى ذكرت في دعائم الاسلام). «2»

إذا عرفت ذلك، فاعلم انّه كما قلنا يكون التكفير

عند العامة من حيث الحكم محل الخلاف، و لكن الجمهور منهم قالوا بكونه من سنن الصّلاة.

[في ذكر كلام ابن رشد فى الباب]

قال ابن رشد في بداية «3» المجتهد (المسألة الخامسة: اختلف العامة في وضع

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 15 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- بداية المجتهد، ج 1، ص 197.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 180

اليدين إحداهما على الاخرى في الصّلاة، فكره ذلك مالك في الفرض، و أجازه في النفل، و راى قوم أنّ هذا الفعل من سنن الصّلاة و هم الجمهور، و السبب في اختلافهم أنّه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصّلاة و السلام و لم ينقل فيها أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، و ثبت أيضا أنّ الناس كانوا يؤمرون بذلك، و ورد ذلك أيضا من صفة صلاته عليه الصّلاة و السلام في حديث أبي حميد، فرأى قوم أنّ الآثار الّتي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار الّتي لم تنقل فيها هذه الزيادة، و أنّ الزيادة يجب أن يصار إليها، و راى قوم أنّ الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة، لأنّها اكثر، و لكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصّلاة، و إنّما هي من باب الاستغاثة، و لذلك اجازها مالك في النفل و لم يجزها في الفرض، و قد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع و هو الاولى بها).

فترى أن جمهور هم قائلون بكونه من سنن الصّلاة، و إن كان ما جعله وجها لمختارهم- من أنّ الآثار الّتي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار الّتي لم تنقل فيها هذه الزيادة، و أنّ الزيادة يجب ان يصار إليها- غير

تمام، لأنّه لو كان للاخذ بالزيادة في الدوران بينه و بين عدم الزيادة وجه، فهو ليس إلّا من باب أنّه لو كان للاخذ بالزيادة في الدوران بينه و بين عدم الزيادة وجه، فهو ليس إلّا من باب أنّه يمكن أنّ ناقل عدم الزيادة لم يذكر الزيادة، فيأخذ بالزيادة لذكر الزيادة في نقله.

و أمّا في المورد فلا وجه لذلك، إذ كيف يمكن أن يكون فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على التكفير دائما و لم ينقل من ينقل فعله و صلاته إلا أبي حميد، فمن عدم نقله نكشف عدم رؤيتهم فعله صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا وجه للأخذ بنقل الزيادة في المورد.

[الاقوى ان الروايات ليست في مقام بيان الحرمة]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه كما قلنا المشهور عند أصحابنا هو التحريم، و لكن نقل المحقّق في المعتبر عن أبي الصلاح الكراهة و استرضاه بعد ردّ الوجوه الّتي قيل

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 181

وجها للحرمة، و ذكر بأنّه بعد استحباب ارسال اليد نقول بكراهة التكفير، و لا تدلّ الروايات على أزيد من الكراهة هذا.

ثمّ اعلم أنّه بعد ما فهمت ما هو وضع التكفير عند العامة من أنّ جمهورهم جعلوه من سنن الصّلاة، فالحق هو عدم كون روايات الباب، و خصوصا ما علل فيها بكون ذلك من عمل المجوس غير الرواية الاولى، في مقام بيان الحرمة أو الكراهة، بل ليس إلا في مقام بيان عدم كون التكفير من سنن الصّلاة، بل هو من آداب المجوس.

و بعبارة اخرى تارة يقال بأنّ هذه الروايات الّتي علل فيها بكون التكفير ممّا يصنعه المجوس يكون في مقام النهي عن التكفير من باب كون ذلك تشبها بالمجوس، فيكون التحريم أو كراهة التكفير دائرا

مدار كون التشبه حراما أو مكروها.

و تارة يقال: بأنّ مفاد هذه الروايات ليس هذا بل النظر في هذه الأخبار يكون إلى ما تقوله العامة من كون ذلك من جملة الآداب و سنن الصّلاة، لا إلى كونه تشبها بالمجوس، بل في مقام بيان إفهام الناس، و من يسأل عن التكفير بأنّ ذلك ليس من سنن الصّلاة، بل هذا من آداب المجوس فعلى هذا ليست الروايات دالة على الكراهة كما زعم بعض، بل ليست إلّا في مقام بيان عدم كون هذا من سنن و آدابها، و بعد ما بينا من وضع التكفير عند العامة يظهر لك أنّ الاقوى في مفاد الروايات هذا:

أعنى كونها في مقام بيان عدم كون ذلك من آداب الصّلاة.

[في ذكر الوجهين لتحريم التكفير]
اشارة

ثمّ بعد ما عرفت ذلك، فيكون تحريم التكفير من باب أحد الوجهين:

الوجه الأوّل:
اشارة

الرواية الاولى، و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصّلاة و حكى اليمنى على اليسرى،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 182

فقال: ذلك التكفير لا يفعل). «1»

[في بيان محتملات الثلاثة في الوجه الاول]

بيانه أنّ محتملات الرواية امور:

الأوّل: أن يكون النهي النهي التكليفي عن التكفير في حال الصّلاة و غيره.

الثاني: أن يكون المراد من النهي النهي التكليفي في خصوص الصّلاة.

الثالث: أن يكون النهي النهي الوضعي، فقوله (لا يفعل) إرشاد إلى الفساد، و لا يبعد ظهور الرواية في الاحتمال الثالث لأنّ اختصاص السؤال بحال الصّلاة يدلّ على كون نظر السائل إلى فهم حكمه في هذا الحال، فجوابه عليه السّلام إرشاد إلى فساد الصّلاة به، و لا يبعد كون النظر إلى السؤال في ما راى من فعل العامة، لأنّهم يضعون يد اليمنى على اليسرى حال الصّلاة، أنّه هل يكون ذلك من آداب الصّلاة كما يزعمون أولا، بل يفسد الصّلاة، فقوله عليه السّلام (ذلك التكفير لا يفعل) ظاهر في أنّه من موانع الصّلاة، و يبطل به الصّلاة، فيكون النهي النهي الوضعي فعلى هذا تكون هذه الرواية دليلا على فساد الصّلاة بالتكفير.

إن قلت: بأنّ عدّ التكفير في بعض الروايات في عداد المكروهات، أو التعليل بكونه ممّا يصنع المجوس يدلّ على كون التكفير مكروها، فظهور هذه الروايات في الكراهة يوجب وهن ظهور رواية محمد بن مسلم في الحرمة.

نقول: إن كان الدليل هذه الروايات فقط كان الممكن أن يقال: بأنّ عدّه في عداد المكروهات، أو التعليل بكونه عمل المجوس موهنا للأخذ بظهور النهي فيها على الحرمة، و لكن هذا لا يوجب و هنا في الرواية الاولى الّتي ليس فيها هذا الوهن،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب

قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 183

و لهذا لا مانع من الأخذ بظهور هذه الرواية.

الوجه الثاني:

أنّه بعد ما قلنا من أنّ العامة جعلوا التكفير من سننها و آدابها، و كان إتيانهم في الصّلاة بعنوان كونه من سننها، و لا إشكال في كون ذلك تشريعا، و إذا كان تشريعا تبطل به الصّلاة، لأنّ من يكفّر في الصّلاة يجعل الصّلاة متخصصا بهذه الخصوصية، فيأتي بالصّلاة مع هذه الخصوصية، فيقرب بمجموع هذا العمل، و الحال أنّه ليس بمقرب، فمع هذا لا تصير الصّلاة مقرّبا، و هذا معنى بطلان الصّلاة به، فتأمّل جيدا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 184

الثاني من قواطع الصّلاة: الالتفات
اشارة

اعلم أنّ المعروف عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم هو كون الالتفات مبطلا إذا كان فاحشا و كان عن عمد، فإذا عنونوا الالتفات تعرضوا هكذا، و إذا تعرضوا الاستقبال قالوا: بوجوب استقبال الكعبة المكرّمة، و لو لم يستقبل فان كان خارجا عن اليمين و شمال القبلة تبطل الصّلاة، لفقد الشرط سواء كان عامدا أو ساهيا، و ان كان ما بين اليمين و الشمال فلا تبطل الصّلاة لو كان عن سهو.

إذا عرفت ذلك اعلم أنّ الالتفات ليس عبارة عن عدم الاستقبال، بل الالتفات يكون موضوعا آخر حيث إنّ الالتفات يحصل موضوعه بمجرد توجه الوجه نحو جهة فإذا توجه الشخص بوجهه إلى جانب يقال: التفت إلى هذا الجانب و لو لم يلتفت بسائر مقاديم بدنه، و أمّا في الاستقبال فهو يتحقّق باستقبال مقاديم البدن بتمامه نحو القبلة، لأنّ قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» كناية عن وجوب تولية مقاديم البدن نحو القبلة لا خصوص الوجه، ففقد الشرط، أى:

______________________________

(1)- السورة البقرة، الآية 144.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 185

شرط الاستقبال، يتحقّق بخروج مقاديم البدن بجميعها عن القبلة لا بالتفات خصوص الوجه عن القبلة.

[الالتفات عن القبلة يصدق مع التوجه بخصوص الوجه]

فعلى هذا ليس الالتفات عبارة عن عدم الاستقبال، بل الاستقبال شرط من شرائط الصّلاة، و يتحقّق موضوعه باستقبال مقاديم البدن بجميعها، و فقد الشرط يتحقق بانحراف مقاديم البدن- الوجه و غيره- عن القبلة، و أمّا الالتفات الّذي يعدّونه من القواطع عبارة عن توجه الوجه إلى جهة غير جهة القبلة، فلا يعتبر في الالتفات الالتفات بجميع مقاديم البدن، بل يكفي الالتفات بالوجه، فقد ظهر لك ممّا مرّ كون الالتفات القاطع غير عدم الاستقبال، هذا كلّه في تنقيح موضوع الالتفات.

[في ذكر الروايات في الباب]
اشارة

و أمّا حكمه فنذكر أخبار الباب إن شاء اللّه حتّى يظهر حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى:

[الاولى و الثانية و الثالثة]

الرواية الاولى: و هي ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل هل يلتفت في صلاته؟ قال: لا، و لا ينقض أصابعه). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) (قال: قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصّلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة (أنّه سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول: الالتفات يقطع الصّلاة إذا كان بكله). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 186

يحتمل أن يكون المراد من قوله (بكله) هو بكل الالتفات، و يحتمل أن يكون المراد منه بكل الوجه، أو بكل البدن، فعلى الأوّل يرجع الضمير إلى المذكور سابقا و هو الالتفات، فلا تنافي مع الرواية الدالّة على كون الالتفات قاطعا إذا كان فاحشا، و كذا على الاحتمال الثاني و كان الالتفات بكله أى بكل الوجه فأيضا الالتفات بكل الوجه يساوق الالتفات الفاحش، و أمّا إن كان الالتفات بكل البدن مرادا من قوله (بكله) فهو يساوق عدم الاستقبال (و الاحتمال الأوّل أقوى الاحتمالين، ثمّ بعده كون المراد من (كله) كل الوجه أولى من كل البدن).

[في ذكر الرواية الرابعة و الخامسة و السادسة]

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام (قال:

سألته عن الرجل يكون في صلاته، فيظن أنّ ثوبه قد انخرق، أو أصابه شي ء هل

يصلح له أن ينظر فيه، أو يمسه؟ قال: إن كان مقدم ثوبه، أو جانبيه فلا بأس و إن كان في مؤخره فلا يلتفت، فانّه لا يصلح). «1»

و المراد بكونه في مقدم ثوبه هو عدم البأس من باب عدم الالتفات بالوجه، و أمّا إذا كان في مؤخره فلا يجوز، لكونه موجبا لالتفات الوجه من القبلة.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عبد الملك (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الالتفات في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟ فقال: لا، و ما أحب أن يفعل). «2»

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن تكلمات أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصّلاة). «3»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 187

[في ذكر الرواية السابعة و الكلام في بقيّة الروايات]

الرواية السابعة: و هي ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود). «1»

إذا عرفت ذلك نقول: أما الرواية الرابعة الدالّة بظاهرها على كراهة الالتفات إن حملت على الالتفات الّذي لا يكون بالوجه، بل بالعين مثلا بحيث لا تنافي الأخبار المانعة فهو، و إلّا لا يمكن العمل بها، و أمّا بعض الروايات المتقدّمة فليس إلّا في مقام بيان أصل قاطعية الالتفات،

فهذه الطائفة غير منافية مع الرواية الاولى و الثانية، فتبقى الرواية الاولى و الثانية، و يكون مفاد الاولى قاطعية الالتفات إذا كان فاحشا، و مفاد الثانية إذا كان بكله.

و اعلم أنّ الالتفات بالوجه إلى الخلف لا يمكن إلّا بتوجيه الوجه بنحو يرى الشخص مقدارا من الخلف، لأنّ أزيد من ذلك بحيث يرى الشخص النقطة المقابلة للقدام لا يمكن أبدا، إلّا بتوجيه مقاديم البدن و إقباله إلى الخلف، و هذا غير الالتفات القاطع، بل أوّل مرتبة الالتفات يحصل بتوجيه الوجه نحو اليمين و الشمال، و الفاحش منه هو ما إذا وجّه وجهه بحيث يرى مقدارا من الخلف، فالالتفات الفاحش هو الالتفات بالوجه بنحو يرى الشخص مقدارا من خلفه، و بعد كون المراد من الرواية الثانية من قوله (بكله) هو كل الالتفات، أو الالتفات بكل الوجه، فهذه المرتبة من الالتفات يساوق الالتفات الفاحش، فيكون مفاد الرواية الاولى و الثانية واحدا، فلا تعارض بين الروايات، لأنّ مطلقها يحمل على المقيد، فيكون الالتفات الفاحش

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 3 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 188

- و بعبارة اخرى إذا كان بكله- قاطعا، فافهم.

و مما ذكرنا يظهر لك أنّه لا وجه للاستدلال ببعض ما ورد من أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، لأنّ موضوع هذه الطائفة من الأخبار هو الصورة الّتي لم يستقبل الشخص من أوّل الأمر القبلة و انحرف عنها، و كان انحرافه بما بين المشرق و المغرب لا من يكون مستقبلا للقبلة و يدري القبلة، و لكن التفت في أثناء الصّلاة من القبلة بوجهه، و هو محل كلامنا فعلا، فتدبّر.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 189

الثالث من قواطع الصّلاة
اشارة

قول المصلّي آمين في الصّلاة بعد

إتمام الفاتحة للامام و المأموم و المنفرد

[في ذكر قول العامّة و الخاصّة فى المورد]

اعلم أنّ العامة يقولون باستحباب قول (الآمين) و بينهم أيضا بعض اختلافات اخر في بعض فروعه، مثل الاجهار به و الاخفات به، و نقل في الباب رواية عن أبي هريرة و رواية اخرى عن وائل بن حجر.

و أمّا اصحابنا الامامية رحمهم اللّه فبين قائل بالكراهة، نقل ذلك عن ابن جنيد رحمه اللّه (و اشكل «1» في كون عبارته دالا على ذلك) و أبي صلاح رحمه اللّه (و لم يكن في كتابه الكافي تعرضا لذلك، و لكن الفاضل الآبي في كاشف الرموز ذكر أنّ المحقق رحمه اللّه نقل القول بالكراهة عن أبي الصلاح) من القدماء و عن المحقق في المعتبر و الاردبيلي رحمه اللّه و الكاشاني من المتأخرين، و بين قائل بالحرمة و هو مختار السيّد رحمه اللّه في

______________________________

(1)- المصباح الفقيه، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 190

الانتصار «1» و الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «2» و غيرهما.

[القائلين بالحرمة استدلّ ببعض الوجوه]

و القائلون بالحرمة بين قائل بالحرمة التكليفية، و لم يذكر هذا القول عن أحد إلا أنّه مختار صاحب المدارك «3» رحمه اللّه، و بين قائل بالحرمة التكليفية و الوضعية،

و استدل للحرمة ببعض الوجوه:
[الاوّل: الاخبار]
اشارة

أوّلها الأخبار.

منها ما رواها جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت «الحمد للّه رب العالمين» و لا تقل: آمين). «4»

هذه الرواية في المأموم و تدلّ على النهي من آمين.

و منها ما رواها معاوية بن وهب (قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أقول (آمين) إذا قال الامام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين؟ قال: هم اليهود و النصارى و لم يجب في هذا). «5»

مورد السؤال المأموم، و لكن الامام عليه السّلام أعرض عن الجواب و قال: هم اليهود و النصارى، يعنى: المغضوب عليهم و الضالين، و لعلّ إعراضه عن الجواب كان من باب التقية، فالرواية تدلّ على عدم جوازه (و يمكن أن يكون المراد من كلام الامام عليه السّلام إنّ القائلين بكون (آمين) من سنن الصّلاة هم اليهود و النصارى كما

______________________________

(1)- الانتصار، ص 144.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 223.

(3)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 373.

(4)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(5)- الرواية 2 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 191

احتمله الحاج آغا الهمداني «1» رحمه اللّه و ذكر بعض المؤيدات لذلك).

و منها و هي ما رواها محمد الحلبي (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: لا). «2»

تدلّ على عدم الجواز للمنفرد.

و منها و هي فقرة من الرواية الواردة في كيفية الصّلاة عن أبي جعفر

عليه السّلام (قال:

و لا تقولّن إذا فرغت من قراءتك: آمين، فإنّ شئت قلت: الحمد للّه رب العالمين). «3»

و هي في المنفرد يكون النهي فيها مؤكدا لتأكيده بالنون الثقلية لأنّه قال عليه السّلام (و لا تقولنّ).

و منها و هي ما رواها ابن أبي عمير عن جميل (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله الناس في الصّلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب (آمين) قال: ما أحسنها و أخفض الصوت بها). «4»

[في ذكر الاحتمالان فى الرواية]
اشارة

و في هذه الرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون (ما) في قوله عليه السّلام (ما أحسنها) ماء التعجب، و يكون أحسن بفتح الهمزة و السين و ضمّ النون، و يكون قوله (أخفض) صيغة الأمر، فيكون المراد استحسان هذا العمل و الأمر بخفض الصوت في قراءته يكون موافقا مع ما يقول بعض العامة بخفض الصوت فعلى هذا لا بدّ من حمل الرواية على التقية.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 312.

(2)- الرواية 3 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 17 من ابواب القراءة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 192

الاحتمال الثاني

ما احتمله (الهمداني «1» رحمه اللّه) بأن يكون (ما) في قوله عليه السّلام (ما احسنها) ماء النافية، و احسنها بضم الهمزة و كسر السين و ضمّ النون، و يكون (أخفض) فعل الماضى، و نقل الراوي نحوة كلام الامام عليه السّلام، فيكون المراد أنّه لم يكن مستحسنا عندي، و إذا قال هذا أخفض صوته حين قال هذا الكلام، فتكون الرواية على هذا دليلا على عدم الجواز.

و لكن هذا خلاف الظاهر، لأنّ التعبير باحسنها متكلم الوحدة يكون متداولا في مقام أداء الالفاظ، فيقال: احسن القراءة، أو ما احسنها، و لا يستعمل في هذا المقام «2» و على كل حال يحتمل في هذه الرواية الاحتمالان المتقدمان.

ثمّ إذا عرفت ذلك نقول: إنّه يظهر من السيّد رحمه اللّه في الانتصار و من الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف و من العلّامة رحمه اللّه في المنتهي الاجماع على عدم الجواز، و القائلون بالكراهة هم ابن جنيد، و أبي الصلاح، و المحقق في أحد «3» كتبه، و الاردبيلي، و الكاشاني رحمهم اللّه مع الاشكال في كون مختار الأوّلين

منهم الكراهة على ما قدمنا.

و ما يكون وجه الكراهة إن كان الرواية الخامسة المتقدمة، فمضافا إلى ما قيل من الاحتمال الثاني في الرواية نقول: بأنّه إن كان الصادر من المعصوم عليه السّلام هو (ما احسنها) بأن يكون الماء للتعجب، و يكون المراد كون العمل مستحسنا عنده، و هو

______________________________

(1)- على ما نقل في مصباح الفقيه، ص 312.

(2)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّ كلامه عليه السّلام كان ما احسّنها بضمّ الهمزة، و فتح الحاء، و كسر السين مع التشديد، و ضم النون بمعنى: إنّى ما أكون محسّن هذا الأمر، و بالفارسية (تحسين نمى كنم اين كلام را و هنگام گفتن اين كلام آهسته مى فرمود). (المقرر)

(3)- المعتبر، ج 2، ص 186.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 193

الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدمين في الرواية، و لعله هو الاظهر فتدلّ الرواية على استحباب (آمين) لأنّه بعد صيرورة (آمين) مورد تحسين الامام عليه السّلام فيكون فعله أفضل من تركه و هذا معنى الاستحباب.

فعلى هذا نقول: لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و ساير الروايات الظاهرة في التحريم بحمل النهي فيها على الكراهة، لأنّه إن كان مفاد هذه الرواية مجرد الجواز يمكن أن يقال: بأنّه بعد عرض هذه الرواية الدالّة على الجواز على العرف، و عرض ساير الأخبار الدالّة على الحرمة على العرف يفهمون منهما الجواز مع الكراهة، و لكن بعد كون مفاد ساير الروايات عدم مطلوبية الفعل، بل يكون الفعل غير مطلوب إما بالمطلوبية الأكيدة أو غير أكيده فقدر المتيقّن منها عدم الفضل في فعله، و الحال أنّ الرواية الخامسة تدلّ على مطلوبية الفعل و استحسانه، فلا يمكن الجمع بين مطلوبية الفعل و بين مطلوبية الترك، فلا يرى جمع عرفي بين الطائفتين،

فيقع بينهما التعارض.

[لا بدّ من طرح الرواية الخامسة لكونها صدرت للتقيّة]

و حيث إنّه لا بد في هذا المقام من الأخذ بذى المزية فالترجيح مع الروايات المخالفة للرواية الخامسة، لكونها مخالفا مع العامة و لا بدّ من طرح هذه الرواية، فلا وجه للتمسك بها للكراهة، و الشاهد على كون سبب بيانه عليه السّلام هذا البيان في هذه الرواية التقية هو الرواية الثانية المتقدمة الّتي أعرض الامام عليه السّلام عن الجواب، و ليس إعراضه إلّا لأجل التقية، هذا كله مضافا إلى اشتهار عدم الجواز عند الأصحاب حتى ادعى «1» الاجماع بعضهم على ذلك كما مرّ ذكره.

[في ذكر امور]
اشارة

ثمّ إنّه ما يمكن أن يكون وجها للتحريم الوضعى، أعنى: بطلان الصّلاة (بامين) امور:

______________________________

(1)- السيّد في الانتصار، ص 44؛ أو الشّيخ في الخلاف، ج 1، ص 332.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 194

[الامر الاول و الثاني و الثالث]

الأمر الأوّل: أنّ الظاهر من الروايات الناهية عن التأمين في الصّلاة هو الارشاد إلى فساد الصّلاة به كما قلنا غير مرة من أنّ الأمر بالشي ء في شي ء، أو النهي عن شي ء في شي ء يكون أمره إرشادا إلى دخل هذا الشي ء في هذا الشي ء جزءا و شرطا، و نهيه على كون هذا الشي ء مفسدا لهذا الشي ء.

الأمر الثاني: أنّه بعد كون التزام العامة باتيان (آمين) بعد إتمام الفاتحة بعنوان كونه من سنن الصّلاة و آدابها، فكما قلنا في التكفير يكون إتيانه بهذا الداعى تشريعا و إدخال ما ليس من الدين في الدين، و بعد كونه تشريعا محرما يصير سببا لبطلان الصّلاة، لأنّه مع إتيان (آمين) بقصد كونه جزء مستحبا للصّلاة و من جملة سننها، فيأتي المصلّي بالصّلاة المقيدة بهذا القيد بعنوان التقرب، فيصير تشريعه سببا لبطلان أصل عمله أعنى: الصّلاة، لأنّ الصّلاة المقيدة به ليست بصلوة فلا تصح هذه الصّلاة، و هذا عين فسادها، فلأجل ذلك نقول: بكونه موجبا لفساد الصّلاة من باب سرايته بالعمل كما قلنا. «1»

الأمر الثالث: ما يستفاد من عبارة ابن جنيد رحمه اللّه و هو أنّه لا إشكال في كون

______________________________

(1)- أقول: صيرورة إتيانه موجبا لفساد الصّلاة لكون التشريع فيه تشريعا فيها محلّ تأمل، إذ بعد كون داعي المكلف باتيان هذا الفرد من الصّلاة هو امتثال الأمر بالطبيعة، و الطبيعة غير مقيدة بخصوصيات الفردية، فالمصلّي لا يقصد إلّا امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة، و لو فرض أنّه يأتى حين امتثال الطبيعة بما

ليس جزء، و يكون يشرع في إتيان شي ء في ضمن امتثال الطبيعة، فلا يضر ذلك بقصد القربة بها، و لا يقيد الامتثال بهذه الخصوصية، أى (آمين) فلا وجه لفساد إلّا أن يقال كما قال سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالي في جوابى: بأنّه و إن كان المكلف قاصدا للامتثال الأمر بالطبيعة، و لكن حيث إنّه يقيّد قصده بالصّلاة الّتي فيها (التأمين) يصير ذلك سببا لفساد الصّلاة، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 195

(آمين) بمعنى استجب، و بعد كونه بمعنى استجب، فيكون طلبا لاجابة شي ء من اللّه تعالى، فلا بدّ من أن يكون قبله دعاء مذكور، حتّى يكون ذلك دعاء لاجابة ما ذكر قبلا فعلى هذا نقول: بعد ما لا يكون المذكور قبل ذلك إلّا فاتحة الامام، أو فاتحة نفس الشخص، و من المفروض أنّه يأتي بالفاتحة بقصد القرآنية لا الدعاء، فليس دعاء مذكور قبله حتّى يكون ذلك دعاء لاجابته (فآمين) لا يكون دعاء مستقلا يكون بنفسه دعاء، بل يكون دعاء بالتبع، و على الفرض لم يكن قبله دعاء حتّى يكون بنفسه دعاء، بل يكون دعاء بالتبع، و على الفرض لم يكن قبله دعاء حتّى يكون (آمين) دعاء من المصلّي باجابته فعلى هذا يكون كلاما آدميا يوجب للبطلان.

إن قلت: إنّ هذا الدليل يتم لو لم يجز قصد الدعاء من (اهدنا الصراط المستقيم الخ) في طول قصد القرآنية منه، و أمّا مع جواز ذلك فيقصد القاري للفاتحة الدعاء أيضا، ثمّ يقول نفس القارى إن كان مأموما يجوز أن يقرأ خلف الإمام، أو يكون منفردا (آمين) أو إذا قرء الإمام الفاتحة و قصد بها الدعاء أيضا يقول المأموم (آمين) فيصير دعاء.

نقول: بأنّه في صورة عدم قصد

الدعاء من الفاتحة طولا لا يكون (آمين) دعاء فيكون كلام آدمي، فيصير موجبا لبطلان الصّلاة (نعم في صورة قصد الدعاء لم يتم هذا الدليل، فافهم).

الأمر الرابع:
اشارة

أن يقال: بأنّه يظهر من بعض النحاة كون أسماء الأفعال مثل آمين، و صه، و حيهل و غيرها موضوعا للألفاظ مثلا (آمين) موضوع للفظ (استجب)، لا بمعنى استجب، فإذا قال الشخص (آمين) ينتقل و يفهم المستمع منه لفظ (استجب) ثمّ من لفظ استجب ينتقل إلى معناه، أعنى: إلى معنى استجب، فإذا كان كذلك، فيقال: إنّ (آمين) ليس بمعنى استجب حتّى يكون دعاء و يكون إتيانه في الصّلاة جائزا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 196

و لكن هذا الوجه ليس بتمام لأنّه كما قال الرضي رحمه اللّه ليس هذا كلاما تماما، بل لا معنى معقول له، لأنّه من الواضح كون اسم الفعل موضوعا لمعنى ما سمّى من الأفعال، فآمين موضوع لمعنى استجب لا لفظه، فهذا الوجه غير وجيه.

و أمّا ما اختاره صاحب المدارك «1» رحمه اللّه من الالتزام بالحرمة التكليفية في آمين فما يمكن جعله وجها لهذا ليس إلّا دعوى ظهور النواهي الواردة في الروايات في الحرمة التكليفية.

و لكن هذا دعوى بلا دليل، لأنّ ما يستظهره العرف في هذه، النواهي ليس إلّا الحرمة الوضعية كما قلنا غير مرة من أنّ أمثال هذه النواهي إرشاد إلى كون إيجاد المنهي عنه موجبا لمنقصة في المأمور به لا يمكن أن يصير المأمور به منطبق عنوان الأمر.

و بعبارة اخرى نقول: بعد كون مفاد ما روي في طرق العامة، على فرض صدقه، هو أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا صلّى و قرء فاتحة الكتاب و فرغ من قراءتها يقول (آمين) و من معلوم أنّه

صلى اللّه عليه و آله و سلم، على فرض صدق الرواية، أتى به في الصّلاة مثل ساير الأقوال و الأفعال الّتي أوقعها في الصّلاة، و كونه جزء من أجزائها الواجبة أو المستحبة، كما يستفاد جزئية شي ء أو شرطيته الواجبة و المستحبة للصّلاة من كيفية صلاته صلى اللّه عليه و آله و سلم، فهو إن أتى به أتى بعنوان كونه جزء من أجزاء الصّلاة كما هو المغروس و المعروف في أذهان العامة و أن (آمين) من سنن الصّلاة.

فإذا كان وضع (آمين) خارجا هكذا عند العامة من المسلمين، فأئمتنا أهل البيت صلوات اللّه و سلامه عليهم بعد ما رأوا فساد ما ادعى العامة و عدم كون

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 3، ص 373.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 197

(آمين) من سنن الصّلاة عند اللّه و عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم صاروا في مقام دفع هذه البدعة، و بيان بطلان عمل العامة، فأخبارهم عليهم السّلام، في هذا الباب يكون ناظرا إلى ما هو وضع (آمين) خارجا.

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة فى الرواية]

فعلى هذا نقول: بأنّه يحتمل في الرواية احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أن يكون النظر في النهي عن (آمين) إلى مجرد نفي الاستحباب الّذي تخليه العامة، فمعنى قوله عليه السّلام مثلا (لا تقل: آمين) يعنى ليس آمين مستحبا كما قالته العامة.

الاحتمال الثاني: أن يكون مفادها النهي، لا مجرد بيان عدم الاستحباب، و لكن يكون النهي النهي التنزيهي، و مجرد كراهة ذلك في الصّلاة.

الاحتمال الثالث: أن يكون مفاده النهي و لكن لا النهي التنزيهي، بل إمّا النهي التحريمي و بيان كون (آمين) محرّما نفسيا بمعنى: أنّه إذا قيل في الصّلاة فعل قائله فعلا محرما بدون ربط بصلاته، و إمّا النهي الوضعى و

بيان كون إتيانه موجبا لفساد الصّلاة.

أمّا الاحتمال الأوّل و الثاني فلم يقل به صاحب المدارك رحمه اللّه و يكون خلاف ظاهر الأخبار، فيبقى الاحتمال الثالث، فنقول: إنّ الظاهر في الاحتمال الثالث هو الاحتمال الثاني: أعنى: كون النهي وضعيا لما قلنا من المقدمة المذكورة، و هي أنّ وضع (آمين) عند العامة و ما نقلوا في طرقهم يناسب كون النهي عنه النهي الوضعي، لأنّهم يأتون به و ينسبون استحبابه إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بعنوان كونه من سنن الصّلاة، فالنهي عنه هو النهي الارشادي إلى كونه موجبا لفساد الصّلاة، فلا وجه لقول صاحب المدارك رحمه اللّه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 198

[في ذكر فرع فى المورد]

فرع بعد عدم جواز (آمين) بعد الفاتحة، فهل يجوز إتيانه في غير هذا المحل في أثناء الصّلاة بعد ذكر دعاء صادر من نفسه، أو غيره، فإذا قال مثلا في القنوت أو الركوع أو غيرهما «اللّهم اغفر لنا» أو قاله شخص آخر يقول: آمين، أو لا يجوز ذلك، كما لا يجوز بعد الفاتحة؟

اعلم أنّ الدليل الأوّل، و هو الأخبار المذكورة المربوطة بالباب، لا يشمل هذا المورد لأنّها متعرضة لاتيانه حين قراءة الفاتحة، و كذا الدليل الثاني، أعنى: كونه حراما من باب التشريع و يفسد الصّلاة، لأنّه بعد كونه دعاء بالتبع، و يجوز الدعاء في كلّ حال من أحوال الصّلاة، فلا مانع من إتيانه. «1»

و أمّا الدليل الثالث و هو كونه مفسدا من باب كونه كلاما آدميا، فلا يجري هذا الدليل في مورد هذا الفرع، لأنّه بعد سبقه بالدعاء يصير دعاء بالتبع، و يجوز الدعاء في كل حال من أحوال الصّلاة للدليل على ذلك، فلا وجه لفساد الصّلاة به في مورد الفرع، نعم الاحتياط

بتركه مستحسن لأهمية الصّلاة و احتمال عدم جوازه، فتأمّل و تدبر جيّدا.

______________________________

(1)- أقول: إن كان (آمين) مفسدا للصّلاة لو أتى به بعد الفاتحة إذا اتى به بقصد كونه من مستحبات الصّلاة و آدابها، ففي كل مورد يأتى به بهذا القصد، أى: بقصد الورود، فيكون تشريعا و لا اختصاص بعد الفاتحة، و أمّا لو كان (آمين) مفسدا لو اتى به بعد الفاتحة مطلقا و لو لم يكن بقصد الورود، و بعبارة اخرى يكون محرّما بالحرمة الذاتية لا التشريعية من باب الدليل على ذلك، فلا وجه لكونه محرّما بالحرمة الوضعية في غير هذا الحال من الصّلاة، فتأمّل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 199

الرابع من قواطع الصّلاة القهقهة
[في ذكر الاخبار المربوطة بالباب]

فنذكر أوّلا روايات الباب، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: القهقهة لا تنقض الوضوء، و تنقض الصّلاة). «1»

الرواية الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟

قال: أمّا التبسم فلا يقطع الصّلاة، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصّلاة). «2»

و هذه الرواية و إن كانت مضمرة إلّا أنّ الاضمار في ما روى سماعة لا يضر، لأنّ له كتابا روى في أوّله عن الصادق عليه السّلام، ثمّ قال بعده (و سألته و سألته) و هذه الرواية يحتمل كونها دالة على كون الضحك منقسما بقسمين فقط و هو القهقهة و التبسم، لأنّه بعد كون سؤال السائل عن حكم الضحك، فمقتضى الحكمة بيان أقسامه من حيث القاطعية و عدمها، و بعد ذكره عليه السّلام هذين القسمين يكشف عدم كون

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 200

قسم ثالث

له.

و يحتمل أن لا يكون مفادها حصر الضحك بالقسمين بأن يقال: يمكن أن يكون الامام عليه السّلام في مقام بيان أقسام المتعارف من الضحك، و هو ليس إلّا القسمين، فهذا لا يدلّ على الحصر بهما، إذ يحتمل أنّه عليه السّلام لم يبين قسما آخر من باب عدم كونه متعارفا.

الرواية الثالثة: ما رواها ابن أبي عمير عن رهط (سمعوه يقول: إنّ التبسم في الصّلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة). «1»

هذه الرواية مرسلة بابهام الواسطة بين ابن أبي عمير و من سمع الرهط منه، و مضمرة لعدم ذكر من سمع منه الرهط، و قوله (إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة) يحتمل كونه دالّا على كون القهقهة قاطعا للصّلاة و الوضوء كليهما بقرينة قوله عليه السّلام في الصدر (بأنّ التبسم لا يقطع الوضوء و الصّلاة) و يحتمل أن يكون مفاده قاطعيته لخصوص الصّلاة لا الوضوء، و لم يتعرض عليه السّلام لعدم مبطليتها للوضوء أصلا.

الرواية الرابعة: ما رواها في الخصال قريب من هذه المضامين.

إذا عرفت ذلك نقول: يستفاد من روايات الباب كون القهقهة قاطعا و عدم كون التبسم قاطعا.

و اعلم أنّ أهل اللغة و إن ذكروا للقهقهة بعض المعانى مثل أن القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت مع الترجيع، أو المشتمل على الصوت، أو الضحك

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 201

المقابل للتبسم.

[لا يبعد كون القهقهة من الفاظ الاصوات]

و لكن لا يبعد كون القهقهة من ألفاظ الأصوات، أعنى: الأسماء المولدة من الصوت، بمعنى: أنّه بعد ما يكون قسما من الضحك مشتملا على الصوت، و هذا الصوت يكون قه قه، فقيل باعتبار اشتما لهذا القسم من الضحك على قه قه: إنّ

هذا الفرد من الضحك يكون قهقهة، فقهقهة وضعت لقسم من الضحك باعتبار اشتما لهذا القسم على قه قه، فلأجل هذا تكون قهقهة من الاسماء الأصوات فالضحك المشتمل على قه قه يكون قاطعا، و أمّا التبسم فلا يبعد كونه الضحك الّذي يبدّل هيئة الوجه عنده، و غير مشتمل على الصوت.

[في ذكر بعض الفروع فى المورد]
اشارة

ثمّ بعد ما عرفت ذلك يقع الكلام في فروع:

الفرع الأوّل:
اشارة

المستفاد من الأخبار كون القهقهة من الضحك قاطعا، فهل يكون للضحك قسم ثالث غير داخل في القهقهة و التبسم موضوعا، أو لا؟ و على تقدير وجود قسم ثالث له، فهل يكون أخبار الباب متعرضة لحكم هذا القسم الثالث، أم لم تكن متعرضة له؟

[في ذكر الاحتمالات فى معنى الضحك]

اعلم أنّه إن كان القهقهة هي الضحك المشتمل على قه قه، أو الضحك المشتمل على صوت مع الترجيع، و كان معنى التبسم هو الضحك الغير المشتمل على الصوت و لا يحصل عنده إلّا تغيير هيئة الوجه فللضحك يكون قسما ثالثا، و هو الضحك المشتمل على مجرد الصوت بلا إجهار فيه، أو مع إجهار فيه، لأنّ الضحك المشتمل على مجرد الصوت مع الإجهار و كذا بلا اجهار لا يكون من القهقهة، و لا من التبسم.

و أمّا إن كانت القهقهة هي الضحك المشتمل على مجرد الصوت و إن لم يكن فيها القهقهة، فالضحك المشتمل على الصوت مع القهقهة، و المشتمل على الصوت مع

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 202

الإجهار بدون اشتماله على القهقهة، و المشتمل على الصوت بلا إجهار داخل في القهقهة، و يكون كل هذه الاقسام الثلاثة قاطعا.

و أمّا إن كان موضوع القهقهة و مفهومها مجملا و كذا التبسم، فلا يعلم بأنّ الضحك المشتمل على الصوت بلا إجهار، و كذا مع الاجهار بدون اشتماله على القهقهة داخل في القهقهة، أو في التبسم، فلا يعلم حكم هذين القسمين من الأخبار بناء على عدم تعرض الأخبار إلّا للقهقهة و للتبسم، و كذا بناء على كون موضوع القهقهة خصوص صوت المشتمل على القهقهة، و كون التبسم هو الضحك بلا صوت بناء على عدم كون الأخبار متعرضا إلّا لخصوص القهقهة و التبسم من الضحك، و أمّا بناء

على كون الأخبار متعرضة لحكم جميع أقسام الضحك من حيث القاطعية و عدمها إمّا بأن يكون مفادها كون الضحك منحصرا موضوعا بالقهقهة، و أمّا بأن يكون مفادها كون الحكم في قاطعية الضحك بأقسامه و عدم قاطعيته بين القسمين فإمّا يكون قاطعا، و إما لا يكون قاطعا، فكل قسم غير القهقهة و التبسم داخل حكما في أحد القسمين، فهل يقال: كون القسم المشتمل على مجرد الصوت باجهار، أو مع عدم الاجهار داخلا موضوعا أو حكما في القهقهة، أو في التبسم.

إذا عرفت الاحتمالات نقول: إمّا بناء على كون مفهوم القهقهة و التبسم بيّنا، بأن تكون القهقهة خصوص الضحك المشتمل على صوت قه قه مثلا، أو خصوص الضحك المشتمل على ترجيع الصوت، أو الصوت مع الشدة، و يكون التبسم عبارة عن الضحك الغير المشتمل على الصوت، فيكون للضحك قسما ثالثا أو رابعا، و هو الضحك المشتمل على مجرد الصوت مع الاجهار، و الضحك المشتمل على مجرد الصوت بلا إجهار.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 203

فعلى هذا إن قلنا: بعدم كون الأخبار في مقام التعرض للقسم الثالث و الرابع فيقع الشّك في كون هذين القسمين قاطعين للصّلاة كالقهقهة أو غير قاطعين لها كالتبسم، فيكون الشّك في قاطعية شي ء أو مانعيته للمأمور به و عدمها، و إذا كان الشك من صغريات الشّك في قاطعية شي ء أو مانعيته للمركب و عدمها فيكون مجرى البراءة لأنّ الشّك يرجع إلى دخل عدم شي ء في المأمور به فيكون حكمه حكم بين الأقل و الأكثر، فنحكم بعدم قاطعية. «1»

و أمّا بناء على تعرض الأخبار لكل صور الضحك إمّا من باب كون كل فردين من أفراد الضحك اما داخلين في القهقهة أو التبسم موضوعا، و إمّا من

باب كون كل فردين داخلا في أحدهما حكما، فيكون كل قسم محكوما إمّا بحكم القهقهة أو التبسم، فلا بدّ في هذا المقام من التعرض لهذه الجهة، أعنى: لبيان أخبار الباب لكون أفراد الضحك غير القهقهة و التبسم داخلا في أحد من القسمين موضوعا أو حكما أم لا.

فنقول: قد يقال بدلالة الرواية 2 من الروايات المذكورة على عدم كون غير التبسم من أفراد الضحك يكون قاطعا كالقهقهة بعد كون مفهوم التبسم بيّنا لأنّ هذه الرواية تدلّ على كون السؤال عن حكم الضحك من حيث القاطعية و عدمها، فالظاهر من الرواية كون الامام بصدد جواب السائل و إن اكتفي عليه السّلام في الجواب ببيان حكم

______________________________

(1)- أقول: هذا كله في صورة كون مفهوم القهقهة و التبسم بيّنا و أمّا على تقدير كون مفهومها مجملا بالاجمال المفهومى، و عدم تعرض الأخبار إلا لهما، فأيضا يكون مقتضى الأصل البراءة لأنّه بعد كون العام مجملا مفهوما فيكون حجة في خصوص المتيقن، و أمّا في الزائد فنشك في كونه داخلا تحت العام أم لا، فينتهي الأمر إلى الأصل العملى و هو البراءة. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 204

خصوص القهقهة و التبسم، فما أجاب عن تمام سؤال السائل و الحال أنّ الظاهر كونه عليه السّلام في مقام الجواب مستوعبا لكل أفراد الضحك، لأنّ السائل سئل عن حكم أفراد الضحك، فإذا كان ظاهر الرواية هو كونه عليه السّلام في مقام بيان حكم كل أفراد الضحك و قال ما حاصله يرجع إلى أن التبسم ليس بقاطع و القهقهة قاطع، و كما قلنا يكون موضوع التبسم بيّنا لأنّه عبارة عن الضحك الّذي لا صوت فيه، بل ليس إلّا الضحك المشتمل على تغيير هيئة الوجه به،

فتدلّ الرواية على أنّ غير التبسم يكون قاطعا إمّا من باب كون كل الأقسام موضوعا داخلا في القهقهة، أو حكما. «1»

______________________________

(1)- أقول: هذا الوجه قلت أنا بحضرته مدّ ظلّه العالي في مجلس البحث، و لكن لم يصر مرضيا عنده، و لعل وجهه هو أنّه أمّا أوّلا فيمكن أن يكون سؤال السائل عن الضحك المتعارف، لا كل فرد من أفرد الضحك و لو لم يكن متعارفا و من أفراده النادرة، و لهذا أجاب عليه السّلام عن حكم الفردين المتعارفين، و امّا ثانيا فإنّه و إن كان سؤال السائل عن مطلق الضحك لكن حيث يكون غير القهقهة و التبسم من أفراده النادرة لم يجب الامام عليه السّلام عنه، و أمّا ثالثا بأنّه و إن كان متن الرواية أنّ التبسم لا يقطع الصّلاة و أمّا غيره يقطع الصّلاة كان الأمر كما توهم، و لكن ليس كذلك، بل قال أمّا التبسم فلا يقطع الصّلاة، و القهقهة تقطع الصّلاة و لا يناسب كون كل الاقسام غير التبسم داخلا في القهقهة حكما أن يعبّر هكذا، و أمّا كون القسمين الثالث و الرابع داخلا فيها فغير معلوم.

و قد يقال: بدلالة الرواية 3 من الروايات المذكورة على كون غير القهقهة من أفراد الضحك غير قاطع للصّلاة، لأنّه عليه السّلام قال فيها (إنّ التبسم في الصّلاة لا ينقض الصّلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة) بدعوى أنّ كلمة (إنّما) يفيد الحصر، فيستفاد من الرواية أنّ الضحك القاطع منحصر بها، فمفهومه يدلّ على عدم كون غيرها من أقسام الضحك قاطعا، و كأنّه استرضى هذا الوجه مولانا الاعظم و سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي. لكن أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالي،

يستفاد من هذه الرواية عدم قاطعية القسم الثالث و الرابع من الضحك إن كان

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 205

[في ذكر الفرع الثاني و الثالث و الرابع]

الفرع الثاني: لو حصل للمصلّي مقدمات الضحك و كفّ نفسه عن ظهوره و لكن صار بحيث احمرّ وجه الشخص، و يكون بحيث يقال: حصل له سبب الضحك و لكن منع عن ظهوره، فهل يكون هذا القسم من الضحك قاطعا أو لا؟

مقتضى الأدلّة عدم كونه قاطعا لأنّ الضحك عبارة عن حالة خارجية يحصل للانسان، فما لم تحصل هذه الحالة و لم يبرز و لم يظهر فلا يقال: ضحك الشخص، بل يقال: لم يضحك و إن حصل له مقدمات الضحك و كف نفسه عن إظهاره.

الفرع الثالث: لو ضحك المصلّي ناسيا فهل تبطل صلاته مع النسيان أم لا؟

الحق عدم البطلان.

الفرع الرابع: لو ضحك المصلّي لا باختيار، بل ضحك عن اضطرار فهل تبطل صلاته بالقهقهة الاضطرارية أم لا؟

قد يقال: بعدم كون الضحك الاضطراري مفسدا للصّلاة، لأنّ الظاهر إسناد الفعل إلى الفاعل المختار، فإذا قيل: من ضحك مثلا تفسد صلاته، فالظاهر منه كون صدور الضحك بالاختيار موجبا لفساد الصّلاة.

______________________________

مفهوم القهقهة بيّنا، فيقال: إنّ مفهومها هو الضحك مع الصوت المشتمل على قه قه، أو غير ذلك من معانيه، فالضحك المشتمل على الصوت مع الجهر، أو مجرد الصوت لا يكون قاطعا، لأنّ القاطع منحصر بالقهقهة، و أمّا مع عدم تبين موضوع القهقهة فنشك في كون القسمين أو أحدهما داخلا فيها أو لا، فلا يمكن استفادة حكمهما من هذه الرواية.

نعم بعد كون مفهوم القهقهة مجملا فقدر المتيقن هو غير القسم الثالث و الرابع، ففيهما نقول:

بعدم كونهما قاطعين للبراءة، و على كل حال يكون حكم القسم الثالث و الرابع عدم القاطعية، و لكن الاحتياط خصوصا

في الضحك المشتمل على الصوت مع الاجهار يكون مطلوبا و ممّا ينبغي فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 206

و لكن هذا الكلام غير تمام في المسألة لأنّ الضحك من الموضوعات يصدر غالبا من الضاحك بلا اختيار، و يصدر عن اضطرار، و يكون فرده الاختياري من أفراده النادرة، فالمتيقن من الأخبار هو هذا القسم من الضحك أعنى: ما يحصل بغير اختيار، فلا وجه لانحصار البطلان بما إذا حصل الضحك المفسد عن اختيار، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 207

الخامس من قواطع الصّلاة البكاء
[في ذكر الروايات فى الباب]

اعلم أنّ في بعض الأخبار تعرض لحسن البكاء، و مدحه في الصّلاة، و الترغيب إليه، و هو البكاء الّذي يكون من خشية اللّه تعالى مسلّما، مثل الرواية 1 من الباب 5 من أبواب قواطع الصّلاة، و 3 من الباب المذكور.

و أمّا ما يكون دالا على كون بعض أقسام البكاء من قواطع الصّلاة فليس إلّا رواية واحدة، و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن النعمان بن عبد السّلام عن أبي حنيفة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البكاء في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟ فقال: إن بكى لذكر جنة، أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصّلاة، و إن كان ميّتا له فصلاته فاسدة). «1»

(و أمّا الرواية 2 من الباب المذكور، و هي مرسلة الصّدوق رحمه اللّه فلا يبعد كونها هذه الرواية، لا رواية اخرى).

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 5 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 208

و على كل حال يكون سند هذه الرواية، أى: ما رواها الشّيخ رحمه اللّه، ضعيف في حد ذاته

لأنّ سليمان بن داود البصري من العامة معاصرا مع أحمد بن حنبل و غيره، و كان من المتعينين عندهم و إن طعن عليه العامة في كلماتهم، لكن يكون منشأ الطعن عليه هو نقله رواية رؤيا النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّ القردة و الخنازير يصعدون على منبره، و سليمان ذهب إلى اصفهان، و كذلك النعمان من العامة، و ينتهي السند بأبي حنيفة و حاله معلوم، فسند الرواية في حدّ ذاته ضعيف، و لكن العمدة انجبار ضعفه بعمل المشهور من فقهائنا رضوان اللّه عليهم بالرواية، هذا كله من حيث السند.

و أمّا دلالتها فيقع الكلام في جهات، و قبل التعرض لهذه الجهات نقول: بأنّه لا يرى كون البكاء بنفسه من القواطع عند العامة، نعم ما يرى في كلماتهم هو كونه قاطعا من باب صيرورته مصداق قاطع آخر، فانّهم يقولون: إذا بكى و كان فيه الصوت فيتولد منه الكلام و هو يكون قاطعا، و فيهم الخلاف في بعض خصوصياته، و لكن لا يرى أنّ أحدا منهم يكون ملتزما بكون البكاء في حدّ ذاته قاطعا من القواطع.

[في ذكر بعض الجهات فى المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول:

الجهة الاولى:

يقع الكلام في أنّه بعد كون المذكور في الرواية المتقدمة تكون منشأ للحكم بكون البكاء قاطعا، هو أنّ البكاء (إن كان لذكر جنته أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصّلاة، و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة) فهل يكون لخصوص ما ذكر موضوعية بحيث لا يمكن أن يقال: بجواز البكاء إلا لخصوص ذكر الجنة و النار، و لا يفسد الصّلاة إلّا إذا كان لخصوص ذكر ميت له، أو يكون ذكر الجنة و النار، و كذا ذكر ميت من باب المثال، و إلّا فالغرض من صورة الجواز هو الصورة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 209

التي يكون البكاء لأمر اخروى و للّه تعالى كالخوف من جنابه تعالى، أو الخوف من عذابه و غير ذلك، و الغرض من صورة عدم الجواز ما يكون البكاء لأمر من امور الدنيا كالبكاء لميت له، أو لمرض محبوب له، أو لفقد مال منه و غير ذلك.

لا إشكال في عدم اختصاص الجواز و الفضل بخصوص ما إذا كان لذكر جنّة أو نار، و عدم اختصاص المنع بما إذا كان لذكر ميت له، بل البكاء لكل أمر يكون لأمر اخروي و للّه تعالى جائز كما يدلّ عليه غيره بعض الأخبار المذكور في هذا الباب، و كذلك لا خصوصية لذكر ميت له في فساد الصّلاة، بل كل أمر دنيوى مثله، فذكر الجنة و النار في الشرطية الاولى، و ذكر ميت له في الشرطية الثانية يكون من باب المثال.

[في ذكر الجهة الثانية و الثالثة و الرابعة]
اشارة

الجهة الثانية: هل يكون البكاء على أبي عبد اللّه عليه السّلام ممّا يجوز في الصّلاة أولا يكون جائزا.

لا إشكال في أنّ النظر بحسب الفقاهة يكون هو جوازه إذا كان لأجل اللّه تعالى كما هو المتعارف

في البكاء عليه عليه السّلام، فالبكاء عليه يكون من جملة البكاء لأمر اخروي و له تعالى لا للأمر الدنيوي و كذكر ميت له، نعم ينبغي الاحتياط في تركه في الصّلاة لمن يراعي حفظ المحتملات في الصّلاة.

الجهة الثالثة: هل يختص الحكم بصورة حصول البكاء اختيارا، أو يعم صورة طروه اضطرارا؟

الحق الشمول لكليهما كما قلنا في القهقهة، و يأتي حكم نسيانه بعد ذلك إنشاء اللّه.

الجهة الرابعة: هل تبطل الصّلاة بالبكاء الّذي يكون مشتملا على الصوت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 210

أى مع الصوت، أو لا يختص بذلك، بل يعم الحكم للبكاء مع الصوت و بلا صوت؟

[في ان هل البكاء المبطل هو البكاء مع الصوت]

قد يقال: كما ترى في كلمات بعضهم، كون المبطل و القاطع هو خصوص البكاء مع الصوت، و أمّا إن لم يكن مع الصوت فليس بقاطع للصّلاة بدعوى أنّ البكاء مع المدّ كما قال الجوهري و بعض آخر من أهل اللغة: هو البكاء مع الصوت، و البكاء بالقصر بدون المدّ هو البكاء بلا صوت، و المذكور في الرواية هو البكاء مع المدّ في سؤال السائل، فيختص حكم الفساد في صورة كون البكاء لأمر دنيوي بخصوص ما كان الصوت في البكاء، و أمّا بدون الصوت فليست الرواية متعرضة لحكمه، فنشك في أنّه مفسد للصّلاة أم لا، فنقول بمقتضى البراءة: بعدم قاطعيته.

و لكن لا بدّ من التأمل في أنّه هل الأمر هكذا، أعنى: يكون البكاء ممدودا موضوعا للبكاء مع الصوت، و مقصورا موضوعا للبكا بلا صوت، أو ليس كذلك، لأنّ مادة البكاء و البكى و هي «ب، ك، ى» ليس مشتركا، و المصدر لا يدلّ إلا على قيام المبدأ بفاعل ما، فمن أين جاء هاتين الخصوصيتين أعنى: خصوصية كونه بلا صوت أو مع الصوت

كما قال بعض الأعاظم.

و اعلم أنّه إذا تأمل في الباب فما يأتي بالنظر هو كون ما هو الأصل في هذه المشتقات الحاصلة من «ب، ك، ى» موضوعا لنفس معنى البكاء أى بالفارسية (گريه) بدون كون الاشتمال على الصوت، أو عدم اشتماله على الصوت داخلا في الموضوع له، غاية الأمر بعد كون اللفظ موضوعا لطبيعة البكاء أعنى (گريه) فإذا بكى الشخص و حين إجراء الدمع من عينه كان صوت معه يقال: إنّه بكى، و إن لم يكن صوت معه يقال أيضا إنّه بكى، و البكى و البكاء مصدران، و لم يكونا موضوعين إلّا لمعنى الحدثي بلا خصوصية الاشتمال على الصوت في البكاء، و عدم

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 211

الاشتمال على الصوت في البكى في الموضوع له البكاء أو البكى.

و فيما قلنا: من عدم معلومية كون اللفظ موضوعا لهما بوضع على حدة، لا فرق بين أن يقال: بكون المصدر أصلا، و ساير المشتقات اشتق من مادة «ب، ك، ى» و بين أن يقال: إنّ المصدر مشتق من بكى، و بين أن يقال: بأنّ كلا من المصدر و فعل الماضى و ساير المشتقات أشتق من مادة «ب، ك، ى»

لانا نقول: ما هو الأصل في الاشتقاقات صار موضوعا لمعنى غير مقيدة بالاشتمال على الصوت، و لا المقيدة بعدم الاشتمال على الصوت، و دعوى كون لفظ «ب، ك، ى» مشتركا بالاشتراك اللفظي للفظ البكى و البكاء، بأن يقال: إنّه وضع بكى تارة فعلا للفظ البكاء الموضوع للبكاء مع الصوت، و تارة للفظ البكى الموضوع للبكا بلا صوت، بعيد في الغاية.

[في لفظ (ب- ك- ى)]
اشارة

إن قلت: فما تقول في قول الجوهري و بعض أهل اللغة: من كون البكاء موضوعا للمشتمل على الصوت،

و البكى لغير المشتمل على الصوت.

نقول: بأنّه كما قلنا ما هو الأصل في هذه الاشتقاقات سواء كان المصدر، أو كان بكى، أو كان «ب، ك، ى» كما قلنا لم يعلم كونه موضوعا إلّا لمعنى متبادر منه، و هو ما يقال بها بالفارسية (گريه) و بعبارة اخرى خروج الدمع من العين بدون كون خصوصية اشتماله على الصوت و عدمه داخلا في الموضوع له، أو المستعمل فيه.

و ما قيل: من كون البكاء بالمدّ موضوعا للمشتمل على الصوت من البكاء ليس من باب دخل ذلك في الموضوع له البكاء، بل هو صار منشأ لاطلاق هذا اللفظ، لا أن جعل حين الوضع داخلا في الموضوع له و المستعمل فيه.

و الشاهد على ذلك الكلام الّذي نقل في لسان العرب عن الخليل في هذا الباب

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 212

[في نقل كلام في لسان العرب]

(قال في لسان العرب: و قد بكى يبكي بكاء و بكى، قال الخليل: من قصّره ذهب به إلى معنى الحزن، و من مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، فلم يبالي، الخليل اختلاف الحركة الّتي بين باء البكاء و بين حاء الحزن، لأنّ ذلك الخطر يسير.

قال ابن سيده: و هذا هو الّذي جرّأ سيبويه على أن قال: و قالوا النظر كما قالوا الحسن غير أنّ هذا مسكّن الأوسط، إلّا أنّ سيبويه زاد على الخليل لأنّ الخليل مثّل حركة بحركة و ان اختلفتا، و سيبويه مثّل ساكن الأوسط بمتحرك الأوسط الخ.

و المتأمّل في كلام الخليل يرى أنّ نظره ليس بيان كون البكاء على قسمين:

قسم منه بالمدّ و هو موضوع للصوت، و قسم منه بلا مدّ و هو موضوع لنفس البكا بلا صوت، بل نظره إلى أنّ منشأ إطلاق البكاء ليس إلّا كون

المصدر الّذي بوزن الفعال هو ما فيه الصوت، و هذا منشأ الاطلاق لا كون الاشتمال على الصوت داخلا في الموضوع له، أو المستعمل فيه.

و بعبارة اخرى يكون المصدر بوزن فعل متحرك الوسط غالبا موضوع للحالات القلبية الّتي تحصل حين المكاره كالحزن، و بكى لو كان بضم الباء بوزن الفعل أيضا كذلك، و لهذا قال في لسان العرب (فلم يبالي الخليل اختلاف الحركة بين باء البكاء و بين حاء الحزن) من كون باء البكاء مضموما و حاء الحزن مفتوحا، و أمّا المصادر الّتي تكون بوزن فعال فغالبا يكون منشأ الاطلاق فيها هو اشتمال معناها على صوت فإذا كان هذا مراد الخليل، فهو الأقدم من الجوهري فأصل كلام الجوهري مأخوذ من عبارة الخليل، و عبارة الخليل لا تدلّ على كون الاشتمال على الصوت داخلا في الموضوع له أو المستعمل فيه.

[في نقل كلام الجواهري فى الصّحاح]

و أمّا كلام الجوهري في الصحاح فهو قال (البكاء يمدّ و يقصر، و إذا مددت

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 213

أردت الصوت الّذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها) فهل مراده أنّ نفس الصوت الخارج عند البكاء، هو البكاء، أو الصوت مع البكاء يكون بكاء، و كلامه لا يكون خاليا عن تهافت، لأنّه أخذ في الموضوع له البكاء بالمدّ نفس البكاء، لأنّه قال (إذا مددت أردت الصوت الّذي يكون مع البكاء) فإنّ البكاء بالمدّ هو البكاء المجرد عن الصوت لأنّك قلت الصوت الّذي يكون مع البكاء، فكيف تقول: بأنّ البكاء وضع للصوت الّذي يكون مع البكاء.

و على كل حال نقول: بأنّه إن كان المراد من البكاء ممدودا موضوعا لمعنى، و مقصورا موضوعا لمعنى آخر، هو أنّ ساير اشتقاقات مادة «ب، ك، ى» مشتركا

بين المعنيين، فنقول كما أشرنا إمّا أن يقال: بأنّ المشتقات اشتقت من المصدر، فيكون فيما نحن فيه (بكى و يبكي) مثلا مشتقان من البكاء بالمدّ تارة و من البكاء بالقصر مرة اخرى.

فنقول: بأنّا لا نفهم لذلك معنى معقولا، إذا نقول: بان في مقام الثبوت ما هو المميّز بين هاتين المعنيين، و كيف يستعمل الواضع مثلا بكي مرة في البكى المشتق من المصدر الممدود، و اخرى من المصدر المقصور، و كيف يعقل كون فعل واحد مثلا الفعل الماضى و هو (بكى) مشتقا من المصدرين مختلفي المعنى، لأنّه إما اشتق الفعل من المصدر الممدود، و إمّا من المصدر المقصور، لا أنّه تارة اشتق من أحدهما، و تارة من الآخر فعلى هذا لا نفهم معنى معقولا لكون المشتقات مشتقة من كلا المصدرين و امّا ان يقال بكون المصدر مشتقا من الفعل مثلا من بكى الّذي فعل ماض.

و إمّا أن يقال: كل من المصدرين و ساير المشتقات مشتقات من مادة «ب، ك، ى» و كان بكى في صورة اشتقاق المصدرين منه، أو ب ك ى في صورة الاشتقاق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 214

منه، مشترك بين المعنيين، أعنى: الصوت الخارج حين البكاء و الدمع و خروجه، فنقول: إنّ ذلك خلاف الظاهر فإنّ الظاهر كما قلنا كون المادة موضوعة لأصل الطبيعة، فليست مادة بكى تارة موضوعة لمطلق الدمع و خروجه، و تارة لخصوص مع الصوت منه، بأن يكون تارة موضوعا للمطلق، و تارة للمقيد، و لا أن يكون موضوعا مرة لخصوص المشتمل على الصوت، و اخرى لخصوص المجرد عن الصوت، بأن يكون موضوعا لمعنيين متباينين لا للمطلق و المقيد، و لا يتبادر حين إطلاقها إلّا الطبيعة.

و الشاهد على ذلك ما

ورد في الحديث (فإنّ لم تجدوا بكاء فتباكوا) فإنّ كان البكاء عبارة عن الصوت الخارج عند البكاء فلا معنى لأن يقال (إن لم تجدوا بكاء فتباكوا) لأن ايجاد الصوت ممكن. «1»

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مد ظله العالي- من عدم إمكان كون (بكى) مشتقا من البكاء بالمدّ تارة و من البكى بلا مدّ تارة اخرى ثبوتا، و كذلك اشتقاق المصدرين من فعل، أو مادة «ب ك ى» يكون خلاف الظاهر- يكون محل التأمل لأنّه يمكن أن يكون (بكى) مشتقا من كلا المصدرين بناء على اشتقاق الأفعال من المصدر، ففي مقام الثبوت يكون المميّز إرادة الواضع، فتارة يريد اشتقاق (بكى) و ساير الاشتقاقات من المصدر الممدود، و تارة من المقصور، و في مقام الاثبات و الاستعمال يفيد المستعمل كون الفعل مشتقّا من أىّ المصدرين بالقرينة.

و أمّا بناء على كون المصدر مشتقا من الفعل فيمكن كون الفعل مشتركا بين المعنيين، و كذا بناء على كون كل المشتقات من المصدر و غيره مأخوذا من المادة، فلا مانع من كون مادة «ب ك ى» مشتركا بين المعنيين، و إن لم يكن ذلك مسلّما فلا أقل من أنّه بعد الاستعمال في كلا المعنيين و نقل أهل اللغة لا ندري بأنّ اللفظ موضوع لكل منهما بوضع على حدة حتّى يكون مشتركا، أو موضوع لأحدهما فقط و مجاز في الاخر و ليس خصوص أحد المعنيين متبادرا من اللفظ حتّى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 215

[في ان كون الموضوع له البكاء هو مجرد الدمع]

و بعد اللتيا و الّتي نقول: بأنّه بعد ما استظهرنا من كون الموضوع له البكاء هو مجرد الدمع و خروجه سواء كان الصوت مقارنا له أو لا، فتكون النتيجة هي كون كل بكاء لأمر دنيوي قاطعا و مفسدا للصّلاة

و إن لم يكن مشتملا على الصوت، لما عرفت من عدم كون الموضوع له في البكاء ممدودا و مقصورا إلّا هذا، و ليس الموضوع له متعددا.

فنقول في مسئلتنا الفقهية- أعنى: حكم البكاء من حيث القاطعية و عدمها- بأنّ الرواية المتقدمة متعرضة لحكمه، و قد عرفت ممّا مرّ عدم فرق و ثمرة بين كون البكاء في الرواية بالمدّ أولا، و كذلك لا فرق بين كون (بكى) في قوله (عليه السّلام إن بكى) مشتقا من البكاء بالمدّ أو بالقصر لأنّه بعد عدم كون الموضوع له في كليهما إلّا واحدا و هو خروج الدمع الحاصل عند الحزن، غاية الأمر تارة يكون الحزن كثيرا فيقارن معه الصوت، و ربما يقرأ من يبكي أشعارا بالمناسبة، و تارة لا يكون إلّا مجرد خروج الدمع، فالرواية بعد ما قال فيها (إن بكى لجنة أو نار فذلك من أفضل الاعمال، و إن بكى ميّت له فصلاته فاسدة) تدلّ على أنّ البكاء لامر دنيوى مفسد للصّلاة، و بعد كون معنى البكاء مجرد الدمع الخارج من العين سواء قارنه صوت من الغم أم لا، فكل بكاء لأمر دنيوى يفسد الصّلاة سواء كان بلا صوت أو مع الصوت.

و بعبارة اخرى سواء كان البكاء في الرواية و بكى في الشرطية الاولى و الثانية

______________________________

يكشف كون هذه المعنى هي الموضوع له، و لا وجه لتقديم المجاز على الاشتراك، فبالنتيجة لا ندرى كونه مشتركا أو لا، فلا ندرى بأنّ ما ورد في الخبر هو البكاء مع الصوت أو المجرد عنه، فقدر المتيقن هو البكاء مع الصوت قاطعا ثمّ نشك في كون المجرد عن الصوت قاطعا، أم لا، فبمقتضى البراءة في الشّك في كون شي ء مانعا أو قاطعا نقول بعدمه،

فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 216

في الرواية مع المدّ أو بلا مد، و بعبارة ثالثة ممدودا أو مقصورا و لا وجه لاختصاص القاطع بخصوص البكاء الّذي يقارن صوت مع خروج الدمع من العين.

و أمّا الفقهاء رضوان اللّه عليهم فالظاهر من القدماء منهم ذكر مبطلية البكاء بدون تعرض لكون المبطل هو البكاء مع الصوت، أو الاعم منه و من بلا صوت، و من بعضهم الاختصاص بصورة كونه مع الصوت، أو مع النحيب، و من بعضهم عدم كون البكاء بنفسه من القواطع لبيانهم في مقام مبطليته بأنّه فعل كثير، و يمكن أن يقال: من أنّ عدم تعرض المشهور لكون البكاء مع الصوت مبطلا أو الاعم منه و مما ليس في الصوت، دليل على أنّهم لم يعتنوا بما قال الجوهري في هذا المقام، فتأمل.

الجهة الخامسة:

قد عرفت كون البكاء لأمر دنيوى في الصّلاة موجبا لفسادها سواء قارنه صوت من الغمّ أم لا، لأنّ ما استظهر هو كون الموضوع له للبكاء مجرد خروج الدمع الّذي يتحقّق عند الحزن لأمر، و قد عرفت أنّ المذكور في الرواية السابقة كون البكاء لأمر اخروى غير قاطع للصّلاة، بل هو من أفضل الأعمال، فيقع الكلام في أنّ البكاء لأمر اخروى مثلا لذكر جنة، أو نار لا تبطل به الصلاة في خصوص ما كان بلا صوت، أو لا تبطل به الصّلاة حتّى في ما كان مقارنا مع الصوت، بل و حتى في ما يتولد من الصوت المقارن له الكلام، أعنى: الحرفين.

قد يتوهم جواز البكاء لأمر اخرى و إن كان يخرج مقارنا لخروج الدمع من العين صوت يتولد منه حرفين بدعوى جواز البكاء اخروي، و البكاء أعم من المشتمل على الصوت و من غير المشتمل

على الصوت.

و لكن نقول: بأنّه بعد ما عرفت من كون البكاء عبارة عن مجرد خروج الدمع، و يكون الصوت غير داخل في الموضوع له، بل هو أمر خارج ربما يقارن البكاء، لا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 217

وجه لأنّ يقال: بجواز البكاء لأمر اخروي إلّا في خصوص مورد يخرج مجرد الدمع، و المشتمل على الصوت بشرط عدم تولد حرفين، أعنى: الكلام، منه لأنّ البكاء لأمر اخروي جائز بمقتضى الرواية، و هو ليس إلّا خروج الدمع، فإذا تولد حين خروج الدمع لأمر اخروي صوت، فإن لم يتولد منه الكلام المفسد فلا بأس بهذا الصوت من باب عدم كون هذا الصوت مصداقا لأحد المبطلات، و أمّا إذا كان معه الصوت المتولد منه الكلام فتفسد الصّلاة لكونه كلاما مبطلا، و المغتفر البكاء لأمر اخروي لا الكلام، فعلى هذا يختص الجواز بصورة مجرد خروج الدمع لأمر اخروي، أو ما يقارنه الصوت الغير المتولد منه الكلام المفسد للصلاة، فتأمل جيدا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 218

السادس من قواطع الصّلاة الحدث
[في ذكر اقوال العامّة في المورد]

اعلم أنّ للعامة فيه قولين (على نقل الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف). «1»

القول الأوّل: أنّ من سبقه الحدث في الصّلاة يتوضأ و يستأنف الصّلاة، و به قال الشافعى في الجديد و المسور بن مخرمة و ابن سيرين و النخعي و الحسن بن صالح بن حي.

القول الثاني: أن يعيد الوضوء، و يبنى على ما مضى من صلاته و يتمه، و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعى في القديم، و قال أبو حنيفة إن كان الحدث الّذي سبقه منيا بطلت صلاته، و إن كان دما فإن كان بغير فعله مثل أن شجه انسان، أو فصده بطلت صلاته، و إن كان بغير فعل انسان كالرعاف لم

تبطل صلاته، هذا عند العامّة.

[في ذكر اقوال فقهائنا و الروايات الدالّة]

و أمّا عند فقهائنا رضوان اللّه عليهم فقال الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف «2» مسئلة: من

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 409.

(2)- الخلاف، ج 1، ص 409.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 219

سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما و هي الأحوط أنّه تبطل صلاته، و قال في المبسوط «1» و قد روي إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و يبنى على صلاته، و الأحوط الأوّل.

و يظهر من قوله (و الأحوط الأوّل) عدم كونه جازما بأحد طرفي المسألة، لأنّه إن كان فتواه موافقا لأحد الروايتين لم يقل: و الأحوط الأوّل.

[في ذكر الروايات الدالّة للمورد]

و على كل حال نذكر أخبار الباب أوّلا، ثمّ ما هو المختار، فنقول بعونه تعالى:

انّه انعقد صاحب الوسائل رحمه اللّه بابا راجعا إلى المسألة، و هو الباب الأوّل من أبواب قواطع الصّلاة و لكن بعض رواياته غير مربوط بالمقام.

أمّا الروايات الغير المربوطة بمسألتنا فالرواية الّتي رواها عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس يرخص في النوم في شي ء من الصّلاة). «2»

لأنّ هذه الرواية تدلّ على عدم ترخيص النوم في الصّلاة، بمعنى أن ينام الشخص عمدا في أثناء الصّلاة، و من المعلوم أن من ينام فزمان يقظته غير معلوم، و إذا نام يطول بحيث يخرج عن كونه مصلّيا، و من الواضح بطلان الصّلاة بذلك، و هذا غير ما نحن بسدده من أنّ الشخص يكون في الصّلاة فيحدث، ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يتوضأ و يبنى على صلاته، أو يستأنف الصّلاة، و بعبارة اخرى معنى (لم يرخص) هو عدم ترخيص النوم في أثنائها بأن يأتى ببعض الصّلاة، ثمّ يبنى على ان ينام، ثمّ بعد النوم يأتى

ما بقى من صلاته، أو يستأنفها، فالرواية خارجة عن

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

(2)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 220

محلّ الكلام. «1»

و ما رواها أبو اسامة زيد الشحام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ «لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ» فقال: سكر النوم). «2»

و هي غير مربوطة بالمقام لأنّ مفاد الرواية هو النهي عن الشروع في مع سكر النوم.

و الرواية المعروفة الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تعاد إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «3»

و هي غير مربوطة بما نحن فيه لأنّها تدلّ على اعتبار الطهارة في الصّلاة، و وجوب إعادتها لو وقعت بلا طهارة، و اعتبار الطهارة إنّما هو في أفعال الصّلاة فكل جزء جزء منها لا بدّ من وقوعه مع الطهارة، فلو أحدث في أثناء الصّلاة فإن كان مشتغلا بجزء، فلو توضأ ثمّ يعيد هذا الجزء، و هكذا ما بقى من الأجزاء فحصل الشرط، و إن أحدث في غير حال إتيان جزء، و كان في كون من أكوان الصّلاة

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته دام ظله العالى: دلالة الرواية على محلّ الكلام غير قابل المنع لأنّ محلّ الكلام يكون في قاطعية الحدث سواء كان عن عمد أو عن غير عمد، فالرواية تدلّ على عدم الرخصة في النوم في الصّلاة، و غايتها دلالتها على خصوص حال العمد، فدلالتها على عدم ترخيص النوم في الصّلاة واضح، و إطلاقها يقتضي عدم ترخيص النوم الطويل الّذي يخرج به المصلّي

عن هيئة المصلي، و كذلك النوم القصير مثلا آنا أو آنات، و عدم الترخيص إرشاد إلى مبطليته لو وقع في الصّلاة. (المقرر)

(2)- الرواية 3 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 221

فأيضا لو توضأ و أتى بالأجزاء البعدية مع الطهارة فقد حصل الشرط، أى: الطهارة.

و كلامنا في المقام ليس في هذه الجهة، و إنّما الكلام في أنّ طروّ الحدث في أثناء الصّلاة و لو في غير حال إتيان جزء من الأجزاء يقطع الصّلاة أم لا، و هذه الرواية لا تدلّ على أنّ به تقطع الصّلاة فليست بالمقام مربوطة.

[في ان رواية على بن جعفر لم تكن مربوطة بما نحن فيه]

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: و سألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه فخرج من المسجد حتّى أخرج الريح من بطنه، ثمّ عاد إلى المسجد، فصلّى فلم يتوضأ هل يجزيه ذلك؟ قال: لا يجزيه حتّى يتوضأ، و لا يعتد بشي ء صلّى). «1»

فهي غير مربوطة بما نحن فيه، لأنّ مفروض الرواية هو إتيان الصّلاة بلا طهارة فهذه الروايات الأربعة غير مربوطة بالباب.

[في ذكر الروايات الدالّة المربوطة بمسألتنا]

و أمّا الروايات المربوطة بمسألتنا من الباب المذكور، فبعضها يدلّ على أنّ طرو الحدث يوجب قطع الصّلاة و موجب للاستيناف، و هي روايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها أبو بكر الحضرمى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (إنّهما كانا يقولان: لا يقطع الصّلاة إلّا أربعة: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

اذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا و هو يصلّي، فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فليمسحه بفخذه و إن كان بللا يعرف فليتوضأ و ليعد الصّلاة، و إن لم يكن بللا فذلك

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 222

من الشيطان). «1»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسن بن الجهم (قال: سألته يعنى:

أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال:

إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فلا يعد، و إن كان لم يتشهّد

قبل ان يحدث فليعد) و قد مرّ الكلام فيها في مبحث السلام). «2»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد ينتهي السند إلى علي بن جعفر، و هو يروي عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يكون في الصّلاة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء و الصّلاة، و لا يعتد بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا). «3»

الرواية الخامسة: الرواية الّتي نقلها الشّيخ رحمه اللّه في الخلاف عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع، قال: فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوئه، و إن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في الصّلاة قطع الصّلاة و أعاد الوضوء و الصّلاة). «4»

و هذه الرواية ذكرها صاحب الوسائل في أبواب نواقض الوضوء، مع اختلاف يسير في المتن، هذا كلّه الروايات الدالّة على بطلان الصلاة بطروّ الحدث.

[في ذكر الروايات الاخرى]

و أمّا بعض من الروايات الّتي قيل بدلالتها على أنّه إذا سبقه الحدث في

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(4)- الخلاف؛ الرواية 4 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 223

الصّلاة، يتوضأ و يبنى على ما مضى من صلاته، و لا يجب استينافها فروايات:

الرواية الاولى: و هي ما رواها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن الفضيل بن يسار (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أكون في الصّلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: انصرف ثمّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصّلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلمات ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصّلاة ناسيا، قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم و إن قلّب وجهه عن القبلة). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن موسى بن عمر بن يزيد عن ابن سنان عن أبي سعيد القماط (قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصّلاة المكتوبة في الركعة الاولى، أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجة تلك فيتوضأ، ثمّ ينصرف إلى مصلاه الّذي كان يصلّي فيه، فيبنى على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصّلاة بالكلام، قال: قلت: و إن التفت يمينا و شمالا أو ولى عن القبلة؟ قال: نعم كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة فإنّما عليه أن يبني على صلاته، ثمّ ذكر سهو النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم). «2»

و موضوع هاتين الروايتين واحد تقريبا، و لكن الرواية الثانية أتمّ و فيها زيادات و خصوصيات يأتى التعرض لها إنشاء اللّه.

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 224

الرواية الثالثة: و هي

ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام بنقل الصّدوق رحمه اللّه، (و رواها زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام بنقل الشّيخ رحمه اللّه سئل زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام أو سئل زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام عن رجل دخل في الصّلاة و هو متيمم فصلّى ركعة، ثمّ أحدث فاصاب ماء قال: يخرج و يتوضأ ثمّ يبنى على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمم). «1»

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 225

السابع من قواطع الصّلاة الكلام
اشارة

اعلم أنّ كون الكلام مبطلا في الجملة ممّا لا إشكال فيه فمن حيث حكمه لا يهمّنا التكلم و البحث عنه، و ما ينبغى أن يتكلم فيه هو موضوع الحكم، أعنى: في ما هو المبطل، و بعبارة اخرى في ما هو المراد من الكلام المبطل.

[في ذكر الامور المربوطة بما نحن فيه]
اشارة

فنقول في هذا المقام: بأنّ المراجع في كلمات الفقهاء قدس سرّهم يرى أنّ ظاهر كلمات بعضهم الاجماع على امور:

[الاول و الثاني]

الامر الأوّل: كون الحرفين من الكلام المبطل، و ظاهره شمول معقد الاجماع لما يكون الحرفان موضوعين و لما يكونان غير موضوعين، و بعبارة اخرى مستعملا أو مهملا.

الامر الثاني: دعوى الاجماع على كون الحرف الواحد الموضوع من الكلام المبطل.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 6، ص: 225

[في ان الاجماعات المذكورة في ما نحن فيه ليست بحجة]

و الظاهر عدم كون الاجماع المدعي في الموردين حجة، لأنّه على ما قلنا غير مرة الاجماعات الّتي تكون حجة هي الاجماعات الناقلة في كلمات القدماء من

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 226

الفقهاء المقتصرين في مقام الافتاء على خصوص الفتاوي المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام، فاجماعهم حجة من باب كون إجماعهم كاشفا عن وجود نص في مورد الاجماع، و في هذه المسألة لم يكن هذا النحو من الاجماع أصلا، لأنّه لا يرى في كلمات القدماء قدس سرّهم تعرض للمسألة بهذا النحو، لأنّ الشيخ رحمه اللّه المتعرض للمسألة في المبسوط «1» قال: و لا يتكلم بما ليس من الصّلاة سواء كان متعلقا بمصلحة الصّلاة أو لا يكون كذلك (إلى أن قال) و لا يأن بحرفين و لا يتأنف مثل ذلك بحرفين.

و قال المحقق رحمه اللّه في المعتبر: و الكلام بحرفين فصاعدا يبطل الصّلاة عمدا لا سهوا، و عليه علمائنا، و به قال الشافعي، و قال مالك: إن كان لمصلحة لم يبطلها، و الكلام جنس يقع على القليل و الكثير و الكلم جمع كلمة مثل سبق، و دلّ على أنّ ما تركب من حرفين قسمة سيبويه الكلام إلى اسم، و فعل، و حرف مثل من و عن، و تسمية ذلك كلمة يستلزم وقوع الكلام الّذي هو

الجنس عليه الخ.

[في نقل كلام المحقّق الحائري ره و ردّه]

قد يقال: بأنّ شمول الحكم- أعنى: الحكم بمبطلية الكلام- للصّلاة للالفاظ المهملة محل إشكال، بل منع، و هو يظهر من صاحب المدارك «2» رحمه اللّه و اختاره بعض الأعلام (يعني العلّامة الحائري «3» رحمه اللّه) و حاصل ما قاله بعض الاعلام: هو أنّ اللفظ الصادر من المتكلم إذا كان بعنوان الحكاية عن المعنى، فهو كلام سواء كان صدوره بقصد الحكاية عن المعنى الّتي هي الموضوع له للفظ، أو بقصد الحكاية عن غير الموضوع له، و في صورة قصد الحكاية عن غير الموضوع له سواء كان باعتبار علاقة

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

(2)- المدارك، ج 3، ص 463.

(3)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 298.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 227

بينه و بين الموضوع له، أو لم يكن بينهما علاقة، و في صورة عدم العلاقة سواء كان قاصدا للحكاية عن المعنى الّتي تعارفت عند العرف مثل استعمال الالفاظ المهملة بقصد حكاية نوعه، أو لم يكن كذلك، ففي كل ذلك حيث يكون المتكلم في مقام ايجاد اللفظ في صدد الحكاية عن المعنى يعدّ كلاما، و يكون إتيانه في الصّلاة موجبا لبطلانها.

و أمّا لو لم يكن القاء اللفظ بقصد الحكاية عن المعنى أصلا، بل يكون لغرض آخر مثل ما إذا قال اللفظ المهمل لا بقصد حكاية نوعه، أو أتى بحرف ق مثلا، لأن يعلّم مخرجه فلا يعد ذلك كلاما و إن كان هذا الكلام مشتملا على حرفين، أو اكثر، و لم يكن مبطلا للصّلاة لأنّ المبطل هو الكلام، و هذا ليس بكلام، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه في هذا المقام.

[في ذكر امور ثلاث فى الباب]

و كلامه ليس بتمام، فنقول لفهم حقيقة المطلب: بأنّ المتعارف عند العرف في مقام التكلم امور:

الامر الأوّل: كون

إلقاء اللفظ لإفادة المعنى، فالمتعارف التكلم لافادة المعنى.

الامر الثاني: كون اللفظ فانيا في المعنى بحيث يكون اللفظ مرآتا للمعنى لكون الغرض من إلقائه تفهيم المعنى.

الامر الثالث: كون إلقاء اللفظ و إفادة المعنى عند حضور المخاطب، لأنّ ما صار داعيا لالقاء اللفظ هو إفهام المخاطب.

فما هو المتعارف عند التكلم و في مقام القاء اللفظ و إيجاد الكلام هو هذه الامور الثلاثة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 228

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن كان في صدق كون الكلام كلاما دخل لهذه الامور الثلاثة أو بعضها نقول به، و لا بدّ من الالتزام بدخله في صيرورة الكلام كلاما و إلّا فلا، فإذا نرجع إلى العرف نرى بأنّ الأمر الثالث، و هو حضور المخاطب عند إيجاد الكلام، لا يرى دخيلا في صدق كون الكلام كلاما، و كذلك لا يرى دخل قصد جعل اللفظ فانيا في المعنى في صيرورة اللفظ الصادر كلاما، بل و كذلك لا يرى في صيرورة الكلام كلاما دخل قصد الحكاية في مقام إلقاء اللفظ.

منشأ إلقاء الكلام و إن كان غالبا هو جعل اللفظ حاكيا عن المعنى و فانيا فيها، و كون النظر إلى تفهيم المخاطب، و لكن دخل هذه الامور في صيرورة الكلام كلاما ممنوع.

و بعبارة اخرى نقول: الفعل الاختياري الصادر من الفاعل العاقل المختار لا يصدر إلّا بداعى غرض و مقصد، و بعض الأفعال يكون من الأفعال الّتي يكون ممحّضا غالبا لمقصد وداع خاص، و لا يكون قابلا لكون صدوره بداع آخر غالبا كالصّلاة، فمن يشرع في الصّلاة و يقول (اللّه اكبر) ثمّ يقرأ و يركع إلى آخر لا يرى لفاعله داعيا إلّا التقرب إليه تعالى، لأنّه لا يرى داعيا في هذه الأفعال إلّا لهذا و

إن كان يوجد داعي آخر مثل الرياء يكون في طول ذلك، لأنّ المرائى بعد ما يرى أن هذه الافعال باعتبار كونها راجعا إليه تعالى يكون فاعلها محبوبا عند الناس، فيرائى حتّى يحصل حب الناس، و الغرض هو أنّ الأفعال الصادرة من الفاعل المختار يكون لأجل داع و فرض، و إلّا يعدّ لغوا.

[في انّ الكلام الصوت المعتمد على مقاطع الحروف]

و من جملة الأفعال التكلم، فالمتكلم لا يتكلم إلّا بداعى إفادة المعنى بالمخاطب، و لو لم يكن نظره في كلامه إلى حكاية المعنى و جعل كلامه حاكيا عنها،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 229

فيكون فعله لغوا و عبثا عند العرف، و هذا و إن كان لا إشكال فيه، و لكن مع ذلك نقول: بأنّ الكلام- و هو الصوت المعتمد على مقاطع الحروف- إذا صدر عن المتكلم بدون هذا الداعي هل يقال: بعدم كونه كلاما، أو يقال عرفا بأنّ هذه الأصوات الخارجة عن مقاطع الحروف باعتبار عدم قصد الحكاية عن المعنى فيها لم تكن كلاما، و لا يكون فاعلها متكلما.

الحق عدم دخل قصد حكاية المعنى من اللفظ دخيلا في صدق كونه كلاما، و لهذا يقال بمن أتى بلفظ بدون قصد المعنى: بأنّه تكلم لغوا، و لا يقال: لم يتكلم أصلا و لهذا ترى أنّ الشخص إذا تكلم بكلمة يقال: إنّه تكلم بدون انتظار السؤال عن كون هذا اللفظ موضوعا لمعنى أم لا، أو السؤال من أنّك قصدت المعنى الموضوع له أم لا، و هذا شاهد على كون صيرورة الكلام كلاما غير موقوف على قصد حكاية المعنى من اللفظ أصلا، فاعتبار كون اللفظ موضوعا في صدق الكلام عليه في غير محلّه.

ثمّ إنّ النظر كما قلنا بحسب المتعارف في مقام التكلم هو جعل اللفظ حاكيا عن المحكي

أعنى: المعنى، فيكون اللفظ حاكيا و المعنى محكيا، و أمّا لو صار طبع الانسان مقتضيا لايجاد صوت منه، فلا يكون ذلك من باب كون هذا صوتا و إن تولد منه حرفا، كلاما لعدم كون هذا الصوت المعتمد على مقطع من مقاطع الحروف حاكيا عن المعنى، بل يكون معلولا عن علة، مثلا من يكون مبتلى بمرض أو ابتلاء آخر فيئنّ في هذا الحال لاقتضاء طبعه الانين في هذا الحال، فيتولّد تارة من انينه حرفا او حرفين، فكون هذا كلاما محل تامل لعدم كون ذلك من قبيل نسبة الحاكى بالمحكى، بل بكون من قبيل نسبة المعلول بالعلة،

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 230

و لكن مع ذلك لو فرض كونه من مصاديق الكلام فيشمله الحكم، و لو لم يكن هذا اللفظ الصادر في هذا الحال موضوعا، و لا بقصد حكاية معنى لعدم اعتبارهما في صيرورة الكلام كلاما، و كذا التأنف.

ثمّ إنّ رواية «1» طلحة على تقدير حجيتها من حيث السند هل يفيد حكما تعبديا، أو من صغريات الكلام حقيقة.

اعلم أنّه بناء على كون المتولد من الانين حرفين، فيمكن كونه من مصاديق الكلام على ما قلنا من عدم اعتبار صدق كون اللفظ كلاما إلّا تولد الحرف من الصوت المعتمد على مقاطع الحروف لا كونه موضوعا، و لا كونه بقصد الحكاية عن المعنى في مقام أداء اللفظ، هذا كله بالنسبة إلى اللفظ المشتمل على حرفين و أزيد، و قد عرفت كونه كلاما و إن كان مهملا و أنّه مبطل للصّلاة.

و أمّا الحرف الواحد فالجزم بكونه من صغريات الكلام مشكل، كما أنّ الجزم بعدم كونه كلاما مشكل، فمع الشّك هل يرجع إلى الاصل العملي في المسألة أم لا (فان لم يكن من

مصاديق الكلام عرفا، فاتيانه في الصّلاة يمكن أن يدعى عدم كونه مبطلا للصّلاة للأصل).

و على كل حال لا نفهم الفرق في الحرف الواحد بين كونه موضوعا لمعنى مثل ق و ع، و بين كونه مهملا و غير موضوع لمعنى، فان قلنا بكون الحرف الواحد كلاما و مبطلا، فلا فرق بين كونه مستعملا أو مهملا و إن قلنا بعدم كون الحرف الواحد كلاما و مبطلا، فلا فرق أيضا بين كونه موضوعا أو غير موضوع، و ان فرّق بينهما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 231

بعض الفقهاء، و لكنه غير تمام لعدم وجه فارق بينهما في النظر، فافهم.

[في ذكر فرعين مربوطين بالمورد]

فرع بعد ما لا إشكال في جواز قراءة القرآن و الذكر و الدعاء في الصّلاة لدلالة بعض الأخبار عليه، فهل يجوز قراءتها إذا كان القارى في مقام القراءة بقصد قراءة القرآن، أو لذكر أو الدعاء أو يجوز و إن لم يكن قاصدا لذلك أصلا، بل يأتى بالقرآن بدون قصد الحكاية عن الكتاب المنزل، و في مقام الذكر بدون قصد الذكر، بل لأمر آخر و في مقام الدعاء غير قاصد الدعاء و السؤال عن اللّه تعالى.

الحقّ استثنائها من حرمة الكلام و جواز قراءتها إذا كان القارى قاصدا للقرآن، أو الذكر، أو الدعاء، لأنّ القرآن عبارة عن الكلام المنزل منه تعالى بالنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فالقارى لا بد في مقام قراءته يقصد الحكاية عن هذا الكلام المنزل و إلّا لا يعد قراءة القرآن (و كذلك في الذكر فلا يكون الذكر ذكرا إلّا إذا قصد به الذكر، فمن يقول (اللّه أكبر) مثلا و يقصد إعلام الغير لا يقال:

إنّه ذكر اللّه تعالى، و هكذا في الدعاء).

فرع بعد ما عرفت ما قلنا في الفرع السابق نقول (بأنّه بعد كون المستفاد من الأدلة وجوب رد السّلام على المصلّي فإن سلّم على المصلّي أحد بسلام واجد للشرائط من كونه صادرا من أهله و أتى صحيحا، فيجب ردّه بصيغ السّلام و بقصد السلام.

و أمّا لو صدر السّلام على المصلّي عن المسلم بنحو لا يجب، بل لا يجوز رده على المصلّي حال الصّلاة بقصد السّلام ورد التحية، مثل ما إذا أسلم على المصلّي أحد ملحونا، أو غير هذه الصورة مثل بعض الصور الّذي يكون رد السّلام بقصد التحية مورد الاحتياط.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 232

فقد يقال: بجواز رد السّلام حال الصّلاة في هذه الصورة ببعض صيغ الوارد في القرآن الكريم مثل «سلام عليكم فادخلوها خالدين» بقصد القرآنية ورد التحية.

[في نقل كلام بعض الفقهاء]

فنذكر أوّلا توجيه ما قيل في وجه ذلك، ثمّ نبيّن إشكاله و ما هو الحق في المقام إنشاء اللّه تعالى، أمّا التوجيه فقد تصدى بعض الفقهاء قدس سرّهم في مقام ردّ السّلام حال الصّلاة لتصحيح رد السّلام و التحية باتيان السّلام ببعض صيغ السّلام الوارد في الكتاب الكريم و الاكتفاء به في امتثال الامر برد السّلام و التحية بأن يقال: بأنّه يأتى بالسلام مثلا «سلام عليكم طبتم» بقصد القرآن و يقصد بما قرء من القرآن و رد التحية، و بعبارة اخرى يقصد بقوله تعالى «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهٰا خٰالِدِينَ» أوّلا قراءة القرآن و يقصد به رد التحية تبعا، و بعبارة ثالثة قراءة القرآن و إن كانت عبارة عن حكاية الآية أو السورة المنزلة منه تعالى على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لكن المصلّي يقصد أوّلا

الحكاية ثمّ يقصد بالمحكي و هو قوله تعالى رد التحية، لا أنّه يسلم من نفسه باللفظ الصادر منه تعالى، و بهذا النحو صار بسدد توجيه جواز ردّ التحية في الصّلاة ببعض صيغ السّلام الوارد في القرآن المجيد.

[في ذكر الوجوه المتصور في المورد]
اشارة

ثمّ اعلم أنّ هذا الكلام ليس في محله و لا يمكن أو لا يصح ردّ التحية بهذا النحو، و نقول في مقام توضيح المطلب: بأنّ قصد التحية أوردها بقوله تعالى «سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين» و غير هذه الآية يتصور على وجوه:

الوجه الاول:
اشارة

أن يقال: بأنّ المصلّي يقرأ «سلام عليكم» الّذي هو جزء القرآن بقصد قراءة القرآن، و بعد كون القراءة عبارة عن حكاية ما نزل منه تعالى فيقصد بالمحكي، و هو المنزل من السماء، ردّ التحية و السّلام، فيقصد الحكاية عن كلامه تعالى و يقصد من كلامه تعالى ردّ التحية، فقصد القراءة ورد التحية، فيتحقق

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 233

بهذا السّلام القراءة و رد السّلام كليهما.

فإن كان مراد الموجّه هذا، ففيه أنّه بعد ما لا إشكال في كون القراءة عبارة عن الحكاية لأنّ القاري يحكي كلام اللّه تعالى، فالقاري ليس إلّا في مقام الحكاية سواء يقول في أوّل كلامه (قال اللّه تعالى) ثمّ يقرأ الآية، أو يقرأ الآية بقصد حكاية القرآن (و لهذا قلنا في القراءة بان القراءة: لا تكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى) و المحكي، و هو الكلام الصادر منه تعالى، قد صدر منه و له معنى خاصة، فمن يقرأ «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» «1» الخ يحكي بقوله هذا الكلام الصادر منه تعالى، و الحال أنّه تعالى استعمل هذه الالفاظ في معانى خاصة، إذ هو تعالى نقل قول الملائكة بأهل الجنة، فالحاكي يكون حكاية عن القرآن، و المحكي، و هو الألفاظ الخاصّة الصادرة من جنابه تعالى، استعمل في معانيها و تكون نقل ما يقوله الملائكة بأهل الجنة، فبأيّ من الحاكي و المحكى لا يمكن قصد السّلام ورد التحية، فالحاكى، أعنى: ما يقوله القارى

حكاية عن كلام عزّ اسمه لم يقصد منه على الفرض إلّا الحكاية عما صدر منه تعالى شأنه، و لو قصد به ردّ التحية، فلا يكون قراءة و حكاية عن الكلام المنزل، و المحكي، و هو كلامه المنزل على الفرض، لم يكن إلّا نقل سلام الملائكة بأهل الجنة لا سلام المصلّي على المخاطب الّذي سلّم عليه، فكيف يمكن أن يريد المصلّي بالمحكى و هو كلامه الشريف رد السّلام و التحية، و هذا واضح.

[في توجيه كلام بعض الفقهاء و ردّه]

ثمّ إنّ بعض الاعاظم (يعني الحائري رحمه اللّه) «2» بعد ما صار بسدد التوجيه بهذا النحو قال: و نظير ذلك كتابة «السلام عليكم» لشخص تريد أن ترسل مكتوبا إليه،

______________________________

(1)- السورة الزمر، الآية 76.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 299- 298.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 234

فإنّ المكتوب إنّما قصد به الحكاية عن السّلام الملفوظ، و تقصد من السّلام الملفوظ المحكى الخطاب إلى المخاطب الخاص، و يكون نظره إلى أنّه كما يكون سلام المكتوب حاكيا عن السّلام الملفوظ، ثمّ السّلام الملفوظ يكون سلاما إلى المخاطب، كذلك «سلام عليكم» الّذي يقول المصلّي يريد به الحكاية عن «سلام عليكم» في قوله تعالى ثمّ يريد من سلام عليكم في قوله تعالى رد التحية و السلام.

و لكن فيه أمّا أوّلا نمنع كون السّلام المكتوب حاكيا عن السّلام الملفوظ السّلام الملفوظ المحكي يكون سلاما ابتدائيا أورد السلام، بل المكتوب مصداق السّلام بنفسه و إن كان جعل اللفظ قبل الكتابة لأنّ ما جعل أوّلا لرفع الاحتياج هو اللفظ، ثمّ لما رأوا عدم إمكان رفع الحاجة باللفظ، لأنّ اللفظ يسمعه الحاضر الّذي له السمع فقط فجعلوا الكتب ليفهم المرادات حتّى من لم يكن حاضرا أو لا يكون له سمع، و يكون جعل

الكتب بالنظر إلى جعل اللفظ، و لكن ليس الكتب حاكيا عن اللفظ، ثمّ اللفظ يكون مرآتا للمعنى، بل كما أنّ اللفظ يرائى المعنى كذلك الكتب يرائى المعنى، فليس ما قال من أنّ الكتابة حكاية عن اللفظ، و اللفظ يرائى المعنى في محله، حتّى يقال في ما نحن فيه كذلك، فنمنع ما قال في المقيس عليه أيضا.

و أمّا ثانيا فلو تمّ ما قاله في المقيس عليه فلا يتم في المقيس، لأنّ القياس قياس مع الفارق، إذ السّلام المكتوب على فرض كونه حاكيا عن السّلام الملفوظ، فالمحكي، و هو السّلام الملفوظ، لم يرد منه إلا التحية ابتداء أو رد التحية بخلاف المحكي في المقام فإنّ المحكى كما قلنا في المقام هو «سلام عليكم» المنزل و لم يرد منه تحية المصلّي بالمخاطب، بل أراد منه نقل سلام الملائكة على أهل الجنة، فكيف يقاس بالسلام المكتوب الحاكى عن السّلام الملفوظ المراد منه السّلام و التحية.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 235

[في ذكر الوجه الثاني و الثالث]
اشارة

الوجه الثاني: أن يقال: بكون «سلام عليكم» في الآية قرآنا و ردّ التحية كليهما بأن يقال: يقصد به الحكاية عن الكلام المنزل و يقصد به رد التحية أيضا بأن يستعمل في كليهما.

ففيه أنّ ذلك من قبيل استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد و هو غير معقول، لأنّه بعد كون الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ قالبا للمعنى و فانيا فيه، فمع كون اللفظ قالبا و فانيا في معنى كيف يمكن جعله قالبا و فانيا في معنى آخر كما أفاد شيخنا العلّامة رحمه اللّه في الكفاية. «1»

الوجه الثالث: أن يقال: بأنّ المصلّي يقصد ب «سلام عليكم» مجرد قراءة القرآن و الحكاية عن كلامه تعالى، و لكن مع ذلك يعدّ هذا

السّلام ردّ التحية لأنّه بعد ما يكون المصلّي في مقام رد التحية المسلم و لأجل كونه في الصّلاة لا يتمكن من رده، فيتوصل بوصلة، و هي أن يقرأ «سلام عليكم» من القرآن، فهو إن كان قاصدا في قراءته على مجرد قراءة القرآن و حكاية كلامه المنزل، و لكن ينتزع من هذا المريد منه قراءة القرآن ردّ التحية و يعدّ هذا رد السّلام عرفا، كما ترى أنّك إذا كنت خلف إمام حال الصّلاة، ثمّ الامام سها و جهر بالقراءة في الصّلاة الاخفاتية، و أنت تكون

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه يمكن أن يدعى عدم كون ذلك مصداق قرأته القرآن و لا مصداق ردّ التحيّة لأنّه لا بد في كل منهما تمحض كون القصد في إتيان الالفاظ لخصوصها لها و لغيره، و مضافا إلى أنّ ذلك ليس من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، و الاشكال فيه أكثر، لأنّ في قراءة القرآن لم يكن استعمال اللفظ في المعنى أصلا و في مقام رد السّلام يكون استعمال اللفظ في المعنى، فكيف يمكن أن يكون «سلام عليكم» حكاية عن لفظ «سلام عليكم» المنزل منه تعالى ورد التحية، لأنّ في الأوّل كأنّه استعمل اللفظ في اللفظ لا في المعنى، و في الثاني لا بد من استعمال اللفظ في المعنى، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 236

في مقام تذكره و ليست متمكنا من إعلامه بالكلام لانك في الصّلاة، فتقول بقصد قراءة القرآن «و لا تجهر بصلوتك» فالامام ينتقل بذلك على سهوه، فلم تكن أنت في قولك «فلا تجهر بصلوتك» في سدد الخطاب به بل قرأت القرآن، و لكن ينتزع من قراءتك هذه الآية في هذا الحال أنّك تذكرته، فكذلك

في ما نحن فيه.

و فيه أنّه يجب على من سلم عليه ردّ السلام، فلا بدّ من كون الردّ الردّ الخارجي بمعنى: أن يكون مصداق الردّ عرفا، و في الفرض من يقرأ القرآن و إن كان نظره و غرضه جواب المسلم، و لكن مجرد إرادة الجواب و الشوق به لا يعدّ جوابا، فالمصلّي على الفرض ما أتى خارجا و تكلّم به هو القرآن لا جواب التحية، نعم كان مريدا و محبّا لأن يردّ التحية و من مجرد ذلك لا ينتزع ردّ السلام، و ما يرى من تحقق إعلام الامام بما يقول المأموم «و لا تجهر بصلوتك» و نظائره، فهو من باب انتقال الامام، فإنّ الغرض ليس إلّا مجرد انتقاله بسهوه و هو بمجرد استماع و تجهر ينتقل بسهوه فهو قرء القرآن و من قراءته انتقل الامام بسهوه و أما في المقام لا بدّ من ردّ التحيّة و بمجرد قراءة القرآن لا يصدق ردّ التحية و لا ينتزع من هذا الفعل ردّ السّلام و التحية.

[في ردّ التوجيه الثالث/ في ذكر فرعين]

فظهر لك ممّا مرّ أنّ جواب السّلام بأحد الصيغ من السّلام الوارد في القرآن في حال الصّلاة بقصد التحية إمّا يوجب لبطلان الصّلاة لو لم يقصد بما قرء من القرآن الحكاية عن الكلام المنزل، و إمّا لا يكون تحية لو قصد بماء قرء حال الصّلاة القرآن و حكاية كلامه كلامه المنزل.

فرع الكلام الصادر عن المصلّي نسيانا حال الصّلاة غير مبطل لها بلا خلاف على الظاهر لدلالة بعض الروايات عليه.

فرع لو تكلّم في الصّلاة مكرها، فهل تبطل به الصّلاة مثل صوره التكلم عن

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 237

عمد و اختيار، أو لا يوجب بطلانها مثل صورة المتكلم ناسيا.

[في نقل كلام الشيخ و العلّامة و الشهيد و الهمداني]

اعلم أنّه لا يرى تعرض للمسألة في كلمات القدماء من الفقهاء قدس سرّهم نعم تعرض لها الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و قال: في المسألة وجهان: وجه البطلان إطلاق الأخبار الدالّة على كون الكلام العمدي مبطلا، و وجه عدم البطلان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: و ما استكرهوا عليه في حديث الرفع.

و تعرض لها العلّامة رحمه اللّه رحمه اللّه في المنتهي «1» و التذكرة «2» غاية الامر في الأوّل منهما قال: وجهان، و لم يختر أحد طرفيه، و في ثانيهما قال: وجهان، و قوّى جانب البطلان.

و تعرض لها أيضا الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «3» و قال: وجهان (و ما اختار عدم البطلان أحد إلى الأواخر).

و قال في المصباح «4» بعد التمسك بحديث الرفع لعدم بطلان الصّلاة إذا تكلم ناسيا، وجوها لعدم شمول حديث الرفع للمورد و أنّ البطلان لعله أقوى كما صرح به في آخر كلامه و يظهر منه أنّه بعد ما رأى عدم التزام أحد من الفقهاء قدس سرّهم بالصحة كان الحكم

بالصحة عنده مشكلا

[في ذكر وجوها في ما نحن فيه]
اشارة

فذكر وجوها غير تمام:

[الاوّل و الثاني و الثالث]

الوجه الاول: عدم دلالة حديث الرفع على نفي مطلق الآثار.

الوجه الثاني: عدم دلالتها على رفع المؤاخذة، و قال: كل من الوجهين خلاف التحقيق، ثمّ ذكر وجهين آخرين، و هو الوجه الثالث و الرابع.

الوجه الثالث: هو أنّ التكلم عمدا كالحدث مناف بالذات للصّلاة، فالاكراه

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 309.

(2)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 279.

(3)- ذكرى، ج 4، ص 13.

(4)- مصباح الفقيه، ص 409.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 238

على التكلم إكراه على فعل المنافي، و مرجع الاكراه إلى فعل المنافي يكون لدى التحقيق، إكراها على إبطال الصّلاة، و أثره ليس إلّا المؤاخذة و ترفع بحديث الرفع، و لكن تجب إعادة الصّلاة أو قضائها بعد ذلك.

و فيه أنّ مرجع الاكراه على الكلام بابطال الصّلاة غير صحيح، إذ من الواضح أنّ المكره يكره على الكلام لا على إبطال الصّلاة.

الوجه الرابع:
اشارة

أن يقال: بأنّه يستفاد من التعبير في لسان الشارع بالقاطع بأنّ للصّلاة هيئة اتصالية يوجب إيجاد القاطع قطع هذه الهيئة، و أنّ من الشرائط في الصّلاة هو حفظ الهيئة الاتصالية فعلى هذا يقال: بأنّ رفع أثر الاكراه غير مجد في إحراز تلك الهيئة الاتصالية.

و فيه أنّه على فرض كون الشرط حفظ الهيئة الاتصالية، و يكون القاطع قاطعا لهذه الهيئة، فالمستفاد من الأدلة كون الكلام عمدا قاطعا لهذه الهيئة الاتصالية، و مقتضى إطلاق أدلة مبطلية الكلام هو قاطعيته سواء وقع عن اختيار أو اكراه، و لكن بعد حكومة حديث الرفع تكون النتيجة عدم قاطعيته لو تكلم مكرها، فتكون النتيجة عدم قاطعية كلام الصادر عن إكراه، و معنى ذلك عدم قاطعية كلام الصادر عن اكراه الهيئة الاتصالية، فافهم.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه فى المقام و ردّه]

ثمّ إنّ بعض الاعاظم (الحائرى رحمه اللّه) «1» ذكر وجها آخر لعدم شمول حديث الرفع للمورد، و هو أنّه بعد دلالة أخبار الباب على بطلان الصّلاة إذا صدر الكلام عن عمد، و عدم البطلان إذا صدر ناسيا يظهر من ذلك ظهورا قويا بأنّ الكلام

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقق الحائرى، ص 300.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 239

الصادر عن إكراه ليس قسما ثالثا حتّى يلحق بكلام الناسي بواسطة حديث الرفع.

و فيه أنّ نظره إن كان إلى أنّ شمول حديث الرفع للمكره بالكلام يتوقف على كون المكره قسما ثالثا غير العامد و الناسي فواضح الفساد إذ المكره في كل الموارد من أفراد العامد و مع ذلك يرفع عنه حكم الثابت للعامد بحديث الرفع.

و إن كان نظره إلى أنّ المستفاد من أخبار الباب هو أنّ الخارج عن حكم بطلان الصّلاة من الكلام هو خصوص صورة صدوره نسيانا، فغير الناسي محكوم ببطلان الصّلاة سواء

كان مختارا أو مكرها فلا مجال مع هذا الظهور لشمول حديث الرفع لمن أكره في الكلام.

ففيه أنّ هذا ممنوع، بل مفاد الأخبار هو بطلان الصّلاة بالكلام إذا صدر عمدا، و إطلاق العامد يشمل المختار و المكره، و عدم بطلان الصّلاة إذا صدر ناسيا، و التعرض لخصوص الناسي و عدم التعرض للمكره بالخصوص لعلّه كان من باب كثرة وقوع الكلام ناسيا، و قلة حدوث عن اكراه، مضافا إلى أنّ التعرض للناسي لعلّه يكون لأجل كونه محكوما بحكم خاص إذا صدر عنه الكلام، و هو وجوب سجدة السهو، فلأجل هذا تعرض للناسي.

فهذا الوجه غير قابل لأن يصير منشأ لعدم شمول حديث الرفع للمورد، لأنّ حديث الرفع حاكم على الدليل الدال على بطلان الصّلاة إذا صدر الكلام عن عمد الشامل بإطلاقه في حدّ ذاته للمختار و المضطر، و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بعدم البطلان في ما تكلم مكرها بحديث الرفع، لأجل عدم فتوى من الفقهاء قدس سرّهم على عدم البطلان (و لا أقلّ من الاحتياط).

[في ذكر فروع فى الباب]

فرع لا يجوز على المصلّي الابتداء بالسّلام في حال صلاته، و لا حاجة إلى

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 240

جعل ذلك مستقلا من جملة القواطع، لأنّه بعد ما لا يجوز الكلام غير القرآن و الذكر و الدعاء في الصّلاة، لا يجوز الابتداء بالسلام أيضا لأنّه من أفراد الكلام المبطل، و كون السّلام مشتملا على إنشاء السلامة للمسلّم لا يجعله دعاء حتّى يقال بعد جواز كل دعاء في الصّلاة فيجوز الابتداء بالسلام أيضا لأنّه دعاء بالسلامة لأنّ السّلام لشخص تارة يكون طلبا من اللّه تعالى مثلا يقول: اللهم صلّ و سلّم على محمد و آله، و تارة لا يكون طلبا منه تعالى،

بل يلقى السلامة عليه و ينشأ السلامة له بدون طلبه من أحد كما يقال لشخص تحيى أو تميت ففي هذه الصورة لا يكون السلام دعاء لأنّ الدعاء الجائز في الصّلاة هو ما يطلب منه تعالى و يدعو جنابه، فلا يجوز الابتداء بالسلام على المصلّي لكون ذلك من جملة الكلام القاطع للصّلاة، هذا كله إذا لم يكن السّلام مشتملا على طلب السلامة منه تعالى.

و أمّا لو أتى السّلام بنحو يطلب السلامة أو امرا آخر منه تعالى لكن لا بنحو الخطاب به تعالى، بل يكون خطابه بالمخاطب مثلا يقول: سلام اللّه عليك، أو يقول:

اللّه يحفظك أو صبحك اللّه بالخير للشخص يقصد به التحية، فهل يجوز ذلك أو لا يجوز؟

وجه الجواز كون ذلك دعاء لعدم الفرق في كون الدعاء دعاء بين الخطاب باللّه تعالى و الطلب منه بصورة الخطاب، و بين كونه بصورة الغياب لأنّ ما يعتبر في الدعاء هو كون طلب وقوع أمر أو عدم وقوع من جنابه تعالى، و لا فرق في الغياب و الحضور.

وجه عدم الجواز هو اشتما لهذا الكلام على الخطاب بالمخاطب فيكون من الكلام المبطل، و ليس بذكر و قرآن و دعاء.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 241

و قد يقال: بالجواز قياسا بتشميت أو تسميت العاطس «1»، فكما يجوز أن يقال له حال الصّلاة «يرحمكم اللّه كذلك» يجوز «سلام اللّه عليكم» و نظائره.

اعلم أنّه تارة يقال: بأنّ للأخبار الدالة على عدم جواز الكلام حال الصّلاة و كونه قاطعا إطلاقا يشمل حتّى القرآن و الذكر و الدعاء، غاية الأمر نقول بجواز هذه الثلاثة في الصّلاة من باب ورود الدليل المقيد و إلّا لو لم يكن دليل خاص دالّ على جوازها قلنا بعدم جوازها لاطلاق الأدلّة.

و

تارة يقال: بأنّ أدلّة حرمة الكلام و قاطعيته لا يشمل من رأس القرآن و الذكر و الدعاء، بل يكون نسبة ما دلّ على جواز هذه الأمور تحصصا بالنسبة إلى ما دلّ على كون الكلام قاطعا، و لا يبعد كون الأمر على نحو الثاني لأنّ اشتمال الصّلاة على القرآن و الذكر و الدعاء شاهد على عدم كون النظر من رأس في الدليل الدال على قاطعية الكلام إلى القرآن و الذكر و الدعاء، بل القاطع هو ما ليس من سنخ هذه الامور.

و على كل حال نقول: إن قلنا بالأوّل يقع الشّك في أنّ أمثال «سلام اللّه عليكم» المشتمل على الدعاء من اللّه و الخطاب بالشخص، هل هو من الكلام المبطل، أو من الدعاء الغير المبطل، فلا يجوز إتيانه في الصّلاة لأنّه من الكلام المبطل و الدليل الخاص، و هو ما يثبت جواز الدعاء، يصير مرددا بين الأقل و الأكثر لأنّ كون الكلام المشتمل على الخطاب باللّه تعالى و الطلب منه دعاء مسلم، و لكن لا ندرى بأنّ الكلام المشتمل على الطلب منه تعالى لكن لا بنحو الخطاب دعاء أم لا، فقدر المتيقن هو ما يشتمل على الخطاب و في الزائد يرجع إلى العام، فتكون النتيجة

______________________________

(1)- كلاهما صحيحان.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 242

عدم جواز هذا النحو من الكلام.

و إن قلنا بالثاني فقدر المتيقن من القاطع هو الكلام الغير القرآن و الذكر و الدعاء ففي المورد لا ندرى بأنّه هل يجوز ذلك و لا إطلاق لدليل قاطعية الكلام لكل كلام، فمقتضى الأصل، و هو البراءة، جوازه، هذا كله إذا بلغ الامر بمقام الشك.

و لكل نقول: لا يبعد كون الجائز إتيان مثل «سلام اللّه عليك» في الصّلاة لأنّه لا

يعتبر في الدعاء الخطاب، فهو في هذا الكلام يدعو اللّه تعالى و إن كان خطابه بالطرف، و لكن هو يطلب السلامة منه تعالى له، فلا مانع من هذا لكونه دعاء و لا يكون خارجا من قوله (إنّما هي قرآن و ذكر و دعاء). «1»

[في ذكر فرع آخر]

فرع لو سلّم أحد على المصلّي فهل يجوز ردّه حال الصّلاة أم لا؟ و على تقدير الجواز هل يجب الردّ أم لا؟ و على تقدير الجواز سواء كان الجواز بالمعنى الاباحة أو الوجوب كيف يكون كيفية ردّه.

[في نقل اقوال العامّة و الخاصّة و الطائفة الاولى من الاخبار]

اعلم أنّ الظاهر من جمهور العامة غير بعض التابعين هو عدم جواز ردّ السّلام على المصلّي، نعم نقل الشيخ رحمه اللّه «2» بان الحسن البصرى قال: يرد عليه، و كذا

______________________________

(1)- أقول: لا يبعد عدم الجواز لأنّ الاشكال في المقام مرة يكون في صدق الدعاء عليه و عدمه، فيكون مجال لأن يقال: بأنّ هذا دعاء و إن لم يكن بصورة الخطاب به تعالى، و اخرى يكون في أنّ هذا يكون كلام الآدمى حتّى لا يجوز في الصّلاة أم لا، ففي هذا المقام نقول: بأنّ هذا الكلام مثلا (صبحك اللّه بالخير) مشتمل على الدعاء لأنّ المصلّي يطلب منه تعالى أن يصبح له بالخير، و لكن هذا مشتمل على كلام الآدمى لأنّه يخاطب المخاطب بهذا الكلام فعلى هذا لا يبعد عدم جواز اتيانه في الصّلاة، و لا أقل من الاحتياط تركه، فتأمل. (المقرر)

(2)- الخلاف، ج 1 ص 388.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 243

نقل السيّد رحمه اللّه في الانتصار «1» عن سعيد بن مسيب هكذا، و كلاهما من التابعين.

(ثمّ القائلون «2» بعدم جواز التلفظ بالرد منهم قال بعضهم: يرد بالاشارة برأسه، و هو قول الشافعي في القديم، و قال في موضع آخر يشير بيديه، و به قال ابن عمر و ابن عباس و مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور، و قال بعضهم: يرد قولا لكن بعد الصّلاة، قال الثوري: إن كان باقيا بعد الصّلاة ردّ عليه و إلّا إن

كان منصرفا أى ذهب أتبعه بالسلام، و قال النخعى: يرد السّلام بقلبه، و قال أبو حنيفة: لا يرد شي ء أصلا فيضيع سلامه).

و أمّا الخاصّة فالظاهر من فتاويهم هو جواز الردّ و يمكن دعوى الاجماع عليه، بل يمكن دعوى الاجماع على وجوب «3» الردّ و لو عبر في نوع كلماتهم بالجواز لأنّ الجواز هنا يكون الجواز بالمعنى الأعم الغير المنافي مع الوجوب خصوصا مع أنّه لا معنى للجواز بدون الوجوب، لأنّه بعد كون جواب السؤال واجبا، و المستفاد من الأخبار الخاصّة الوجوب، فالمراد من الجواز في كلماتهم الوجوب، فالاجماع باصطلاحنا أى: النص على الوجوب قائم في المسألة، هذا كله في الأقوال في المسألة.

و أمّا أخبار الباب فهي على طوائف:

الطائفة الاولى: و هي ما رواها محمد بن مسلم (قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو في الصّلاة فقلت: السّلام عليك: فقال: السّلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت فلما انصرف قلت: أ يردّ السّلام و هو في الصّلاة؟ قال: نعم مثل ما

______________________________

(1)- الانتصار، ص 153.

(2)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 281- 282.

(3)- تذكره الفقهاء، ج 3، ص 281- 282.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 244

قيل له). «1»

تدلّ الرواية على كون عمل أبي جعفر عليه السّلام على كون الردّ مثل السلام، و تدلّ ذيلها على ذلك أيضا لأنّه قال (مثل ما قيل له).

و مثلها في كون الجواب «السلام عليك» الرواية الّتي رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي ترد عليه خفيّا كما قال). «2»

تدلّ على وجوب الرد، و كون الجواب بمثل ما قاله المسلم.

[في ذكر الطائفة الثانية و الثالثة]

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم جواز الجواب بلفظ «عليكم السلام» أى:

بتقديم

الظرف على السلام، و هي ما رواها سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصّلاة، قال: يردّ سلام عليكم، و لا يقل: و عليكم السلام، فانّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان قائما يصلّي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه عمار فردّ عليه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم هكذا). «3»

تدلّ على عدم جواز الرد بتقديم عليكم على السلام، و أمّا ما قال عليه السّلام (يردّ سلام عليكم) المتوهم بظاهره على كون الخصوصية في سلام عليكم، و أنّ الجواب لا بد و أن يقع به، فيمكن أن يقال: بأنّ ذكر هذه الصيغة لعلّه يكون من باب أنّ الغالب هو السّلام به، أو من باب الاكتفاء بمطلق ما إذا كان لفظ السّلام مقدما سواء كان بلفظ النكرة أو المعرفة، و سواء كان عليكم بصيغة الجمع أو عليك بصيغة المفرد.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على عدم رفع الصوت به، و هي ما رواها عمار بن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 و 7 و 3 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 245

موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المسلّم على المصلّي، فقال: إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصّلاة فردّ عليه في ما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك). «1»

و هل المراد منها عدم التكلم في مقام الجواب و الاكتفاء بالجواب القلبى، أو المراد هو وجوب الجواب خارجا

و باللفظ، غاية الامر لا يرفع الصوت في مقام الجواب، و يجيب في ما بينه و بين نفسه، و هذا الحكم يكون من باب أنّه إذا رفع الصوت به يصير مورد تعرض العامة لأنّهم مخالفون معه و لا يجوّزون الجواب فلهذا قال عليه السّلام (فردّ عليه في ما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك).

[في ذكر الطائفة الرابعة]
اشارة

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على الاشارة بالاصبع، و هي ما رواها محمد بن مسلم (أنّه سئل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصّلاة، فقال: إذا سلم عليك مسلم و أنت في الصّلاة فسلّم عليه تقول: السّلام عليك و أشر باصبعك). «2»

و ما رواها الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يكون في الصّلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يردّ؟ قال: نعم يقول السّلام عليك فيشير إليه باصبعه). «3»

[في ذكر الجهات في المورد]
اشارة

يحتمل كون الأمر بالاشارة بالاصبع موافقا مع أحد قولي الشافعى، هذا كلّه روايات الباب، ثمّ يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولى:

في أنّه هل يجوز الردّ أم لا؟ لا إشكال في جوازه، بل يكون

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 246

إجماعيا، فلا يهمنا ما قيل من دلالة الرواية 1 من الباب 17 من أبواب القواطع على عدم الجواز لأنّها لو لم تقبل التوجيه فلا يعمل به.

[في ذكر الجهة الثانية و الثالثة]

الجهة الثانية: بعد جواز الردّ هل يجب الرد أم لا؟ فنقول: الردّ واجب لدلالة الروايات المتقدمة على ذلك، و تسلّمه عند الأصحاب و وقوع التعبير بعض العبائر بالجواز لا ينافي ذلك كما ذكرنا.

الجهة الثالثة: هل يجب أن يكون الردّ بخصوص صيغة: السّلام عليك أو سلام عليكم، أو مطلق ما يشتمل على السّلام مع كون لفظ السّلام مقدما على الظرف مثل سلام عليك، و سلام عليكم، و السلام عليك، و السلام عليكم، أو مطلق ما يشتمل على السّلام و لو مع تقديم عليكم، أعنى: الظرف، على السلام، أو يعتبر أن يرد بعين العبارة الّتي سلم عليه، فإن قال: سلام عليكم، يقول المصلّي: في مقام الجواب: سلام عليك.

اعلم أنّ لسان الروايات الواردة في المسألة كما رأيت مختلفة، فبعضها يدلّ على كون الجواب بلفظ: السّلام عليك، و بعضها يدلّ على اعتبار كون الجواب بمثل ما قيل له، أو قال له، و بعضها غير متعرض لهذه الجهة، بل تعرض لأصل وجوب ردّ السلام.

إذا عرفت ذلك كله فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان حكم السّلام في غير حال الصّلاة تتميما للفائدة، فنقول:

اعلم أنّ الابتداء بالسلام مستحب و استحبابه و مطلوبيته ممّا لا

إشكال فيه، و لا حاجة إلى تطويل الكلام في ذلك و ما ينبغي التعرض له هو التكلم في وجوب ردّ السلام و عدمه.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 247

[الكلام في وجوب ردّ السلام في غير الصّلاة او لا؟]

و اعلم أنّه استدل على وجوب ردّ السّلام كما ترى في الكلمات بقوله تعالى إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا. «1»

و وجه الاستدلال بالنظر هو أن يقال: إمّا بكون التحية عبارة عن السلام عرفا، أو كذلك لغة كما ذكره بعض أهل اللغة من كون التحية خصوص السلام، و هكذا نقله أكثر المفسرين «2» في تفسير التحية في الآية المذكورة.

و يستفاد كون التحية هو خصوص السّلام من بعض الأخبار مثل ما رواها في العلل عن محمد بن شاذان عن محمد بن محمد بن الحرث عن صالح بن سعيد عن عبد المنعم بن ادريس عن أبيه عن وهب اليماني في حديث (قال: إنّ اللّه قال لآدم: انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، فسلّم عليهم فقالوا: و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته، فلمّا رجع إلى ربّه عزّ و جلّ قال له ربه تبارك و تعالى: هذه تحيتك و تحية ذرّيتك من بعدك في ما بينهم إلى يوم القيامة). «3»

فلا إطلاق لقوله تعالى في الآية المذكورة حتّى يشمل كلّ تحية، بل المراد خصوص السلام، لا هو مع ساير التحيات.

و إمّا أن يقال: بأنّ المنصرف إليه من التحية على فرض الاطلاق للآية هو خصوص السلام، لما قلنا من قول اللغويين و المفسرين و للرواية و لأجل ما يكون وضع السّلام خارجا، لأنّه من المسلّم كون التحية في صدر الأوّل من الاسلام هو السلام في قبال ما كان متداولا قبل الاسلام

من التحية.

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 86.

(2)- مجمع البيان، ج 3، ص 84.

(3)- الرواية 4 من الباب 39 من ابواب احكام العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 248

[في تفسير التحيّة]

فبعد ذلك نقول: بأنّ ما يظهر من بعض- من تفسير التحية بكل برّ و إحسان كما حكى عن كنز العرفان، و ما ينقل عن تفسير علي بن إبراهيم مرسلا إلى الصادقين من أنّ المراد بالتحية هو السّلام و غيره من البرّ، و ما عن الصّدوق في الخصال «1» بسنده في حديث طويل عن أبي جعفر عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السّلام قال: إذا عطس أحدكم قولوا: يرحمكم اللّه، و يقول هو: يغفر اللّه لكم و يرحمكم، قال اللّه تعالى: وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) و ما عن كتاب المناقب لابن شهرآشوب: جاءت جارية للحسن عليه السّلام بطاق ريحان، فقال لها أنت حرة لوجه اللّه، فقيل له في ذلك، فقال: أدّبنا اللّه تعالى فقال: إذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها، و كان أحسن منها عتقها) المتوهم دلالتهما على كون تسميت العاطس و البرّ في قبال البرّ من أفراد التحية الّتي أمر اللّه بها في الآية بردّها بأحسن منها أو مثلها، فتدلان على شمول الآية لكل برّ و إحسان- لا يوجب حمل الآية على مطلق التحية لما قلنا من أنّ المراد منها هو السّلام أوّلا، و المنصرف منها السّلام ثانيا، و عدم إمكان الالتزام بإطلاق الآية، و وجوب ردّ كل تحية لأنّه من المسلّم بل يمكن دعوى الضرورة عليه هو عدم وجوب ردّ كل تحية غير السلام.

فلا بدّ إمّا من الالتزام بعدم شمول الآية لكلّ تحية، و عدم

إطلاق لها، و إمّا من الالتزام بتقييد اطلاقها في غير السّلام للتسلّم القائم على عدم وجوب ردّ غير السلام من التحيات.

[في ذكر الروايات الدالّة على كون جواب السلام واجبا]

ثمّ بعد ما عرفت ما بيّنا لك من الاستدلال بالآية الشريفة لوجوب ردّ نقول:

بأنّه يدلّ على وجوب ردّ السّلام بعض الروايات أيضا.

______________________________

(1)- الخصال، ص 633؛ الرواية 3 من الباب 58 من ابواب العشرة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 249

الرواية الاولى: و هي ما رواها الصّدوق عن أبيه عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

السلام تطوع، و الردّ فريضة). «1»

و أمّا ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام، و البادي بالسلام أولى باللّه و رسوله). «2»

فلا تدلّ على وجوب ردّ السّلام لعدم إمكان الالتزام بوجوب ردّ الكتاب، بل لا بدّ من توجيه في لفظ الوجوب الواقع في هذه الرواية.

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن على ما جيلويه عن محمد بن أبي القسم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السّلام (قال: لا تسلّموا على اليهود، و لا النصارى، و لا على المجوس، و لا على عبدة الأوثان، و لا على شراب الخمر، و لا على صاحب الشطرنج و النرد، و لا على المخنث، و لا على الشاعر الّذي يقذف المحصنات، و لا على المصلّي، و ذلك أنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السّلام لأنّ التسليم من المسلم تطوع و الردّ فريضة الخ). «3»

فالرواية الاولى و الثانية أعنى: هذه الرواية، تدلّان على

وجوب ردّ السلام، و الراوي فيهما و إن يكونا عاميين، و لكن مع ذلك يأخذ بالروايتين.

ثمّ إنّه لو لم يكن ما قلنا وجها لكون ردّ السّلام واجبا، فلا يمكن إثبات وجوب ردّ السّلام مطلقا في غير حال الصّلاة، و لا حال الصّلاة بما ورد في ردّ

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 33 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 33 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 28 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 250

السّلام حال الصّلاة، و هي الأخبار الّتي قدمنا ذكرها حين التعرض لحكم جواز ردّ السّلام على المصلّي، لأنّ بعضها لا يدلّ إلّا على نقل فعل المعصوم عليه السّلام و أنّ في مقام ردّ السّلام بأيّ نحو يجاب عن السّلام كالرواية 1 من الباب 16 من أبواب القواطع، و بعضها على مجرد جواز الردّ حال الصّلاة، و هو ما ورد التعبير فيه بلفظ يصلح مثل الرواية 7 من الباب المذكور، و بعضها و إن كان قابلا في حدّ ذاته للحمل على وجوب ردّ السّلام حال الصّلاة.

لكن بعد ما قلنا من أنّ العامة كانوا قائلين بعدم جواز ردّ السّلام حال الصّلاة، فكان الامر الوارد في هذه الأخبار قابلا لأن يكون الامر الوارد عقيب الحظر فلا يبقى مع هذا الاحتمال و الخارجية ظهور لهذا الأمر في الوجوب، بل لا يستفاد منه إلا جواز ردّ السلام، فلو لم يكن لنا دليل من الخارج على وجوب ردّ السلام، فلا يمكن استفادة وجوب ردّه من الأخبار الواردة في السؤال و الجواب عن ردّ السّلام حال الصّلاة لما بينا

لك، فافهم.

[في ذكر فروع فى الباب]
اشارة

ثمّ بعد وجوب ردّ السّلام يقع الكلام في فروع:

الفرع الاول:

إذا سلّم الرجل البالغ العاقل القاصد للمعنى بأحد من الصيغ الاربع- أعنى: سلام عليك، سلام عليكم، السّلام عليك، السّلام عليكم- هل يجب ردّ هذا السّلام أم لا؟

اعلم أنّه لا يبعد كون هذه الصورة هو القدر المسلم من الصور الّتي يجب ردّ السلام فيها، نعم سمعنا في زمان اشتغالنا في اصفهان عن بعض بأنّ حجة الاسلام الرشتي رحمه اللّه المعروف كان لم يجب ببعض المسلمين، و كان يقول في علته: بأنّ سلامهم لا يكون للّه، بل يكون لدواع آخر فلا يجب ردهم، فهل لهذا الكلام وجه أو لا؟ لا يبعد

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 251

عدم اعتبار ذلك في وجوب الردّ سواء كان المسلم قاصدا القربة له تعالى بسلامه أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظله العالى في مجلس البحث: بأنّه يمكن أن يقال وجها سمع لما منه رحمه اللّه: بأنّ ما يدلّ على وجوب ردّ السّلام يكون ناظرا إلى ردّ السّلام الّذي يكون سلامه تطوعا و مستحبا، لا إلى غيره، فاذا سلّم المسلّم على وجهه المعتبر فيه يكون جوابه و ردّه واجبا و قدر المتيقن من السّلام المستحب هو السّلام الواقع بقصد التقرب إمّا من باب أنّ القدر المتيقن من الأدلة الدالة على مطلوبية الابتداء بالسلام، هو ما إذا أتى به بداعي التقرب، و عدم إطلاق لها يشمل غير هذه الصورة، و إمّا من باب أنّه لو فرض كون إطلاق لأدلتها، فالاطلاقات منزّلة على المتعارف، و المتعارف عند المسلمين السّلام بقصد التقرب إليه تعالى و إمّا من باب أنّ الظاهر من الأوامر المتعلقة بالسلام و بيان ثوابها هو استحبابه في صورة قصد التقرب به و

إتيانه بقصد العبودية.

و على كل حال بما قلنا يمكن دعوى عدم وجوب ردّ السّلام الّذي لم يقصد به التقرب إليه تعالى، بل سلم بدواع اخر من التحبيب أو جلب النفع و غيرهما من الجهات الدنيوية.

و قال سيدنا و استادنا الاعظم مدّ ظله العالى في جواب ذلك: بأنّه بعد كون جعل السّلام للتأليف، و التحبيب، و قرب كل واحد من الناس مع الآخر، و النظر في جعله مستحبا هو هذه الجهات الاجتماعية، و حصول هذه الامور غير موقوف بكون البادى بالسلام في سلامه قاصدا للتقرب، فلا وجه لاختصاص استحبابه بصورة إتيانه بداعى اللّه، و لا ينافي استحبابه و كونه تطوعا كما في الخبرين المتقدمين مع كونه من المستحبات التوصلية.

فعلى هذا يمكن دعوى استحباب الابتداء بالسلام و لو تحقق السّلام من المسلّم بغير داعيه تعالى من الدواعى الاخر كجلب نفع دنيوى و غير ذلك، و الدليل الدالّ على وجوب ردّ السّلام و إن كان ناظرا إلى ردّ السّلام الّذي شرّع الابتداء به، و لكن كما قلنا يكون السّلام المشروع و المستحب أعم من أن يأتى به بقصد التقرب أو بداع آخر.

أقول: و لكن مع ذلك تسلّم شمول الأدلة لغير ما يكون الداعى التقرب إليه تعالى غير معلوم، ففي ما هذا سلّم الشخص لداع آخر، أو صورة يكون داعيه مشكوكا، يأتى بجوابه احتياطا وجوبا، فافهم و تأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 252

[في ذكر فرع الثاني و الثالث]
اشارة

الفرع الثاني: المسألة السابقة بحالها، و لكن لم يقصد المسلم المعنى، بل يأتي بألفاظ السلام، فهل يجب الردّ أم لا، و بعبارة اخرى إذا سلم الرجل المسلم البالغ العاقل بأحد الصيغ الاربع، و لكن لم يقصد المعنى، هل يجب جوابه و ردّه أم لا؟

قد يقال:

بعدم وجوب الردّ لأنّ الواجب ردّ التحية، الخاصة، و هي السلام، و من لم يلتفت بمعنى السّلام و لم يقصده، فلم يجي ء بتحية خاصة أى: التحية السلامي، فلا يجب ردّه.

و قد يقال: بأنّه و لو لم يلتفت المسلم في هذه الصورة إلى خصوصيات المعانى المستفادة من الألفاظ، و لكن بارتكازه يعلم بأنّ السّلام تحية، و هو يكون قاصدا للتحية بالسلام، و هذا كاف في وجوب ردّه.

اعلم أنّه لا يبعد وجوب الرد في هذه الصورة و لو لم يلتفت المسلم بخصوصيات المعنى، و أنّ كل لفظ في قبال أي من المعانى و لكن يصدق على سلامه أنّه السّلام الصادر تحية، فيجب ردّه.

الفرع الثالث: الصورة بحالها و لكن لم يسلم بأحد الصيغ الأربع بمعنى أنّ الرجل المسلم البالغ العاقل القاصد للمعنى سلّم، و لكن قدّم الظرف على السلام، فقال: عليك السلام، أو عليكم السلام، فهل يجب جوابه أو لا؟

[فى الاحتمالات]
اشارة

اعلم أنّ هنا احتمالات، و يمكن أنّ ذكر وجه لكل منها.

الاحتمال الاول:

أن يقال: بأنّ ردّ السّلام إذا وقع بلفظ عليكم، أو عليك السلام، بتقديم الظرف لا يجب جوابه و ردّه في غير حال الصّلاة، و لا يجوز ردّه في

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 253

حال الصّلاة، و هذا هو المنسوب إلى المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» فإنّه على ما حكي عنه قال: بعدم وجوب ردّ السّلام إذا كان بغير لفظ سلام عليك، فيشمل ما إذا كان بلفظ عليكم السلام، أو عليك السلام، و وجهه هو أنّ السّلام الّذي يكون المتعارف من السلام، هو خصوص الصيغ الأربع لا غيره، و لا يكون المتعارف السّلام بتقديم الظرف على السلام.

الاحتمال الثاني:

هو أن يقال: بوجوب ردّ السّلام إذا وقع بتقديم الظرف على السّلام لاطلاق الأدلة الدالّة على وجوب ردّ السّلام أمّا الآية فغاية ما قيل فيه هو اختصاص التحية فيها بالسلام، و السلام سلام و إن ادى بتقديم الظرف على السلام، و أمّا الروايتان «2» فلهما الاطلاق فكلّ سلام يكون تطوعا و ردّه فريضة.

و أمّا ما نقل من طرق العامة من أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لمن قال له (عليك يا رسول اللّه) لا تقل: عليك السّلام تحية الموتى، إذا سلمت فقل: سلام عليك، يقول الرادّ: عليك السلام، فلا تدلّ على عدم وجوب ردّ السّلام إذا ابتدأ المسلّم بالسلام بتقديم الظرف، بل غاية ما يدلّ عليه هو النهي التنزيهي من باب كون المتعارف تحية الموتى بهذا النحو، و كون المتعارف من السّلام على الاحياء تقديم السّلام على الظرف، و هذا لا يدلّ على عدم كون (عليك السلام) سلاما و كون الواجب رده.

و كذلك لا تدلّ الرواية الّتي رواها عمار الساباطى أنّه سئل أبا عبد

اللّه عليه السّلام عن النساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ (قال: المرأة تقول: عليكم السلام،

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 263- 264.

(2)- الرواية 7 من الباب 28 و أيضا الرواية 3 من الباب 33 من أبواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 254

و الرجل يقول: السّلام عليكم). «1»

فلا تدلّ على عدم صحة هذا الاستعمال، غاية الامر تدلّ على استحباب كون السلام من الرجل بتقديم السّلام على الظرف، و من النساء بتقديم الظرف، فيكون المستحب في المستحب.

[في ذكر الاحتمال الثالث و الرابع في المقام]

الاحتمال الثالث: أن يقال: بأنّه بعد ورود الدليل كما عرفت سابقا بأنّه لا بدّ من كون ردّ السّلام في الصّلاة بمثل ما قال المسلّم، و المثلية تقتضي كون جواب السلام مثل السّلام من حيث التعريف و التنكير، و الافراد و الجمع، و تأخير الظرف و تقديمه، ففي الصّلاة تجب المماثلة في كل ذلك لدلالة بعض الروايات المتقدمة ذكرها سابقا على ذلك (ثمّ إذا ضمّ ذلك ببعض ما ورد في ردّ السّلام في الصّلاة الدالّ على كون الجواب بتقديم السّلام على الظرف، و عدم تقديم الظرف على السلام، فتكون النتيجة عدم وجوب الردّ في الصّلاة إذا وقع بتقديم الظرف على السلام) فيقال لأجل هذا: بعدم وجوب الردّ إذا وقع الظرف مقدما على السلام.

الاحتمال الرابع: ما قلنا في باب كيفية ردّ السّلام في الصّلاة: بأنّ معنى ما يدلّ من الأخبار على كون الجواب بمثل ما قال المسلم أعنى: بخصوص تقديم على الظرف، و كون الجواب واجبا إذا وقع السّلام بكيفية المتعارفة أى: بتقديم السّلام على الظرف، لا في الخصوصيات الاخرى من حيث التعريف و التنكير و الافراد و الجمع، بمعنى: اعتبار المماثلة بين السّلام و ردّه

في خصوص تقديم السّلام على الظرف لا غير ذلك، فتكون النتيجة هي المماثلة بين السّلام و ردّه بمعنى: أنّه إذا وقع

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 39 من ابواب العشرة فى السفر و الحضر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 255

السّلام مقدما كلمة سلامه على ظرفه، فيجب أن يكون الجواب أيضا كذلك.

[لا يبعد عدم وجوب الجواب اذا كان الظرف مقدما]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الأربعة نقول: بأنّه لا يبعد دعوى عدم وجوب ردّ السلام إذا وقع بغير نحو المتعارف أعنى: وقع الظرف مقدما على السلام، فاذا قال المسلّم سلام عليك، أو السّلام عليك، أو أتى ضمير الخطاب جمعا فقال: سلام عليكم، أو السّلام عليكم يجب الجواب، و أمّا إذا قدم المسلّم الظرف على السلام، فقال: عليك، أو عليكم السلام، فلا يجب الجواب لعدم كون الابتداء بالسلام بهذا النحو متعارفا، و الروايات الواردة في وجوب ردّ السّلام ليس لها إطلاق يشمل هذا النحو من السلام، لكون الاطلاقات منزّلة على المتعارف و المتعارف، في الابتداء بالسلام لم يكن هذا النحو من السلام، و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلى اللّه على رسوله و آله.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 256

الثامن من قواطع الصّلاة أن يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال الصّلاة.
اشارة

قال العلّامة رحمه اللّه في المنتهي «1» بعد ذكر مبطلية فعل الكثير: بأنّ هذا هو قول أهل العلم كافة و هذا الكلام يقول إذا كان الحكم مسلما عند الخاصة و العامة، و ادعي عليه الاجماع، و على كل حال لا يخفي اشتهار هذا الحكم بين فقهائنا قدس سرّهم، فنقول بعد ذلك: بأنّ المراجع في الكلمات يرى أنهم لم يجدوا نصا خاصا على مبطلية فعل الكثير.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ ما يمكن أن يكون وجها للحكم، أو قيل بكونه وجها امور:

[في ذكر الامور المربوطة بما نحن فيه]
[الاول الثاني]

الامر الاول: ما ذكرنا من كون هذا الحكم، أعنى: مبطلية فعل الكثير، مشهورا فيقال: يكشف من الشهرة عند الفقهاء وجود نصّ في المسألة لم يبلغ بأيدينا، و لهذا يقال بمبطلية فعل الكثير للصّلاة، و يأتى الكلام في هذا الأمر بعد ذلك إنشاء اللّه.

الامر الثاني: أن يقال: بأنّ وجه إبطال فعل الكثير هو كونه ما حي لصورة

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 310.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 257

الصّلاة، و كلّ ما يمحو صورتها يكون مبطلا لها.

و فيه أوّلا إن كان المبطل كلما يمحو به الصّلاة، فكان المناسب أن يجعل الفقهاء من جملة المبطلات كلّ ما يمحوا به الصّلاة، و يعنونون العنوان هكذا، لا أن يعنونوا العنوان كما عنونوا من انّه من جملة القواطع أن يفعل فعلا كثيرا، و ثانيا ما يرى في كلماتهم هو كون مبطلية فعل الكثير مخصوصا بصورة العمد، و الحال أنّه إن كانت مبطليته من باب كونه ماح للصّلاة، ففي الماحي لا فرق بين صدوره عن عمد، أو غير عمد، بل الماحي ماح للصّلاة صدر عمدا أو عن غير عمد.

الامر الثالث:

أن يقال كما قاله الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في المصباح «1»:

بأنّه بعد ما نرى موارد ورد في الروايات جواز فعلها في الصّلاة إذا مست الحاجة بفعلها في الصّلاة، كقتل القمل، و نفخ موضع السجود، و غسل دم الرعاف و غير ذلك، نفهم عدم جواز إتيان غيرها من الأفعال الكثيرة.

و فيه أنّه إن كان غرضه أنّه يستكشف مفهوم من تجويز هذه الامور القليلة، و هو عدم جواز ما يقابلها من الأفعال الكثيرة، فيقال في جوابه أنّه ليس لها مفهوم لأنّ الأخبار الواردة في جواز هذه الامور تدلّ على جواز إتيان المذكورات في

الصّلاة، لا عدم جواز غيرها. «2»

______________________________

(1)- المصباح، ص 411.

(2)- أقول: إنّ غرضه هو استكشاف كون المغروس في أذهان المتشرعة تنافي بعض الأفعال في الصّلاة، و لهذا سئل عن هذه الامور هل هي من جملة ما لا يجوز في الصّلاة أم لا، فيستفاد من هذه الأخبار كون المغروس في أذهان المتشرعة التنافي بين الصّلاة و الأفعال الخارجية في الجملة فعلى هذا لا يكفي جواب سيدنا الاعظم مدّ ظلّه العالي، بل نقول: بأنّه مجرد استفادة

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 258

[في ذكر الامر الرابع و الخامس في المقام]

الامر الرابع: ان يقال: بأنّ وضع الصّلاة و كيفية عباديتها يكون بحيث يرى تنافي بعض الامور معها.

الامر الخامس: أن يستدل لهذا الحكم بما ورد في بعض الروايات الواردة في عدم جواز التكفف و التكفير في الصّلاة (بأنّه عمل و ليس في الصّلاة عمل) بأن يقال:

بأنّ ذلك يدلّ على أن كلّ ما لا يكون من الصّلاة فهو عمل، و لا يجوز إتيانه في الصّلاة و فعل الكثير عمل خارج عن الصّلاة، فلا يجوز إتيانه في الصّلاة، و الرواية المذكورة فيها هذه العلة قابلة الحمل على ذلك و إن احتملنا فيها احتمالا آخر عند التعرض لمبطلية التكفف فراجع.

إذا عرفت ذلك كله نقول: أمّا الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة لكون فعل الكثير مبطلا، فنحن وجدنا بالتتبع تعرض بعض القدماء قدس سرّهم من الفقهاء لمبطلية فعل الكثير في كتبهم كابن زهرة في غنيته و ابن حمزة في الوسيلة «1» و السلار في المراسم «2» و القاضي في المهذب، و لكن بعد ما نرى عدم تعرض غيرهم من القدماء من الفقهاء قدس سرّهم للمسألة كالمفيد رحمه اللّه، فهو لم يتعرض للمسألة، و كذلك الشيخ رحمه اللّه في كتابه المعد لذكر الفتاوي المتلقاة

عن المعصومين عليهم السّلام أعنى: كتابه النهاية، و لم يتعرض لها في كتابيه الحديث أعنى: التهذيب و استبصار، و كذا في الخلاف، لا يمكن لنا دعوى

______________________________

مغروسية كون بعض الأفعال منافيا مع الصّلاة في الجملة لا يصير وجها لبطلان الصّلاة بفعل الكثير، بل يمكن كون خصوص ما يكون ماح لصورتها مبطلا، فيرجع هذا الوجه بالوجه الثاني، فتأمّل. (المقرر)

(1)- الوسيلة، ص 97.

(2)- المراسم، ص 87.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 259

وجود نصّ في المسألة، فلا يكشف من الشهرة وجود نصّ، نعم تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «1» و لكن تعرضه فيه غير مفيد لأنّ كتابه هذا غير ممحض لذكر الفتاوي المتلقاة، بل يكون مبناه فيه على التعرض للتفريعات.

فعلى هذا لا يمكن الالتزام بمبطلية فعل الكثير من أجل الشهرة لعدم شهرة كاشفة عن وجود النصّ في المسألة.

[ما يمكن ان يكون وجها لمبطلية الفعل الكثير هو الامر الرابع]

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّ ما يمكن أن يقال في وجه مبطلية فعل الكثير هو أنّ ما نرى من وضع الصّلاة هو كونها عبادة مخصوصة، و تذللا خاصا ينافي في نظر المتشرعة الأفعال الخارجة عنها معها، بحيث يريها على وضع مخصوص لو أتى في أثنائها بعض الأفعال الخارجة عنها يعدّونها منافيا معها، فوضع الصّلاة عندهم ليس بحيث يجوز فيه إتيان الافعال الخارجة عنها، و حيث إنّ ذلك كان في ذهن المتشرعة و رأوا تنافي بعض الأفعال معها سئلوا عن جواز إتيانها في الصّلاة و عدمه،

و يمكن أن يقال: بأنّ ما يقال: من أنّ وقوع بعض الأفعال فيها ماح لصورتها يكون النظر إلى هذا، فبهذا الوجه يمكن أن يقال: بعدم جواز فعل الكثير فيها و كونه مفسدا لها، فافهم و تأمل جيدا.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 6، ص:

260

التاسع من قواطع الصّلاة: الأكل و الشرب
اشارة

اعلم أنّ الشّيخ رحمه اللّه تعرض لمبطلية الاكل و الشرب في الخلاف «1» و هو كتابه المعدّ لذكر الفتاوي الخلافية بين المسلمين، و في المبسوط «2» و هو كتابه المعدّ لذكر المسائل التفريعية، و ليسا ممحصين لنقل الفتاوي المتلقاة يدا بيد عن المعصومين عليهم السّلام، فلا يستفاد من نقله فيهما من وجود نصّ عنده لم يبلغ بأيدينا.

[في ذكر رواية سعيد بن الاعرج]

إذا عرفت ذلك نقول: قد يقال بأنّ الرواية الّتي رواها سعيد الأعرج أنّه (قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك إنّي أكون في الوتر و أكون قد نويت الصوم فأكون في الدعاء و أخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء و أشرب الماء و تكون القلة أمامى، قال: فقال لي: فاخط إليها الخطوة و الخطوتين و الثلاث، و اشرب و ارجع إلى مكانك، و لا تقطع على نفسك الدعاء «3» (و نظيرها الرواية الاولى من الباب

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 413.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 118.

(3)- الرواية 2 من الباب 23 من ابواب قواطع الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 261

المذكور، و لا يبعد كونهما رواية واحدة لكون راوي في كليتهما سعيد الاعرج).

تدلّ على عدم جواز الأكل و الشرب في غير مورد منطوق الرواية تمسّكا بالمفهوم بأنّ مفهوم الرواية تدلّ على عدم الجواز في غير مورد الرواية، و فيه أنّه لا مفهوم للرواية. «1»

[ما يمكن ان يكون وجها لعدم جواز الاكل و الشرب في الصّلاة امران]

ثمّ بعد عدم دلالة الرواية على عدم جواز الأكل و الشرب في الصّلاة نقول: ما يمكن أن يقال وجها له أمران:

الاول: كونه فعل الكثير.

و فيه أوّلا إنّا لم نجد دليلا على عدم جواز فعل الكثير بهذا العنوان، و لهذا قلنا في وجه بطلان فعل الكثير وجها آخر.

و ثانيا لا يمكن القول بعدم جواز مطلق الأكل و الشرب بذلك حتّى مثل الذرة الباقية بين الأسنان لعدم كون ذلك فعلا كثيرا، بل و لا ماح لصورة الصّلاة، و كونه خلاف وضع الصّلاة بنظر، المتشرعة و مناف لهما، لعدم كون بلع الذرة منافيا لها عندهم، و ليس أمر الصّلاة من هذا الحيث كالصوم، فإنّ الصوم يبطل و لو ببلع الذرة

الباقية تحت الأسنان، و لم يكن دليل على بطلان الصّلاة به.

الامر الثاني: أن يقال: بمفسدية الأكل و الشرب للصّلاة بما قلنا في وجه مبطلية فعل الكثير، و هو أنّ الصّلاة من العبادات الّتي جعلت بكيفية خاصة، و وضع

______________________________

(1)- أقول: و لكن يمكن أن يقال: بأنّ ما كان بنظر السائل و مغروسا في ذهنه بحسب ظاهر الرواية، هو كون شرب الماء قاطعا للصّلاة، و لهذا سئل عن هذا المورد الخاص، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 262

مخصوص من صاحب الشرع، و يرى إتيان الاعمال الخارجة عنها فيها مناف- في نظر المتشرعة الآخذين الصّلاة من صاحب الشرع- مع الصّلاة، و من جملة ما يرى عندهم منافات الصّلاة مع الأكل و الشرب، فلا يجوز فيها الأكل و الشرب، و يفسداها.

[في بيان الرواية]

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه بعد كون الوجه في عدم جواز الأكل و الشرب هو كونه مناف و ماح لصورة الصّلاة بنظر عرف المتشرعة، فما تقول في الرواية المذكورة الدالّة على جواز الشرب في الوتر لمن يريد الصوم و قرب الفجر؟ فهل تقول بكونه تخصيصا؟ فكيف تقول بالتخصيص لأنّه لا فرق في نظر العرف في المنافات بين الشرب في هذا المورد و بين غيره، و إن تقل بأنّه تخصص، فكيف يمكن أن يقال: بكون الشرب في غير المورد ماح في نظر العرف، و في هذا المورد غير ماح لصورة الصّلاة.

و ربّما يقال: بأنّ الاشكال لا يكون منحصرا بهذه الرواية، بل ينافي الالتزام بكون الأكل و الشرب ما حيين مع ما ورد في بعض الروايات من جواز بعض الأفعال للمصلّي حال الصّلاة، فإن كان الدليل على عدم جواز الأكل و الشرب نصّ

خاص فيمكن أن يقال: بتخصيص عمومه أو إطلاقه بهذا المورد.

و لكن الالتزام بالتخصيص و كذلك التخصص مشكل، فلا بدّ من دفع الاشكال، و نقول بعد ذلك كله: بأنّه لم يرد في أخبارنا نصّ على مبطلية الأكل و الشرب بعنوانهما إلّا ما ورد في جواز الشرب في صلاة الوتر لمن أراد الصوم و قرب الفجر و يكون عطشانا، و قدمنا ذكره، و قد يقال: بأنّ المستفاد منها كون المغروس في ذهن السائل هو كون شرب الماء قاطعا.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 263

و لكن فيه أنّ الظاهر خلافه لأنّ السائل قال (فاكره أن اقطع على نفسي الدعاء و هذا) دالّ على أنّه كاره من قطع الدعاء، و الفصل بين فقراءة بشرب الماء لا من قطع الصّلاة. «1»

[في توضيح الروايات]

و ما ورد في كون الشفع و الوتر صلاتين يجوز الفصل بينهما بالسلام و غيره من المنافيات و عدّ منها الشرب، و هي ما رواها حفص بن سالم الحناط (أنّه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بأنّ يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، ثمّ ينصرف فيقضى حاجته، ثمّ يرجع فيصلّي ركعة، و لا بأس أن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، يشرب الماء، و يتكلم و ينكح، و يقضى، ما شاء من حاجته، و يحدث وضوء، ثمّ يصلّي الركعة قبل أن يصلّي الغداة). «2»

و يحتمل كون الفقرة الأخيرة أعنى: قوله (و لا بأن يصلّي الرجل ركعتين من الوتر، ثمّ يشرب الماء، و يتكلم، و ينكح إلى آخر الرواية) من كلام أبي عبد اللّه عليه السّلام، و يحتمل كونه من كلام الصّدوق رحمه اللّه، و لا يبعد الثاني، لا لأنّ بنائه كثيرا ما على نقل فتواه في ذيل الروايات،

بل أخذ هذه الفتوى من الرواية الّتي نذكرها الآن، أعنى:

______________________________

(1)- أقول: هذا الّذي ذكرنا في وجه الاستدلال بالرواية هو ما قلت أنا بحضرته مد ظله العالي، و أجاب بما ذكرت، و لكن أقول جوابا: بأنّ قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (و لا تقطع على نفسك الدعاء) الظاهر منه هو الأمر بعدم قطع الدعاء مع شربه الماء، هو أنّ مراد السائل كان قطع الصّلاة من قطع الدعاء، و أنّه كاره لقطع الصّلاة لأن يشرب الماء، و الذهاب خطوة أو أكثر يقطع الدعاء قهرا لهذا الفصل، فكيف يقول عليه السّلام (و لا تقطع على نفسك الدعاء) فيمكن أن يقال: بأنّ المغروس في ذهن السائل هو تنافي الشرب مع الصّلاة في نظره بحسب الوضع الشرعي، فتأمّل. (المقرر)

(2)- الرواية 4 من الباب 15 من اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 264

من رواية علي بن أبي حمزة، فعلى هذا ليست هذه رواية مستقلة.

و ما رواها علي بن أبي حمزة و غيره عن بعض مشيخته قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: افصل في الوتر، قال: نعم، قلت: فانّى ربما عطشت فأشرب الماء؟

قال: نعم و أنكح). «1»

و الرواية علي بن أبي حمزة أو غيره عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هي مثل السابقة و أسقط قوله (و أنكح). «2»

و هما أيضا رواية واحدة فبناء على كون الفقرة الاخيرة من الرواية الاولى، أعنى: رواية أبي ولاد من كلام الصدوق رحمه اللّه أو واحد من الروايات غيره لا من المعصوم عليه السّلام، فكل هذه الروايات الثلاثة يكون رواية واحدة، و هاتان الروايتان و إن كانتا واردتين لبيان جواز الفصل بين الشفع و الوتر بالسلام خلافا

لما يقوله العامة إلّا أنّه يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد منهما كون الشرب غير جائز في الصّلاة، و بين الشفع و الوتر جوّز المعصوم عليه السّلام الشرب من باب كونهما صلاتين، فبيّن جواز الفصل بينهما بتجويز المنافيات بينهما من شرب الماء، و التكلم، و غيرهما ممّا لا يجوز في أثناء الصّلاة، فيستفاد منهما كون شرب الماء من منافيات الصّلاة، فيمكن استفادة مبطلية الشرب من هذه الروايات و كذلك مثل الشرب يكون الأكل مسلّما لعدم فرق بينهما، فيمكن أن يقال بمبطلية الأكل و الشرب للصّلاة بهذه الروايات.

و أيضا نقول في وجه مبطليتها بما قلنا قبلا من كون الأكل و الشرب في نظر

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 15 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 15 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 265

المتشرعة من زماننا إلى زمان صاحب الشرع منافيا مع الصّلاة، و أنّهم يرون أمرا مستنكرا لو رأوا أحد يأكل و يشرب في أثناء الصّلاة.

[بعد كون الاكل و الشرب مبطلين، يقع الكلام في فروع خمسة]
اشارة

إذا عرفت مبطليتهما، و كونهما قاطعين في الجملة يقع الكلام في فروع خمسة، و هي الّتي تعرض لها بعض الفقهاء قدس سرّهم كما نقل في مفتاح الكرامة من نقل دعوى الاجماع على مبطلية بعضها، و عدم مبطلية بعض منها:

الفرع الاول: هل يجوز أكل ما بقي ما بين الأسنان من ذرات الطعام أم لا؟

الفرع الثاني: هل يجوز أن يبلع المصلّي نخامته حال الصّلاة أم لا؟

الفرع الثالث: هل يجوز مضغ العلك حال الصّلاة و بلع مائه أم لا؟

الفرع الرابع: هل يجوز وضع شي ء من السكّر و أمثاله في الفم ثمّ يبلعه شيئا فشيئا قليلا قليلا حال الصّلاة أم لا؟

الفرع الخامس: هل

يجوز وضع لقمة من الطعام في الفم قبل الصّلاة ثمّ يبلعها في أثناء الصّلاة أم لا؟

ادعى العلّامة «1» الاجماع على جوازه.

اعلم أنّه ما يأتي بالنظر هو بطلان الصّلاة بالثلاثة الأخيرة، أمّا الفرع الخامس فواضح لأنّ بلع لقمة من الطعام أكل مسلما، و من مصاديقه المتعارفة، و العجب من دعوى الاجماع على جوازه، و كذا الفرع الرابع لأنّه أكل، و كيف يمكن أن يقال بعدم تنافي هذا القسم من الأكل مع الصّلاة إلّا أن يقال بعدم التنافي بين

______________________________

(1)- المنتهى، ج 1، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 266

الأكل و الشرب و بين الصّلاة أصلا، و إلّا فالشخص في هذه الصورة ربما يكون مشتغلا بالأكل من أوّل الصّلاة إلى آخرها، و كذلك الفرع الثالث أعنى:

مضغ العلك. «1»

[في ذكر الفروع]

و أمّا الفرع الأوّل أعنى: ما بقى بين الاسنان، فان كانت ذرة بينها فلا يبعد جواز بلعها، و عدم وجود دليل يدلّ على عدم جواز بلعه، و عدم كون الأكل و الشرب في الصّلاة كالصوم في هذه الجهة، فلو قلنا في الصوم بمبطلية بلع ذرات واقعة بين الأسنان، فلم نقل بها في الصّلاة، و الشيخ رحمه اللّه قال: بجواز بلعها و لكن علّل ذلك بكونه ممّا لا يمكن التحرز عنه، و لكن نحن نقول بعدم وجه لعدم جوازه و إن أمكن التحرز و عدم بلعه.

و مثل الفرع الأوّل الفرع الثاني لأنّ بلع النخامة أيضا لا يبعد جوازه لعدم دليل في المقام يدلّ على عدمه.

هذا كله في القواطع و حكمها إذا وقعت في أثناء الصّلاة عمدا، ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في حكم القواطع المذكورة إذا وقت عن غير عمد.

اعلم أنّه يرى في الكلمات من تقسيم القواطع بما يكون قاطعا

مطلقا سواء وقع عن عمدا و غير عمد أى: سهوا، و بما يكون قاطعيته منحصرا بحال العمد، و ما يرى في كلام الشيخ رحمه اللّه هو انحصار القاطع المبطل حال صدوره عمدا، أو عن غير عمد بما يقطع الطهارة، و وجه انحصاره القاطع المبطل بخصوص ما يقطع الطهارة، و عدم

______________________________

(1)- أقول: و لكن لا يعدّ هذا أكلا، و ربما كان نظره الشريف مدّ ظله العالى إلى كونه فعلا كثيرا مناف مع الصّلاة، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 267

ذكره الالتفات، هو أنّه كما قلنا عند التعرض لقاطعية الالتفات إنّ الالتفات غير الاستدبار عن القبلة كما توهمه بعض المتأخرين، بل الالتفات كما قلنا هو الالتفات بالوجه الّذي تارة يكون بحيث لا ينقض به الصّلاة، و تارة بحيث ينقض به الصّلاة، و هو الالتفات بالوجه إلى أحد جانبيه، و هذا غير الاستدبار عن القبلة لأنّ الاستدبار عن القبلة عبارة عن جعل مقاديم البدن بما وراء القبلة، و الالتفات غير ذلك لأنّه لا يمكن الالتفات بالوجه بما وراء الحقيقي من البدن، فهما عنوانان مستقلان في نظره أحدهما هو وجوب التوجّه إلى القبلة، و تبطل الصّلاة بتركه مطلقا سواء ترك عمدا، أو سهوا، و الآخر هو الالتفات و به تبطل الصّلاة إذا وقع عمدا، و لهذا لم يجعل الالتفات ممّا يبطل به الصّلاة مطلقا.

[التكفير و التأمين قاطعان للصّلاة اذا كانا عن عمد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ القواطع غير ما يقطع به الطهارة، و غير الكلام الدالّ على كون قاطعيته منحصرا بصورة العمد للنصوص الوارد فيه ينبغي أن يقع التكلم في كونها قاطعا في صورة العمد فقط، أو في حال العمد و السهو كليهما.

اعلم أنّ التأمين بعد الحمد، و كذلك التكفير من جملة القواطع، و قدّمنا

كونهما قاطعين، و لكن تكون قاطعيتهما منحصرا بصورة العمد فقط، لأنّ العمدة في وجه مبطليتهما على ما بينّا هو كونهما تشريعا في الصّلاة لأنّ من يأتي بهما بعنوان التشريع و إدراك الفرد الأفضل من أفراد الصّلاة، و الروايات الواردة فيهما ناظرة إلى هذه الحرمة فعلى هذا لو صدر أحدهما عن المصلّي سهوا، فمن المعلوم أنّ الساهي لا يكون ممّن يأتي بهما بعنوان التشريع، بل النسيان صار سببا لاتيانهما، فهو لا يكون في مقام التشريع، فلا وجه لكون ما صدر ناسيا موجبا لإبطال الصّلاة، هذا بالنسبة إلى التأمين و التكفير فهما قاطعان للصّلاة إذا وقعا عن عمد.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 268

و أمّا بقية من القواطع- و هو الضحك، و القهقهة، و البكاء لأمر دنيوي، و الفعل الكثير، و الأكل و الشرب، و الالتفات- فهل تكون قاطعة مطلقا أو في خصوص حال العمد.

[وجه عدم قاطعيتها حال السهو في طي امور]
اشارة

أمّا وجه كون هذه الامور قاطعة مطلقا فالطلاق الأدلة، و أمّا وجه عدم قاطعيتها حال السهو، فيمكن أن يكون امورا:

[الاوّل و الثاني و الثالث]

الامر الاول: أن يقال: بأنّه يستكشف من الأدلة كون قاطعية هذه الامور بملاك واحد مثلا حيث يكون كل هذه الامور من الأفعال المبانية و المنافية للصّلاة، فجعلها الشارع قاطعا لوجود الملاك في كلها، و هذا الوجه ربما يستفاد من بعض كلمات الفقهاء قدس سرّهم من تعبيرهم بأنّ الفعل الكثير قاطع و عدّ من الفعل الكثير هذه الامور.

فإن كان وجهه هذا الوجه، فيقال: بأنّه لو أنّ المصلّي أتى بهذه الامور يراه عرف المتشرعة أنّه يعمل ما ينافي الصّلاة في الصّلاة لو وقع عامدا، و أمّا لو صدر ناسيا فلا يعدونه منافيا.

الامر الثاني: أن يقال: بعدم إطلاق للأخبار الدالة على كون هذه الامور قاطعا يشمل حال السهو، و بعد عدم إطلاق لها، بل و ظهورها في خصوص حال العمد، فنشك في كون حكمها حال السهو هو البطلان و عدمه، فيكون مقتضى حديث الرفع أي رفع ما لا يعلمون، و بعبارة اخرى البراءة هو عدم كونها قاطعا.

الامر الثالث: أن يتمسّك لعدم كون هذه الامور قاطعا إذا وقعت سهوا بحديث رفع النسيان، فانّه من جملة ما رفع في حديث الرفع هو رفع النسيان.

اعلم أنّه يتمسّك برفع النسيان تارة لرفع حكم ثبت بإطلاقه لحال السهو

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 269

سواء كان هذا الحكم وجوبيا أو تحريميا، و سواء كان الشّك في كون حكم مستقل لشي ء مثل ما نسى حرمة شرب الخمر حال النسيان أو نسى وجوب ردّ السلام، أو حكم غير مستقل مثل ما نسى وجوب السورة في الصّلاة، فيقال بمقتضى الحديث برفعه حال النسيان، و تارة يتمسّك به

في ما نسى موضوع الحكم مثل ما إذا يعلم تعلق الوجوب بالسورة لكن نسى حال الصّلاة الموضوع مع توجهه بالحكم، فيقال بمقتضى رفع النسيان برفعه و معنى رفعه رفع وجوبه في هذا الحال، و هذان الموردان غير مربوطين بالمقام.

[في الامر الرابع: التمسك لعدم قاطعية هذه الامور بحديث لا تعاد]

الامر الرابع: التمسك في عدم قاطعية هذه الامور حال السهو للصّلاة بحديث (لا تعاد) لعدم وجوب الاعادة في غير المذكورات في المستثنى بمقتضى الحديث الشريف.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّه قد وقع الكلام في حديث لا تعاد في جهات.

منها أنّ الحديث هل يشمل خصوص السهو، أو يشمل الجهل سواء كان الجهل بالحكم أو بالموضوع، و هل يشمل العمد أيضا كما قال بعض القدماء قدس سرّهم.

و منها و هو الّذي يكون مربوطا بالمقام، و هو أنّه هل الحديث بعد شموله لخصوص السهو يكون للمستثنى منه فيها أي قوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة) إطلاق يشمل سهو الأجزاء و الشرائط و الموانع، أو ليس له إطلاق، بل يشمل خصوص سهو الأجزاء و الشرائط:

وجه الاول: هو أن يقال: بأنّ الاستثناء مفرّغ لعدم ذكر المستثنى منه فكلما يكون غير الخمسة فلا تجب الاعادة لاجلها لاطلاق المستثنى منه، و هو قوله (لا تعاد) الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 270

وجه الثاني: هو أن يقال: أمّا أوّلا فبأنّ ذهول الأمر الّذي يكون بناء الشخص على إيجاده و تركه يكون مستندا بسهو نفسه، مثلا من يريد أن يقرأ السورة أو يأتى بالركوع و نظائرهما في الصّلاة، و تركها سهوا يكون تركه من باب ذهوله عن خاطره، فيكون الترك في حال السهو مستندا إلى غروب نفس هذا الامر الوجودى عن الخاطر، فيقال: نسي السورة، و تركها، و أمّا ترك الأمر العدمي، أعنى:

ما يكون الشخص بانيا على

تركه فأوجده سهوا، مثلا كان بنائه على ترك القهقهة في الصّلاة فأتى به سهوا، فاتيانه سهوا ليس من باب سهو نفس القهقهة، لأنّه لو سهاها فلم يأت بها ففعلها في الصّلاة يكون من باب سهو أمر آخر، و هو السهو عن كونه في الصّلاة، فيكون منشأ الترك حال السهو في الأمر الوجودى و العمدى مختلفا كما عرفت، لأنّ في الأوّل يسهو نفس الأمر الوجودي فيتركه سهوا، و في الثاني يسهوا أمرا آخر فيوجده سهوا.

فبعد ذلك نقول: بأنّه بعد ما يكون مفاد الحديث و النظر فيه إلى أنّ من يكون بنائه إتيان الصّلاة و امتثال أمره، ثمّ طرأ له من غير اختيار ما يوجب عدم موافقة المأتى به للمأمور به و هو السهو، و لهذا نقول بعدا إن شاء اللّه بعدم شمول الحديث إلّا للسهو، فهل يكون النظر في قوله (لا تعاد الصّلاة) إلى عدم إعادة الصّلاة لأجل السهو و الذهول عن الشي ء، و بعبارة اخرى يكون النظر إلى أنّ ما لو لا السهو عنه لكان المصلّي آتيا به و موجدا له في صلاته فلا تعاد الصّلاة لاجله، فيكون ناظرا إلى ما يكون تركه بنفسه مستندا إلى السهو و هو خصوص الامور الوجودية المعتبرة في الصّلاة، لأنّه كما قلنا هي الّتي يكون تركه مستندا إلى سهوه لا إلى أمر آخر، و يكون ناظرا إلى كل ما صار السهو و لو بسبب امر آخر و تعلقه بهذا الامر الآخر سببا له

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 271

سواء كان من الامور الوجودية الّتي يكون منشأ تركها حال السهو سهو نفسها أو الامور العدمية الّتي كون منشأ فعلها حال السهو السهو عن امر آخر، و هو عدم توجهه و

سهوه عن كونه في الصّلاة.

فنقول بعد كون المحتمل أحد الامرين، بأنّ القدر المتيقن أو الظاهر هو كون (لا تعاد) بعد كونه متعرضة لخصوص حال السهو مسوقا لعدم الاعادة في ما يكون سبب تركه سهو نفسه، و هي الأجزاء و الشرائط لأنّه لو تركها الناسي تركه لنسيانه لها، لا ما يكون فعله سهوا لأجل امر آخر كالموانع، فان فعلها في الصّلاة يكون لأجل سهوه كونه في الصّلاة لا سهو نفس المانع، لأنّه لو سهاه لم يكن آتيا به في الصّلاة.

و أمّا ثانيا بأنّه لو فرض كون المستثنى منه و هو قوله عليه السّلام (لا تعاد الصّلاة) مطلقا و إطلاقه يقتضي في حدّ ذاته عدم الاعادة سواء ترك جزء أو شرطا سهو، أو أتى بمانع سهوا، و لكن بعد كون المستثنى، أعنى: الخمسة المذكورة في الحديث، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود من الامور الوجودية المعتبرة وجودها شرطا أو شطرا في الصّلاة تصير المستثنى قرينة على كون المستثنى منه من الامور المسانخة للمستثنى أعنى: من الامور الوجودية، فتكون النتيجة عدم وجوب الاعادة بمقتضى الحديث إذا سها المصلّي و ترك ما يعتبر فيها شطرا أو شرطا فيها إلّا في خصوص الخمسة المذكورة في المستثنى، فلا يعم الحديث الموانع أعنى: ما يكون عدمها دخيلا في الصّلاة.

هذا هو المحتمل في الحديث، فهل الظاهر منه هو الاحتمال الأوّل حتّى تكون النتيجة شموله للأجزاء و الشرائط و الموانع، أو الظاهر منه الاحتمال الثاني حتّى تكون

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 272

النتيجة هو اختصاص عدم وجوب الاعادة في غير الخمسة بخصوص ترك الأجزاء و الشرائط إذا وقعت في الصّلاة سهوا، في المسألة وجهان و إن قلنا بكون الاطلاق للحديث يشمل

الامور المعتبرة وجودها في الصّلاة و الامور المعتبرة عدمها فيها، فيكون الأمر سهلا بالنسبة إلى طروّ الموانع سهوا لأنّ في غير الطهارة الّتي تكون من المستثنى في حديث (لا تعاد) يكون إتيان سائر القواطع بناء على هذا عن سهو غير موجب للاعادة بمقتضى الحديث، فافهم. «1»

الأمر الخامس:
اشارة

و هو ما يرى التمسك به في بعض الكلمات مثل العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه، و هو التمسك بحديث الرفع، لا برفع ما لا يعلمون، بل برفع النسيان لأنّه أحد الامور المرفوعة بمقتضى الحديث.

اعلم أنّ حديث الرفع الدالّ على رفع امور لا يكون وزان رفع هذه الامور المرفوعة بمقتضاه بنهج واحد، و قد بينا شرح الحديث و ما ينبغي أن يتكلم فيه في الاصول، و نشير هنا إلى بعض ما يرتبط بالمقام.

[الظاهر انّ وزان ما استكرهوا عليه و ما اضطروا إليه واحد]

فنقول: بأنّه ما يأتي بالنظر كون الرفع في ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه بنحو واحد، و هو أنّ ظاهرهما بحسب معناهما هو رفع ما يضطر به المكلف أو

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بعد كون (لا تعاد) ناظرا إلى الأدلة المثبتة للأجزاء و الشرائط و الموانع في الصّلاة، فظاهرها شمولها لكل ما كان موجبا للاعادة بحسب الأدلة الأولية سواء كان هذا الشي ء شرطا، أو جزء أو قاطعا، و أنّ ما لو لا هذه الرواية كان عمده و سهوه موجبا للاعادة لا تجب الاعادة في سهوه بمقتضى الرواية، فبناء على هذا في غير ما يقطع الطهارة و في غير الكلام، لأنّ بالاول تبطل الصّلاة طروه عمدا أو سهوا، و في الثاني لا تبطل في صورة السهو، نقول في غيرها من القواطع: بعدم وجوب الاعادة لو وقع سهوا في الصّلاة بمقتضى حديث (لا تعاد) فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 273

يستكره المكلف بفعله، و أنّ الاضطرار أو الاكراه صار موجبا لفعله، فيكون مفاد الحديث هو رفع ما فعل المكلف عن اضطرار أو أكراه، و الحال أنّه لو لا حديث الرفع لم يكن فعل ما فعله جائزا لكون اللازم تركه،

فمعنى رفع ما اضطروا أو ما استكرهوا هو رفع ما كان تركه لازما و أوجده المكلف لاضطرار أو اكراه، و لا يشمل ما اضطروا و ما استكرهوا التروك و الأمور العدمية، لأنّ الاضطرار و الاكراه يتعلقان بما يكون متروكا لأنّ يفعله المضطر و المكره، لا بما يوجده المكلف حتّى يتركه لأجل طرو الاضطرار أو الاكراه، و بعبارة اخرى يضطر الشخص أو يكره على الفعل لا على الترك.

و أمّا (ما لا يطيقون) فمورده هو رفع ما لا طاقة بفعله، و معناه عدم الالزام بفعل ما يكون خارجا عن الطاقة، و لا يكون مورده إلّا الامور الوجودية لا العدمية، بخلاف ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه، لأنّ ما يكون متروكا و معدوما لا يكون على خلاف الطاقة حتّى يرفع بما لا يطيقون.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الكلام في النسيان فلا إشكال في عدم كون النسيان مرفوعا، لأنّه يكون النسيان في الامة وجدانا، فمعنى رفعه بمقتضى شارعية الشارع هو رفع ما يوجب النسيان سببا لصيرورته منسيّا فإذا كان كذلك فما يكون مرفوعا بحسب الظاهر هو ما صار النسيان سببا له، بمعنى أنّ تعلق النسيان بنفسه جعله منسيّا فبناء على هذا ينحصر مورد رفع النسيان بخصوص مورد يمكن تعلق النسيان به بلا واسطة فيصير منسيّا، و هو في الامور الّتي يكون بناء الشخص على إيجاده، فيشمل نسيان الواجبات النفسية و الواجبات الغيرية كالأجزاء و الشرائط، فإن ترك الصّلاة أو ترك جزء أو شرط منها إذا كان تركه لنسيانه يكون مرفوعا و أمّا ما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 274

أتى به المكلف و الحال أنّه لا يجوز إتيانه كالمحرمات النفسية، أو ما يعتبر عدمه في واجب كالقواطع في الصّلاة،

فتركه ليس من باب نسيان نفسه، بل يكون لأجل نسيان أمر آخر، مثلا من يشرب الخمر المنهي شربه نسيانا، فلا يكون شربه متعلق النسيان إلّا من باب نسيانه كونه خمرا، أو كونه محرما، لا أنّه نسى الشرب، لأنّه لو كان ناسيا للشرب فلم يكن يشربه، أو من تكلم في الصّلاة، أو ضحك فيها نسيانا، فليس تكلمه أو ضحكه مستندا إلى النسيان لأنّه لو نسيهما لم يأت بهما، بل لو أتى بأحدهما، فلا بدّ و أن يكون من باب نسيانه لامر آخر، و هو نسيان حرمتهما أو نسيان كونه في الصّلاة، فليس النسيان متعلقا بهما بلا واسطة مثل صورة نسيان الأمر الوجودي، و الظاهر من رفع النسيان هو رفع ما صار النسيان بلا واسطة متعلقا به و منشأ لتركه لا مع الواسطة.

و غاية ما يمكن أن يقال لشمول النسيان لكل من الامور الوجودية و العدمية هو أن يقال: بأنّ الحديث يدلّ على أنّ ما صار النسيان سببا لتركه مرفوع- سواء تعلق النسيان به بلا واسطة أو مع الواسطة، سواء كان تركه نسيانا من باب تعلق النسيان بنفسه مثل ما نسى السورة، أو بحكمه مثل ما نسى الوجوب أو التحريم، أو من باب نسيان المتعلّق مثل ما إذا نسى الخمر المتعلّق للشرب المحرم، أو نسى المتعلق للكلام المحرم- بدعوى أنّ ظاهر رفع النسيان التشريعي هو رفع ما لو لا الحديث كان المقتضى ايجاده أو تركه.

هذا غاية ما يمكن أن يدعى لشمول رفع النسيان لنسيان الامور العدمية المطلوب عدمها مثل الامور الوجودية المطلوب وجودها، و أتى بها أو تركها نسيانا.

و نقول توضيحا للمطلب: بأنّ وزان هذه التسعة المرفوعة بمقتضى الحديث مختلف أمّا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 275

ما

لا يطيقون فظاهره رفع ما لا طاقة للمكلف في وجوده، و يكون لا يطيقه عرفا. «1»

فلا يشمل رفع ما لا يطيق تركه، لأن ظاهره ما لا يطيقون وجوده.

و أمّا (ما اضطر و إليه و ما استكرهوا عليه) فوزانهما واحد، و ظاهر هما كما قلنا هو رفع ما لو لا طرو الاضطرار أو الاكراه كان متروكا، و بعبارة اخرى رفع ما وقع و وجد عن اضطرار أو اكراه و الحال أنّ المطلوب كان عدم وجوده، لأنّ الاضطرار و الاكراه يتعلقان بالفعل لا بالترك، فمن يكره أحدا يكرهه على فعل ما لو لا الاكراه ما فعله، و هكذا الاضطرار.

[في ان كون وزان النسيان غير وزان الاضطرار و الاستكراه]

و أمّا النسيان فوزانه غير الاكراه و الاضطرار، و الظاهر منه هو كون المنسي أمرا وجوديا لا عدميا، لأنّ النسيان يتعلق بالامور الوجودية لا العدمية، فلو كان النسيان الوارد في الحديث مع لفظ (ما) أعنى: قال (رفع ما نسى) كان ظاهره رفع ما نسى، و من الواضح أنّه لو ترك الشخص أمرا كان اللازم ايجاده لنسيان، يكون النسيان بنفسه علّة لتركه، ففي الامور الوجودية يكون النسيان بلا واسطة لتركها، فإذا صارت السورة أو جزء آخر أو شرط منسيا، فالنسيان صار بنفسه علّة لتركها، و أمّا في الامور المطلوب عدمها كالموانع فلو فعلها نسيانا لا يكون النسيان بنفسه متعلقا به و علة له، بل تعلق النسيان بأمر آخر و صار نسيان هذا الامر الآخر علّة لفعله، لأنّ من يأتى فعلا باختيار لا يكون ناسيا له، فمن ضحك في صلاته نسيانا فهو لا يكون ناسيا له و إلّا لم يضحك، بل هو متوجه إليه، و لكن كان منشأ فعله نسيانه

______________________________

(1)- أقول: بناء عليه يكون المراد من هذه الفقرة ما

يكون الحرج و المشقة في وجوده، لا ما يكون وجود غير مقدور، لأنّ المراد على ما أفاده ما يكون خلاف الطاقة وجوده عرفا لا عقلا.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 276

كونه في الصّلاة، فالنسيان لم يصر بلا واسطة علّة لوجود الضحك، فلا يرفع الحديث نسيان الضحك بأن يجعله كالعدم لعدم كون النسيان علّة له و ما تعلق به النسيان هو نفس الصّلاة (فان كان رفع النسيان يرفع شيئا في هذا الفرض فلا بدّ ان يرفع وجوب الصّلاة لا الضحك المنهي عنه).

[لا معنى لرفع النسيان الا رفع ما اعتبره وجود فى المركب]

فقد ظهر لك ممّا مرّ أنّه لم يكن معنى لرفع النسيان إلّا رفع ما اعتبر وجوده في المركب و ترك للنسيان، أعنى: النسيان صار سببا لتركه، و أنّ ما نسى غير ما اضطر إليه أو استكره عليه بحسب المفاد، لأنّه كما قلنا يكون متعلق النسيان الأمر الوجودي و يصير النسيان علّة لتركه، و لا يتعلق على أمر عدمي فيوجده، و لأجل هذا يختص رفع النسيان بالامور الوجودية، و كما قلنا سابقا غاية ما يمكن أن يقال لشمول رفع النسيان لرفع المنسي إذا كان المتروك أحد الموانع هو أن يقال: بأنّ النسيان يشمل كلّ ما صار متروكا بسبب النسيان سواء صار سببا و علة له مع الواسطة مثل صورة إتيان أحد الموانع أو بلا واسطة مثل صورة ترك الجزء أو الشرط، و الالتزام بهذا التعميم مشكل.

[في ذكر كلام المحقّق النائيني ره]
اشارة

و ممّا مر منا في بيان كون (ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه) غير وزان النسيان يظهر لك ما في كلام بعض الأعاظم من معاصرينا (العلّامة النائيني رحمه اللّه) أمّا كلامه، فهو على ما نقله بعض مقرري بحثه رحمه اللّه حاصله هو أنّ وزان رفع النسيان مع وزان (ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه) يكون واحدا، و كلها يرفع ما وجد من الامور العدمية المعتبرة عدمها، و بعبارة اخرى يرفع بها خصوص ما اخذ عدمها في المأمور به، و لا تشمل ما اخذ وجودها في المركب، و بعبارة ثالثة يرفع الموانع الموجودة للنسيان بحديث رفع النسيان كما يرفع بما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 277

خصوص ما وجد من المنهيات لاضطرار او اكراه، لا ما ترك لاضطرار أو اكراه و الحال أنّه كان

المطلوب فعله، و هكذا في النسيان فإنّه يرفع به كلّ ما وجد من الامور المطلوبة عدمها من باب النسيان، و أمّا إذا ترك ما يكون المطلوب وجودها للنسيان فلا يرفع بالحديث.

و وجه عدم شمول رفع النسيان و ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه لرفع ما ترك و الحال أنّ المطلوب كان وجوده كما إذا ترك أحدا من الأجزاء و الشرائط من المركب للنسيان أو الاكراه أو الاضطرار، هو أنّ لسان الحديث هو الرفع، و الرفع لا يصدق إلّا في ما كان المرفوع أمرا وجوديا فيرفعه، فإذا وجد شي ء يصدق أنّه رفعه أى: جعل وجوده كالعدم، فمعنى رفع الشارع هذه الامور هو رفع حكم ما وجد، فلا بد من تعلق الرفع بأمر وجودى، فكلّما وقع ما كان اقتضائه بحسب وضعه الاولى الشرعى العدم لا الوجود من باب الاضطرار او الاكراه أو النسيان فيرفعه الحديث، و أمّا في غيرها أعنى: ما ترك لاجل طروّ أحد هذه الامور الثلاثة و الحال انّه لو لا طرو أحد هذه الامور كان المقتضى إتيانه فلا يرفع برفع النسيان أو الاضطرار أو الاكراه الثابت بحديث الرفع، لأنّ الحديث يكون في مقام الرفع لا في مقام الوضع، و معنى شموله لهذا المورد و رفع ما يكون المطلوب وجوده فترك لأجل طروّ أحد هذه الثلاثة تكون معناه جعل عدمه كالوجود بمقتضى الحديث، و بعبارة اخرى وضع العدم منزلة الوجود، و لا يمكن استفادة ذلك من حديث الرفع، لأنّ لسانه الرفع لا الوضع، فمقتضى ذلك عدم رفع الجزء أو الشرط من المركب لو ترك أحدهما من باب النسيان أو الاضطرار او الاكراه، لأنّ معنى شمول حديث الرفع له جعل عدم الجزء منزلة وجوده، و

كيف يمكن كون الحديث متكفلا للوضع و الحال أنّ لسانه الرفع، هذا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 278

حاصل كلامه في وجه شمول هذه الفقرات الثلاثة من الحديث لرفع الموانع، و عدم إمكان شمولها لرفع الجزء و الشرط إذا صارا متروكين من أجل النسيان أو الاضطرار أو الاكراه.

[في ردّ كلام المحقّق النائيني ره]

و أمّا وجه فساد كلامه رحمه اللّه في المقام فأمّا أوّلا كما قلنا ليس وزان رفع النسيان كوزان رفع ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه، لأنّه كما قلنا يتعلق الاضطرار و الاكراه بالايجاد، فيوجد بهما ما يكون معدوما و متروكا بحسب طبعه، و لا يتعلق بالاعدام فيعدم بسببه ما يكون من طبعه الوجود لو لا طروّ الاكراه و الاضطرار، و لهذا قلنا: بأنّ بهما يرفع خصوص ما تحقق و وجد في الخارج لاضطرار أو اكراه، و هذا بخلاف النسيان فإنّ النسيان يتعلق بما يقتضي الوجود بحسب طبعه، و يكون البناء على إيجاده فتعلّق النسيان به يصير علّة لتركه، فمعنى رفع النسيان رفع هذا الجزء أو الشرط المعلل تركه بالنسيان.

و أمّا ثانيا ما قال في وجه عدم شمول النسيان إلّا لرفع خصوص ايجاد العدميات المطلوب عدمها فأتى بها نسيانا: بأنّ لسان الحديث يكون الرفع لا الوضع و إن قلنا بشمول هذه الفقرة لرفع ما صار متروكا في المركب لأجل طروّ النسيان و الحال أنّ المطلوب كان وجوده فيه، فيكون معنى ذلك هو الوضع لأنّ معنى رفع الجزء أو الشرط إذا تركا لأجل النسيان هو وضع الشارع عدم الجزء أو الشرط في هذا الفرض منزلة وجودهما، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فاسد لأنّ معنى رفع الجزء أو الشرط، أو رفع حكمهما ليس فرض وجود الجزء أو الشرط

حال النسيان بحديث الرفع، و جعل المعدوم بمنزلة الموجود، بل معناه هو عدم اعتبار هذا الجزء أو الشرط المنسي من المركب في هذا الحال في المركب، و هذا رفع لا الوضع، فلا مجال لما

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 279

توهمه، فقد عرفت ممّا مر منا بطلان هذا الكلام، فافهم.

[لا بدّ من حساب كل من الفقرات مستقلا]

ثمّ إنّه نقول لمزيد التوضيح: بأنّه كما قلنا سابقا ليس أمر المرفوعات في حديث الرفع بوزان واحد، بل لا بدّ من حساب كل منها مستقلا فنقول: بأنّه من جملة المرفوعات في الحديث هو النسيان.

اعلم أنّ المنسي تارة يكون الموضوع، و تارة يكون الحكم، و تارة يكون المتعلق، و فيما يكون الحكم منسيا إمّا يكون المنسي الحكم الوجوبي، و إمّا يكون الحكم التحريمى، و في كل منهما إمّا يكون الحكم حكما نفسيا، و إمّا يكون غيريا، و إذا كان المنسي الموضوع فيجي ء فيه الاقسام الّتي يتصور في نسيان الحكم، لأنّ الموضوع المنسي إمّا يكون الموضوع للحكم الوجوبى أو التحريمى، و في كل منهما إمّا يكون الموضوع موضوعا للوجوب أو الحرمة النفسية، و إمّا يكون الموضوع موضوعا للوجوب أو الحرمة الغيرية.

إذا عرفت هذه الاقسام نقول: أما إذا كان المنسي الحكم النفسي وجوبيا كان أو تحريميا، و الموضوع للحكم الوجوبى أو التحريمي بناء على شمول الحديث للأمور العدمية يعنى لما وجد الأمر العدمي نسيانا و الحال أنّه بحسب الدليل الاولى لم يجز ايجاده، ففي كل هذه الاقسام إذا كان المنسي الحكم النفسي أو موضوعه معنى رفعه في حال النسيان رفع حكمه، لأنّ هذا معنى رفع النسيان.

[في ذكر الاحتمالات في المقام]
اشارة

إنّما الكلام في ما إذا كان المنسي ما تعلق به الوجوب الغيري، أو الحرمة الغيرية و بعبارة اخرى يكون الكلام في ما إذا نسى الجزء أو الشرط أو المانع لشي ء، مثلا نسى المكلف السورة في الصّلاة أو الطهارة فتركهما، أو نسى و أتى بأحد القواطع فأوجده فيها، فهل المرفوع بمقتضى رفع النسيان في الحديث هو رفع حكم خصوص

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 280

المنسي، أو الحكم المركب، أو التفصيل بين كون المنسي

جزء أو شرطا و بين كون المنسى مانعا، فيرفع بالحديث ما ترك نسيانا من الأجزاء و الشرائط فقط، و لا يرفع به ما إذا وجد أحد الموانع نسيانا، أو العكس فيرفع به ما وجد في المركب نسيانا و الحال أن المطلوب عدمه، لا ما ترك نسيانا ما يكون المطلوب وجوده، فالاحتمالات أربعة.

[الاوّل و الثاني]

الاحتمال الاول: هو رفع الجزء أو الشرط أو المانع حال النسيان بمقتضى الحديث، و أثره صحة المركب الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع و عدم وجوب الاعادة و القضاء.

الاحتمال الثاني: أن يكون معنى رفع النسيان في نسيان الجزء أو الشرط أو المانع، و بعبارة اخرى في نسيان ما يكون المطلوب وجوده من باب وجوب المتعلّق بالكل أو منع إيجاده في المركب هو رفع وجوب المركب فإذا نسى المصلّي مثلا السورة أو الطهارة فتركهما في الصّلاة، أو نسى كونه في الصّلاة ففعل المنافي في الصّلاة، فمعنى رفع هذا النسيان هو رفع حكم المركب، أعنى: رفع وجوب الصّلاة، بمعنى أنّ الصّلاة لم تكن وجوبها فعليا عليه أصلا، لا أن يكون معنى الرفع هو رفع الوجوب الضمني الثابت للجزء أو الشرط أو الحرمة الثابتة للمانع، فبناء على هذا من ترك أحد الاجزاء أو الشرائط أو فعل أحد المنافيات نسيانا، فهو لم يصلّ أصلا لأنّ المركب ينتفي بانتفاء جزئه، و لكن وجوب الصّلاة أعنى: وجوب المركب مرفوع عنه، و أثر هذا الاحتمال هو أنّه لو نسى واحدا منها و بقى نسيانه و استمر إلى انقضاء الوقت فلا قضاء عليه، لعدم وجوب متعلق على هذا المكلف بالصّلاة على الفرض، لأنّ الحديث الرفع رفع الوجوب عن الصّلاة عن الناسي، و بعد عدم الوجوب فلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص:

281

قضاء عليه، لأنّ القضاء متفرع على الفوت و على الفرض لم يكن عليه الصّلاة واجبا على القاعدة (إلّا أن يدلّ دليل خاص على وجوب القضاء على المكلف في هذه الصورة).

و أمّا ما لو لم يكن النسيان مستوعبا لتمام الوقت مثل ما إذا صلّى أوّل الوقت و نسى جزء منها، ثمّ بعد إتمام الصّلاة و قبل مضى الوقت تذكر نسيانه الجزء، فمقتضى القاعدة وجوب الاعادة الصّلاة بأجزائها و شرائطها، لأنّ في هذه الصورة لم يترك الصّلاة كما أنّه إذا نسى أصل الصّلاة في قطعة من وقتها، ثمّ تذكر بعد ذلك مع بقاء مقدار من الوقت، فهل يمكن أن يقال بعدم وجوب الصّلاة في ما بقى من الوقت من باب رفع النسيان، فكذلك في ما إذا ترك الجزء بعد كون معنى رفعه رفع وجوب المركب.

[في ذكر الاحتمال الثالث و الرابع]

الاحتمال الثالث: رفع خصوص ما إذا ترك الجزء أو الشرط للنسيان بمقتضى رفع النسيان، لا المانع، و وجهه ما قلنا و اخترناه.

الاحتمال الرابع: هو رفع خصوص المانع بمعنى أنّه إذا وجد مانع المركب في المركب نسيانا كما إذا وجد الضحك في الصّلاة، فيرفع المانع، و أثره صحة الصّلاة مع وجود المانع نسيانا كما اختاره بعض الأعاظم و قدمنا وجهه و ما فيه من الاشكال.

إذا عرفت ذلك فالحق هو الاحتمال الثالث، و هو شمول رفع النسيان لخصوص الأجزاء و الشرائط، فلو ترك جزء أو شرطا من المركب المأمور به نسيانا يكون مرفوعا، و أثر رفعه هو عدم اعتبارهما حال النسيان، و عدم وجوب الاعادة و لا قضاء المركب بتركهما، و أمّا الموانع فلا يشملها الحديث لما قدمنا من كون النسيان متعلقا بأمر وجودى فيتركه الناسي لطرو النسيان، و أمّا وجود ما ينبغى

تركه فلا

تبيان الصلاة، ج 6، ص: 282

يكون بنفسه مستندا إلى نسيانه فلا يشمل حديث الرفع للموانع.

هذا تمام الكلام في قواطع الصّلاة، و عطف عنان الكلام إلى مبحث الخلل و الحمد للّه و الصّلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على اعدائهم و قد فرغنا من مبحث القواطع في ربيع الأوّل 1375 و أنا الفقير الذليل على الصافي الگلپايگاني عفي عنه.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء السادس من كتاب تبيان الصّلاة و يتلوه الجزء السابع فى الخلل و وجوب المتابعة فى الجماعة و قضاء الصّلاة

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء السابع

[تتمة كتاب الصلاة]

المقصد الرابع في الخلل فى الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السلام على عبده و رسوله محمد خاتم المرسلين و النبيين و على آله الطيبين الطاهرين و اللعنة على أعدائهم و مخالفيهم من الآن إلى يوم الدين، و بعد هذا جملة ممّا استفدته من بحث سيدنا الأعظم و استادنا المعظم رئيس الملة و مجدّد المذهب في القرن الرابع عشر الّذي شيّد اللّه بوجوده الدين و نصر ببركته المسلمين آية اللّه العظمى الحاج آغا حسين الطباطبائي البروجردي متع اللّه المسلمين بطول بقائه الشريف إن شاء اللّه تعالى في الخلل مع بعض ما خطر ببالي القاصر أقل أهل العلم على الصافي الگلپايگاني، فنقول بعونه تعالي:

اعلم أنّ الاخلال في الصّلاة يتحقّق و يحصل بالاخلال بما يعتبر فيها وجودا أو عدما بأن يحصل الخلل فيها إمّا بترك جزء من أجزائها، أو شرط من شرائطها، أو فعل مانع من موانعها، و أمّا الزيادة في الصّلاة فلا تكون من

الخلل في حدّ ذاتها، نعم لو دلّ دليل على عدم جواز الزيادة فتعدّ الزيادة من أفراد الخلل باعتبار كونها على هذا من جملة موانع الصّلاة.

ثمّ إنّ كل من يكون مسلما، و يكون بانيا على إتيان الصّلاة و إطاعة أمر المولى فلا يخلّ بما يعتبر في الصّلاة عمدا، فمن أخلّ بما يعتبر فيها عمدا لا يكون بنائه إتيان الصّلاة رأسا، لا أنّه يصلّي و مع ذلك يخلّ ببعض ما يعتبر فيها، فلا يوجد الاخلال العمدي بناء على هذا، فلا حاجة لاطناب الكلام في الاخلال العمدي في الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 8

إذا عرفت ذلك كله نقول بعونه تعالى و توفيقه مقدمة: بأنّ منشأ العمدة في الخلل الواقع في الصّلاة هو السهو، لأنّ الاخلال بما يعتبر فيها وجودا أو عدما يكون منشأه السهو و الذهول عن الواقع حتّى في ما يعرض الشّك في الصّلاة في ركعاتها له و غيرها يكون منشأه السهو، لأنّ منشأ الشّك أيضا يكون السهو و الذهول عن الواقع فيشك في شي ء، لأنّ كلا من الجهل بالموضوع سواء يكون جهلا مركبا أو بسيطا، أو يكون السهو المسبوق المرتفع في الزمان اللاحق يكون منشأه السهو، أعنى: ذهوله عن الواقع و غروب الواقع عن نظر الشخص، غاية الأمر تارة يعرض السهو للشخص، ثمّ يذهب سهوه و يتوجه و يلتفت بما سهاه، كما إذا سها عن الركوع أو غيره في الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ أو قبله التفت بسهوه الركوع سابقا، ففي هذه الصورة ذهب سهوه و التفت بعد سهوه باخلاله بالركوع المعتبر في الصّلاة، فحصل الاخلال فيها، و كما ترى يكون السهو و ذهوله عن الركوع منشأ لهذا الخلل.

و تارة يسهو و يذهل عن الواقع، و لكن

لا يذهب سهوه بعد، و لكن لأجل طرو هذا السهو يتخيل و يعتقد على طرف لجهله المركب، مثلا صار السهو و ذهول الواقع موجبا لتركه الركوع في الصّلاة، و صار سهوه هذا موجبا لاعتقاده باتيان الركوع، فهو مع بقاء سهوه يعتقد إتيان الركوع، و يكون جاهلا مركبا لاعتقاده خلاف ما هو الواقع، و يكون هذا الجهل من باب سهوه الواقع و ذهوله عن خاطره و هو عدم إتيانه الركوع فهو في هذا الحال جاهل بالجهل المركب و منشأه السهو.

ففي هذه الصورة إما يبقى الشخص على جهله المركب إلى آخر عمره، فهو من باب جهله المركب لا يلتفت بوقوع خلل في صلاته حتّى يسأل عن حكمه، و إمّا يرتفع سهوه، و يدرى عدم إتيانه الركوع و يذهب جهله المركب أيضا، و يلتفت بوقوع خلل في صلاته لأجل طروّ السهو له، فهذا القسم أيضا من جملة الصور

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 9

الّتي صار السهو منشأ للخلل، و يكون داخلا في السهو، لأنّه واقع تحت جامع السهو، و هو ذهول الواقع و غروبه.

و تارة يكون طروّ السهو منشأ للجهل البسيط لا المركب و بعبارة اخرى يصير منشأ للشك مثلا لو فرض أنّ المصلّي سها عن الركوع و لم يأت به، و لكن بعد هذا السهو و غروب الواقع عنه يصير شاكا و مرددا في إتيان الركوع و عدمه، فهو و إن كان شاكا و جاهلا بالجهل البسيط، لأنّ في الجهل البسيط يكون الشخص شاكا و يكون منشأ شكه طروّ السهو و غروب الواقع عن نظره، فيحصل الاخلال في صلاته لأجل الشّك و الجهل، و لكن منشأ هذا الخلل هو سهوه، فهذا القسم أيضا من أقسام الاخلال السهوي.

إذا

عرفت ذلك يظهر لك أنّ منشأ الخلل في الصّلاة من جهة ترك الجزء و الشرط، أو وجود المانع هو السهو و ذهول الواقع، سواء ارتفع السهو و توجه بالخلل بعد الصّلاة أو بعد مضى محلّ لا يتمكن معه من إعادة ما ترك، أو اعتقد من أجل سهوه للواقع بأنّه أوجد الجزء أو الشرط و الحال أنّه لم يوجدهما، أو ترك المانع و الحال انّه فعله لأجل سهوه الواقع.

و بعبارة اخرى صار السهو سببا لجهله المركب، أو صار السهو سببا لجهله البسيط و الشك في إتيان ما يعتبر وجوده، أو ترك ما يعتبر عدمه فيها، لأنّه بعد عدم وجه لجعل العمد من جملة أسباب الخلل لما قلنا من أنّه كيف يتعمد الشخص الباني على إتيان الصّلاة المأمور به في ترك ما يعتبر وجوده فيها، أو فعل ما يعتبر عدمه فيها، نعم يمكن ذلك إذا لم يكن بانيا على امتثال الصّلاة و إن كان كذلك فهو لم يصلّ أصلا، لا أنّه يصلي و يخلّ بأجزائها و شرائطها، و بعد خروج العمد لا وجه لجعل الشك موجبا من موجبات الخلل في قبال السهو، لما قلنا من أنّه أيضا داخل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 10

السهو، لأنّ السهو ربما يوجب الجهل البسيط بالموضوع، فيشك لأجل السهو في أمر في الصّلاة فتكون النتيجة أنّ موجب الخلل هو السهو بأقسامه المتقدمة، و يدخل فيه الشك في الموضوع أيضا.

و ممّا قلنا من كون منشأ الشّك في الموضوع السهو عنه و ذهوله عن الواقع يظهر لك أنّ ما ورد في بعض الأخبار من التعبير بالسهو في مقام الشك، مثلا قال (رجل يسهو فيشك بين الثلاث و الأربع) يكون على وجه الحقيقة، و

لا وجه لحمله على المجازية كما تخيّله بعض الفقهاء قدّس سرّهم، لأنّه بعد كون منشأ الشّك في الشّك في الموضوع هو السهو و ذهول الواقع، فيصح أن يقال (رجل يسهو فيشك) لأنّ منشأ شكه السهو، فافهم.

إذا تأمّلت في ما بينّا لك من أنّ الجهل بالموضوع بقسميه يكون مستندا بذهول الواقع و السهو عنه نقول: أمّا الجهل المركب منه فما دام يكون الجاهل باقيا في جهله فلا يلتفت على خلل حتّى يسأل عن تكليفه، و أمّا إذا التفت بجهله و أنّه سها عن الواقع فهو السهو الّذي ارتفع، و هو القسم المتعارف من السهو، و الفرد الواضح منه، و أمّا الجهل البسيط في الموضوع فكما قلنا منشأه السهو أيضا، و حيث إنّ طروه من جهة السهو يوجب الخلل في الصّلاة، فينبغي أن يعلم حكم الخلل الحاصل في الصّلاة من أجل السهو في هذا القسم، و حيث إنّ في المقام تكون رواية معروفة، و يكون التعرض لها و فهم المراد منها و مقدار دلالتها مفيدا لنا في فهم حكم الخلل الواقع في الصّلاة، و لو فرض شمول الرواية لهذا القسم من السهو أى: الجهل البسيط في الموضوع، يفهم حكمه أيضا من الرواية فعلى هذا ينبغي التعرض لهذه الرواية، و هي الحديث المعروف بحديث (لا تعاد) فنقول بعونه تعالى: بأنّ الكلام في الخلل يقع في طىّ امور:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 11

الأمر الأول

في بعض القواعد الراجعة إلى الخلل
اشارة

و الكلام في هذه القواعد يقع في طى امور:

[الأمر الأول: في حديث لا تعاد]
اشارة

الامر الاول: روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «1»

و التكلم في دلالتها يقع تارة في المستثنى منه، و تارة في المستثنى،

أمّا الكلام في المستثنى منه فيقع في جهات
الجهة الأولى: [يقع الكلام في حديث لا تعاد في المستثنى و المستثنى منه]

في أنّ المراد من المستثنى منه هو خصوص ما يعتبر وجوده في الصّلاة أو الاعم منه و مما يعتبر عدمه فيها، و بعبارة اخرى لا يجب الاعادة في غير ما استثنى إذا كان ما ترك جزء أو شرطا منها، أو يعم الموانع أيضا، فلو تكلم في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب القواطع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 12

الصّلاة ناسيا مثلا فلا يجب الاعادة بمقتضى الحديث.

الجهة الثانية: هل الحديث يشمل جميع الحالات الممكنة طروها للشخص أو لا؟
اشارة

و بعبارة اخرى لا يجب الاعادة في غير ما استثنى سواء كان منشأ الترك السهو و النسيان أو الجهل، بل و لو كان منشأه العمد، فمن ترك جزء أو شرطا عامدا فلا يجب عليه الاعادة بمقتضى الحديث، أو يشمل غير العامد من الجاهل و الشاك و الناسي، سواء كان جاهلا أو شاكا أو ناسيا للحكم أو للموضوع، أو لا يشمل إلّا خصوص الناسى.

الحق هو احتمال الثالث، أمّا خروج العامد عن الحديث فواضح، لأنّه لا معنى لكون الشخص في مقام امتثال أمر مولاه و إتيان الصّلاة، و مع ذلك يخلّ بأجزائها و شرائطها عمدا، و كيف يتقرب بها مع كونه تاركا لما يعلم دخله فيها، و كيف يشمل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 13

الحديث العامد، لأنّ شموله له مخالف مع إرادته اعتبارها فيها، فان كان الحديث يشمل العامد يكون لازمه عدم اعتبار الأجزاء و الشرائط المعتبرة غير الخمسة المستثناة في الصّلاة من رأس، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

[لا يشمل الحديث العامد و الشاك]

و أمّا الشاك في الحكم و الجاهل المقصر في الحكم فأيضا خارجان عن مورد الحديث، لأنّ وظيفتهما رفع الشّك و الجهل قبل الصّلاة، و ظاهر الحديث هو أنّ كل من يدري أحكام الصّلاة و يكون بسدد امتثال أمرها المتعلّق به، ثمّ ترك ما اعتبر فيها لأجل طروّ بعض ما يطرأ الانسان قهرا، و لا يكون الانسان خاليا عنه، ففي هذه الصورة لا يجب عليه الاعادة في غير الخمسة، و الشاك في الحكم و الجاهل به لا يدري من رأس ما هو تكليفه و حكمه و وظيفته، فهما خارجان عن مورد الحديث، نعم يمكن أن يدعى بأنّ الجاهل القاصر في جهله بالحكم بجزئية جزء أو شرطية شرط

من أجزائها، و شرائطها فيها المغفول عنها غالبا، بحيث لا يتخيل دخله فيها و إخلال فيها لو تركه لا يجب عليه الاعادة بمقتضى الحديث لو تركه، و لكن هذا أيضا مشكل.

و أمّا الجاهل البسيط في الموضوع، أعنى: الشاك في الموضوع، و هو قسم من اقسام السهو كما بينا لك فهو أيضا خارج عن الحديث، لأنّه بعد عدم كون المستثنى منه مذكورا فالقدر المتيقن لا يكون إلّا الصورة الّتي نبيّن لك، و هي خصوص صورة النسيان الطاري الموجب لذهول الواقع و سهوه و ترك ما يعتبر وجوده فيها لاجل السهو، ثمّ التفت إلى تركه و هو الجهل المركب في الموضوع، فالحديث لا يشمل إلّا هذه الصورة من الصور المذكورة.

الجهة الثالثة: [هل يشمل الحديث لصورة إتمام الصّلاة ثمّ تذكر أو في أثناء الصّلاة]
اشارة

هل الحديث يدلّ على عدم وجوب الاعادة في المستثنى منه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 14

إذا كان السهو الطاري الباعث لترك الجزء أو الشرط باقيا إلى أن يتم المصلّي صلاته، ثمّ بعد الصّلاة يتذكر ترك الجزء أو الشرط، أو يشمل صورة تذكره في أثناء الصّلاة بعد بلوغه إلى موضع لا يتمكن معه من التدارك.

و بعبارة اخرى حيث يكون لكلّ ما اعتبر في الصّلاة موضع يمكن اتيانه في هذا الموضع، بحيث ما دام يكون المصلّي في هذا الموضع لا يقال: بأنّه مضى محلّ إتيانه- و يأتى الكلام إنشاء اللّه في أنّه متى يكون محلّ كل جزء باقيا، و متى مضى محل إتيانه- مثلا لو قلنا بأنّ المصلّي ما لم يدخل في الركوع يكون محل إتيان الفاتحة باقيا، و بعد الدخول في الركوع مضى محلّ إتيانها.

فعلى هذا يكون الكلام في الجهة الثالثة في أنّ مفاد حديث (لا تعاد) هو عدم وجوب الاعادة في المستثنى منه في خصوص ما إذا

طرأ السهو و ترك الجزء أو الشرط و استمر النسيان إلى أن تتمّ الصّلاة، ثمّ تذكر المصلّي ترك الجزء أو الشرط، أو يعم هذه الصورة و الصورة الّتي طرأ النسيان و ترك المصلّي لأجله الجزء أو الشرط و تذكر بعد مضى محل إتيانه مع عدم خروجه عن الصّلاة بعد، كما إذا نسى القراءة و تذكر بعد الدخول في الركوع.

قد يقال: باختصاص الحديث بالصورة الاولى اقتصارا على ظاهر لفظ (لا تعاد) لأنّ ظاهره كون مورد الحديث ما لو لا الحديث لكان مورد إعادة الصّلاة، و الاعادة تصدق في ما إذا تمت الصّلاة فان وقعت على وجهها يقال لا إعادة، و إن تقع على غير وجهها يقال: عليه الاعادة، و أمّا في ما إذا تذكر في أثناء الصّلاة نقصها بعد مضى محلّ تدارك ما صار موجبا لنقصها، فإن كان هذا النقص موجبا لعدم الاكتفاء بهذه الصّلاة فلا يقال: أعد الصّلاة، كما أنّه لو اكتفي الشارع بها لا يقول

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 15

(لا تعاد) بل يقول: استأنف الصّلاة، أو بطلت الصّلاة أو لا تستأنف، أو لم تبطل الصّلاة، فالتعبير في الحديث بلا تعاد ظاهر في كون مورد عدم الاعادة في المستثنى منه هو ما إذا ارتفع النسيان بعد إتمام الصّلاة.

[الحقّ شموله لكلا القسمين]

و لكن نقول: بأنّ الحق شمول الحديث لكل من الصورتين لأنّه بعد كون مفاد الحديث هو الفرق في السهو بين بعض الأجزاء و الشرائط مع بعضها في أنّ نقص بعضها غير موجب للاعادة، و بعضها موجب للاعادة، فيبقى الكلام في أنّه هل تكون خصوصية التذكر للسهو بعد الصّلاة دخيلة في هذا الحكم أم لا، و يمكن دعوى الجزم بعدم الفرق في الحكم بين تذكر النقص في

أثناء الصّلاة أو بعدها، فظاهر (لا تعاد) و إن فرض كونه مورد التذكر بعد الفراغ، و لكن ندري عدم دخل هذه الخصوصية في الحكم، فبالغاء الخصوصية نحكم بكون الحكم في كلتا الصورتين.

و قد يقال في وجه شمول الحديث لصورة رفع النسيان بعد مضى محلّ التدارك في أثناء الصّلاة: بأنّ ذيل الحديث و هو قوله عليه السّلام (القراءة و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة) يدلّ على ذلك، لأنّ المستفاد من هذه الفقرة هو كون عدم الابطال و الاعادة في المستثنى منه كونه سنة، لأنّ القراءة و التشهد من جملته، فاذا كان ذلك علة الحكم، فلا فرق بين التفاته بسهوه بعد مضى محل تدارك المنسي أو بعد الصّلاة.

و فيه أنّ المستفاد من الذيل ليس إلّا كون ترك القراءة و التشهد غير مبطلين من باب عدم ورود نقص بالفريضة، أى: بفرض اللّه تعالى بسبب السنة أى: فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا لا يدلّ إلّا على الفرق بين السنة و الفريضة في الجملة، و امّا كون الفرق من حيث الحكم بينهما في أيّ مورد و مع ايّ شرط فلا دلالة له عليه، فافهم فقد ظهر لك ممّا مر شمول الحديث لكل من الصورتين المتقدمتين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 16

ثمّ إنّه يتفرع على شمول الحديث لصورة طروّ النسيان و ترك جزء أو شرط، ثمّ حصول التذكر في أثناء الصّلاة بعد مضى محل تداركه، أمر و هو أنّه ما المراد من المحلّ الّذي يكون محلا للجزء و الشرط بحيث لو أتى به يقع في محلّه، و أين المحل الذي لو بلغ به مضى محل تداركه، بحيث لو تذكر النقص في هذا الموضع لا يجب

عليه الاعادة بمقتضى حديث (لا تعاد).

[في المراد من المحل الّذي إذا مضى لا يمكن التدارك]

و اعلم أنّ هذه الجهة أى: فهم أنّ ما هو محل إمكان تدارك المنسي، و ما هو محل عدم إمكان تداركه مشترك بين المستثنى و المستثنى منه من حديث (لا تعاد) قد يقال في الميزان في مضى محل التدارك و عدمه: بأنّه في كل مورد يوجب تدارك ما نقص من الأجزاء الزيادة في الصّلاة فقد مضى محلّ تداركه، و أمّا لو لم يوجب تداركه وقوع فعل زيادة في الصّلاة فلم يمض محل التدارك.

[في أنّ ما لا يمكن إتيان المنسي إلّا بإتيان الصّلاة فقد مضى المحل]
اشارة

ثمّ إنا نقول في الضابط في مضى محل التدارك و عدمه بانا نحاسب أوّلا بعض الصغريات الّذي يكون مضى محل تداركه بلا إشكال، ثمّ نتكلم و نحاسب بعض الصغريات الّذي يكون محل الاشكال، فنقول بعونه تعالى: لو نسي ذكر الركوع أو الطمأنينة منه و استمر نسيانه إلى أن رفع راسه من الركوع، ثمّ تذكر ترك الذكر او الطمأنينة، فنقول: إنّه بعد عدم دخل الذكر أو الطمأنينة في صيرورة الركوع جزء للصّلاة و ركنا، بل هما واجبان من واجبات الصّلاة (أو الركوع) فوقع الركوع صحيحا أى: واجدا للصحة التأهلية و جزء للصّلاة و إن صار الذكر أو الطمأنينة منسيا، فاتيان الذكر المنسي أو الطمأنينة المنسية لا يمكن إلّا باعادة الصّلاة و إتيان الركوع فيها و الذكر و الطمأنينة لأنّه لا يمكن تداركهما في محلهما في ما بيده من الصّلاة و إن فرض جواز إتيان ركوع آخر، و فرض عدم كون زيادة الركوع مبطلا، لأنّه لو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 17

أتى بركوع آخر و أتى بالذكر و الطمأنينة فيه فما وقعا في محلهما، لأنّ محلهما في الركوع الّذي يصير جزء للصّلاة، و هو الركوع الماتى به أوّلا المنسى فيه الذكر و الطمأنينة لا

الركوع الثاني، لأنّ الثاني ليس جزء لها فلا أثر في إتيانهما فيه، فان فرض لزوم إتيانهما مع رفع راسه من الركوع فلا يمكن إلّا باعادة الصّلاة، و إذا كان تداركهما غير ممكن إلّا باعادة أصل الصّلاة، فمقتضى حديث (لا تعاد) بناء على شموله للأثناء هو عدم وجوب إعادة الصّلاة لأجلهما.

و مثله إذا نسى الذكر أو الطمأنينة في السجدة الثانية، فكما قلنا لا يمكن تداركهما في محلهما لأنّ محلهما هو في السجدة الّتي نسيهما فيها، فلو أتى بسجدة اخرى و لم تكن زيادة في الصّلاة لا يمكن تداركهما في محلّهما، لأنّ محلهما مضى حيث إنّ محلهما في السجدة الواقعة جزء للصّلاة و هي صارت مأتي بها، فلا يبقى محل لهما إلّا باعادة الصّلاة، و على الفرض مقتضى حديث (لا تعاد) عدم الاعادة لأجلهما لأنّهما من جملة المستثنى.

و إن أردت أن تعلم أنّ الميزان في بقاء محلّ التدارك و عدم بقائه هو ما قلنا، لا ما قال بعض من أنّه كلما يوجب تداركه للزيادة فقد مضى محل تداركه و إلّا فلا، فانظر إلى ما إذا صار الذكر في السجدة الثانية مثلا منسيا، فلو أتى بسجدة اخرى لم يكن هذا من الزيادة المبطلة لعدم كون زيادة سجدة واحدة موجبة لابطال الصّلاة، و مع ذلك مضى محل التدارك الذكر لما قلنا من عدم إمكان تداركه في محل الموظّف من الشرع إلّا باعادة الصّلاة، و الحديث يدلّ على عدم وجوب الاعادة.

فقد ظهر لك ممّا مر أنّ الضابط في مضى محل التدارك هو كل مورد لا يمكن إتيان الجزء المنسيّ في محله المعهود له في الصّلاة إلّا باعادة الصّلاة، فان كان الجزء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 18

المنسيّ من الخمسة المستثناة

في الحديث يجب الاعادة لتداركه، و إن كان من جملة المستثنى منه لا يجب الاعادة. «1»

و لو دخل في السجدة الاولى أو رفع الرأس منها، ثمّ تذكر نسيان الركوع، فلو قلنا بكون وقوع هذه السجدة جزء للصّلاة موقوفا و مشروطا بوقوعها بعد الركوع و بعبارة، اخرى تكون صحتها التأهلية موقوفة بوقوعها بعد الركوع و أنّ الركوع تقدّم عليها، فتكون الوظيفة رفع اليد عن هذه السجدة و إتيان الركوع ثمّ السجدتين بعده، و تكون الصّلاة صحيحة، لأنّ من ناحية الركوع لم يقع خلل في الصّلاة بعد إتيانه، و أمّا من ناحية السجدة فالمأتي بها ثانيا بعد الركوع تتصف بوصف الجزئية للصلاة و لا تكون زيادة فيها، و المأتي بها قبل الركوع من باب نسيان الركوع فهي أيضا لم تكن زيادة، لأنّها متى وجدت ما وجدت متصفة بالوصف الزيادة، بل بعد اتيانها صارت زيادة و الزيادة المبطلة هي ما إذا وجدت وجدت متصفة بالزيادة.

و أمّا لو قلنا بعدم دخل وصف البعدية للركوع في صيرورة السجود جزء، و بعبارة اخرى لا تكون اتصاف السجود بالصحة التأهلية موقوفا بترتبه على الركوع في الوجود فعلى هذا في الفرض وقع السجود متصفا بالصحة التأهلية و وقعت جزء للصّلاة، فالركوع المنسي لا يمكن تداركه في هذا الحال، أى: في حال كونه في

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالي: ما أفاده يكون ضابطا لمضى محل التدارك و عدم مضيه، و لكن ليس ما أفاده من عدم كون السجدة الثالثة زيادة في الفرض الّذي نسى الذكر في السجدة الثانية بتمام، لأنّه بعد إتيان السجدتين و وقوعهما جزء فإن أتى المصلّي سجدة اخرى تكون زيادة في الصّلاة و موجبة لبطلانها، لأنّ زيادة سجدة

واحدة عمدا زيادة مبطلة للصّلاة، نعم يصح هذا الكلام في الفرض الآتي. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 19

السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس منها إلّا باعادة الصّلاة لأنّه لو أتى بالركوع بعد هذه السجدة فما أتى به في محله، لأنّ محله قبل السجود، و إن أتى به، ثمّ يأتي السجدة الاولى بعده ثانيا فأيضا ما وقع الركوع في محلّه لأنّ محله قبل السجود الّذي هو جزء للصّلاة، و على الفرض فالسجدة الّتي تكون جزء لها هي ما وقعت قبل الركوع المنسي لا السجدة الّتي يأتي بها بعد الركوع، فلا يمكن تدارك الركوع في محله إلّا باعادة الصّلاة، و مقتضى الحديث هي إعادتها لأنّ الركوع من الخمس.

و أمّا إن كان الضابط في مضى محل التدارك هو كل مورد يصير التدارك موجبا لوقوع الزيادة في الصّلاة ففي هذا المورد لم يمض محلّ التدارك، لأنّ السجدة الواقعة قبل الركوع المنسي لم تكن زائدة لوقوعها في محلّه فلم تقع زيادة، و مع ذلك مضى محل التدارك.

[الحقّ ما ذهب إليه المشهور في المورد]

فمن هنا يعلم أنّ الضابط في مضى محلّ التدارك و عدمه ما قلنا فظهر لك أنّه لو قلنا بعدم دخل تقدم الركوع على السجود في صيرورة السجود جزء (او تأخرها دخيلا في صيرورتها جزء للصّلاة) فلا يمكن تدارك الركوع في الفرض فتكون الصّلاة فاسدة و لا بدّ من استينافها، فعلى هذا يكون الحق ما ذهب إليه المشهور من بطلان الصّلاة بترك الركوع إذا تذكر في السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس من الاولى، كما كانت باطلة إذا تذكر بعد السجدة الثانية ترك الركوع، و لكن قد يقال بعدم بطلان الصّلاة في الفرض، أى: فرض التذكر في السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس منها

لما بينّا احتماله من كون تقدم الركوع على السجود دخيلا في صيرورة السجدة جزء للصّلاة و متصفة بالصحة التأهلية، فيقال على هذا كما بينّا بأنّه لم يمض بعد محل تدارك الركوع، و لا توجب السجدة فساد الصّلاة لعدم كونها من الزيادة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 20

المبطلية، فما نقول في المقام.

[في ذكر موارد حكم نسيان بعض الأجزاء]
اشارة

ثمّ إنّ حكم نسيان بعض الأجزاء من حيث الاتيان في المحل الممكن تداركه و عدم البطلان في ما مضى محل تداركه، و عدم لزوم قضاء المنسي، أو لزوم قضاء المنسي فقط، أو بطلان الصّلاة إذا مضى محل تداركه منصوص لدلالة بعض الأخبار عليه بالخصوص غير حديث (لا تعاد) و نحن نتعرض لهذه الموارد إنشاء اللّه تعالى و هو الموفق و المعين:

المورد الأول: نسيان تكبيرة الإحرام.
اشارة

اعلم أنّ مقتضى حديث (لا تعاد) هو وجوب الاعادة في نسيان الوقت، و الطهور، و القبلة، و الركوع، و السجود، فما ذكر في المستثنى من الحديث الواجب فيه إعادة الصّلاة لو نسيه من الأجزاء و شرائط الصّلاة لا يكون إلّا الركوع و السجود، و لا تعرض في المستثنى من تكبيرة الاحرام أصلا، فلو كنا نحن و هذا الحديث كان المقتضى عدم وجوب إعادة الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، لأنّها من جملة المستثنى منه من الحديث باعتبار شمول المستثنى منه لها أيضا.

لكن وردت روايات خاصة الدالّة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و قبل التعرض لذكر روايات الباب و بيان المختار نقول: بأنّه لم يتعرض للمسألة في الصدر الأوّل أى: في زمن صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحد من المسلمين، نعم تعرض لها من التابعين الزهري، و من تابعي التابعين الاوزاعي، و قالا: بأنّ المصلّي لو نسيها إلى أن كبّر تكبير الركوع يجزي عنها تكبير الركوع.

و أمّا عندنا فقد ادعى عدم الخلاف في كون الاخلال بها مبطلا عمدا و سهوا،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 21

و يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» أنّ هذا قول علماء الاسلام غير الزهري و الاوزاعي.

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]
اشارة

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ بعض الروايات تدلّ على ذلك، أعنى: على بطلان الصّلاة بتركها نسيانا.

الرواية الاولى: و هي ما رواها جميل عن زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السّلام (في الّذي يذكر أنّه لم يكبر في أوّل الصّلاة، فقال: إذا استيقن أنّه لم يكبر فليعد، و لكن كيف

يستيقن). «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أقام الصّلاة فنسى أن يكبر حتّى افتتح الصّلاة، قال: يعيد الصّلاة). «4»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصّلاة حتّى يركع، قال: يعيد الصّلاة). «5»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 151.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 22

سها خلف الامام فلم يفتتح الصّلاة، قال: يعيد الصّلاة و لا صلوه بغير افتتاح) «1» لان بها يطلق افتتاح الصّلاة.

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبان عن الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال: لا، بل يعيد صلاة إذا حفظه أنّه لم يكبر). «2»

الرواية السابعة: و هي الرواية الّتي رواها ذريع بن محمد المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسنى أن يكبر حتّى قرأ، قال: يكبر). «3»

بناء على دلالتها على أن يكبر و لا يعتنى بما أتى من القراءة، و أمّا لو كان المراد أن يكبّر بعد القراءة، فلا يكون لسانها مثل اللسان الروايات المتقدمة.

[المستفاد من الأخبار بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الإحرام]

و المستفاد من هذه الأخبار بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة

الاحرام سواء أتى تكبير الركوع أم لا.

و مفادها بطلانها بنسيانها سواء دخل في الركوع أم لا إلّا رواية علي بن يقطين فإنّ مورد السؤال فيها ما إذا دخل في الركوع ثمّ تذكر نسيانها، و هذا لا يوجب اختصاص البطلان بصورة استمرار النسيان إلى أن يدخل في الركوع).

و في قبال هذه الطائفة من الأخبار بعض الروايات.
الرواية الأولى: و هي ما رواها حريز بن عبد اللّه عن زرارة

عن

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 23

أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: الرجل ينسى اوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ، ثمّ ركع، و إن ذكرها في الصّلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة و بعد القراءة، قلت: فإن ذكرها بعد الصّلاة، قال: فليقضها و لا شي ء عليه). «1»

و في هذه الرواية اضطراب، فما المراد أوّلا من قوله (الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح) لأنّه إن كان نظره من أوّل تكبيرة من الافتتاح، هو تكبيرة الاحرام فيكون لازمه كون كل واحد من التكبيرات الثلاثة أو الخمسة أو السبعة تكبيرة الاحرام و هو مختار المجلسي الاول، و إن كان المراد من تكبيرة الافتتاح الّتي فرض نسيان أو لها هو التكبيرات المستحبة لا خصوص تكبيرة الافتتاح، فليس مربوطا بما نحن بسدده، و على كل حال فما معنى نسيان (أوّل تكبيرة من الافتتاح) لأنّه من ينسى ينسى الآخر لا الأوّل لأنّه يأتي بالاول أوّلا و إن ترك أحدها نسيانا فيقال:

ترك الآخر لا الأوّل إلّا إذا كان نظر السائل من (أوّل تكبيرة من الافتتاح) هو الاشارة إلى تكبيرة الاحرام بناء على

كون الأوّل من السبع هو تكبيرة الاحرام، و هو قول الشّيخ البهائي رحمه اللّه في التكبيرات السبع، و لا دليل عليه.

و ثانيا ما المراد من قوله عليه السّلام في الرواية (و إن ذكرها في الصّلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة و بعد القراءة) و هل المراد من تذكره في الصّلاة هو بعد الركوع، فإن كان ذلك فيكون لازم هذه العبارة عدم كون المصلّي قبل الركوع في الصّلاة، ثمّ المراد من قوله (كبّر في قيامه الخ هو أنّه يؤتى بها حال القيام لا حال

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 24

الركوع و السجود، أو بينهما، و بعد ذلك كله.

نقول: و أمّا ثالثا فقوله (فإن ذكرها بعد الصّلاة، قال: فليقضها و لا شي ء عليه) كيف يمكن الأخذ به لعدم عامل به و لا بفقرتها السابقة من إتيانها لو تذكر في الصّلاة أى: بعد الركوع على ما احتملنا، و حمل قوله (فليقضها) على الأمر بقضاء الصّلاة كما احتمله الشيخ رحمه اللّه فلا نجد له وجها (مضافا إلى أنّه إن كان المراد قضاء الصّلاة، فما المراد من قوله عليه السّلام (و لا شي ء عليه) لأنّه لو أتى بالصّلاة فلا شي ء عليه قهرا و لا حاجة إلى أن يقال (لا شي ء عليه) إلّا أن يحمل القضاء المذكور في الرواية على القضاء المصطلح و لا شي ء عليه، أى: لا عقاب عليه بتركها في الوقت نسيانا).

و على كل حال يدلّ صدر الرواية على وجوب إتيانها لو تذكر قبل الركوع تركها سواء أتى بتكبير الركوع أم لا.

الرواية الثانية: و هي ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: سألته عن رجل نسى أن يكبر حتّى دخل في الصّلاة، فقال: أ

ليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته). «1»

بناء على حملها على الاكتفاء بمجرد نيته التكبيرة فإذا كان من نيته أن يكبر ثمّ نسيها فلا يوجب تركها خللا في الصّلاة، ففي الحقيقة اكتفي الشارع في صورة النسيان بالنية، و على هذا الاحتمال لا فرق بمقتضى هذه الرواية بين كون تذكر نسيانها قبل الركوع أو بعده، و لا بين إتيان تكبير الركوع و عدمه، فعلى هذا تكون الرواية في حدّ ذاتها معارضة مع الرواية الاولى، لأنّ مفاد هذه الرواية كفاية النية

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 25

سواء تذكر قبل الركوع أو بعده بخلاف الاولى فإنّ مفادها الفرق بين التذكر قبل الركوع و بعده، مضافا إلى عدم دخل النية في عدم وجوب إعادة الصّلاة، هذا كله بناء على الاحتمال الّذي ذكرنا في الرواية الثانية.

و أمّا بناء على احتمال آخر يحتمل في الرواية ربما يقال: إنّ هذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية، و هو أنّ قوله عليه السّلام فيها (أ ليس من نيته أن يكبّر) بيان إرشاده و إفادة أنّه ما تركها رأسا لأنّه بعد كون نية المصلّي إتيانها فلم يتركها أصلا فعلى هذا لا تكون هذه الرواية معارضة مع الطائفة الاولى رأسا.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قام في الصّلاة فنسى أن يكبر فبدأ بالقراءة، فقال: إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبر، و إن ركع فليمض في صلاته). «1»

و هذه الرواية تعارض كلا من الرواية الاولى و الثانية، لعدم دخل نية الاتيان في عدم بطلان الصّلاة بنسيانها كما هو مفاد الثانية، و لا أنّه يجب

إتيانها متى تذكر بعد الركوع، أو بعد الصّلاة كما هو مفاد الاولى.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام

(قال: قلت له: رجل نسى أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتّى كبر للركوع، فقال: أجزأه). «2»

تدلّ على إجزاء تكبير الركوع عنها إن كان ضمير (أجزأه) راجع إلى تكبير

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 26

الركوع كما لا يبعد كون ظاهرها، هذا فعلى هذا تدلّ على أنّه بمجرد أنّ المصلّي كبر تكبير الركوع فهو مجز عنها، و لا تجب إعادة الصّلاة، و مقتضاها بطلان الصّلاة بنسيانها لو لم يأت بعد تكبير الركوع و تذكر نسيانها سواء كان تذكره قبل الركوع أو بعده، أو كان من نيته أن يكبر فنسيها أولا، و أنّه بعد إتيان تكبير الركوع لو تذكر نسيانها لا يجب إتيانها لا في الصّلاة و لا بعدها، فظاهرها معارض مع الروايات الثلاثة المتقدمة عليها.

[في مقام الجمع]

و على كل حال لو كنا نحن و الأخبار الدالة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام مع تسلّم هذا الحكم عند العامة، يكون مقتضى القاعدة حمل هذه الطائفة على التقية، و لكن بعد كون حكم بطلان الصّلاة بنسيانها مشهورا عندنا، بل لا يرى نقل قول مخالف من فقهائنا قدّس سرّه من الأخذ بهذه الطائفة من الأخبار، و ردّ علم الأخبار المخالفة لها إلى أهلها، فهذه الأخبار المخالفة مع كون بعضها معارضا مع بعض الآخر لا يمكن العمل بها، فالحق هو بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام.

إذا عرفت هذا يقع الكلام في كيفية الجمع بين هذه الأخبار الدالة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و بين حديث (لا تعاد) الدال بإطلاق المستثنى منه على عدم وجوب إعادة الصّلاة بنسيانها، لأنّها ليس من الخمسة،

فنقول في مقام الجمع: بأنّ تكبيرة الاحرام إمّا تكون خارجة عن مورد حديث (لا تعاد) تخصّصا من باب أنّ من لم يكبر تكبيرة الافتتاح فلم يدخل بعد في الصّلاة أصلا فإن كان المولى في سدد بيان وجوب إتيان الصّلاة و عدمه، أو تركها نسيانا فلا يصح أن يقول (تعاد الصّلاة) أو (لا تعاد الصّلاة) لأنّ مع ترك تكبيرة الاحرام فلم يدخل بعد في الصّلاة و ما صلّى رأسا حتّى يقول (لا تعاد الصّلاة) لأنّ الاعادة فرع سبق الاتيان،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 27

فيكون التكبير المنسي خارجا عن حديث (لا تعاد تخصصا).

و إمّا تكون تكبيرة الاحرام خارجة تخصصيا لأنّه على فرض شمول إطلاق المستثنى منه من حديث (لا تعاد) لتكبيرة الاحرام فيقيد إطلاقه الأخبار المتقدمة الدالّة على بطلان الصّلاة بنسيانها، فافهم.

المورد الثاني: من الموارد الّتي يكون حكمها منصوصا من حيث النسيان هو نسيان القراءة.
فاعلم أنّ نسيان القراءة على أنحاء:
اشارة

الأوّل: أن ينسيها في تمام الصّلاة بمعنى أنّ المصلّي ينسى و لا يقرأ في واحدة من ركعات الصّلاة و تتم صلاته بلا قراءة.

الثاني: أن ينسيها في الركعتين الأوّلتين من صلاته أو في إحداهما و لم يتذكر إلّا بعد الدخول في الركوع.

الثالث: أن يترك قراءة الفاتحة نسيانا و يتذكر أنّه نسيها قبل أن يدخل في الركوع، فالكلام يقع في هذه الموارد، و فيها أخبار قد خلط صاحب الوسائل رحمه اللّه الأخبار الواردة في كل واحد من الموارد الثلاثة بالآخر، و نحن نفكك بينها فنقول بعونه تعالى:

أمّا المورد الأوّل أعنى: صورة نسيان القراءة في جميع ركعات الصّلاة

، و لا يتذكر تركها إلّا بعد الصّلاة، فيدل على عدم بطلان الصّلاة به روايات: و هي الرواية 1 من الباب 27 من أبواب القراءة و 4 من الباب المذكور، و 2 و 4 من الباب 29 و 3 من الباب 30 من ابواب القراءة في الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 28

أمّا المورد الثاني أعنى: نسيان القراءة في الأوّلتين أو في إحداهما و عدم تذكر إلّا بعد الدخول في الركوع

، فتدل على عدم بطلان الصّلاة بنسيانها و عدم وجوب تداركها في الأخيرتين- كما هو مذهب العامة، بل جعل الأخيرتين الأولتين كما عن بعضهم- روايات، و هي 3 من الباب 29 و 1 و 2 من الباب 30 من أبواب القراءة.

(و الأمر بقضاء القراءة و التكبير و التسبيح الّذي فاته على ما في الرواية الاخيرة يكون قابلا للحمل على الاستحباب).

أمّا المورد الثالث؛ و هو نسيان الفاتحة و تذكره قبل الدخول في الركوع

، فتجب قراءة الفاتحة لعدم مضى محل تداركها، و يدلّ على ذلك بعض الروايات، و هي الرواية 1 و 2 من الباب 28 من أبواب القراءة و مفادهما هو أنّه لو تذكر نسيان الفاتحة قبل الركوع يأتى بها، و إذا ركع فلا شي ء عليه.

ثمّ إذا تذكر نسيان الفاتحة قبل الركوع فمقتضى الروايات الاتيان بها، فهل يجب بعد اتيانها إتيان السورة بعدها و إن كان أتى بها قبل ذلك، أو لا يجب إتيان السورة مجددا.

لا يبعد وجوب إتيانها بعد الفاتحة لأنّه مضافا إلى إمكان دعوى اعتبار الترتيب لصيرورة السورة جزء نقول: يمكن استفادة لزوم إتيان السورة من الرواية الثانية لأنّ فيها قال عليه السّلام (ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات) لدلالة قوله (حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات) هو لزوم الابتداء بها، و لا يصدق الابتداء إلّا إذا وقعت في محلّها الموظف لها، بأن يبتدأ بها ثمّ يأتى بعدها السورة، ثمّ ما بعدها من الأجزاء، فلو تذكر نسيان الفاتحة قبل الدخول في الركوع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 29

بعد إتيان السورة، فلا بدّ من إتيانها ثمّ اتيان السورة ثانيا، ثمّ الأجزاء اللاحقة.

المورد الثالث: من الموارد الّتي يكون حكم نسيانها منصوص نسيان السجدة الواحدة
اشارة

و السجدتين بناء على دلالة الروايتين الآتيتين عليه، و عدم إشكال في الدلالة أو في السند، و الكلام يكون في غير السجدة من الركعة الاخيرة، فإنّ للسجدة من الركعة الأخيرة كلاما تعرضناه في مبحث السجود.

و اعلم أنّ المستفاد من الروايات الواردة في المسألة هو أنّه لو نسى المصلّي سجدة أو سجدتين، فإن تذكر نسيانها بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة فإن كان المنسي سجدة واحدة قضاها بعد الصّلاة، و يدلّ على

هذا الحكم روايات:

و هي الرواية 2 من الباب 14 من أبواب السجود فهذه الرواية تدلّ على حكم تذكره بعد الركوع و أنّه يقضيها بعد الصّلاة و الرواية 4 من الباب المذكور، و هي تدلّ على أنّه يؤتى بها ما لم يركع و تذكر نسيانها، و قضائها بعد الصّلاة لو دخل في الركوع و تذكر نسيانها.

و الرواية 1 من الباب المذكور بناء على كون متن الحديث هكذا (في رجل نسى أن يسجد السجدة الثانية) كما في بعض النسخ، و يؤيد هذه النسخة ذيلها الدالّ على قضائها بعد الصّلاة لو تذكر بعد الدخول في الركوع، لأنّ هذا يصح في ما إذا نسى سجدة من السجدتين أعنى: خصوص السجدة الثانية من السجدتين لأنّه لو تركهما معا تبطل الصّلاة و لا معنى لوجوب القضاء.

و على كل حال الحكم في نسيان السجدة الواحدة و تذكره قبل الركوع و بعده منصوص، و لا إشكال فيه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 30

[الكلام في ما اذا نسي السجدتين معا]
اشارة

إنّما الكلام في ما إذا نسى السجدتين معا فنقول: ما يمكن أن يكون دليلا بالخصوص لوجوب إتيانهما لو تذكر نسيانهما قبل الركوع و بطلان الصّلاة لو نسيهما و تذكر نسيانهما بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، روايتان.

[في ذكر الروايات في الباب]

الاولى: الرواية الاولى من الباب المذكور بناء على كون متن الرواية هكذا (في رجل نسي أن يسجد السجدة من الثانية) كما في بعض النسخ، لا أن يكون متنها (السجدة الثانية) كما قدمنا الكلام فيه، فبناء على هذا يكون المراد من قوله (رجل نسى أن يسجد السجدة من الثانية) هو أنّه نسى طبيعة السجدة من الركعة الثانية، و بعبارة اخرى نسى السجدتين، لأنّه لا يصدق نسيان طبيعة السجدة إلّا نسيانهما معا.

فتدل الرواية على هذا على وجوب إتيانهما و تداركهما لو تذكر نسيانهما قبل الركوع، و أمّا لو تذكر بعد الركوع فمقتضى هذه الرواية قضائهما بعد الصّلاة، و هذا لا يمكن الالتزام به، لأنّه مع نسيانهما و مضىّ محل تداركهما تبطل الصّلاة لاجل نسيانهما، فمع كون النسخة مختلفة فلا يمكن التعويل على هذه الرواية في إثبات هذا الحكم أى: حكم نسيان السجدتين.

الثانية: الرواية 5 من الباب المذكور، و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه عن محمد بن احمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل عن رجل عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصّلاة و نسيان السجدتين في الأوّلتين و الاخيرتين سواء.

و لا يبعد دلالة الرواية على أنّ مفروض السائل نسيان السجدتين معا لأنّ

تبيان الصلاة، ج 7،

ص: 31

قوله (في الرجل ينسى السجدة في صلاته) يعني طبيعة السجدة، و نسيان الطبيعة يتحقق نسيان كل منهما، و لكن الاعتماد بهذه الرواية مشكل من حيث السند:

أمّا أوّلا فلأنّ سندها مضمر بابهام الواسطة لأنّ علي بن إسماعيل يروي عن رجل، و غير معلوم أنّ هذا الرجل أىّ شخص من الاشخاص.

و أمّا ثانيا فإنّ معلى بن خنيس المذكور حاله في الرجال كان من أصحاب الصادق عليه السّلام، و حبس و قتل بيد أمير المدينة، فكيف يروى الرواية عن موسى بن جعفر عليه السّلام بعد وفاته عليه السّلام، لأنّ التعبير (بأبي الحسن الماضى) يكون بالنسبة إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام بعد فواته، و على هذا تكون الرواية ضعيفة السند، و الاعتماد عليها مشكل.

فعلى هذا لا دليل على بطلان الصّلاة بترك السجدتين سهوا في صورة تذكر نسيانهما بعد الركوع من الركعة اللاحقة إلّا حديث (لا تعاد) لأنّ السجدتين فيه من جملة المستثنى، و أمّا قبل الركوع لو تذكر نسيانهما فياتي بهما بناء على بقاء محلّ تداركهما.

المورد الرابع: من الموارد الّتي ورد النص بالخصوص في حكم نسيانها هو نسيان التشهّد الأوّل
اشارة

في الصلوات الرباعية و الثلاثية، و أمّا التشهّد الثاني فقد مضى الكلام في حكم نسيانه في مبحث التشهد، فنقول: يدلّ بعض الروايات على أنّه لو نسى المصلّي التشهد الأوّل، فإن تذكر قبل الدخول في الركوع الركعة الثالثة فيأتى به لبقاء محل تداركه، و إن تذكر بعد الدخول في الركوع الركعة الثالثة فيمضى في صلاته و يقضيه بعد الصّلاة فارجع الباب 1 من أبواب التشهّد من الوسائل.

إذا عرفت ما بينا لك من الموارد المنصوصة نقول: بأنّه يقع الكلام أيضا في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 32

بعض الأمور الراجعة بحديث لا تعاد:
الأمر الأول: [ما المراد من السجود]

في أنّه بعد كون السجود من جملة الخمس المستثنى في حديث (لا تعاد) يقع الكلام في أنّ المراد من السجود هل هو طبيعته بمعنى: أنّه يجب الاعادة إذا ترك طبيعة السجدة، و ترك طبيعتها يتحقّق بترك كل من السجدتين من كل ركعة، أو يكون المراد مطلق السجدة، فيكون ترك سجدة واحدة أيضا موجبا لا عادة الصّلاة لأنّ المطلق يصدق عليها.

فإن كان الأوّل هو المستفاد من حديث (لا تعاد) فلا يكون ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بنسيان سجدة واحدة من الروايات المتقدمة ذكرها معارضا مع الحديث، و أمّا إن كان مفاد الحديث الثاني فيكون مقتضى الحديث بطلان الصّلاة بفقد سجدة واحدة و لو كان نسيانا، و يكون مقتضى الأخبار الواردة في عدم بطلان الصّلاة بنسيان سجدة واحدة في صورة تذكر نسيانها بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، هو عدم وجوب إعادة الصّلاة، بل يقضى السجدة بعد الصّلاة، فكيف نجمع بين الحديث و بين هذه الأخبار.

يمكن ان يقال: بأنّ مقتضى حديث (لا تعاد) هو لا بدية كون الصّلاة مع السجدة و عدم صحتها بدونها، و لو كنا نحن و الأدلة

الأوّلية المتعرضة لاعتبار السجدة في الصّلاة، لقلنا بأنّه يجب إتيانها فيها حتّى تكون الصّلاة مع السجدة، و مقتضى بعض الروايات الواردة في السجدة المنسية، و وجوب قضائها بعد الصّلاة أيضا هو اعتبار السجدة في الصّلاة و لا بدية كونها معها، غاية الامر يدلّ هذا البعض من الروايات على كون محلّها بعد الصّلاة إذا نسيها المصلّي في محلّها في الصّلاة، فلا معارضة بين حديث (لا تعاد) و هذه الطائفة من الأخبار، لأنّ حديث

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 33

(لا تعاد) متعرض لعدم تحقق الصّلاة بلا سجدة، و هذه الطائفة تعرضت لكون محلّها بعد الصّلاة في صورة النسيان حتّى دخل في الركوع، و لو أبيت عن ذلك فلا بدّ من الالتزام بتخصيص (لا تعاد) في خصوص نسيان السجدة الواحدة، فتأمل. «1»

الأمر الثاني: لو نسى المصلّي بعض ما يجب إتيانه في حال الركوع أو السجود فهل يكون داخلا في المستثنى

من حديث (لا تعاد) أو لا، مثلا إذا ترك ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة في أحدهما، أو غير ذلك، أو ترك ما يعتبر في تحقّق الركوع الشرعى.

أمّا الذكر و الطمأنينة فيمكن دعوى عدم كونهما داخلا في السجود الواقع في المستثنى لأنّهما خارجان عن حقيقة السجود، بل يمكن كونهما واجبين من واجبات الصّلاة، و محلّهما في السجود، و امّا ما يعتبر في الركوع الشرعى، مثلا وصل بأوّل مرتبة يصدق معها الركوع، أعنى: الانحناء الخاص، و لكن نسى و لم يصل إلى حدّ يمكن معه وضع يديه على ركبته فقام، فلا يبعد كون نقصه موجبا للاعادة، لعدم تحقق ما هو ركوع عند الشرع، و ظاهر الركوع الواقع في حديث (لا تعاد) و هو هذا الركوع. «2»

______________________________

(1)- أقول: و يأتي في الأمر الثاني وجه الجمع بينهما إنشاء اللّه، و لا حاجة إلى هذه التكلفات.

(المقرر).

(2)- أقول- كما قلت بحضرته

مدّ ظله العالى و استرضاه و بيّن ما قلت ببيان شفاف- لا يكون حديث (لا تعاد) في مقام بيان المستثنى تفصيلا حتّى يقال بشموله لهذه الموارد المشكوكة.

بيانه أنّه بعد كون مقتضى إطلاق الأدلة الأوّلية الدالّة على اعتبار الأجزاء و الشرائط في الصّلاة، هو وجوب هذه الامور، و جزئيتها أو شرطيتها لها حتّى في حال النسيان، فلا يكون أمر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 34

الأمر الثاني: [من زاد في الصّلاة فعليه الإعادة]
اشارة

و من جملة القواعد الّتي ينبغي التعرض لها هي أنّ من زاد في الصّلاة فعليه الاعادة، و على طبقها بعض الأخبار، فنحن نتعرض بعض الروايات المربوطة بالمقام، ثمّ نتكلم في مفاده و مقدار دلالته إنشاء اللّه تعالى، فنقول:

[بعض الروايات المربوطة بالمقام]
الرواية الأولى: الرواية الّتي رواها في الكافي في باب السهو في الركوع

عن

______________________________

حاله كذلك محتاجا إلى بيان آخر بعد اقتضاء أدلتها ذلك، بل ما يلزم بيانه هو أنّه لو كان بعض هذه الامور المعتبرة فيها معتبرة فيها في خصوص حال العمد لا حال النسيان يبيّن للمكلفين، و من الواضح أنّ حديث (لا تعاد) ناظر إلى الأدلة المتكفلة للأجزاء و الشرائط، فما يكون أبو جعفر عليه السّلام في مقام بيانه في الحديث هو المستثنى منه، لا المستثنى، أعنى: يكون في سدد ما لا يوجب نسيانه الاعادة لأنّ ما يحتاج إلى البيان هو هذا، لا المستثنى لأنّ وجوب الاعادة في المستثنى لا يحتاج إلى البيان لكفاية الأدلة الأولية المتكفلة لاعتباره فيها لذلك، لأنّ معنى اعتباره فيها عدم تمامية الصّلاة بدونها.

فالحديث يكون في مقام بيان ما لا يوجب تركه نسيانا للاعادة، لا في مقام بيان ما يوجب تركه و لو نسيانا للاعادة، و بعبارة اخرى يكون في مقام بيان المستثنى منه لا المستثنى، و ذكر المستثنى يكون بنحو الاجمال، و لذا لم يذكر فيه التكبير، و ما ذكر فيه لم يذكر خصوصياته، فيكون في مقام الاهمال و الاجمال في مقام ذكر المستثنى، فلا معنى لأخذ الاطلاق في المستثنى أصلا.

و من هنا يظهر لك أنّه لا وجه لأن يقال: بأنّه عليه السّلام هل يكون مراده من الركوع أو السجود، هو الركوع و السجود مع ما يعتبر فيهما أولا؟ و هو ما تعرضنا له في الأمر الثاني، أو كان مراده سجدة واحدة أو

سجدتين، و هو ما تعرضنا له في الأمر الاول.

و بعد عدم كونه في مقام البيان من حيث المستثنى فلا إطلاق له من حيث السجود حتّى يقال:

بأنّ ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بسجدة واحدة معارض مع حديث (لا تعاد) أو لا يكون معارضا، فتكون النتيجة هو أنّه في الموارد المشكوكة في كونها داخلا في المستثنى من الحديث الشريف لا وجه للتمسك بالحديث، و دعوى إطلاقه و شموله أو عدم شموله للمورد المشكوك، بل لا بد من الرجوع على الأدلة الأوّلية، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 35

علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا استيقن أنّه قد زاد في الصّلاة المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل الصّلاة استقبالا.

الرواية الثانية: الّتي رواها الكليني رحمه اللّه في الكافي أيضا

في باب من سها في الأربع و الخمس و لم يدر زاد أو نقص أو استيقن أنّه زاد- عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا.

و هاتان الروايتان ذكرهما الكليني رحمه اللّه في الكافي كما قلنا في بابين، و نقل في الوسائل في الباب 19 من أبواب الخلل الرواية الثانية، و لكن زاد فيها لفظ (ركعة) بعد لفظ (المكتوبة) و الحال أنّ كلمة (ركعة) تكون في الرواية الاولى الّتي رواها زرارة، و العجب من العلّامة الهمداني رحمه اللّه «1» من أنّه قال بعد ذكر الرواية الثانية (هكذا رواه في المدارك و غيره، و لكن

في الوسائل رواه عن الكليني رحمه اللّه باسناده عن زرارة و بكير بن أعين) ثمّ نقل الرواية بالنحو الّذي نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه، و الحال أنّ في نقل صاحب الوسائل اشتباه كما قلنا، و لم ينظر إلى الكافي حتى يظهر له رحمه اللّه حقيقة الحال، و اكتفي بما رأى في المدارك أو غيره، ثمّ قال في ذيل كلامه بعد ما نقل: بأنّ في الوسائل قال روى الرواية الشّيخ (فالظاهر أن لفظة (ركعة) فيما رووه عن الشّيخ ساقطة) و الحال أنّه كما قلنا و فهمت أنّهما روايتان رواهما في الكافي، لا أنّ الشّيخ رحمه اللّه

______________________________

(1)- مصباح الفقيد، كتاب الصّلاة، ص 535.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 36

زاد لفظة (ركعة) في الرواية.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زاد في صلاته فعليه الاعادة). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها زيد الشحّام

(قال: سألته من الرجل يصلّي العصر ست ركعات أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستا فليعد الحديث). «2»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها منصور بن حازم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة قال: لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من الركعة). «3»

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك فلم يدرأ سجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال: لا، و اللّه لا تفسد الصّلاة بزيادة سجدة، و قال: لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة). «4»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الكلام في الرواية الاولى و الثانية فتارة يقع في أنّهما هل تكونان رواية واحدة باعتبار كون مضمونهما تقريبا واحدا، و المروي عنه يكون واحدا، و هو أبو جعفر عليه السّلام، و روى عنه زرارة و بكير، غاية الأمر رواها عمر بن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 37

أذينة تارة عنهما، و تارة عن أحدهما، أو تكونان روايتين باعتبار أنّ الكليني رحمه اللّه نقلهما في موضعين و مرتين، مضافا إلى أنّ راوي إحداهما زرارة و بكير معا، و راوي إحداهما زرارة فقط، و مضافا إلى أنّ في إحداهما تكون لفظة (ركعة) و في إحداهما ليست هذه الكلمة.

و تارة يقع الكلام في أنّه لو قلنا بكونهما رواية واحدة، فيدور الامر بين الزيادة و النقيصة، لأنّ في إحداهما تكون كلمة (ركعة) و لا تكون في الاخرى، و إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فأصالة عدم الزيادة محكّمة عند العقلاء، لأنّ السهو يقتضي نقصان ما

يريد الشخص إيجاده، و لا يوجب السهو عن الشي ء، زيادة في الشي ء فلا بدّ بحكم هذا الاصل الأخذ بالرواية الاولى المشتملة على زيادة (ركعة).

[في أن الروايات لا تشمل حال العمد]

ثمّ إنّه لا عموم و لا إطلاق للروايات يشمل حال العمد، أمّا الرواية الرابعة و الخامسة فواضح لصراحتهما في كون موردهما السهو، و أمّا الثلاثة الأوّل فأيضا لا إطلاق لها، بل تحمل على السهو، لأنّه بعد كون ترك جزء من أجزاء الصّلاة غير معقول على من يكون مسلما و بانيا على متابعة أمر اللّه تعالى في الصّلاة و إطاعته لأنّ من يكون كذلك كيف يزيد جزء عمدا في الصّلاة على خلاف وضعها الموظف، و لو فرض إيجاد زيادة فلا يكون إلّا على وجه التشريع، و لا يكون بسدد إطاعة امر المولى و التقرب بصلاته إلى جنابه تعالى، لا أنّه يصلي و مع ذلك يزيد في صلاته.

فعلى هذا يكون منشأ الزيادة السهو، و ذهول الواقع، و تخيل الساهي عدم إتيانه الجزء فيأتي به و الحال أنّه اتى به واقعا سابقا فسهي ذلك، أو يكون السهو منشأ للجهل البسيط فيشك في إتيانه و عدمه، ثمّ يأتى به، ثمّ بعد ذلك يتذكر انّه أتي به فزاد من باب الجهل فمنشأ الزيادة هو السهو.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 38

فتكون الروايات منزلة على صورة السهو، و مما قلنا من أنّ زيادة الجزء أو تركه غير متصور عمدا إلّا على وجه التشريع، يظهر لك أنّ صورة العمد خارج عن مورد الروايات لعدم فرضه حتّى نحتاج إلى بيان حكمه.

[المراد من الزيادة ما كان من جنس المزيد عليه او مطلقا]

ثمّ إنّه هل تكون الزيادة المبطلة للصّلاة هي كل زيادة تكون من جنس الصّلاة أى جنس المزيد عليه، أو لا يعتبر ذلك، بل تصدق الزيادة و إن كانت من غير جنس الصّلاة.

الحق هو الأوّل لأنّ ظاهر الزيادة كونها من جنس المزيد عليه، فلو طلب المولى من أحد عبيده كأسا من الماء بشرط عدم

الزيادة، فلو أتى العبد بكأسين من الماء تصدق الزيادة لأنّ الزائد من جنس المزيد عليه، و لكن لو أتى بكأس من الماء مع كأس من اللبن، فلا يقال: إنّه زاد في الماء لأنّ الزائد لا يكون من جنس المزيد عليه، كذلك في الصّلاة فلو زاد المصلّي في أحد أجزائها تصدق الزيادة، مثلا أتى بركعة زائدة، و أمّا إن كان ما أتى به غير مسانخ مع أجزاء الصّلاة فلا تصدق الزيادة، و في مثل التكفير لو قيل بصدق كونه زيادة في الصّلاة، فهو من باب توهّم المكفّر بأنّه جزء من الصّلاة و من سنخها في نظره باعتبار جعل الرواية في طرقهم على اعتباره فيها، فالظاهر من الزيادة ما يكون من سنخ أجزاء الصّلاة.

ثمّ إنّه هل يكون المراد من الزيادة المبطلة في الرواية الثالثة من الروايات المتقدمة، بل الثانية منها بناء على كونها رواية مستقلة، هو مطلق الزيادة الّتي تكون من سنخ الصّلاة، سواء كانت ركعة، أو ركوعا، أو سجودا، بل و إن كانت قراءة، أو سورة، أو غيرهما من الأجزاء، أو تختص بخصوص زيادة الركوع، و السجود، و الركعة، أو تختص بخصوص الركعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 39

[في ذكر كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه و الاشكال عليه]

قال بعض الأعاظم (آية اللّه الحائري «1» رحمه اللّه) لا يبعد ظهور اللفظ في ما يكون الزائد مقدارا يطلق عليه الصّلاة مستقلا كالركعة، لا أن يكون الزائد شيئا من الصّلاة، سواء كان ركعة أو غيرها، و لا مطلق الشي ء و إن كان من غير سنخ أجزاء الصّلاة.

و فيه أنّ هذا دعوى بلا دليل إذ الزيادة تصدق على كل ما يكون من سنخ المزيد عليه، و ما يكون مسانخا لأجزاء الصّلاة ليس خصوص الركعة، بل الركوع الزائد و السجدة

الزائدة تعد زيادة، لكونهما من سنخ أجزاء الصّلاة.

و أمّا ما قال: من أنّ الزائد لا بد و أن يكون خصوص الركعة لأنّها مقدار يطلق عليه الصّلاة مستقلا.

فنقول: بأنّ الركعة مصداق الزيادة، و لكن لا انحصار بها لعدم لزوم كون الزائد بمقدار يطلق عليه الصّلاة، و المثال الّذي مثّل به ليس كذلك، فإن قال الشخص بأحد: زاد اللّه في عمرك، ليس المراد خصوص عشر سنة أو عشرين سنة، بل كلما يطلق عليه العمر فهو زيادة في العمر و إن كان يوما، بل و لو كان ساعة، فكذلك لا يلزم أن تكون الزيادة في الصّلاة خصوص الركعة، فكلامه ليس في محله.

ثمّ إنّه قال بعض: بأنّه إن قلنا بكون عموم أو إطلاق للرواية يلزم تخصيص الأكثر لأنّ زيادة غير الركوع و السجدتين و الركعة إذا كانت عن سهو فلا توجب بطلان الصّلاة للأدلة الخاصة، فلا بدّ من تخصيص قوله (من زاد في صلاته) بتخصيصات كثيرة، بل يلزم تخصيص الأكثر، لأنّ أكثر أجزاء الصّلاة لا توجب

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائري، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 40

زيادتها إبطال الصّلاة.

و قال بعض في جوابه: بأنّ تخصيص الأكثر مستهجن، و أمّا تقييد الأكثر فليس بمستهجن، و المقام من هذا القبيل.

[لا تفرض الزيادة في غير الركوع و السجود]

إذا عرفت ذلك كله نقول: أمّا أوّلا فأجزاء الصّلاة غير الركوع و السجود، كالقراءة و السورة و أذكار الركوع و السجود و غيرها، غير دخيل فيها كمية خاصة، بمعنى عدم دليل على أنّها اخذت في الصّلاة بشرط لا عن الزيادة من مرة واحدة فعلى هذا في غير الركوع و السجود لا تفرض الزيادة حتّى يقع الكلام في ان الروايات المتقدمة تشملها أو لا لأنّ هذه الروايات تدلّ على ان من

زاد في صلاته فعليه الاعادة و هذا يفرض في كل جزء يفرض فيه الزيادة و هو الركوع و السجود. «1»

و أمّا ثانيا فالدليل دلّ على عدم بطلان الصّلاة بزيادة غير الركعة و الركوع و السجدتين (و التكبير) إن وقعت الزيادة سهوا فلا يبقى للروايات مورد إلّا في زيادة الركعة و الركوع و السجدتين سهوا.

فهل الروايات المتقدمة تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة خصوص الركعة، أو تعم الركوع أيضا أو تعمهما و السجدتين أيضا فنقول: أمّا الرواية الرابعة فتدلّ على

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرة آية اللّه العظمى سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي: بأنّ المتلقاة من المتشرعة من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا هو إتيان فاتحة واحدة، و سورة واحدة، و تشهد واحد و هذا يكفي في كونها جزء بكمية خاصة لأنّ هذه الكمية الخاصّة تلقّى من الشرع و إلّا فكيف يكون العمل عليه من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا، و بعد ما قلت ذلك بحضرته مدّ ظله العالى قال:

و لو فرض ذلك نقول: و أمّا ثانيا فالدليل ... (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 41

وجوب الاعادة في صورة زيادة ركعة من صلاة العصر أو ركعتين، و أمّا الرواية الخامسة و السادسة فيحتمل كونهما متعرضتين لزيادة الركعة، و يحتمل كون المراد من الركعة- الّتي حكم فيها باعادة الصّلاة لأجل زيادتها- هي الركوع للتعبير من الركوع بالركعة في بعض الأخبار كما قلنا سابقا من أنّ قوله مثلا في بعض الروايات (ثمّ ينهض إلى الركعة) اى: إلى الركوع، و هذا الاحتمال لا يكون بعيدا، و أمّا الرواية الاولى فتعرضت لزيادة الركعة، و أمّا الثالثة فهي مطلقة، و مفادها بطلان بمطلق الزيادة، و كذا الرواية الثانية بناء على كونها غير الرواية الاولى،

و لكن كما قلنا يمكن دعوى عدم إطلاق لها يشمل غير الركعة من الركوع و السجدتين لعدم اعتبار كمية خاصة في غيرها من الأجزاء حتّى تصدق الزيادة، و إلّا لو لم نقل بذلك فلا بد من الالتزام بتخصيصها أو تقييدها بغير الركعة و الركوع و السجدتين (و التكبير) لأنّ زيادة غيرها لا توجب بطلان الصّلاة، و لا يبعد كون زيادة الركوع و السجدتين سهوا موجبا للبطلان من باب كونهما مقومين للركعة، فلو زاد الركوع أو السجدتين فقد زاد ركعة لأنّهما مقومان لها.

[القدر المتيقن من الزيادة هو زيادة الركعة]

ثمّ يأتى الكلام إنشاء اللّه في أنّ زيادة الركوع أو السجدتين توجب الاعادة أم لا، بعد التعرض لذكر الطائفة الثانية من الأخبار المتعارضة مع الأخبار المتقدمة، هذا كله في الروايات الدالة على بطلان الصّلاة بالزيادة.

أمّا زيادة خصوص الركعة، أو الركوع أيضا، أو هما و السجدتين، فقدر المسلم من صورة بطلان الصّلاة بالزيادة السهوية هو زيادة الركعة إمّا من باب أنّ مورد الأخبار أو ظاهرها هذا، و إمّا من باب أنّه لو كان لبعض الروايات إطلاق فالركعة فرد المتيقن من المطلق.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 42

[في ذكر الروايات المربوطة بالباب]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في بعض الأخبار الدالة على عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة سهوا إذا جلس بعد الرابعة قدر التشهد على ما في بعضها، أو جلس بقدر التشهد على ما في بعضها الاخرى، و فيما يمكن أن يقال في مقام التعارض بين هذه الطائفة و الطائفة المذكورة، فنذكر الأخبار أولا ثمّ ما ينبغى أن يقال فيها ثانيا بعونه تعالى فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى خمسا، قال: إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال في رجل صلّى خمسا: إنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة). «2»

و هل الروايتان رواية واحدة باعتبار كون الراوي فيهما الجميل، غاية الامر روى تارة بنفسه و تارة عن زرارة مضافا إلى اتحاد مضمونها تقريبا، أو هما روايتان باعتبار كون الراوي في إحداهما زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، و في إحداهما جميل عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام مضافا إلى اختلافهما من حيث المتن، كل محتمل، و على كل حال تدلّان على أنّ مجرد الجلوس بقدر التشهّد كاف في عدم البطلان و إتمام و لو لم يتشهد، أو تدلّان على إتيان التشهّد و كون التعبير بقوله (إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهد) كناية عن وقوع التشهّد و أنّه لو تشهد فقد تمت صلاته، لأنّ من يجلس

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 43

بعد الرابعة يجلس للتشهد.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها العلاء بن محمد بن مسلم (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمسا، قال: و كيف استيقن؟ قلت: علم، قال: إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة و سجدتين، فتكونان ركعتين نافلة و لا شي ء عليه). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى الظهر خمسا، قال: إن كان لا يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات هنا الظهر و يجلس و يتشهد، ثمّ يصلّي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات و يضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة). «2»

[في ذكر تعارض بين الطائفة الاولى و الثانية من الروايات]

و من المحتمل كون الروايتين الثالثة و الرابعة رواية واحدة و إن كان محمد بن مسلم يروي إحداهما عن أبي جعفر عليه السّلام و الاخرى منهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان بين متنهما اختلاف، و لكن بعد كون الراوي في كليهما

هو العلاء، و هو يروى عن محمد بن مسلم فلا يبعد كونهما رواية واحدة.

و الرواية الرابعة غير خال عن الاضطراب لأنّها تدلّ على أنّه يجلس بعد الركعة الخامسة و يتشهد ثمّ يصلي ركعتين جالسا و أربع سجدات، فإن كانت الركعة الخامسة مع الركعتين من جلوس نافلة، فما معنى التشهّد بعد الركعة الخامسة أى: بين

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 44

النافلة مضافا إلى أنّه على هذا تكون النافلة ثلاث ركعات، إلّا أن يقال: بان ركعتين من جلوس يحسب ركعة، مضافا إلى دلالتها على أنّ مجرد الشّك في الجلوس بعد الرابعة كاف في عدم كون الركعة الخامسة مبطلة للصّلاة، و الحال أنّ مقتضى الرواية الثالثة عدم كونها زيادة مبطلة إذا علم بجلوسه بعد الرابعة، فمن هذا الحيث تنافي مع الثالثة.

و اعلم أنّ ما نحتمل قويّا هو أنّ الرواية الرابعة حيث رويها الصّدوق رحمه اللّه و هو نقلها عن حفظ اشتبه في مقام النقل، فهذه التعبيرات و المخالفات مع الرواية الثالثة وقعت من هذه الجهة لانه رحمه اللّه كان حافظا للأخبار و ربما ينقل عن حفظ فيقع الاشتباه، كما رأينا منه رحمه اللّه ذلك غير مرة، فكون الرواية الرابعة غير الثالثة غير معلوم.

و على كل حال تدلّ الثالثة على أنّه لو جلس المصلّى بعد الرابعة لا تكون الخامسة زيادة في الصّلاة، و لعلّ قوله عليه السّلام (إن كان علم أنّه جلس في الرابعة) كناية عن شي ء آخر، و هو أنّه أتى بالتشهد، بل بالسلام أيضا، فلا تكون الخامسة زيادة لأنّها وقعت بعد التشهّد و السلام، فلا تكون الركعة

الخامسة زيادة في الصّلاة، فلا يبقى على هذا ما يعارض مع الطائفة الاولى من الأخبار الدالة على بطلان بزيادة الركعة إلّا الرواية الاولى و الثانية من الطائفة الثانية الدالة على أنّه لو جلس بعد الرابعة بقدر التشهّد فقد تمت صلاته لو زاد بعدها ركعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الطائفة الاولى تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا جلس بعد الركعة الرابعة بقدر التشهّد أم لا، و تدلّ الرواية الاولى و الثانية من الطائفة الثانية على التفصيل بين الجلوس بقدر التشهّد بمفهومها، فهل يكون بينهما جمع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 45

عرفي، و بعبارة اخرى جمع دلالي بين الطائفتين أم لا، و قبل التعرض لذلك نذكر الأقوال في المسألة فنقول بعونه تعالى:

[في أن فى المسألة قولان للعامّة و قولان للخاصّة]

إنّ في المسألة قولين للعامة: أحدهما و هو المشهور بينهم صحة الصّلاة مع زيادة الركعة نسيانا مطلقا حصل فصل بجلوس و غيره بينها و بين الركعة الأخيرة أم لا، و ثانيهما ما ذهب إليه أبو حنيفة، و هو أنّه إن كان قعد في الرابعة بقدر التشهد، قام إلى الخامسة تمت صلاته الفريضة بهذا القيام، و انعقدت صلاته نافلة صحيحة يقوم و يضيف إليها اخرى، و قد صحت فريضة و صحت له الركعتان نافلة، و إن لم يكن قعد في الرابعة بطلت فريضته بهذا القيام.

و أمّا عندنا فالمسألة ذات قولين:

القول الأوّل: البطلان سواء جلس بقدر التشهّد بعد الرابعة أم لا،

القول الثاني: الصحة إن جلس بعد الركعة الرابعة، و الفساد إن لم يجلس بعدها، و هو مختار الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» و المحقق «2» رحمه اللّه و العلّامة «3» (في بعض كتبهما).

فظهر لك أنّ المسألة ذات قولين عندنا و عند مخالفينا، غاية الأمر قول

المشهور عندهم هو عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة السهوية، و قول المعروف بل المشهور عندنا هو البطلان مطلقا، و قول الغير المشهور عندهم أعنى: قول أبي حنيفة هو كون القيام للركعة الخامسة مخرجا عن الصّلاة فتقع الصّلاة تامة، و كون الزيادة

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 194.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 380.

(3)- تحرير الاحكام، ج 1، ص 49.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 46

خارجا عن الصّلاة و قوله: بأنّ القيام إلى الخامسة بعد الجلوس بقدر التشهّد سببا لعدم وقوع الزيادة في الصّلاة متفرع على مبناه الفاسد من أنّ المخرج من الصّلاة كل شي ء وقع بعدها و إن كان الحدث بخلاف مذهبنا من أن المخرج منحصر بالسلام، و لهذا قال: بأنّ الخروج من الصّلاة يتحقّق بمجرد القيام بعد الجلوس في الركعة الرابعة، فتقع الركعة الخامسة بعد تمامية الصّلاة، فلا توجب إبطال الصّلاة.

فيظهر لك أنّ التزامه بالصحة في فرض الجلوس بعد الركعة الرابعة و القيام إلى الخامسة يكون من باب كون الصّلاة تامة لعدم كون التشهّد و السلام واجبا عنده، و تحقق المخرج من الصّلاة و هو القيام إلى الركعة الخامسة.

و أمّا قول الغير المشهور من القولين عندنا و هو التفصيل بين الجلوس بعد الرابعة و بين عدم الجلوس بعدها، فلا توجب زيادة الركعة السهوية اعادة الصّلاة في الاولى، و تفسد الصّلاة في الثانية، فمنشؤه ليس ما كان منشأ قول أبي حنيفة من التفصيل، لأنّ نظر المفصّلين منّا كما يظهر من المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» هو كون مجرد الجلوس سببا لعدم وقوع الزيادة في الصّلاة من باب أنّه بعد الجلوس فإن ترك التشهد و السلام فتركهما نسيانا، و تركهما نسيانا غير مضر بالصّلاة، فصارت صلاته تامة،

و على هذا تقع الركعة الخامسة بعد الصّلاة و لا تضر بالصّلاة، لعدم كون الزيادة في الصّلاة.

و بعبارة اخرى ليست الفتوى بالتفصيل من باب اختيار كون زيادة الركعة زيادة في الصّلاة و مع ذلك مغتفرة في صورة وقوعها سهوا إذا جلس بعد الركعة الرابعة، بل يقول المفصّل بأنّ الجلوس بعد الرابعة و ترك التشهّد و السلام سهوا بعد

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 380.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 47

كونهما مغتفرين لعدم إيجابهما الاعادة إذا تركهما سهوا، فالصّلاة في هذا الفرض صارت تامة، فوقوع الركعة الخامسة يكون بعد الصّلاة، فلم تقع زيادة فيها تكون مبطلة لها، فظهر لك الفرق بين القول بالتفصيل عندنا و بين القول بالتفصيل عندهم.

[في ذكر وجهين للجمع بين الطائفتين من الاخبار و رد الوجه الاوّل]

ثمّ بعد ما عرفت الأقوال في المسألة، فما يمكن أن يقال في مقام الجمع- بين الطائفة الاولى من الروايات الدالّة على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا، و بين الطائفة الثانية من الأخبار الدالّة على عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة السهوية إذا جلس عقيب الركعة الرابعة بقدر التشهّد- وجهان:

الوجه الأوّل: أن يقال: بأنّ الطائفة الاولى تكون مطلقا و الثانية تكون مقيدا، فمقتضى الجمع العرفي هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة بطلان بزيادة ركعة سهوا إذا لم يجلس المصلّي عقيب الركعة الرابعة بقدر التشهد، و عدم البطلان إذا جلس بقدره.

و يضعّف هذا الجمع أنّ مقتضاه كون الركعة مع كونها زيادة في الصّلاة تكون مغتفرة لأجل الجلوس بقدر التشهد، و بعبارة اخرى يقتضي هذا الجمع كون الفرد الخارج فردا خارجا، أعنى: إنّ الركعة الزائدة بعد الجلوس زيادة، و مع هذا لا تضر زيادتها تعبدا من باب حكم الشارع بكون الجلوس سببا لعدم كون هذه الزيادة محكومة بحكم غيرها، و هي

الزيادة الركعة الغير المفصولة بالجلوس بينها و بين الصّلاة، و هذا الفرق مشكل بنظر العرف لأنّهم لا يرون فرقا من حيث زيادة ركعة سهوا بين الفصل بالجلوس و عدمه.

الوجه الثاني أن يقال: بأنّ مفاد الطائفة الاولى كون زيادة الركعة سهوا مبطلة للصّلاة و مفاد الطائفة الثانية عدم كون الركعة الواقعة بعد الجلوس بقدر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 48

التشهد زيادة أصلا، فتكون الطائفة الثانية تخصصا بالنسبة إلى الطائفة الاولى لا تخصيصا «1» فلا تنافي بين الطائفتين من الأخبار و وجهه يظهر ممّا بينا في مقام ذكر القول بالتفصيل عندنا أعنى: مختار الشّيخ و المحقق و العلّامة رحمهم اللّه تعالى لأنّه بعد أنّ المصلّي مع جلوسه الفاصل بين الركعة الأخيرة من الصّلاة و الركعة الخامسة و نسيانه التشهّد و السلام، فرغ من الصّلاة، فالركعة الواقعة بعد الجلوس وقعت بعد الصّلاة، فلم تكن زيادة في الصّلاة، فلا تنافي بين الطائفتين المتقدمتين من الأخبار، لأنّ الاولى تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا فيها، و الثانية تدلّ على عدم كون الركعة الواقعة عقيب الجلوس ركعة زائدة في الصّلاة، فافهم.

[قبول الوجه الثاني فى الجمع الدلالي]

و هذا الوجه وجيه لو بينا على الجمع العرفي بخلاف الوجه الأوّل، هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام الجمع العرفي بين الطائفتين، و لكن الالتزام بهذا الجمع و الافتاء بعدم بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا لو جلس بعد الركعة بقدر التشهّد مشكل.

ثمّ بعد عدم إمكان الجمع بين الطائفتين و كون التعارض بينهما فالترجيح مع الطائفة الاولى من الروايات لأنّ أول المرجحات يكون الشهرة، و الشهرة على طبقها فتوى و رواية، فإن كانت الشهرة الروائية، كما قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه، مرجحا فالطائفة الاولى مشهورة بحسب الرواية، و

إن كانت الشهرة الفتوائية أول المرجحات، كما اخترنا في محله، فأيضا الترجيح مع الطائفة الاولى لأنّ المشهور أفتوا على طبقها، فلا بدّ من الأخذ بالطائفة الاولى، و تكون النتيجة بطلان بزيادة الركعة السهوية سواء جلس بقدر التشهّد بعد الرابعة أم لا.

ثمّ إنّه لو لم تدلّ رواية أبي بصير و رواية زرارة و بكير المتقدمتان و غيرهما

______________________________

(1)- أقول: بل تكون حاكما. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 49

من الروايات الطائفة الاولى على أزيد من بطلان الصّلاة بزيادة خصوص الركعة سهوا فما الدليل على بطلانها بزيادة الركوع و السجدتين؟ بعد عدم كون زيادة سجدة واحدة سهوية موجبة للاعادة، و كذا غير الركوع و السجدتين (و التكبير) من أجزاء الصّلاة.

[ما الدليل على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع او السجدتين]

قد يقال: بدلالة الرواية الخامسة أعنى: رواية منصور بن حازم «1»، و الرواية السادسة أعنى: رواية عبيد بن زرارة «2» من الطائفة الاولى على بطلان الصّلاة بزيادة ركوع سهوا لأنّ قوله عليه السّلام في الاولى منهما (لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة) و قوله في الثانية منها (لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة) دالّ عليه بدعوى كون المراد من ركعة فيهما هو الركوع لوقوع التعبير من الركوع بالركعة من باب اشتمال الركعة على الركوع، فالمراد من الركعة هو الركوع، و اطلقت الركعة مقام الركوع لاشتمالها عليه.

و فيه أنّه و إن قلنا بذلك نحن أيضا و أن السر في تعبير عن الركوع بالركعة اشتمالها على الركوع، لكن لا يمكن أن يقال: بأنّ في كل موارد إطلاق الركعة اريد منها الركوع، بل الظاهر منها الركعة لا الركوع، و الركوع و السجدة الواحدة و إن يكونا في بعض الموارد بنفسهما بدون شي ء آخر محققي الركعة،

مثل ما إذا نسى المصلّي القراءة و سجدة واحدة و ذكر بعد الركوع و السجود، فيتحقق الركعة بالركوع و سجدة واحدة في هذا الفرض، و لكن لا يوجب ذلك كون الحكم الثابت للركعة ثابت للركوع و السجود، فلا يلزم أن يقال ببطلان الصّلاة بزيادة الركوع سهوا أو سجدة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 50

واحدة سهوا لو قلنا ببطلانها بزيادة ركعة، كما لم نقل في زيادة سجدة واحدة سهوية، فظهر لك عدم دلالة الروايتين المتقدمتين على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع سهوا.

إن قلت: إنّ المراد من ركعة في الروايتين هو الركوع بقرينة مقابلتها مع السجدة لأنه عليه السّلام قال (لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة) فجعل الركعة في قبال السجدة فيكون الركوع مقابل السجود، فالمراد من الركعة الركوع.

قلت: إنّ هذا كلام سخيف لأنّه إن كانت زيادة الركعة سهوا مبطلة فهي تكون مقابل السجدة و لا يقتضي عدم كون سجدة، زائدة موجبا لابطال الصّلاة أن يكون في مقابلها زيادة الركوع موجبة للابطال، و لا وجه لأنّ يعبر عن الركوع بالركعة إن كان زيادة الركوع واقعا موجبا للابطال.

فهاتان الروايتان تدلّان على عدم بطلان الصّلاة بزيادة سجدة واحدة إذا زادها سهوا، و بطلانها بزيادة ركعة سهوية، و كما قلنا سابقا لا وقع لما يتخيل من أنّ وجه إطلاق الركعة بالركعة هو كونها مشتملة على الركوع، فيراد من الركعة الركوع، لأنّه و لو فرض كون منشأ إطلاق الركعة هذا، و لكن هذا لا يوجب كون المراد من الركعة الركوع في إطلاقاتها، بل الظاهر و المتبادر عند المتشرعة من

الصدر الأوّل إلى الحال من الركعة هو الركعة لا الركوع، فارجع الأخبار مثل الرواية الواردة في صلاة جعفر عليه السّلام و غيرها «1»، فافهم.

[الكلام في زيادة السجدتين سهوا في الصّلاة]

أمّا الكلام في زيادة السجدة أمّا زيادة سجدة واحدة سهوا فلا توجب بطلان الصّلاة لدلالة بعض الأخبار على ذلك، مثل الرواية 5 و 6 من الطائفة الاولى، أعنى:

رواية منصور بن حازم و رواية عبيد بن زرارة المتقدمتان، و أمّا زيادة السجدتين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب صلاة جعفر بن ابى طالب.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 51

معا سهوا فقد يقال: بدلالة هاتين الروايتين على كون زيادتهما سهوا موجبة لبطلان الصّلاة، لأنّ منطوقهما يدلّ على عدم البطلان بزيادة سجدة، و التعبير بسجدة منكرا يدلّ على الوحدة، فمفهومه وجوب الاعادة و بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين.

و فيه أنّ قوله عليه السّلام فيهما يكون جوابا عن سؤال السائل، و حيث إنّه سئل عن زيادة سجدة واحدة فأجاب عليه السّلام بعدم موجبية زيادتها للاعادة، و هذا لا يدلّ على وجوب الاعادة إذا زاد سجدتين و إلّا فإن كان قوله عليه السّلام بعدم وجوب الاعادة في سجدة مفهومه وجوب الاعادة في زيادة أكثر من سجدة واحدة، يلزم أن يكون قوله عليه السّلام بوجوب الاعادة في ركعة دالا بالمفهوم على عدم وجوب الاعادة في زيادة أزيد من ركعة واحدة و لأنّ كلمة ركعة تدلّ على الوحدة مثل كلمة سجدة، مضافا إلى أنّ لازم هذا المفهوم الّذي قيل هو بطلان الصّلاة بزيادة أزيد من سجدة واحدة سهوا و لو كانت في ركعات متعددة، مثلا زاد سجدة في الركعة الاولى و سجدة في الثانية من الصّلاة، و لا يلتزم به القائل.

[لا تشمل حديث لا تعاد لزيادة الركوع و السجدتين]

و مع قطع النظر عن الروايتين نقول في زيادة الركوع و زيادة السجدتين: بأنّه لا وجه للتمسك بحديث (لا تعاد) في وجوب الاعادة في زيادتهما السهوية بتوهم أنّ الركوع و السجود

من جملة المستثنى في الحديث، فيدلّ الحديث على وجوب الاعادة بالاخلال الحاصل في الصّلاة من ناحيتهما سواء كان بنقصهما أو بزيادتهما، لما قلنا في طي الجهات الراجعة إلى الحديث: بأنّ الحديث لا يشمل الزيادة أصلا بل متعرض للنقيصة.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّه و إن لم يمكن استفادة بطلان الصّلاة بزيادة الركوع و السجدتين من الأخبار، و لكن يدلّ على ذلك الشهرة المسلمة عند القدماء قدّس سرّهم بل ادعى عليه الاجماع، و لكن هنا كلام، و هو أنّه و إن قلنا بكون الشهرة كافيا في إثبات

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 52

الحكم لكون الشهرة القائمة بين القدماء من أصحابنا قدّس سرّهم في غير المسائل التفرعية كاشفة عن وجود نصّ عندهم لم يصل بأيدينا، و لكن في المسألة يمكن كون منشأ الاشتهار عندهم بعض هذه النصوص المتقدمة ذكرها، و قد بينّا عدم دلالتها على بطلان الصّلاة بزيادتهما، فلا يبقى اعتماد لنا بكون نصّ آخر موجودا في المسألة عندهم و لم يصل بأيدينا، فاستفادة هذا الحكم من الشهرة مشكلة.

و على كل حال لو قلنا ببطلان الصّلاة و وجوب إعادتها بزيادة الركوع و السجدتين سهوا إمّا من باب دلالة بعض الروايات المتقدمة، و إمّا من باب الشهرة أو الاجماع، فيقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّ مقتضى الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزياد السجدتين سهوا سواء كان الدليل الشهرة أو غيرها هل هو بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين إذا وقعتا بعد السجدتين الواقعتين جزء للصّلاة، أو يعم ما إذا وقعتا غير محسوبتين جزء لها و لو لم تتقدمهما سجدتان الواقعتان جزء للصّلاة.

مثلا تارة يأتى المصلّي بوظيفته المفروضة، و هي إتيان السجدتين بعد الركوع من كل ركعة، ثمّ يزيد بعد

هاتين السجدتين سجدتين اخراوتين سهوا، مثل ما إذا سجد سجدتين، ثمّ نسى أنّه أتى بهما و تخيّل عدم إتيانهما فسجد سجدتين مجددا، فتقع السجدتان المأتى بهما بعد السجدتين الاولتين زيادة سهوية لأنّه زاد سهوا فرض اللّه تعالى عليه من السجدتين، فيصدق زيادة السجدتين، و شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية لهذا المورد مسلم.

و أمّا لو أتى بالسجدتين ثمّ بعد إتيانهما لم تكن هاتين السجدتان قابلة لصيرورتهما جزء للصّلاة لعلة، فلا بدّ المصلّي من الاتيان ثانيا بسجدتين، فيكون آتيا بما هو جزء للصّلاة، فبعد ما يسجد سجدتين مرة اخرى، فهل يصدق على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 53

السجدتين المأتى بهما أوّلا أنّهما زيادة في الصّلاة باعتبار عدم قابلتهما لصيرورتهما جزء للصّلاة، و ما صار جزء واقعا هو السجدتان المأتى بهما ثانيا، أو لا يصدق عليهما الزيادة بمقتضى الدليل.

و بعبارة اخرى الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية كما يدلّ في المثال الأوّل بان السجدتين المأتى بهما بعد السجدتين الاولتين الواقعتين جزء تصير زيادة في الصّلاة، تدلّ في المثال الثاني على كون السجدتين المأتى بهما أوّلا بعد عدم قابلتهما لصيرورتهما جزء تتصفان بالزيادة فتبطل الصّلاة بهما بعد ما تصير السجدتان المأتيّان بهما بعد السجدتين الاولتين جزء للصّلاة، أو لا يدلّ على كون هاتين السجدتين زيادة مبطلة في الصّلاة.

[القدر المتيقن من زيادة السجدتين الصورة الاولى]

و لا يخفي أنّ القدر المتيقن من الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين هو الصورة الاولى لأنّ فيها يصدق أنّه زاد السجدتين، و شمول الدليل لغير هذه الصورة غير معلوم سواء كان المدرك و الدليل هو الاجماع أو غيره، لأنّ متيقنه هذه الصورة.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في فرع تقدم ذكره، و هو ما إذا نسى

المصلّي الركوع و تذكر بعد إتيان السجدتين.

اعلم أنّه كما قلنا سابقا في طي المباحث المتعلقة بنسيان الأجزاء عند التكلم في نسيان الركوع حين دخوله في السجود أو بعد فراغه من السجدتين و أنّه هل مضى محل تدارك الركوع في هذا الحال أم لا: بأنّه تارة نقول: إنّ وقوع السجدتين قابلتان للصحة التأهلية، و قابليتهما لأن تصيرا جزء موقوف على وقوعهما بعد الركوع و إلّا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 54

لا تقعان قاتلين لأنّ تصيرا جزء للصّلاة، و تارة نقول: بعدم دخل تقدم الركوع عليهما في قابلية وقوعهما جزء للصّلاة.

[في ذكر فرع فى الباب]

فإن اخترنا الثاني فنقول: بأنّه على ما بينّا لك من أنّ الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين سواء كان الاجماع أو الشهرة أو بعض الأخبار فالمتيقن منه هي الصورة الّتي توجد السجدتان زائدتين في أوّل وجودهما، و هي تكون إذا أتى بالسجدتين، ثمّ يزيد السجدتين الأخراوين نسيانا، فتصدق على السجدتين الأخراوين أنّهما زيادة في الصّلاة و تشملهما الدليل، و لكن إذا لم يكن كذلك، بل السجدتان لم تقعا في أوّل وجودهما زائدتين و إن لم تقعا جزء للصّلاة، و السجدتان المتعقبان بهما صارتا جزء للصّلاة، فلا تكن السجدتان الموجدتان أولا متصفتين بالزيادة لعدم شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية لهذه الصورة، و السجدتان الموجودتان ثانيا على الفرض لا تكونا زائدتين لأنّهما صارتا جزء للصّلاة من باب عدم صيرورة السجدتين الاولتين جزء لها، فتكون النتيجة هي وجوب تدارك الركوع بعد إلقاء السجدتين ثمّ اتيان السجدتين، فتصح لأنّ المصلّي بعد إلقاء السجدتين أتى بالركوع المنسي و لم يمض محل تداركه لأنّ السجدتين المأتى بهما قبل الركوع لا تصير جزء لعدم قابليتهما لذلك، فالمصلّي إذا أتى

بركوعه ثمّ بالسجدتين الأخراوين تصح صلاته، و لا وجه لبطلانها، لا لأجل الركوع لأنّه أتى به في محله، و لا لزيادة السجدتين لأنّ السجدتين المأتي بهما بعد الركوع صارتا جزء لها و لم تقعا زائدتين، و السجدتان المأتى بهما قبل الركوع لنسيان الركوع و إن لم تصيرا جزء لها، و لكن لا تتصفان بالزيادة لعدم شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين سهوا لهذا المورد.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 55

[في ذكر رواية محمد بن مسلم]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يدلّ على هذا الحكم- أى: وجوب إلقاء السجدتين، ثمّ إتيان الركوع و السجدتين، و ساير أجزاء الصّلاة و عدم وجوب شي ء عليه و صحة الصّلاة في ما نسى الركوع و دخل في السجدتين و أتى بهما، ثمّ بعد ما فرغ منهما تذكر نسيان الركوع- الخبر 2 من الباب 11 من أبواب الركوع، و هي ما رويت بعدة طرق عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال: فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبنى على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف، فليقم فليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه) و رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن العلاء و رواه ابن ادريس في آخر السرائر (و متنها غير موافق مع المتن الّذي نقله الشّيخ رحمه اللّه فراجع).

[روايات أربعة قبال تلك الرواية]

و في قبال تلك الرواية روايات أربع نذكرها حتّى يعلم أنّها معارض مع الرواية المذكورة أم لا فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: و هي ما رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل ينسى ان يركع حتّى يسجد و يقوم قال: يستقبل). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتّى يضع كل شي ء من ذلك موضعه). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل نسى أن يركع، قال: عليه الاعادة). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب

10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 56

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الشيخ «1» في التهذيب عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصّلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع، استأنف الصّلاة). «2»

و هذه الرواية بهذا النقل مرسلة بابهام الواسطة، لأنّ صفوان لا يمكن أن يروي بحسب طبقته عن أبي بصير بلا واسطة، نعم بناء على نقل الشيخ «3» رحمه اللّه في التهذيب عن صفوان عن منصور عن أبي بصير لا يكون إشكال في الرواية من هذا الحيث إلّا أنّ في سندها إشكال اخر من حيث أنّ الراوي هل يكون منصور بن حازم أم منصور بن يونس الّذي كان من الواقفية.

و على كل حال يقع الكلام في دلالة هذه الروايات حتّى يعلم أنّها تتعارض رواية محمد بن مسلم المتقدمة أم لا، فنقول بعونه تعالى:

أمّا الرواية الاولى و الثانية فقوله عليه السّلام فيهما (يستقبل) يحتمل أن: يكون المراد منه الاستقبال نحو الصّلاة، و بعبارة اخرى (يستقبل) أى: يأتى بالصّلاة و يعيدها من أوّل الامر و يستأنفها فعلى هذا تعارضا مع رواية محمد بن مسلم لأنّه الاولى تدلّ على وجوب استيناف الصّلاة و بطلانها إذا نسى الركوع و تذكر بعد ما سجد و قام و كذلك الثانية، و الحال أنّ رواية محمد بن مسلم تدلّ على إلقاء السجدتين و إتيان الركوع، و لا تبطل الصّلاة. «4»

______________________________

(1)- التهذيب جلد 2 ص 148 حديث 580.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- التهذيب، ج 2، ص 149، ح 587.

(4)-

أقول: إنّ في الرواية الثانية قال السائل (عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل يضع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 57

[في ذكر احتمالين في الروايتين]
اشارة

و يحتمل أن يكون المراد من قوله (يستقبل) الاستقبال إلى الركوع و إتيانه فعلى هذا لا تكون الرواية الاولى و كذا الثانية معارضتان مع رواية محمد، و بعد كون محتمل الروايتين هذين الاحتمالين:

الأوّل كون المراد من قوله عليه السّلام فيهما (يستقبل) استقبال الصّلاة

و استينافها.

______________________________

كل شي ء من ذلك موضعه) فتذكر نسيان الركوع تارة يكون قبل السجود فلا إشكال في بقاء محلّه و غير معارض هذا الخبر على هذا مع رواية محمد بن مسلم، و تارة تذكره يكون بعد ما سجد سجدتين، فقوله (يستقبل) قابل لأن يكون المراد من الاستقبال استقبال الصّلاة و استينافها، فتعارض رواية محمد بن مسلم، و تارة تذكره يكون بعد الصّلاة قبل فعل المنافي، فمعارضته مع رواية محمد بن مسلم إن كان المراد من الاستقبال استقبال الصّلاة و استينافها لأنّ الفقرة الاخرى من رواية محمد بن مسلم تدلّ على وجوب القيام إلى الركعة و إتيان الركوع و السجود و لا شي ء عليه، و تارة تذكره يكون بعد فعل المنافي و يكون المراد من قوله (يستقبل) استقبال الصّلاة فتعارض رواية محمد بن مسلم لو كان إطلاق لفقرتها الاخيرة يشمل حال وقوع المنافي أيضا، و أمّا لو كان المراد من قوله (يستقبل) في الرواية الثانية استقبال الركوع و إتيانه ثمّ الأجزاء اللاحقة عليه فلا تعارض بينها و بين رواية محمد بن مسلم نعم قوله عليه السّلام فى الرواية الثانية (يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك مواضعه) يعارض رواية محمد بن مسلم و لو حمل قوله عليه السّلام (يستقبل) على استقبال الركوع لأنّ مفاد الفقرة الأخيرة من رواية محمد بن مسلم بنقل الشّيخ رحمه اللّه هو أنّه لو تذكر نسيانه بعد الانصراف يقوم إلى ركعة و يركع و يسجد و لا شي ء عليه، فلو

نسى الركوع من الركعة الاولى مثلا و تذكر نسيانه بعد الانصراف تدلّ هذه الفقرة من رواية محمد بن مسلم على أنّه يأتى به في هذا الحال بدون أن يعيد ما بعده من الركعات اللاحقة عليه، و الحال أنّ مقتضى قوله عليه السّلام في الرواية الثانية (حتى يضع كل شي ء من ذلك موضعه) بناء على حمل يستقبل فيها على استقبال الركوع أنّه يرجع و يركع ثمّ يسجد، ثمّ يأتي بكل ما وقع بعد الركوع، فلو نسيه في الركعة الاولى لا بد بعد إتيانه على هذا إتيان الركعات اللاحقة، و هذا مضافا إلى عدم إمكان الالتزام به للزوم زيادة الركعة و الركوع و السجود معارضة على هذا الفقرة الاخيرة من خبر محمد بن مسلم، هذا كله ما خطر ببالي في بدو النظر، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 58

و الثاني كون المراد من قوله (يستقبل) الاستقبال إلى الركوع

و إتيانه بعد التذكر، فعلى الاحتمال الأوّل تتعارضان مع رواية محمد بن مسلم، و على الثاني لا تعارض بينهما، و لا ترجيح لأحد الاحتمالين، فلا يبقى ظهور للروايتين في الاحتمال الأوّل حتّى تكونا متعارضتين لها، هذا بالنسبة إلى الرواية الاولى و الثانية.

و أمّا الرواية الثالثة فلا تدلّ إلّا على أنّ نسيان الركوع يوجب إعادة الصّلاة، و بعد كون مفاد رواية محمد بن مسلم أن يلقى السجدتين و يركع، نفهم كون محل تداركه باقيا فتكون شارحة أو واردة على الرواية الثالثة، لأنّها تدلّ على وجوب الاعادة بنسيانه، و يطلق النسيان إذا مضى محلّ الشي ء، و مع بقاء المحل لا يقال إنّه صار منسيا، و رواية محمد بن مسلم يبين أنّ المحل الّذي يصدق أنّه المنسي ليس بعد إتيان السجدتين، بل محلّ تداركه باق بعد إتيان السجدتين أيضا، فلا تعارض

بينهما أصلا.

و أمّا الرواية الرابعة فقوله عليه السّلام (إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة) ظاهرة في أنّ تحقق اليقين يكون بعد الفراغ عن الصّلاة، لأنّه لا يقال على من يكون داخلا بعد في الصّلاة بأنّه ترك ركعة لأنّه مع كونه في الصّلاة يأتي بالركعة الباقية و لا يقال: ترك ركعة، فظاهر هذه الفقرة هو كون محل تذكر نسيان الركعة و تركها بعد الفراغ عن الصّلاة، و أمّا قوله عليه السّلام بعد ذلك (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) فالمراد به إمّا أنّ الامام عليه السّلام قال: إنّ الشخص المفروض في الكلام هو الّذي ترك ركعة بأن سجد سجدتين و ترك الركوع، فمعنى يقينه بترك الركعة ترك الركوع فقط، فقوله (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) بيان لنحو ترك الركعة، و إمّا أن يكون مراده عليه السّلام هو أنّ هذا الشخص الّذي تيقن ترك ركعة تيقن أنّه سجد سجدتين و ترك ركوعا آخر من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 59

ركعة غير الركعة الّتي تركها، و هذا خلاف الظاهر.

و على كل حال بعد كون زمان اليقين بترك ركعة بعد الصّلاة لما قلنا من أنّ ترك ركعة لا يفرض إلّا بعد الصّلاة، فظاهر قوله (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) هو كون اليقين باتيان السجدة و ترك الركوع في ظرف اليقين بترك ركعة، أعنى: بعد الصّلاة، فإذا كان مفاد الرواية استيناف الصّلاة إذا تيقن بعد الصّلاة ترك ركعة أى: ركوعا و ترك ركعة و ركوع على الاحتمالين المتقدمتين، و قدر المتيقن من ذلك صورة كون تذكر ترك الركعة بعد الصّلاة بعد وقوع المنافي، و لو فرض إطلاق لها يشمل ما إذا تذكر ترك الركعة بعد

الصّلاة قبل فعل المنافي، و ما إذا تذكر بعد وقوع المنافي، و يقال بإطلاق الفقرة الأخيرة من رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه لو تذكر بعد الانصراف نسيان الركوع يقوم و يركع و يسجد سجدتين، لأنّ إطلاقه يشمل ما إذا تذكر قبل وقوع المنافي و ما إذا تذكر نسيانه بعد فعل المنافي،

[في التعارض بين رواية محمد بن مسلم و الرواية الرابعة]

فإن كان لهذه الفقرة من رواية محمد بن مسلم إطلاق و للرواية الرابعة إطلاق، يقع التعارض بينهما، لأنّ مفاد رواية محمد بن مسلم بإطلاقها هو وجوب القيام إلى الركعة و الركوع و السجود حتّى إذا تذكر بعد الصّلاة و بعد فعل المنافي، و مفاد الرواية الرابعة بإطلاقها، بل متيقنها هو استيناف الصّلاة إذا تذكر نسيان الركوع بعد الصّلاة و بعد وقوع فعل المنافي، فيقع التعارض لأنّه لو تذكر نسيانه بعد الصّلاة و بعد فعل المنافي تدلّ رواية محمد بن مسلم على عدم البطلان و عدم وجوب استيناف الصّلاة، و مفاد الرواية الرابعة استينافها.

نقول: إنّه يمكن الجمع مع ذلك بينهما بحمل الظاهر من كل منهما بنص الآخر، فيحمل ظاهر رواية محمد بن مسلم و هو صورة التذكر بعد فعل المنافي الدالّ على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 60

عدم وجوب استيناف الصّلاة على نصّ الرواية الرابعة الدالّة على الاستيناف في هذا الفرض، لأنّ هذا متيقنها، و يحمل ظاهر هذه الرواية و هو الاستيناف في صورة تذكر نسيان الركوع بعد الصّلاة قبل فعل المنافي على النصّ من رواية محمد بن مسلم لأنّ المتيقن من فقرتها الأخيرة و التذكر بعد الصّلاة و عدم البطلان، هو قبل فعل المنافي فعلى هذا الاحتمال، و حمل الرواية على تحقق اليقين ترك ركعة بعد الصّلاة كما هو الظاهر، لا تعارض

بين رواية محمد بن مسلم و الرواية الرابعة.

و لكن لو قلنا كما يحتمل: بأنّ ظرف اليقين بترك ركعة باتيان سجدتين و ترك الركوع كان في أثناء الصّلاة بعد ما سجد سجدتين، و بعبارة اخرى بعد ما سجد تذكر ترك ركعة و ترك ركعة هو ترك ركوعها، فأمر عليه السّلام باستيناف الصّلاة في هذه الصورة في الرواية الرابعة فعلى هذا يقع التعارض بينها و رواية محمد بن مسلم، لأنّ مفادها إلقاء السجدتين و إتيان الركوع، و لكن بعد كون الرواية الرابعة تحتمل فيها احتمالان، و على الاحتمال الأوّل لا تعارض بينها و بين رواية محمد بن مسلم، و لا ظهور للرواية في الاحتمال الثاني، بل الظاهر منها الاحتمال الاول، فلا يبقى ظهور يقاوم ظهور رواية محمد بن مسلم لمجي ء الاحتمالين فيها.

فظهر ممّا مر عدم وجود دليل ظاهر يعارض رواية محمد بن مسلم لأنّ هذه الروايات الأربعة ما صارت حجة بمدلولها على خلافها.

فبعد ذلك هل يمكن الأخذ برواية محمد بن مسلم و الإفتاء بمضمونها من أنّه لو نسى المصلّي الركوع و تذكر بعد ما سجد سجدتين يلقهما و يأتى بالركوع، ثمّ بالأجزاء اللاحقة أم لا؟

قد يقال: إنّ رواية محمد بن مسلم ممّا أعرض عنها الأصحاب، و مع إعراضهم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 61

ليس فيه مقتضى الحجية، فلا يعمل بها، لكن نرى أنّ الشّيخ رحمه اللّه ينقل في كتاب التهذيب «1» و الخلاف «2» و المبسوط «3» أنّ بعض الأصحاب عمل بمضمونها، و هو أيضا عمل بمضمونها، غاية الأمر في خصوص الركعتين الأخيرتين، و وجه حملها على الأخيرتين هو أنّ الأولتين لا تحتملان السهو، و لأجل هذا لم يعمل في الأولتين بها، لا لضعف في سندها، بل

هذا طريق جمع بنظره الشريف، فحمل رواية محمد بن مسلم على الأخيرتين بقرينة بعض الأخبار الدالة على أنّ الأوّلتين لا تحتملان السهو، كأنّه جمع بين رواية محمد بن مسلم و بين ما يدلّ على بطلان الصّلاة بنسيان الركوع لو تذكر بعد السجدتين، بحمل رواية محمد بن مسلم على الأخيرتين و حمل ما يقابلها على الأوّلتين لكونه نصا فيهما، فلم يثبت إعراض الأصحاب عن رواية محمد بن مسلم. «4»

[فى ذكر مسألة في الباب]

مسئلة: لو شك في الركوع فركع، ثمّ ذكر قبل رفع الرأس أنّه كان ركع، فهل

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 149- 150.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 109.

(3)- الاستبصار، ج 1، ص 356.

(4)- أقول: لما بلغ الأمر إلى هنا لم يختر سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى أحد طرفي المسألة، و لعلّه يتعرض بعد ذلك إنشاء اللّه، و قلت بحضرته متعنا اللّه بطول بقائه إن شاء اللّه:

بأنّه لو قلنا بحجية رواية محمد بن مسلم، و عدم تحقق إعراض فنعمل بها، و إن لم نقل بذلك من باب الاعراض، فلا يبقى لنا دليل على بطلان الصّلاة بنسيان الركوع لو تذكر نسيانه بعد السجدتين، لأنّ الروايات الأربعة المتقدمة مع ما بيّنتم في بيان مفادها لا يبقى لها ظهور دالّ على بطلان الصّلاة في الفرض، و لا وجه لدعوى الشهرة في المسألة مع دعوى الشّيخ رحمه اللّه عمل بعض الأصحاب على خلاف هذا الحكم أى: بطلان الصّلاة بنسيان الركوع في الفرض، فما الدليل على بطلان الصّلاة في مفروض المسألة و ما نقول في المقام. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 62

تبطل الصّلاة، كما قال المحقق رحمه اللّه في النافع: الا شبهه البطلان، أو لا تبطل به الصلاة، بل يرسل نفسه

إلى السجود كما قال به علم الهدى «1» رحمه اللّه، و الشيخ رحمه اللّه في النهاية، و ابن ادريس رحمه اللّه، و ابن حمزة رحمه اللّه، و ابن زهرة رحمه اللّه، و أفتى به الكليني رحمه اللّه في الكافي.

اعلم أنّ الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «2» صار بسدد أن يصحح ما اختاره هذه الفحول من عدم البطلان على طبق القاعدة، و حاصل ما قاله هو أنّ السجود موقوف على الهوى إليه، فهذا الهوى الّذي وقع فيه قصد الركوع يكون مقدمة للسجود مسلّما، فهذا الهوى و إن كان بقصد الركوع لكن حيث كان متضمّنا لما هو مقدمة للسجود فيقع مقدمة له، و لا يضرّ قصد الركوع، و لم تقع زيادة في الصّلاة، لأنّ ما صدر وقع مقدمة لجزء الصّلاة أى: السجود.

و ضعّف هذا الوجه صاحب المدارك «3» رحمه اللّه و وجه الضعف على ما يأتي بالنظر هو أنّ الركوع من العناوين القصدية فيصير الخارج منطبق عنوان الركوع إذا قصده، و على الفرض قصد المصلّى الركوع و الخارج أعنى: الانحناء الخاص صار منطبقه قهرا و تحقق الركوع، و مجرد كون ذلك الهوى مقدمة للسجود لا ينافي صيرورته ركوعا أيضا بسبب قصده، و وقوع الخارج على طبق قصده.

ثمّ صار صاحب المدارك «4» بسدد توجيه كلامهم و جعله موافق القادة، و هو

______________________________

(1)- الجواهر، ج 12، ص 260 كافى، ج 3، ص 360 المبسوط، ج 1، ص 122 جمل العلم و العمل، ج 3، ص 35.

(2)- الذكرى، ج 4، ص 51.

(3)- مدارك احكام، ج 4، ص 224.

(4)- مدارك احكام، ج 4، ص 224.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 63

أنّه قال: بعد كون هذا الهوى الّذي قصد به الركوع باعتقاد عدم

إتيانه الركوع الواجب في الصّلاة مقدمة للركوع، فهذه الزيادة لا توجب تغيير هيئة الصّلاة، و لا خروجا عن ترتيبها الموظف و إن تحقق مسمى الركوع، فلا تكون هذه الزيادة مبطلة لانتفاء دليل دالّ على بطلان الصّلاة بهذه الزيادة.

و لكن فيه أنّ هذا التوجيه أيضا في غير محله فإنّ مجرد عدم تغير هيئة و عدم الخروج عن الترتيب الموظف في زيادة الركوع بهذا النحو لا يوجب عدم صدق الزيادة عليه، لأنّه إن كانت الزيادة المبطلة تحقق انحناء خاص بقصد الركوع فقد حصل على الفرض و إن حصل به مقدمة السجود.

و أيضا لأنّه بعد كون الركوع الانحناء الخاص مع القصد بدون كون حصول الطمأنينة و رفع الرأس عنه دخيلا فيه، ففي الفرض حصل هذا الركوع، فزاد المصلّي ركوعا في صلاته، و ما دل على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع يدلّ على بطلانه به.

ثمّ إنّ العلّامة الهمداني رحمه اللّه قال في صلاته: بأنّه يمكن توجيه ما قاله الشهيد رحمه اللّه بأنّ يقال: إنّ غرضه رحمه اللّه من عدم كون هذا الركوع ركوعا حقيقة ليس عدم كونه ركوعا عرفا، بل نظره إلى أنّ هذا الركوع ليس ركوعا صحيحا و ممضى شرعا بحيث يقع بهذا العنوان جزء للصّلاة، بل غرضه أنّ فعله الّذي أتى بعنوان الركوع قد انكشف عدم صحته بهذا العنوان، و لكن بعد كون هذا الهوى من حيث هو واجب مقدمة للسجود، و لا يعتبر في صيرورته مقدمة للسجود قصد عنوان المقدمية، فللمصلي أن يصرف هذا الهوى- بعد انكشاف استغنائه عن الركوع بعد علمه باتيان الركوع- إلى الهوى الّذي هو مقدمة السجود، فإذا صرف هذا الهوى إلى الهوى المقدمي، فما زاد في صلاته لأنّ الزيادة إنّما هي في الأفعال

لا في القصد، فهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 64

على الفرض لم يتحقّق فعلا زائدا لأنّ ما وقع خارجا صار بانصراف قصده مقدمة لجزء الصّلاة، فلم يبق إلّا قصد فقط، و به لا تتحقق الزيادة. «1»

و فيه أنّ هذا الكلام بمكان من الفساد لأنّه و إن لم يكن الهوى الّذي مقدمة للسجود في حصوله محتاجا إلى القصد، لكن الركوع من العناوين القصدية، فما لم يقصد بالخارج عنوان الركوع لا يصير الخارج منطبق هذا العنوان فإذا قصد بما وقع خارجا عنوان الركوع يقع هذا الخارج ركوعا قهرا، و بعد وقوعه ركوعا لا ينقلب الفعل عما وقع عليه، فعلى الفرض قصد المصلّي بهذا الانحناء الخاص الركوع فإذا بلغ حد الركوع و الحال أنّه قصد الركوع بهذا الحد الخاص فقد تحقق الركوع قهرا، و بعد تحققه ركوعا كيف يمكن صرفه عنه، و مجرد عدم كون الهوى الّذي يكون مقدمة للسجود محتاجا إلى القصد لا يوجب صرف ما قصد به الركوع بعد تحققه خارجا عن موضوع الركوع.

نعم بعد عدم كون الهوى المقدمي محتاجا إلى القصد، فبهذا الفعل أعنى:

الانحناء إلى مقدار الركوع تحقق بعض ما هو مقدمة للسجود، لكن هذا غير مناف مع كون ما يقبل لأن يصير مقدمة لوجود السجود ركوعا أيضا كما في الفرض، فعلى هذا يكون هذا التوجيه غير وجيه أيضا.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أنّ كل هذه الوجوه الثلاثة- أعنى: الوجه الّذي ذكره الشهيد رحمه اللّه و صاحب المدارك رحمه اللّه و صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّه- غير قابل لتصحيح هذه الفتوى الّتي أفتوا به هؤلاء الاعلام قدّس سرّهم من الحكم بالصحة في الفرض

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 540.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 65

و إرسال

النفس في هذا الحال إلى السجود.

و ما ينبغي أن يتكلم فيه و يتمّ به المسألة هو أنّه هل تكون فتوى هؤلاء الأعلام من القدماء قدّس سرّهم كاف لتحقق الشهرة الكاشفة عن وجود نصّ معتبر عندهم في هذا الحكم و لم يصل إلينا أو لا يكفي، فإن تحققت الشهرة في المسألة، فيقال: بأنا نكشف من هذه الشهرة وجود نصّ معتبر مخصص للدليل الدال على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع سواء كان هذا الدليل هو الاجماع أو غيره (أو يقال: إنّه مع فرض هذه الشهرة نكشف عدم كون مورد إجماعهم اى النص الّذي وقفوا عليه الدال على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع شاملا لهذا المورد، فتكون النتيجة عدم بطلان في الفرض، فالدليل من رأسه قاصر عن الشمول لهذا المورد).

و أمّا لو قلنا بعدم تحقق الشهرة في المسألة فنقول ببطلان الصّلاة بزيادة الركوع بهذه الكيفية، و لعلّ ما قاله المحقق رحمه اللّه من كون البطلان أشبه كان من باب عدم تحقق الشهرة عنده، فافهم.

الأمر الثالث: [أن الركعتين الأوليين لا تتحمل السهو]
اشارة

من القواعد الّتي ينبغي التعرض عنها في الخلل هي أنّ الركعتين الأوّلتين من كل رباعية، و كذا ركعات المغرب لا تتحمّل السهو، و الأصل في ذلك روايات نتعرض لها إنشاء اللّه، فنقول بعونه تعالى و منّه و توفيقه:

[في ذكر الروايات الواردة في المورد]

الرواية الاولى: و هي ما رواها ابراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: ليس في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 66

ليس في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو). «1»

و روى في الوسائل عن يونس عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس في المغرب و الفجر سهو) «2» و لعلهما رواية واحدة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سليمان عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: عرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بالصّلاة عشر ركعات: ركعتين، ركعتين فلما ولد الحسن و الحسين عليهما السّلام زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبع ركعات، و إنّما يجب السهو في ما زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمن شك في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين استقبل صلاته). «3»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام: الاعادة في الركعتين الاولتين، و السهو في الركعتين الأخرتين). «4»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سهوت في الاولتين فاعدهما حتّى تثبتهما). «5»

الرواية السادسة: و هي

ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال:

سألته عن السهو في المغرب، قال: يعيد حتّى يحفظ أنّها ليست مثل الشفع). «6»

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 15 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(6)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 67

الرواية السابعة: و هي ما رواها زرارة بن أعين (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:

كان الّذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعني: سهو، فزاد رسول اللّه سبعا و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأولتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم). «1»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها عامر بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصّلاة). «2»

الرواية التاسعة: و هي ما رواها الفضل بن عبد الملك (قال: قال لى: إذا لم تحفظ الركعتين الاولتين فاعد صلاتك). «3»

(و غير ذلك ممّا يستفاد منه هذا الحكم).

[في ان وردت روايات أخر الدالة على بطلان الصّلاة بالشك فى الركعة]

ثمّ اعلم أنّه قد وردت روايات اخر ربما تكون متواترة الدالة على بطلان الصّلاة بالشّك في الركعة إذا كان الشّك في الركعة الاولى و الثانية من كل صلاة، و في كل ركعة من ركعات المغرب.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ هذا الحكم، أعنى: أنّ الركعتين الاولتين من كل صلاة و ركعات المغرب لا تتحمل السهو، يكون من

متفردات الامامية رضوان اللّه عليهم، و لم يكن بين المخالفين قائل به أصلا، و ما هو المتفق عليه مسلما في هذا الحكم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 68

عندنا هو الصورة السهو المستتبع للشك في خصوص سهو الركعة من الأوّلتين من صلوات اليومية مطلقا، و خصوص الركعة الاولى و الثانية و الثالثة من المغرب، و بعبارة اخرى إذا طرأ للمصلّي السهو و غرب عنه الواقع، فلأجل غروب الواقع صار جاهلا بالجهل البسيط، فشك في أنّه هل صلّى ركعة واحدة أو اثنتين من الرباعية أو الثنائية، أو شك في المغرب في أنّه صلّى ركعة واحدة أو ركعتين، أو صلّى ركعتين أو ثلاث ركعات فتجب إعادة الصّلاة، لأنّ الأوّلتين من الرباعية، و الركعتين من الفجر، و ركعات المغرب لا تتحمل السهو، فهذه الصورة هي القدر المتيقن من الحكم المذكور الّذي تفردت به الامامية، و هنا فروع آخر يكون مورد الخلاف:

[في ذكر الفروع المربوطة]
الفرع الأول: أن يكون السهو في الأوّلتين من الصلوات أو في الركعات الثلاثة من المغرب

، و لا يكون السهو و غروب الواقع عن نظر المصلّي مستتبعا للشك، بل سها الواقع و صار جاهلا بالجهل المركب، و اعتقد الاتيان، ثمّ زال سهوه و علم بأنّه ترك الركعة الاولى أو الركعتين الاولتين، ففي هذا الفرع يكون السهو في الركعة لكن الفرق بينه و بين الصورة السابقة المتفق عليها، هو أنّه في الصورة السابقة كان السهو مقارنا للشك، و هو مع بقاء سهوه و غروب الواقع عن نظره لا يدري أ واحدة صلّى أم اثنتين، و لكن في هذا الفرغ زال سهوه و علم نقص

الركعة أو أزيد و يظهر من الشيخ رحمه اللّه و أتباعه شمول الروايات لهذه الصورة أيضا.

الفرع الثاني: إذا لم يكن السهو في نفس الركعة من الأوّلتين من الصلوات،

بل سها في فعل من أفعال الصّلاة سواء كان ركنا أو غير ركن، مثلا سها عن القراءة أو عن الركوع و السجود، سواء كان سهوه مقارنا للشك أو لا.

فهل يستفاد من الأخبار المذكور بطلان الصّلاة بالسهو في أجزاء الأولتين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 69

و ثلاثة المغرب أم لا؟

اختار الشّيخ رحمه اللّه بطلان الصّلاة في هذه الصورة أيضا، و لهذا قال لو نسي الركوع و دخل في السجدتين، أو فرغ منهما و تذكر نسيانه، فإن كان في الركعتين الأوّلتين فتبطل الصّلاة لأنّهما لا تتحملان السهو، و إن كان في الأخيرتين فيلقى السجدتين و يأتى بالركوع و بما بعده من الأجزاء لرواية محمد بن مسلم تعرضناها سابقا في ضمن البحث عن نسيان الركوع.

الفرع الثالث: إذا ظن بأحد طرفي الموضوع

، مثلا شك في الأوّلتين أو في المغرب بأنّه هل أتى بالركعة أم لا أو أتى الجزء الفلانى أم لا، فحصل له الظن بأحد طرفي الوجود و العدم فقال بعض: لا عبرة بالظن في الأوّلتين من الصلوات و في ركعات المغرب، و أمّا إن حصل الظن في الأخيرتين إلّا في الركعة الأخيرة من المغرب، فيعمل المصلّي بظنه.

الفرع الرابع: إذا كان المكلف صلّى الصّلاة الثنائية

، مثلا يصلّي صلاة الفجر ثم، بعد الفراغ منها قبل وقوع المنافي، تذكر نسيان ركعة منها، فحيث يقال: بأنّه يقوم و يضيف إليها ركعة و صحت صلاته، فقيل أو ربما يقال في هذا الفرض: تبطل هذه الصّلاة لأنّه سها عن ركعة فتبطل صلاته لدلالة الروايات المتقدمة على أنّ الأوّلتين لا تتحملان السهو.

و هذه الفروع الأربعة الّتي ذكرناها هي الفروع المتفرعة على الحكم الّذي بينّا من أنّ الاولتين من كل صلاة و الركعات الثلاثة من المغرب لا تتحمل السهو، و يظهر للمتتبع في كلمات القوم كون هذه الفروع محلّ الكلام عند بعضهم، و لكن في موجبية السهو للبطلان في نفس الأوّلتين من كل الصّلاة و ثلاثة المغرب إذا كان السهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 70

مستتبعا للشك لا يكون مورد الخلاف عندنا، فقدر المسلم من مورد هذا الحكم هو هذه الصورة، و إنّما الكلام في الفروع الأربعة المتقدمة.

[في ذكر مقدمة لبيان الفرع الأوّل]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى شأنه: أمّا الفرع الأوّل فيظهر من ذكر مقدمة كون الأخبار شاملا له أو لا.

أمّا المقدمة فهى أنّه كما ذكرنا في صدر مبحث الخلل بأنّ منشأ الخلل يكون غالبا هو السهو و غروب الواقع عن ذهن المصلّي، و السهو على قسمين، لأنّ من يسهو و يترك ما كان ينبغى فعله أو يفعل ما كان ينبغي تركه في الصّلاة إمّا أن يسهو و جعل له في حال بقاء سهوه و غروب الواقع عن نظره أحكام، و بعبارة اخرى يسهو و لأجل سهوه يتردد في ما هو الواقع و يشك فيه، مثلا يسهو عن الركوع و لأجل سهوه هذا يشكّ في أنّه هل أتى ركوع صلاته أو لا، فهذه الصورة هي الصورة المعبر عنها بالجهل

البسيط، ففي هذه الصورة يكون منشأ الشّك في إتيان الركوع و عدمه هو السهو فصار السهو عن الواقع منشأ للشك، فالشك كما قدمنا قسم من السهو لأنّ السهو صار سببا لطروه.

و أمّا أن يسهو و يترك ما كان اللازم فعله أو يفعل ما كان اللازم تركه، و لكن يزول سهوه بعد زمان، و يلتفت بترك ما كان اللازم فعله أو العكس، فهذا القسم من الساهي له حالتان: حالة يكون سهوه باقيا و لا يلتفت إلى سهوه، و حالة يزول سهوه و يلتفت إلى سهوه السابق.

أمّا في الحال الّذي استمر سهوه و غرب عنه الواقع و لا يلتفت إلى سهوه فلأجل عدم الالتفات يعتقد خلاف ما هو الواقع، مثلا سها و ترك الركوع و لأجل عدم التفاته بسهوه يعتقد إتيان الركوع فهو في هذا الحال أى: حال عدم التفاته

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 71

بسهوه جاهل بالجهل المركب لكونه معتقدا خلاف الواقع و في هذا الحال لا يسأل عن سهوه حتّى يحكم عليه بشي ء لأنّه مع اعتقاده بأنّ ما فعل كان مطابقا للواقع و أتى بالركوع لا يسأل عن حكم ترك الركوع.

و أمّا في الحال الّذي يلتفت إلى سهوه و تركه الركوع للسهو و غروب الواقع عن نظره، فهو يعلم ترك الركوع، و لا يكون في هذا الحال شاكا، و يمكن له السؤال عما تركه أو فعله نسيانا.

[في أنّ الأخبار لا تشمل الّا السهو المقارن للشك و المستتبع له]

إذا عرفت كون السهو على قسمين: قسم مقارن للشك، و قسم غير مقارن له فنقول بعونه تعالى: إنّ الأخبار لا يشمل إلّا السهو المستتبع للشك و الترديد لأنّ الظاهر من الأخبار المذكورة (غير بعض منها لم يذكر فيه لفظ السهو كالرواية الثامنة و التاسعة) هو أنّ الحكم الثابت

للسهو لا يكون في الأوّلتين، و بعبارة اخرى يكون لسان هذه الطائفة من الأخبار الحكومة، و بلسانها تكون ناظرة إلى الأدلة المتكفلة لأحكام السهو، فيكون لسانها أنّ كل حكم ثبت للسهو مع قطع النظر عن هذه الروايات لا يكون في الركعتين الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب، فإذا كان هذا لسان الأخبار فكل حكم ثابت في الشرع للسهو فهو لا يكون للسهو في الأوّلتين و ثالثة المغرب، فنظر إلى كل مورد ثبت لنفس السهو الطاري حكم نقول بأنّ المورد لا يحتمل السهو.

فنقول على ما بينا في المقدمة: إنّ كل سهو صار سببا لطرو شك فهو يكون مورد الأخبار لأنّ من سها عن الركعة أو عن جزء آخر غير الركعة، ثمّ بسبب سهوه و زهوله عن الواقع صار شاكا في أنّه هل أتى بها أم لا، أو هل زادها أو لا، فكل حكم مجعول له من قبل الشارع من البناء على الأكثر أو البطلان أو عدمه فهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 72

حكم ثبت على نفس السهو، لا أن يكون هذا حكم الجزء المشكوك تركه و فعله، بل الحكم حكم ثابت للسهو أى: للشاك، فإذا قال (لا سهو في الأوّلتين) أو قال (السهو في الأخيرتين) أو قال (لا سهو في الفجر أو المغرب) فمعناه أنّ كل حكم ثابت لنفس السهو لا يكون في هذا المورد، فشمول الروايات للسهو المستتبع للشك ممّا لا إشكال فيه.

و أمّا السهو الّذي لا يقارنه الشك، أعنى: السهو المصطلح عند الفقهاء قدّس سرّهم في قبال الشك، فكما قلنا للساهي فى هذا القسم يكون حالتان: حالة قبل زوال سهوه، و حالة بعد زوال سهوه و التفاته بسهوه.

أمّا قبل زوال سهوه فهو

جاهل بالجهل المركب من باب سهوه و زهوله عن الواقع، و تخليه بأنّ الخارج وقع موافقا لما هو المطلوب واقعا، فمع سهوه عن الركوع و تركه واقعا يعتقد إتيانه، فهو جاهل مركب، و لأجل جهله هذا و اعتقاده على خلاف الواقع لا يسأل عن حكم سهوه حتّى يجاب عنه، بل ربما يبقى بجهله المركب إلى أن يموت، فهذه الصورة، أى: صورة عدم زوال سهوه، لا يكون محل الكلام و مورد الأخبار.

و أمّا بعد زوال سهوه و التفاته به، و علمه بأنّ سهوه السابق الزائل فعلا صار سببا لترك ركعة مثلا أو ترك ركوع، ففي هذا الحال حيث التفت بسهوه يسأل عن تكليفه، لكن يكون سؤاله من تكليفه من حيث تركه الجزء الفلانى، و المعصوم عليه السّلام أو الفقيه لو أجاب عن سؤاله و بين حكمه، يبين حكم الجزء المتروك نسيانا، و ما يورث تركه من بطلان الصّلاة أو إعادة الجزء أو غير ذلك أو لا يوجب شيئا، فكل حكم يكون مجعولا لهذا القسم من الناسي يكون مجعولا لنفس ترك الجزء أو وجود المانع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 73

و ما يورثه من الاعادة و غيرها لا أن يكون الحكم مجعولا لنفس سهوه، فبعد كون كل حكم مجعول في هذه الصورة للناسي يكون مجعولا لنفس الجزء المتروك أو فعل المانع لا للسهو، و ليس السهو من حيث انّه سهو محكوما بحكم، فلا يمكن تنزيل الأخبار المتقدمة على هذا القسم من السهو أو الحكم بشمول الأخبار إطلاقا أو عموما لهذا المورد، لأنّ ظاهر الأخبار أنّ الحكم الثابت للسهو مع قطع النظر عن هذه الأخبار لا يكون هذا الحكم في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب، و لا يكون حكم

مجعول على السهو إلّا في قسمه الأوّل أى: السهو المستتبع للشك الّذي لم يزل بعد، و لأجل عدم زواله يشكّ المكلف في أنّه هل أتى بما ينبغي إتيانه أو ترك ما ينبغي تركه أو لا.

و أمّا في القسم الثاني أعنى: السهو الزائل فلا يكون محكوما بحكم، بل كل حكم ثبت في مورد ثبت للجزء، مثلا إن كان السهو عن القراءة، و تذكره بعد الدخول في الركوع غير موجب للاعادة و إيجابه سجدتى السهو، فهو ليس حكما مترتبا على السهو، بل مترتب على نفس القراءة، و أن جزئيته ليست جزئية مطلقة، أو لو سها المصلّي عن الركوع و تذكر تركه بعد مضى محلّ تداركه، فالحكم بوجوب الاعادة ليس مترتبا على السهو، بل جزئية الركوع حيث كانت جزئية مطلقة اقتضت إعادة الصّلاة.

ففي هذا القسم ليس لنفس السهو حكم حتّى يقال: بأنّ لسان الأخبار الدالّ على عدم السهو في الأوّلتين هو أنّ الحكم الثابت للسهو ليس فيهما بخلاف القسم الأوّل، ففيه يكون نفس السهو محكوما بأحكام، و مفاد هذه الأخبار عدم كون هذه الاحكام في الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب، مثلا إذا قال (إذا سهوت

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 74

فشككت في شي ء فابن على الأكثر) فهو حكم ثابت للشك أعنى: السهو المقارن للشك، و الأخبار المتقدمة بعد دلالتها على عدم السهو في الأوّلتين و في ثالثة المغرب، فتدلّ على عدم كون الحكم بالبناء على الأكثر في الأوّلتين من كل صورة و ثلاثة المغرب.

[في الكلام المقرّر في المورد]

فظهر لك ممّا مر شمول الأخبار المتقدمة الدالّة على أنّ الأوّلتين و ثلاثة المغرب لا تحتمل السهو لخصوص القسم الأوّل من السهو، و هو السهو المقارن للشك لا للقسم الثاني، فما

يظهر من الشّيخ رحمه اللّه من شمول الأخبار للقسم الثاني أيضا ليس في محلّه. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّ الأخبار المذكورة كما يظهر من لسانها ناظرة إلى الأحكام الثابتة للسهو، فيكون مفاد (لا سهو في الأوّلتين) هو أنّ كلّ ما جعل في الصّلاة باعتبار طروّ السهو فهو ليس فيهما، و من الواضح أنّ في كل من القسمين المتقدمين من السهو تكون الاحكام المجعولة بالاعتناء بالشّك أو عدم الاعتناء أو بالبناء على الأكثر باعتبار طروّ السهو للمصلّي، فهذه الأخبار بلسانها تدلّ على عدم مجي ء السهو في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب، و عدم تحملها السهو.

و أمّا ما أفاده سيدنا الاعظم و استادنا المعظم مدّ ظله العالى من الفرق بين القسمين من أنّ في القسم الأوّل الّذي يكون السهو مقارنا للشك يكون للسهو بنفسه أحكام مجعولة فهذه الروايات تدلّ على عدم كون هذه الأحكام للسهو في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، و أمّا في القسم الثاني فالأحكام المجعولة إنّما جعلت لنفس ترك ما ينبغي فعله أو بالعكس لا للسهو، فلا وجه لشمول هذه الأخبار له.

فيمكن أن يقال جوابا عما أفاده مدّ ظلّه العالي: بأنّ في كل من الصورتين يكون كل حكم مجعول من الشارع مجعولا باعتبار طروّ السهو و كون السهو منشأه، فيكون لسان هذه الروايات من عدم السهو في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب هو أنّ الحكم الثابت للسهو من البناء على الأكثر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 75

[في ذكر الفرع الثاني]

و أمّا الكلام في الفرع الثاني من الفروع الاربعة المتقدمة، و هو أنّ الحكم المذكور الّذي انفردت به الامامية قدّس سرّهم من أنّ الأوّلتين من كل صلاة و ثلاثة المغرب لا تحتمل السهو أى: لا تحتمل الشك، هل

يكون مختصا بما إذا كان السهو المقارن للشك في خصوص ركعة من الأولتين من كل صلاة و خصوص الركعات من المغرب أو يعم الشّك في غير الركعات، مثلا إذا سها عن الواقع فشك في أنّه هل صلّى واحدا أو اثنتين أو في المغرب سها و شك في انّه صلّى اثنتين أو ثلاثا فلا إشكال في شمول الروايات المتقدمة لها و بطلان الصّلاة بهذا الشك.

إنّما الاشكال في أنّه هل يشمل ما إذا سها الواقع فشك في جزء من أجزاء الركعة، مثلا شك في أنّه في الركعة الاولى أتى بالركوع أو السجدتين أم لا، فهل تشمل الأخبار لهذا المورد أم لا؟

فإن قلنا بالشمول تبطل الصّلاة بهذا الشك، و إن لم نقل به فيكون في هذا الشك حكما محكوما بما هو محكوم في الأخيرتين.

قد يقال: بأنّ الأخبار المذكورة مطلقة لشمولها للركعة و لغير الركعة من الأجزاء، و الأخبار الدالّة على عدم الاعتناء بالشّك في الأجزاء أو تجاوز عن المحل تكون مطلقة أيضا لشمولها للأولتين و الأخيرتين، فلكل طائفة من الطائفتين إطلاق من جهة، فتكون النسبة بينهما عموما من وجه، و يقع التعارض بينهما في الشّك في الأجزاء في الركعتين الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب.

______________________________

أو عدم الاعتناء أو غير هما ليس في الموردين، و أنّهما لا يحتملان السهو، فيكون السهو فيهما موجبا للبطلان و إعادة الصّلاة فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 76

فتدلّ الطائفة الاولى على بطلان الصّلاة بمجرد طروّ الشّك في جزء من أجزاء الأوّلتين و المغرب إن تجاوز عن المحل، و تدلّ الطائفة الثانية على عدم بطلان بهذا الشّك إن تجاوز عن المحل، فيقع التعارض بينهما في هذه الصورة، و لا بدّ من أن

يعامل بينهما عمل تعارض من العموم من وجه.

قد يقال: بأنّ لسان الطائفة الاولى الحكومة و شرحا للأدلة الدالة على عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز المحل، لأنّ معنى (لا سهو في الأوّلتين) أو (لا سهو في المغرب) هو أنّ كل حكم ثبت للسهو ليس في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، فلا بدّ من تقديم الطائفة الاولى، و الحكم ببطلان الصّلاة إذا شك في إتيان فعل من أفعال الأوّلتين و إن لم يكن المشكوك ركعة و إن تجاوز محل المشكوك.

و لكن مع ذلك نقول: بأنّ رواية زرارة، و هي الرواية 1 من الباب 23 من أبواب الخلل تكون نصّا في عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز محله و إن كان الشّك في جزء من أجزاء الركعة الاولى و الثانية، و هي هذه (عن زرارة قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل في الاقامة، قال: يمضى، قلت: رجل شك في الأذان و الاقامة و قد كبّر: قال: يمضى، قلت: شك في التكبير و قد قرء، قال: يمضى، قلت: شك في القراءة و قد ركع: قال: يمضى، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال:

يمضي على صلاته، ثمّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره، فشككت فليس بشي ء.

لدلالتها على أنّه لو شك في الركوع و قد سجد لا يعتني بشكه، و كذا القراءة، و السجدة، و المراد هو الشّك في هذه الأجزاء في الركعة الاولى لسياق الرواية، لأنّ السؤال كان من الأذان ثمّ من الأذان و الاقامة، ثمّ من التكبير ثمّ القراءة، و الركوع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 77

و السجود، فهذا الترتيب يقتضي كون السؤال و الجواب عن أجزاء الركعة الاولى،

و تدلّ على عدم الاعتناء بالشّك فيها مع تجاوز محلّها.

فالرواية نصّ في عدم الاعتناء بالشّك في إتيان جزء من أجزاء الركعة الاولى مع تجاوز محلّه.

و مع نصوصية هذه الرواية يقتضي تقديمها على إطلاق ما يدلّ على عدم السهو في الأوّلتين على فرض إطلاق له.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا إذا شك في غير نفس الركعة في جزء من أجزاء الركعة الاولى و الثانية من كل صلاة و خصوص ثلاثة المغرب و قد دخل في الغير و مضى محله، نقول: بعدم البطلان، و عدم وجوب إعادة الصّلاة لأنّ رواية زرارة نصّ في عدم وجوب الاعادة و عدم الاعتناء، و الرايات الدالة على عدم السهو في الأوّلتين و في المغرب، على فرض إطلاق لها يشمل هذه الصورة، تكون ظاهرة في ذلك، و لا بدّ من حمل الظاهر على النصّ بمقتضى الجمع العرفي.

[الشك في أجزاء الركعة قبل تجاوز المحلّ يعتني به]

و لكن يبقى الاشكال في الصورة الّتي شك في الأجزاء في الأوّلتين قبل تجاوز محله لا بعد تجاوز محله، فهل يقال بمقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على أنّه لا سهو في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، ببطلان الصّلاة تمسكا بإطلاق هذه الاخبار، أو يقال بعدم بطلان الصّلاة في هذا الفرض أيضا (من باب دلالة الأخبار الواردة في الشّك بعد المحل على الاتيان إذا كان قبل انقضاء المحل لا البطلان).

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بعدم بطلان الصّلاة في ما إذا شك في إتيان جزء و عدم اتيانه في الأوّلتين و لو لم يتجاوز عن محله المشكوك و لم يدخل في الغير بعد إمّا من باب أنّ الروايات الواردة في عدم السهو في الأوّلتين تكون آبية عن التخصيص

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 78

و التقييد بقرينة ما في بعضها من

أنّ كون الاولتين فرض اللّه تعالى صار موجبا لكونهما محكومين بحكم عدم مجي ء السهو فيهما في قبال الأخيرتين، و بعد كون عدم السهو فيهما هو كونهما فرض اللّه نفهم من ذلك عدم شمول هذه الطائفة من الأخبار إلّا لنفس الركعة، لا للأجزاء لأنّها لو كانت شاملة لغير الركعة من الأجزاء فاللازم تخصيصها أو تقييدها بالنسبة إلى الشّك في الأجزاء بما قبل مضى المحل و الحال أنّ العلة و هو فرض اللّه موجودة سواء كان الشّك في الجزء قبل المحل أو بعد مضى محل تداركه، لأنّ في كليهما شك في الأوّلتين، و بعد ما قلنا من عدم شمولها لما بعد التجاوز بقرينة رواية زرارة المتقدمة، فلا بدّ من تخصيصها بغير مورد الشّك في الأجزاء إذا تجاوز عن المحل، فإمّا أن نقول: بعدم شمولها لما قبل تجاوز المحل، و بعبارة اخرى نقول: باختصاص الأخبار بالشّك في الركعة، و لا تشمل الشّك في الأجزاء سواء كان قبل مضى محلّها أو بعد التجاوز عنه من باب عدم إطلاق لها يشمل الأجزاء، فيبقى التعليل و هو كون الأوّلتين فرض اللّه بحاله.

و إمّا أن يقال: بشمول إطلاقها للأجزاء، غاية الأمر يقيد إطلاقها في خصوص الشّك في الأجزاء بعد تجاوز المحل، فلازمه تقييدها أو تخصيصها بغير هذا المورد، و الحال أنّ لسانها آب عن التخصيص خصوصا مع العلة المذكورة لأنّ كونهما فرض اللّه إذا صار موجبا لكون السهو في الجزء قبل تجاوز محله موجبا لبطلان الصّلاة، فكذا بعد تجاوز.

فلهذا نقول: بعدم شمول الأخبار راسا لغير الشّك في الركعة، و نقول: إذا شك في جزء من أجزاء الأوّلتين كالركوع و سجودهما فإن كان قبل مضى محله يأتى به، و إن مضى محله فلا

يعتني بشكه، و في كلا الصورتين لا تبطل الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 79

و إمّا أن يقال: بعدم شمول الروايات للشك في الأجزاء في ما لم يتجاوز محلها، فهذا ممّا لا قائل له لأنّ القائلين بين من ينحصر الحكم، أى: عدم تحمل الأوّلتين السهو من كل صلاة و ثلاثة المغرب بصورة الشّك في خصوص الركعة، و بين من يتعدى عن الشّك في الركعة، و يقول بشمول هذا الحكم للشك في أجزاء الأوّلتين من كل صلاة و ثلاثة المغرب أيضا سواء كان الشّك قبل التجاوز أو بعده. «1»

الأمر الرابع: [في اعتبار الظن]
اشارة

من القواعد الّتي نبحث عنه في الخلل هو اعتبار الظن مطلقا أو عدم اعتباره مطلقا أو التفصيل، فنقول بعونه تعالى: أمّا عند العامة فالظاهر منهم عدم اعتباره مطلقا، نعم حكى عن أبي حنفية أنّه قال: لو تكرر الشّك يتحرى.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من رواية زرارة المتقدمة و بعض آخر من الروايات الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل مثل الرواية 2 من الباب 42 من أبواب الوضوء بأنّ الشّك إذا كان بعد تجاوز المحل فلا يعتنى به و إن كان قبل التجاوز فلا بد من الاعتناء بالشّك باتيان المشكوك حيث قال فيها (إنّما الشّك في شي ء لم تجزه) و قال جوابا عن ذلك: بأنّ الأخبار الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل متعرضة لخصوص صورة التجاوز و أنّ في هذا الحال لا يعتنى بالشك، و أمّا قبل تجاوز المحل فغاية ما يدلّ عليه هذه الروايات، بمفهومها أو بمنطوق بعضها، هو عدم كونه مثل بعد التجاوز، و لكن لا تعرض لها بأنّ عدم كونه مثل ما بعد التجاوز حكما هل يكون حكمه المخالف

لبعد التجاوز هو الاعتناء بالشك و إتيان المشكوك، أو بطلان الصّلاة فلا تعرض لروايات الباب لهذه الجهة حتّى يقال: بدلالة الروايات على عدم بطلان الصّلاة إن كان الشّك في الجزء قبل التجاوز.

و لكن أقول: بعد كون ما بعد التجاوز مع الشّك في إتيان الجزء و عدمه غير موجب للبطلان، فكيف يكون الشّك قبل التجاوز مع بقاء محل إتيانه موجبا للبطلان، فالمستفاد من الأخبار هو الفرق بين التجاوز و عدمه في عدم الاعتناء و الاعتناء، و معنى الاعتناء هو فرض عدم إتيان الجزء فيأتي به في محله إلّا أن يدعى منع كون هذا لسان الروايات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 80

[المعروف بين أصحابنا اعتبار الظن مطلقا]

و أمّا عند الخاصّة فنقول: المعروف بين أصحابنا حجية الظن في الصّلاة سواء كان في أفعالها أو عدد ركعاتها، كان في الأوّلتين أو في الأخيرتين، فحكى في المختلف عن المرتضى رحمه اللّه و رأينا في كتابه المسمّى بجمل العلم و العمل أنّه قال: كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي ء، فالعمل بما غلب على الظن، و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن و تساويه انتهي.

و به قال الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط و الاقتصاد و في التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود، و به قال القاضي رحمه اللّه، و به قال السيّد أبو المكارم رحمه اللّه في الغنية، و به قال ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة، و به قال بن أبي المجد رحمه اللّه في الاشارة، و ابن ادريس رحمه اللّه و كلامه مضطرب.

و في قبال هذا القول هو ما يتراءى من الفقيه و المقنعة للصدوق رحمه اللّه و من الشيخ رحمه اللّه في النهاية «1» و الخلاف و

من المراسم من قصر اعتبار الظن بالأخيرتين في الرباعية، فيستفاد بعد المراجعة في كلمات الفقهاء قدّس سرّهم أنّ المسألة ذات قولين بين أصحابنا قدّس سرّهم.

[في ذكر الروايات المربوطة باعتبار الظن]
اشارة

و على كل حال ينبغي ذكر أخبار الباب فنقول بعونه تعالى:

الرواية الأولى: و هي ما رواها أبان عن عبد الرحمن بن سيابة

و أبي العباس جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابن على الاربع فسلّم

______________________________

(1)- النهاية، ص 88.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 81

و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس). «1»

تدلّ الرواية على اعتبار الظن في صورة كون الشّك بين الثلاث و الأربع، لأنّ المراد من وقوع الرأى على الثلاث أو على الأربع هو الظن بقرينة قوله عليه السّلام (و إن اعتدل وهمك) ففرض صورة عدم اعتدال الوهم و الظن على الثلاث أو الاربع، فحكم بالأخذ بالمظنون، و صورة اعتدال الوهم فأمر بالانصراف و الإتيان بركعتين من جلوس.

الرواية الثانية: و هي ما رواها جميل

(الرواية مرسلة) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال فيمن لا يدرى أثلاثا صلّى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء، قال: فقال: إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس الحديث).

هذا على نقل الوسائل عن الكافى، و لها ذيل على نقل الوسائل من الشيخ، و هي ما ذكرها في الباب 11 من أبواب الخلل، أعنى: جعلها الرواية 5 من 11، و هي هذه: (عن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال في رجل لم يدر اثنتين صلّى أم أربعا و وهمه يذهب إلى الأربع أو إلى الركعتين، فقال: يصلّي ركعتين و أربع سجدات، و قال: ان ذهب وهمك إلى ركعتين و أربع فهو سواء، و ليس الوهم في هذا الموضع مثله

في الثلاث و الأربع). «2»

هذه الرواية تدلّ على اعتبار الظن في ما تعلق بأحد طرفي الثلاث و الأربع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 82

بالمفهوم لقوله عليه السّلام (إذا اعتدل الوهم فهو بالخيار بين ركعة عن قيام و بين الركعتين عن جلوس) كما عليه الفتوى و بعض أخبار اخر لأنّه بالخيار بين الركعة عن قيام و بين الركعتين عن جلوس، و على نقل التهذيب مضطرب المتن أيضا، لأنّه لو ذهب الوهم إلى الاربع أو إلى الركعتين ففي كل منهما قال (يصلّي ركعتين) و معنى ذلك عدم اعتبار الظن رأسا في الشّك بين الاثنتين و الاربع (إلّا أن يقال: بأنّ المستفاد من صدر الرواية على نقل الكافي في الجملة كون الحكم بصلوة الاحتياط في صورة اعتدال الشك و إن لا يمكن الأخذ بذيل الرواية و ما بيّن فيها في صلاة الاحتياط، فتأمل.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسين بن أبي العلاء

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

ان استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهد). «1»

تدلّ مفهومها على عدم هذا الحكم مع عدم استواء الوهم (و بعد عدم هذا الحكم في صورة عدم استواء الوهم فإمّا أن يكون حكم صورة الظن بالنسبة إلى أحد طرفي الشّك هو العمل بالظن، أو البطلان فيقال. بقرينة بعض الروايات الدالة على اعتبار الظن في هذا المورد بأنّه في صورة الظن في احد طرفي الشّك يعمل و يؤخذ بالظن) و المراد من القصر في التشهّد في الرواية الاقتصار على مقدار الواجب منه، و عدم إتيان التشهدات الطويلة

المشتملة على بعض المستحبات.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: سألته عن رجل صلّى فلم يدرأ في الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال: فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنّه في الثالثة و في

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 83

قلبه من الرابعة شي ء سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب). «1»

تدلّ على اعتبار الظن في ما إذا شك في الثالثة و الرابعة بناء على حمل الأمر باتيان الركعتين بعد السّلام على الاستحباب كما لا يبعد ذلك، و لو حمل على الوجوب لا يمكن العمل به لاعراض الأصحاب عنها.

الرواية الخامسة: ما رواها الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهد و سلّم ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب، ثمّ تشهد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، و إن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة). «2»

تدلّ على أنّه لو ذهب الوهم أىّ الظن إلى أحد طرفي الشّك المزبور يبنى عليه بالمفهوم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 83

الرواية السادسة: ما رواها صفوان

عن أبي الحسين عليه السّلام (قال: إن كنت لا تدرى كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصّلاة). «3»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الرواية الاولى و الثانية إن كان ما صدر من الامام عليه السّلام ما نقله الكافي و الرواية الثالثة و الرابعة تدلّ على اعتبار الظن في خصوص ما إذا شك المصلّي بين الثلاث و الأربع، و ذهب وهمه أى: ظنه إلى الثلاث أو الأربع،

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 84

و أمّا الرواية الخامسة و ذيل رواية الجميل أى: ذيل الثانية على النحو الّذي رواه الشيخ رحمه اللّه تدلّ على اعتبار الظن في ما إذا شك المصلّي بين الاثنتين و الأربع و قد ذهب ظنه إلى أحد طرفي الشك، مع ما قلنا من الاضطراب في ذيل رواية الجميل.

فعلى كل حال على فرض تمامية دلالة الروايات المتقدمة تدلّ هذه

الروايات، غير السادسة منها، على اعتبار الظن في الموردين: في الشّك بين الثلاث و الأربع و في الشك بين الاثنتين و الأربع، فلا عموم لهذه الأخبار حتّى تدلّ على اعتبار الظن في مطلق الركعات، بل و لا في مطلق الشّكوك الراجعة إلى الركعتين الأخيرتين، هذا حال الروايات غير السادسة منها.

و عمدة ما ينبغى أن يقع التكلم في مفاده و مقدار دلالته هو الرواية السادسة أعنى: رواية صفوان، فنقول بعونه تعالى: إنّ رواية صفوان تدلّ على وجوب إعادة الصّلاة في ما إذا لم يدر كم صلّى مع عدم ذهاب وهمه على شي ء، ثمّ إنّه يقع الكلام هو المراد من قوله عليه السّلام (إن كنت لا تدرى كم صلّيت) و أنّ المراد من هذه الفقرة هل هو فرض كون الشّك في كمية الصّلاة سواء كان الشّك في الأوّلتين أو في الأخيرتين.

و بعبارة اخرى هل يكون إطلاق لهذه الفقرة تشمل لكل من الأوّلتين و الأخيرتين، فيكون المراد أنّه متى يكون الشّك في عدد ركعات الصّلاة، فإن حصل الظن على أحد طرفي الشّك يأخذ به، و إلّا فتجب الاعادة.

أو يكون المراد من هذه الفقرة صورة خاصة، و هي ما إذا كان الشّك بين الركعة الاولى فما زاد، فلا يدرى مثلا في صلاة الظهر بأنّ ما بيده هل هي الركعة الاولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، ففي هذه الصورة أمر بوجوب الاعادة إلّا إذا ذهب الوهم إلى أحد الطرف الشك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 85

فإن كان المراد من قوله عليه السّلام (إن كنت لا تدري) الاحتمال الأوّل تشمل الرواية الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين بالإطلاق، و مقتضاه هو الأخذ بالظن سواء كان في الأوّلتين أو في الاخيرتين.

و إن كان المراد

من هذه الفقرة الاحتمال الثاني، فالرواية متعرضة لخصوص صورة، و هي الصورة الّتي لا يدرى كم صلّى من ركعة و ركعتين و أكثر، فيقال بعد فرض اعتبار الظن مطلقا في الأوّلتين و الأخيرتين.

في هذه الصورة باعتبار الظنّ في كل شك سواء كان الشّك متعلقا بالأوّلتين أو بالأخيرتين بعدم القول بالفصل.

[وقوع التعارض بين رواية صفوان و الاخبار الدالّة على اعتبار اليقين فى الركعتين الاوّلتين]

إذا عرفت ذلك اعلم أنّه لو قلنا بشمول الرواية إطلاقا أو بعدم القول بالفصل بين الأوّلتين و الأخيرتين، فمفادها اعتبار الظن في الركعات سواء كان الظن الحاصل حاصلا في الشّك المتعلّق بالأوّلتين أو بالأخيرتين، فنقول: إنّه يقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه قد وردت روايات بأنّ الأوّلتين لا تتحملان السهو أو بمضامين اخرى.

فإنّ كان مفاد هذه الطائفة من الأخبار هو اعتبار تحصيل اليقين في الأوّلتين و عدم مجي ء السهو فيهما سواء كان الذهول عن الواقع الموجب للشك مقارنا للشك المساوي طرفيه أو للشك المقارن للظن، و معنى ذلك عدم اعتبار الظن في الأوّلتين، فيقع التعارض بين هذه الطائفة و بين الرواية السادسة المتقدمة رواها صفوان في ما إذا حصل الظن بأحد طرفي الشّك في الأوّلتين، لأنّ مفادها اعتبار الظن سواء كان في الشك الواقع في الأوّلتين أو في الأخيرتين، و الحال أنّ مفاد هذه الطائفة عدم اعتبار الظن فيها.

و هكذا تعارض رواية صفوان مع بعض الروايات الدالّة على البناء على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 86

الأكثر في بعض الشّكوك مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع و غيره، لأنّ مفاد هذا القسم من الأخبار هو البناء على الأكثر في صورة الشك، و مفاد رواية صفوان وجوب الاعادة لو لم يذهب الوهم إلى أحد طرفي الشك، فيقع التعارض بينهما، فلا بد لنا من

رفع التعارض.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه فى المورد]

إذا عرفت ذلك يظهر من العلّامة الحائري رحمه اللّه «1» في صلاته بعد ذكر النبوى (إذا شك أحدكم في الصّلاة فلينظر أىّ ذلك أحرى) و رواية صفوان بأنّه يحتمل في رواية صفوان احتمالان و ذكر الاحتمالين المتقدمين، ثمّ قال يجب تقديم رواية صفوان على الأدلّة الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين إمّا بأن يقال: إنّ لسان رواية صفوان يكون جعل الظن معتبرا من باب الطريقة و أنّه بمنزلة العلم، فتكون حاكما عل هذه الأدلة، و إمّا بأن يقال: إنّ لسانها و إن لم يكن جعل الظن معتبرا من باب الطريقية، بل يكون وجه اعتباره و الأخذ بطرف الراجح تعبدا صرفا فأيضا تقدم على تلك الأدلة لأخصية مضمونها.

ثمّ استشكل على ذلك، و حاصله يرجع إلى أنّ النبوي ضعيفة السند، و مجرد مطابقة مضمونها مع فتوى المشهور لا يوجب جبر ضعف سندها لعدم معلومية كون استنادهم في فتواهم بهذه الرواية، و أنّ رواية صفوان فالمحتمل كون المراد من قوله عليه السّلام فيها (أنت كنت لا تدري كم صلّيت) هو المتردد بين احتمالات كثيرة، فلا يدري واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع، سواء كان متيقن في البين أم لا، فتكون النسبة بين هذه الرواية و بين النصوص الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين عموما من وجه.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 352 و 353.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 87

(لأنّ مفاد رواية صفوان على هذا هو صورة يكون التردد بين احتمالات كثيرة من الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة، فهي مطلق من حيث شمولها لما إذا كان في البين متيقن أم لا، فحكم فيها باعتبار الظن سواء كانت الأوّلتان متيقنتين، و تردد بين احتمالات

شتّى، مثل ما إذا يعلم باتيان الأوّلتين لكن يشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، و غيره من الصور، أو لم تكن الأوّلتان متيقنتين، فالرواية من هذه مطلقة و الأدلة و النصوص الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين مطلقا من جهة دلالتها على عدم اعتبار غير اليقين سواء كان الغير الشّك المساوي طرفاه، أو غير المساوي طرفاه بأن يكون الاعتقاد بأحد طرفيه راجحا، هذا حاصل ما قاله) و يأتي بعد ذلك إنشاء اللّه تمامية كلامه أو عدمه تماميته).

إذا عرفت ذلك نقول: حيث إنّه وقع الكلام في تعارض مفاد رواية صفوان مع ما يحتمل دلالتها على عدم اعتبار الظن في الأوّلتين نذكر الأخبار المربوطة بالمقام إنشاء اللّه كى تتضح حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى:

إنّ بعض الروايات الراجعة إلى عدم السهو في الأوّلتين و أنّهما لا تحتملان السهو بلسانه غير معارض مع رواية صفوان، لأنّ رواية صفوان تدلّ على عدم وجوب الاعادة لو شك في الركعات و وقع وهمه على أحد طرفي الشّك و إطلاقها يشمل ما إذا حصل الظن في الأخيرتين أو في الأوّلتين، و الاعادة لو لم يذهب الوهم إلى أحد طرفي الشّك و اعتدل الوهم، و مفاد هذا البعض من الروايات ليس إلّا أنّ السهو لا يأتى في الأوّلتين، أو أنّ الشّك فيهما يوجب الاعادة، أو أنّه إذا سلمتا سلمت الصّلاة.

[فى الجمع بين الروايات]

و كل ذلك قابل للحمل على ما لا ينافي رواية صفوان لأنّ المراد من السهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 88

يحتمل أن يكون السهو المقارن للشك المتردد بين طرفيه، و كذا الأمر بالاعادة في ما إذا شك في الأوّلتين قابل الحمل على كل شك يتساوى طرفيه، و كذا ما يدلّ منه على أنّه

إذا سلمتا سلمت الصّلاة يحمل على السلامة من الشك.

(و لو فرض الاطلاق لما دل على أنّه لا سهو في الأوّلتين يشمل السهو المقارن للشك و الظن كليهما، أو ما دل على وجوب الاعادة في الشّك الراجع إلى الأوّلتين كان له إطلاق يشمل الشّك و الظن أى: الشّك التساوي طرفاه، أو الشّك الراجح أحد طرفيه على الآخر فمع ذلك لا بد من الأخذ برواية صفوان لما نقول في مقام رفع التعارض بينها و بين بعض الروايات الدالة على اعتبار اليقين، كاحدى روايات زرارة، و إحدى روايتى محمد بن مسلم، و روية أبي بصير لأنّه بعد كون مفاد هذه الثلاثة اعتبار اليقين، نكشف أنّ المراد ممّا ورد من أنّه لا سهو في الأوّلتين أو تجب الاعادة في الشّك في الأوّلتين اذ إذا اسلمنا سلمت الصّلاة، كما هو مفاد أكثر الروايات الواردة في هذه الجهة الّتي ذكر صاحب الوسائل أكثرها في الباب 1 من أبواب الخلل، هو أنّه يلزم تحصيل اليقين، و بعد أخذ اليقين طريقا كما يأتى إنشاء اللّه تكون رواية صفوان حاكمة على ما دلّ على لزوم إحراز اليقين في الأوّلتين).

هذا كله بالنسبة إلى أكثر الروايات، فيبقى الكلام في الرواية 1 من الباب 1 من أبواب الخلل رواها صدوق رحمه اللّه، و ينتهي السند بحريز و هو يروي عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: كان الّذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعنى: سهوا، فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعا و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شك

في الأخيرتين عمل بالوهم.)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 89

تدلّ ذيل الرواية على لزوم حفظ الأوّلتين من الشّك و أن يكون على يقين، و نقل الرواية الكليني رحمه اللّه في الكافي بدون هذا الذيل، و لهذا يحتمل كون قوله (يعنى سهوا الخ) من إضافات بعض الروات لا جزء كلام الامام عليه السّلام، و كان قوله (فمن شك الخ) من إضافات الصّدوق رحمه اللّه و كان هو فتواه نقله في ذيل الرواية، كما هو كثيرا ما دابه، فعلى هذا يكون ما صدر من المعصوم عليه السّلام الصدر فقط، و الصدر لا يدلّ على اعتبار اليقين في الأوّلتين.

لكن بعد ما نرى من أنّ ابن إدريس رحمه اللّه نقل الرواية في آخر مستطرفات السرائر مع هذا الذيل نطمئن بعدم كون الذيل من إضافات الصدوق رحمه اللّه، بل يكون الذيل أعنى: من قوله (فمن شك) جزء الرواية و إن كانت جملة (يعنى سهوا) من كلام بعض الواقع في طريق الرواية.

و الرواية 7 من الباب المذكور، و هي إحدى روايتي محمد بن مسلم فى هذا الباب و هي هذه: حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال: يستقبل حتّى يستيقن أنّه أتم، و في الجمعة و في المغرب و في الصّلاة في السفر.

تدلّ على وجوب استقبال الصّلاة أى: استينافها و تحصيل اليقين في الأوّلتين و في الجمعة و المغرب و الصّلاة في السفر، و هذه الرواية رواها حريز عن محمد بن مسلم، كما أن راوى الرواية السابقة كان هو حريز عن زرارة.

و الرواية 15 من الباب المذكور رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما.

بناء على كون الاثبات كناية عن لزوم تحصيل اليقين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 90

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ مفاد هذه الروايات الثلاثة لزوم تحصيل اليقين في الأوّلتين، و مفاد رواية صفوان بإطلاقها كفاية تحصيل الظن و اعتباره في الركعات.

فإن قلنا بلزوم الأخذ بمفاد هذه الروايات الثلاثة، و عدم اعتبار الظن في الأوّلتين يلزم طرح رواية صفوان في مورد التعارض لأنّ مفادها اعتبار الظن في كل من الأوّلتين و الأخيرتين، و معنى تقديم الأخبار الثلاثة عدم اعتبار الظن في الأوّلتين، و هذا معنى طرح رواية صفوان بالنسبة إلى صورة الظن الحاصل في الواقع في الأوّلتين.

و أمّا لو قلنا بتقديم رواية صفوان فلا يلزم طرح الروايات الثلاثة لأنّا نقول:

بعد كون مفاد هذه الروايات اعتبار العلم و اليقين في الأوّلتين فيقال: إنّ وجه أخذ اليقين في الروايات لا يكون إلّا من حيث كون اليقين طريقا و كاشفا عن الواقع، و بعد دلالة رواية صفوان على لزوم الأخذ بالظن في الركعات، نكشف كون الظن من أفراد الكاشف و الطريق، فتكون رواية صفوان حاكما على الروايات الثلاثة.

فيستفاد من مجموعها أنّ المعتبر في الركعات هو جامع الكاشف و الطريق، و يكون أخذ كل من اليقين و الظن من باب كونهما فرد الكاشف و الطريق، فيجمع بين الروايات بهذا النحو، و لا يوجب طرح واحدة من الطائفتين: لا ما دلّ على اعتبار اليقين في الأوّلتين و لا رواية صفوان المتقدمة.

فتكون النتيجة اعتبار الظن في مطلق الركعات من الأوّلتين و الأخيرتين كما هو مختار المشهور أو قول الاشهر بين قدماء أصحابنا رضوان اللّه عليهم.

و يؤيد ما قلنا من اعتبار الظن في مطلق الركعات بعض الروايات الواردة

الدالّة على جواز الأخذ بقول شخص واحد في حفظ الصّلاة كالرواية 1 من الباب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 91

33 من أبواب الخلل «1» و بعض الروايات الواردة الدالة على جواز الاعتماد في حفظ الصّلاة بالخاتم و الحصى، فإنّه لا يحصل منها إلّا الظن فتأمّل جيدا، هذا كله في اعتبار الظن و عدمه في الركعات.

و أمّا الكلام في اعتبار الظن و عدمه في أفعال الصّلاة
اشارة

، مثل ما إذا شك في أنّه أتى بالركوع أم لا، فظنّ إتيانه أو عدم إتيانه فهل يعتبر الظن و يجب الأخذ به أم لا؟

فنقول بعونه تعالى يظهر من كلام القدماء من الفقهاء قدّس سرّهم اعتبار الظن في أفعال كل ركعة من ركعات الصّلاة ان يكون الظن معتبرا فيها، فمن يقول باعتبار الظن في جميع الركعات يقول باعتبار الظن في أفعال جميع الركعات، و من يقول باعتبار الظن في غير الأوّلتين و في غير صلاة المغرب، و انحصر اعتباره بخصوص الأخيرتين من الرباعية، يقول باعتبار الظن في خصوص أفعالهما لا غير هما.

ففي الحقيقة هذه الطائفة أى: القدماء قدّس سرّهم مع اختلافهم في مورد اعتبار الظن في الركعات، متفقون على اعتبار الظن في الأفعال في كل ركعة يكون الظن معتبرا فيها، و بعبارة اخرى أنّهم مع اختلافهم في مورد اعتبار الظن في الركعات، متفقون على التلازم بين اعتبار الظن في الركعة، و بين اعتباره في افعال هذه الركعة.

نعم يظهر من بعض المتأخرين عدم التلازم بين اعتبار الظن في الركعة و بين اعتباره في أفعال الركعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكلام في اعتبار الظن و عدمه في الأفعال يقع تارة بعد مضيّ المحل و التجاوز عنه، مثل ما إذا شك في الركوع بعد ما دخل في السجود،

______________________________

(1)- أقول: و لكن فيها إشكال

من حيث اشتمالها على سهو الامام عليه السّلام. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 92

و تارة يقع قبل التجاوز عنه، مثل ما إذا شك في حال القيام، و في كل منهما تارة يكون المصلّي ظانا بالوجود، و تارة يكون ظانا بالعدم.

[في ذكر الصور الاربعة فى المقام]

فنقول: إنّ في الصورتين من هذه الصور الأربعة لا إشكال في اعتبار الظن:

الصورة الاولى: ما إذا شك في إتيان فعل من أفعال الصّلاة قبل تجاوز محله، و صار ظانا بعدم إتيانه، ففي هذه الصورة مقتضى كون الشّك قبل التجاوز الاتيان، فمع كون مقتضى شكه الاتيان، ففي صورة الظن بعدم الاتيان يكون أولى، فيجب الأخذ بالظن و إتيان ما ظن عدم اتيانه.

الصورة الثانية: ما إذا شك في إتيان فعل من أفعالها بعد التجاوز عنه، و ظن إتيان الفعل المشكوك، فلو لم يكن ظنّ بالامتثال كان مجرد الشّك في الاتيان موجبا لعدم الاعتناء لكون الشّك بعد المحل، فمع الظن يكون عدم وجوب الاتيان أولى.

فتبقى صورتان:

إحداهما: الصورة الّتي شك في فعل مع عدم تجاوز المحلّ و الحال أنّه ظن إتيان المشكوك، ففي هذه الصورة مقتضى بقاء المحل إتيان المشكوك لكون الشّك قبل التجاوز، فهل الظن معتبر في هذه الصورة حتّى يكون أثره عدم الاعتناء بهذا و إن لم يتجاوز المصلّي عن المشكوك أولا؟

الثانية: الصورة الّتي شك في إتيان فعل و قد تجاوز عنه، و لكن يظن عدم إتيانه، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم وجوب الاتيان و عدم الاعتناء بهذا الشك، و لكن إن كان الظن معتبرا في هذه الصورة يكون أثره وجوب إتيان المشكوك و إن تجاوز عن المحل، فهل الظن معتبر في الصورتين أم لا.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 93

[من اعتبار الظن فى الركعة نكشف اعتبار الظن فى الافعال]

اعلم أنّ من ظن باتيان الركعة أو بعدم إتيانها ينحل ظنه بظنون متعددة بحسب عدد أفعال الركعة، فمن ظن باتيان ركعة يظن قهرا باتيان القيام من الركعة و ركوعها و سجودها، فبعد كون الظن بالركعة منحلا بظنون نقول: بأنّ حكم الشارع باعتبار الظن في الركعة ينحل قهرا باعتبار

هذه الظنون المتعددة لأنّ الركعة ليست إلّا هذه الأفعال، فجعل الشارع الظن باتيان الركعة أو عدم إتيانها معتبرا ينحل إلى جعله الظن بالقيام، و الظن بالركوع، و الظن بالسجود معتبرا، لأنّ الظن بها منحل إلى الظن بها، و صيرورة الظن بالقيام، أو بالركوع، أو بالسجود معتبرا بهذا البيان ليس إلّا من باب تعلق الظن به لا بغيره، فالظن بالركوع معتبر لأجل تعلق الظن به، لا لأجل تعلق الظن به و بالقيام و السجود، فإذا كان الأمر كذلك، فمن جعل الظن معتبرا في نفس الركعة نكشف اعتبار الظن في أفعال الركعة بطريق الأولى، فلأجل هذا نقول باعتبار الظن. «1»

[في ذكر مسألة فى المورد]

ثمّ إنّ هنا مسئلة نتعرض لها، و هي أنّه بعد فرض عدم تأتى السهو أى: في الأوّلتين كما بينّا، و تأتى الشّك في الأخيرتين، يقع الكلام في ما يتحقّق به إكمال الركعتين، و أنّه هل هو برفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الثانية كما نسب إلى المشهور، أو باكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية كما اختار بعض، أو

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مدّ ظلّه من أنّه بعد كون الظن بالركعة منحلا بالدقة بالظن بأفعال الركعة و إن تم لا يصير سببا لأن يكون جعل الشارع الظن في الركعة حجة جعلا لحجية الظن بالقيام، أو بالركوع، أو بالسجود من الركعة مضافا إلى أنّه لو كان الأمر كذلك ليست الاولوية، بل هذا كشف مراد الشارع و أنّ حكم الصادر منه باعتبار الظن في الركعة يقتضي كون الظن حجة فيها و في أبعاضها بتنقيح المناط إلّا أن يقال: بأنّه بعد جعل الشارع الظن حجة في تمام الركعة، نفهم حجيته في بعض الركعة بالأولوية، و لكن كلا من تنقيح المناط

و الاولية قابل للمنع، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 94

بالدخول في السجدة الاولى كما احتملنا سابقا، أو بالدخول في الركوع كما قيل حكي عن سيد بن طاوس رحمه اللّه في البشري، أو باكمال التشهّد الأوّل كما قال به العلّامة الحائري رحمه اللّه و قال: لو لا كونه مخالف الاجماع لكان هذا الوجه وجيه.

[محقّق اكمال الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية]

قد يقال: بأنّ محقّق إكمال الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية لأنّه متى لم يرفع رأسه منها لا يصدق خروجه من الأوّلتين، بل يصدق أنّه في الأوّلتين، و يؤيده بعض ما ورد في كيفية صلاة جعفر عليه السّلام لأنّ في بعض رواياته ما يدلّ على ذلك، مثل ما في واحدة منها بعد بيان ما شرع من التسبيحات قال: (فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت: عشر مرات و أنت قاعد قبل أن تقوم، فذلك خمس و سبعون تسبيحة في كل ركعة) يستفاد منها أنّ تماميّة الركعة برفع الرأس عن سجدتيها لعده عليه السّلام على ما في الرواية تمام خمس و سبعين تسبيحة من الركعة و الحال أنّ عشرا منها يقرأ بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، فهل نقول: بأنّ محققه هو رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية أو الفراغ من الذكر من السجدة الثانية، أو مجرد الدخول فيها، أو مجرد الدخول في السجدة الاولى كما احتملنا سابقا، أو بمجرد تمامية الركوع من الركعة الثانية؟

أمّا كون تمامية ركوع الركعة الثانية محققا لاكمال الركعتين كما حكى عن سيد بن الطاوس رحمه اللّه في البشرى على المحكي عن مصابيح بحر العلوم رحمه اللّه فلا وجه له، و لا منشأ لهذا التوهّم إلّا إطلاق الركعة على الركوع في بعض الأخبار، و هذا

غير مفيد في المقام لأنّه من الواضح كون السجود من أجزاء الركعة، فما لم يسجد يكون المصلّي فيها، فمن يكون بعد ركوع الركعة الثانية و لم يسجد بعد فهو في الأوّلتين، و ليس له الأوّلتان متيقنا، فلا يكون ركوع الركعة الثانية محققا لتمامية الأوّلتين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 95

و أمّا ما احتملنا من كون محققها الدخول في السجدة الاولى من الركعة الثانية فهو كان من باب أنّ فرض اللّه من الركعة هو الركوع و السجدة الاولى فقط لا الثانية، كما يظهر من الرواية المنقولة فيها حديث المعراج الدالّة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد رفع رأسه من السجدة الاولى رأى عظمة اللّه، فسجد سجدة ثانية.

فالمستفاد منها كون فرض اللّه من الركعة هو الركوع و السجدة الاولى، و في هذه الروايات الدالّة على عدم السهو في الأوّلتين ما يدلّ على أنّ عدم تأتى السهو فيها من باب كونهما فرض اللّه، فاذا حصل فرض اللّه من الأوّلتين فقد تم ما هو صار موجبا لعدم السهو.

و لكن هذا مجرد الاحتمال، و لا يعتنى به مع ما يظهر من الأخبار الدالّة على أنّ الأوّلتين لا تحتملان السهو من أنّه متى يكون الشّك في الأوّلتين و لم يتيقنهما تبطل الصّلاة ما دام لم يسجد الثانية.

و كذلك الاحتمال الّذي احتمل بعض من أنّ محقّق تمامية الأوّلتين مجرد الدخول في السجدة الثانية، لأنّ السجدة الثانية مع كل ما يعتبر فيها جزء للركعة، فمن دخل في السجدة و لم يأت بذكرها ما تمّ الركعة لبقاء جزء منها و هو الذكر.

[في ذكر الاحتمالان فى المورد]

فيبقى في المقام احتمالان: أحدهما كون محقّق تمامية الأوّلتين رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية،

و ثانيهما كون محققها الفراغ من الذكر من السجدة الثانية من الركعة الثانية و لو لم يرفع رأسها عنها.

قد يقال بالاحتمال الثاني كما حكي عن الشّيخ الانصاري رحمه اللّه بدعوى أنّه بعد كون المصلّي في السجدة الثانية و قد أتى ذكرها فقد أتى بما هو محقّق ماهية الرّكعة و إن لم يفرغ بعد من جزئها لعدم رفع رأسه منها، فيصدق عليه أنّه أتى بالركعتين الأوّلتين،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 96

فالشك في هذا الحال لم يكن إلّا بعد يقينه بالأوّلتين لحصولهما في الخارج، فيكون وجودهما يقينا و هذا الشّك لم يتعلق بالأوّلتين، فلهذا بمجرد فراغ المصلّي عن ذكر السجود الثاني من الركعة يتحقّق ما هو موضوع تمامية الركعة، و يكون السهو في هذا الحال غير مبطل للصّلاة.

[في ذكر كلام الشيخ رحمه اللّه]

إذا عرفت ذلك نقول: كما يظهر من روايات الباب لا تحتمل الأوّلتان السهو فتدلّ هذه الروايات بظاهرها على أنّ الشّك إذا كان ظرفه و محله الأوّلتين و متعلقا بهما يوجب البطلان، فليس الميزان كون الشّك في الأوّلتين و ظرفه فيهما فقط بدون كونه متعلقا بالأوّلتين كما أنّه ليس الميزان كون المشكوك الركعتين الأوّلتين و لو لم تكونا ظرف الشك، فإذا كان المصلّي فيهما و لم يفرغ منهما، و شك في الركعة، مثلا شك في أنّه صلّى ركعة واحدة أو ركعتين، فمعنى (لا سهو في الأوّلتين) بطلان الصّلاة بهذا الشك.

فإذا كان الأمر كذلك فنقول: بأنّه مع كون المصلّي في الركوع من الركعة الثانية، أو في السجدة الاولى منها، أو في السجدة الثانية منها قبل إتيان ذكرها لو شكّ كان شكه في الأوّلتين و ليستا متيقنين، و أمّا إذا فرغ من ذكر السجدة الثانية من الركعة الثانية قال الشّيخ رحمه اللّه:

تحقق ما تتمّ به الركعة لأنّه في هذا الحال تحققت طبيعة الركعة.

و الحق أنّه إن قلنا: إنّ ظاهر روايات الباب هو أنّ الشّك لو كان في الأوّلتين يوجب البطلان نقول: بأنّه بعد كون السجود الحاصل بوضع الجبهة على الأرض يمكن تحصله في ضمن الفرد القصير، و يمكن تحصله في ضمن الفرد الطويل، ففي الفرض بعد ما وضع المصلّي جبهته على الأرض بقصد السجدة الثانية من الركعة الثانية و أتى بذكرها، فرفع رأسه فورا تحقق فرد السجود، و امتثل الأمر بالسجدة،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 97

و لو بقى بعد الذكر في السجدة فهو في السجود، و كل هذا الوجود الخاص سجود، فلا وجه لكلام الشّيخ رحمه اللّه لأنّه على الفرض في السجود و لم يفرغ بعد منه، فلو كان مفاد الروايات بطلان الصّلاة إذا كان ظرف الشّك الأوّلتين فما لم يرفع رأسه من السجدة وقع الشّك في الأوّلتين، لأنّ المصلّي شك في حال كونه في جزء من الركعة الثانية و هو السجود الثاني منها.

و أمّا لو كان مفاد الروايات الدالّة على عدم السهو في الأوّلتين هو أنّه متى لم يكن وجود الأوّلتين متيقنا و يحصل الشّك له فصلاته باطلة، و أمّا إذا طرأ الشّك بعد كونهما متيقنة فلا تبطل الصّلاة نقول: بأنّه بعد طروّ الشّك بعد الذكر من السجدة الثانية قبل رفع الرأس عنها يكون وجود الأوّلتين بأجزائهما متيقنا، لأنّه أتى بهما و لو لم يرفع رأسه بعد عن جزئها الاخر و هو السجدة، فيصح كلام الشّيخ رحمه اللّه بعد مقدمتين:

[في ذكر مقدمتين لكلام الشيخ رحمه اللّه]

الاولى: عدم كون رفع الرأس من السجدة الأخيرة من أجزاء الركعة (أو من جزء جزئها أو شرطها) لأنّه لو كان رفع الرأس من الأجزاء أو

الشرائط لم يكن وجود الأوّلتين متيقنا حال طروّ الشك، بل يكون الشّك فيهما.

الثانية: أن يكون لسان الروايات هو أنّه مع عدم اليقين بوجودهما و طرو الشك فيهما تبطل الصّلاة (و لا يتأتى السهو) و مع اليقين بهما و طرو الشّك يتأتى السهو، لأنّه على هذا يكون المجال لأن: يقال إنّه بعد الفراغ من ذكر السجدة الأخيرة و لو لم يفرغ من جزء الركعة و لكن وجود الركعة متيقنا و الشكّ طار بعد اليقين بوجودهما، و امّا لسان روايات الباب ان كان دالا على بطلان الصّلاة لو طرأ في الأوّلتين، ففي الفرض طرأ الشّك فيهما، لأنّه ما دام يكون المصلّي في السجدة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 98

الاخيرة من الركعة الثانية يصدق وقوع الشّك فيهما.

و لا يبعد كون تمامية الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية لأنّ المصلّي متى يكون في السجدة الثانية لم يخرج من الركعة، بل هو واقع في جزئها الأخيرة و هو السجدة، و إذا رفع رأسه عنها يعدّ خارجا عن الركعة، و يؤيده بعض الروايات الواردة في صلاة جعفر عليه السّلام كما بينا سابقا الدالّة على أنّه بعد رفع الرأس تتمّ الركعة فعلى هذا كون محقّق تمامية الأوّلتين رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية غير بعيد. «1»

______________________________

(1)- أقول: أمّا لو كان الوجه في كون رفع الرأس من السجدة محقّق لتمامية الركعة بعض ما ورد في صلاة جعفر عليه السّلام ففيه أنّه لو كنا و هذه الروايات لا بد من الالتزام بأنّ محقّق الاتمام هو الجلوس بعد الركعة لأنّ مفادها هو أنّه بعد ما يجلس المصلّي بعد الركعة و يسبح خمس عشرة تسبيحة فقد تمت الركعة، لأنّه قال فيها: إنّه في كل

ركعة خمس و سبعون تسبيحة، و من جملة هذا العدد عشر تسبيحات بعد الجلوس بعد السجود، فهذا دليل على أنّ الجلوس بعد السجدة جزء من الركعة أيضا فعلى هذا تدلّ هذه الأخبار على خلاف المطلوب، و هو كون محقّق تمامية الركعة رفع الرأس من السجدة.

و لكن الحق هو أنّ إطلاق الركعة تارة يكون في قبال فرد من الركعة، و تارة في مقام بيان عدد الصّلاة في قبال صلاة اخرى، مثلا تارة يقال الركعة الاولى في قبال الثانية، ففي هذا الاطلاق ليست الركعة إلّا مجموع ما هو واجب فيها، ففي هذا الاطلاق لا يبعد أن تكون الركعة محققة بمجرد وجود سجدتها الأخيرة، و رفع الرأس منها و الجلوس بعدها ليسا جزءين أو شرطين لها، بل يرفع رأسه لأن يقوم إلى الركعة الثانية أو الثالثة.

و تارة تطلق الركعة في قبال صلاة اخرى مثلا يقال: إنّ صلاة الظهر أربع ركعات و في هذا الاعتبار يعدّ التشهّد و السلام جزء الركعات، و كلامنا في المقام في القسم الأوّل و أنّه لا يأتى السهو في الأوّلتين، فالمراد هنا نفس الركعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 99

الأمر الخامس: [في قاعدة التجاوز]
اشارة

من القواعد الّتي يبحث عنها في الخلل هو قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ ...

و مفاد هذه القاعدة عدم الاعتناء بالشّك في الشي ء إذا تجاوز محله، و كذلك عدم الاعتناء بالشّك في شي ء ممّا يعتبر في الصّلاة بعد فراغ المصلّي عن الصّلاة.

و هل تكون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة غير قاعدة التجاوز، أو هما قاعدة واحدة يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه، و مدرك قاعدة التجاوز أخبار نذكرها بعونه تعالى و ما هو مفادها إنشاء اللّه فنقول:

[في ذكر الاخبار فى المورد]
الرواية الأولى: و هي ما رواها زرارة
اشارة

(قال: قلت: لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل الاقامة، قال: يمضى، قلت: رجل شك في الأذان و الاقامة و قد كبّر، قال: يمضي، قلت: رجل شك في التكبير و قد قرء، قال: يمضي قلت: شك في القراءة و قد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال: يمضي على صلاته، ثمّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك

______________________________

إذا عرفت ذلك يظهر أنّ الجزم بكون المحقق في تمامية الأوّلتين هو رفع الرأس من السجدة الاخيرة مشكل، كما أنّ الجزم بقول الشّيخ رحمه اللّه مشكل أيضا، فلو استظهرنا من الروايات أنّ المراد منها أنّ الشّك إذا كان ظرفه الأوّلتين تبطل الصّلاة لا بد من الالتزام بأنّ تمامية الأوّلتين برفع الرأس من السجدة كما لا يبعد ذلك.

و اعلم أنّ كلما يقال في المقام من الأقوال إن دلّ عليه دليل فهو، و إلّا فلا إجماع في المقام على واحد منها لأنّه كما عرفت لم يتعرض القدماء قدّس سرّهم للمسألة، و أوّل من حكي عنه التعرض للمسألة سيد بن طاوس رحمه اللّه في البشرى، ثمّ إنّ طريق الاحتياط معلوم. (المقرر)

تبيان الصلاة،

ج 7، ص: 100

فليس بشي ء). «1»

[الكلام في المستفاد من رواية زرارة]

و الظاهر من الموارد الّتي سئل عنها زرارة كون الشّك في أصل وجودها، فيكون شاكّا في إتيانه و عدمه لأنّ ظاهر قوله (رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة) سؤاله عن تعلق شكه بالأذان بعد دخوله في الاقامة، و كذلك ساير الأسئلة التي سألها تعلق الشّك بشي ء يكون المشكوك وجوده و عدمه، لا أن يكون الشّك في صحته و فساده بعد العلم بوجوده لأنّ ظاهر لفظ (في) كون الشّك في الوجود لا في الصحة و فساد، الموجود هذا بالنسبة إلى الموارد الّتي وقع السؤال عنها.

و أمّا قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك فليس بشي ء) هل المراد منه بيان القاعدة الكلية أيضا لما إذا تعلق الشك بنفس وجود الشي ء و عدمه، أو يعم هذه الصورة و ما إذا كان الشّك في صحة الشي ء و عدمه بعد مفروغية وجوده.

قد يقال: بالتعميم نظرا إلى أن ظاهر قوله عليه السّلام (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) يدلّ على أنّه بعد الخروج من الشي ء و الدخول في الغير لا يكون الشك مورد الاعتناء، سواء كان بعد الخروج و الدخول في الغير شاكا في أصل وجوده و عدمه، أو كان شاكّا في صحته و فساده، فظاهر هذه الفقرة التعميم (إن لم نقل بكون الشّك في الصحة و الفساد متيقنها، أو هو موردها بالخصوص من باب أنّ فرض الخروج من الشي ء يصح في ما إذا أتى به و خرج منه، فلا بدّ من أن يكون الفرض خروجا عن نفس الشي ء مسلما، و يكون الشّك في صحة ما خرج

______________________________

(1)- الرواية 1

من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 101

منه و فساده).

و لكن لا يبعد ظهور هذه الفقرة أيضا في خصوص الشّك في الوجود بقرينة المذكورات في الصدر، فإنّه بعد كون الظاهر من الموارد المذكورة فرض الشّك في أصل وجودها يكون الامام عليه السّلام في بيان قاعدة كلية، و القدر المتيقن من هذه القاعدة ما إذا كان الشّك في أصل الوجود.

و لكن لو قلنا: باختصاص الفقرة الأخيرة من الرواية بما إذا كان المشكوك أصل وجود جزء و عدمه فمع ذلك نقول: بعدم الاعتناء بالشّك في صحة جزء و فساده إذا خرج منه و دخل في الغير من باب الأولوية، لأنّه بعد ما كان الشّك في أصل الوجود ممّا لا يعتنى به عند الشارع، فالشك في صحته و فساده لا يعتنى به بطريق الأولى عند الشارع أيضا، و أمّا الكلام في اعتبار الدخول في الغير في عدم الاعتناء بالشّك و عدم اعتباره فيأتى الكلام فيه بعد ذلك إنشاء اللّه. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها فضالة عن حماد بن عثمان

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد، فلا أدرى ركعت أم لا، قال: امض). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها صفوان عن حماد بن عثمان

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا، فقال: قد

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ الشّك في الصحة و الفساد ليس إلّا من باب الشّك في إتيان ما اشترط وجوده أو عدمه، فيكون الشّك في الشي ء مثلا إذا شك في صحة القراءة لأجل الشّك في أنّه جهر بها في محل الجهر أم لا، فهو شاك في هذا الشرط، فهو إذا شك فيصح أن يقال: بأنّه خرج منه أى: عن محله و شك فيه فبهذا الاعتبار تشمل الرواية الشّك في الصحة. (المقرر)

(2)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 102

ركعت أمضه). «1»

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة، و على كل حال تدلّان على المضى و عدم الاعتناء بالشّك في خصوص الركوع بعد ما شك فيه في السجود.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم

عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال: يمضي في صلاته). «2»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها أيضا العلاء عن محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السّلام (في رجل شك بعد ما سجد أنّه ركع، قال: يمضى في صلاته حتّى يستيقن الحديث (و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة و إن كان المروي عنه في واحدة منهما ابي جعفر عليه السّلام و في الاخرى أبي عبد اللّه عليه السّلام). «3»

و تدلان على اعتبار قاعدة التجاوز في الركوع، و مورد الشّك بعد ما سجد.

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع، قال: قد ركع). «4»

و نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه رواية اخرى عن عبد الرحمن، و هي ما يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 103

أن يستوي جالسا، فلم يدرأ سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما، فلم يدرأ سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد). «1»

و لكن اعلم أنّهما رواية واحدة، لأنّ الراوى في كل منهما هو احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فهما رواية واحدة.

الرواية السابعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن جابر

(قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه). «2»

ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 15 من أبواب السجود أيضا، و هي رواية 4 و تدلّ الرواية على عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز محله.

و الكلام في أنّها قاعدة في خصوص الصّلاة أو مطلقا، و في أنّها مختصة في أصل الوجود أو يعم الشّك في الصحة و الفساد، و في أنّ موردها بعد التجاوز عما

شك فيه أو يعتبر الدخول في الغير، و في أنّ الغير الّذي يعتبر الدخول فيه على تقدير اعتباره هل هو مطلق الغير أو ما يكون من سنخ المشكوك، بمعنى أن يكون جزء من الأجزاء، يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- أقول: و هذه الرواية كالرواية الاولى في الدلالة على قاعدة التجاوز، و يشمل الشّك في الوجود و في الصحة من جهة الشّك في وجود الشرط). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 104

الرواية الثامنة: و هي ما رواها العلاء عن محمد

عن أحدهما عليهما السّلام (في الّذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: إذا استيقن أنّه لم يكبر فليعد، و لكن كيف يستيقن). «1»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 105

[الأمر السادس في] قاعدة الفراغ
اشارة

و أمّا القاعدة الفراغ- و هي الأمر السادس من الامور الّتي يبحث عنها في المقصد الأوّل- فتدل عليها روايات:

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]
الرواية الأولى: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(في الرجل شك بعد ما ينصرف من صلاته، قال: فقال: لا يعيد و لا شي ء عليه). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد). «2»

تدلّان على عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ في خصوص الصّلاة، و لا تستفاد منها قاعدة كلية تشتمل غير الصّلاة كالصّلاة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

أنّه (قال:

إذا شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا، و كان يقينه حين انصرف

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 106

أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصّلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها ابن بكير
اشارة

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كلما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو). «2»

و مفادها قاعدة الفراغ لأنّ الفرض كون الشّك في الصحة لا في الوجود حتى يقال: إنّه مفاد قاعدة التجاوز لأنّه عليه السّلام قال (كلما شككت فيه ممّا قد مضى) و المضىّ لا يصدق إن كان الشّك في الوجود لأنّه مع مضيه منه يكون أصل الوجود مفروغا عنه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل كون مورد الرواية قاعدة التجاوز إن لم يكن ظاهرها، لأنّ المضى يكون باعتبار المضىّ عن المحل، كما قلنا في الرواية الاولى من الروايات المتمسك بها لقاعدة التجاوز، فإنّ قوله عليه السّلام فيها (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) قلنا بأنّ المراد هو الخروج عن المحلّ بقرينة الموارد المذكورة في الرواية، أو كما يجي ء بعدا إنشاء اللّه لا حاجة إلى تقدير المحل مع كون المراد الشّك في الوجود، و قوله عليه السّلام في هذه الرواية (كما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه) يكون مثله في الظهور في المضىّ عن المحل، فالرواية لو لم تكن ظاهرة في قاعدة التجاوز، ليست ظاهرة في قاعدة الفراغ.

نعم

يمكن أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام في ذيل الرواية الاولى أعنى: رواية زرارة (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) و كذا قول المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية (ممّا قد مضى) في حدّ ذاته هو الخروج و التجاوز عن نفس الشي ء، فيكون الشّك في الصحة و يكون مفادهما قاعدة الفراغ، لكن في الرواية الاولى نضطر إلى حمل (خرجت) على الخروج عن المحلّ باعتبار ذكر الموارد الّتي لا يناسب إلّا مع الشّك في نفس الوجود، فيتصرف في الذيل بقرينة الصدر.

و أمّا في هذه الرواية لا بد من حفظ الظهور لعدم مانع فيه، فتكون هذه الرواية دليلا على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 107

[يستفاد من رواية ابن بكير قاعدة كليّة غير مختصة بالصّلاة]

و يستفاد من هذه الرواية قاعدة كلية، و هي أنّه بعد الفراغ عن كل عمل مركب أو بسيط لا يعتنى بالشك، سواء كان منشأ الشّك فيه الشّك في إتيان أجزاء المركب أو في صحتها، فعلى هذا لا اختصاص للقاعدة بخصوص الصّلاة.

لكن روى ابن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام رواية اخرى الدالّة على اختصاص هذه القاعدة بخصوص الطهارة و الصّلاة، و هي ما نذكرها بعنوان الرواية.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها ابن بكير عن محمد بن مسلم

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا، فامضه و لا اعادة عليك فيه). «1»

و يحتمل كونهما رواية واحدة و إن كان المروي عنه فيهما مختلفا، لأنّ المروي عنه في واحدة منهما أبو جعفر عليه السّلام و في الآخرة أبو عبد اللّه عليه السّلام مع إمكان كون هذا الاختلاف بين النقلين عن اشتباه بعض الوسائط في نقل الرواية، فبعد هذا الاحتمال

______________________________

قاعدة الفراغ.

لكن بعد ما يأتى بالنظر عند التكلم في لزوم تقدير المحلّ و عدمه، أنّه لا حاجة إلى تقدير المحل أصلا، لأنّ المراد من التجاوز عن الشي ء إمّا يكون التجاوز عنه واقعا فإن كان هذا فلا معنى للشك، لأنّه قد تجاوز عن الشي ء واقعا فلا معنى للشك في وجوده، فلا بدّ من أن يكون المراد التجاوز عن الشي ء بحسب اعتقاده، لأنّه من يكون في مقام إتيان شي ء و ينتقل عنه و يدخل في غيره، ليس معنى خروجه عنه إلّا خروجه بحسب اعتقاده، فعلى هذا نقول في كل من القاعدتين، سواء كانتا قاعدتين أو قاعدة واحدة: بأنّ التجاوز عن الشي ء، لكن بحسب الاعتقاد، فعلى هذا لا إشكال في حمل كل من الروايتين على قاعدة التجاوز. (المقرر)

(1)-

الرواية 6 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 108

لا يمكن الاعتماد على وجود رواية دالّة على كون قاعدة الفراغ قاعدة كلية في كل عمل فرغ منه الشخص.

و على كل حال دلالة هذه الرواية على قاعدة الفراغ في الجملة واضحة بناء على كون (من) في قوله عليه السّلام (من صلاتك الخ) بيانية لا تبعيضية، و لا يبعد كونها بيانية.

و هل يكون مورد الرواية صورة الشّك أو يكون صورة النسيان بقرينة قوله عليه السّلام (فذكرته تذكرا) فعلى الأوّل يشمل ما إذا شك بعد الفراغ في صحته و فساده، و على الثاني يتذكر نسيان بعض ما يعتبر في العمل بعد الفراغ، لا يبعد كون موردها الأوّل.

الرواية السادسة: و هي ما رواها زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذرا عيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّه لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه، و قد صرت في حال اخرى في الصّلاة أو غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوئه، لا شي ء عليك فيه (الحديث). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، و جريان قاعدة الفراغ فيه.

الرواية السابعة: و هى ما رواها عبد اللّه بن أبي يعفور
اشارة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 109

(قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه). «1»

و هذه الرواية تدلّ على قاعدة الفراغ إن قلنا بأنّ ضمير في (غيره) يرجع إلى الوضوء لا إلى (شي ء) لأنّه إن كان يرجع إلى (شي ء) يكون المراد كون الشّك في شي ء من أجزاء الوضوء لا في نفس الوضوء، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به لعدم إجراء قاعدة التجاوز في أفعال الوضوء.

و أمّا لو كان ضمير في (غيره) راجعا إلى نفس الوضوء كما لا يبعد ذلك تكون مفاد الرواية أنّه إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غير الوضوء يعنى:

كان الشّك بعد الفراغ من الوضوء، و شككت في صحته بأن شككت في إتيان جزئه الفلانى و عدمه فليس شكك بشي ء، فتكون الرواية من جملة أدلة قاعدة الفراغ و اعتبارها في الوضوء. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من

ابواب الوضوء من الوسائل.

(2)- أقول: بعد كون الرواية ذا احتمالين و على الاحتمال الأوّل بعد كون دلالة الرواية السابقة عليها نصّا في عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فلا بدّ من تخصيص عموم ذيل هذه الرواية في باب الشّك في أجزاء الوضوء بالرواية السابقة و تخصيص عمومها في خصوص المورد مستهجن، و لا يكون عرفيا، لأنّه على هذا الاحتمال صدر هذه الرواية يكون دالا على عدم اعتبار الشّك بعد التجاوز في الوضوء، فتخصيص عموم الذيل بباب الوضوء بقرينة الأدلة السابقة مستهجن، بل غير ممكن، لأنّ عموم الذيل على هذا الاحتمال نص في اعتبار قاعدة التجاوز في باب الوضوء، فكيف يمكن تخصيص عموم ذيل هذه الرواية بالرواية السابقة، فيقع بينهما التعارض، و حيث إنّ هذه الرواية ذو احتمالين و يكون مجملا يؤخذ بالرواية السابقة، و النتيجة عدم حجية قاعدة التجاوز في باب الوضوء، و يكون نتيجة إجمال هذه الرواية عدم صحة التمسك

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 110

[المستفاد من الرواية السابعة كون الشك في الموضعين]

ثمّ إنّه نقول: يستفاد من هذه الرواية امر آخر و هو أنّ الدخول في غير ليس غير التجاوز من المشكوك كما ربما يحتمل ذلك، لأنّ الظاهر من الرواية كون الشّك في شي ء في موضعين:

الموضع الاول: ما إذا كان الشّك فيه و دخل في غيره،

الموضع الثاني: كون الشّك فيه قبل التجاوز عنه، فبعد كون المراد من الذيل هو المورد الّذي لم يتجاوز عن المشكوك، و المراد من صدرها ما إذا تجاوز عن المشكوك، غاية الأمر يتحقّق التجاوز بالدخول في الغير، فلم يكن الدخول في الغير امرا آخر ما وراء التجاوز عن المشكوك و هو عين التجاوز.

______________________________

بها لا لقاعدة التجاوز و لا لقاعدة الفراغ.

إن قلت: يمكن الجمع بين الروايتين بتخصيص هذه

الرواية بالرواية السابقة، بناء على كونها ظاهرة في قاعدة التجاوز مع الرواية السابقة الّتي نصّ في عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، و حجية قاعدة الفراغ فيه، لأنّ مقتضى هذه الرواية على احتمال كون مفادها قاعدة التجاوز هو عدم اعتناء بالشّك بعد التجاوز عنه، و حيث إنّ الشّك تارة يمكن أن يحدث في أثناء الوضوء، و تارة يمكن أن يحدث بعد الفراغ عن الوضوء، و إطلاقه يشمل كلا من الصورتين تخصيصها بصورة عروض الشّك في الأثناء بالرواية السابقة، فتكون النتيجة أنّ الشّك في الجزء إن حدث قبل إتمام الوضوء يعتنى به، و إن حدث بعد الفراغ لا يعتنى به.

قلت: لو فرض إمكان تخصيص صدر هذه الرواية و هو قوله عليه السّلام (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شككت بشي ء) لكن ما يصنع بقوله (إنّما الشّك إذا كنت في شي ء لم تجزه) فلو حمل على قاعدة التجاوز يقتضي مفهومه عدم اعتبار كل شك تجاوز عنه و إن كان بالدخول في الجزء البعد حتى تمام العمل، فالذيل يعارض مع الصدر، فلا بدّ إما عن الالتزام باجمال الرواية، أو بكونها متعرضة لقاعدة الفراغ، أو يقال: بأنّ الصدر فرضا صار مجملا، و لكن لا مانع من الأخذ بمفهوم الذيل و هو يساعد مع قاعدة التجاوز. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 111

الرواية الثامنة: و هي ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم:

(قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة، قال: يمضى على صلاته و لا يعيد). «1»

و اعلم أنّه سقطت الواسطة بين ابن أبي عمير و محمد بن مسلم في سند الرواية لأنّه لا يمكن أن يروى بحسب الطبقة ابن أبي عمير عن محمد بن

مسلم بلا واسطة.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها بكير بن أعين

(قال: قلت له عليه السّلام: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك). «2»

هذا كله الروايات الواردة في الباب، إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه تارة يقع الكلام في أنّه من يكون بنائه إتيان مركب ذى الأجزاء و الشرائط، أو أمر بسيط غير مركب و قد فرغ منه يشكّ في أنّه أتى به على وجه الصحة أم لا، و بعبارة اخرى إنّ الشخص، بعد ما يزعم أنّه أتى بالمأمور به، يشكّ بعد فراغه عنه في صحة ما أتى به و فساده من باب شكه في أنّه أتى بجزئه أو شرطه الفلاني أم لا.

و بعبارة ثالثة بعد ما يأتي المكلف بالمأمور به و يفرغ عنه و يزعم فعل المأمور به كما هو، يشكّ بعد الفراغ في أنّه هل أتى به صحيحا و موافقا للواقع أم لا، فيكون شكه في صحة ما أتى به و عدمها بعد الفراغ عن وجوده و إن كان شكه هذا مسببا عن الشك في إتيان ما يعتبر فيه وجودا أو عدما و عدم إتيانه، ففي هذا الفرض يكون أصل وجود الشي ء مفروضا، و إنّما يكون الشّك في صحة ما وجد و فساده.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 112

و تارة يقع الكلام في أصل وجود الشي ء و عدمه، فإمّا يكون في محلّه فلا بدّ من إتيانه، و إمّا يكون بعد تجاوزه عن محله، فالشخص، بعد تجاوزه عن المحل المقتضى لاتيان الشي ء في هذا المحل، يشكّ في أنّه هل أتى به أم لا، ففي هذا الفرض لا يكون

الشك في صحة المأتى به و فساده، بل يكون الشّك في أصل الوجود و اتيانه و عدمه بعد التجاوز، و المراد بالتجاوز عن المشكوك ليس التجاوز عن نفسه، لأنّه في الفرض نفس الشي ء يكون مشكوك الوجود، بل المراد التجاوز عن محلّه.

[في أنّ الكلام يقع في مقامين]

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ الكلام يمكن أن يقع في المقامين:

المقام الاول: في ما إذا كان الشّك في صحة المأتي به و فساده بعد الفراغ عنه.

و المقام الثاني: في ما إذا كان الشّك في أصل وجود الشي ء و إتيانه و عدمه بعد تجاوز الشخص عن محلّ المشكوك.

فلا بدّ لنا من فهم أنّ أيّ رواية من الأخبار المذكورة متعرضة لحكم المورد الاوّل، و أيّ رواية منها متعرضة لحكم المورد الثاني، فنقول بعونه تعالى: إنّ الروايات المتعرضة لحكم قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ تبلغ سبع عشرة رواية.

ثمّ اعلم أنّ بعض الروايات المتقدمة الواردة في الشّك بعد التجاوز يدلّ على المضىّ و عدم الاعتناء في موارد خاصة مثل الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة و الثامنة، و بعضا منها تدلّ على هذا الحكم و غير مختص بمورد خاص من أجزاء الصّلاة مثل الرواية السابعة حيث قال عليه السّلام فيها (كل شي ء شك فيه و قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه) و مثل الرواية الاولى من الروايات المتقدمة في طى أخبار قاعدة التجاوز فإنه فيها قال (يا زرارة إذا خرجت من شي ء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 113

ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء).

نعم يمكن النزاع في أنّ المستفاد منهما هل هو وجوب المضى في خصوص الصّلاة أو تعمان غيرها من المركبات، و كذلك هل يستفاد منهما وجوب المضى و عدم الاعتناء

في خصوص ما إذا كان الشّك في أصل الوجود أو يعمان لما إذا كان الشك في صحة ما تجاوز عنه بعد الفراغ عن وجوده حتّى لا يكون المراد من (غيره) في كلامه عليه السّلام خصوص الجزء المرتب على الجزء المشكوك و كان أعمّ منه، هذا بالنسبة إلى الروايات المتعرضة لقاعدة التجاوز.

[الكلام فى الروايات الدالة على قاعدة الفراغ و كون الشك في صحّة المأتي به]

و أمّا الروايات الواردة في قاعدة الفراغ المتعرضة لحكم الشّك بعد الفراغ عن العمل المركب الّذي فعله لترتب أثر عليه كامتثال الأمر المتعلّق به، و كونه معتقدا عند الفراغ بواجدية العمل لذلك، سواء كان الشّك في إخلاله بجزء أو شرط أو غيرهما ممّا يعتبر فيه، فيرجع الشّك فيه إلى الشّك في صحة العمل المأتي به و تماميته، فقد ذكرنا رواياته الواردة بعضها في باب الصّلاة مثل الرواية الخامسة، و بعضها في باب الوضوء مثل الرواية الثامنة و التاسعة، و كذا السادسة بناء على إرجاع ضمير في (غيره) إلى الوضوء لا إلى (شي ء) كما لا يبعد ذلك بقرينة قوله عليه السّلام في ذيلها (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) لظهور هذه الفقرة في أنّ الشّك الّذي يعتنى به هو الشّك الّذي وقع في شي ء لم تجزه أى: في العمل الّذي لم تفرغ منه على أن يكون ظرف الشّك العمل الّذي لم تفرغ منه، و لو لم تسلم ذلك تصير الرواية مجملة.

فعلى احتمال تكون متكفلا لحكم قاعدة التجاوز، و هي على هذا غير معمول بها لعدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، و على احتمال تكون متكلفة لحكم قاعدة الفراغ، و على فرض كون الرواية في مقام بيان قاعدة التجاوز نقول: حيث إنّ العرف

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 114

لا يرى فرقا بين الوضوء و الصّلاة تدلّ

الرواية على اعتبار قاعدة التجاوز في الصّلاة، و أمّا في الوضوء فغير معلوم لعدم اعتبارها فيه كما عرفت، و تدلّ الرواية على قاعدة الفراغ بالأولوية. «1»

و بعض رواياتها وارد في الصّلاة مثل الاولى و الثانية و الثالثة من الروايات التي ذكرناها في جملة أخبار قاعدة الفراغ، و بعضها في الصّلاة و غيرها مثل الرواية الرابعة (إن كان غير الرواية الخامسة الدالّة على خصوص الصّلاة و الطهور كما ذكرنا احتماله سابقا) هذا حال الروايات، و قد عرفت دلالة بعضها على خصوص قاعدة التجاوز، و بعضها على قاعدة التجاوز، و الفراغ على احتمال و بعضها على خصوص قاعدة الفراغ.

[هل يكون جامع بين الشكين المذكورين او لا؟]

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّه هل يكون جامع بين الشكين المذكورين بحسب مقام الثبوت و الاثبات، و دلالة الأدلة على أن يكون الحكم بالمضى و عدم الاعتناء فيهما بملاحظة هذا الجامع حتّى يكون موضوع الحكم هذا الجامع، فلا تكون هاتان القاعدتان قاعدتين مستقلتين كل واحد منهما في قبال الاخرى، أو لا يكون كذلك، بل لا يكون جامع بينهما و يكون لخصوصيات الشكين دخل في ثبوت الحكم لهما، و تكونان قاعدتين مستقلتين بحسب مقام الاثبات.

[هل تشمل رواية إسماعيل بن جابر لغير الصّلاة]

فنقول بعونه تعالى: بأنّ الروايات الدالة على حكم الشّك في الأثناء بعد دخول المصلّي في غيره بعضها خاصة لدلالته على الشّك في الركوع أو السجود بعد التجاوز، و بعضها مطلق مثل الرواية السابقة من الروايات المذكورة، و هي رواية

______________________________

(1)- أقول: اما أفاده أخيرا في فرض كون الرواية متعرضة لقاعدة التجاوز محل تأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 115

إسماعيل بن جابر فإنّ قوله عليه السّلام (كل شي ء الخ) يشمل الركوع و السجود و غيرهما من أجزاء الصّلاة، و هل تشمل بإطلاقها غير الصّلاة إذا شك الآتي به في شي ء من أجزائه بعد تجاوزه عن محلّه أم لا؟ و هكذا هل تشمل الشّك بعد الفراغ بإطلاقه أم لا؟

الاظهر الثاني لأنّ ضمير قوله (شك) في قوله (كل شي ء شك فيه) يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير قوله (إن شك في الركوع و إن شك في السجود) و هو المصلّي كما هو الظاهر، و لو لم نسلم ذلك فهو مردد بين المصلّي و غيره، فأيضا لا يتم الاستدلال بظاهر الروايات على شمولها لغير الصّلاة.

و أمّا الرواية الاولى من الروايات المتقدمة في طى أخبار قاعدة التجاوز، و هي رواية زرارة فإنّ قوله (إذا خرجت

من شي ء) مطلق يشمل غير الموارد المذكورة في صدر الرواية من الأجزاء، كما أنّه يشمل غير الصّلاة من المركّبات، و أمّا الشمول للشك بعد الفراغ عن العمل، فإن كان الشّك في الصحة راجعا إلى الشّك في وجود جزء غير السلام، فيشمله هذه الرواية، لا لأنّ هذا الشّك شك في صحة المأتى به بعد الفراغ مع الاعتقاد بتماميته حين الفراغ، بل لأنّه شك في الجزء بعد الدخول في غيره، و أمّا إن كان الشّك من جهة وجود شرط أو طروّ مانع أو قاطع فالظاهر عدم شموله له. «1»

و أمّا الأخبار الدالة على الشّك بعد الفراغ فهي متعرضة لخصوص حكم ما إذا كان الشّك في صحة الصّلاة و الطهور أو غيرهما بناء على إطلاق لها يشمل غير

______________________________

(1)- أقول: و قد بينا في طى الرواية الاولى بأنّ الشّك في وجود الشرط يكون الشّك في وجود الشي ء، نعم لا يمكن دعوى شموله لما إذا كان الشّك في الصحة لاجل الشّك في المانع أو القاطع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 116

الصّلاة و الطهور بعد الفراغ عنه، فلا يستفاد منها جامع يكون هذا الجامع موجودا في مورد قاعدة التجاوز.

[لا يستفاد من الأخبار وجود جامع بين الشكين]

فقد ظهر لك ممّا مرّ عدم إمكان استفادة جامع بين أخبار باب التجاوز و باب الشك بعد الفراغ حتّى يقال: باتحاد القاعدتين من هذا الحيث، بل الروايات الواردة في حكم كل من القاعدتين تكلفت لحكم مورد غير المورد الآخر.

و هل يمكن أن يقال: باتحاد القاعدتين من باب دعوى كون حكم كل من الموردين من باب وجود ملاك واحد أوجب الحكم بعدم الاعتناء أم لا، فلو فرض عدم جامع بينهما من باب كون مورد أدلة إحدى القاعدتين الشّك في الوجود، و في

الاخرى الشّك في الصحة، هل يمكن أن يقال: بأنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في وجود الشي ء بعد تجاوز محله، و بالشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل كما هو مفاد الأخبار يكون من باب ملاك موجود في كل من الموردين أم لا؟

اعلم أنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ من الطهارة أو من يكون من باب أمر لم يكن هذا في قاعدة التجاوز، و هو أنّه كما أنّ أفعال المسلمين تحمل على الصحة، و به حكم الشرع و العقل، و منشأ ذلك هو أنّ حفظ النظام موقوف على ذلك، لأنّه لو لم يحمل فعلهم على الصحيح لاختل أمر نظام الناس، و يوجب العسر و الحرج الشديد، مثلا لو لم تكن صلاة الشخص محمولة على الصحة مع الشك في صحّتها و فسادها، فلا يمكن الاقتداء رأسا بامام لأنّه لا يمكن إحراز صحة صلاة إمام بالقطع حتّى يجوز الاقتداء به، فلا بدّ إمّا من عدم حصول موضوع الجماعة خارجا و إمّا من الاكتفاء بأصالة الصحة في فعل المسلم، و ليس المراد حمل فعل المسلم على الصحة عنده، لأنّه لو كان هذا لا يكفي أيضا لترتيب الأثر على فعله للغير، بل معناه حمل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 117

فعله على الصحيح الواقعى، و كما أنّه لو لم يحمل فعل الغير على الصحيح، و لا تجرى أصالة الصحة في فعل الغير لاختل النظام، كذلك لو لم تجر أصالة الصحة في فعل الشخص نفسه أيضا يوجب العسر و الحرج و اختلال النظام.

و بعبارة اخرى من يعمل أعمالا لترتب آثار، ثمّ بعد الفراغ منها يشكّ في صحتها و فسادها و لا يكون له قاعدة الفراغ، و أنّه لا يعتنى بهذا الشّك

لاختل أمره و يقع في عسر و حرج شديد، لأنّه قل فعل يصدر من الشخص تكون صحته بعد الفراغ محرزا عند الفاعل بالقطع، فلو كان البناء على الاعتناء بالشّك بعد الفراغ لكان اللازم الاشتغال في ساعاته، و أيامه باتيان ما وجب عليه من المركبات و الأفعال لعدم القطع بصحتها، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فما هو ملاك قاعدة الفراغ هو ما قلنا، و لهذا يمكن أن يقال: باعتبار قاعدة الفراغ في جميع الأفعال المركبة من الأجزاء شك في صحتها بعد الفراغ عنها إذا كان منشأ الشّك فيها الشّك في إتيان ما اعتبر فيها و عدمه كما يظهر ذلك من الرواية الرابعة من الروايات المذكورة في ضمن أخبار القاعدة الفراغ، هذا ما يمكن أن يكون ملاك عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ.

[ليس الملاك في قاعدة التجاوز و الفراغ واحدا]

و هذا الملاك لم يكن موجودا في الشّك بعد تجاوز محله، لأنّه لا يكون الحكم بعدم الاعتناء في هذا الشّك من باب كون الاعتناء بالشّك موجبا للعسر و الحرج، و اختلال النظام، و مع هذا لا تجرى قاعدة التجاوز في غير الصّلاة من الوضوء و غيره، كما يظهر ذلك من الرواية السادسة من الروايات المتمسّك بها على قاعدة الفراغ الّتي رواها زرارة، لأنّها تدلّ على عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فعلى هذا يستفاد عدم وجود ملاك واحد في القاعدتين و إن حكم في كل منهما بعدم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 118

الاعتناء بالشك، بل هما قاعدتان مستقلتان. «1»

إذا عرفت ما بينا لك من كون قاعدة التجاوز غير قاعدة الفراغ موردا، و عدم كونهما متحدتين ملاكا، لا بد من عطف عنان الكلام إلى خصوص كل من القاعدتين و ما يتفرع عليهما، فنقول بعونه

تعالى: يقع الكلام في المقامين:

[في قاعدة التجاوز]
اشارة

المقام الأوّل: في قاعدة التجاوز، و قد عرفت كون موردها ما إذا خرج الشخص من محلّ جزء، ثمّ دخل في غيره فشك في أنّه أتى بما جاوز عن محله أم لا، فيكون الشّك في الوجود فيقع الكلام في امور:

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بكونهما واحدة لكون موردهما واحدا و هو الشّك في وجود الشي ء بعد التجاوز عنه أمّا فى مورد قاعدة التجاوز فواضح لكون الشّك في الوجود.

و أمّا في مورد قاعدة الفراغ ففيها و إن كان الشّك في الصحة، لكن حيث يكون الشّك في الصحة مسببا عن الشّك في وجود الجزء أو الشرط للصّلاة، أو شرط الجزء من أجزاء و عدمه، يكون الحكم بعدم الاعتناء في مورد الشّك في الوجود أيضا.

ففي كل من القاعدتين يكون الشّك في وجود الشي ء و عدمه، فحكم بعدم الاعتناء في موردهما، و إن أبيت عن شمول أخبار التجاوز للشك في صحة الجزء و عدمها، و كذلك إن أبيت عن شمول أخبار قاعدة الفراغ لشمولها لما إذا كان منشأ الشّك الشك في صحة جزء من أجزاء المركب نقول بشمول الطائفتين من الأخبار لهما بالأولوية القطعية فعلى هذا تكونان قاعدة واحدة.

نعم يبقى إشكال و هو أنّه على هذا لا بد من القول باعتبار قاعدة التجاوز في غير باب الصّلاة لعموم بعض أخبارها مضافا إلى أنّه على ما قلت يكون المنشأ الشّك في الوجود، فلا فرق بين و غيرها.

نقول في جواب هذا الاشكال: بأنّه نلتزم بشمولها لغير الصّلاة، لكن لم نقل باعتبارها في خصوص الوضوء لدلالة رواية زرارة، و هي السادسة من أخبار قاعدة الفراغ، على عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 119

[في ذكر أمور في الباب]
الأمر الأول: اعلم أنّ هذه القاعدة تختص بالصّلاة

، و لا تتعدى إلى

غيرها لأنّ بعض الأخبار يدلّ على عدم الاعتناء بهذا الشّك في بعض الموارد كالركوع و السجود، و بعضها و إن كان المذكور فيهما بيان قاعدة كلية مثل رواية زرارة و إسماعيل، لكن المستفاد من ذيلهما كون هذا الحكم في كل أجزاء الصّلاة حتّى ما لم يذكر في هاتين الروايتين، و أمّا غير أجزاء الصّلاة فلا، و قد دلّت رواية زرارة المتقدمة في أخبار قاعدة الفراغ عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فقدر المتيقن من محل اعتبار قاعدة التجاوز هو الصّلاة.

و أمّا ما ربما يتوهم شمولها لغير الصّلاة بقرينة رواية- زرارة لأنّ فيها عدّ من جملة ما لا يعتني بالشّك فيه مع التجاوز عنه الأذان و الاقامة لأنّهما ليسا من أجزاء الصّلاة، فهذا يدلّ على عدم اختصاص القاعدة بخصوص الصّلاة- ففاسد لأنّ الأذان و الإقامة أيضا يعدّ من أجزاء الصّلاة بنحو من العناية باعتبار كونهما من جملة مقدماتها المقارنة، و كأنهما مدخل الصّلاة، و من جملة تشريفات الدخول في الصّلاة، لهذا عدّهما من أجزاء الصّلاة فكونهما من صغريات القاعدة لا يوجب التعدي بغير الصّلاة.

الأمر الثاني: يستفاد من روايات الباب عدم الاعتناء بالشّك في ما تجاوز عن الشي ء
اشارة

و دخل في الغير لقوله عليه السّلام في رواية زرارة (يا زرارة إذا خرجت من شي ء دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء) و قال المعصوم عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر (كل شي ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه).

و المراد من قوله (إذا خرجت من شي ء) ليس الخروج عن نفس الشي ء إذ الخروج عن الشي ء لا يجتمع مع الشّك في الشي ء، لأنّه لو يعلم خروجه عن شي ء،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 120

فكيف يشكّ في وجود هذا الشي ء، فالمراد من الخروج عن الشي ء الخروج عن محلّ الشي ء

أى: المحل الّذي يقتضي ايجاد هذا الشي ء في هذا المحل، و يأتي منا وجه آخر في قوله (إذا خرجت من شي ء) و قوله (كل شي ء ممّا قد جاوزه) من أنّ المراد من التجاوز الخروج عن الشي ء بحسب الاعتقاد.

[المراد من الغير هل هو مطلق الغير]

و على كل حال يقع الكلام في الأمر الثاني في أنّه ما المراد من الغير الّذي إذا دخل فيه المصلّي فشككه ليس بشي ء، هل المراد من الغير المحقق للتجاوز أو أمر آخر معتبر في عدم الاعتناء بالشّك غير التجاوز عن المشكوك، هو خصوص الأجزاء المستقلة من الصّلاة كالتكبير، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهد، و لا يعم غيرها، فإذا شك في واحد منها مع الدخول في واحد آخر منها لا يعتني بالشك، أو يكون المراد من الغير كلّ ما يكون غير المشكوك و إن لم يكن من الأجزاء المستقلة، كأبعاض الأجزاء مثل بعض القراءة، بل مطلق الغير و إن لم يكن بجزء و لا جزء الجزء أصلا مثل مقدمات الأفعال كالهوى إلى السجود، و النهوض إلى القيام، فيعمّ الأجزاء المستقلة و غيرها من أبعاض الأجزاء، و مقدمات الأجزاء.

قد يقال: بأنّ الغير خصوص الأجزاء المستقلة كالركوع لأنّ بعض الروايات المربوطة بالباب لا يدل إلّا على عدم الاعتناء بالشّك في جزء بعد الدخول في جزء آخر، مثل ما إذا شك في الركوع و قد دخل في السجود، و أمّا بعضها المطلقة مثل ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر فأيضا لا دلالة لهما على أزيد من ذلك، لأن ذيلهما و إن كانت دالة على عدم الاعتناء بالشّك في الشي ء بعد التجاوز عنه و الدخول في الغير، و لم يقيد الغير بكونه من الأجزاء المستقلة إلّا أنّه بعد

كون الصدر من الخبرين المفروض فيهما هو الشّك في الشي ء مع الدخول في الغير الّذي هو جزء مستقل من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 121

أجزاء الصّلاة،

[في توضيح رواية زرارة و إسماعيل في ما نحن فيه]

فاطلاق الذيل يقتضي شمول الحكم لكل جزء مستقل من الصّلاة لأنّ كلّ ما فرض من الغير في رواية زرارة و إسماعيل بن جابر فهو جزء مستقل، مثل ما شك في الأذان و قد دخل في الاقامة، أو شك فيهما و قد دخل في التكبير، و هكذا، ثمّ بعد ذلك قال (إذا خرجت الخ) فصار المعصوم عليه السّلام في مقام ضابط كلي لعدم اختصاص هذا الحكم بخصوص المذكورات في السؤال، بل يعم كل مورد شك في جزء و قد دخل في غيره، و لكن بقرينة الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في المذكورات بعد الدخول يكون كل أمثلته من الأجزاء المستقلة، لا يبقى للذيل ظهور في غير الأجزاء المستقلة فقوله (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) لا يدلّ إلّا على أنّه إذا خرج من جزء و دخل في جزء آخر لا يعتنى بالشك، لا أنّه إذا خرج من شي ء و دخل في غيره سواء كان هذا الغير جزء مستقلا أو غير مستقل أو لم يكن جزء أصلا.

و هكذا رواية إسماعيل بن جابر لأنّ ذيلها و إن كانت في مقام إعطاء قاعدة كلية إلّا أنّه بقرينة ما في صدرها من الشّك في الركوع و قد دخل في السجود، لا يمكن الاستظهار من الغير الواقع في الذيل، من عدم الاعتناء بالشّك في شي ء إذا جاوز عنه و دخل في الغير، إلّا الغير الّذي يكون من الأجزاء المستقلة.

و قد يقال: بالتعميم في الغير لمطلق الغير سواء كان من الأجزاء المستقلة أم لا، و

سواء كان من الأفعال مثل جزء الجزء أم لا مثل الهوى إلى الركوع، أو السجود:

أمّا أوّلا فلما يظهر من إطلاق ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر لأنّ إطلاق الغير يشمل كل غير و لو لم يكن فعل من الأفعال، بل كان من مقدمات الأفعال، و مجرد عدّ بعض الأجزاء المستقلة في صدر الخبرين أفرادا للغير لا يوجب رفع اليد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 122

عن إطلاق الذيل.

و أمّا ثانيا فإنّ الرواية السادسة أعنى: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع) تدلّ على أنّ الغير يشمل كلّ ما يكون غير المشكوك و لو كان من مقدمات فعل اللاحق، لأنّه بمجرد الهوى إلى السجود حكم بعدم الاعتناء بالشّك في الركوع.

[عند القدماء كون الغير المحقّق للتجاوز هو الاجزاء المستقلة]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ المشهور عند القدماء كون المراد في الدخول في الغير المصحّح لعدم الاعتناء بالشّك خصوص الأجزاء المستقلة، و لم يعملوا بهذه الفقرة من رواية عبد الرحمن الدالة على أنّ الهوى إلى السجود من جملة الغير المصحّح لعدم الاعتناء بالشك، لا من باب الأخذ بفقرتيها الأخرتين الدالتين على أنّه لو رفع رأسه من السجود فشك فيه، أو نهض إلى القيام فشك فيه يجب عليه السجود و الاعتناء بالشك، بل ظاهرهم كون الغير مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن خصوص الأجزاء المستقلة.

فهل نقول: باختصاص الغير المحقق للتجاوز بالأجزاء المستقلة من باب أنّ الشهرة على هذا القول، أو نقول: بأنّ المراد مطلق الغير سواء كان من الأجزاء المستقلة أو غيرها؟

اعلم أنّه لو كنا نحن و روايات الباب مع قطع النظر عن الشهرة كان مقتضى القاعدة

شمول الغير لمطلق الغير، لأنّ الغير في قوله عليه السّلام في رواية زرارة (إذا خرجت من شي ء، ثمّ دخلت في غيره) و قوله عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر (كل شي ء ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه) مطلق الغير، لأنّ المستفاد من الفقرتين هو أنّ المصلّي- بعد كونه بحسب ارتكازه قاصدا لاتيان الأفعال مترتبا، و لا يوجب عدم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 123

العمل على ما ارتكزه إلّا الذهول و الغفلة، فلو وقع في موضع لا يقع فيه إلّا بعد إتيان الأفعال السابقة بحسب ارتكازه- لو شك في ما مضى من الأجزاء لا يعتني به، فمن في الجزء اللاحق، أو في بعض الجزء اللاحق ممّا هو مترتب على جزء جزء سابق أو دخل في ما لا يدخل فيه إلّا بعد إتيان الجزء السابق من المقدمات كما إذا هوى إلى الركوع فشك في القراءة لا يعتني بشكه.

فالظاهر من الفقرتين هو أنّ مجرد الدخول في الغير و التجاوز موجب لعدم الاعتناء بالشّك في إتيان الجزء السابق، و الغير مطلق فيعمّ كلّ ما يكون غيرا.

و مجرد ذكر الأجزاء المستقلة في مقام الدخول في الغير في الروايتين لا يوجب حصر الغير بها لأنّ ما ذكر في صدر رواية زرارة من كلام السائل، و مجرد حصر السؤال بالأجزاء المستقلة لا يوجب رفع اليد من إطلاق الذيل لأنّ السائل و إن سئل عن هذه الموارد إلّا أنّ جواب الامام عليه السّلام يكون عنها و عن غيرها بحسب إطلاق كلامه.

و أمّا في رواية إسماعيل بن جابر فهو و إن كان من كلام الامام عليه السّلام إلّا أنّه فرض موردا ثمّ بين قاعدة كلية، فلا يوجب حصر الغير بخصوص

ما ذكر في الصدر خصوصا مع إمكان كون فرض الشّك في الركوع و قد دخل في السجود في هذه الرواية من باب أنّ الشّك غالبا و نوعا يقع في السجود، لأنّه بمجرد رفع اليد عن الركوع و الهوى إلى السجود لا يحصل الشك.

[لا يمكن رفع اليد عن اطلاق ذيل الروايتين المتقدمتين]

فعلى هذا لا يمكن رفع اليد عن إطلاق ذيل الروايتين بتوهم أنّ المذكور من الغير في صدر الروايتين هو الأجزاء المستقلة.

(و أمّا التعبير ب (ثم) في رواية زرارة في قوله (ثمّ دخلت في غيره) فلا يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 124

مؤكدا لكون المراد من الغير خصوص الأجزاء المستقلة بدعوى دلالتها على التراخي، فليس الهوى إلى الركوع بعد القراءة أو إلى السجود بعد الركوع غيرا لعدم كونهما مؤخّرا عما قبله من الأجزاء المشكوكة فينقض بالقراءة بعد التكبير لأنّه ليست القراءة مؤخرة عن التكبير و الّا يحصل الفصل بينهما و الحال أنّ المذكور في الرواية كون الشّك في التكبير مع الدخول في القراءة من موارد التجاوز، و ليس الركوع مؤخرا عن القراءة حتّى يكون إطلاق (ثمّ) من باب تراخيه عنها، و كذا السجود عن الركوع، فمصحّح إطلاق (ثم) مجرد المباينة الذاتية بين السابق و اللاحق لا التراخي بحسب الزمان.

و أمّا رواية عبد الرحمن فنقول: نقل في الوسائل عنه روايتين يرويهما الشيخ رحمه اللّه في التهذيب.

الرواية الاولى: و هي هذه (و عنه عن أبي جعفر عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع). «1»

الرواية الثانية: و هي هذه (و عن سعد عن أحمد بن محمد

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر اسجد أم لم يسجد قال: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوى قائما فلم يدر اسجد أم لم يسجد، قال: يسجد). «2»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 125

و لا يبعد بحسب ما يأتي بالنظر عدم كونهما روايتين مستقلتين، بل هما رواية واحدة، لأنّ المروي عنه في كلتيهما أبو عبد اللّه عليه السّلام، و الراوى عنه واحد و هو عبد الرحمن، و الراوي عنه أيضا واحد و هو أبان بن عثمان، و الراوى عنه واحد و هو أحمد بن محمد بن أبي نصر، فهما رواية واحدة و إن عدّه الشّيخ رحمه اللّه في التهذيب روايتين و لكن لا يبعد كما قلنا كونهما رواية واحدة، و وقع التقطيع في الرواية من أحد الروات قبل الشّيخ رحمه اللّه.

[المشهور لم يعتنوا برواية عبد الرحمن و المتأخرون عملوا بها]

فبعد ذلك نقول: بأنّ المشهور لم يعتن بهذه الرواية، و قالوا باعتبار الدخول في الجزء المستقل في تحقق التجاوز، و قال بعض من المتأخرين بكفاية مطلق الغير و بالعمل برواية عبد الرحمن بالنسبة إلى الهوى إلى السجود، و أمّا الحكمين الآخرين المذكورين فيها من إتيان السجود لو شك فيه بعد رفع الرأس عنه و كذا قبل أن يستوى قائما، فهما و إن كانا على خلاف إطلاق رواية زرارة و إسماعيل بن جابر لكن نقول: بتقييد إطلاق روايتهما في هذين الموردين بالخصوص

برواية عبد الرحمن، و نقول بالاعتناء بالشّك لأجلها حتّى أن السيّد رحمه اللّه قال في العروة «1» الوثقى: لو نهض إلى القيام و شك في السجود نقول بوجوب السجود، و إن نهض إلى القيام قبل أن يستوى قائما لو شك في التشهّد لا يعتني بالشك، و الفارق بينهما النص، فإنّ رواية عبد الرحمن تدلّ على الاعتناء في خصوص الشّك في السجود، و إن كان هذا التفصيل مشكل لو عملنا بالرواية. «2»

______________________________

(1)- العروة، ج 1، ص 613- 614، مسأله 10.

(2)- أقول: إن أمكن العمل بالرواية فما قاله السيّد رحمه اللّه تمام، لأنّ خروج الموردين من الاطلاق تعبد خاص في موردهما، فلا وجه للتعدي إلى التشهد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 126

و لكن بعد عدم معلومية كون روايتي عبد الرحمن روايتين، و عدم بعد في كونهما رواية واحدة يقع التعارض بين صدرها و ذيلها، لأنّ صدرها تدلّ على كفاية الدخول في كل غير و إن كان الهوى في تحقق التجاوز، و الذيل على عدمها، و لكن المشهور أعرض عن الرواية فليست فيها مقتضى الحجية موجودا. «1»

اعلم بأنّ الكلام يقع تارة مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن، و تارة لا مع قطع النظر عنها أمّا مع قطع النظر عنها نقول: إنّ المستفاد من إطلاق الغير في ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر هو مطلق الغير و الشهرة في المقام على كون المراد من الغير خصوص الأجزاء المستقلة ليست بكاشفة عن وجود نصّ لم يبلغ بنا حتّى نعتنى بالشهرة، لأنّ هذه المسألة ليست من الاصول المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام تلقاها منهم يدا بيد، بل من الخصوصيات الطارية على هذه الاصول، فالشهرة ليست بحجة في المقام، فلا

بدّ أن نقول بمقتضى ما استظهرنا من إطلاق ذيل رواتي زرارة و إسماعيل الواردتين في بيان قاعدة كلية: بأنّ الغير المحقق للتجاوز في قاعدة التجاوز مطلق الغير، فيعم الجزء المستقل كالركوع و السجود، و أبعاض الأجزاء كآية من القراءة، و كل ما يقع بعد الجزء المشكوك و إن كان من مقدمات الجزء اللاحق كالهوى إلى الركوع و السجود، و النهوض إلى القيام بعد السجود و بعد

______________________________

(1)- أقول: بعد ما بلغ بحث سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى إلى هنا قلت بحضرته: إنّ هذه الشهرة ليس بشهرة قلت بكونها كاشفة عن وجود النصّ، بل كان منشأ فتوى المشهور استظهارهم من روايات الباب عدم كون محقّق التجاوز الدخول في كل غير، بل خصوص ما يكون جزء مستقلا، فاختيارهم كون الغير خصوص الأجزاء المستقلة استنباطهم و فهمهم من الروايات، و ليس فهمهم بنفسه حجة لنا، فاذا قلت ذلك تعرض لما قلت في اليوم اللاحق في مجلس البحث، و قبل الاشكال، ثمّ قال: اعلم بأنّ الكلام ... الخ. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 127

التشهد، هذا كله مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه.

[في توجيه رواية عبد الرحمن]

و أمّا روايته فيمكن توجيهها بحيث لا تنافي مع ما استظهرنا من الاطلاق من كون الغير أعمّ بأن يقال: إنّ الدخول في الغير و إن كان من مقدمات الأجزاء كالهوى إلى الركوع كاف في حقيقة التجاوز، لكن لا بدّ من كون هذا الفعل الواقع في ظرفه الشك من الأفعال الواقعة بعد المشكوك المختصة إيجادها بعد الجزء المشكوك، فإن كان من الامور المشتركة بين السابق على الجزء و لاحقه لا يكون محققا للتجاوز، لعدم معلومية دخول المصلّي في الغير و أنّه تجاوز عنه،

و من هذا القبيل ما إذا شك في السجود بعد رفع الرأس و في حال الجلوس فإنّ هذا الجلوس مشترك بين كونه الجلوس السابق على السجود، أعنى: الجلوس المحقق بعد الهوى إلى السجود يسجد عن جلوس، و بين كونه الجلوس المحقق بعد السجود، فهو في زمان يصير شاكا يكون شاكا في أنّه تجاوز عن السجود أو لا، و الغير المحقق للتجاوز مشكوك، لعدم معلومية كون الجلوس الواقع فيه الجلوس السابق على السجود أو الجلوس اللاحق به بعده.

و كذلك في النهوض إلى القيام، فهو و إن كان ناهضا إلى القيام و يشك قبل أن يستوي قائما في أنّه سجد أم لم يسجد، لكن في الآن الّذي يشكّ في الجلوس لا يدرى أنّ هذا الآن هو الآن الّذي لا بد أن يهوى إلى السجود أو الآن الّذي لا بد و أن ينهض إلى القيام من باب كونه شاكّا في أنّه هل سجد أم لم يسجد، فهذا الآن مشترك بين السابق على السجود و اللاحق عليه، فلم يتحقّق التجاوز حتّى يكون الشّك في شي ء بعد الخروج عنه و الدخول في غيره.

فبما قلنا يمكن أن يقال: بعدم كون الحكم في رواية عبد الرحمن بالسجود رفع رأسه و شك في السجود قبل أن يستوي قائما بعد النهوض إلى القيام، منافيا مع كون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 128

المراد من الغير أعمّ من الأجزاء المستقلة، لأنّه في الموردين المذكورين في هذه الرواية لم يكن الدخول في الغير الواقع بعد السجدة و هو الجلوس بعدها، و النهوض بعد القيام منها معلوما حتّى يقال: إنّه مع وجود الدخول فيهما محكوم بالاعتناء بالشك على طبق هذه الرواية، فيقال: إنّ هذا مناف مع كون المحقق

لعدم الاعتناء بالشك مطلق الغير. «1»

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بعد كون المفروض في رواية عبد الرحمن كون الشك في السجود بعد النهوض إلى القيام قبل أن يستوي قائما، فنقول: إنّ هذا حال غير مشترك بين الهوى و النهوض حتّى يقال: بأنّ المصلّي لم يتجاوز و لم يدخل في الغير، بل مفروض الكلام ما إذا شك بعد النهوض إلى القيام، فهذا الحال ظرف شكه، فهو في حال يكون هذا حالا و هيئة يقع بعد السجود، و يكون غير السجود، فدخل في الغير و شك، فتحقق ما هو موضوع الشّك بعد التجاوز، و ليس حال ينهض إلى القيام حالا مشتركا بين الهوى قبل السجود و بين النهوض بعده كما أفاده مد ظله.

ثمّ قال في مقام الجواب: بأنّا لم نقل: إنّ النهوض إلى القيام مشترك بين الهوى إلى السجود و النهوض إلى القيام بعده، بل نقول: بأنّ المصلّي في الآن الّذي يكون من جملة الآنات الّتي يتحقق في ظرفها النهوض و يحصل له الشّك في هذا الآن لا يدرى أنّ هذا الآن هل هو الآن الّذي قبل السجود و لا بدّ من أن يقع مقدمة للسجود، أو هو الآن بعد السجود الّذي لا بد و أن يقع مقدمة للقيام بعد السجود، لأنّ شكه في أنّه سجد أم لا يصير سببا لأن لا يعلم أنّ هذا الآن من الآنات التي تكون مقدمة للسجود، أو من الآنات الّتي تكون مقدمة للقيام بعده، فهو لأجل عدم علمه بذلك لم يتحقّق له التجاوز عن السجود حتّى يقال: لا يعتني بشكه في السجود، في هذا الحال من باب قاعدة التجاوز، لعدم كون الغير المحقق للتجاوز محققا عنده.

و لكن فيه

أنّه إن قلنا بلزوم ذلك في صدق التجاوز بمعنى: أنّه ما لم يكن ما دخل فيه ممّا يعلم كونه بعد المشكوك و من الأفعال الواقعة بعده المختصة بوقوعها بعد المشكوك و أنّ الحكم بالاعتناء في الشّك في السجود بعد النهوض إلى القيام في رواية عبد الرحمن يكون من أجل

هذا، فلم حكم المعصوم عليه السّلام في روايتها الاخرى- على تقدير عدم كونهما رواية مستقلة أو صدر هذه الرواية على تقدير كون روايتيه رواية واحدة- بأنّه لو هوى إلى السجود فشك في الركوع لا يعتني به، مع كون الآن الّذي يشكّ فيه حال الهوى على ما أفاده مشتركا بين كون هذا الآن من الآنات الّتي تكون مقدمة للركوع، أو من الآنات الّتي تكون مقدمة، للسجود فإن كان الميزان في الغير المحقق للتجاوز هو الغير المختص بما بعد المشكوك، فكان اللازم أن يحكم المعصوم عليه السّلام فيما شك في الركوع و قد أهوى إلى السجود بالاعتناء بالشك، لا بعدم الاعتناء.

و مع قطع النظر عن صدر الرواية إن كان المعتبر الدخول في الغير المعلوم كونه الغير المختص بما بعد المشكوك كما أفاده، فلا بدّ و أن يلتزم في الشّك في الركوع حال الهوى إلى السجود قبل الوصول بحد الركوع بالاعتناء بالشك، لأنّ هذا الهوى مشترك بين الهوى للركوع و بين الهوى للسجود، هذا كله ما يرد عليه نقضا.

و أمّا حلا فكما يأتى إنشاء اللّه منه دام ظله عند التعرض لكلام الشّيخ أنصاري رحمه اللّه، لا بد أن يكون الدخول في الغير بحسب اعتقاده الاتيان بشي ء، فيدخل في اللاحق منه، ثمّ بعد الدخول في الغير يشكّ في ما خرج عنه بحسب اعتقاده فعلى هذا نقول: إنّ النهوض إلى القيام يكون

الغير الواقع فيه الشّك في السجود بعد المضى و الخروج عنه باعتقاده، ثمّ في حال النهوض يشكّ في أنّه سجد أم لم يسجد، فيكون النهوض إلى القيام من الغير المحقق لموضوع عدم الاعتناء في السجود، فلا يتم توجيهه مدّ ظلّه في هذه الجهة.

ثمّ إنّه مد ظله العالي لم يتعرض لما هو الغير المحقق للتجاوز لو لم نقطع النظر عن رواية عبد الرحمن، فأقول: لو قلنا باعراض المشهور عنها فلا يكون فيها مقتضى الحجية، و أمّا لو لم نقل بذلك لأنّ ما يكون في البين ليس إلّا الشهرة على كون الغير خصوص الأجزاء المستقلة، و هذه الشهرة ليست بشهرة كاشفة عن وجود نصّ معتبر لم يبلغ إلينا، و ليس منشأ عدم عملهم برواية عبد الرحمن إلّا فهمهم الاطلاق في الغير، لا أنّهم أعرضوا عنها لخلل فيها من حيث الصدور أو جهة الصدور.

فنقول: إن قلنا: بأنّ حكمه عليه السّلام في إحدى روايتي عبد الرحمن (رجل شك في الركوع و قد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 130

[في نقل كلام الشيخ الانصاري رحمه اللّه]
اشارة

إذا عرفت ما بينّا لك من الأخبار الدالّة على قاعدة التجاوز و الفراغ و مورد هما نقول: يظهر من الشّيخ الانصاري رحمه اللّه في الرسائل «1» كون القاعدة الفراغ

______________________________

أهوى إلى السجود) كان من باب أنّ المراد من الهوى السقوط، و كان فرضه كان الشّك واقعا حال السجود، فلا تكون هذه الفقرة دليلا على كفاية مطلق الغير، لأنّ الشّك على هذا لم يقع حال الهوى.

و إن لم نقل بذلك و قلنا: بأنّ الظاهر من هذه الفقرة كون الشّك حال الهوى، فإن قلنا بكون روايتيه روايتين مستقلتين يقع التعارض بينهما لو لم نقل بالتوجيه الّذي أفاده سيدنا الاعظم في روايته الدالة على الاعتناء

بالشّك في السجود حال رفع الرأس عن السجود أو حال النهوض إلى القيام، و كذلك لو قلنا بكونهما رواية واحدة كما هو ظاهر كلام سيدنا الاستاد مد ظله، فيقع التعارض بين الصدر و الذيل، فإذا بلغ الأمر إلى التعارض نقول: أمّا روايته الدالة على عدم الاعتناء بالشّك لو شك في الركوع بعد الهوى إلى السجود تكون موافقا للقاعدة، لأنّا قلنا مقتضى بعض الاطلاقات كون المراد من الغير مطلق الغير، و هذه الرواية تدلّ على ذلك، لأنّه عدّ فيها الهوى من جملة الغير المحقق للتجاوز،

و أمّا روايته الاخرى الدالة على عدم الاعتناء بالشّك في السجود لو طرأ الشّك حال النهوض إلى القيام، فنقول: بأنّها تخصيص للعام أو تقييد للمطلق الدالّ على كفاية مطلق الغير في تحقق التجاوز كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة، و لكن تخصيص أو تقييد في خصوص المورد المذكور في الرواية لا غيره، فلو شك في التشهّد و قد نهض إلى القيام نقول: بعدم الاعتناء، لأنّه لا بدّ من الاقتصار في التخصيص على مورده و إن كان سيدنا الاستاد قال: بأنّه على تقدير الأخذ برواية عبد الرحمن الدالة على هذا الحكم لا فرق بين كون الشّك في حال النهوض إلى القيام من السجود، أو من التشهّد لعدم فرق بينهما، أو عدم كون هذا الحكم حكما تعبديا في خصوص الشك في السجود.

لكن كما قلت: لا وجه للتعدي إلّا أن يستكشف ملاك قطعي موجود في الشّك في السجود حال النهوض، و بين الشّك في التشهّد حال النهوض، فيقال، بعدم الفرق، و ليس لنا قطع بذلك، فلا بد من الاقتصار بمورد النص، فافهم. (المقرر)

(1)- فرائد الاصول، ص 410- 411.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 131

راجعة إلى

قاعدة التجاوز، و كون الأخبار كلها واردة في بيان حكم واحد في موضوع واحد، فإنّه رحمه اللّه نقل بعض أخبار الباب و لم يستقص كلها (و نحن ذكرنا كل الأخبار) و قال: بأنّ مفاد الأخبار لا يختص بباب الطهارة و الصّلاة، ثمّ قال: إن الكلام في تنقيح مضامين الأخبار، و دفع ما يتراءى من التعارض بينهما يقع في مواضع، و ذكر مواضع سبعة:

[في ذكر مواضع سبعة فى الباب]
الموضع الأول: في ما هو المراد من الشّك في الشي ء الوارد في الأخبار

فقال ما حاصله يرجع إلى أنّ الظاهر من الشّك في الشي ء كون الشّك في نفس وجود الشي ء، و ما في أخبار الباب من أنّ الشّك يكون في الشي ء بعد الخروج عنه و المضىّ عنه أو التجاوز عنه لا يمكن حمله على الشّك في الوجود، لأنّه يكون مفاده الشّك بعد الخروج عنه، فلا بدّ من أن يكون الوجود مفروغا عنه، و حيث أنّه لا يمكن حمل الروايات إلّا على مورد واحد، فلا بدّ إمّا من أن يقال: إنّ مورد الروايات هو في صحة الشي ء من باب الشّك في إتيان ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا حتّى يصح أن يقال شك في الشي ء بعد الخروج عنه أو المضى عنه بأن يقال: إنّه بعد كون الخروج عن الشي ء مفروغا عنه يكون الشّك فيه قهرا في إتيانه على الوجه المعتبر أم لا و إمّا من تقدير المحلّ بأن يقال: بأنّ المراد من الشّك في الشي ء بعد الخروج أو المضى عنه هو خروجه و مضيه عن محله، فيكون المراد الشّك في نفس وجود الشي ء بعد المضى عن محلّه.

أمّا وجه عدم إمكان حمل الروايات على كلا الموردين- أعنى: مورد الشّك في الصحة و الشك في الوجود كليهما- فلأنّه يلزم اجتماع اللحاظين، فلا يمكن إرادة الشك في الوجود و

الشك في الصحة كليهما في استعمال واحد، فلا بدّ إمّا من حملها على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 132

الشك في الوجود لدلالة غير واحد من أخبار الباب على ذلك، و قوله في رواية محمد بن مسلم فامضه كما هو أو ما في رواية ابن ابى يعفور لقابلية حمله على الشّك في الوجود كما هو ظاهر بعض الآخر من الأخبار و إن كان قابلا للحمل على الشّك في الصحة فاختار الشيخ رحمه اللّه في الموضع الأوّل كون المصحح من تعبير المعصوم عليه السّلام بالخروج عن الشي ء أو المضى عنه أو التجاوز عنه مع كون الشّك في أصل الوجود هو المحل يعنى أنّه أطلق الخروج عن الشي ء باعتبار الخروج عن محلّ هذا الشي ء.

الموضع الثاني: في المراد من المحلّ الّذي به يتحقّق الخروج و المضىّ

، فهل هو المحلّ العقلى أو المحل الشرعى أو العادى، فقال رحمه اللّه: بأنّ المراد من المحل (هي المرتبة المقررة له بحكم العقل، أو بوضع الشرع، أو غيره و لو كان نفس المكلف من جهة اعتياده باتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل، فمحل تكبيرة الاحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع، و محل (أكبر) قبل تخلل الفصل الطويل بينه و بين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام، و محل (الراء) من أكبر قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل، و محل الغسل الجانب الأيسر و بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة قبل تخلل فصل طويل يخلّ بما اعتاده من الموالاة.

هذا كله ممّا لا إشكال فيه إلّا الأخير فإنّه ربما يتخيل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة، فمن اعتاد الصّلاة في أوّل وقته، أو مع الجماعة فشك في

فعلها بعد ذلك، فلا يجب عليه الفعل).

و ذكر أمثلة اخرى من الفروع الّتي قال بعدم إمكان الالتزام به للفقيه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 133

و الاعتناء بالشّك في هذه الموارد و إن كان الظاهر من قوله عليه السّلام في ما تقدم (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل، فهو دائر مدار الظهور النوعي و لو كان من العادة، و لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل.

و يتحصل من كلامه في الموضع الثاني أنّ المحل الّذي صح باعتباره إطلاق الشك في الشي ء مع الخروج عنه هو مطلق المحل الّذي يكون المقرر إتيان هذا الشي ء في هذا المحل و لو كان من باب العادة، ثمّ رأى أنّ ذلك يوجب ما لا يلتزم به بالنسبة إلى المحل العادى بحسب النوع، فاستشكل و خرج عن المطلب مع الاشكال في أنّه يكتفي المحل العادى بحسب النوع أم لا.

(و قال في الدرر في هذا المقام بكفاية المضي عن المحل العادى بحسب النوع).

الموضع الثالث: بأنّه هل يكون المعتبر الدخول في الغير أم لا

، فقال رحمه اللّه ما حاصله: بأنّه إن كان الغير ممّا لا يتحقّق بدونه التجاوز فهو و إن لم يكن دخيلا في التجاوز، بل حصل التجاوز عن المحل به، فهل نقول: باعتبار الدخول في الغير في إجراء القاعدة أم لا، ظاهر بعض الأخبار التقييد بالدخول في الغير و ظاهر بعضها الاطلاق، فهل نحمل الاطلاق على مورد التقييد، و نقول: باعتبار الدخول في الغير، أو نحفظ الاطلاق و نحمل القيد على الغالب، بمعنى: أنّ التقييد بالدخول في الغير في بعض الأخبار يكون من باب أن ما يتحقّق به التجاوز غالبا الدخول في الغير لا من باب موضوعية للدخول في

الغير، أو يحمل الاطلاق على مورد التقييد من باب أنّ المطلق منزّل على المتعارف، و المتعارف هو الدخول في الغير، و اكتفي رحمه اللّه في هذا الموضع بذكر الاحتمالين فقط، أى: احتمال حفظ الاطلاق و حمل القيد على الغالب،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 134

و احتمال حمل المطلق على المقيد إما من باب أنّ بعض الأخبار مقيد بالدخول في الغير، و إمّا من باب حمل المطلق على المتعارف و هو الدخول في الغير.

الموضوع الرابع: بخروج الطهارات الثلاث عن الكلية المذكورة

إمّا من باب التخصيص، أو من باب كون الوضوء بنظر الشارع فعلا واحدا.

الموضع الخامس: هل الشّك في الشروط يكون مثل الشّك في الأجزاء

من حيث هذا الحكم أم لا، و حاصل ما قال في المقام: إنّ الشّك في الشرط إن كان بعد الفراغ عن مشروطه لا يعتني به لقاعدة التجاوز، و أمّا لو كان الشّك في أثناء المشروط قال بالتفصيل بين ما كان محلّ الموظّف لإحرازه قبل المشروط كالوضوء بالنسبة إلى الصّلاة، و بين ما لا يكون كذلك كشرطية الاستقبال و النية للصّلاة، ففي الأوّل لا يعتنى بالشك، و في الثاني يعتنى به، و قال: المسألة محلّ إشكال.

الموضع السادس: بأنّ حكم الشّك في صحة المأتى به هو الحكم في الاتيان

، بل هو هو.

الموضع السابع: الظاهر أنّ المراد بالشّك في موضوع هذا الأصل هو الطاري بسبب الغفلة عن صورة العلم

، فلو علم كيفية غسل اليد و أنّه كان بار تماسها في الماء لكن شك في أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا، ففي الحكم بعدم الالتفات وجهان.

هذا كلّه في المواضع الّتي تعرض لها الشّيخ الانصاري رحمه اللّه بعد زعمه كون مفاد الأخبار المتقدمة قاعدة واحدة، و هي القاعدة التجاوز، فذكر التفريعات المتقدمة.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا مفاد الروايات المتقدمة فقد عرفت كونه مختلفا فبعضها يدلّ على مورد يكون الشّك في أصل وجود الشي ء، و بعضها يدلّ على مورد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 135

يكون الشّك في صحة الشي ء بعد مفروغية أصل وجوده فالروايات متكلفة لبيان حكم الموردين بعضها على المورد الأوّل غير دال على المورد الثاني، و بعضها بعكس ذلك، و بعضها قابل الحمل على كل من الموردين كما أشرنا عند التعرض للروايات.

و على كل حال ليست الروايات كلها واردة في بيان حكم واحد، و هو قاعدة التجاوز، و لا جامع واحد يكون كل من قاعدة التجاوز و الفراغ فردا لهذا الجامع كما زعم بعض، بل بعضها متكفل لبيان حكم قاعدة التجاوز، و بعضها للفراغ، و أنّهما قاعدتان مستقلتان كما قال شيخنا العلّامة الخراساني رحمه اللّه.

[في ذكر مختار المحقّق الخراساني رحمه اللّه]

إذا فهمت ذلك و يأتى الكلام فيه بعد ذلك إنشاء اللّه نعطف عنان الكلام إلى المواضع الّتي تعرض لها الشّيخ الأنصاري رحمه اللّه فنقول بعونه تعالى: أمّا ما قاله الشيخ رحمه اللّه في الموضع الأوّل من لزوم تقدير المحل لمصححية الشّك في الشي ء و قد خرج أو جاوز عنه أو مضى منه.

فنقول: لا حاجة إلى التقدير و التأويل أصلا لا في الأخبار الدالة على قاعدة الفراغ، و لا في الأخبار الدالة على قاعدة التجاوز، لأنّه إن كان

المراد من الخروج الخروج من المشكوك واقعا، فلا يعقل معه الشك، فمن الواضح أنّ المراد بالخروج و التجاوز عن المشكوك هو التجاوز و الخروج و المضىّ بحسب اعتقاد الشخص، فمن يدخل في الفعل المترتب على المشكوك بحسب وضعه، و يكون في صدد إتيانه بهذا الوضع المرتب، فهو لا يدخل في الفعل اللاحق عن المشكوك بحسب وضعه إلّا من باب الاعتقاد بأنّه أتى بالفعل الّذي يشكّ فيه بعد الخروج عنه، فمن يكون بنائه على إتيان الصّلاة بوضعها الموظّف شرعا، و يكون الركوع بوضعه سابقا على السجود، و السجود مترتب عليه، فهو لا يدخل في السجود إلّا بعد اعتقاده إتيان الركوع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 136

فمعنى كون الشّك في الشي ء بعد الخروج عنه أو المضى أو التجاوز عنه الخروج عنه بحسب اعتقاد الشخص، و مفاد الأخبار أنّه إذا خرج الشخص عن الشي ء أو مضى أو تجاوز عنه بحسب اعتقاده، و دخل في الغير لا يعتني بالشك، فمما قلنا يظهر لك عدم الحاجة إلى تقدير المحل أصلا في أخبار الباب كما أفاد الشّيخ رحمه اللّه.

و إذا عرفت ذلك من كون معنى المضىّ المضىّ بحسب الاعتقاد لا يبقى مجال للموضع الثاني من المواضع الّتي تعرضها من أنّه بعد كون المضى باعتبار المضى عن محل الشي ء، فما هو المراد من المحل هل هو محلّه العقلي أو الشرعي أو العادي لأنّه على ما قلنا لا حاجة إلى تقدير المحل من رأس حتّى يقع الكلام في ما هو المراد من المحل.

و أمّا ما قاله في الموضع الثالث فنقول: أمّا في قاعدة التجاوز يعتبر الدخول في الغير لأنّ المستفاد من أخبارها كون الدخول في الغير من مقومات هذه القاعدة، بل هو تمام المناط

في إجرائها سواء كان الدخول في الغير محققا للتجاوز أو امر آخر غير التجاوز، لأنّ الظاهر من أخبارها ذلك حيث إنّ العمدة في مستند قاعدة التجاوز هي رواية زرارة و إسماعيل بن جابر، و في كل منهما اعتبر الدخول في الغير، و ليس في أخبارها خبر مطلق غير مقيد بالدخول في الغير حتّى يقال ما قاله الشّيخ رحمه اللّه من أنّه هل يحمل المطلق على المقيد أو يؤخذ بالإطلاق و يحمل القيد على الغالب.

و أمّا في قاعدة الفراغ لا يعتبر الدخول في الغير كما قدمنا، لأنّ رواياتها ساكتة عن هذه الجهة، و لا يظهر منها إلّا كون الشّك بعد الفراغ عن العمل، و أمّا الرواية الخامسة من رواياتها المتقدمة، أعنى: رواية زرارة ففيها و إن قال عليه السّلام (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى) لكن لا يستفاد منها كون الدخول و الصيرورة في حال آخر معتبرا في عدم الاعتناء بالشك، بل المراد أيضا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 137

الفراغ بقرينة ساير رواياتها، و خصوصا مع ما في ذيلها (و قد صرت في حال اخرى في الصّلاة أو في غيرها) و غيرها يشمل كل غير و إن كان السكوت بعد العمل، فلا يستفاد منها إلّا كون الشّك بعد الفراغ، و لا يعتبر الدخول في الغير.

[في ردّ بعض الأمور الّتي تعرّض لها الشيخ الأنصاري رحمه اللّه]

و أمّا الرواية السادسة من رواياتها ففيها و إن قال (و قد دخلت في غيره) لكن كون هذه الرواية من جملة الروايات الدالّة على قاعدة الفراغ محل إشكال لما قلنا عند ذكرها من أن ضمير في (غيره) يكون راجعا إلى (شي ء) أو إلى (الوضوء) فقد ظهر لك ممّا مرّ أنّ عدم الاعتناء بالشّك في

قاعدة التجاوز يعتبر فيه الدخول في الغير، و أمّا عدم الاعتناء بالشّك في قاعدة الفراغ لا يعتبر فيه الدخول في الغير.

فما قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه: من أنّ بعض الروايات مطلق من حيث الغير و بعضها مقيّد، فهل يقيد المطلق أو يحمل القيد على الغالب، لا يكون بصحيح، لأنّ المطلقات الّتي قالها الشيخ رحمه اللّه واردة في مقام بيان حكم قاعدة الفراغ، لأنّها متكفلة لحكم ما كان الشّك في الصحة كما قلنا، و ليس في أخبارها ما يدلّ على اعتبار الدخول في الغير أصلا.

و أمّا الأخبار المقيدة فهي واردة في بيان قاعدة التجاوز، و هي رواية زرارة و إسماعيل بن جابر و هما واردتان في بيان قاعدة التجاوز أعنى: في ما كان الشّك في أصل الوجود.

فالمطلقات واردة في مقام بيان حكم غير مربوط بالحكم الّذي تكون المقيدات متكلفة لبيانه، فلا تعارض بينهما حتّى تصل النوبة بحمل المطلق على القيد أو حمل القيد على الغالب، فمما مر ظهر لك ما في كلامه رحمه اللّه في الموضع الثالث.

[في ذكر الفرق بين القاعدة التجاوز و الفراغ]
اشارة

و اعلم أنّه فرق بين قاعدة التجاوز و الفراغ من بعض الجهات، و اشتراك من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 138

بعض الجهات، أمّا الفرق بينهما:

الفرق الأوّل: أنّ مورد إجراء قاعدة التجاوز، على ما يظهر من أخبارها، كون الشّك في أصل الوجود كما بينّا

، و مورد إجراء قاعدة الفراغ ما إذا كان الشّك في صحة ما وجد و أنّ ما وجد وجد صحيحا و على الوجه المعتبر أم لا.

فتشمل هذه القاعدة كل مورد يكون الشّك في صحة الشي ء، سواء كان في صحة العمل المركب من الأجزاء و الشرائط مثل ما إذا كان شك المكلف في صحة الصّلاة من باب الشّك في إتيان جزء من أجزائها، و كذلك لو شك في وجود شرط من شرائطها كما نقول بعد إنشاء اللّه عند التكلم في شمول القاعدتين للشك في الشرائط و عدم شمولها، و نقول إنشاء اللّه بأنّ قاعدة التجاوز لا تشمل الشّك في غير الأجزاء من خصوص الصّلاة، فلا تشمل غير أجزاء الصّلاة و لا الشرائط من الصّلاة، لأنّ مورد أخبارها الشّك في الأجزاء من الصّلاة،

و أمّا قاعدة الفراغ فتشمل على ما يستفاد من الأخبار المربوطة بها كل مورد يكون الشّك في صحة العمل، سواء كان منشأ الشّك وجود جزء و عدم وجوده، أو شرط من شرائطه و عدم وجوده، و سواء كان الشّك في صحة نفس الجزء مثل ما إذا شك في أنّه أتى بركوع الصّلاة فشك في صحة الصّلاة و فسادها باعتبار هذا الشك، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم الاعتناء في كل من الموردين، فالفرق بين القاعدتين كون الشك في واحدة منهما في الوجود و في الاخرى في الصحة سواء كان منشأ الشّك في الصحة الشّك في وجود جزء أو شرط من المركب، أو يكون الشّك في صحة الجزء الموجود و فساده.

الفرق الثاني: بين القاعدتين أن قاعدة التجاوز مختصه بخصوص ما

إذا كان

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 139

الشك في جزء من الاجزاء الصّلاة فلا تشمل بدليلها غير الاجزاء من الصّلاة و لا الأجزاء من غير الصّلاة، و

لهذا قلنا في ضمن بعض الأبحاث السابقة أنّ الاذان و الاقامة المذكورتين في رواية زرارة من صغريات قاعدة التجاوز يكون بنحو من العناية، و كونهما جزء للصّلاة من باب كونهما مقارنين لها فعلى هذا يكون الشّك في وجود جزء من أجزاء غير الصّلاة خارجا عن موضوع هذه القاعدة رأسا، فالشك في جزء من أجزاء الطهارات الثلاثة بعد الدخول في الجزء اللاحق خارج عن موضوع قاعدة التجاوز، فلا نحتاج في خروج الطهارات الثلاثة إلى ما قاله الشيخ رحمه اللّه من خروجها عن تحت قاعدة التجاوز بالتخصيص أو الاجماع أو غيرهما لأنّه على ما قلنا لا عموم للقاعدة راسا يشمل غير أجزاء الصّلاة حتّى نحتاج في خروج الشك في أجزاء الطهارات الثلاثة إلى التخصيص لاختصاص الأخبار الواردة في قاعدة التجاوز على ما عرفت بخصوص الأجزاء من الصّلاة.

و أمّا قاعدة الفراغ فلا تنحصر بدليلها لخصوص الأجزاء من الصّلاة، بل تعم غيرها، ففي كل مورد يكون الشّك في صحة ما أتى به بعد الفراغ عنه لا يعتنى من باب كون الشّك بعد الفراغ.

الفرق الثالث: بين القاعدتين هو أنّه يعتبر في عدم الاعتناء بالشّك في قاعدة التجاوز الدخول في الغير

، و لا يعتبر ذلك في مورد الشّك بعد الفراغ كما قلنا سابقا، لأنّ مقتضى الأخبار اعتبار الدخول في الغير في الاولى، و مقتضى الأخبار عدم الاعتبار في الثانية.

و أمّا ما به الاشتراك بين القاعدتين:

الأوّل: أنّ منشأ التجاوز في كل منهما اعتقاد الاتيان، ففي مورد قاعدة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 140

التجاوز لا يتجاوز عن المشكوك إلّا مع اعتقاده إتيانه، ثمّ مع هذا الاعتماد و التجاوز عنه يشكّ في أنّه أتى بما تجاوز عنه أم لا، و كذا في قاعدة الفراغ، فالفارغ عن العمل يفرغ عنه باعتقاده إتيان العمل على الوجه الصحيح، ثمّ بعد الفراغ يشكّ في وقوع العمل صحيحا و عدمه فمن هنا يظهر أنّ مورد كل من القاعدتين يكون كالشك السارى، فإنّه بعد التجاوز أو الفراغ يشكّ في ما اعتقده سابقا، فيكون شاكّا في ما كان معتقدا به.

و لا يقال: بأنّه على هذا تكون هذه الأخبار الواردة في القاعدتين من جملة أدلة قاعدة اليقين و الشك الساري.

لأنّا نقول: عدم الاعتناء بالشّك في مورد القاعدتين و إن كان منطبقا على الشك الساري، لكن لا يصير هذا سببا لحجية الشّك الساري مطلقا و في كل مورد، و لعلّ منشأ ما ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه- من كون مفاد الأخبار قاعدة واحدة، و هي قاعدة التجاوز- هو الوجه الاشتراك المتقدم بين القاعدتين، و لكن هذا لا يوجب الاتحاد.

و أمّا ما قال الشّيخ رحمه اللّه في الموضع الرابع من تخصيص الطهارات الثلاث أو خصوص الوضوء من الأخبار.

فنقول: أمّا على ما اخترنا من كون مفاد الأخبار مختلفا، فبعضها متعرض للشك في الوجود، و بعضها للشك في الصحة، و يسمى الأوّل قاعدة التجاوز.

و الثاني: قاعدة الفراغ، فكما قلنا سابقا: إنّ الأخبار المربوطة بقاعدة التجاوز،

فمختصة بخصوص أجزاء الصّلاة، فلا عموم و لا إطلاق لها يشمل غير الأجزاء من خصوص الصّلاة حتّى نحتاج في خروج الشّك في أجزاء الطهارات الثلاث إلى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 141

الالتزام بالتقييد أو التخصيص.

و أمّا قاعدة الفراغ فحيث يكون لسان أخبارها عام أو مطلق يشمل الصّلاة و غير الصّلاة لا نحتاج إلى تكلف في الطهارات الثلاث لأنّ قاعدة الفراغ محكمة فيها أيضا.

[في ردّ كلام الشيخ فى الموضع الخامس و السادس]

و أمّا ما قال في الموضع الخامس من أنّه هل تشمل الأخبار الشّك في الشرائط أم لا الخ.

فنقول بعونه تعالى: أمّا إذا كان الشّك في إتيان شرط من شروط المركب، فلا مجال لأن يقال بعدم الاعتناء، لما قلنا من أنّ الشّك في الوجود يكون مورد قاعدة التجاوز، و لا تشمل إلّا الشّك في وجود خصوص الأجزاء من الصّلاة، و لا يعم الشك في غير الأجزاء من الصّلاة و لا الأجزاء من غير الصّلاة.

و أمّا في قاعدة الفراغ إذا كان الشّك بعد الفراغ عن العمل في صحته، و كان منشأ الشّك في صحته و فساده الشّك في إتيانه بالشرط الفلانى و عدمه، فلا إشكال في إجراء قاعدة الفراغ.

و أمّا ما قاله رحمه اللّه في الموضع السادس من أنّ الشّك في صحة المأتى به حكمه حكم الشّك في الاتيان، بل هو هو لأنّ مرجعه إلى الشّك في وجود الشي ء الصحيح، و قال: بأنّ المراد من الشّك في الصحة يكون في ما لا يكون الشّك راجعا إلى الشّك في ترك بعض ما يكون معتبرا في صحة شي ء، مثل ما إذا شك في تحقق الموالاة المعتبر في حروف الكلمة أو الكلمات من الآية، لأنّه لو كان الشّك في الصحة من باب الشّك في إتيان بعض ما

هو المعتبر في الشي ء يكون من صغريات الشّك في الاتيان، و يكون مورد الأخبار بنظره لأنّه يكون الشّك في الوجود.

فمراده في هذا الموضع هو ما إذا شك الشخص في صحّة المأتي به، مثل ما إذا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 142

علم أنّه أتى بالركوع و لكنه شاك في أنّه أتى به صحيحا أم لا، ثمّ قال بعدا: بأنّ الالحاق غير خال عن الاشكال، لأنّ ظاهر الأخبار مختص بغير هذه الصورة إلّا بدعوى تنقيح المناط، و أنّ المناط في عدم الاعتناء بالشّك يكون من باب التجاوز عن المشكوك مثلا، و هذا الملاك موجود في ما إذا كان الشّك في الاتيان أو الصحة أو ببعض ما يستفاد منه العموم مثل رواية ابن أبي يعفور أو بجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا مستقلا، و مدركه ظهور حال المسلم أو التعليل الوارد في رواية بكير بن أعين (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) فان المستفاد منها كون الأذكرية موجبا لاتيان الشي ء على الوجه الصحيح.

[اشكال المحقّق الخراساني على ما قاله الشيخ]

و استشكل المحقق الخراساني رحمه اللّه في حاشيته على الرسائل على ما قاله الشيخ رحمه اللّه- من أنّ الشّك في صحة المأتى به حكمه حكم الشّك في الاتيان، بل هو هو- بأنّه لا تقتضى قاعدة التجاوز إلّا الحكم بوجود المشكوك و تحققه، و أمّا الحكم بصحة الموجود فلا إلّا على القول بالاصول المثبتة لاستلزام الشّك في صحة الموجود في الوجود الصحيح، فلا يترتب على الموجود آثار الصحة إلّا على القول بالأصل المثبت لأنّ معنى عدم الاعتناء بالشّك في مورد قاعدة التجاوز هو الحكم بوجود المشكوك و تحققه، و مجرد ذلك لا يكفي لاتصاف ما وجد بالصحة و أنّ الموجود متصف بالصحة

إلّا أن يقال: بأنّ لازم وجود ما شك فيه هو وجوده صحيحا و متصفا بالصحة، و هذا لا يثبت إلّا مع الالتزام بالأصل المثبت.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه بعد كون الشّك في إتيان شي ء و عدمه شكا في أصل الوجود، و الشك في وجود الشي ء غير ملازم مع الشّك في صحة هذا الشي ء، و بعبارة اخرى إن كان الشاك في وجود شي ء شاكّا في صحة هذا الشي ء، مثلا من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 143

يكون شاكّا في وجود الركوع شاك في وجود الركوع الصحيح، أعنى: كما أنّه شاك في وجوده يكون شاكّا في صحته بالملازمة، لكان كلام الشّيخ رحمه اللّه- من أنّ الشاك في صحة المأتى به حكم الشاك في أصل الاتيان بل هو هو- لأنّ مرجعه إلى الشّك في وجود الشي ء الصحيح.

و لكن بعد كون الشّك في أصل وجود الشي ء غير الشّك في وجود الشي ء الصحيح لأنّه في الأوّل يكون الشّك متعلقا بأصل الوجود و في الثاني يكون متعلقا بصحة الشي ء الموجود، فتكون الأخبار على ما بينه راجعا إلى الأوّل فلا تشمل الثاني، فلا يكون الشّك في الصحة كالشك في الاتيان فكلامه غير تمام.

و لو أغمضنا عما استشكلنا على كلامه رحمه اللّه فما أورده عليه المحقق الخراساني رحمه اللّه- من كون إثبات الصحة بهذه القاعدة مثبتا- ليس بتمام، لأنّه إن كان الشّك في الصحة على ما قال الشّيخ رحمه اللّه من صغريات أخبار قاعدة التجاوز فليس الحكم بالصحة مثبتا، لأنّ معنى عدم الاعتناء الحكم بوجود المشكوك تعبدا، و إذا كان الشّك في الصحة فمعنى عدم الاعتناء الحكم بالاتيان على ما ينبغي و أنّه وقع تاما، و هذا معنى الصحة، فليست الصحة من لوازمها

حتّى يكون الاثبات بالقاعدة مثبتا، بل الصحة أثرها إذا كان الشّك في الصحة من موارد القاعدة، فمعنى عدم الاعتناء الحكم بالصحّة.

و أمّا ما قال الشّيخ رحمه اللّه من التمسك لشمول القاعدة للشك في الصحّة بتنقيح المناط.

فنقول: إن كان المراد من تنقيح المناط كشف مناط عام يشمل الشّك في الصحّة كما يشمل الشّك في الوجود، ففي غير محله، لعدم كشف المناط القطعى، و إن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 144

كان المراد مفهوم الموافقة، فيكون له وجه كما قلنا سابقا، لأنّه بعد كون الشّك في الوجود محكوما بعدم الاعتناء بعد التجاوز فالشك في الصحّة أولى بذلك.

[في ذكر فروع في الموضع السابع]
اشارة

و أمّا ما قال رحمه اللّه في الموضع السابع من المواضع السبعة، فنقول لتوضيح ما هو الحق في المقام: بأنّه في المسألة فروع:

الفرع الأوّل: أن يكون الشخص شاكا في وجود شرط من شرائط العمل

قبل الشروع في العمل، ثمّ غفل و دخل فيه بهذا النحو، ثمّ بعد العمل يشكّ في صحة العمل من باب الشّك في وجود هذا الشرط و عدمه، مثلا كان المكلف قبل الصّلاة شاكا في وجود الوضوء، و نفرض عدم وجود استصحاب الطهارة ثمّ غفل و دخل فى الصّلاة بدون احراز الطهارة، ثمّ بعد الفراغ عنها يشكّ في صحتها من باب الشّك في أنّه صلّى مع الطهارة، أم بلا طهارة، فهل يكون هذا الفرض مورد إجراء قاعدة التجاوز بمعنى الشيخ رحمه اللّه، و مورد قاعدة الفراغ على مختارنا أم لا؟

الظاهر عدم شمول الأخبار للمورد لأنّ ظاهر الأخبار صورة حدوث الشك بعد العمل، لا ما كان الشّك مسبوقا على العمل و كونه شاكّا من قبله.

الفرع الثاني: ما إذا أتى بالعمل، ثمّ بعد الفراغ منه شك في صحته

من باب الشك في وجود ما يعتبر فيه و كان الشّك حادثا بعد العمل، و لكن كان منشأ الشك الطارئ الذهول و الغفلة عن صورة العلم، ففي هذه الصورة لا يعتني بالشّك للأخبار، بل هذه الصورة هي القدر المتيقن من الأخبار.

الفرع الثالث: أن يطرأ الشّك بعد العمل

، و لكن لا يكون الشّك من باب الغفلة و الذهول عما فعل، بل يدرى ما صنع، لكن لا يدري أنّه مع ما يدري أنّه ما صنع هل وقع الفعل صحيحا أم لا؟ مثل من يشكّ بعد الفراغ عن الوضوء في أنّ ماء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 145

الوضوء هل وصل إلى ما تحت خاتمه أم لا، و كان عالما بوضع ما فعل، مثلا يدرى كون الخاتم في إصبعه و يدرى عدم تحريكه الخاتم و عدم تغيير محله لأن يصل الماء تحته، و لكن مع ذلك يشكّ في وصول الماء الوضوء تحته و عدمه فهو في هذا الشّك غير ذاهل عما فعله و عالم بنحوة فعله إلّا أنّه يكون شاكّا في أنّه مع هذا هل تحقق ما اعتبر في الفعل، ففي المثال هل وصل الماء تحت خاتمه من البشرة أم لا، فهل يكون المورد مورد القاعدة أم لا؟

قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه: بأنّ في المسألة وجهان: وجه الشمول إطلاق بعض الاخبار، و وجه عدم الشمول التعليل الوارد في رواية من الروايات المتقدمة (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) لدلالة التعليل على كون الحكم مخصوصا بمورد، فمورد عدم الاعتناء ما يكون مجال لأن يقال: هو حين ما يعمل العمل أذكر منه حين يشك، و في الفرض لا يكون مجال لذلك لأنّ الشاك يكون حين الشّك متذكرا بكيفية ما فعله مثل الزمان الّذي، عمله، لكن

مع ذلك يشكّ في أنّه بما فعله أوقع ما يجب عليه إتيانه أم لا، فهل نقول بالشمول أم لا.

اعلم أنّ الالتزام بالشمول مشكل (لأنّ ظاهر الأخبار عدم الاعتناء في ما إذا كان الشّك في الصحة بعد العمل في وقوع شي ء و عدم وقوعه من باب الشّك في أنّه أوقع العمل على نحو وقع المشكوك أم لا، و في الفرض يعلم بأنّه مع تذكره بما أوقع فلا يوجب وقوع المشكوك، بل يكون شاكا في أنّه هل وقع قهرا ما يجب عليه وقوعه بما فعله أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله، بناء على ما اخترته من كون القاعدتين بنفسهما قاعدتين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 146

و على كل حال الحكم بشمول الأخبار لهذا الفرع غير معلوم.

الفرع الرابع: صورة طروّ الشّك بعد العمل مع كون منشأ الشّك احتمال ترك الجزء

و مع ذلك يشكّ في أنّه لو تركه فرضا هل الترك كان نسيانا أو عمدا.

[في كلام الشيخ الأنصاري و اختياره و تماميّته]

يظهر للمراجع إلى كلام الشّيخ رحمه اللّه أنّه لا يفرق في حكم المحتمل تركه بين كون تركه نسيانا و بين كون تركه عمدا لأنّه رحمه اللّه- بعد ما فرض صورة الشّك بعد العمل في إتيان الجزء و لكنّه عالم بنحوة فعله و مع هذا يشكّ في أنّه وقع الجزء أم لا، مثل ما إذا شك في أنّ ما تحت خاتمه غسل بالارتماس أم لا- قال: بأنّ في شمول الأخبار لهذه الصورة و عدم الشمول وجهان: من إطلاق بعض الأخبار و من التعليل بقوله (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) إلى أن قال: نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا أو تركه عمدا الخ.

______________________________

مستقلتين غير مربوطة كل منهما بالاخرى، و قلت: بأنّ الأخبار الواردة في قاعدة الفراغ تحكم بعين ما يكون مرتكز العقلاء لأنّ مرتكزهم عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ عن العمل، و قلت: بأنّ هذه القاعدة لم تكن قاعدة تعبدية بخلاف قاعدة التجاوز، فيكون لازم ما أخذت- من كون منشأ حجية قاعدة الفراغ، و عدم الاعتناء بالشّك في الصحة بعد الفراغ عن العمل هو سيرة العقلاء- هو كون الأخبار الواردة إمضاء لطريقتهم، فلو كان فرضا لهذه الأخبار إطلاق حيث لا يكون لسانها لسان التأسيس، بل لسان الامضاء أو عدم الردع، فلا بدّ من فهم ما هو عليه سيرة العقلاء، فإن كانت سيرتهم عدم الاعتناء بالشّك حتّى في هذا الفرض فنقول بعدم الاعتناء، لكون الأخبار المطلقة إمضاء لسيرتهم، نعم لو استكشفنا عن بعض الأخبار تقييد إمضاء الشارع بغير هذا الفرض، لا يمكن العمل بالسيرة لكون ذلك ردعا

عن طريقتهم، و إن كانت سيرتهم على عدم الاعتناء في غير مفروض الفرع، فلا مجال للالتزام بعدم الاعتناء في هذا الفرع تمسكا بإطلاق الأخبار، لأنّ الأخبار ناظرة إلى ما هو بناء العقلاء، و ليس على الفرض بنائهم في هذا الفرض، و لمّا قلت ذلك بحضرته كأنّه استرضاه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 147

و كلامه محتمل لأن يكون متفرعا على الفرع الّذي ذكره سابقا أى: الفرع الثالث الّذي ذكرناه، و أنّه لا فرق في شمول الأخبار و عدم شمولها للفرع الثالث بين أن يكن المتروك المحتمل تركه عمدا أو نسيانا، و لأن يكون كلاما مستقلا، و أنّه لا فرق في ما هو مورد الأخبار بين كون منشأ الترك المحتمل للترك نسيانا أو عمدا.

و على كل حال نقول: بأنّ ما افاده لا يكون في محله، لأنّ مورد أخبار الباب على ما هو ظاهرها مختص بصورة كون الشّك بعد التجاوز في وجود شي ء و عدمه، أو بعد الفراغ في صحة شي ء و فساده من باب صيرورة النسيان سببا لتركه أو لفساده، لأنّ الأخبار متعرضة لما يكون الشخص بحسب قصده و ارتكازه عازما على إتيان شي ء و إيجاده على الوجه الصحيح، ثمّ عروض النسيان و غروبه عن الواقع صار سببا لتركه، أو لعدم إتيانه على الوجه الصحيح لا صورة احتمال كون منشأ تركه، أو إتيانه فاسدا العمد، و هذا ممّا لا شبهة فيه.

و لكن مع ذلك نعترف بتمامية كلام الشّيخ رحمه اللّه و شمول الأخبار لكل من الصورتين: صورة احتمال كون الترك أو الاتيان فاسدا النسيان، و صورة احتمال كون الترك، أو الاتيان فاسدا العمد، بدعوى ظهور إطلاق الأخبار الواردة أو عمومها في عدم البطلان و عدم الاعتناء بالشّك

لكل من الصورتين لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز أو بعد الفراغ مطلقا.

أو بدعوى الألوية و أنّه بعد كون مفاد الأخبار عدم الاعتناء بالشّك إذا كان منشأ الشّك احتمال تركه أو إتيانه فاسدا نسيانا، فبالأولوية لا يعتنى بالشّك إذا كان منشأ احتمال الترك أو الاتيان فاسدا عن عمد أو سهو لأنّه بعد حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشّك عن تركه مع كون منشأ الشّك نسيانه مع كون الترك من باب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 148

النسيان كثير الاتفاق، فبالأولوية نقول: بعدم وجوب الاعتناء بالشّك فيه مع كون منشأ احتمال الترك هو تركه عمدا مع ندرة وجود ذلك، بل عدم اتفاقه لأنّه من كان بنائه إتيان مركب بداعي غرض كيف يترك جزء من أجزائه أو يأتى به فاسدا عمدا، فالترك عمدا في غاية البعد و الترك نسيانا يتفق كثيرا، فمن الحكم بعدم الاعتناء في ما يكون كثير الوجود نحكم بعدم الاعتناء بالشّك في ما هو عزيز الوجود بالأولوية فتأمل.

الأمر السابع: في الشّك بعد الوقت.
اشارة

اعلم أنّه من القواعد الّتي ينبغي البحث عنها في المقصد الأوّل هي عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت في الصّلاة، مثلا لو شك بعد مضى وقت الظهرين في أنّه هل صلّى الظهرين أم لا، لا يعتني بشكه و يبنى على إتيانهما و هذا الحكم مسلّم بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و هل تكون هذه القاعدة قاعدة مستقلة في قبال قاعدة التجاوز و الفراغ، أو متحدة معهما، و كلها واقع تحت ملاك واحد جامع بينها كما يظهر من الانصاري رحمه اللّه حيث ذكر الرواية الدالة على هذه القاعدة في جملة أخبار قاعدة التجاوز، فكما قال بكون قاعدة التجاوز و الفراغ قاعدة واحدة كذلك هما مع هذه القاعدة قاعدة واحدة فكل

هذه الثلاثة قاعدة واحدة، يحكم في موردها بعدم الاعتناء بالشّك بملاك واحد.

[في نقل كلام السيد و المحقّق الحائري]

لم أر تعرضا من الفقهاء قدّس سرّهم لهذه القاعدة مع كون حكمها مسلما عندهم إلّا ما

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 149

يرى من تعرض السيّد رحمه اللّه في العروة الوثقى لها، و العلّامة الحائري رحمه اللّه في صلاته «1» و الأوّل نقل ما نقل على سبيل الفتوى بدون ذكر دليلها لعدم كون كتابه معدّا لذلك، و الثاني تعرض لها و قال: بأنّه لا يعتني بالشّك بعد الوقت لعمومات الواردة في باب قاعدة التجاوز و الفراغ، و لأخبار خاصة، و اقتصر بذلك فقط.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: تارة يقال بكون هذه القاعدة من صغريات قاعدة التجاوز و الفراغ كما قال الشّيخ رحمه اللّه بدعوى كون الجامع بينها، و هو كون الشّك في الوجود سواء كان الشّك في وجود الجزء أو المركب.

و تارة يقال: بكونها قاعدة مستقلة كما قلنا بكون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة في قبال قاعدة التجاوز و بالعكس.

فإن قلنا بالأوّل فالدليل عليها هو الأخبار الدالة على عدم الاعتناء بعد المضى عنه، و إن قلنا بكون كل من هذه الثلاثة قاعدة مستقلة مختلفات من حيث المورد كما قلنا سابقا، لأنّ مورد قاعدة التجاوز هو الشّك في وجود جزء من الأجزاء في خصوص الصّلاة بمقتضى أخبارها، و مورد قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ في ما إذا كان الشّك في صحة المأتى به و فساده بمقتضى أخبارها، و لا اختصاص لهذه القاعدة بخصوص الصّلاة، بل تجرى في كل مركب أتى به، ثمّ بعد الفراغ عنه يشكّ في أنّه أتى به صحيحا أم لا.

و أمّا في الشّك بعد الوقت فيكون الشّك في إتيان أصل

المركب و عدمه، فلا يكون الشّك بعد الوقت من صغريات قاعدة التجاوز لأنّ موردها الشّك في وجود

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى رحمه اللّه، ص 343.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 150

جزء المركب، و في هذا المورد يكون الشّك في وجود أصل المركب و عدمه، و لا من صغريات قاعدة الفراغ لأنّ موردها الشّك في الصحة لا في وجود المركب.

فقاعدة عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت قاعدة مستقلة غير قاعدة التجاوز و الفراغ، و لا وجه لعدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت في إتيان المركب و عدم إتيانه بأخبار قاعدة التجاوز و الفراغ.

[في ذكر روايتان في المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: ما يمكن كونه دليلا على عدم الاعتناء لو شك بعد الوقت في إتيان الصّلاة و عدمه روايتان:

الرواية الأولى: و هي ما رواها حماد عن حريز عن زرارة
اشارة

و الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام. «1»

(في حديث) قال: متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها او في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتّى يستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أيّ حالة كنت.

تدلّ على أنّه لو تيقن أو شك في فعل الفريضة- و المراد بالفريضة الصّلاة بقرينة قوله: إنّك لم تصلّها في وقت الفريضة- تجب الصّلاة، و كذا لو تيقن أو شك في وقت فوتها و يحتمل أن يكون المراد من (وقت فوتها) أنّه تيقّن أنّه فانت صلاة منه، ثمّ فى وقت الفوت، أى: بعد مضى وقتها و يقينه السابق بعدم إتيانها، يتقن أو شكّ في أنّه هل أتى بها أى: قضاها فيجب إتيانها أى: قضائها.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 60 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 151

[الكلام فى محتملات الرواية]

و يحتمل أن يكون المراد من (وقت فوتها) وقتا لو تأخر إتيانها عن هذا الوقت لفات وقتها، مثل ما إذا تيقن أو شك في آخر الوقت الّذي لم يبق إلّا مقدار أداء العصر في أنّه لم يأت بالعصر، فيجب إتيانها.

فيكون المراد من قوله (متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة) اليقين أو الشك في إتيان الفريضة في الوقت المضروب لها مثلا للظهر و العصر بين الزوال و الغروب، و يكون المراد من (وقت فوتها) آخر وقتها الّذي لم يبق إلّا مقدار أدائهما.

و الشاهد على أنّ المراد هذا الاحتمال مضافا إلى ما في صدر الرواية المذكورة في الكافي، قوله عليه السّلام بعد ذلك (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و

قد دخل حائل فلا إعادة) و هذه الفقرة مقابل الفقرة الاولى.

فالمراد من الشّك في وقت الفريضة أو وقت فوتها صورة بقاء الوقت، و المراد من الذيل أى: بعد ما خرج وقت الفوت صورة مضى الوقت، ففي الاولى يجب إتيان الصّلاة، و في الصورة الثانية لا يجب إتيانها إلّا إذا تيقن تركها.

فيستفاد من الرواية عدم الاعتناء بالشّك في الصّلاة بعد مضىّ وقتها، و هل يستفاد منها كون هذا الحكم في جميع الواجبات الموقتة غير الصّلاة أيضا أم لا، ظاهر الرواية اختصاص الحكم بالصّلاة. «1»

______________________________

(1)- أقول: يحتمل استفادة الاطلاق من قوله عليه السّلام في الرواية (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك) بناء على كون الصادر من المعصوم عليه السّلام (فقد دخل) بلفظ (فاء) لا و قد دخل بلفظ (واو) فيقال، بناء على كون الصادر (فقد دخل) على ما رأيته في بعض نسخ الكافي، بأنّ الظاهر من كون ثبوت الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في بعد مضىّ وقته

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 152

هذه الرواية في الكافي «1» باب من قام عن الصّلاة أو سها عنها (حماد عن حريز عن زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه تبارك اسمه: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، قال: يعنى مفروض، و ليس يعني وقت فوتها إنّك إذا جاز ذلك الوقت ثمّ صلّاها لم تكن صلاته هذه مؤداة، و لو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السّلام حين صلّاها لغير وقتها، و لكن متى ما ذكرها صلّاها، قال: قال:

و متى) إلى اخر ما نقلناه في المتن.

الرواية الثانية: و هي ما رواها ابن إدريس

في آخر السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضى الحائل و الشك جميعا، فإن شك في الظهر في ما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حائل في ما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلّا بيقين). «2»

و هذه الرواية أيضا على ما ترى رواها حريز عن زرارة فقط بخلاف الرواية الاولى رواها عن زرارة و فضيل، و على كل حال يستفاد من قوله عليه السّلام (اذا جاء يقين

______________________________

معللا بدخول ما هو العلة، و هو وجود الحائل، ففي كل موقت بعد وقتها دخل الحائل فلا يعتنى بالشّك في أنّه هل أتى بها أم لا.

و أمّا إذا كان الصادر عنه عليه السّلام (و قد دخل) فلا يكون هذا علّة بل تكون هذه الفقرة من متممات قوله (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت) و يكون الجزاء للشرط قوله (فلا إعادة عليك) و لكن مع ذلك الحكم بالتعميم لغير الصّلاة مشكل لاختلاف النسخ أوّلا، و عدم ظهور محرز لكون (فقد دخل) علّة حتّى بناء على كون الصادر (فقد) مع الفاء. (المقرر)

(1)- الكافي، ج 3، ص 294، ح 10.

(2)- الرواية 2 من الباب 60 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 153

بعد حائل قضاه) وجوب القضاء بعد وجود الحائل إذا تيقن فوت الفريضة و المضىّ على اليقين، و قال بعد ذلك (و يقضى الحائل و الشك جميعا) فإن كان المراد من الحائل الفريضة اللاحقة، و كانت هذه الفقرة متمما للفقرة الاولى، فما معنى قوله (و

جميعا) لأنّه لم يكن شك، بل كان اليقين بالفوت، لأنّ المفروض في الفقرة السابقة هذا، فتصير الرواية لأجل ذلك مضطربة المتن. «1»

ثمّ إنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في إتيان الظهر بعد ما صلّى العصر في الرواية حيث قال (و إن دخله الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت الخ) ممّا لا يفتى به، و لا يمكن الالتزام به.

[المستفاد من الرواية الأولى حكم الشك بعد الوقت]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ دلالة الرواية الاولى على المسألة واضحة، فتدل على أنّه لو شك في إتيان الصّلاة في وقتها المضروب لها يجب إتيانها، و إن شك بعد ما خرج وقتها لا يجب الاتيان بها، و أمّا لو تيقن عدم إتيانها يجب إتيانها سواء حصل اليقين في الوقت أو في خارجه، فهذا الحكم يستفاد من الرواية في الجملة.

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام (و يقضى الحائل و الشك جميعا) جملة مستقلة، و يكون المراد أنّه يقضي الحائل أى: الصّلاة الّتي هو في وقتها مع الصّلاة الّتي مضى وقتها، و يكون المراد من القضاء هو الاتيان لا القضاء المصطلح بقرينة التعبير بالنسبة إلى الحائل بالقضاء، لأنّه قال (يقضى الحائل) و الحال أنّ الحائل لم يمض وقتها، و بعد كون ذلك جملة مستقلة تكون الجملة الواقعة بعدها تفريعا على ذلك أعنى: قوله (فإن شك في الظهر في ما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها) يعنى لو شك قبل أن يصلّي العصر في أنّه هل صلّى الظهر أم لا يقضى الظهر لعدم دخول حائل، و يقضى العصر أى: يأتي به قهرا لعدم إتيانها (و إن دخل الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن لأنّ العصر حائل في ما بينه و بين الظهر

الخ).

فلم يبق من حيث قوله عليه السّلام (و يقضى الحائل و الشك جميعا) إشكال، نعم يبقى إشكال آخر تعرض له سيدنا الاعظم مدّ ظله العالي و هو هذا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 154

[في ذكر المسألة في الباب]

مسئلة: لو شك في إتيان الصّلاة و عدمه و قد بقي من الوقت مقدار لا يدرك إلّا بعض الركعة لا تمام الركعة، فهل يعتنى بالشّك فيجب إتيان الصّلاة، أو لا يعتني بالشك فلا يجب إتيانها وجهان:

أمّا وجه الأوّل فهو أن يقال: إنّ المستفاد من الرواية السابقة وجوب الاتيان في الوقت و عدم الاعتناء بالشّك في خارج الوقت، ففي الفرض يكون الوقت باقيا فيجب اتيان الصّلاة.

و أمّا وجه الثاني فهو أنّ يقال: إنّ الملاك و الميزان في الحكم بالاعتناء في الوقت بالشك، هو أنّه بعد الشّك يأتى بالصّلاة، فلا بدّ من أن يكون مورده كلما يمكن إتيان الصّلاة و في الوقت، و في الفرض لا يتمكن المكلف من ذلك، فلهذا لا يكون مورد هذا الحكم، بل يكون المفروض من صغريات الشّك بعد الوقت.

اختار الثاني في العروة و قواه، و قلنا في حاشيتنا عليها: بأنّ القوة محل تأمّل، و يأتى الوجه في كون الحق هو الوجه الأوّل إن شاء اللّه في المسألة اللاحقة. «1»

[في ذكر المسألة الثانية في الباب]

مسئلة: إذا شك في الصّلاة و قد بقى من الوقت مقدار ركعة، فهل ينزل منزلة تمام الوقت أولا، وجهان:

وجه كون هذا الشّك من الشّك في الوقت هو أن يقال: بأنّ لسان من أدرك يجعل خارج الوقت منزلة الوقت، ففي الفرض يكون الشّك في الوقت.

وجه عدم كونه من الشّك في الوقت هو أن يقال: بأنّ لسان من أدرك إنّما هو التنزيل لمن لا يدرك الصّلاة في الوقت الاختيارى، و لأنّ من أدرك لا يدلّ إلّا على

______________________________

(1)- أقول: و يأتى إنشاء اللّه كون القريب بالنظر هو الوجه الأوّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 155

أنّه من لم يأت الفريضة حتّى لم يبق من الوقت إلّا

مقدار ركعة يدرك الوقت، و يكون لسانه التوسعة و تنزيل غير الوقت منزلة الوقت، و أمّا من يكون شاكا في أنّه أتى بالفريضة أم لا يكون خارجا عن موضوع من أدرك، لأنّ موضوعه من لم يأت بالفريضة لا من يكون شاكّا في إتيانها و عدمه.

و ما يقال من أنّ المكلف في هذا الوقت الّذي لم يبق من الوقت إلّا مقدار إدراك ركعة، شاكّ في الإتيان و عدمه، لكن ببركة استصحاب عدم الاتيان يكون محكوما بعدم الاتيان لأنّه لم يأت بها سابقا فيستصحب عدم الاتيان إلى هذا الزمان، و بعد كونه محكوما بعدم الاتيان بالاستصحاب يكون داخلا في موضوع من أدرك، لأنّه ممّن لم يأت بالفريضة بعد الاستصحاب فببركته يدخل في موضوع من أدرك، فيكون له الوقت باقيا، و لهذا يقال في فرض المسألة: بوجوب إتيان الفريضة، و كون الشك في الوقت.

نقول في جوابه: بأنّ هذا الكلام في غير محلّه، لعدم مجال للاستصحاب في مورد قاعدة الشّك بعد الوقت، لأنّه لو كان الاستصحاب جاريا في مورده يلزم عدم وجود مورد لها أصلا، إذ في كل مورد من موارده يكون الاستصحاب لأنّ المكلف شاك في إتيان الصّلاة، فان كان الاستصحاب جاريا يلزم لغوية القاعدة المستفادة من الرواية، أى: قاعدة عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت، فعلى هذا لا مجال لاستصحاب عدم الاتيان أصلا حتّى يقال بعد إجرائه: يشمل من أدرك للمورد، و لهذا قلنا في الاصول بتقديم هذا الأصل على الاستصحاب، هذا حال ما قاله العلّامة الحائري رحمه اللّه في المقام في صلاته. «1»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 346.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 156

و لكن لا يخفي عليك أنّ ما قاله رحمه اللّه في وجه عدم كون

مسئلتنا من صغريات الشك في الوقت لا وجه له، لأنّ لسان من أدرك ليست التوسعة في الوقت، و بعبارة اخرى لا يكون لسانه جعل الوقت المضروب أطول، و كون الوقت و الزمان بمقدار ما بقى من الصّلاة في خارج وقتها المضروب وقتا للصّلاة أيضا، فلا يكون لسان من أدرك كون وقت صلاة الفجر الممتد إلى طلوع الشّمس ممتدا إلى ما بعد طلوع الشمس بمقدار زمان إتيان ركعة لمن لم يأت بصلوة الفجر حتّى لم يبق إلا مقدار إدراك ركعة من صلاة الفجر كما ربما يتوهم.

بل لسان من أدرك هو تنزيل من أدرك ركعة من الوقت منزلة من أدرك تمام الوقت.

و بعبارة اخرى من لم يصلّ إلى أن لا يبقى من الوقت إلّا مقدار إدراك ركعة جعل من أدرك الركعة المدركة من الوقت كافية له، و إن وقع ما بقي من صلاته خارج الوقت.

و بعبارة ثالثة يكون لسان من أدرك التوسعة و التنزيل في الشرطية، بمعنى: أنّ ظاهر الأدلة الأولية اعتبار شرطية الوقت لجميع الصّلاة، و يكون لسان من أدرك كفاية وجود هذا الشرط في ركعة واحدة و لو لم يكن ما بقى من الصّلاة واجدا لهذا الشرط.

فعلى هذا نقول: إنّ من أدرك- و لو كان له إطلاق يشمل صورة الشك و الاتيان أو ببركة الاستصحاب يكون صورة الشّك موضوعا له- لم يفد لما نحن بصدده، لأنّ في مسئلتنا يكون الكلام في أنّه هل تكون من صغريات الشّك في الوقت حتّى يعتني بالشك، أو لا حتّى لا يعتني به، و كما قلنا (من أدرك) لا يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 157

لسانه التوسعة في الوقت حتّى يقال بأنّه في المورد يكون الوقت باقيا ببركته، لأنّه لا

يجعل خارج الوقت من الوقت، بل يكون لسانه تنزيل فاقد الوقت منزلة واجد الوقت.

إذا عرفت ذلك يظهر لك عدم تمامية ما قيل في هذا الوجه، ثمّ بعد ذلك نقول:

بأنّ هنا نكتة دقيقة، و هي أنّ مضىّ الوقت المضروب للصّلاة، مثلا كون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس وقتا لصلاة الغداة، هو أنّه في أيّ جزء من أجزاء هذه القطعة من الزمان تقع هذه الصّلاة فقد وقعت في وقتها.

و بعبارة اخرى معنى جعل هذا الوقت وقتا لها هو أنّه يمكن للمكلف إيقاع الصّلاة في هذا الوقت بحيث إنّه يقع كل جزء من أجزاء هذه الصّلاة في جزء من أجزاء هذا الوقت و الزمان بحيث أنّه لو شرع في الصّلاة أوّل الوقت يقع أول جزء منها في أول جزء من هذا الوقت، و جزئها الثاني في الجزء الثاني من هذا الوقت، و هكذا إلى أن تتمّ الصّلاة، أو لو شرع في وسط هذا الوقت فيها يقع كلّ جزء، في قبال جزء و هكذا لو شرع في آخر الوقت بحيث لم يبق من الوقت إلّا مقدار أداء يقع كل جزء منها في جزء من أجزاء هذا الوقت، فيقع قهرا كل قطعة من الزمان المضروب في قبال جزء من أجزائها، و ليس معنى كون الوقت وقتا لها أنّ كل جزء من الوقت وقتا لجميع الصّلاة لاستحالة ذلك، لعدم إمكان وقوع الصّلاة جميعا في آن من آنات الوقت.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه بعد معنى كون الزمان المضروب وقتا لصلاة ما قلنا من أنّ مجموع الزمان لمجموع الصّلاة فقهرا يكون كل جزء ظرفا و وقتا لجزء من الصّلاة، و بهذا الاعتبار صارت قطعة من الزمان وقتا للصّلاة، و

ورد من الشرع بأنّ هذه القطعة من الزمان وقتا لهذا، فإذا كان مجموع الوقت وقتا لها

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 158

بهذا الاعتبار، فمتى يكون جزء من الوقت باقيا يكون المكلف في الوقت، فيكون الشك الحاصل له شكّا في الوقت.

و لا يمكن أن يقال لو كان الوقت باقيا و لو بجزء من الصّلاة: بأنّه خرج الوقت، و إلّا يلزم أن يكون منتهى الوقت إلى حدّ يمكن إتيان تمام الصّلاة فيه لا بعضها، يلزم أن يكون وقت صلاة الغداة غير ممتد إلى طلوع الشمس، بل يكون ممتدا إلى مقدار زمان إدراك ركعتين قبل طلوع الشمس، و بعد انقضاء زمان إتيان تمام الركعتين فقد خرج الوقت و لو لم تطلع الشّمس بعد و لا يمكن الالتزام بذلك.

فإذا كان الامر هكذا يكون المورد من صغريات الشّك في الوقت فلو لم يبق من الوقت، إلّا مقدار أداء ركعة نقول: بكون الشّك شكّا في الوقت، لا لاجل (من أدرك) بل لكون الوقت باقيا بالبيان الّذي ذكرناه.

و من هنا يظهر لك أنّ المسألة السابقة، و هي ما إذا شك في إتيان الفريضة في وقت لم يبق من الوقت إلّا مقدار إتيان بعض من ركعة واحدة في الوقت تكون أيضا من صغريات الشّك في الوقت لما قلنا.

إذا عرفت ذلك ففي فرض بقاء الوقت بقدر بعض الركعة و الشك في إتيان الصّلاة فبناء على كون الشّك في الوقت و لزوم الاعتناء به و وجوب إتيان الصّلاة، فهل يجب إتيانها فعلا فيصلّي صلاة مركبة من الأداء و القضاء، لأنّ بعضها يقع في الوقت و بعضها في خارجه، أو يتخير بين إتيانها فعلا و الشروع فيها، و بين الصبر و القضاء بعد الوقت، أو يجب

التأخير لعدم صحة صلاة مركبة من الأداء و القضاء؟

يمكن أن يقال بالتخيير بين الاتيان فعلا، و بين الصبر و القضاء بعدا و لكن لا يبعد تعين الاتيان فعلا لأنّه مهما يمكن حفظ شرطية الوقت يجب حفظها و لو بالنسبة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 159

إلى بعض أجزاء الصّلاة، و على الفرض يكون المكلف قادرا على حفظها بالنسبة إلى بعض الركعة). «1»

______________________________

(1)- أقول: و يأتى بالنظر الاشكال في كون المسألتين من صغريات الشّك في الوقت من جهتين:

الاولى: أنّه يمكن دعوى أنّ الرواية الاولى- من بعض الروايات السابقة المتمسك بها لأصل قاعدة لزوم الاعتناء بالشّك في الوقت و عدم الاعتناء في خارجه- تدلّ على ما قلت حيث إنّه عليه السّلام قال فيها (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك) و المراد كما قلت سابقا هو كون الشّك بعد خروج وقت الفوت، أى: الوقت الّذي لو لم يأت بالفريضة يفوت وقتها: أى: لا يوسع العبد لها، و قلنا: بأنّ الصدر هو قوله (أو في وقت فوتها) يكون المراد هو الزمان الّذي لو تأخر إتيانها يفوت وقتها، فعلى هذا يستفاد من الرواية صدرا و ذيلا أنّ مورد الاعتناء بالشّك هو في ما يكون طروّ الشّك في الوقت إمّا وقتها الموسع أو في آخر الوقت الّذي يكون الوقت بقدر الفريضة بحيث لو تأخر الاتيان عن هذا الوقت لم يبق الوقت لتمام الفريضة، و أمّا إذا انقضى وقت الفوت سواء مضى الوقت بتمامه، أو أنّه و لو لم يمض بتمامه و لكن المقدار الباقى منه غير واف لأن تشغله الفريضة بتمامها، مثلا إذا لم يبقى من الوقت إلّا مقدار ركعة أو بعض الركعة

فيشك في أنّه أتى بها أم لا، فلا يعتني بهذا الشك لكون الشّك بعد خروج وقت الفوت و قد دخل الحائل، و دلّت الرواية على عدم الاعادة، و لأجل هذا لا يكون المفروض في المسألتين المتقدمتين من صغريات الشّك في الوقت.

و لكن قد يقال: بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية المذكورة (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك) يكون المراد من دخول الحائل مضىّ الوقت و في المسألتين لم يمض الوقت على الفرض، فلا يكون موردها من الشّك بعد الوقت).

الثانية: أنّ ما أفاده سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى في معنى كون قطعة من الزمان وقتا مضروبا للصّلاة و إن كان في محله، لكن نقول: بأنّ مورد الاعتناء بالشّك إن كان مطلق الوقت و إن كان وقتا بحسب سعته و ضيقه لبعض الفريضة لصحّ ما قال من كون مورد بقاء الوقت بقدر ركعة أو بعض الركعة من الشّك في الوقت، و أمّا إن كان الميزان في كون الشّك في الوقت كون الشّك واقعا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 160

[في ذكر مسألة أخرى]

مسئلة: ما قلنا في المسألتين السابقتين يكون في ما إذا كان الوقت لصلاة واحدة، مثلا يشكّ في صلاة الغداة و لم يبق من وقتها إلّا مقدار أداء ركعة واحدة أو بعض من الركعة في الوقت، و قلنا إنّ الحق كون الشّك فيهما من الشّك في الوقت، و أمّا لو طرأ الشّك في وقت مضروب للصلاتين مثل وقت الظهر و العصر، أو المغرب و العشاء، مثلا شك في وقت لم يبق من وقت الظهر و العصر إلّا مقدار خمس ركعات، أو اربع ركعات و نصف ركعة، فهل يكون من الشّك في

الوقت أو من خارجه.

فنقول في الفرض تارة يشكّ في إتيان الظهر و العصر كليهما، بمعنى: أنّه يحتمل عدم إتيان كل منهما بحيث إنّه لو أتى أتى بهما، و لو لم يأت لم يأت بكليتهما، و تارة مع احتمال تركهما يحتمل إتيان أحدهما فيحتمل إمّا ترك كل منها، أو ترك الظهر فقط، أو ترك العصر، فهذه صور ثلاثة، فنقول:

أمّا في الصورة الاولى، و هي صورة احتمال إتيانهما معا و احتمال تركهما معا بحيث إنّه باحتماله أمره دائر بين تركهما معا أو فعلهما معا، فبناء على ما هو المشهور بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم من كون آخر الوقت مختصا بالعصر بمقدار أدائها على خلاف ما قال ابن بابويه رحمه اللّه من كون تمام الوقت مشتركا بين الظهر و العصر، و كذا المغرب و العشاء، و كذا بناء على أنّه لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار خمس

______________________________

في زمان يفي المقدار الباقي من الوقت لإدراك تمام الصّلاة في هذا الوقت، فلا يكون المورد من الشك في الوقت، و الرواية الّتي دلت على عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت و الاعتناء به في الوقت إن لم تكن ظاهرة في وقت تمام الفريضة لم تكن ظاهرة في الاعتناء و لو في الوقت الوافى لبعض الفريضة، فتأمّل في المقام و عندى بعد في المسألتين تأمّل في كونهما من صغريات الشّك في الوقت أو في خارجه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 161

ركعات، و يعلم بعدم إتيان الظهر و العصر يجب إتيانهما، ففي هذه الصورة يظهر من العلّامة الحائري رحمه اللّه (بناء على ما قال في المسألة السابقة- أعنى: صورة ما لم يبق من الوقت إلّا مقدار ركعة فشك في إتيان صلاته و

عدمه- من أنّ الشّك يكون بالنسبة إليها شكّا في خارج الوقت) بأنّه يكون الشّك بالنسبة إلى الظهر شكّا بعد الوقت، و بالنسبة إلى العصر يكون شكّا في الوقت، و لكن يعلم بلغوية العصر، لأنّه لو أتى بها واقعا فيكون إتيانها لغوا، و لو لم يأت بها واقعا- حيث يعلم بأنّه لو لم يأت بها لم يأت بالظهر أيضا، لأنّه المفروض في هذه الصورة- فيكون الاتيان بها لغوا أيضا، لأنّه مع عدم الظهر لا تقع العصر صحيحة لفقد شرطية الترتيب، لأنّه مع بقاء ركعة من الظهر يمكن حفظ الترتيب، فالمكلف يعلم بلغوية العصر على كل حال.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 161

و بعد لغويته إمّا أن يقال: بعدم وجوب إتيان العصر أيضا كالظهر، و إمّا أن يقال: بوجوب إتيان الظهر و العصر، أمّا العصر فلبقاء وقتها و كون الشّك بالنسبة إليها شكا في الوقت، و امّا بالنسبة إلى الظهر فلوجوب إتيانها مقدمة كى يعلم بفراغ الذمة عن العصر، لأنّه لا يعلم بفراغ الذمّة من العصر إلّا بعد إتيان الظهر، لأنّه لو اشتغل الذمّة بالعصر تشتغل بالعصر الواقع بعد الظهر، فلأجل العلم بفراغ الذمّة عن العصر يجب إتيان الظهر مقدمة أيضا.

فوقع هذا القائل رحمه اللّه- من أجل ما التزم به من أنّه مع بقاء الوقت بقدر ركعة من الفريضة يكون الشّك من الشّك في خارج الوقت- في الاشكال الّذي ذكره.

و أمّا بناء على ما اخترنا من أنّ الوقت باق، و يكون الشّك من الشّك في الوقت و لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار ركعة أو بعض من ركعة،

فلا نقع في الاشكال.

في هذه المسألة، لأنّه نقول (بناء على الالتزام بوجوب إتيان الظهر و العصر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 162

كليهما في ما بقى من الوقت بمقدار إتيان خمس ركعات كما هو مختار أكثر الفقهاء قدس سرّهم و إن كانوا قائلين بأنّ الوقت الظهرين يكون أوله بقدر أداء الظهر للظهر، و آخره بقدر أداء العصر للعصر، و لا يقولون بمقابلة ابن بابويه رحمه اللّه من أنّ الوقت بتمامه مشترك بينهما من أوله إلى آخره) بأنّه بعد تسلّم وجوب إتيانهما في ما علم عدم إتيانهما، و قد بقى من الوقت مقدار خمس ركعات نكشف عدم تزاحم بين الظهر و العصر في الوقت و إن كان الوقت بمقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصا بالعصر لو لا عدم إتيان الظهر.

فعلى هذا نقول: بأنّه يكون الشّك النسبة إلى كل من الظهر و العصر شكّا في الوقت بالبيان الّذي قدمنا في المسألة السابقة.

[في ذكر مسألة فى الباب]

مسئلة: لو علم إجمالا بأنّه لم يأت واحدة من الظهر و العصر، فأمّا يكون في الوقت المشترك بينهما، و إمّا في الوقت المختص بالعصر، فإن كان الوقت المشترك باقيا يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، و إن كان في الوقت المختص بالعصر، فإنّه و إن كان المكلف لو أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة يبرأ ذمته، و يكون موافقا مع الاحتياط، و لكن يكفي الاتيان بأربع ركعات بقصد العصر، لأنّه بعد إتيان العصر ينحل العلم الاجمالى، و يكون الشّك بالنسبة إلى الظهر شكّا بدويا، و لا مانع من إجراء الأصل بالنسبة إليها، فافهم.

هذا تمام الكلام في المقصد الأوّل من الخلل، و قد تعرضنا فيه القواعد السبعة ينتج فهمها في المسائل الراجعة بالخلل، و

هي القاعدة المستفادة من حديث (لا تعاد) و من زاد في صلاته فعليه الاعادة، و أن الركعتين الأوّلتين من كل رباعية و كذا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 163

ركعات المغرب لا تحتمل السهو، و قاعدة التجاوز، و قاعدة الفراغ، و قاعدة بعد الوقت، و قاعدة اعتبار الظن في الصّلاة و عدمه، إذا عرفت ذلك كلّه يقع الكلام بعونه تعالي في المقصد الثاني إنشاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 165

المقصد الخامس فى القضاء من الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 167

كتاب القضاء من الصّلاة

[في أنّ وجوب قضاء الصّلاة في الجملة مسلم بين العامة و الخاصّة]

في قضاء الصلوات: اعلم أن وجوب قضاء الصّلاة في الجملة مسلّم بين العامة و الخاصة و روي في ذلك روايات في طرقهم و طرقنا، و الكلام في قضاء الصّلاة يقع في امور:

[الكلام في قضاء الصّلاة يقع في أمور]
الأمر الأوّل: يقع الكلام فيه من حيث الشخص الّذي يجب عليه القضاء

و من حيث الصّلاة الّتي يجب قضائها فنقول: إن الصّلاة الّتي صارت متروكة في وقتها عن الشخص إمّا أن تكون من باب عدم تعلق تكليف بها على الشخص، و إمّا أن يكون تركها مع فرض تعلق التكليف بها عليه

و يكون من القسم الأوّل، الصّلاة الّتي تركها غير البالغ فلا يجب قضائها، و الصلوات الّتي تركها المجنون حال جنونه، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها فاقد الطهورين في الوقت، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها الحائض و النفساء في صورة كونها حائضا أو نفساء في تمام الوقت، و أمّا إذا لم يكن الحيض و النفاس مستوعبا لجميع الوقت، فياتى الكلام فيه إن شاء اللّه، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها المغمى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 168

عليه في جميع الوقت على وجه، و الغافل و الساهى عن الصّلاة في جميع الوقت على وجه.

و يكون من القسم الثانى، و هو من تركها مع تعلق التكليف بها في الوقت هو العامد، و العامد إمّا أن يكون مسلما و إمّا أن يكون كافرا اصليا «1» و إمّا يكون مرتدا مليا أو فطريا، و المسلم إمّا يكون من المخالفين و إمّا يكون منّا، و في كل منهما إمّا يكون مع كونه ممّن انتحل الاسلام و مقرا به و مع ذلك محكوم بالكفر كالنواصب من المخالفين و الغلاة منّا، و إمّا لا يكون كذلك كسائر الفرق منهم أو منّا، و من هذا القبيل المغمى عليه

و الساهى و الغافل في تمام الوقت على وجه يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، و كل هذه الموارد يقع البحث عنها كما قلنا من حيث الصّلاة الّتي يجب قضائها و الشخص الّذي يجب عليه القضاء.

الأمر الثانى: يقع الكلام في قضاء الصّلاة من حيث الخصوصيات المعتبرة

و الدخيلة في صلاة القضاء، و يشترط فيه بعد وجوب أصل القضاء مثل اللزوم و الفورية في القضاء و عدمه.

أمّا الأمر الأوّل: [الشخص الذي وجب عليه القضاء]
اشارة

فيقع الكلام فيه في جهات:

[البحث حول صلاة الكافر]
اشارة

الجهة الأولى: كما قلنا الكافر الأصلي يكون ممّن ترك الصّلاة في الوقت و فاتت عنه مع فرض تعلق التكليف به في الوقت، و في المقام اشكال، و هو أنّه كيف يمكن الجمع بين كون الكفار مأمورين بقضاء الصّلاة حال الكفر من باب انّهم مأمورون بالفروع كما هم مأمورون بالاصول، و يعاقبون عليها كما يعاقبون على

______________________________

(1)- اى باقيا على الكفر، و جعلنا المرتد في قبال الكافر يكون لأجل امكان اختلاف حكمهما من حيث القضاء.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 169

الاصول، و بين ما يلتزم به الامامية من أن الكفار إذا أسلموا سقط عنهم القضاء لأنّ الاسلام يجبّ ما قبله، فيكون تكليفهم بالقضاء تكليفا بغير مقدور، لانّهم على الفرض متى لم يسلموا لا يكونون قادرين على القضاء، لأنّ صحة قضاء الصّلاة منهم مشروطة بالاسلام، فما لم يسلموا لا يقدرون على امتثال التكليف، و على الفرض بمجرد أن يسلموا يسقط التكليف بالقضاء عنهم، ففي اى زمان يتمكنون من امتثال الأمر، فتكليفهم بالقضاء يكون تكليفا بغير مقدور.

[ذكر الإشكال و الجواب عنه بالنسبة إلى الكفّار]

و يمكن أن يقال: إن كان النظر في هذا الإشكال إلى عدم امكان كونهم مأمورين بالصّلاة حتّى في الوقت فنقول: في مقام الجواب عن هذا الإشكال ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه بأنّه نحن نلتزم بعدم كون الكافر مأمورا بالقضاء حتّى يرد هذا الإشكال، و أنّ ما قاله رحمه اللّه في جواب الإشكال كلام حسن، إذ ما يكون مسلّما هو كون الكافر مأمورا بالفروع في الجملة لا في كل مورد حتّى في خصوص القضاء، و مع الغض عن هذا الجواب بعد كونهم في الوقت مكلفين بقضاء الصّلاة فهم قادرون على امتثاله لقدرتهم على أن يسلموا و يمتثلون الأمر، فيكون التكليف بالمقدور.

و إن

كان النظر في الإشكال إلى أنّه بعد مضىّ وقت الصّلاة و فوتها عنهم، لا يمكن كونهم مكلفين بقضائها فنقول: بأنّه تارة يقال: إن القضاء تابع للاداء و لا يكون بأمر جديد بل بالأمر الأوّل بمعنى أن الأمر المتعلّق بالصّلاة مثلا ينحل إلى امرين أمر متعلق باصل طبيعة الصّلاة بدون تقيده بوقت خاص، و امر متعلق بخصوص المقيد اى الصّلاة في الوقت، فعلى هذا يكون الأمر بنحو تعدد المطلوب، و تارة يقال بأنّه بأمر جديد.

فإن قلنا بالأوّل، فيمكن دفع الإشكال المذكور بأن يقال: إن الأمر بالمقيد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 170

و هو المتعلّق بالصّلاة في الوقت سقط بعد مضى الوقت، و أمّا الأمر المتعلّق بالطبيعة فهو غير مقيد بالوقت و خارجه، و اذا تعلق بالمكلف كان امتثاله مقدورا لانه صار مأمورا بامتثال طبيعتها فالكافر صار مأمورا به في أول الوقت، و هو متمكن من امتثال هذا التكليف لتمكنه من تحصيل شرطه و هو الاسلام، و هذا التكليف حيث لا يكون مقيدا بالوقت فهو باق بحاله، فالامر الّذي يكون بعد الوقت لا يكون امرا مستقلا حتّى يقال: أن هذا الأمر امر بغير المقدور، بل الأمر بالطبيعة كما يدعو نحو المامور به اى الصّلاة قبل مضى الوقت، كذلك يدعو نحوه بعد مضيه، و على الفرض كان الأمر بالطبيعة مقدورا للمكلف لأنّه كان متمكنا من إن يوجد شرط صحتها و هو الاسلام في ظرف التكليف، و هو مقدار بقاء الوقت بأن يسلم و يأتي بالصّلاة. «1»

و أمّا إن قلنا: إن القضاء يكون بأمر جديد، بأنّه في مقام الاثبات حيث لا يمكن

______________________________

(1)- أقول- كما قلت بحضرته مد ظله في مجلس البحث- لا يرتفع بهذا البيان الإشكال المتقدم، لأنّ

بعد مضى الوقت إمّا أن تقول ببقاء الأمر المتعلق بطبيعة الصّلاة، و بعبارة اخرى إمّا أن تقول بوجوب القضاء بمقتضى هذا الأمر المتعلّق بالطبيعة، و إمّا أن تقول بعدم بقاء الأمر و عدم بعثه نحو طبيعة الصّلاة بعد مضى الوقت. فإن تقل بالاول فيعود الإشكال، لأنّ المستشكل يقول: كيف تقول بكون الكافر مأمورا بقضاء الصّلاة بعد الوقت مع فرض أنّه لا يتصور له الا حالتان: حالة الكفر و في هذا الحال غير قادر على الامتثال لأنّ شرط صحة صلاته الاسلام، و حالة الاسلام و على الفرض بمجرد اسلامه لا يكون مأمورا بالقضاء، ففي اى حال يكون هذا التكليف مقدورا حتّى يمكن الأمر و البعث نحوه؟ و أمّا إن قلت: بعدم كون الأمر بالطبيعة بعد الوقت داعيا إلى الطبيعة و لا يكون الكافر مأمورا بهذا الأمر على القضاء فهذا خلاف الفرض، لأنّ الإشكال يكون على فرض كون الكافر مأمورا بالقضاء، مثل ساير الفروع، فلا يدفع الإشكال بما قاله مد ظله العالى). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 171

أن تكون الأدلّة الاوليّة المتكفلة لوجوب الصّلاة و تشريعها في الوقت متكفلة لوجوبها في خارج الوقت، بل لا بد من دليل آخر يدلّ على أنّه على فرض الفوت في الوقت لا بدّ من إتيانها بعد الوقت.

فنقول: إن غاية ما يقال بناء على هذا هو ما قلنا: من كون القضاء في مقام الاثبات بامر جديد، و أمّا في مقام الثبوت فكما يمكن أن يكون امر بالصّلاة مقيدة بالوقت، و امر آخر بالصّلاة في خارج الوقت معلقا على الفوت في الوقت، و بعبارة اخرى امر بالصّلاة في الوقت و امر آخر بها خارج الوقت، كذلك يمكن أن يكون في مقام الثبوت ينحل

الامر الى أمرين امر بالصّلاة المقيدة بالوقت، و امر آخر بطبيعتها، بنحو تعدد المطلوب و لكن حيث يرى أن امرا واحدا غير قابل لذلك ففي مقام الاثبات امر بصلوة مقيدة بالوقت و امر بامر آخر بها خارج الوقت، و حيث إنّه لا دليل على كون ذلك في مقام الثبوت بالنحو الأوّل، فيمكن أن يكون بالنحو الثانى فبناء عليه و لو قيل بكون القضاء بامر جديد يمكن أن يقال في مقام دفع الإشكال المتقدم بما قلنا بناء على كون القضاء بالامر الأوّل، فبهذا النحو يمكن أن يقال في دفع الإشكال المتقدم ذكره.

[نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه في رفع الإشكال]
اشارة

ثمّ إن بعض الاعاظم (و هو آية اللّه العظمى الحائرى رحمه اللّه) ذكر في مقام دفع الإشكال وجها و حاصله هو أنّه في أول الوقت كما تعلق أمر بالصّلاة في الوقت، كذلك في أول الوقت تعلق امر بالصّلاة في خارج الوقت غاية الأمر يكون الأمر الأوّل مطلق و الأمر الثاني مشروط بعدم اتيان الصّلاة في الوقت، و كما أن الاسلام شرط في صحة الصّلاة في الأوّل كذلك شرط في صحتها في الثانى أيضا، فهو يكون مقدمة لهما، أمّا لصحة العمل الأدائى فواضح و أمّا لصحة العمل القضائي فلانه لو لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 172

يعلم إلى أن انقضى الوقت، فإن بقى على الكفر فلا يصح منه الصّلاة و إن اسلم فيخرج عن موضوع التكليف، فلا بد له من تحصيل هذا الشرط في الوقت و لكن يكون في الثاني دخله و اشتراطه فيها بنحو الشرط المتقدم، بمعنى أنّه بمجرد دخول الوقت و التكليف بالصّلاة في خارج الوقت، يجب تحصيل هذا الشرط اى الاسلام، و إن لم يحصل بعد شرط الوجوب و هو عدم الإتيان

في الوقت فعلى هذا يصير التكليف بالقضاء مقدورا لأنّ الكافر قادر على أن يسلم في الوقت و يجب عليه ذلك لتوقف كل من الواجبين اى الصّلاة في الوقت و الصّلاة خارجه عليه.

فلو أسلم في الوقت و يأتي بالصّلاة فيه، فلا يتوجه الأمر بالقضاء عليه، لعدم وجود شرط التكليف و هو عدم الإتيان في الوقت، و أمّا لو اسلم و لم يأت بها في الوقت فيتوجه إليه التكليف بعد الوقت لحصول شرط التكليف و هو الترك في الوقت و شرط المكلف به و هو الاسلام.

و لو لم يسلم في الوقت و ترك الصّلاة، فترك الصّلاة في خارج الوقت مستند إلى عدم تحصيل شرط الاسلام، فبهذا النحو يمكن تصوير كون الكافر مخاطبا بالصّلاة في خارج الوقت مع الالتزام بأنّه لو اسلم خارج الوقت يسقط التكليف. «1»

[إشكالات على هذا القول]
[الإشكال الأول]

و لكن فيه أمّا أولا، إن في مقام الاثبات إن كان دليل على أن شخصا كما يكون بعد حصول الوقت مكلفا بالصّلاة في الوقت، كذلك يكون بمجرد دخول الوقت مكلفا بالصّلاة بعد الوقت، غاية الأمر يكون التكليف الثانى مشروطا بعدم امتثال التكليف الأوّل، ثمّ بالنسبة إلى الكافر صار مورد الإشكال باعتبار عدم معقولية

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 557- 558.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 173

كونه حال الكفر مأمورا بالصّلاة بعد الوقت، مع فرض كون شرط صحة صلاته الاسلام، و على فرض الاسلام يسقط هذا التكليف.

فيمكن أن يقال في مقام دفع الإشكال: إنّ ما دلّ عليه الدليل هو كونه بعد دخول وقت مأمورا بالقضاء، غاية الأمر مشروطا بعدم اتيانه الصّلاة في الوقت، و الاسلام الّذي هو شرط في المامور به اى في صحتها يجب تحصيلها في الوقت أيضا لا

بعد الوقت، و مع الاسلام في الوقت و عدم إتيان الصّلاة فقد أوجد الشرط و يجب عليه الصّلاة بعد الوقت، فهو متمكن من امتثال التكليف القضائى، فلا يكون تكليفا بغير المقدور. و لكن بعد كون دليلنا الدال على وجوب القضاء- (و هو بعض الأخبار الوارد في الباب من أبواب القضاء)- يدلّ على أن القضاء يجب في طول الأداء، بمعنى أنّه من لم يصل في الوقت يتعلق به الأمر بعد الوقت بإتيانها، أو بعد كون المكلف من المسلم و الكافر مأمورا بالصّلاة بعد الوقت بالأمر المتعلّق بهما بعد مضى الوقت لا بعد دخول الوقت، فلا يكون في الوقت امر متعلق بالصّلاة بعد الوقت و لو مشروطا بتركها في الوقت حتّى يقال: انّ بعد وجود امر بالصّلاة بعد الوقت بمجرد دخول الوقت، فيكون الاسلام الّذي هو شرط في صحتها واجب التحصيل في الوقت. و بهذا النحو يدفع الإشكال عن كون التكليف بالقضاء على الكافر يكون تكليفا بغير المقدور، بأن يقال: بأنّه بعد كون الاسلام الّذي شرط في صحتها واجب في الوقت، فهو إذا لم يسلم في الوقت جعل نفسه مضطرا و الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار.

فما قال رحمه اللّه في توجيه دفع الإشكال يصير مجرد تصور غير قابل الانطباق مع ما يدلّ عليه الدليل في مقام الاثبات، فلا يتم هذا التوجيه و لا يدفع به الإشكال.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 174

[الإشكال الثاني]

و أمّا ثانيا، فنقول أن ما قاله رحمه اللّه من أن الاسلام شرط في صحتها، و لكن يجب ايجاد هذا الشرط في الوقت لكونه دخيلا في الصّلاة بنحو الشرط المتقدم، و لهذا قال:

يكون التكليف بالقضاء مقدورا من باب تمكنه من حفظ الشرط اى الاسلام في الوقت،

ليس في محلّه.

لأنّ الاسلام شرط في صحة العمل، و يعتبر وجود هذا الشرط حال العمل فيجب تحصيله حال إتيان الصّلاة في خارج الوقت، و لا يجب ايجاده قبل ذلك في الوقت، فالاسلام الّذي هو مقدمة لصحتها يجب ايجادها مقارنا لها بحيث تقع حال الاسلام، لا قبل ذلك في الوقت كما توهم رحمه اللّه، و سقوط التكليف بالقضاء لو أسلم بعد الوقت لا يوجب عدم كون الاسلام بعد الوقت مقدمة لصحة العمل من باب تحصيل أن الاسلام بعد الوقت يكون سببا لانتفاء موضوع القضاء، فكيف يكون مقدمة لها و مما يتوقف العمل عليه، لأنّ الاسلام حتّى بعد الوقت يكون شرطا في صحتها و غير منعزل عن شرطيته لكن التكليف يسقط بالاسلام، و هذا لا يوجب عدم امكان كونه شرطا في هذا الحال، بل القدر المسلم من مقدميته للصّلاة كونه مقدمة لها حال العمل، و كيف يمكن الالتزام بعدم كون الاسلام مقدمة للصحة بعد الوقت. «1»

______________________________

(1)- (أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالى، ليس غرض بعض الاعاظم رحمه اللّه كون دخل الاسلام في المكلف به اى في صحة الصّلاة بنحو الشرط المتقدم، بل يكون غرضه أنّه بعد كون التكليف بالصّلاة بعد الوقت متوجها بالمكلف بعد الوقت مثل التكليف بالصّلاة في الوقت، غاية الأمر أنّه مشروط بعدم إتيانها في الوقت، و الواجب المشروط يجب حفظ ساير شروطه غير ما علق عليه الطلب، لأنّه لو كان ترك الواجب مستندا إلى غير ما علق عليه الطلب يصح عليه المؤاخذة، فيجب على الكافر أن يسلم في الوقت مقدمة، لأنّه لو لم يسلم حتّى مضى الوقت و لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 175

[الإشكال الثالث و الحقّ ما قاله صاحب المدارك]

و ثالثا، على ما قاله رحمه اللّه لا بدّ

من التزامه بكون الكافر عاصيا و معاقبا على ترك الصّلاة في خارج الوقت من باب عدم إسلامه في الوقت و ان أسلم خارج الوقت، لكونه تاركا للواجب كما ذكره في لا يقال، و لا يتم ما قاله في جوابه بقوله لانّا نقول بأنه مكلف في الوقت بأحد الامرين: إمّا الصّلاة في الوقت و إمّا الإسلام خارجه.

و يجب عليه القضاء على تقدير ترك الصّلاة في الوقت، فلو أسلم فقد أمتثل الواجب الأولى و أتى بالفرض الاصلى.

لأنّ هذا خلاف ما قاله من كونه مكلفا في الوقت بالقضاء أيضا بعد دخول الوقت، و ان الاسلام في الوقت يجب مقدمة له، فإن كان الواجب عليه أحد الأمرين من الصّلاة في الوقت أو الاسلام خارجه، فلم يجب عليه الاسلام في الوقت مقدمة لصحة الصّلاة خارجه لأنّه على ما قال يمكن له ترك الصّلاة في الوقت و اختيار الاسلام بعد الوقت، و لو لم يحصل في الوقت و لم يسلم بعد الوقت فيعاقب على ترك الواجب التخييرى، لا على ترك الاسلام في الوقت.

فتلخّص أن ما قاله رحمه اللّه في جواب الإشكال المتقدم لا يدفع الإشكال، و العمدة في الجواب هو ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه من عدم تسلم كون الكافر مأمورا

______________________________

يتمكّن من اتيان الصّلاة فيصح المؤاخذة عليه، لأنّه ترك ما وجب عليه مع كونه مقدورا له باعتبار قدرته على الاسلام في الوقت، فهو لا يقول: بان الاسلام لا يكون مقدمة لصحّة حال العمل، بل يقول: إنّه يجب حفظ هذه المقدمة بعد تعلق الوجوب لما قال في الاصول من لزوم حفظ المقدمات المفوتة، فلا يرد عليه ما اورده مد ظله العالى ثانيا الا إن ينكر المبنى من عدم لزوم حفظ

هذا القسم من المقدمات، نعم إن كان غرضه ان الاسلام بعد الوقت لا يكون مقدمة اصلا، بل المقدمة هو الاسلام في الوقت كما يلوح من ذيل كلامه، فيرد عليه ما افاده مد ظله العالى ثانيا فتامل). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 176

بالقضاء حال الكفر، و قد ذكرنا وجها على سبيل الاحتمال في دفع الإشكال، و لكن التحقيق للجواب كما قلنا يكون ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه.

ثمّ بعد ذلك نقول بأن من يترك الصّلاة في الوقت إن كان كافرا اصليا فلا يجب عليه القضاء لو أسلم مسلّما و الاسلام يجب ما قبله.

و أمّا شمول هذا الحكم للمرتد سواء كان مليّا أو فطريّا بناء على قبول توبته أو كون عدم قبول توبته مخصوصا ببعض الآثار لا كل الآثار حتّى عدم صحّة عبادته أو كون المرتدّ امرأة لا رجلا فغير معلوم.

فعلي هذا لو أسلم المرتد يجب عليه قضاء الصلوات الّتي تركها حال ارتداده.

و أمّا المخالف من المسلمين فلا يقضى الصلوات الّتي أخل بها حال المخالفة بعد استبصاره، بشرط إيتانها موافقا لمذهبه حال كونه مخالفا، و يدلّ عليه بعض الروايات الدالة على عدم وجوب قضاء ما أتى به من العبادات حال المخالفة الا الزّكاة.

و أمّا المخالف الّذي استبصر و لم يأت حال المخالفة صلاة اصلا أو أتى بها و لكن لا على وفق مذهبه فهو يتصور على نحوين:

إمّا أتى بها على طريق المذهب الحق اى مذهبنا.

و إمّا أتى على غير طريقه و طريقنا، فهل يجب عليه قضائها مطلقا، أو عدم قضائها مطلقا، أو التفصيل بين الصور الثلاثة.

لا يبعد وجوب القضاء على المخالف لو لم يأت بها اصلا أو أتى بها لا على طبق مذهبه و لا على طبق

مذهبنا، و أمّا لو أتى بها على طبق مذهبنا بان أتى في حال كونه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 177

مخالفا بالصّلاة على كيفية نقول نحن بها مع تمشي قصد القربة فلا يبعد عدم وجوب القضاء عليه، لانه أتى بما هو تكليفه، و عدم كون عمله مع الولاية لا يضر بعد استبصاره، لما دل على صحة صلاته، لعدم وجوب قضائها لو استبصر، و الحال أنّه أتى بها على طبق مذهبه مع كون عمله فاقد الولاية.

[في حكم قضاء الناصبي]

و في حكم هذا القسم من المخالف من انتحل الاسلام أو يكون كافرا مثل الناصبى لو استبصر فحكمه حكمه.

و أمّا من ترك الصّلاة منّا فلو تركها عامدا يجب قضائها عليه مسلّما، و يدل عليه ما ورد في النائم و الناسى بالاولوية.

و يجب قضائها على النائم و الناسى المستوعب نومه و نسيانه جميع الوقت لدلالة بعض الروايات عليه فارجع الباب 1 من أبواب القضاء من الوسائل.

و لا يجب القضاء على الحائض و النفساء في تمام الوقت لدلالة بعض الأخبار عليه، و كذا على فاقد الطهورين في جميع الوقت.

و أما المغمى عليه فلا يجب عليه قضاء الصّلاة إذا كان الإغماء مستوعبا لجميع الوقت و كان اغمائه باسباب غير اختيارية لا بفعله و لا بفعل غيره، نعم يستحبّ له القضاء جمعا بين الأخبار الدالة على الأمر بالقضاء، و الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء عليه بحمل ما دل على الأمر بالقضاء على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم القضاء، و ما دل على القضاء في ثلاثة ايام و عدم الوجوب في ازيد منها، و ما دل على القضاء ليوم واحد لا أكثر، فيحمل على مراتب الفضل، فيقال:

لا يجب القضاء على المغمى عليه و لكن

يستحبّ له القضاء مطلقا و استحبابه أشدّ و افضل بالنسبة إلى ثلاثة أيام، كما أنّ القضاء فى ثلاثة أيام افضل بالنسبة الى يوم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 178

واحد، و هذا ما لا اشكال فيه.

إنما الكلام في ما كان الاغماء بسبب من نفسه أو من غيره: أمّا إذا كان حدوثه من قبل نفسه فلا يبعد وجوب القضاء عليه و عدم شمول الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه للمورد، لأنّ ما ذكر في بعضها من أنّه «كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه اولى بالعذر» لا يشمل المورد، لأنّه ليس ممّا غلب اللّه بل بعمل نفسه.

و أمّا إذا كان بعمل غيره مثل ما إذا صار مغمى عليه بسبب دواء يداويه الطبيب فهل يجب عليه القضاء أم لا وجهان:

و حيث إن المهم المبحوث عنه في مبحث صلاة القضاء يكون أمرين، نعطف عنان الكلام إليهما إن شاء اللّه فنقول:

[أما الأمر الثاني خصوصيات قضاء الفوائت]
[ذكر مسألتين في أن هل يجب قضاء الفوائت فورا و هل يجب الترتيب]
اشارة

هل يجب قضاء الفوائت فورا و المبادرة إلى فعله أو لا؟ و هل يجب الترتيب فيها أم لا؟ فهنا مسئلتان:

المسألة الأولى: هل يجب المبادرة إلى فعل القضاء و إتيانه فورا

أو لا يجب ذلك؟

المسألة الثانية: هل يجب الترتيب فيه أم لا؟

و فيها جهتان:

الجهة الأولى: في وجوب الترتيب بين الفوائت بمعنى وجوب اتيان كل فائتة حسب ترتيبها على الاخرى.

الجهة الثانية: وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، بمعنى وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيق وقت الحاضرة، فنقول بعونه تعالى:

المسألة الاولى: هل يكون امر قضاء الصّلاة مبنيّا على المضايقة او المواسعة، و قد يعبر في بعض الكلمات عن هذا النزاع بأنه: هل يكون الترتيب بين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 179

الفائتة و الحاضرة أم لا؟ و عبروا عن ذلك بالمضايقة و المواسعة، فمن يقول بالترتيب يكون معناه المضايقة و من يقول بعدمه يكون معناه المواسعة.

[الأقوال فى المضايقة و المواسعة ستة]
اشارة

اعلم أن الاقوال في المسألة على ما تتبعنا ستة:

القول الأوّل: وجوب اتيان الفائتة فورا مطلقا

يعنى المضايقة و هذا القول منسوب إلى السّيد و الشيخين و بعض آخر و ادعى بعض كون ذلك مجمعا عليه أو المشهور أو الاشهر، و ربما يكون لازم هذا القول الاشتغال باتيان الفوائت و الاشتغال عن غيرها حتّى الاكل و الشرب الا بمقدار الضرورة.

القول الثانى: عدم وجوب الفورية و كون الأمر يبنى على المواسعة مطلقا

، و هذا القول مختار الطاوس، و نسب هذا القول إلى عبيد اللّه بن على الحلبى و حسين بن سعيد من الاصحاب و بعض الفقهاء، و هو مختار غالب المتاخرين.

القول الثالث: التفصيل بين فائتة واحدة و اكثر

، فإن فاتت عن المكلف صلاة واحدة يجب المبادرة إلى قضائها و إن كان أكثر فلا.

القول الرابع: التفصيل بين فائتة يوم و غيره

، فيجب القضاء فورا في الأوّل و عدمه في الثانى.

القول الخامس: التفصيل بين فائتة واحدة من يومه و غيرها

فلو فاتت عنه صلاة واحدة من يومه الّذي هو فيه، يجب عليه المبادرة إلى قضائها و إلّا فلا.

القول السادس: بين ما إذا كان منشأ الفوت النسيان و غيره

، ففي الأوّل يجب قضائها فورا و في الثانى لا يجب ذلك، و هذا القول محكى عن ابن حمزه في الوسيلة.

هذا كله الاقوال في المسألة، و العمدة القولان الاولان، و يمكن ان يقال بكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 180

ساير الاقوال من الاقوال النادرة، و القائل بالقول الأوّل اكثر القدماء، بل ربما لا يوجد منهم قائل بالقول الثانى، و ما قال ابن طاوس من كون القائل بالقول الثانى عبيد اللّه بن حلبى غير مسلّم.

و ما تمسك به القائلون بالمضايقة امور ثلاثة:
الأمر الأوّل: الفوريّة و أنّه يجب اتيان ما فات من المكلف فورا

بمعنى وجوب المبادرة إليها متى تذكر ترك الصّلاة. و مرادهم من الفوريّة إمّا يكون بمعنى كون وقت تذكر فوت الصّلاة وقتا لها، فكما ان زمان الأداء وقتا لها كذلك زمان التذكر يكون وقتا لها، و يمكن ان يكون بمعنى وجوب إتيانها في ذلك الزمان فورا لا كون هذا الزمان وقتا لها، فإن كان مرادهم الاحتمال الأوّل فلازمه كون إتيانها بعد ذلك الزمان إتيانا في ما بعد الوقت، لأنّ الزمان الأوّل وقتا لها على الفرض و قد مضى هذا الوقت و أمّا إن كان المراد اتيانها فورا فلا يكون إتيانه بعد ذلك الزمان إتيانا لها بعد وقته.

الأمر الثانى: في الترتيب بمعنى وجوب كون الحاضرة مرتبة على الفائتة

فيجب أولا المبادرة إليها ثمّ إلى الحاضرة، و المراد من ذلك يحتمل أن يكون بمعنى شرطية الترتيب و أنّه يشترط في الحاضرة كونها مترتبة على الفائتة كما يشترط في العصر تأخّرها عن الظهر، و يحتمل أن يكون المراد من الترتيب مجرد وجوب الفائتة فورا لا شرطية الترتيب، فاذا وجب إتيانها فورا فيجب تأخر الحاضرة من باب كون الأمر بشي ء مقتضيا للنهى عن ضده.

الأمر الثالث: وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة

لو شرع فيها نسيانا فتذكر في أثنائها عدم إتيانه بالفائتة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 181

و قبل الشروع في بيان استدلال الطرفين و ما يقتضي الادلة نعطف عنان الكلام إلى ما يقتضيه الاصل بحيث لو وقعنا في الشّك نرجع إليه.

فنقول بعونه تعالى: إن ما يقتضيه الاصل هو البراءة عما شك فيه أعنى وجوب الفورية، فإن شك في كون زمان التذكر وقتا لها أم لا، فمعناه وجوب إتيانها في ذلك الوقت و عدم جواز تاخيرها عنه، فهو مشكوك و الاصل يقتضي البراءة، و إن كان معناه مجرد وجوب الفورية فكذلك لأنّه يكون الشّك أيضا في التكليف و هو مجرى البراءة.

هذا بناء على كون المحتمل الفورية باحد النحوين.

و أمّا إن كان المشكوك شرطية ذلك بمعنى كون شرط الحاضرة ترتبها على الفائتة و صار ذلك مشكوكا، فيكون مجرى البراءة أيضا لكونها من صغريات في جزئية شي ء أو شرطيته للمركب.

و كذلك لو قيل بوجوب ترتب الحاضرة على الفائتة لا من باب احتمال استفادة شرطية ذلك كما في الاحتمال السابق، بل من باب احتمال وجوب فورية إتيان الحاضرة.

ثمّ يقال بأن مقتضى كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فيجب تاخير الحاضرة عنه، و تكون النتيجة هو تقديم الحاضرة على الفائتة.

فأيضا يقال أولا: إن وجوب فورية الحاضرة مشكوك فيدفع

باصالة البراءة و ثانيا الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

و أمّا وجوب العدول- اعنى الوجه الثالث ممّا استند إليه القائل بالمضايقة-

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 182

فلو شك في أنّه إذا شرع في الحاضرة و تذكر في أثنائها كون وقتها مشغولة بالفائتة فهل يجب العدول منها إلى الفائتة، فأيضا يكون الاصل عدم وجوب العدول، لأنّ الشك إن كان في وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة، فيكون ذلك مشكوكا فأصالة البراءة عن وجوب المشكوك تجري أيضا هذا حال الاصل لو شك في احد الامور الثلاثة المتمسكة بها.

و لكن هنا اشكال في إجراء أصالة البراءة ذكرناه في رسالتنا الّتي كتبناها في المواسعة و المضايقة (و أشار بهذا الإشكال صاحب الجواهر رحمه اللّه و الشيخ الانصارى رحمه اللّه في رسالته في المواسعة و المضايقة) و هو أنّه إذا شك في وجوب اتيان الفوائت فورا و عدمه، فيقال: يكون المورد موردا لأصالة الاحتياط بأن يقال: بعد ما يعلم تعلق الوجوب بقضاء الصّلاة فلو أتى المكلف في الآن الأوّل بعد ما تنجز عليه التكليف فيحصل الامتثال، و لو أخرها و لم يأت بها فورا فلو لم يقدر المكلف على امتثالها بعد ذلك فيصح بحكم العقل عقوبته، فبعد كون مصحح العقوبة موجودا في نظر العقل في هذا الفرض يجب عليه المبادرة باتيانها في أوّل زمان تعلق الوجوب كى لا يقع في عقوبة مخالفة التكليف المنجز، و ليس هذا من باب كون الامر دالا على الفورية كى يقال في جوابه بأن الأمر لا يقتضي الفورية.

لا يقال: بأنّه بعد كون الأمر لا يدعو الا إلى متعلقه و متعلقه ليس الا نفس الطبيعة غير مقيدة بالفورية و التراخى، و لا يكون مقيدا بوقت و

زمان خاص، فالأمر لا ينبعث إلا نحو نفس الطبيعة، و العقل لا يحكم إلا بامتثال أمر المولى، و على حسب الفرض ليس أمر المولى موقتا باول زمان التذكر أو موقتا بهذا الوقت، فيكون بحكم العقل مخيرا في ما بين إتيانه في الوقت أو أوقات اخر، فكيف يحكم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 183

العقل بوجوب إتيانه في أوّل الزمان، و إلّا يصحّح العقل عقوبته.

لانا نقول: نحن لا نقول: بدلالة الأمر على الفورية و لا على التوقيت باول الوقت، بل نقول: بأنّه بعد ما يعلم العبد بأن المولى طلب منه طبيعة الصلاة، و يعلم بأنه لو أخّر عن هذا الزمان امتثال الأمر فبعده لا يتمكن من امتثاله، أو لا يعلم بتمكنه عن الامتثال، بل يحتمل عدم تمكنه عن الامتثال بعد ذلك، ففي هذا الفرض يحكم العقل بوجوب امتثاله في أول الوقت و فورا و يصحّح العقوبة بتركه في أوّل الوقت، فلو اخّر و تمكّن من امتثاله بعد الوقت و امتثل فلا يعاقب على ترك المامور به لكن يحسب متجريا على مولاه و لو لم يتمكن من الامتثال بمجرد قدرته على امتثاله في أوّل الوقت يصح بحكم العقل عقوبته، و لأجل هذا نقول: بأنّه مع الشّك يكون مقتضى الاصل الاحتياط لا البراءة. «1»

______________________________

(1)- (أقول- كما قلت اجمالا بحضرته مد ظله العالى- إنه مع كون الأمر متعلقا بنفس طبيعة الصّلاة فالعقل لا يحكم الا بوجوب اطاعة هذا الأمر، و على الفرض ليس الامر و لا المامور به مقيدا بالفورية حتّى يحكم العقل بمصححية العقوبة مع التأخير.

فقال مد ظله العالى: بأنّه و لو لم يكن المبعوث إليه الا نفس الطبيعة، و لكن بعد ما يرى العبد أنّه لو أتى بها

فورا يحصل امتثال أمر المولى، و لو أخّر يمكن تفويت غرضه فيحكم العقل باتيانه فورا و حفظ غرضه.

ثمّ اعلم أن التكليف المتعلّق بالطبيعة بدون تقيده بالفور و التراخى و إن كان يحكم العقل بكون المكلف مخيرا فيها بحسب الازمان، أى له أن يأتي بها في الآن الأوّل أو غيره من الآنات، و لكن المكلف تارة يدرى بقدرته على امتثال الأمر في ساير الآنات مثل الآن الأوّل و بعبارة اخرى يعلم تمكنه من إتيان الصّلاة في الآن الثانى و الثالث و الرابع مثل الآن الأوّل، و تارة يعلم عدم تمكنه في غير الآن الأوّل من الامتثال و تارة لا يدرى بأنّه هل يتمكن من الامثال في الآنات

اللاحقة كما يتمكن من ذلك في الآن الأوّل أولا يتمكن من ذلك.

و يكون نظره الشريف إلى صورتى الثانية و الثالثة على الظاهر، لأنّه فى الصورة الاولى لا يمكن أن يقال: بأنّ العقل يصحّح العقوبة مع التأخير، لأنّه لم يطلب منه الا الطبيعة و لها افراد باعتبار الازمنة، و العقل يحكم بالتخيير بينها، و على الفرض يتمكن من الامتثال في كل الازمنة فلا يحكم العقل بلزوم الامتثال في أول الازمنة.

و أمّا في صورتى الثانية و الثالثة، أمّا في ما يعلم بعدم التمكن من الامتثال في الآنات اللاحقة، فيقول مد ظله العالى بأن العقل يحكم بوجوب المبادرة فى هذه الصورة مسلّما لأنّه بعد ما يعلم العبد ان المولى طلب منه ايجاد الطبيعة، و يعلم أنّه لا يتمكن من الامتثال بعدا لو لم يأت به في الزمان الأوّل فيصحّح العقل العقوبة على تركها، لأنّ العقل يحكم بلزوم الخروج عن عهدة التكليف، و هو يعلم بأنّه لو لم يأت به فورا لا يتمكن من

الخروج عن عهدته.

و أمّا في ما لا يدرى تمكنه في الآنات اللاحقة من الامتثال أم لا، فقد يقال باستصحاب حياة المكلّف فيكون أثره عدم وجوب الفورية، لأنّه ببركة هذا الاستصحاب يكون الشخص كمن يعلم بقائه في الازمنة اللاحقة.

و قال مد ظله العالى في جواب ذلك: بأن الاستصحاب لا يجرى لعدم اثر له، لأنّ الشّك يكون في وجوب البدار و عدمه و استصحاب حياته لا يثبت عدم الفورية.

و لكن أقول: بأن اصالة السلامة و هى أصل من الاصول العقلائية يقتضي بقائها و يعمل بها عند الشك و مثبتها حجة أيضا، فببركتها يحكم ببقائه، فلا يكون العقل حاكما بوجوب المبادرة من باب احتمال عدم التمكن من الامتثال في الازمنة اللاحقة، و لو فرض حكم العقل بمصحّحية العقوبة لو ترك الامتثال في الزمان الأوّل و لكن لا يحكم بذلك في الصورة الأولى أعنى: صورة علمه ببقائه في الآنات اللاحقة، ففي هذه الصورة لا يجب على المكلف المبادرة إلى القضاء، فلا يكون الأمر مبيّنا على المضايقة في هذه الصورة، فعلى هذا لا ينتج هذا الاصل على تقدير جريانه في الصورة الثانية أو هى و الثالثة أعنى: في صورة علمه بعدم التمكن من الامتثال في غير زمان الأوّل و في صورة شكه في ذلك لاثبات المضايقة المطلقة، أى وجوب فورية القضاء مطلقا، لما عرفت من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 185

هذا حال الاصل في المسألة، اعلم أنّه كما قلنا يقع الكلام تارة في الاقوال في المسألة فقد عرفت أنّه بلغ ستة (بل ثمانية على ما ذكره الشّيخ الانصارى رحمه اللّه) عندنا، و الكلام يقع في مورد الخلاف و الكلام، فمورد الكلام يكون في جهات ثلاثة:

[يقع الكلام في جهات ثلاث]
الجهة الأولى: في أنّه هل يجب قضاء الفوائت فورا أو لا يجب ذلك؟

ففي هذه الجهة عندنا اقوال، و

عمدتها الفورية المطلقة إمّا بنحو التوقيت بمعنى الزمان الأوّل و امثالها، و إمّا بمعنى وجوب الإتيان بها فورا لا على نحو التوقيت، و لازمه عدم اشتغال بشي ء الا بقضاء الفوائت على من عليه الفوائت حتّى لتهيئة الأكل و الشرب الا بقدر الضرورة، و مقابل هذا القول عدم الفورية و كون البناء على المواسعة.

الجهة الثانية: وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة بمعنى شرطية ذلك للحاضرة

، أو بمعنى وجوب تقويم الفائتة، و لازمه عدم جواز الحاضرة قبلها، و هذه الجهة مورد الخلاف بيننا، فبعضهم قالوا باعتبار ذلك بنحو الوجوب و بعضهم بعدم وجوب ذلك و كون التقديم إمّا بنحو الاستحباب أو مجرد الجواز.

الجهة الثالثة: و هي متفرعة على الجهة الثانية و هى أنّه إذا شرع في الحاضرة فتذكر في أثنائها الفائتة عليه

يجب العدول منها إلى الفائتة على قول، و عدمه على قول.

و كما أن هذه الجهات الثلاثة مورد الكلام و الخلاف عندنا، كذلك يكون عند العامة، ففي الجهة الأولى قال بعضهم بوجوب الفوريّة و بعضهم بعدمه.

______________________________

أن في صورة العلم بالتمكن من الاطاعة في الازمنة اللاحقة لا يحكم العقل بوجوب اتيانها فورا). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 186

و في الجهة الثانية قال بعضهم بوجوب الترتيب مطلقا حتّى في ما ضاق وقت الحاضرة، و بعضهم بوجوبه في ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

و في الجهة الثالثة كلهم يقولون بعدم جواز العدول على خلاف ما عندنا، فإن أصحابنا متفقون على الجواز و إن اختلفوا بين وجوبه و عدمه، و لكنهم يقولون بعدم جواز العدول غاية الأمر بعضهم يقولون بأنّه لو تذكر في أثناء الحاضرة فوت الفائتة يقطع الحاضرة و يشرع في الفائتة، و بعضهم يقولون باتمام ما بيده من الحاضرة و إتيان الفائتة ثمّ إتيان الحاضرة أيضا، و لازمه إتيان صلاة الحاضرة مرّتين، و هذا قول موافق للاحتياط.

[الأخبار في الباب]
اشارة

و أمّا الأخبار ففي طريقهم وردت بعض الروايات رواها في نوع صحاحهم و مسانيدهم عن سبعة صحابى، فبعضهم ينقلون ما يدل على انّه يؤتى بالفائتة إذا تذكّر و بعضهم ينقلون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نام في سفر عن الصّلاة حتّى طلع الشّمس ثمّ أتى بها، و بعضهم ينقلون أنّه اشتغل في الخندق ففات منه صلاة على ما في رواية، و صلوات اربع على ما فى رواية اخرى فاتى بها متى ما ذكر.

و اعلم ان ما يدلّ على أنّه يؤتى بها إذا ذكر لا يدل على الفورية، بل الغرض اتيانها بعد تذكرها كما هو المتعارف في مكالماتنا، فيقول

أحد: انّي نسيت مثلا فعل كذا، فتقول له: لا مانع، افعله إذا ذكرت، و الغرض أنّه ما وقع شي ء و يمكن إتيانه فعلا، و الشاهد على ذلك ما في بعض الروايات المنقولة في طرقهم من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما أيقظ من نومه و فات عنه صلاة الغداة أمر بالارتحال عن هذا المكان، ثمّ أتى بالركعتين، ثمّ قضاها و الحال أنّه إن كان الواجب الفورية لا يناسب تاخيرها.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 187

و أمّا قضية الخندق، فهو نقل فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو لا يدلّ على الوجوب فلو كنا في محيط العامّة و هذه الروايات لكان الحق اختيار قول الشافعى من عدم لزوم الفورية و عدم المضايقة، و لكن نحن بحمد اللّه- مع ما نحن عليه من الولاية و التمسك بالعترة الّتي أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالتمسك بهم صلوات اللّه عليهم، و جعلهم عدل القرآن و حجة مثله- ففي غنى عن التمسك بما تمسكون به من الاقيسة و الاستحسانات، و العمل بقول كل صحابى و لو كان في الكذب و الطعن في الدين ما كان، بل نعمل بالكتاب و السنة النبويّة و اخبار اهل البيت المعصومين عليهم السّلام الّذي أمرنا رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالتمسك بقولهم في الحديث المشهور بين الفريقين، و هو قوله: اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى الخ، فالازم لنا ذكر الأخبار الواردة في طرقنا، و كما ان الكلام في جهات ثلاثة قدمنا ذكرها، كذلك اخبارنا تعرضت لهذه الجهات الثلاثة.

فطائفة منها متعرضة لحيث الفورية و عدمها، و

طائفة لحيث الترتيب و عدمه، و طائفة لحيث العدول.

[/ الطائفة الأولى من الأخبار متعرضة لحيث الفورية و هي على قسمين]
اشارة

أمّا الطائفة الأولى فهى قسمان، فبعضها ما يستدل به على المضايقة و الفورية، و بعضها على عدمها.

أمّا القسم الأوّل [ما يستدل به على المضايقة و الفورية]

: منها فروايات:

الأولى: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (إنّه قال: اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها ادّيتها، و صلاة ركعتى طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصّلاة على الميت، هذه يصليهنّ الرجل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 188

الساعات كلها) «1».

و هل يستفاد من قوله (متى ما ذكرتها ادّيتها) الفورية أم لا يدل على ذلك؟، الحق عدم دلالتها عليه، بل يدلّ ظاهر هذه العبارة على أن يحدث هذا العمل اى الصّلاة بعد التذكر و عدم بأس على صيرورتها متروكة قبل التذكر، كما هو المتعارف من هذه العبارة عندنا في ما لو صار شخص مطالبا بعمل، فيرى الآمر و الحال أنّه ينسى ان يعمل العمل فيقول: نسيته، فيقول له: ائت بها بعد التذكر، فليس هذا الكلام إلا في مقام ان العمل يؤتى به بعد التذكر و ما مضى مطلوبيته، و أمّا لزوم الفورية و البدار فلا يستفاد من هذا الكلام خصوصا بعد ما نذكر ان شاء اللّه من التعبير بهذا الكلام مع تجويز التأخير و عدم فرض البدار كما في الخبر الّذي يأتي ان شاء اللّه، مضافا إلى أنّه لو كان ظاهر العبارة هو ما توهّم فيكون لازمه كون زمان التذكر وقتا لها و هذا بعيد.

الثانية: ما رواها حماد بن عثمان (إنّه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشّمس أو عند غروبها، فقال: فليصل حين يذكر) «2».

و وجه دلالتها مثل السابقة.

و فيه ما قلنا مضافا إلى احتمال كون النظر فيها على

عدم بأس في اتيان عند طلوع الشّمس و غروبها، فيكون الأمر في مقام توهّم الحضر و لا يستفاد من الامر الا الجواز.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 39 من أبواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 189

الثالثة: ما رواها معاوية بن عمار (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: خمس صلاة لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و اذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و اذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة) «1».

الرابعة: الروايات 5 من الباب المذكور، و هى ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: خمس صلوات تصليهنّ في كل وقت: صلاة الكسوف، و الصّلاة على الميت، و صلاة الاحرام، و صلاة الّتي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشّمس و بعد العصر إلى الليل). «2»

لا يبعد كون النظر فيها إلى عدم بأس في اتيانها في أى وقت، فتكون في مقام نفي توهّم الحظر.

الخامسة: ما رواها الرازى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات، فذكر عند طلوع الشّمس و عند غروبها؟ قال: فليصل حين ذكره.) «3»

السادسة: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسى صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها في أى ساعة ذكرها. «4»

السابعة: ما رواها حريز عن زرارة عن أبى جعفر (و فيها قال عليه السّلام: و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها، فصل الغداة أى ساعة ذكرتها و لو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 39

من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 16 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 190

بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها الخ.) «1»

الثامنة: ما رواها يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أ يصلى حين يستيقظ أو ينتظر تبسط الشمس؟ فقال: يصلى حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلى الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة.) «2»

و لا يبعد ورود الأمر مقام توهّم الخطر.

التاسعة: ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى؟ فقال إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها.) «3»

اعلم أن المستفاد من هذه الروايات ليس إلا بيان ان الإتيان بالقضاء يحدث بعد التذكر، و أمّا وجوب ذلك بمجرد التذكر فلا يستفاد منها، خصوصا إن قيل بأن ظاهرها التوقيت و كون زمان التذكر وقتا لها، لأنّ القائل بالفورية لا يلتزم بذلك، و الشاهد على عدم كون المراد منها هو وجوب الإتيان بها فورا بمجرد التذكر بحيث لا يعمل عملا الا ان يشتغل بها، هو ما ورد في بعض الروايات الدالة على المواسعة من التعبير بعين ذلك، مع الأمر باتيان الصّلاة القضائية بعد فصل، و عدم لزوم اتيانها فورا كما نرى في الرواية الثالثة، و هى ما رواها سماعة بن مهران ففيها مع قوله (يصلّيها حين يذكرها) علل ذلك بفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلم من أنّه بعد ما رقد عن صلاة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب المواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 191

الصبح حتّى طلعت الشّمس، ثمّ صلّيها حين أستيقظ، و لكنه تنحى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى، مع ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما تنحى عن مكانه قضاها، فهذا شاهد على أن قوله (يصليها حين يذكرها) لا ينافى مع الفصل بين التذكر و بين اتيانها.

فعلى هذا نقول: ليس لهذه الروايات ظهور في وجوب الفورية لا في التوقيت و كون زمان التذكر وقتا لها و لا بمعنى الفورية.

و أمّا القسم الثانى: أعنى الأخبار الّتي يستدل بها على المواسعة و عدم وجوب الفورية

نذكرها ان شاء اللّه.

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى أذاه حر الشمس، ثمّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح، و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدنى الّذي ارقدك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: و كره المقام و قال: نمتم بوادى الشيطان. «1»

الثانية: ما رواها الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه: إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة يبدأ بالمكتوبة. قال: فقدمت الكوفة فاخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منى، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السّلام فحدثنى: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا فقال بلال: انّا، فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس. فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللّه أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الّذي أصابكم فيه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 192

الغفلة، و قال يا بلال أذّن، فأذّن فصلى رسول اللّه ركعتى الفجر، و أمر أصحابه فصلوا ركعتى الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسى شيئا من الصّلاة فليصلّها اذا ذكرها، فإن اللّه عز و جل يقولوا: (أقم الصّلاة لذكرى) قال زرارة:

فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه، فقالوا نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبى جعفر عليه السّلام فأخبرته بما قال القوم. فقال: يا زرارة ألا اخبرتهم إنّه قد فات الوقتان جميعا، و أن ذلك كان قضاء من رسول اللّه.) «1»

الثالثة: ما رواها سماعة بن مهران (قال: سألته عن رجل نسى أن يصلى الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال يصليها حين يذكرها، فإن رسول اللّه رقد عن صلاة الصبح حتّى طلعت الشمس، ثمّ صلّيها حين استيقظ، و لكنه تنحى عن مكانه ذلك، ثمّ صلى.) «2»

الرابعة: ما رواها سعيد الأعرج (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ان اللّه أنام رسوله عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثمّ صلّى الفجر) «3» الحديث.

و هذا القسم من الأخبار لأجل كون ظاهرها مخالفا للمذهب، لا بدّ من رد علمه إلى أهله، فلا يمكن الاستدلال بها للمطلب.

الخامسة: الرواية المفصلة الّتي رواها حريز عن

زرارة ففي ذيلها (قال ابو جعفر عليه السّلام: و إن خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة ثمّ صل

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب القضاء من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 193

المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما لانّهما جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس قال: قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها.) «1»

السادسة: ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء، أو نسى فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداها فليبدأ بالعشاء الآخرة، و ان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلها.) «2»

السابعة: ما رواها محمد بن مسلم (قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال: يصليها إن شاء بعد المغرب و ان شاء بعد العشاء.) «3»

الثامنة: ما رواها الحلبى (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء.) «4»

التاسعة: ما رواها ابن أبى يعفور (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: صلاة النهار يجوز قضائها أى ساعة شئت من ليل او نهار.) «5»

العاشرة: ما رواها الحسين بن أبى العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: اقض

صلاة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 62 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 39 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 194

النهار أى ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء.) «1»

و هل المراد من صلاة النهار في الاربعة الأخيرة هو مطلق الصّلاة أعم من الفريضة و النافلة، أو خصوص النوافل أى الرواتب اليومية وجهان، و لا يبعد كون النظر فيها إلى خصوص نافلة النهار لا الفريضة.

و يستدل عليها أيضا ببعض الأخبار الّتي نتعرض لها في طى الأخبار المربوطة باعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدمها الدال على جواز إتيان النافلة قبل الفريضة الفائتة، فلو كان وجوب القضاء فوريّا لا يناسب تجويز ذلك.

الحادية عشرة: الخبر الّذي رواه على بن موسى بن طاوس في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قلت له:

رجل عليه دين من صلاة تام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصل صلاة ليلة تلك؟ قال: يؤخّر القضاء و يصلى صلاة ليلة تلك.) «2»

الثانية عشرة: ما عن السيّد بن طاوس أيضا في رسالة المواسعة عن أمالي السيد أبى طالب الحسينى باسناده إلى جابر بن عبد اللّه (قال: قال رجل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كيف أقضى؟ قال: صل مع كل صلاة صلاة مثلها. قال: يا رسول اللّه قبل أم بعد؟ قال: قبل). «3»

الثالثة عشرة: خبر عمار المروى عن الذكرى

و غيره (قال: قال سليمان بن

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 61 من ابواب المواقيت من الوسائل؛ بحار الانوار، ج 88، ص 327.

(3)- بحار الانوار، ج 88، ص 331.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 195

خالد لأبى عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس: انّي منذ عرفت هذا الأمر اصلّى في كل يوم صلاتين أقضى ما فاتني قبل معرفتى؟ قال: لا تفعل فإنّ الحال الّتي كنت عليها اعظم من ترك ما تركت من الصّلاة.) «1»

وجه الاستدلال أنّه عليه السّلام اعلم خطائه في لزوم القضاء و لم يعلمه خطائه في كيفية قضائه من إتيانه كل يوم بصلاتين، فإن كان وجوب القضاء فوريّا كان اللازم بيانه.

أقول: و فيه أنّه حيث إنّه عليه السّلام كان بسدد بيان عدم وجوب القضاء رأسا عليه، لا يلزم تخطئته في كيفية قضائه.

الرابعة عشرة: رواية عمار المشتملة على مسائل متفرقة، (و فيها قال: سألته عن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: نعم، يقضيها بالليل على الارض، فأما على الظّهر فلا، و يصلى كما يصلى في الحضر.)

و يستدلّ على المواسعة ببعض الأخبار الآتية ان شاء اللّه الدالة على عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و جواز تقديم الحاضرة عليها، و كذلك بعض الأخبار الدالة على جواز تقديم النافلة على الفائتة فلو كان البناء على الفورية و المضايقة كان تقديم الحاضرة و النافلة عليها غير جائز.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا أولا فإن الروايات المستدل بها على المضايقة لا ظهور لها في ذلك كما بنيا.

و ثانيا يبعّد ذلك أنّه لو التزمنا بالفورية المطلقة يلزم أن لا يشتغل من عليه

______________________________

(1)- الذكرى،

ج 2، ص 432؛ الرواية 4 من الباب 31 من ابواب مقدمات العبادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 196

الفوائت بشي ء من امور الدنيا و حوائجه الا بمقدار الضرورة، و هذا ممّا يشكل الالتزام به.

و ثالثا لو فرض دلالة الطائفة الأولى على الفورية و المضايقة فبعد دلالة الطائفة الثانية على جواز التأخير و عدم الفورية، فمقتضى جمع العرفى بين الطائفتين من الأخبار، هو حمل الطائفة الأولى على الاستحباب، فتكون النتيجة في الجهة الأولى عدم وجوب البدار و عدم كون البناء في قضاء الصلوات على المضايقة.

إن قلت: إن المشهور من القدماء أفتوا بذلك.

نقول: إنّه لا يستكشف من فتواهم وجود نص في المسألة غير ما وصل بأيدينا، بل يمكن كون نظرهم في فتواهم إلى ما وصل بأيدينا من الأخبار المستدل بها على المضايقة، و قد عرفت عدم دلالتها، فافهم.

[الطائفة الثانية ما يكون متعرضا لاعتبار الترتيب]
اشارة

و امّا الأخبار المربوطة بالجهة الثانية أعنى ما يكون متعرضا لاعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدم اعتباره.

أمّا ما يمكن ان يستدل بها على اعتبار الترتيب فروايات:

الأولى: ما رواها حريز عن زرارة المشتملة على فقرات و من جملتها هذه الفقرة: (و إن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها، فصل العصر، ثمّ صل المغرب، فإن كنت قد صليت المغرب، فقم فصل العصر، و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فاتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّى المغرب، فإن كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصل المغرب و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة، فإن كنت قد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 197

نسيت العشاء الآخرة حتّى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و ان كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى و في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و اذّن و اقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة، ابدا بالمغرب ثمّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة ان بدأت بالمغرب فصل الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدا بأولهما لأنّهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس. قال: قلت: و لم ذلك؟ قال: لانك لست تخاف فوتها.) «1»

اعلم ان هذه الرواية تدلّ بظاهرها على أنّه لوفات عن المكلف فريضة نسيانا فتذكر نسيانها بعد دخول وقت الصّلاة اللاحقة عليها كما ترى من الامثلة المذكورة في الرواية، ففرض فيها مثلا نسيان العصر و قد دخل

وقت المغرب، أو نسيان المغرب و قد دخل وقت العشاء «2»، و كذلك فرض نسيان العشاء و قد دخل وقت الغداة، فمن كل ذلك يستفاد ان الترتيب الّذي يدلّ عليه الرواية هو بين خصوص الصّلاة السابقة الفائتة مع اللاحقة الحاضرة فظاهر الرواية هو اعتبار الترتيب في خصوص هذا المورد.

و لا مطلقا، فلو فرض فوت غير السابقة مثلا فات صلاة يوم السابق أو أيام السابقة فلا اطلاق للرواية يشمل هذه الصورة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- (اعلم ان التعبير في الرواية بما يدلّ على كون وقت المغرب غير وقت العشاء و كذلك وقت العصر غير وقت الظهر و أن لكل منها وقتا خاصا يكون موافقا مع مختار العامة و لا يناسب ما هو الحق عندنا من كون الوقت مشترك بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 198

و بعبارة اخرى نقول إنّه تارة يفوت صلاة و يتذكر فوتها في وقت صلاة لا حقة عليها بحسب الوقت، فالرواية تدلّ على لزوم الترتيب بين هذه الفائتة و هذه الحاضرة.

و يمكن أن يقال: بأن مثلها ما يكون شريكتها في وقتها مثلا نسى الظهر و العصر، فتذكر في وقت المغرب، أو تذكر نسيان المغرب و العشاء في وقت الغداة فكون الترتيب بمقتضى الرواية بين العصر و المغرب، و بين العشاء و الغداة معلوم، و يمكن كون هذا الترتيب بين الظهر الّتي شريكة في الوقت مع العصر و بين المغرب، و بين المغرب الّتي شريكة في الوقت مع العشاء و بين الغداة بقرينة قوله عليه السّلام: (و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة ابدأ

بالمغرب ثمّ العشاء) كما ربّما يكون دليلا عليه الرواية 6 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل، نذكرها ان شاء اللّه.

و تارة فاتت عن الشخص صلاة أو صلوات في أيام سابقة مثلا قبل سنة أو اكثر، أو قبل شهر أو اكثر، فتذكر نسيانها في سنة لا حقة أو شهر لاحق في وقت صلاة، فهل يستفاد من هذه الرواية كون الصّلاة الّتي تذكر في وقتها نسيان صلاة أو صلوات قبل سنة أو شهر مرتبة عليها، و أنّ بين هذا القسم من الفائتة و هذا القسم من الحاضرة ترتيب أولا.

اعلم أنّ الرواية بظاهرها لا يشمل هذا الفرض، و لا إطلاق لها يشمله إلا أن يقول احد بشمولها بإلغاء الخصوصية، و إنّه لا خصوصية بنظر العرف بين كون الفائتة متصلا بحسب الوقت بوقت الحاضرة الّتي تذكر نسيانها فيه أولا، بل الملاك في هذا الحكم ليس الا مجرد كون الصّلاة الفائتة بحسب الترتيب مقدمة على الحاضرة، سواء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 199

كان وقت كل منهما متصلا بوقت الآخر أم لا.

و فيه أن القطع بكون الملاك هذا و عدم كون خصوصية في هذا الحكم أى لزوم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة في كونهما متّصلتين بحسب الوقت، لا يحصل ابدا فلا بدّ من الاقتصار بالمورد، و هو ما قلنا.

الثانية: ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة أيضا عن أبى جعفر عليه السّلام (أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسى صلاة لم يصلها او نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في اىّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فاذا دخل وقت الصّلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصّلاة الّتي

قد حضرت، و هذه أحق بوقتها فليصلها، و اذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى). «1»

و قوله عليه السّلام: إذا دخل وقت الصّلاة و لم يتم ما قد فاته أيضا لا يستفاد منه اطلاق يشمل لزوم الترتيب بين مطلق الفائتة و الحاضرة، و إن لم يكن اتصال بينهما من حيث الوقت، لأنّ الظاهر أو المتقين من الرواية هو صورة فوت الصّلاة لأجل فقدها الطهور أو نسيانها و تذكر ذلك في وقت الصّلاة اللّاحقة، و من البعيد كون موردها غير هذه الصورة، فليس اطلاق للرواية بظاهرها.

الثالثة: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى، فإن كنت تعلم انك إذا صليت الّتي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتى فاتتك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «أقم الصّلاة لذكرى» و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الّتي فاتتك فاتتك الّتي بعدها فابدأ بالتى أنت في وقتها

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 200

و اقض الاخرى.) «1»

و الظاهر من هذه الرواية هو فرض فوت صلاة و تذكرها في وقت صلاة اخرى متصلة بها، لا أنّه فات عنه صلاة و تذكر بعد أيام أو شهور أو سنين في وقت صلاة فوتها، فلا تشمل روايات الثلاثة الّتي رواها حريز و عمر بن أذينة و عبيد عن زرارة إلا صورة اتصال وقت الفائتة بالحاضرة و عدم فصل وقت صلاة بينهما، فلو تذكر في وقت صلاة الظهر نسيان الغداة أو في وقت المغرب نسيان العصر او نسيان الظهر و العصر على ما قلنا من امكان شمول الرواية للشريكة

في الوقت، أو في وقت الغداة نسيان العشاء أو نسيان المغرب و العشاء بناء على شمولها للشريكة، فلو كنّا نحن و هذه الروايات يلزم عليه الترتيب، و أمّا في غير هذه الصورة فلا تدلّ على لزوم رعاية الترتيب.

الرابعة: ما رواها صفوان بن يحيى عن ابى الحسن عليه السّلام (قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس، و قد كان صلّى العصر؟ فقال: كان ابو جعفر عليه السّلام أو كان أبى عليه السّلام يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها، و إلا صلى المغرب ثمّ صلاها.) «2»

قد يتوهم دلالة الرواية على كون الترتيب بين مطلق الفائتة و الحاضرة لا خصوص الفائتة السابقة المتصلة بالحاضرة، لأنّه مع فرض فوت الظهر و تذكر فوتها في وقت المغرب، و عدم كون الظهر متصلة بها لفصل العصر، مع ذلك لزم رعاية الترتيب بمقتضى هذه الرواية.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 201

و لكن فيه أنّ رعاية الترتيب في هذا المورد لا يدل على اطلاق الحكم بالنسبة إلى الفائتة المتصلة و المنفصلة، بل ربما يكون من أجل ما قلنا في ذيل الرواية الأولى من أن المستفاد من رواية زرارة و كذا هذه الرواية هو ثبوت حكم الترتيب بين شريكة الفائتة و الحاضرة المتصلة بها كما ثبت بين نفس الفائتة و الحاضرة المتصلة بها، فكما أنّه لو تذكر في وقت المغرب أو الغداة فوت صلاة العصر أو العشاء يلزم رعاية الترتيب من أن يؤتى أولا بقضاء العصر أو العشاء ثمّ المغرب أو الغداة، كذلك لو نسى الظهر و

العصر أو المغرب و العشاء أو خصوص الظهر أو المغرب و تذكر نسيانهما بعد دخول وقت المغرب أو وقت صلاة الغداة، فهذه الرواية ممكن الحمل على هذا الاحتمال، و لأجل هذا أى كون حكم الترتيب بين الفائتة و شريكتها و بين الحاضرة اللاحقة المتصلة بها، ترى في بعض الكلمات الاحتياط في رعاية الترتيب في فائتة اليوم و الليلة.

الخامسة: ما رواها ابن مسكان عن ابى بصير (قال: سألته عن رجل نسى الظهر حتّى دخل وقت العصر؟ قال: يبدأ بالظهر و كذلك الصلوات تبدأ بالتى نسيت إلا أن تخاف أن تخرج وقت الصّلاة فتبدأ بالتى انت في وقتها ثمّ تقضى نسيت.) «1»

و هذه الرواية لا اطلاق لها بالنسبة إلى الجهة الّتي ذكرناها فلا تدلّ على لزوم الترتيب بين كل فائتة و ان كانت منفصلة و بين الحاضرة، لأنّ المفروض نسيان الظهر حتى دخل وقت العصر، و هذا موافق مع القول بكون لكل منهما وقت خاص على خلاف مذهبنا.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 202

و أمّا قوله عليه السّلام: و كذلك الصلوات تبدأ بالتى نسيت. فهو لا يدلّ على الاطلاق من هذا الحيث، بل يمكن أن يكون المقصود هو ما قلنا من رعاية الترتيب بين الظهر و العصر، و يكون هذا الحكم في كل صلاة يكون من قبيلهما أعنى كل فائتة متصلة بالحاضرة و بعبارة اخرى يكون هذا الحكم في مثل العصر و المغرب، و المغرب و العشاء و الغداة، و الغداة و الظهر لانها صلوات مثل الظهر و العصر من هذا الحيث لاتصال وقت كل منها و عدم فصل صلاة بينهما، فافهم.

السادسة: ما رواها عبد الرحمن بن

أبى عبد اللّه، (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى؟ فقال: إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، فاذا ذكر و هو في صلاة بدأ بالتى نسي، و إن ذكرها مع امام في صلاة المغرب اتمها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان العتمة وحدة فصلى منها ركعتين، ثمّ ذكر أنّه نسى المغرب اتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلث ركعات، ثمّ يصلى العتمة بعد ذلك.) «1»

و الظاهر منها هو رعاية الترتيب بين خصوص الفائتة و الحاضرة المتصلة بها و قوله: فإذا ذكر و هو في صلاة، يمكن أن يكون المراد في وقت صلاة.

السابعة: ما رواها معمّر بن يحيى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على غير القبلة ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى؟ قال: يعيدها قبل أن يصلى هذه الّتي قد دخل وقتها الحديث.) «2»

و هي أيضا مثل ساير الأخبار من حيث كون الظاهر أو المتقين منها اعتبار

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 203

الترتيب بين خصوص الفائتة و الحاضرة المتصلتين كل منهما بالاخرى من حيث الوقت، فتحصل لك أنّه لو كنا نحن و هذه الأخبار مع قطع النظر عن المعارض، لا تدلّ الأخبار الاعلى لزوم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة المتصلتين كل منهما بالاخرى، فافهم.

و امّا ما يستدل بها على عدم اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة

فروايات:

الأولى: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن نام رجل و لم يصل الصّلاة المغرب و العشاء، أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر

قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، و إن خاف أن تطلع الشّمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلها.) «1»

تدلّ على أنّه لو استيقظ بعد الفجر، يصلى الفجر ثمّ ما فات منه من المغرب و العشاء، بل ربما يقال كان ظاهرها وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة لقوله عليه السّلام:

فليصل الفجر.

الثانية: ما رواها فضالة عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ان نام رجل او نسى ان يصلى المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما، و إن خاف ان تفوته إحداها فليبدأ بالعشاء الآخرة، و ان

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 204

استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع (و عن فضالة عن ابن سنان يعنى عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله). «1»

و دلالتها كالسابقة.

الثالثة: ما رواها الحسن بن على الوشاء عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: تفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فانّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى.) «2»

يحتمل أن يكون المراد هو أنّه إذا دخل وقت صلاة فيبدأ بها، و لكن تطبيق هذا الحكم بمورد العشاء يكون موافقا لمذهب

العامة من كون وقت العشاء غير وقت المغرب، اللهم إلا أن يقال: بأن نظر الإمام عليه السّلام ليس الا بيان هذا الحكم الكلى، لا تطبيق هذا الحكم بمورد العشاء، و سكوته عن بيان عدم كون العشاء بالنسبة إلى المغرب هكذا- لأنّ الوقت مشترك بينما على مذهبنا- يكون من باب التقية.

و يحتمل أن يكون مورد الرواية مورد تذكر فوت الأولى و العصر و المغرب في الوقت المختص بالعشاء أى آخر الوقت، فلاجل هذا امر بأن يبدأ بالعشاء لضيق وقتها، فعلى هذا لا تكون الرواية دليلا على عدم وجوب الترتيب،

و يحتمل ان يكون نظره عليه السّلام من قوله: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، إلى أنّه يأتي بكل صلاة يكون الوقت وقتا لها، و يقضى بعدها بما خرج وقتها، و تكون النتيجة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 205

إتيان المغرب و العشاء فعلا و الابتداء بهما، و سكوته عن بيان هذا كان لعلمه بأن السائل يعلم بكون الوقت مشتركا بينهما، فتكون الرواية على هذا دليلا لعدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة لو لم نقل بكونها دليلا على وجوب تقديم الحاضرة.

الرابعة: ما رواها عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشّمس و هو في سفر، كيف يصنع، أ يجوز له أن يقضى بالنهار؟ قال: لا يقضى صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا تجوز له و لا تثبت له و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل.) «1»

تدلّ على عدم وجوب الترتيب، لأنّه بعد عدم جواز قضاء صلاة الفجر في

النهار و الفرض أنّه يأتي بالظهر و العصر فيبدأ بهما قبل قضاء الفجر، فلو كان الواجب تقديم الفائتة لما كان يقول: لا يقضى صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار.

و الإشكال في الاستدلال بالرواية بأن النهى عن القضاء في النهار يكون لأجل النهى عن الصّلاة في المحمل فجواز تأخير القضاء يكون لأجل هذا المحضور اى الصّلاة في المحمل، غير وارد و لا يضر بالاستدلال بها، لانّ في تمام النهار لا يكون في المحمل حتّى يكون النهى لأجل ذلك، و كلما يصلّ الظهر و العصر في هذا اليوم يصل القضاء أيضا.

الخامسة: ما روى عن قرب الاسناد للحميرى عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن رجل نسي المغرب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 206

حتى دخل وقت العشاء؟ قال: يصلى العشاء ثمّ المغرب. و سألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر، كيف يصنع؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ الفجر. و سألته عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر؟ قال: يبدأ بالظهر، ثمّ يصلى الفجر، كذلك كل صلاة بعد صلاة.) «1»

أقول و لكن المنقول في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب القضاء نقلا عن قرب الاسناد هكذا قال: سألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ المغرب. و قال: سألته عن رجل نسي العشاء ثمّ ذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ الفجر. و قال: و سألته عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر؟ قال يبدأ بالفجر؟ ثمّ يصلى الظهر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة. «2»

فعلى هذا

أمّا الفقرة الأولى فلعل وجه تقديم العشاء كان لضيق الوقت و كون آخر الوقت مختصا بها، و في الفقرة الثانية على خلاف ما نقل ابن طاوس عن قرب الاسناد امر بتقديم العشاء، و كذلك في الفقرة الثالثة، فالرواية على هذا دليل على الترتيب.

السادسة: ما رواها الشهيد في الذكرى عن إسماعيل بن جابر (قال: سقطت عن بعير فانقلبت على أم راسى فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ، فسألته عن ذلك؟

فقال: اقض مع كل صلاة صلاة.) «3»

______________________________

(1)- بحار الانوار، ج 88، ص 322.

(2)- الرواية 7- 8- 9 من الباب 1 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(3)- الرواية 15 من الباب 4 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 207

السابعة: ما في الفقه الرضوى (أنّه سئل العالم عن رجل نام او نسي فلم يصلّ المغرب و العشاء؟ قال: ان استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصلّيهما جميعا يصلّيهما، و إن خاف أن يفوت إحداهما أبدا بالعشاء الآخرة، فإن استيقظ بعد الصبح فليصلّ الصبح، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب، و يدع العشاء الآخرة حتّى تبسط الشّمس و يذهب شعاعها، و أن خاف ان يعجّله طلوع الشّمس و يذهب عنهما فليؤخّر هما حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها. «1»

الثامنة: ما رواه ابن طاوس في الرسالة عن كتاب الصّلاة للحسين بن سعيد ما لفظه: صفو ان عن عيص بن القسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أو نام عن الصّلاة حتّى دخل وقت الصّلاة اخرى؟ فقال: إن كانت صلاة الأولى فيبدأ بها و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء، ثمّ يصلّى العصر. «2»

التاسعة: ما

ذكره ابن طاوس عن كتاب الفاخر للجعفى الّذي ذكر في اوله أنّه لا يذكر فيه الا المجمع عليه و ما صح عنده من قول الائمة إنّه قال: و الصلوات الفائتات تقضين ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فاذا دخل عليه وقت صلاة بدء بالّتى دخل وقتها و قضى الفائتة متى احبّ. «3»

العاشرة: ما قريب منه، و هو عبارة الفقيه حيث قال: و متى فاتتك صلاة فصلّها إذا ذكرت، فإن ذكرتها و انت في وقت فريضة اخرى، فصلّ الّتي انت في

______________________________

(1)- الفقه الرضوى.

(2)- بحار الانوار، ج 88، ص 329.

(3)- بحار الانوار، ج 88، ص 328.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 208

وقتها، ثمّ صلّ الصّلاة. «1»

و قال السيّد العاملى في مفتاح الكرامة و حكى مثل هذا عن على بن بابويه أيضا انتهى. «2»

هذا كلّه الروايات الّتي استدل بها أو يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة.

[الكلام في مقام الجمع بين الروايات]

هذا كلّه حال الأخبار و بقي الكلام بعد ذلك في تعارض كل طائفة مع الاخرى، و وجه الجمع بينهما، و ما ينبغى أن يقال في المقام.

فنقول بعونه تعالى: هذا كله الأخبار المربوطة بالمقام و يكون التعارض بين الطائفتين: تدلّ إحداهما على الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و الاخرى على عدم وجوب ذلك.

ففي مقام رفع التعارض بينهما ما نقول؟ هل تكونان قابلين لأنّ يجمع بينهما بالجمع الدلالى إمّا بالتخيير بينهما بنظر العرف و إمّا بحمل ما دل على الترتيب على الاستحباب بقرينة ما يدل على جواز تقديم الحاضرة على الفائتة.

و إمّا أن يقال بعدم الجمع الدلالى بينهما لعدم مساعدة العرف على ذلك، فيقع بينهما التعارض، فإن كان لاحدى الطائفتين ترجيح على الاخرى فناخذ ذى المزية و نطرح مخالفها،

و لو لم يكن بينهما ترجيح فيقال: إمّا بالتخيير بينهما أو التساقط على خلاف في الخبرين المتعارضين، لا يبعد كون الترجيح مع ما يدلّ على الترتيب لكون

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 355.

(2)- مدارك الاحكام، ج 5، ص 298.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 209

ذلك مشهورا حسب الفتوى و قلنا: بأن المراد بالشهرة الّتي هى أول المرجحات هو الشهرة الفتوائية.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يمكن أن نجمع في مقام الجمع الدلالى بين الطائفتين بالتخيير، بمعنى أن المكلف مخير بين الطرفين بيان ذلك أن يقال: إن الأخبار الدالة على اعتبار الترتيب ناظرة إلى بيان رفع المانع و إن كان وقتا من الاوقات- لا من جهة نفس الوقت، و لا من جهة وجود صاحبة الوقت و اشتغال الذمّة بالحاضرة- لا يكون مانعا من إتيان الفائتة.

و بعبارة اخرى يكون الأمر فيها امرا واقعا مورد توهّم الحضر، لأنّه كان بنظر السائلين باعتبار كون بعض الصّلاة في الأوقات ممّا فيها الحضاضة و المنقصة، لأجل ما ورد من النهى في بعض الأوقات مثل عند طلوع الشّمس و غروبها، و باعتبار كون الوقت وقتا للحاضرة و عدم الفراغة منها، فيكون الأمر باتيان الفائتة في وقت الحاضرة و مقدما عليها لبيان رفع هذا التوهم، و ان الاشخاص لا يتخيلون عدم جواز اتيان الفائتة، فالامر في هذا المقام لا يدل الا على مجرد الجواز، فيكون هذه الطائفة من الروايات في مقام بيان رفع المانع، و أن كون الوقت وقتا للحاضرة و عدم اتيانها لا يكون مانعا من إتيان الفائتة.

و ما يدلّ من الأخبار على عدم اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة تدلّ على جواز تأخير الفائتة، و كون تقديم الحاضرة على الفائتة

جائزا، بل ربما يقال:

بكون تقديمها افضل باعتبار ما في الرواية من كون صاحب الوقت أحق، فتكون نتيجة هذا الجمع هو التخيير بين إتيان الفائتة أولا ثمّ الحاضرة و بين العكس مع كون الافضل تقديم الحاضرة عليها، و هذا الجمع ممّا يساعده نظر العرف، و لم أر في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 210

الكلمات الجمع بين الأخبار بهذا النحو في المقام.

و يظهر من بعض المتاخرين الجمع بين الأخبار الدالة على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة و بين ما يدلّ على خلافه بحمل الأخبار الدالة على الترتيب على استحباب التعجيل في القضاء، و ما دل على تقديم الحاضرة عليها على أن تعجيل الصّلاة في وقت فضيلتها مستحب، لكن يكون الثانى أفضل فحمل الأخبار على وقت الفضيلة، و يكون كلامه هذا متخذا ظاهرا من الشّيخ الانصارى رحمه اللّه، و ما قلنا في مقام الجمع أوفق بنظر العرف.

و أمّا الأخبار الدالة على المضايقة و الفورية و الأخبار الدالة على خلافها فبينهما التعارض في بدء النظر، و لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على وجوب القضاء فورا على الاستحباب بقرينة الأخبار الدالة على جواز التأخير.

هذا كله على فرض دلالة الأخبار المتمسك بها على الفورية على هذا أى على الفورية، و لكن قد عرفت أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على ذلك، بل تدلّ على أن ما بعد حدوث التذكر بالفوت يكون زمان اتيان ما فات و قضائها، فعلى هذا لا يبقى وجه لاستحباب الفورية أيضا فافهم.

و أمّا الكلام في العدول من الحاضرة إلى الفائتة لو تذكر الفائتة حين الاشتغال بالحاضرة فنقول: إنّه قد عرفت ما يدلّ عليه من الأخبار، و لكن بعد ما عرفت من عدم وجوب تقديم الفائتة على

الحاضرة و عدم وجوب ترتيب بينهما و أنّه يجوز تقديم الحاضرة على الفائتة، بل ربما يقال باستحبابه لكونها أحق بوقتها، فعلي هذا لو فرض دلالة رواية زرارة على وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة لا بدّ من التصرف فيها، لعدم وجوب ترتيب بينهما حتّى يجب العدول من اللاحقة بحسب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 211

الترتيب بينهما إلى الاخرى، فتكون النتيجة جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة.

فتحصل ممّا مر في المباحث الثلاثة أن الحق في المسألة الأولى أى المضايقة و المواسعة كون الأمر مبينا على المواسعة.

و في المسألة الثانية أى وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدمه أن الحق عدم وجوب الترتيب.

و في المسألة الثالثة أى العدول من الحاضرة إلى الفائتة إذا تذكر في اثناء الحاضرة كون الفائتة على عهدته أن الحق عدم وجوب العدول، بل يجوز العدول، هذا تمام الكلام في هذه المسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 213

فصل في تتمة قضاء الصّلاة
اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 215

تتمة قضاء الصّلاة

هل يعتبر الترتيب بين الفوائت
اشارة

، بمعنى لزوم رعاية الترتيب بينها بترتيب فوتها، فلو فات عن الشخص صلوات يوم من الفجر إلى العشاء، فيجب في مقام القضاء قضائها بهذا النحو: بأن يأتي أولا صلاة الفجر، ثمّ الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء، أو لا يجب ذلك؟

[الأقوال في المسألة]

اعلم ان من العامة من قال بوجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة كاحمد، أو من قال منهم بذلك في خصوص فائتة اليوم يقول بالترتيب بين الفوائت أيضا لكون الملاك في وجوب الترتيب واحدا في كل منهما، لأنّ الملاك في نظرهم هو كون الصلوات مرتبة بحسب الوجوب في صورة إتيانها اداء، فكذلك لو كان بعضها فائتة و بعضها حاضرة، أو كان كلها فائتة، و أمّا من يقول منهم بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة كالشافعى، فهو يقول بعدم وجوب الترتيب بين الفوائت أيضا.

و أمّا فقهائنا رضوان اللّه عليهم فمن يرى من القدماء تعرض لهذه المسألة كالسيد رحمه اللّه في جمل العلم و العمل، فهو يقول: بوجوب الترتيب بين الفوائت، كما يقول:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 216

بوجوبه بين الفائتة و الحاضرة، و هل يكون ذلك من باب كون الملاك في كل من المسألتين واحدا، أو لا يكون من هذا الباب، كل محتمل ..

و يمكن كون ذلك من باب كون وجوب الترتيب في كل من المسألتين بملاك واحد، و هو ما قلنا سابقا من أنّه كما يكون بين الصلوات ترتيب تكوينا من باب تقدم زمان بعضها على بعض- فالصّلاة الفجر مقدمة على الظهر زمانا، و الظهرين على المغرب و العشاء، لأنّ الفجر واقع في قطعة من الزمان يكون هذا الزمان مقدما على الزمان الواقع فيه الظهرين، و كذا الظهرين بالنسبة إلى العشاءين.

هل يكون بينها ترتيب

شرعا، بمعنى اشتراط كون صلاة الفجر من هذا اليوم مقدمة على الظهرين، و هما على العشاءين، أولا يعتبر ذلك؟

و الحق كما قلنا عدم كون تقدم البعض المتقدم بحسب الزمان على البعض شرطا، أو تاخر البعض للتأخر عن البعض بحسب الزمان شرطا فيه، لعدم دليل على ذلك في غير الظهرين و العشاءين من يوم واحد، فاشتراط كون العصر بعد الظهر و العشاء بعد المغرب، قد ثبت بالدليل، و إلّا لو لم يكن دليل خاص فلا يكون مجرد تقدم بعضها على بعض بحسب الزمان تكوينا دليلا على كون ترتيب بين المتقدم بحسب الزمان على المتاخر.

و لكن يمكن أن يكون نظر القدماء من اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة بهذا الملاك، و كذا بين الفوائت، هذا كله في نظر القدماء رحمه اللّه.

و أمّا المتاخرون منهم مع إفتائهم بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، قالوا: بوجوب الترتيب بين الفوائت. هذا حال الأقوال في المسألة، و محل الخلاف في هذه المسألة يكون في جهات ثلاث:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 217

[في جهات ثلاث في المسألة]
الجهة الأولى: في وجوب الترتيب و عدمه مع علم الشخص بما فات منه

أولا ثمّ ثانيا ثمّ ثالثا و هكذا، مثلا يعلم أنّه فات منه أولا صلاة الفجر، ثمّ الظهرين، ثمّ العشاءين.

الجهة الثانية: بعد وجوب الترتيب في صورة العلم، يقع الكلام في وجوب الترتيب و عدمه

في ما لا يعلم ترتيب الفوت، مثلا يعلم بأنّه فات عنه صلوات، و لكن لا يعلم أن ما فات منه أولا أيا منها سواء كان جاهلا به من أول الأمر، أو كان عالما مدة ثمّ نسي ذلك.

الجهة الثالثة: لو قلنا بوجوب رعاية الترتيب، فهل يجب ذلك في خصوص ما إذا كان الشخص بنفسه يباشر للقضاء

و بعبارة اخرى من فات عنه يكون في مقام القضاء، أو يجب حتّى على من يقضى عن الاخر مثل ما يقضى الولد الأكبر أو الأجير أو المتبرع فكل هذه الجهات محل الخلاف.

[في ذكر الروايات المربوطة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نذكر بعونه تعالى أولا روايات الباب، ثمّ ما هو الحق في الجهات الثلاثة:

الرواية الأولى: ما رواها الحسن بن على الوشاء

عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: تفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب، و ذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فانّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى.) «1»

وجه الاستدلال هو أنّه عليه السّلام بعد ما أمر بإتيان العشاء قال (ثمّ يقضى ما فاته

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 218

الأولى فالأولى) يعنى في فرض السائل يأتي أولا الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب في مقام قضاء هذه الصلوات، فتدل على وجوب الترتيب بين الفوائت.

و فيه أن الأمر باتيان خصوص العشاء، و قضاء المغرب كالظهر و العصر لا ينطبق على مذهبنا من كون الوقت مشتركا بين المغرب و العشاء، و بالنسبة إلى هذه الجهة أى قضاء المغرب بعد الظهر و العصر، مخالف مع مذهبنا، و يكون حكما صادرا على وجه التقية، فلا يمكن العمل بالرواية في خصوص كون المغرب قضاء فيبقى قضاء الظهر و العصر، و إنّه يقضيها الأولى فالاولى، و الترتيب بينهما نحن نقول به من باب وجوب الترتيب بين حاضرة الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء، و هذا غير وجوب الترتيب بين جميع الفوائت حتّى غير الظهرين و غير العشاءين، فما الرواية عليه- و هو الترتيب بين فائتة الظهرين- نحن نقول به، و أمّا وجوب الترتيب بين مطلق الفوائت الّذي يكون لازمه رعاية الترتيب في مقام القضاء بين صلاة الغداة و الظهرين،

و بين الظهرين و العشاءين، في ما فات عنه أو لا صلاة غداة، الظهرين، ثمّ العشاءين، فلا تدلّ عليه الرواية. «1»

______________________________

(1)- (أقول لو حملنا الرواية على ما احتملنا عند ذكرها في طى الأخبار الدالة على عدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة من أن الإمام عليه السّلام قال فى مقام جواب السائل (يبدأ بالوقت الّذي هو فيه) فيمكن كون مراد المغرب و العشاء كليهما لأنّ الوقت وقتهما و لم بين ذلك صريحا تقية، فيكون على هذا الاحتمال عدم دلالته الرواية على وجوب الترتيب بين الفوائت أوضح، لأنّه على هذا يأتي المغرب و العشاء في وقتهما، ثمّ يقضى الظهر و العصر الاولى فالاولى، و الترتيب بينهما مسلم و هذا لا يدل على وجوب الترتيب بين مطلق الفوائت، حتّى بأنّه لو فات عنه أولا صلاة ظهر، يجب أولا فى مقام القضاء قضاء الغداة، ثمّ الظهر. نعم، لو حملت الرواية على صورة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 219

فتحصل عدم دلالة هذه الرواية على وجوب الترتيب بين الفوائت.

الثانية: ما رواها حريز عن محمد بن مسلم

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة، ثمّ ذكر بعد ذلك. قال:

يتطهر و يؤذن و يقيم في أولهنّ ثمّ يصلى، و يقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلى بغير أذان حتّى يقضى صلاته.

وجه الاستدلال الأمر بالأذان و الإقامة في اوّلهنّ و الإقامة للصلوات بعدها، فيستفاد من ذلك كون اللازم الشروع في الأولى بحسب الفوت، و لهذا امر بالأذان و الاقامة قبلها.

و فيه ان ما يستفاد من الرواية هو إتيان الأذان و الإقامة في اولهن، و أمّا لزوم الشروع أولا في ما فات أولا، فلا دلالة لها على ذلك، و بعبارة

اخرى هل يستفاد من الرواية حكمان: الأوّل وجوب الابتداء بأول ما فات من المكلف، و الثانى الأذان و الإقامة قبله، أو يستفاد حكم واحد و هو أن يؤذن و يقيم في اولهن؟ الظاهر الثانى لأنّه قال عليه السّلام: يتطهر و يؤذن و يقيم في اوّلهنّ.

إن قلت: إن الرواية تدلّ على أن يؤذّن و يقيم في اوّلهنّ، و المراد من أوّلهنّ أوّلهنّ بحسب الفوت، و بعد كون الأذان و الإقامة مطلوبا في أولهنّ بحسب الفوت

______________________________

ضيق الوقت بحيث لم يكن الوقت باقيا الا بمقدار إتيان العشاء، فتدل الرواية على ما ادعي من وجوب الترتيب بين الفوائت، لأنه على هذا فات عنه الظهر و العصر و المغرب، و مقتضى قوله (ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى) هو إتيان الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب، و هذا معنى وجوب الترتيب بين الفوائت و لكن لا ظهور للرواية فى هذا الاحتمال، و لم يكن هذا الاحتمال ارجح عن الاحتمالين السابقين لو لم نقل بكون كل منهما أقوى منه، فافهم). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 220

و الاقامة في ما بعدها، فهذا يدلّ على كون المطلوب الشروع من أولهنّ بحسب الفوت.

أقول: إن الرواية ليست إلا في مقام بيان كفاية اذان واحد في مقام إتيان الفوائت، و ليس في مقام بيان انّ الابتداء لا بد و أن يكون بأى من هذه الفوائت، و قوله عليه السّلام (يؤذن و يقيم في أولهن) يمكن أن يكون أولهنّ بحسب بناء الشخص و أنّه في ما يبتدأ به يؤذّن و يقيم، فما يبتدأ به منها فهو يصير أولهن، فلا يستفاد من الرواية أولهنّ بحسب ترتيب الفوت، فلا دلالة للرواية على الترتيب بين الفوائت.

الثالثة: الرواية المفصلة الّتي رواها حريز عن زرارة

عن أبي جعفر عليه

السّلام، و الاستدلال بها للمسألة بفقرتين منها: إحداهما ذيل الرواية و هو هذا (و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما لانّهما جميعا قضاء الخ). «1»

وجه الاستدلال بها هو أنّه قال عليه السّلام: صل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء.

و لكن قال: ابدأ بأولهما و علل ذلك بأنّه (لأنهما قضاء) فيستفاد أن الصّلاة القضائية تقتضى أن يكون الابتداء في مقام القضاء بأولهما.

و فيه أنّه بعد ما عرفت من لزوم رعاية الترتيب بين قضاء المغرب و العشاء كما يكون الترتيب بين الأدائية منهما، لعل كون الحكم بالابتداء بأوّلهما يكون من باب كون الترتيب الشرعى بينهما، و يكون قوله (لأنهما جميعا قضاء) علّة لجواز تاخير هما جميعا، لأنّ في الفقرة السابقة قال: (و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 221

جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابد بالمغرب، ثمّ صل الغداة، ثمّ صل العشاء) ثمّ بعد ذلك قال (و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء ابدأ بأولها لانّهما جميعا قضاء) فقوله (لانّهما جميعا قضاء) يكون علّة لجواز تأخير المغرب أيضا كالعشاء لو خشى فوت الغداة، و أنّه يجوز تاخير كل منهما، لأنّ كلا منهما يكون قضاء، و بعد كونهما قضاء لا مانع من تأخير هما، فهذا دليل على عدم المضايقة في الفوائت، فعلى هذا لا دلالة لهذه الفقرة على وجوب الترتيب بين الفوائت.

ثانيهما قوله عليه السّلام في صدر الرواية

(قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأوّلهنّ، فأذن لها و أقم، ثمّ صلها، ثمّ صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة الخ). «1»

وجه الاستدلال هو أن قوله عليه السّلام (فابدأ بأوّلهنّ) يدلّ على وجوب الابتداء بأول ما فات ثمّ الأولى فالاولى.

و فيه أن هذه الرواية و إن كانت اقوى ما يمكن أن يستدل به للمسألة، و لكن مع ذلك حملها على ما استدل به بحسب ظهورها العرفى مشكل، و ليس بحيث يمكن الالتزام بالترتيب بين الفوائت بأن يؤتى بها الاولى فالاولى بهذه الرواية، لأنّ قوله (فابدأ بأولهنّ فأذن لها و أقم، ثمّ صلها) يحتمل أن يكون فى مقام بيان كون المطلوب الأذان في ابتداء الشروع بالفوائت فقط مع الإقامة و الإقامة فقط بعدها كما قلنا في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 222

الرواية السابقة، و بيان (فابدأ بأوّلهنّ) يكون توطئة للحكم بأن (أذن لها و أقم) و أنّ الشروع في ما تجعله الأوّل أى في الصّلاة الّتي تبدأ بها بحسب بنائك، و قبلها أذّن و أقم فلا ظهور للرواية في أن تكون فى مقام بيان حكمين: الابتداء بأول ما فات، ثمّ الاذان و الاقامة قبلها.

مضافا إلى أن الرواية لا تدلّ على الترتيب مطلقا حتّى في ما بعد الأولى، لانه لو فرض دلالتها على ما توهم، تدلّ على أنّه يلزم الابتداء باول فائتة فاتت من الشخص، و أمّا بعدها يجب الابتداء بما فات بعد الأولى و هكذا، فلا دلالة للرواية على ذلك، فالدليل أخصّ من المدعى، فظهر من ذلك كله أن الاستناد في هذا الحكم على مجرد هذه

الرواية مع ما فيها من الإشكال مشكل، هذا حال الروايات و مقدار دلالتها.

[توضيح الجهات الثلاثة في ضوء الروايات]
اشارة

اذا عرفت ذلك فنقول: كما قلنا إن الكلام في مسئلة وجوب الترتيب بين الفوائت يقع في جهات ثلاث:

فإذا نقول:

أمّا الجهة الأولى: فهل يجب الترتيب بين الفوائت في صورة العلم

بترتيب الفوت أم لا؟ فإن قلنا بدلالة صدر رواية زرارة- و هى الرواية الثالثة من الروايات الثلاثة المتقدمة- فقدر المتيقن منها هو هذا المورد أعني صورة العلم بالترتيب.

أمّا الجهة الثانية: أعني صورة الجهل بترتيب فوت الفوائت

، فلو فرض دلالة رواية زرارة المتقدمة على وجوب الترتيب في صورة العلم، هل تدلّ على وجوبه في صورة الجهل بالترتيب أم لا؟

اعلم أنّه كما قلنا سابقا تارة نقول: بأن منشأ فتوى المشهور من القدماء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 223

رضوان اللّه عليهم بوجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت هو استكشاف شرطية تقدم كل من الحواضر على الآخر بحسب تقدمه في الزمان، بل يقال بأنّه بعد ما نرى من تقدم بعض الصلوات على بعض اخرى تكوينا، و تأخر بعضها من بعض تكوينا، باعتبار وجوب بعضها في زمان متقدم على زمان وجوب بعض آخر- فالصّلاة الغداة الأدائية من اليوم متقدمة تكوينا على الصّلاة الظهرين- من هذا اليوم بحسب الزمان، و الظهران متأخرتان عنها بحسب الزمان، و هكذا العشاءين بالنسبة إلى الظهرين، نستفاد ترتيبا شرعيّا بينها، و كون تقدم المتقدم بحسب الزمان شرطا في المتأخر، فصلاة الظهر من شرائطها كونها بعد الغداة، و كذا العصر بالنسبة إلى الظهر، و كذا المغرب و العشاء بالنسبة إلى الظهرين، و هكذا كل صلاة متقدمة زمانا على الصّلاة المتاخرة عليها زمانا وجودها شرط للمتأخرة.

فاعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت يكون لأجل اعتبار ذلك في أصل الصلوات أى في الحواضر، فحيث كانت كل صلاة حاضرة متأخرة مشروطة بوجود الحاضرة المتقدمة بحسب الزمان عليها، فاذا صارت بعض الصلوات فائتة و بعضها حاضرة تجب رعاية هذا الترتيب، و كذا لو صارت كلها فائتة يجب رعاية هذا الترتيب بينها.

فعلى هذا و

إن كان الحكم بوجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، أو بين الفوائت للروايات المتقدمة يكون بحسب مقام الأثبات، و لكن في مقام الثبوت يكون هذا الحكم بملاك واحد، و هو اشتراط ترتب الصّلاة المتاخرة زمانا على المتقدمة زمانا شرعا، كما تكون متأخرة على المتقدمة عليها تكوينا.

فإن قلنا بهذا و كون منشأ اعتبار الترتيب بملاك واحد، و هو ما قلنا، فيمكن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 224

أن يقال في مقام الجهل بترتيب الفوائت باشتراط الترتيب، و لزوم رعاية هذا الشرط أيضا مثل ما إذا علم الترتيب، لأنّ في كون الصّلاة المتاخرة مشروطة بالمتقدمة عليها زمانا لا فرق بين العلم بالترتيب و عدمه، و لا يرى في نظر العرف دخل في خصوصية العلم، بل يرى أن المناط و الملاك هو كون المتقدم شرطا في المتاخر، سواء كان الشخص عالما بكون ما هو المتقدم و ما هو المتاخر، أو كان جاهلا بذلك.

و ربما يقال بمنع ذلك و عدم وجوب ذلك إلا في صورة العلم بالترتيب.

و أمّا لو لم نقل بهذا المبنى من كون وجه اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت هو كون الصّلاة المتقدمة زمانا، شرطا للمتأخرة زمانا كما هى متقدمة عليها تكوينا، بل قلنا بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و ان قلنا بوجوب الترتيب فنقول بذلك تعبدا من باب دلالة دليل خاص، و هو صدر رواية زرارة المتقدمة، فنقول: بأن ما دل عليه رواية زرارة على فرض دلالتها هو الأمر بالابتداء بأولاهن، و ظاهرها هو صورة العلم، لأنّ في صورة العلم يعلم ما هو المبتدأ، فيصح أن يقال (ابدأ باوّلهنّ) فلا تشمل الرواية إلّا الصورة العلم بما هو الأوّل ففي هذا الفرض

اعتبر الترتيب، و أمّا في غيره فلا.

إن قلت: بأنّه و إن فرض كون المفروض في الرواية صورة العلم بالترتيب، و لكن يمكن أن يقال بشمولها لصورة الجهل به أيضا من باب الغاء الخصوصية و ان العرف يلغى خصوصية العلم و لا يرى فرقا بين صورة العلم و صورة الجهل.

نقول: بأنّه ليس الأمر هكذا، و بعد كون الحكم بالترتيب بين الفوائت مجرد وجود دليل تعبدى عليه، كما هو كذلك على هذا المبنى، فقدر المتيقّن منه صورة دلالة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 225

الدليل، و ربما يكون للعلم خصوصية، فلا يلغى العرف خصوصية العلم، فلا يتعدى منه إلى صورة الجهل بالترتيب، و الفرق بين هذا المبنى و المبنى الأوّل هو أنّه على المبنى الأوّل قلنا بانا نكشف في مقام الثبوت ملاكا و هو كون الصّلاة المتقدمة بحسب الزمان شرطا في المتاخرة زمانا، و لهذا قلنا بأنهم قالوا باعتبار الترتيب بين الصلوات الحواضر و بين الفائتة و الحاضرة، و بين الفوائت، ففي هذا الملاك يمكن أن يدعى عدم فرق في وجوب الترتيب بين الفوائت بين العلم بالترتيب و جهله. «1»

و أمّا الجهة الثالثة: و هى أنّه لو قلنا باعتبار الترتيب في صورة العلم به أو مطلقا فهل يجب ذلك على القاضى عن الغير أم لا؟

مثلا لو كان القاضى الولد الأكبر، أو متبرع يتبرع عن الميت، أو أجير استاجره شخص للقضاء عن الميت صلاته، فهل يجب عليه رعاية الترتيب أم لا؟

اعلم أن للمسألة صورا:

______________________________

(1)- (أقول: و لكن الفرق من هذا الحيث بين المبناءين مشكل إذ على المبنى الأوّل و لو أستفيد كون وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و كذا بين الفائتة بملاك واحد، و هو كون الترتيب واجبا بين الصلوات الحواضر و لكن مع ذلك هل يكون بنحو الشرطية الواقعية او العلمية، فإن كان على سبيل شرطية الواقعية يجب الترتيب حتّى في

صورة الجهل به، و أمّا إن كان على سبيل الشرطية العلمية فتكون في خصوص صورة العلم بالترتيب فمن مجرد استفادة شرطية الصّلاة المتقدمة زمانا للمتأخرة زمانا لا يستفاد كون الشرطية الشرطية المطلقة حتّى في حال الجهل بالترتيب، و كذا الأمر على المبنى الثانى، فلا بدّ من استفادة الشرطية من الرواية الدالة على أنّه ابدأ بأولهن، فيقع الكلام في أنّه بعد كون ظاهر الرواية خصوص صورة العلم بالترتيب، فهل يمكن الغاء خصوصية العلم بدعوى عدم الفرق في نظر العرف بين العلم بالترتيب و جهله أولا فلا فرق في هذا الحيث بين المبناءين). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 226

اوّلها: فرض صورة علم كل من الميت و القاضى عنه بالترتيب.

ثانيها: فرض جهل كل منهما به.

ثالثها: فرض علم الميت و جهل القاضى به.

رابعها: العكس.

فنحن نتكلم في الصورة الأولى و يظهر منها حال ساير الصور لو لم نقل بوجوبه في الصورة الأولى.

فنقول بعونه تعالى: استدل على عدم وجوبه أولا بالأصل و به استدل الكاشف الغطاء رحمه اللّه «1» على عدم وجوب رعاية الترتيب على القاضى عن الغير، لأنّ الشك يكون في الشرطية شي ء بشي ء فيكون مجرى البراءة.

و ثانيا بأن رعاية الترتيب مع الجهل يوجب الحرج.

و استشكل على ذلك بأنّ الاصل يكون في صورة عدم الدليل و معه لا وجه للأصل، و يدل على اعتباره أنّه يجب على القاضى عن الغير قضاء الميت، و على الفرض بعد ما لم يأت الشخص بصلاته في الوقت صار قضاء، و بعد ما صار قضاء كان الواجب عليه قضاء ما فات من صلواته مع رعاية الترتيب، فاذا مات و لم يقضها، فمن يقضى عنه الصلوات لا بد و أن يقضيها كما كان واجبا عليه، فيجب

عليه قضائها عنه مع الترتيب المعتبر، هذا حاصل ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه. «2»

و استشكل على ذلك الحاج آغا رضا الهمدانى رحمه اللّه بأن الواجب على القاضى

______________________________

(1)- كشف الغطاء، ص 270.

(2)- جواهر الكلام، ج 13، ص 30- 25.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 227

عن الميت هو قضاء ما فات عن الميت أى ما تركه من الصلوات في وقتها، فإذا تركها صار قضاء و يجب قضائها عنه، فالقاضى يقضي ما فات من الصّلاة أى ما فات في وقتها، لا أنّه يقضي قضاء الصلوات، و بعبارة اخرى بعد ما فاتت الصّلاة في وقتها فتارة يقضيها نفس الشخص الّذي فاتت عنه، و تارة يقضيها غيره عنه، لا أنّه بعد ما فاتت الصّلاة يتعلق قضائها بالشخص، ثمّ لو لم يأت بها حتّى مات يقضى القاضى عنه القضاء الّذي بذمة الشخص، فيكون صلاة القاضى عنه قضاء قضاء صلاته.

فعلى هذا نقول: المطلوب عن القاضى هو قضاء الصّلاة الّتي فات عنه، و الصلوات الّتي فاتت عنه غير مشروطة بالترتيب، لأنّ من لا يقول بما قاله القدماء رحمه اللّه من كون الترتيب بين الحواضر، و قال بما قاله المتأخرين من وجوب الترتيب بين الفوائت فقط، فلا يجب الترتيب بين الحواضر، فما فات عن الميت هو صلوات بدون تقيد تقدم بعضها على بعض، فبعد ما فات فالمطلوب من القاضى عنه قضاء ما فات من الصلوات، و هى غير مشروط بالترتيب على الفرض.

نعم، لو كان المطلوب عن القاضى قضاء قضاء الميت كان لدخل هذا الشرط وجه، إذ على هذا الفرض تعلق بالميت قضاء الصلوات مشروطة بالترتيب، و هذا القضاء انتقل على عهدة القاضى عنه بكيفية تعلقه بالميت، فقد تعلق به مع شرط الترتيب، فيجب

على قاضى عنه كذلك.

و لكن المطلوب ليس إلا قضاء ما فات عنه، لا قضاء قضاء صلواته، و بهذا البيان صار في المصباح بسدد أن الترتيب غير واجب على القاضى عن الغير. «1»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 611.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 228

و لكن فيه ان ما قاله رحمه اللّه يتم لو لم يكن في البين رواية زرارة المتقدمة الدالة على وجوب الابتداء باوّلهنّ و بعد ورود هذا الدليل نقول: بأن موردها و إن كان الخطاب على نفس من فات عنه صلوات و خوطب- (ابد بأولهن) إلا أن خصوصية كون القاضى نفس المكلف الّذي فات عنه ملغى بنظر العرف، فتشمل الرواية ما إذا كان الغير قاضيا عن المكلف بعد موته، لأنه يقضى عنه و يعمل عمله، فهو هو في إتيان القضاء، فقوله (ابدأ بأولهن) يشمل القاضى عن الغير بإلغاء الخصوصية بنظر العرف، و قد اشار بما قلنا من الإشكال في كلام صاحب المصباح نفسه في المصباح أيضا. «1»

[فروع المسألة]
[الفرع الأول حول بعض العلم الإجمالي في الفائتة]

فرع: قد عرفت ممّا مر في طى المباحث المتعلقة بوجوب الترتيب بين الفوائت و عدمه، أن الدليل عليه هو رواية زرارة على فرض دلالتها و غمض العين عما قلنا من عدم دلالتها مطلقا حتّى على وجوب الابتداء باول ما فات و عدم دلالتها على وجوب الابتداء بغير الصّلاة الفائتة أولا الأولى، فالاولى لا تدلّ إلّا على وجوب

______________________________

(1)- (أقول: لم يتعرض سيدنا و استادنا الاعظم مد ظله العالى لبيان حكم الصور المتقدمة إلا صورة واحدة، و هي ما إذا كان من فات عنه الصلوات و القاضى عنه كلا هما عالمين بالترتيب، و أمّا إذا كانا كلاهما جاهلين أو أحد هما جاهلا و الآخر عالما فلم يتعرض لهما.

فاقول:

أمّا إذا كانا كلاهما جاهلين فإن قلنا بعدم وجوب الترتيب على الجاهل، فلا يجب في الفرض على القاضى، و ان قلنا بوجوب الترتيب على الجاهل فيجب على القاضى لما قلنا من الغاء خصوصية كون المباشر القضاء الشخص من رواية زرارة، و أمّا إن كان القاضى عالما و من فات عنه الصّلاة جاهلا بالترتيب، فيجب رعايته لكون رواية زرارة شاملا له، و إن كان الميت عالما و القاضى جاهلا، فإن قلنا بوجوبه على الجاهل فأيضا يجب عليه، لأنّه المكلف برعاية الترتيب لشمول رواية زرارة له بإلغاء الخصوصية و إن لم نقل بوجوبه على الجاهل، فلا يجب على القاضى رعاية الترتيب، لأنّه على هذا لا تدلّ رواية زرارة على وجوب الابتداء باوّلهنّ إلا في فرض العلم بما هو الأوّل فافهم) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 229

الترتيب في خصوص صورة العلم بالترتيب، و أمّا مع الجهل به ففيما لا يعلم به أصلا فالرواية لا تشمله، نعم في ما إذا علم بالترتيب أوّلا ثمّ نسيه، فقد يقال بشمول الحكم أعني وجوب الترتيب له أيضا.

إذا علم الشخص بأنّه فات عنه إحدى الصلوات من خمسة صلواته اليومية، بأن يعلم إجمالا بأنّه فات عنه إمّا صلاة الغداة، أو الظهر، أو العصر، او المغرب، أو العشاء من ذلك اليوم، فهل يجب عليه أن يصلى خمس صلوات كما نسب إلى أبي الصلاح في الكافى، و ابن حمزه في الوسيلة، أو يكفى في امتثال الأمر القضائى الإتيان بصلوات ثلاث: ركعتين، و ثلاث ركعات، و اربع ركعات كما هو المشهور.

اعلم أنّه بعد العلم الإجمالي بوجوب صلاة عليه، لعلمه بفوت صلاة منه، فلو أتى بصلوة واحدة ركعتين، و واحدة ثلاثة، و واحدة أربع ركعات فقد حصل الامتثال،

لأنّه إن كانت الفائتة الغداة فقد أتى بركعتين، و إن كانت المغرب فقد أتى بثلاث ركعات، و ان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد أتى بصلوة مشتملة على أربع ركعات.

و الإشكال في ذلك من باب انّه بأى منها يقصد التقرب أوّلا.

و بعدم تعيين المامور به، و الحال أن قصد التعيين لازم حتّى يصير الفعل الخارجى معنونا بعنوان المامور به ثانيا.

لا وجه له، لأنّه يقصد التقرب و الامتثال بهذه الصلوات لأنّ داعيه ليس إلا مطلوب المولى فقط، فهو يأتي بها بهذا الداعي.

و أمّا قصد التعيين فحيث يقصد بهذه الصلوات الثلاثة ما هو المأمور به في الواقع فمع هذه الاشارة ينطبق العمل الخارجى مع ما هو عنوان المامور به واقعا.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 230

و يمكن أن يكون وجه قول أبى الصلاح و ابن حمزة بلزوم إتيان خمسة، هو لزوم قصد التعيين، و لا يمكن بأربع ركعات واحدة قصد الظهر و العصر و العشاء، لا أن يكون وجه قولهم لزوم الجهر و الاخفاف، و إلّا كان المناسب أن يقول بأربع صلوات: ركعتين، و ثلاث ركعات، و أربع ركعات للعشاء، و يكفى أربع ركعات للظهر و العصر.

و يدلّ على هذا الحكم أى على ما أفتى به المشهور روايتان:

الأولى: ما رواها على بن اسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من نسي من صلاة يومه واحدة، و لم يدر أىّ صلاة هى، صلّى ركعتين و ثلثا و أربعا). «1»

و على بن اسباط و إن كان فتحيا إلّا أنّه معتمد عليه في نقله، و المراد من غير واحد من أصحابه يكون على الظاهر من مشايخه الذين يروي عنه.

الثانية: ما رواها احمد بن أبى

عبد اللّه البرقى في المحاسن عن أبيه عن العباس بن معروف عن على بن مهزيار عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدرى أيّتها هى؟ قال: يصلّى ثلاثة و أربعة و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى اربعا و ان كانت المغرب أو الغداء فقد صلّى). «2»

و هذه الرواية مرفوعة لأنّ الحسين بن سعيد رفعه و الفاصلة بينه و بين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 231

أبى عبد اللّه عليه السّلام رجلان لفصل طبقتين، و على أىّ حال تدلّان الروايتان على الحكم و لسانهما واحد إلّا أن في رواية المحاسن ذيل بيّن فيه وجه الحكم بكفاية صلوات ثلاث، و يمكن أن يكون هذا الذيل أى (فان كانت الخ) من الراوى أو من صاحب المحاسن و يجير ضعفهما عمل المشهور بهما.

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بكونه على القاعدة، لأنّه بإتيان ركعتين، و ثلاث ركعات و أربع ركعات يحصل الامتثال المعلوم بالاجمال، لما قلنا من عدم إشكال من حيث تحقق القربة و قصد التعيين، لأنّه يصح قصد التقرب و قصد التعيين بنحو الاشارة.

نعم يبقى الإشكال من حيث شرطية الجهر و الاخفات و أنّه بأربع ركعات مع اعتبار ذلك لا يتحقق الامتثال، لأنّه إن كان ما فات هو العشاء يلزم الجهر و إن كان الظهر أو العصر يجب الاخفات، فان جهر في هذه الأربعة فربما كانت الفائتة الظهر أو العصر و إن أخفت فيها فربما كانت الفائتة العشاء، فلا يحصل

القطع بامتثال المعلوم الإجمالي إلا أن يقال: بأن الدليل الدال على الجهر في العشاء و الاخفات في الظهرين لا يشمل هذه الصورة الّتي لا يدرى أن الواجب عليه العشاء أو الظهران، و على كل حال إن كان الحكم على القاعدة فهو، و إلّا فقد دلت الروايتان عليه، و ضعفهما يجبر بعمل الأصحاب، فلا إشكال في البين.

ثمّ إنّه لو فات عنه صلاة من صلوات يومه و هو مسافر فهل يكفى ركعتان و ثلث ركعات في مقام امتثال المعلوم بالاجمال أم لا يكفى، بل لا بدّ من الإتيان بخمس صلوات.

الحق كفاية ركعتين و ثلث ركعات، أمّا إن كان الحكم على القاعدة فواضح،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 232

لأنّه إن فات عنه المغرب واقعا فقد أتى بثلاث ركعات و إن فات الغداة، أو الظهرين، أو العشاء فحيث إنّه مسافر فحيث عليه ركعتان للظهرين و العشاء كالغداة، فإتيانه بركعتين محقّق للامتثال.

و إن لم يكن الحكم على القاعدة فمن الروايتين المتقدمتين يستفاد ذلك بإلغاء الخصوصية، لأنّ ملاك الحكم فيهما معلوم و هو تحقق الامتثال بركعتين و أربع ركعات و ثلاث ركعات في الحضر فيكفي ركعتان في السفر من باب حصول الامتثال به، فافهم.

ما فات عن الشخص من الصلوات في الحضر يقضيها كما فات و إن كان يقضيها في السفر، و ما فات عنه في السفر يقضيها كما فات و إن كان يقضيها في الحضر، فلو فات عنه الظهر مثلا في الحضر يقضيها أربع ركعات و إن كان يقضيها في السفر، و لو فات عنه الظهر في السفر يقضيها ركعتين و إن كان يقضيها في الحضر، و هذا الحكم و إن كان فيه خلاف عند العامّة و لكن لا يكون فيه خلاف

عندنا فتوى، و يدل عليه بعض النصوص، فارجع الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل، فهذا الحكم في الجملة لا يكون محل كلام، إنما الكلام في البعض الفروع فرع عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه، و بعضها غير مربوط بالمقام.

فنذكر بعض الفروع إن شاء اللّه:

الفرع الأوّل: هل يكون المساوات بين الفائتة و قضائها من حيث السهو أم لا؟ مثلا لو كان الشخص إذا صلّى في الوقت و نسي سجدة واحدة مثلا كان حكمه إذا مضى محلّه قضائها بعد الصّلاة، فهل يجب في مقام القضاء لو ترك في صلاته سجدة واحدة أن يقضى السجدة بعد الصّلاة، أو لا يكون كذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 233

الحق التساوى بينهما في هذه الجهات، لأنّ أحكام السهو احكام للصّلاة سواء صلّى في الوقت أو خارجه، لأنّ اطلاق هذه الادلة كما يشمل حال الأداء يشمل حال القضاء، و مثل هذا الفرع غير مربوط بالمسألة المتقدمة أى مراعات القصر و الاتمام في مقام قضاء الفائتة.

الفرع الثاني: لو فات عن الشخص صلاة اضطرارية

، بمعنى أن صلاة فاتت عنه في وقت كانت وظيفته الصّلاة، قاعدا أو مضطجعا، أو مستلقيا فهل يجب في مقام القضاء قضائها قاعدا، أو مضطجعا أو مستلقيا، أو يجب عليه في مقام القضاء الإتيان بصلوة تامة من حيث الأجزاء و الشرائط أى الصّلاة الكامل المختار.

وجه دعوى قضائها على كيفية فاتت، هو وجوب قضائها كما فاتت لدلالة النبوى و بعض الروايات الواردة في وجوب قضاء ما فات سفرا ركعتان، ما و فات حضرا، أربع ركعات، لدلالته على وجوب القضاء كما فات.

و لكن الالتزام بذلك غير ممكن كما ادعى الاجماع على وجوب قضائها بالنحو الصّلاة الكامل المختار.

الفرع الثالث: إذا فات عن الشخص صلاة ظهر مثلا حال الخوف

، فهل يجب قضائها ركعتين لكون الواجب حال الخوف ركعتين، أو يجب عليه اربع ركعات؟

اعلم أن النزاع يكون في ما يكون مورد صلاة الخوف إلى ما دون المسافة الشرعية الموجبة للقصر، لأنّ مع فرض كون مورده في السفر الشرعى فهو مسافر و أيضا يعتبر أن تكون الوظيفة حال الخوف الصّلاة الجماعة، حتّى يفرض كون تكليفها حال الفوت ركعتين، أو نختار في صلاة الخوف بكون الوظيفة للمنفرد أيضا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 234

ركعتين على خلاف فيه، ففي الصورتين يقع الكلام في أنّه بعد كون وظيفته حال الفوت ركعتين للظهر و العصر و العشاء، و فرض فوتها فهل يجب قضائها ركعتين أو اربع ركعات؟

وجه كون قضائها ركعتين هو التمسك بالنبوى «1» (من فاتت فريضته فليقضها كما فاتته) و بعض الروايات الواردة في وجوب قضاء ما فات حضرا أربع ركعات و إن كان مسافرا، و ما فات سفرا يقضيها قصرا و إن كان حاضرا لا يزيد و لا ينقض، فيقال بأنّه يستفاد منها كون الوظيفة رعاية الكمية في مقام القضاء مع ما

فات عنه.

وجه وجوب قضائها تماما هو أن الدليل ورد في خصوص المسافر و الحاضر، و أن قضاء صلاة الحاضر هو التمام و إن كان في السفر و قضاء ما فات حال السفر هو القصر و ان قضاه في الحضر، و في بعض الروايات المربوطة بالمقام المذكورة في الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل، منها ما عن زرارة قال فيها: (يقضى ما فاته كما فاته ان كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها الخ «2». و رواية موسى بن بكر عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: إذا نسي الرجل صلاة أو صلّها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر، فذكرها فليقض الّذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه الخ). «3»

قال: (يقضى ما فاته كما فاته) أو (فليقض الّذي وجب عليه لا يزيد على ذلك و لا ينقص) فلا يتعدى من موردها إلى غيره بإلغاء الخصوصية، لأنّه ربّما يكون في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 6 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

(3)- غوالى اللئالي، ج 2، ص 54- 143، ج 3، ص 107، ص 150.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 235

خصوص السفر خصوصيّة امر يوجب القصر و ليست هذه الخصوصية في صلاة الخوف، مضافا إلى أن قوله عليه السّلام في رواية حريز عن زرارة (يقضى ما فاته كما ما فاته) أو في النبوى (فليقضها كما فاتته) على فرض حجية الثانية، يكون النظر إلى بيان أن القضاء يكون كما فاتته من حيث أنواع الصّلاة مثل المسافر و الحاضر، فحيث انّها نوعان فيقال (اقضها كما فاتتك) أى مثل النوع الّذي فاتتك

من كونك مسافرا أو حاضرا، و صلاة الخوف ليس فردا او نوعا في قبال فرد آخر او نوع آخر.

و لو قيل بكون قوله (كما فاتته) دالّا على كون القضاء مثل الأداء من حيث الكمية و الكيفية فلا بدّ من الالتزام بأنّه لو فات عنه صلاة الخوف في حال لا يجب عليه بعض الأجزاء و الشرائط، فلا يلزم في مقام القضاء هذه الأجزاء و الشرائط، أو لو فات عن الشخص صلاة الغرقى فكان الواجب قضائها كذلك.

و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فتكون النتيجة أن الالتزام بكون الواجب على من فات عنه صلاة الظهر مثلا في حال الخوف ركعتين أن يقضى ركعتين مشكل فافهم.

الفرع الرابع: لو فاتت عن الشخص صلاة حال الصحة أى الصّلاة الكامل المختار

، فهل يجوز قضائها في حال عدم تمكنه ألّا عن الصّلاة الاضطرارية، مثلا فاتت صلاة عنه في حال كان متمكنا عن الصّلاة الكامل المختار، فهل يجوز قضائها حال عدم تمكنه من تحصيل شرائط الصّلاة الكامل المختار، مثلا لا يتمكن الا عن الصّلاة عن جلوس، أو فات عنه صلاة معتبر فيها الجلوس، هل يجوز أن يقضيها حال عدم قدرته الا عن الاضطجاع، او لا يجوز مطلقا؟ أو يجوز مع عدم رجاء زوال العذر إلى آخر عمره، و لا يجوز مع رجاء زوال العذر مطلقا؟ أو التفصيل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 236

عدم الجواز مع رجاء زوال العذر بين ما إذا قلنا بكون وجوب القضاء فوريّا فيجب المبادرة، و بين عدم الفورية فلا يجوز المبادرة، فالاحتمالات في المسألة أربعة.

أمّا في ما لا يرجو زوال عذره إلى آخر عمره، فلا إشكال في جواز الإتيان بها على هذا الحال، لأنّه بعد مطلوبية الصّلاة على كل حال و عدم رفع يده الشارع عنها، و على الفرض

لا يتمكن إلى آخر الّا على هذا الوجه أى: على كيفية اضطرارية، فيجوز له قضائها على هذه الحالة.

و كذلك في ما يرجو زوال العذر و لكن قلنا بوجوب القضاء فورا بحيث لا يجوز الاشتغال بشي ء إلا بمقدار الضرورة حتّى يقضيها، سواء قلنا بكون زمان تذكر فوتها وقتا لها أولا، بل مجرد فورية قضائها موجب لجوازه، بل بوجوب المبادرة إليه، لأنّه على الفرض مأمور بالصّلاة، و لا يتمكن إلا بهذه الكيفية. «1»

و أمّا في ما يرجو زوال العذر و لم نقل بوجوب القضاء فورا، فهل يجوز البدار

______________________________

(1)- (أقول على فرض كون ما دل على وجوب القضاء فورا في مقام بيان حكم فعلى بمعنى أنّه يجب قضاء الصّلاة فورا على أىّ وجه يتمكن منه، فيقع التعارض بين هذه الادلة و بين ما دل على اعتبار الشرائط و الأجزاء في الصّلاة مثل ما دل على شرطية القيام، لأنّ مفاد هذه الادلة اعتبار شرطية القيام مطلقا، ففي زمان لم يتمكن من الصّلاة قائما، و لكن يرجو زوال عذره و تمكنه من القيام، فلا يجوز البدار و إتيان الصّلاة فاقدا لهذا الشرط، و مقتضى إطلاق ما دل على فورية القضاء إتيان الصّلاة فورا على أىّ وجه يمكن و لو فاقدا لشرط القيام، و مقتضى ما دل على شرطية القيام شرطيته إذا تمكن منه، و على الفرض هو متمكن عن حفظه بتأخير الصّلاة إلى زوال العذر، و لكن بعد وجوب إتيانها فورا لا يجوز تأخير الصّلاة مثل، ما إذا كان في آخر الوقت و هو لا يتمكن من القيام، فيجب إتيانها بلا قيام، فيجب أن يصلى فورا، و على الفرض لا يتمكن إلا من الصّلاة فاقدة لشرط القيام).

تبيان الصلاة، ج 7،

ص: 237

و قضاء الصّلاة فاقدة للشرط أو لا يجوز ذلك؟

و لا فرق في الحكم بجواز البدار و عدمه بين ما فات عنه صلاة الكامل المختار و لم يتمكن فعلا إلا عن صلاة العاجز، و بين ما إذا فات عنه صلاة العاجز و لا يتمكن فعلا إلا عن صلاة العاجز، لأنّه على الثانى بعد ما اخترنا من أن الواجب على من فات عنه صلاة اضطرارية في حال العجز عن القيام، يجب في مقام القضاء قضائها بصلوة اختيارية أى الصّلاة الكامل المختار، فعلى هذا لو فاتت عن الشخص صلاة هكذا، و فرض عدم تمكنه بعد الوقت إلا عن مرتبة اضطرارية أو مرتبة أنزل منها، فيقع الكلام في أنّه هل يجوز مع رجاء زوال العذر البدار و قضائها بهذا الحال، أولا يجوز ذلك؟

إذا عرفت ذلك نقول: قد ذكر صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» عن عدة، النص على عدم الوجوب إلى زوال العذر، بل عن ثلاثة منهم بأنّه لا يستحب، بل لا اجد فيه خلافا صريحا، و يكون نقل أقواله عن مفتاح الكرامة، ثمّ بعد ذلك قال: و قد عرفت ممّن سمعت بصحّة القضاء معه، و هو قوى جدا بناء على المضايقة، ثمّ ذكر وجوها ثلاثة لجواز البدار:

الوجه الأوّل: إطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لسائر الاوقات المقتضى لصحّة الفعل من المكلف فيها جميعا على حسب تمكنه.

الوجه الثانى: ما ورد من قولهم عليهم السّلام كلما غلب اللّه عليه فهو اولى بالعذر.

الوجه الثالث: عدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء في سائر

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 115- 116.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 238

هذه الاعذار لظهور الأدلة من أخبار الصّلاة على الراحلة و غيرها، و قد سمعت أن القضاء

عين الأداء إلا في الوقت، بل هو بعد مجي ء الدليل به صار كالواجب الواحد الّذي له وقتان: اختيارى و اضطرارى فوقت الأداء للاول و وقت القضاء للثانى، فجميع ما ثبت للفعل في الحال الأوّل يثبت للثانى.

ثمّ بعد ذكر الادلة استشكل على الوجه الأوّل بما هذا عبارته (لكن قد يشكل ذلك كله- بعد منافاته لإطلاق ما دل على شرطية الامور المفروض تعذرها و جزئيتها، و اقتضائه الجواز، مع العلم بالزوال في أقرب الازمان الّذي يمكن دعوى تحصيل القطع بفساد الدعوى فيه، بمنع اقتضاء إطلاق الأمر ذلك، لأنّه متعلق بالفعل الجامع للشرائط و إن كان المكلف مخيرا في الإتيان به في أىّ وقت، و بذلك و نحوه صار افرادا متعددة، و إلّا فهو في الحقيقة شي ء واحد أوقاته متعددة. لا أن الأمر متعلّق «1» في كل وقت بالصّلاة الّتي تمكن فيه، فيكون لكل جزء من الوقت متعلق غير الآخر و إن اتّفق توافق بعضها مع بعض، و لهذا لا يجرى حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأوّل للأداء مثلا من قصر، أو تمام، أو غير هما في الوقت الثانى، لاختلاف متعلق الأمر فيها، و ليس هو عينه كى يصح استصحاب ما ثبت له في الوقت الأوّل، ضرورة فساد جميع ذلك، بل هو سفسطة، إذ لا يشكّ أحد في أن المفهوم من مثل هذه الأوامر شي ء واحد إلا أن أوقاته متعددة حتّى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث بدليل آخر، لا أنّه يستفاد من نفس إطلاق الامر الشامل لمثل هذا الوقت الّذي فرض تعذّر الجزء فيه مثلا و إلّا لم يجب السعى في تحصيل شي ء من مقدمات الواجب المطلق اصلا) انتهى

______________________________

(1)- (الظاهر ان الصحيح هو (لا) لا (إلا) كما في بعض نسخ الجواهر (الا ان الامر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 239

كلامه قدس سرّه. «1»

اعلم أن نظره في الإشكال على الوجه الأوّل يكون إلى أن الأمر بالقضاء، لا يوجب ذلك.

و لكن فيه:

أولا: بأن إطلاقها مناف مع إطلاق أدلة الشروط المعتبرة في الصّلاة.

و ثانيا: لازم ذلك جواز البدار و إن علم الشخص زوال العذر عن قريب، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام به.

و ثالثا: فإن إطلاق هذا الأمر لا يقتضي ذلك، لأنّه متعلق بالفرد الجامع للشرائط و إن كان المكلف مخيرا في امتثاله في اىّ وقت شاء، و لكن ليس المطلوب منه إلا الفرد الجامع للشرائط، فالتخيير بين الا زمان لا بين الأفراد، فعلى هذا في أول زمان تذكر الفوت لو تمكن من الصّلاة بمرتبتها العليا فيأتي بها، و إلّا فيصبر إلى أن يقدر على امتثال التكليف في زمان آخر، فيكون النتيجة عدم جواز البدار.

و لكن الحق في المقام هو أن يقال في مطلق الاعذار- في مقام إعطاء قاعدة كلية في الوقت ما يفيد لمقامنا أى: لخارج الوقت أيضا-: إنّه بعد دخول وقت المفروض كونها واجبة موقتة موسعة، يتعلّق الأمر بالمكلّف، و الأمر يكون مطلقا، و لذا يجب تحصيل شرائطها، و له تعلق بموضوع و هو الصّلاة، و من هذا الحيث يكون مطلقا، و له تعلق بالمكلف و من هذا الحيث يكون مطلقا.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 240

فقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1» يكون أمرا مطلقا متعلقا بموضوع مطلق و بمطلق المكلفين، فان كان بعد دخول الوقت مطلقا من هذه الجهات فلازمه صحة امتثاله و ان لم

يكن المكلف واجدا لما هو معتبر في الكامل المختار.

و إن قيل بعدم جوازه، فلا بدّ من أن يقال: بأن الوجوب بعد الوقت و إن كان فعليا، و لكن حيث يكون الواجب هو الصّلاة الكاملة- مثلا الصّلاة مع القيام- فلا بد من الصبر إلى ان يحصل التمكن له من امتثالها مع القيام، يكون بنحو الوجوب المعلق أعنى يكون الوجوب فعليا مع كون الواجب استقباليا، لأنّه على هذا بعد دخول الوقت تعلق الوجوب فعلا على المكلف على الصّلاة قائما، و مع فرض عدم تمكنه فعلا من القيام، و تمكنه بعد ذلك، يكون الوجوب متعلقا بالواجب اللاحق، و هذا معنى الوجوب المعلق.

و هذا خلاف ظاهر الدليل الدال على الوجوب بمجرد دخول الوقت، لأنّ ظاهره كونه من حيث الوجوب و الواجب و المكلف مطلقا، فإطلاق الدليل يقتضي الإطلاق و مقتضى الإطلاق هو كون بعد الوقت ظرفا للتكليف، و للمكلف ايجاد الطبيعة في أىّ جزء من الوقت، و مع فرض عدم تمكنه من القيام يجب عليه ايجاد الطبيعة في اى جزء من الوقت، و مع فرض عدم تمكنه من القيام يجب عليه ايجاد الطبيعة جالسا أو مضطجعا، أو مستلقيا، و لا يلزم عليه الصبر إلى زمان التمكّن من القيام.

______________________________

(1)- سورة الاسراء، الآية 78.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 241

إذا عرفت ما بينا لك، تعرف أنّه يجوز البدار في أول الوقت للعاجز عن المرتبة العليا من مراتب الصّلاة إلا في ما دل الدليل بالخصوص على عدمه، مثل ما ربما يقال في من كان عاجزا عن الطهارة المائية في أول الوقت و يرجو تمكنه في آخر الوقت، بعدم جواز البدار له و وجوب الصبر.

و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من أنّه لو

فرض إطلاق للدليل الدال على وجوب الصّلاة بعد دخول الوقت، فلا يمكن الاخذ بإطلاقه لمنافاته مع إطلاق ادلة اعتبار الشروط مثل دليل وجوب شرطية القيام، فهذا الدليل مطلق، و مع إطلاقه يجب الصبر ما دام يكون ظرف التكليف باقيا، فإذا بقى العذر إلى آخر الوقت، لا بد من التنزل إلى الفرد الناقص أى: الصّلاة عن جلوس، فمقتضى ذلك عدم جواز البدار.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 241

ليس في محلّه لأنّه كما قلنا يكون مقتضى الدليل الدال على وجوب الصّلاة، هو تعلق الوجوب بطبيعة الصّلاة فتمام المطلوب في هذا الطلب ليس الا نفس طبيعة الصّلاة، فالامر تعلق بنفس الطبيعة فعلى الفرض لا تقييد في الأمر، و لا في المامور، و لا في المامور به فالاطلاق يقتضي جواز البدار و صدق الامتثال بايجاد الطبيعة، فمن هنا يظهر لك أن الأمر تعلق بطبيعة الصّلاة لا بفرد خاص من هذه الطبيعة، نعم إذا أتى بما هو فرد لها فقد امتثل التكليف، و إذا لم يكن فرد لها لا يتحقّق به الامتثال، ففي حال الإتيان بما هو فرد للطبيعة إذا أتى به، فقد حصل به الامتثال من باب وجود الطبيعة بايجاده.

و امّا الدليل الدال على اعتبار بعض الأشياء فيها كالدليل الدال على اعتبار القيام في الصّلاة إذا تمكن منه، فان كان مفاده تقييد الصّلاة به، و عدم صحتها بدونه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 242

إذا كان متمكنّا من تحصيله في جزء من الوقت و لو في جزئه الآخر، فكان اللازم تقييد إطلاق الدليل الدال على وجوب أصل الصّلاة، و لازمه عدم جواز

البدار، و أمّا لو لم يكن مفاده ذلك، بل غاية ما يدلّ هذا الدليل هو أنّه بعد ظرف التكليف إذا تعلق إرادة الشخص بإتيان المامور به فلكلّ ما هو فرد للطبيعة بحسب حال من القيام و الاضطجاع و الاستلقاء يتحقق به الامتثال.

إذا عرفت ذلك نقول: إن دليل الدال على اعتبار القيام لا يدل على أزيد من الاحتمال الثانى، فقوله مثلا (الصحيح يصلى قائما، و المريض يصلى جالسا) يدلّ على أن المكلف بعد ما تعلق عليه الوجوب حصل له الداعى إلى ايجاد طبيعة الصّلاة، فإن كان صحيحا يصلى قائما، و إن كان مريضا يصلى جالسا، و لا يدلّ على أنّه بعد ظرف التكليف و توجهه و حصول الداعى له بايجاد المكلف به ينظر إلى حاله، فإن كان قادرا على القيام يصلّى قائما، و لو لم يقدر فى أوّل ظرف التكليف مثلا على القيام، لكن يرجو تجدد القدرة في ساعة من الساعات اللاحقة من الوقت مثلا في آخر الوقت، فيجب عليه الصبر و لا يجوز له امتثال الأمر بالنحو المقدور، فليس لدليل اعتبار شرط القيام إطلاق يشمل صورة عدم تمكنه في أول الوقت و تجدد تمكنه في آخر الوقت، فقدر المتقين من الدليل الدال على شرطيته هو كون الطبيعة مقيدة به في كل مورد توجه التكليف، و حصل للمكلف الداعى على الامتثال، و كان في هذا الحال متمكنا عن القيام. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لو شككنا في أن مفاد الدليل الدال على اعتبار القيام هو اعتباره مطلقا حتّى في صورة عدم تمكنه منه في أول الوقت و رجاء تمكنه في ما بعد من الوقت، أو اعتباره في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 243

إذا عرفت جواز البدار في الوقت مع

كون المصلّى غير متمكن من القيام في فرض رجاء زوال العذر في ما بقى من الوقت.

فنقول: إن الحق في المقام بعد ما قلنا من أن الأخبار الدالة على القضاء المعبر فيها بأنّه (فليقضها متى ذكرها) لا تدلّ على الفورية، بل تدلّ على أن حدوث يكون بعد زمان التذكر، و أنّه بعد ما ذكر نسيانها يكون محل إتيانها بعد حدوث التذكر، فلو أتى بعد ساعة، أو يوم، أو اكثر من زمان التذكر، يصدق أنّه أتاها بعد التذكر و نقول بأن مقتضاها هو تعلق الوجوب على الشخص بقضاء الصّلاة، و بعد عدم تقيد ذلك الخطاب بشي ء فيكون الوجوب مطلقا، و الواجب المطلق متعلق بمطلق المكلفين، فبعد ما تذكر الشخص فوت صلاة أو صلوات منه، و بنى على قضائها فيقضيها و يمتثلها و يحصل امتثالها بايجاد طبيعة الصّلاة و وجودها بايجاد ما هو فرد لها في هذا الحال فان كان متمكنا عن القيام يقضيها عن قيام، و إن لم يكن متمكنا عنه يقضيها عن جلوس، أو مضطجعا، أو مستلقيا بحسب وظيفته، و لو لم يكن متمكنا حين بنائه على القضاء من القيام، لا يجب عليه الصبر و انتظار زوال العذر.

و كيف يمكن أن يقال بوجوب التأخير إلى آخر العمر مثلا لمن يرجو زوال العذر في آخر العمر و كما قلنا دليل اعتبار القيام لا يدل على هذا الأمر أى عدم جواز البدار، و بعد فرض كون الأمر كما قلنا بطبيعة الصّلاة، و فرض كون صلاة العاجز

______________________________

خصوص مورد يكون ظرف التكليف من الصّلاة و حصل للمكلف الداعى على امتثالها و فى هذا الحال يتمكن من القيام، فيجب عليه إيجاد الطبيعة في ضمن الفرد الواجد للقيام، فيكون الدوران في

التخصيص بين الأقل و الأكثر، ففي الأكثر المشكوك يرجع إلى العموم الدال على وجوب طبيعة الصّلاة) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 244

عن القيام كصلاة الممكن منه فردا للصّلاة، و كون الأمر مطلقا غير مقيد، فلا بدّ من أن يلاحظ المكلف حال امتثال التكليف أن ايجاد أىّ فرد من الأفراد محصل لامتثال الأمر بالطبيعة، و على الفرض هو في حال العجز غير متمكن عن الصّلاة عن قيام، فيأتي عن جلوس مع قدرته على الجلوس و يتحقق الامتثال.

فتحصل ممّا مرّ أنّه يجوز لمن فات عنه الصّلاة التام الكامل المختار أن يقضيها متى شاء و لو حال العجز عن الصّلاة الكامل المختار، و لا يجب عليه الصبر إلى زوال العذر، سواء لم يرج زوال العذر أو يرجوه، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 245

[خاتمة مرتبطة بالمقصد السادس في صلاة الجماعة]

فصل في المتابعة المأموم للامام
اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 247

بسمه تعالى و له الحمد و الصّلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على اعدائهم و اعدائه «1» اعلم ان المتابعة اى: وجوب متابعة المأموم للإمام من أحكام الجماعة و وجوبها في الجملة ممّا لا اشكال فيه، و هى تنقسم إلى القسمين:

احدهما: هو وجوب المتابعة و عدم وجوبها من حيث عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، و بعبارة اخرى وجوب المقارنة أو تاخره حسّا عن الإمام في الافعال بمعنى إتيانه الافعال معه أو بعده و قد مضى الكلام في هذه الجهة سابقا مع بعض الفروع الراجعة إليها.

ثانيهما: وجوب المتابعة و عدمه من حيث عدم جواز تاخر المأموم عن الإمام في الافعال، بحيث لا يقع الفصل الفاحش بين ايجاد الإمام فعلا و ايجاد المأموم

______________________________

(1)- و بعد فقد شرع سيدنا الاعظم و استادنا المعظم آية اللّه العظمى الحاج آقا

حسين البروجردي متعنا بطول بقائه في التدريس في اليوم الثالث و العشرين من ربيع الأوّل 1378 و شرع في المسألة الّتي نكتب الآن ان شاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 248

هذا الفعل و جوازه و يعبّر عن هذا المعنى من المتابعة بعدم جواز تخلف المأموم عن الإمام، و ينبغى بيان الروايات المربوطة بالمسألة.

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]
اشارة

فتقول بعونه تعالى: إن الروايات المربوطة بالمقام أربعة:

الأولى: ما رواها محمد بن الحسن

باسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن عن أبى الحسن عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلّى مع امام يقتدى به فركع الإمام و سها الرجل و هو خلفه، فلم يركع حتّى رفع الإمام رأسه و انحطّ للسجود، أ يركع ثمّ يلحق بالامام و القوم في سجودهم، أم كيف يصنع؟

قال: يركع ثمّ ينحط و يتم صلاته معهم و لا شي ء عليه). «1»

يستفاد منها عدم كون تأخر المأموم عن الإمام في الركوع سهوا مضرا ببقاء القدوة و صحة الصّلاة.

الثانية: ما رواه محمد بن الحسن

باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن سليمان عن عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة، و إمّا في غير ذلك من الايام، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط و إمّا إلى اسطوانة، فلا يقدر على أن يركع و لا يسجد حتّى رفع الناس رءوسهم، فهل يجوز له ان يركع و يسجد وحده، ثمّ يستوى مع الناس في الصف؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك). «2»

و مورد هذه الرواية هو عدم تمكن المأموم من المتابعة، و تدلّ على عدم

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 249

موجبية هذا النحو من التخلف لبطلان الصّلاة و الجماعة.

الثالثة: ما رواها محمد بن الحسين

باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السّلام في رجل صلّى (في جماعة يوم الجمعة، فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو اسطوانة، فلم يقدر على أن يركع، ثمّ يقوم في الصّف و لا يسجد حتّى رفع القوم رءوسهم، أ يركع ثمّ يسجد و يلحق بالصّف و قد قام القوم، أم كيف يصنع؟ قال يركع و يسجد و لا بأس بذلك). «1»

و لسان هذه الرواية يكون كسابقها، غاية الأمر يكون مورد السؤال في هذه الرواية خصوص الجماعة في يوم الجمعة، فتدل على عدم مضرية التخلف في الركوع و السجود من الإمام، فى ما إذا كان ذلك من باب عدم تمكنه عن المتابعة.

الرابعة: ما رواها محمد بن على بن الحسين

باسناده عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، و كبر مع الإمام و ركع، و لم يقدر على السجود و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم فركع الإمام، و لم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام، و قدر على السجود كيف يصنع؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أمّا الركعة الأولى فهى إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتّى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له، فلمّا سجد في الثانية، فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الأولى، فقد تمت له الأولى، فاذا سلّم الإمام قام فصلى ركعة، ثمّ يسجد فيها، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الأولى لم تجز عنه الأولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين و ينوى بهما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب

7 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 250

للركعة الأولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها) «1».

رواه الكلينى عن على بن ابراهيم عن أبيه و على بن القاسانى عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث مثله إلى قوله لم تجز عنه الأولى و لا الثانية.

و رواه الشّيخ باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن بن الحسين عن عباد بن سليمان عن القاسم بن محمد هذه الرواية مع ذيل.

و اعلم أن هذه الرواية الأخيرة مشتملة على أمرين:

الأوّل: اعتبار القصد في كل جزء بمعنى أن يقصد أنّه جزء لأىّ ركعة و إلّا لم يقع لها، لأنّه قال: إن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الأولى فقد تمت له الأولى، و هذا خلاف ما نلتزم به، لعدم اعتبار ذلك القصد، بل اللازم هو قصد جزئية من كل جزء.

الثانى: عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركن و هو السجدتين إذا أوقعهما بلا قصد، و هذا أشكل.

[في ذكر جهات في الباب]
اشارة

هذا كلّه الروايات المربوطة بالباب، فنقول بعد ذلك: إنّ هنا جهات:

الأولى: المستفاد من الروايات في الجملة هو عدم فساد الصّلاة

و القدوة بتأخر المأموم عن الإمام في بعض الأفعال لأجل السهو، أو عدم التمكن من التعبية لأجل الزحام.

الثانية: بعد دلالة الرواية الأولى على اغتفار عدم التعبية السهوية في الركوع،

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 251

و دلالة الرواية الثانية و الثالثة على اغتفار تخلف المأموم عن الإمام في الركوع و السجود كليهما في صورة عدم التمكن عن التبعية، و دلالة الرواية الرابعة على ذلك لأجل اغتفار الزحام في السجدتين من الركعة الأولى و الركوع من الثانية، فهل يمكن أن يقال باغتفار التخلف في السجدة سهوا، و كذلك باغتفار التخلف في الركوع و السجود كليهما سهوا، أو لا بد من الاقتصار بمورد النص و هو التخلف في خصوص الركوع سهوا؟

لا يبعد عدم الفرق من باب الغاء الخصوصية بأن يقال: نحن نفهم من حكم الشارع باغتفار تخلف المأموم عن الإمام في الركوع سهوا و اضطرارا على ما في الرواية الأولى و الثانية، كون كل من السهو و عدم القدرة موضوعا للاغتفار بوزان واحد، فكما يغتفر تخلف المأموم عن الإمام لأجل الزحام في الركوع و السجود لأجل النص، كذلك في السهو، فلو تخلف سهوا عن الإمام في الركوع و السجود أو في السجود فقط، يغتفر ذلك، و ان لم يكن هاتان الصورتان منصوصتين.

الثالثة: ظاهر الروايات المتقدمة في مورد وقوع التخلف في الركوع و السجود

سهوا أو اضطرارا كون صلاة المأموم جماعة قبل طرو التخلف، و كذلك تكون جماعة بعد إتيانه بما تخلف عن الإمام من الركوع و السجود، و وصوله به في ما بقي من الصّلاة، لأنّ هذا مفاد ظاهر قوله عليه السّلام: و يتم صلاته معهم، و قول السائل: ثمّ يستوى مع الناس في الصف، و جواب الإمام عليه السّلام: نعم لا بأس بذلك، فتكون صلاته متصفة بالجماعة في ما قبل طروّ هذه الحالة و ما بعده إذا أتى بما تخلف، و وصل بالامام.

و هل الصّلاة جماعة

حتّى في حال تخلفه عن الإمام مع كونه تاركا للمتابعة في أفعال الصّلاة في هذه الحالة أو تصير صلاته فرادى في هذا المقدار؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 252

يمكن أن يقال بكون صلاته جماعة حتّى في حال حصول التخلف إمّا بدعوى ظهور الروايات في ذلك، و إمّا بأن المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جمعة، و سقوط الظهر عنه هو إدراكه من الجمعة ركعة مع الإمام، و لو فرض صيرورة صلاة المأموم فرادى في المقدار الغير المتمكن من المتابعة، فلازمه عدم إدراكه مع الإمام ركعة تامة من الجمعة، فينا في هذه النصوص مع ما دل على اعتبار ذلك في صيرورة صلاة المأموم جمعة، لأنّه على الفرض لم يدرك السجدتين من الركعة الأولى و الركوع من الثانية مع الإمام، فلم يدرك ركعة تامة من الجمعة مع الإمام.

و ربما: يقال: بصيرورة صلاته في حال عدم المتابعة فرادى بدعوى أن المرتكز مع عدم المتابعة هو كون الصّلاة فرادى.

و لكن لو قلنا: بكون وجوب المتابعة تكليفيا لا وضعيا يمكن أن يقال: بأن هذا المصلّي و إن كان تخلف عن الإمام في السجدتين و الركوع، لكن كان مع الإمام في الركعتين فهو أدرك الإمام في الركعة التامة فتصح منه الجمعة.

الرابعة: مقتضى النصوص اغتفار ترك المتابعة لأجل السهو و الزحام

، فهل يغتفر لغير السهو و الزحام من أعذار أخر أم لا؟

لا يبعد عدم الفرق، لأنّ النص و إن كان في الموردين الا ان العرف يلغى خصوصية السهو و الزحام، و يحكم بأنّ وجه اغتفار التخلف لأجل السهو و الزحام، هو عدم قدرة المأموم للمتابعة، فلا فرق بين السهو و الزحام و بين غير هما من الاعذار.

الخامسة: هل يجوز ترك المتابعة و التخلف عن الإمام عمدا

و بلا عذر أو لا يجوز ذلك؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 253

اعلم أنّه تارة يقال: بكون وجوب المتابعة و عدم جواز التأخر عن الإمام وضعيا فلا يجوز ذلك و تفسد الجماعة، و إن قلنا بكونه تكليفيا فلا يجوز التخلف، لكن لو تخلف لا تبطل الصّلاة و الجماعة.

السادسة: مورد النصوص المذكورة على ما عرفت

هو ما إذا ترك المأموم المتابعة سهوا أو اضطرارا فى الركوع من الركعة الأولى، ثمّ يأتي و يلحق بالامام فى السجود، أو تخلف في الركوع و السجود و يلحق بالامام حال القيام فى الركعة الثانية، أو تخلف في السجود من الأولى و يلحق به في القيام الثانية، فتخلّف في الركوع من الثانية عن الإمام سهوا أو اضطرارا، هذا المقدار مورد النص.

[في ذكر بعض الفروع المربوطة بالمقام]
اشارة

و هنا بعض الفروع ليس مورد النص، و نذكره حتّى نعلم أنّه هل يلحق بالصور المنصوصة من حيث اغتفار ترك المتابعة و عدم مضريته لبقاء القدوة أم لا؟

فنقول بعونه تعالى:

الفرع الأوّل: ما إذا ترك المتابعة في الركوع و السجود من الركعة الأولى

و الثانية في صلاة الجمعة و لم يتمكن من الإتيان بهما و اللحوق بالامام حتّى سلم الإمام، فهل تصح جماعته و صلاته أم لا؟

الحق في هذا المورد بطلان صلاته لأنّه لم يدرك حال كون الإمام مصلّيا ركعة تامة معه.

الفرع الثانى: الفرع بحاله مع فرض إتيانه بالركوع و السجود من الركعتين

و لحوقه بالامام قبل أن يسلّم و يفرغ من صلاته.

لا يبعد صحة صلاته فى هذه الصورة و جماعته لأنّ في هذه الصورة و إن لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 254

يدرك ركعة تامة مع الإمام أى في الحال الّذي يؤتى بها الإمام إلا أنّه نستفيد من النصوص المذكورة هو ان السهو و الزحام يوجب عدم دخل هذه المعية في صورة الزحام و السهو.

إن قلت: ان المعتبر في صحة صلاة الجمعة من المأموم إدراك ركعة تامة أقلا مع الإمام، و هو على الفرض لم يدرك ركعة تامة معه، لأنّه لم يكن معه في ركوعه و سجوده في ركعتى صلاة الجمعة.

أقول: بأن المعتبر إدراك ركعة معه، فإن كان اللازم كونه متابعا له في جميع افعال الركعة في حال السهو و الضرورة فهو لم يدرك ركعة تامة معه على الفرض، و لكن بعد دلالة النصوص باغتفار عدم المتابعة، فهو كان مع الإمام في تمام الركعتين، و عدم كونه تابعا له في بعض أفعاله لا يضر بالمعية بمقتضى النصوص، فلا إشكال في صحة جماعته و جمعته.

الفرع الثالث: أن يترك المتابعة في الركوع و السجدتين من الأولى

و يأتى بهما و يلحق بالامام بعد رفع رأسه عن ركوع الركعة الثانية، أو في السجدة الأولى أو الثانية من الثانية، فحاله أيضا حال السابق.

الفرع الرابع: الفرع السابق بحاله و لكن يأتى بهما و يلحق بالامام

في ركوع الركعة الثانية فأيضا تصح جمعته و جماعته كالفرع السابق.

الفرع الخامس: لو ترك المتابعة في السجدة الثانية من الركعة الأولى

لأجل الزحام، و الحق بالامام في السجدة الثانية من الثانية، فيأتي بها ثمّ يقوم و يأتي ركعة اخرى فتصحّ صلاته لما قلنا من أنّه كان مع الإمام في ركعة تامة و إن لم يكن متابعا له في بعض الافعال لأجل السهو أو الزحام.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 255

الفرع السادس: الفرع السابق بحاله و لكن يلحق بالامام في السجدة الأولى

من الثانية ففي السجدة الأولى من الإمام يسجد بعنوان السجدة الثانية من ركعته الأولى تركها سهوا أو اضطرارا.

إنما الكلام في أنّه ما ذا يصنع في السجدة الثانية من الركعة الثانية من الإمام؟

فهل يتابع الإمام بمعنى أنّه يسجد سجدة بعنوان المتابعة، ثمّ يأتي بعدها ما بقى من صلاته الباقية على عهدته و لا تضر زيادة هذه السجدة الواقعة متابعة للامام، أو يدوم السجدة الّتي يأتي مع الإمام بعنوان السجدة الثانية من الركعة الأولى تركها سهوا أو لأجل الزحام حتّى يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية من الثانية، ثمّ يأتي ببقية صلاته، أو يجلس حتّى يسجد الإمام السجدة الثانية من الثانية ثمّ يأتي ببقية صلاته؟ كلّ محتمل.

وجه الأوّل: أن يقال: بأنّه كما لو رفع المأموم رأسه عن الركوع و السجود قبل الإمام سهوا يجب العود و اللحوق بالامام إن امهله الإمام، و يغتفر هذه الزيادة بمقتضى ما مرّ وجهه سابقا، كذلك نقول في الفرض: بأنّه يأتي مع الإمام سجدة بعنوان المتابعة و يغتفر لأنّ الوجه في تجويز رجوعه إلى الركوع و السجود و اغتفار هذه الزيادة ليس إلا وجوب المتابعة، و هذا الملاك موجود في المقام، و بما ورد في من يدرك الإمام في السجود من الركعة الأخيرة و إنّه يلحق به و يتابعه ثمّ بعد سلام الإمام يقوم و يأتي بصلاته (إمّا مع تجديد النية بعد السلام، أو

عدم لزومه على الكلام في ذلك) و قلنا: بأن صلاته صلاة جماعة حقيقة بعد دخوله في السجود، لا مجرد إدراكه فضيلة الجماعة كما توهّم بعض، ففي هذا المورد لا يكون ما يأتي من السجدة سجدته، بل يأتي به متابعة، و لا مانع منه بمقتضى النص، كذلك في المقام لأنّ في المقام

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 256

يأتي بهذه السجدة متابعة للامام.

وجه الثانى: أن يقال: بأنّه لا يجوز له إتيان سجدة اخرى مع السجدة الثانية من الإمام، فيبقى في سجدته الّتي أتى بها مع السجدة الأولى من الإمام حتّى يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية.

وجه الثالث: أن يقال: بعد عدم جواز إتيانه سجدة اخرى، يجلس حتّى يرفع الإمام رأسه عن سجدته الثانية، و هذا المقدار من التأخر عن الإمام و عدم متابعته لا يضرّ بالجماعة.

و لا يبعد تمامية وجه الاحتمال الأوّل، فتأمّل.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت ذلك كله هل نقول: بكون وجوب المتابعة بهذا المعنى اى بمعنى عدم تأخر المأموم عن الإمام في الأفعال تكليفيّا أو وضعيّا؟

قد يقال: بأن هذا المعنى من المتابعة من مقوّمات ماهية الجماعة كما نسب إلى شيخنا الانصارى رحمه اللّه قال: إن المتابعة بمعنى عدم التقدم عن الإمام الجامع إمّا مع التقارن أو البعدية المتصلة من مقومات ماهية الجماعة، و لكن المتابعة بمعنى عدم التأخر عنه في الافعال من مقدماتها.

و لكن لا يخفى عليك ضعف هذا المبنى إذ لو كانت المتابعة بهذا المعنى من مقدماتها فلا بدّ من الالتزام بمقومتها حتّى حال السهو، و إلّا فلا بدّ من الالتزام بكون الجماعة طبيعتين: طبيعة دخيلة في ماهيتها المتابعة بهذه المعنى، و هو في غير حال السهو و الزحام و طبيعة اخرى غير معتبر

في ماهيتها هذا المعنى من المتابعة، و هو في حال السهو و الزحام، و لا يمكن الالتزام بذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 257

فمن يقول: بدخل هذا المعنى من المتابعة في الجماعة لا بد و أن يقول: بكونها من شروط الجماعة لا من مقوّمات ماهيتها.

فاذا لم يصح ما نسب إلى الشّيخ الانصارى رحمه اللّه هل نقول: بكونها من شروط الجماعة و دخلها فيها بحيث لو لم يراعها لا تكون الصّلاة جماعة، أو نقول: بعدم كونها شرطا فيها بل يجب فيها تكليفا، فلو تركها عصى و لكن لا تفسد جماعتها و صلاتها؟

لا يبعد الثانى كما قلنا سابقا: من أن الأمر بالمتابعة يكون لأجل حفظ انتظام الجماعة، و هذا يناسب مع وجوبها التكليفى لا الوضعى، فافهم.

في حكم القراءة خلف الإمام
اشارة

اعلم أن الروايات المربوطة بالمقام كثيرة، و بعد الرجوع و التأمل فيها يظهر أن النظر فيها يكون إلى التعرض عن جهات.

الجهة الأولى: في حكم المأموم و وظيفته في الصّلاة الجهرية و الاخفاتية في إتيان القراءة و عدمه فيها.

الجهة الثانية: في دخل سماع صوت الإمام و عدمه في إتيان القراءة و عدمه.

الجهة الثالثة: في وظيفته في الركعتين الأخيرتين من حيث القراءة.

الجهة الرابعة: في دخل كون الإمام مرضيا أو غير مرضى في عدم لزوم إتيان القراءة و لزومه.

اعلم أن الأخبار المربوطة كثيرة أعدّ لها صاحب الوسائل رحمه اللّه أبواب 30 و 31 و 32 و 33 و 34 و 35 من أبواب الجماعة و لكن بعض ما ذكره رحمه اللّه من الأخبار غير مربوط بالمقام.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 258

اعلم ان الكلام يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في حكم القراءة للمأموم في صلاة الجهرية.
اعلم أن ظاهر بعض الروايات هو النهى عن القراءة خلف الإمام في الأولتين من الصّلاة الجهرية
اشارة

إذا سمع صوت الإمام و الأمر بها لو لم يسمع المأموم صوته.

الأولى: ما رواها الحلبى

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال: اذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة و لم تسمع، فاقرأ). «1»

و هذه الرواية متحدة مع الرواية 12 في هذا الباب.

الثانية: ما رواها عبيد بن زرارة

(عنه عليه السّلام إن سمع الهمهمة فلا يقرأ) «2».

الثالثة: ما رواها زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الاولتين و انصت لقراءته و لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين فإن اللّه عز و جل يقول للمؤمنين: و اذا قرء القرآن- يعنى في الفريضة خلف الإمام- فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون، فالأخيرتان تبعان لاوّلتين). «3»

الرابعة: ما رواها حريز عن زرارة و محمد بن مسلم

(قالا: قال ابو جعفر عليه السّلام:

كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: من قرء خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 259

غير الفطرة). «1»

الخامسة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: أمّا الصّلاة الّتي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصّلاة الّتي يجهر فيها فانّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، و إن لم تسمع فاقرأ). «2»

السادسة: ما رواها زرارة عن أحدهما عليه السّلام

(قال: إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك). «3»

تدلّ إمّا على الإنصات مطلقا حتّى في الاخفاتية و إمّا في خصوص الجهرية، و لا يبعد كون الظاهر هو الثانى، لأنّ الأمر بالانصات لا يناسب إلا مع الجهرية و صورة سماع صوت الإمام بقرينة قوله عليه السّلام: فأنصت.

السابعة: ما رواها قتيبة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف امام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته، فاقرأ أنت لنفسك و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ). «4»

الثامنة: ما رواها سماعة

في حديث (قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول؟ فقال: إذا سمع صوته فهو يجزيه، و اذا لم يسمع

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 260

صوته قرأ لنفسه). «1»

التاسعة: الرواية الّذي تدلّ على وجوب الإنصات في ما يجهر

، و الأمر بالإنصات قرينة على كون مفروض كلامه صورة سماع صوت الإمام) «2».

هذا كله الروايات الدالة على التفصيل بين سماع الصوت و الهمهمة و عدمهما، فالنهى في الأوّل، و الأمر بالقراءة في الثانى.

و لسان بعض الروايات هو النهى عن القراءة مطلقا.
الأولى: ما رواها الحسين بن كثير

(بشير بنقل الشيخ) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: لا، إن الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة). «3»

الثانية: ما رواها سماعة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: لا، إن الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، انّما يضمن القراءة). «4»

و يمكن ان يقال في الروايتين: بأنّه و إن قال عليه السّلام فيهما: لا، و ظاهره النهى، لكن بقرينة قوله بعد ذلك: إن الإمام ضامن. يمكن كون المراد مجرد سقوط القراءة و عدم وجوبها لا الحرمة و عدم الجواز.

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 15 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 261

الثالثة: ما رواها الحلبى

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صليت خلف امام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع). «1»

بناء على كونها غير الرواية الأولى الّتي رواها الحلبى و إلّا فإن كانت متحدة معها، فلها ذيل على ما عرفت يدلّ على التفصيل بين أن يسمع صوت الإمام و بين ان لا يسمع في الجهرية.

الرابعة: ما رواها يونس بن يعقوب

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلف من ارتضى بها أقرأ خلفه؟ قال: من رضيت به فلا تقرأ خلفه). «2»

اذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لو كنا و هاتين الطائفتين من الروايات، كان مقتضى الجمع بينهما هو حمل المطلقات الناهية بناء على اطلاقها بالمقيدات، فتكون النتيجة هو وجوب القراءة في صورة عدم سماع صوت الإمام، و عدم جوازها في صورة سماع صوته في الجهرية.

و لكن هنا رواية اخرى تدلّ على أن في صورة عدم سماع صوت الإمام في صلاة الجهرية يكون المأموم مخيرا بين القراءة و الصمت أى ترك القراءة، و هى الرواية الّتي رواها على بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن الأوّل عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلا يسمع القراءة، قال: لا بأس ان صمت و ان قرأ). «3»

فلا بدّ من حمل الأمر في الروايات الدالة على الأمر بالقراءة في الجهرية في

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 262

صورة عدم سماع صوت الإمام على الاستحباب.

و يمكن أن يقال: بأن الأمر بالقراءة في الجهرية في صورة عدم سماع صوت الإمام، كما في

الطائفة الأولى من الروايات، يكون في مقام توهّم الخطر، و لا يدل على الأزيد من الجواز، فعلى هذا لا يستفاد منها الا الجواز مثل ما يكون لسان رواية على بن يقطين، فلا دليل على استحباب القراءة في الجهرية في صورة عدم سماع صوت الامام.

المقام الثانى: في حكم قراءة المأموم في الركعتين الأولتين من الإخفاتية،
و لنذكر أولا الأخبار المربوطة بهذا المقام

، ثمّ ما ينبغى أن يقال فيه.

فنقول: الأولى: الرواية الأولى من الروايات السابقة من الطائفة الأولى اعنى رواية الحلبى، فإن فيها النهى عن القراءة خلف الإمام إلا في صلاة تجهر فيها و لا يسمع صوت الإمام.

الثانية: الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة في الطائفة الأولى.

الثالثة: الرواية الخامسة المتقدمة في الطائفة الأولى

الرابعة: الرواية السادسة منها بناء على اطلاق لها يشمل الإخفاتية و لكن لا يبعد عدم اطلاق لها.

الخامسة: الرواية الأولى من الطائفة الثانية.

السادسة: الرواية الثانية منها.

السابعة: الرواية الرابعة منها.

الثامنة: ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: أ يقرأ الرجل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 263

في الأولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال: لا ينبغى له أن يقرأ يكله إلى الامام). «1»

و لا يبعد ظهورها في الكراهة بقرينة قوله: لا ينبغى.

التاسعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف امام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ، و كان الرجل مأمونا على القرآن، فلا تقرأ خلفه في الاولتين، و قال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين. قلت: أى شي ء تقول انت؟ قال: أقرا فاتحة الكتاب). «2»

العاشرة: ما رواها على بن يقطين في حديث (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيها بالجهر و هو إمام يقتدى به؟ فقال: إن

قرأت فلا بأس، و إن سكت فلا بأس). «3»

و هذه الرواية تدلّ على التخير بين القراءة و السكوت في الاولتين من الاخفاتية بناء على حمل قوله (عن الركعتين يصمت فيهما الإمام) على مطلق الركعتين اللتين يصمت فيها الإمام، سواء كانتا الركعتين الأخيرتين من الجهرية أو الاخفاتية، أو الاولتين من الاخفاتية و أمّا نباء على الأخيرتين، فغير مربوطة بالمقام اصلا.

الحادية عشرة: ما رواها بكر بن محمد الازدى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال:

إنى اكره للمرء أن يصلى خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كانّه حمار

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 12 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 264

قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال يسبح). «1»

الثانية عشر: ما رواها على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلى خلف إمام يقتدى به في الظهر و العصر يقرأ؟ قال: لا، و لكن يسبح و يحمد ربه، و يصلّى على نبيّه). «2»

و هذه الروايات في حدّ نفسها غير الرواية العاشرة، تدلّ على نهى المأموم عن القراءة في صلاة الإخفاتية، و لكن بقرينة الرواية الّتي رواها إبراهيم على المرافقى و عمرو بن الربيع البصرى عن جعفر بن محمد عليه السّلام (أنّه سئل عن القراءة خلف الإمام، فقال: إذا كنت خلف الإمام تولاه و تثق به فإنه يجزيك قراءته و ان احببت أن تقرأ فاقرأ فيها يخافت فيه، فاذا جهر فأنصت، قال اللّه تعالى: وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الحديث.

يمكن أن يقال: بجواز القراءة بحمل الأخبار الناهية عن القراءة في

صلاة الاخفاتية على الكراهة بقرينة هذه الرواية.

ثمّ يقع الكلام في إنّه متى يمكن للمأموم الدخول في صلاة الجماعة، و بما يدرك الركعة و الصّلاة.

اعلم أن هنا مسائل لم يتعرض لها الفقهاء رضوان اللّه عليهم في موضع واحد، و لكن نحن نتعرض لها في محل واحد، لشدة ارتباط بعض هذه المسائل مع بعضها الاخر فنقول بعون اللّه تعالى: إن دخول المأموم في الجماعة تارة يكون في الركعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 265

الأولى، و تارة في الثانية، و تارة في الثالثة، و تارة في الرابعة، و في الأولى تارة يدخل فيها حال تكبيرة افتتاح الإمام، و تارة قبل أن يكبر الإمام للركوع، و تارة في الركوع حال ذكره، أو قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، و تارة بعد رفع رأسه من الركوع، أو في حال سجود الإمام، و الصور في غير الركعة الأولى يفرض هكذا غير حال تكبيرة الافتتاح، لأنّه ليس في غير الأولى تكبيرة الافتتاح، فهنا مسائل:

[في ذكر مسائل في الباب]
المسألة الأولى: لا يجوز للمأموم أن يكبر قبل تكبير الإمام للافتتاح

مسلّما، لعدم صلاة يأتمّ به، و هذا ممّا لا إشكال فيه، كما أنّه لا إشكال في جواز الاقتداء و تحقق الجماعة و صحة الصّلاة في ما يقتدى المأموم بعد فراغ الإمام من تكبيرة الافتتاح، لتحقق موضوع الاقتداء، و هو كون الإمام في الصّلاة كما يأتى إن شاء اللّه.

إنما الإشكال في أنّه هل يصح الاقتداء و الدخول في الجماعة حال اشتغال الإمام بتكبيرة الافتتاح، و لم يفرغ بعد من التكبير بل مشتغل به، مثل ما إذا فرغ من ذكر (اللّه) و لم يقل (أكبر) فهل يصح الاقتداء أم

لا؟

و إن صح هذا هل يصح الدخول في الجماعة مع تكبير افتتاح الإمام معية حقيقة، بأن كان أول دخوله في الصّلاة متحدا زمانا مع أول دخول الإمام في الصّلاة، فكان شروعهما في تكبيرة الاحرام معا.

قد يقال: بعدم جواز دخول المأموم في الجماعة حال اشتغال الإمام بتكبيرة الاحرام، و لا بدّ من صبره حتّى يفرغ الإمام منها إمّا من باب عدم صلاة بعد يقتدى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 266

به فيها، و إمّا من باب قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما في النبوى «1»: أنّما جعل الإمام أماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا و اذا سجد فاسجدوا، و إمّا من باب ما روى عن مجالس الصدوق مسندا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا قمتم إلى الصّلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفرج، و إذا قال إمامكم: اللّه اكبر، فقولوا: اللّه اكبر، و إذا قال: سمع اللّه لمن حمده فقالوا: اللهم ربنا و لك الحمد. «2»

و الحق عدم تمامية هذه الوجوه، أمّا عدم صلاة ما لم يفرغ الإمام من تكبيرة الافتتاح فلأنّ المصلّى بمجرد شروعه في الصّلاة و اشتغاله باول حرف و كلمة من صلاته فهو مشتغل بالصّلاة و يعدّ عرفا أنّه في الصّلاة،

و أمّا النبوى فلا يستفاد منها أيضا وجوب تأخر تكبيرة المأموم عن تكبيرة الإمام، بل المراد من امثال هذه العبارة هو المعية و المقارنة، و أنّه يأتي بها مقارنا لتكبير الإمام، كما هو المراد من نظائره، فإذا قال: إذا قلت: اللّه اكبر، ارفع يديك أو فانظر مثلا إلى السماء، أو غير ذلك، ليس المراد إلا أن المطلوب وقوعهما مقارنا له.

و من هنا يظهر

لك ما في الاستدلال بما روى في المجالس فإن المراد منها وقوع تكبيرة المأموم مقارنا لتكبيرة الإمام، و الشاهد قوله: و إذا قال: سمع اللّه لمن حمده.

فقولوا: اللهم ربّنا و لك الحمد. فليس المراد أنّه إذا فرغ الإمام من قوله سمع اللّه فقل:

اللهم، بل معناه أنّه إذا كان الإمام مشتغلا بقول: سمع اللّه قل انت: اللهم ربّنا.

فتخلص أنّه يجوز وقوع تكبيرة افتتاح المأموم قبل تمامية تكبيرة الإمام، بل

______________________________

(1)- كنز العمال، ج 4، ص 250 و الحديث هكذا (أنّما جعل الامام أماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا و اذا سجد فاسجدوا.

(2)- الرواية 6 من الباب 70 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 267

مقارنا لتكبيرته بلا تأخر منها اصلا و إن كان في جواز الدخول في هذا الفرض و صحة الاقتداء و الجماعة خفاء عند بعض، فلا ينبغى الإشكال في الفرض الأوّل، و هو الدخول بعد شروع الإمام بالتكبيرة قبل أن يتمها و يحسب ركعة.

بل يمكن أن يدعى جواز ذلك بالإطلاق المقامى، بأن يقال: بعد ما يكون بناء الناس على الدخول في الصّلاة بمجرد شروع الإمام تكبيرة الافتتاح و لو لم يتمها، و عدم لزوم الانتظار إلى أن يفرغ الإمام عن التكبيرة في صحة الايتمام، فإن كان المعتبر عند الشارع هو صحة الايتمام في ما كان شروع المصلّي في الصّلاة بتكبيرة الافتتاح بعد فراغ الإمام عنها، فكان اللازم بيانه فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره، فافهم.

المسألة الثانية: هل يجوز الدخول و يصح الصّلاة و الجماعة بدخول المأموم بعد تكبيرة افتتاح الصّلاة

حال اشتغال الإمام بقراءة الحمد أو السورة أم لا؟

اعلم أن هذا المورد ليس مورد نص بالخصوص و لا تعرض له في كلمات الفقهاء رحمه اللّه، و لكن لا إشكال في صحة الاقتداء في هذه الصورة و

أنّه يحسب ركعة، أمّا أولا فلانه مع اشتغال الإمام بالقراءة فهو في الصّلاة و يصح الاقتداء بصلوة الإمام و أمّا ثانيا فلدلالة الأخبار الدالة على صحة الاقتداء و إدراك الركعة بدرك الركوع على موردنا بطريق الأولى.

المسألة الثالثة: هل يصح الاقتداء و يحسب ركعة إذا أدرك المأموم تكبير ركوع الامام قبل ركوع الإمام أم لا؟

الظاهر الجواز بدلالة بعض الروايات- أعنى ما يدل على التفصيل بين ما إذا أدرك تكبيرة ركوع الإمام و عدمه- على ذلك نذكره ان شاء اللّه في المسألة الرابعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 268

المسألة الرابعة: هل يدرك المأموم الركعة و تصير صلاته جماعة إذا لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام

بل أدركه فى ركوعه حال ذكر الركوع، أو بعده قبل أن يرفع رأسه من الركوع أم لا؟

اعلم أن بعض الأخبار يدلّ على عدم الاعتداد بالركعة الّتي لم يدرك تكبير الركوع.

و منها الرواية الّتي رواها عاصم عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال:

إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصّلاة). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم الاعتداد بالركعة لو لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام بالمفهوم.

و منها الرواية الّتي رواها جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قال لى: ان لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة). «2»

و منها الرواية الّتي رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال:

لا تعتد بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الامام). «3»

و منها الرواية الّتي رواها جميل بن دراج عن محمد بن مسلم (قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 269

و هذه الروايات يروى ثلاث نفر و هو جميل و عاصم و العلاء عن محمد بن مسلم و هو يروى

عن أبى جعفر عليه السّلام على ما في الثلاثة الأولى و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على ما في الرابعة، و لا يبعد كون كلها رواية واحدة رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام و النقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يكون من اشتباه بعض الروايات الواقع في الطريق، و على كل حال لسان هذه الروايات عدم إدراك الركعة لو لم يشهد المأموم تكبير ركوع الإمام.

و في قبال ذلك بعض الأخبار يدلّ على أن بادراك ركوع الإمام يدرك الركعة:

الأولى: ما رواها سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال في الرجل: إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبر الرجل و هو يقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة). «1»

الثانية: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أدركت الإمام و قد ركع و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة). «2»

الثالثة: ما رواها ابو اسامة يعنى زيدا الشحام أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن رجل انتهى إلى الإمام و هو راكع؟ قال: إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك). «3»

الرابعة: ما رواها معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال: إذا جاء

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 270

الرجل مبادرا و الإمام راكع اجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في و الركوع).

«1»

الخامسة: ما رواها احمد بن على بن أبى طالب الطبرسى في الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان عليه السّلام (إنّه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع، فيركع معه و يحتسب بتلك الركعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له ان يعتد بتلك الركعة، فأجاب إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة و ان لم يسمع تكبيرة الركوع). «2»

و يدلّ عليه بعض الأخبار الواردة فيمن خاف أن يرفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يصل إلى الصفوف و أنّه جاز أن يركع مكانه و يمشى راكعا. «3»

اذا عرفت ذلك كله يظهر لك ان مقتضى الطائفة الاولى من الطائفتين من الروايات كون إدراك الركعة بادراك تكبيرة ركوع الإمام، و مقتضى الطائفة الثانية منها عدم لزوم ذلك، بل يدرك بإدراك ركوع الإمام، فهل يمكن أن يجمع بينهما؟

قد يقال: بامكان الجمع بينهما بأن يتصرف في ظاهر النهى في الطائفة الأولى المقتضى لعدم جواز الدخول لو لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام بمقتضى النص على الجواز في الطائفة الثانية، فتكون النتيجة كراهة الدخول حال الركوع او استحباب الدخول في فرض إدراك تكبيرة ركوع الإمام.

و لكن الجمع بينهما مشكل لكونه جمعا تبرعيّا إذ لو كان الجائز الاقتداء حال

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 و 6 من الباب 46 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 271

ركوع الإمام كما هو مقتضى الطائفة الثانية من الروايات، فكيف نهى عنه في الطائفة الأولى الموجب هذا النهى

لفوت فضل الجماعة ممّن يتمكن من الدخول و الاقتداء في الركوع، و الحاصل أنّه لو أمكن الاقتداء لا معنى للنهى حتّى النهى التنزيهى، و إن لا يمكن بحسب الواقع فلا معنى لتجويزه. «1»

و بعد عدم إمكان الجمع بين الطائفتين فإن قلنا: بأن روايات الطائفة الأولى كلها من راو واحد و هو محمد بن مسلم و عن إمام واحد و هو أبو جعفر عليه السّلام و أن ما ذكر في أحد روايات محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان من اشتباه بعض الناقلين و إلّا فهو روى عن أبى جعفر عليه السّلام و قلنا في باب تعارض الروايتين: بأن احد المرجّحات هو كون المروى عنه الإمام المؤخر مثلا روى رواية عن الباقر عليه السّلام الدالة على حرمة شي ء، و روى رواية عن الصادق عليه السّلام الدالة على جواز هذا الشي ء، فيؤخذ بقول الإمام المؤخر و هو الصادق عليه السّلام فنقول هنا: بأنّه لا بد من الاخذ بالروايات الدالة على أنّه يصح الاقتداء في ما أدرك الإمام في الركوع، لأنّ هذه الروايات من الإمامين المؤخرين عن أبى جعفر عليه السّلام، و هو أبو عبد اللّه و صاحب الأمر عليهما السّلام.

و ان لم نقل بذلك فأيضا لا بد من طرح الطائفة الأولى و الأخذ بالثانية في مقام التعارض من باب كون الطائفة الثانية معتضدة بالشهرة الفتوائية، و قلنا بأنّ أول

______________________________

(1)- (أقول: مضافا إلى ان التعبير في بعض روايات الطائفة الأولى بأنّه لا تعتد بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الإمام، و التعبير في الطائفة الثانية بالاعتداد بالركعة الّتي أدرك الإمام في الركوع غير ممكن الجمع، لأنّ الاعتداد و عدم الاعتداد لا يكون الجواز و

النهى حتّى يحمل النهى على الكراهة فتأمل). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 272

المرجّحات هو الشهرة الفتوائية لا الروائية، كما قال الشّيخ الانصارى (ره).

ثمّ إنّه كفى درك المأموم ركوع الإمام و لو لم يدرك ذكر الركوع لأنّه و إن كان في مكاتبة صاحب الأمر عليه السّلام صحّة الاقتداء في خصوص صورة دركه ذكر ركوع الإمام، و لكن في بعض الروايات كان التصريح بكفاية مجرد دركه ركوع الإمام.

المسألة الخامسة: لو أدرك الإمام قبل الركوع الإمام بعد ما كبر الإمام للركوع فهل يصح له الاقتداء و يحسب له ركعة أم لا؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا من كفاية إدراكه في الركوع بمقتضى الروايات كما عرفت في المسألة الرابعة، ففي هذا الفرض يكفى بالاولوية و لو لم يكن خصوص هذا الفرض منصوصا.

المسألة السادسة: لو أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين من الصّلاة، فما هو وظيفته؟
اشارة

اعلم أن بعض العامة يقولون: بأنّه لو أدرك مع الإمام الأخيرتين فيجعل أول صلاته آخرها و آخرها اولها، فهو في غير هذا المورد كان مكلفا بأن يقرأ في الأولتين من صلاته، و لكن في صورة إدراكه الإمام في الأخيرتين فيجعل آخر صلاتها أولا يعنى لا يقرأ، و يجعل آخر صلاتها أولها يعنى يقرأ في الأخيرتين، فهو مع كون صلاته بحسب الطبع أولها اولها و آخرها آخرها يجعل بجعل نفسه آخرها أولها و أولها آخرها، و قال ابو حنيفة بنحو آخر.

و أمّا اهل البيت عليهم السّلام فهم انكروا ذلك، و قالوا: بفساد ما قاله العامة، فلنذكر أوّلا الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ نتكلم في ما ينبغى التكلم فيه إن شاء اللّه فنقول:

الأولى: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: إذا فاتك شي ء مع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 273

الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها، و لا تجعل أول صلاتك آخرها). «1»

الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصّلاة و هى له الأولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: يتجافي و لا يتمكن من القعود، فاذا كانت الثالثة للامام و هى له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد، ثمّ يلحق بالامام. قال: و سألته عن الرجل الّذي يدرك الركعتين الأخرتين من الصّلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: اقرا فيهما فإنهما لك الاولتان و لا تجعل أول صلاتك آخرها).

«2»

الثالثة: ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سبقك الإمام بركعة، فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هى ثنتان لك فإن لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها و فى الّتي تليها، و إن سبقك بركعة جلست في الثانية لك و الثالثة له حتّى تعتدل الصفوف قياما الحديث). «3»

الرابعة: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا أدرك الرجل بعض الصّلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصّلاة خلفه، جعل أول ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين، و فاتته ركعتان، قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب، فاذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصّلاة إنّما يقرأ فيها (في) بالاوّلتين في كل ركعة بامّ الكتاب و سورة، و في الأخيرتين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 274

لا يقرأ فيها، إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء، ليس فيهما قراءة، و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فاذا سلم الإمام قام فقرأ بامّ الكتاب و سورة، ثمّ قعد فتشهد، ثمّ قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة). «1»

الخامسة: ما رواها معاوية بن وهب (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أول صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى

يقرأ، فيقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم). «2»

يحتمل أن يكون المراد من قوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) أى بعد الفراغ من صلاته و هو احتمال بعيد، و يحتمل أن يكون المراد من (آخر صلاته) الأخيرتين من صلاته، فعلى هذا هل تنطبق الرواية مع ما قاله العامة من أنّه في الفرض يجعل أول صلاته آخرها و بالعكس لقوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) يعنى: ما كان وظيفته من القراءة في أول صلاته فيجعل الأوّل الآخر و يقرأ فيه فى صورة اقتدائه في الأخيرتين لا أن يقرأ في أولتين من صلاته، و ذلك لأنّ في الفرض صار بالبناء أول صلاته آخرها و آخرها أولها، فيجب عليه القراءة في أول صلاته الواقع بحسب بنائه آخر صلاته في هذه الصورة اى في فرض اقتدائه في الأخيرتين.

أو لا تنطبق الرواية مع فرض كون المراد من قوله (في آخر صلاته) هو الأخيرتين من صلاته مع قول العامة، لأن ما قاله العامة في المأموم المسبوق الّذي يقتدى في الركعة الثالثة أو الرابعة يجعل بالبناء أول صلاته آخرها و آخرها أولها فهو إذا اقتدى في الثالثة من الظهر مثلا فهو و ان كانت الركعتان اللتان يقتدى فيهما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 275

بالامام و يكون فيهما معه أولتى صلاته واقعا، لكن بحسب بنائه تصير آخرتين من صلاته، و بالركعتين اللّتين يأتي بعد ذلك فرادى تصير أولتى صلاته جعلا.

و لكن المستفاد من الرواية هو كون أول صلاته و آخرها هو أوّلها و آخرها الطبيعى لا أوّلها و آخرها البنائى و الجعلى، لانه

قال فيها (عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أوّل صلاة الرجل) و قال أيضا فيها (فيقضى القراءة في آخر صلاته) فما هو أول الصّلاة و آخرها طبعا عبّر بأولها و آخرها.

و أمّا المراد من سؤاله من أنّه (يقضى القراءة في آخر صلاته) لعله كان من باب أنّه حيث لم يتمكن من القراءة في الأولتين يأتي بهما في الأخيرتين كى لا تكون صلاته بلا قراءة، قال عليه السّلام: نعم.

و لو كان له ظهور في وجوب ذلك يرفع اليد عنه بمقتضى ما يدلّ على عدم وجوب القراءة في الأخيرتين. «1»

السادسة: ما رواها طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (قال: يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال جعفر: و ليس نقول كما يقول الحمقى). «2»

هذا كله الروايات المربوطة بالمسألة فنقول بعد ذلك: إن الكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: لو أدرك المأموم الإمام في إحدى ركعتى الأخيرتين، و أمهله الإمام لأن يقرأ الفاتحة و السورة، و يدرك ركوع الإمام، يجب عليه قراءة الفاتحة

______________________________

(1)- (أقول ما عرفت من الوجه لعدم كون الرواية منطبقا على مذهب العامة قلت أنا بحضرته مد ظله العالى و ختم درسه و لم يبين ما يدلّ على أنّه صار مرضيه أم لا، و على أنّه صار مرضيه أم لا، و على كل حال لو كانت الرواية منطبقة على ما قاله العامة فتحمل الرواية على التقية، فافهم) (المقرّر).

(2)- الرواية 6 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 276

و السورة لدلالة الرواية 2 و 3 و 4 من الأخبار المتقدمة على ذلك.

المورد الثانى: ما إذا أدركه في إحدى ركعتى الأخيرتين و لا يمهله

الإمام إلّا لقراءة الفاتحة فإن قرء السورة لا يمكن له درك ركوع الإمام، فهل يجوز ترك السورة و اللحوق به في الركوع أم لا؟ المستفاد من الرواية 4 من الأخبار المتقدمة إجزاء أمّ الكتاب و ترك السورة.

المورد الثالث: ما إذا أدركه في إحدى ركعتى الأخيرتين و لا يمهله الإمام لأن يقرأ أمّ الكتاب بتمامه أو مطلقا حتّى بعضه، فإن قرئها لا يدرك ركوع الإمام، فهل يجب عليه أن يقرئها و يلحق به في أى محل أمكن له إمّا بعد رفع الإمام رأسه من الركوع، أو في سجوده، أو في تشهده، و الحاصل يلحق به قبل أن يفرغ الإمام من صلاته و تصح صلاته و جماعته.

أو يجب عليه ترك القراءة و إدراك ركوع الإمام و لا يضر ترك الفاتحة و تصح صلاته و قدوته.

أو يقال: بأنّه في الأخيرتين لو أدرك الإمام حال قيامه و علم أنّه لو اقتدى لا يتمكن من القراءة مع إدراك الركوع الإمام فلا يجوز له الاقتداء، و لكن لو اقتدى بتخيّل أنّه يتمكن من القراءة و درك ركوعه، و لكن بعد ما اقتدى لم يمهله الإمام لأن يقرأ الفاتحة يعدل صلاته إلى الفرادى، لعدم تمكنه من إتمام صلاته جماعة مع رعاية ما هو وظيفته من القراءة و درك ركوع الإمام.

اعلم أن الحق هو الاحتمال الثانى من أنّه إذا شرع في الفاتحة و لم يتمها و الإمام دخل في الركوع و لم يمهله حتّى يتمها فيرفع اليد عن الفاتحة، و يتابع الإمام في الركوع، و يدل عليه الرواية 5 من الروايات المتقدمة، و هى ما رواها معاوية بن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 277

وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

يدرك آخر صلاة الإمام، و هو أول صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم) لأنّ المفروض فيها عدم إمهال الإمام حتّى يقرأ و لم يجب الإمام عليه السّلام يفسد صلاته، أو تصير فرادى أو يقرئها و يلحق به في أى موضع أمكن له و ان لم يدرك الركوع معه.

و كون ذيل الرواية و هو قوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) مورد الإشكال من باب ما قلنا سابقا عند نقلها في طى أخبار الباب من أنّه ربما يقال: إن هذه الفقرة موافق مع قول العامة القائلين بجعل المأموم الّذي يقتدى في الأخيرتين آخر الصّلاة أولها و بالعكس، لا ينافي مع الاستدلال بالرواية على وجوب رفع اليد عن الفاتحة في صورة الاقتداء في الأخيرتين.

أمّا أوّلا فلأن الرواية قابلة للحمل على خلاف ما قاله العامة (بل هو ظاهرها).

و امّا ثانيا لو كانت فقرة من الرواية مورد الإشكال، و لا يمكن الالتزام بها لاشتمالها على خلاف ما يقتضيه المذهب، فلا يوجب ذلك لعدم امكان التمسك بها في غير هذه الفقرة.

و يدلّ عليه أيضا الخبران المرويان في دعائم الاسلام و هما يدلان على وجوب رفع اليد عن القراءة للمأموم المقتدى في الأخيرتين إن لم يمهله الإمام. «1»

و يمكن الاستدلال على ما قلنا من رفع اليد عن الفاتحة لو لم يمهله الإمام و متابعة الإمام في الركوع بالاخبار المذكورة سابقا في مسئلة أن المناط في إدراك

______________________________

(1)- دعائم الاسلام، ج 1 ص 191 و 192؛ بحار الانوار، ج 88، ص 113.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 278

الركعة للمأموم إدراك ركوع الإمام، و المستفاد منها أن المأموم إذا أدرك ركوع الإمام فقد أدرك الركعة، و هذه الأخبار

كانت بلسانها مطلقا يشمل اطلاقها الأوّلتين و الأخيرتين، فتدل هذه الأخبار على أن تمام المناط لإدراك الجماعة و إدراك الركعة هو إدراك الركوع و لو لم يدرك قراءة الإمام و لم يقرأ المأموم القراءة اصلا.

فبعد كون عدم الإتيان بتمام القراءة غير مضرّ في إدراك الركعة فبعضها بطريق الأولى، لأنّه بعد كون إطلاق هذه الأخبار شامل للأخيرتين و لو يقتدى المأموم و لم يدخل في الصّلاة في الثالثة أو الرابعة من صلاة الإمام إلا بعد ما دخل الإمام في الركوع، فمقتضى هذه الأخبار هو أن تركه تمام القراءة لا يضر بادراكه الركعة، فمن هنا نكشف أن ترك بعضها يجوز لأجل درك الركوع بطريق الأولى، ففي المسألة لو شرع المأموم في الفاتحة في الثالثة أو الرابعة و لم يمهله الإمام و لو كان يتم الفاتحة لا يدرك ركوع الإمام، فيجب ترك بقية الفاتحة لأن يدرك الركوع و تصح صلاته. «1»

مسألة: المذكور في الرواية 2 من الروايات المتقدمة الواردة في المأموم

المسبوق هو أن المأموم إذا اقتدى في الركعة الثانية من الإمام، فإذا يجلس الإمام بعد ركعة الثانية لأن يتشهّد يتجافي المأموم، فهل يجب التجافى أو يستحبّ ذلك؟

قد يقال: بعدم دلالة ذلك على أزيد من الاستحباب، لأنّه بعد ما كان المناسب مع المتابعة المعتبرة في الجماعة، هو كون وضع المأموم كوضع الإمام في الافعال

______________________________

(1)- (أقول: لو حملت الروايات الدالة على أن المأموم لو أدرك ركوع الإمام فقد أدرك الركعة على صورة وصول المأموم و الحال أن الإمام في الركوع، لا على مطلق من يقتدى في الركوع و لو كان متمكنا من أن يقتدى قبل ذلك و يأتي بالقراءة، فلا دلالة لهذه الأخبار على جواز ترك القراءة على المأموم المسبوق و إن تمكن منها، بأن لا يقتدي حتّى

دخل الإمام في الركوع) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 279

و الجلوس و القيام و الكيفيات الواقعة في الصّلاة، فيناسب ذلك أن المأموم أيضا يجلس مثل جلوس الإمام في التشهّد لا أن يتجافى، غاية الأمر نقول باستحبابه لأجل الرواية.

و فيه أنّه لو كان ما قلت هو المعتبر، فهذا يدلّ على عدم استحباب التجافي، بل عدم جوازه أيضا، فلا وجه لما ذكر، فلا يبعد الوجوب بمقتضى ظاهر الرواية المتقدمة.

مسألة: هل يجب متابعة المأموم المسبوق في تشهد الإمام أم لا؟

بمعنى أن الإمام إذا يتشهّد بعد ركعته الثانية و الحال ان المأموم بعد ركعته الأولى، فيتشهد الإمام على حسب وظيفته، هل يجب على المأموم متابعته بأن يأتي بذكر التشهّد فيه بعنوان المتابعة و إن لم يكن موضع تشهده أم لا؟

اعلم أنّه لو قلنا بوجوب المتابعة في الاقوال لا يبعد وجوبه بعنوان المتابعة.

مسألة: المأموم المسبوق بعد ركعته الثانية يأتي بالتشهد الواجب عليه وحده

و يلحق بالامام لدلالة الرواية 2 من الروايات المتقدمة عليه.

المسألة السابعة: في حكم إدراك المأموم الإمام بعد رفع رأسه من الركوع،
اشارة

سواء أدركه حال القيام بعد الركوع، أو في حال السجدة، أو حال التشهّد فنذكر ابتداء الأخبار المربوطة بالباب.

ثمّ ما ينبغى أن يقال إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر الأخبار في الباب]

الأولى: ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت له: متى يكون يدرك الصّلاة مع الإمام؟ قال: إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 280

الصّلاة مع الامام). «1»

و هل تدلّ الرواية على أنّ بإدراكه السجدة الأخيرة يدرك فضل الجماعة فقط بدون صيرورة صلاته صلاة، أو تدلّ على أنّه يدرك الصّلاة بادراكه السجدة الأخيرة و لو لم يدرك الركعة فتكون فائدته أن يتم صلاته بهذه التكبيرة، كلاهما محتمل.

الثانية: ما رواها المعلى بن حنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سبقك الإمام بركعة فادركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها). «2»

و هل المراد من قوله عليه السّلام (و لا تعتدّ بها) اى لا تعتد بالركعة، و لا ينافي وقوع صلاته صحيحة و ان لم يعتد بتلك الركعة الّتي و اقتدى بعد رفع الإمام رأسه من الركوع.

او المراد أنّه لا تعتد بتلك الصّلاة رأسا حتّى يكون لازمه تجديد التكبيرة لصلاته الّتي تجب عليه.

الثالثة: ما رواها عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يدرك و هو قاعد يتشهد، و ليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟ قال: لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل، و لكن يقعد الّذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية

3 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 281

الرابعة: ما رواها عمّار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين؟ قال: يفتتح الصّلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم). «1»

الخامسة: ما رواها عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث قال: إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه، و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت). «2»

السادسة: ما رواها معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصّلاة و الركوع، و من أدرك الإمام و هو ساجد كبر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الاقامة). «3»

السابعة: ما رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه و ينتهى السند بأبى هريرة (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: إذا جئتم إلى الصّلاة و نحن في السجود فاسجدوا، و لا تعدّوها شيئا، و من أدرك ركعة فقد أدرك الصّلاة). «4»

هذا كلّه في الروايات المربوطة بالمقام.

ثمّ اعلم أن في الرواية الأولى لا يكون ذكر من تكبيرة الاحرام، فلا دلالة لها

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من

الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 282

على أنّه بالتكبير و الدخول في الصّلاة في السجدة الأخيرة يوجب درك فضل الصّلاة مع الإمام، أو بمجرد و روده لأن يقتدى و الحال أن الإمام في السجدة الأخيرة يدرك فضل الصّلاة مع الإمام و لو لم يكبر و لم يدخل في الصّلاة مع الإمام. «1»

فهذه الرواية لا تدلّ على أن المكلف لو أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة اى أدركه في السجدة الأخيرة فكبر تكبيرة الافتتاح، و دخل في الصّلاة معه، يمكن له إتمام صلاته بعد فراغ الإمام من الصّلاة بدون أن يجدد التكبيرة حتّى لا يكون محتاجا إلى تجديد التكبيرة بعد ذلك.

و مثلها في عدم الدلالة على عدم لزوم تجديد التكبيرة الّتي يفتتح بها الصّلاة لو أدرك الإمام في السجدة من الركعة الأخيرة الرواية الثانية لعدم كونها متعرضة الا لعدم الاعتداد بالسجدة الّتي أتى بها مع الامام.

و مثلها في عدم الدلالة الرواية الثالثة على عدم لزوم تجديد التكبيرة لو أدركه في السجدة الأخيرة فإن موردها إدراك الإمام في التشهد، و ظاهرها هو أنّه كبّر للصّلاة لأنّه قال عليه السّلام: فاتم صلاته، فهذا شاهد على صيرورة صلاته صلاة و لا تصير إلا بالتكبيرة و بعد ما كبر فيتم به الصّلاة، و لا حاجة إلى تجديد التكبيرة، و لكن الرواية لا تدلّ على أنّه لو أدرك الإمام في السجدة فما حكمه.

______________________________

(1)- (أقول: مضافا إلى أنّه لو كان مفروض الرواية هو أن المأموم يكبر و يسجد مع الإمام فيدرك فضل الجماعة كما لا يبعد، فلا تدلّ الرواية على أنّه بهذا التكبير

يتم صلاته و لا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام، بل غاية ما تدلّ الرواية هو عدم الاعتناء بهذه السجدة أو بهذه الركعة دخل في سجودها مع الامام) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 283

و مثلها الرواية الرابعة فإنها غير متعرضة لإدراك السجود، بل هى متعرضة لادراكه حال التشهد، و لا يبعد كون المفروض التشهّد الأوّل بقرينة (حتى يقوم) اى حتى يقوم الإمام و تدلّ على أن المأموم لو أدرك الإمام حال تشهده الأوّل يكبر و لكن لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم الإمام.

و مثلها الرواية الخامسة فانها لا تدلّ إلا على أنّه لو أدركت الإمام حال السجدة فاثبت مكانك، و لا تعرض فيها على أنّه كبّر أصلا أم لا، و على فرض وقوع التكبير و الدخول مع الإمام هل يكتفى بهذه التكبيرة و يتم صلاته بها أم لا.

و امّا الرواية السادسة أعني ما رواها الصدوق رحمه اللّه المشتملة على فقرات ففيها و ان ذكر هذه الفقرة (و من أدرك الإمام و هو ساجد، كبر و سجد معه و لم يعتد بها) الظاهر أنّه يكبّر إذا أدرك الإمام في السجدة و أنّه يسجد معه و لا يعتد بالسجدة، و مفادها الاكتفاء بهذا التكبير لصلاته.

و لكن نقول بأنّه لا يبعد عدم كون هذه الفقرة جزء الرواية أمّا أولا فلعدم كون هذه الفقرة و ما بعدها في نقل الشيخ رحمه اللّه، و أمّا ثانيا فلأن الصّدوق غالبا يكون بنائه ذكر فتاويه في ذيل الروايات، و لا يبعد كون هذه الفقرة و ما بعدها فتوى الصدوق رحمه اللّه خصوصا مع كونه منفردا في نقل هذه الفقرة و ما بعدها. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث:

بأنّه لو فرض كون هذه الفقرة جزء الرواية، و لكن مع ذلك لا يستفاد منها أزيد من أنّه يكبّر و يسجد و لا يعتد بالسجدة، أو بالركعة، أو بالتكبيرة، فإن كان ضمير بها في قوله (لم يعتد بها) راجعا إلى التكبيرة فتدل الرواية على خلاف ما توهّم أى تدلّ على أنّه لا يعتنى بالتكبيرة الّتي كبّرها، فلا بدّ لأن يكبر بعد ذلك لصلاته، و لا يكتفى بما كبر، و إن كان ضمير بها راجعا إلى السجدة أو إلى الركعة فيستفاد من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 284

و امّا الرواية السابعة فهى أيضا لا تدلّ على أنّه يكبّر و يسجد، ثمّ يكتفى بهذه التكبيرة لصلاته و لا حاجة إلى تجديد التكبيرة، بل يمكن أن يقال: بأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إذا جئتم إلى الصّلاة و نحن في السجود و لا تعدّوها شيئا، هو عدم الاعتبار بما فعل اصلا و لا يحسب شيئا، فلو كبر و سجد لا يعدّوها شيئا تدلّ على أنّه يجب تجديد التكبيرة و ان كبّر و سجد.

ثمّ بعد ذلك نقول تتميما للفائدة: بأن الكلام يقع تارة في ما يدرك المأموم الإمام في التشهّد الاخير، فلا إشكال في أنّه لو كبر بقصد الصّلاة و متابعة الإمام، يتم صلاته بعد ما سلم الإمام، و لا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام. «1»

و تارة يقع الكلام في ما يدرك الإمام في السجدة من الركعة الأخيرة، فهل يقال: بأنّه يكبر بقصد الصّلاة و يدخل معه في السجود و يتابعه حتّى إذا سلم الإمام، ثمّ يتم صلاته بدون تجديد التكبيرة، أو يقال: بأنّه يكبر بقصد درك فضيلة الجماعة في هذا المقدار الباقى من صلاة الإمام، ثمّ بعد

ما سلم الإمام يكبر و يأتي بصلاته، فلا يدرك بهذا إلا مقدارا من فضل الجماعة، أو يقال: بأنّه يكبر بقصد الصّلاة و يصبر قائما حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته؟

______________________________

الرواية أنّه لا يعتد بالتكبيرة، و لا دلالة لها على الاكتفاء بتكبيره لصلاته، بل الرواية ساكتة عن هذه الجهة أصلا، فافهم) (المقرّر).

(1)- (أقول: و هل يجب أن يقعد حال تشهد الإمام، كما هو مقتضى الرواية الثالثة أولا يقعد، بل يصبر قائما حتّى يسلم الإمام كما هو مقتضى الرواية الرابعة، أو يكون بالخيار بين الجلوس و القيام بحمل النهى في الرواية الرابعة على الكراهة بمقتضى الرواية الثالثة أولا تعارض بينهما أصلا لأنّ الرواية الرابعة وردت في من يدرك الإمام في التشهّد الأوّل فلو أدرك الإمام في الأخير يكبر و يتابعه حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته بلا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 285

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بأن المفروض في بعض الروايات المتقدمة الواردة انّه لو أدركه في السجدة من الركعة الأخيرة، أن يكبر و يدخل في الصّلاة و لا يعتد بالسجدة، هو صيرورة صلاته صلاة فيتمّها بعد ما سلّم الإمام، بدعوى أنّ مفاد بعض الروايات هو عدم الاعتداد بهذه السجدة، لا عدم الاعتداد بصلاته، فعلى هذا يبنى على التكبير الأوّل، و لا حاجة إلى تكبير مستأنف.

و لكن مع ذلك استفادة ذلك من الروايات المتقدمة حيث لم يكن خال عن الاشكال.

نقول: بأنّه لو أدرك المأموم الإمام في الركعة الأخيرة في سجدتها فلو قيل ينوى الصّلاة و يكبر بقصد الصّلاة و يسجد معه، ثمّ يستأنف التكبيرة من باب أن صلاته تبطل بزيادة السجدة، فنقول: إن هذا غير معقول، إذ من يعلم أنّه يسجد

و بسجدته تبطل صلاته، فكيف يقصد الصّلاة التامة، فلا يمكن الالتزام بذلك و إن نسب إلى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و إلى العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه.

و إذا كبر بقصد درك ما بقى من فضل الجماعة رجاء، ثمّ بعد سلام الإمام يستأنف التكبيرة فلا إشكال فيه.

و كذلك يمكن بنحو آخر بأن يكبر بقصد الصّلاة و يصبر قائما لا أن يسجد مع الإمام حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته فلا إشكال فيه لو لم يوجب هذا الانتظار الفصل الطويل، و رعاية الاحتياط هو ان يعيد صلاته بعد ذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 286

[فى كلام المحقّق رحمه اللّه في استحباب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّى جماعة إماما كان أو مأموما]
اشارة

قال المحقق رحمه اللّه و يستحبّ أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلى تلك الصّلاة جماعة إماما كان أو مأموما.

اعلم أنّه يتصور صورا كثيرة لمن صلّى و يريد إعادتها، فلنذكر ابتداء الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ نبين ما هو المختار من شمول الأخبار لهذه الصور كلها أو بعضها إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى: أمّا الأخبار:

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]

الأولى: و هى ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال في الرجل يصلّى الصّلاة وحده، ثمّ يجد جماعة قال: يصلى معهم و يجعلها الفريضة ان شاء). «1»

تدلّ بظاهرها أن الرجل اذا صلّى صلاته فرادى، ثمّ يجد جماعة يصلّى معهم و إن شاء جعلها فريضته و من قوله (يجعلها الفريضة ان شاء) يستفاد أن الأمر بيده في اختيار ما صلّى وحده أو ما يصلى جماعة هو الفريضة.

الثانية: (و هى بعض الرواية الّتي عدّها صاحب الوسائل الرواية الأولى من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة) و تمام الرواية هذا، عن زرارة أنّه (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 287

إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه، فصلى بهم، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته، و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: لا ينبغى للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغى له أن ينويها صلاة و إن كان قد صلى، فإن له صلاة اخرى و إلا فلا يدخل معهم، و قد قال: تجزى عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها). «1»

تدلّ الرواية على مطلوبية إعادة الصّلاة

لمن صلّى و أنها صلاة اخرى له و إطلاق قوله (و إن كان قد صلى) يشمل صورة وقوع صلاته الأولى فرادى أو جماعة إماما أو مأموما.

الثالثة: ما رواها محمد بن على بن الحسين مرسلا (قال: و قال رجل للصادق عليه السّلام: اصلى في أهلى ثمّ أخرج إلى المسجد، فيقدمونى. فقال: تقدم، لا عليك و صلّ بهم). «2»

الرابعة: قال: و روي أنّه يحسب له أفضلهما و أتمهما. «3»

الخامسة: ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع (قال: كتبت إلى أبى الحسن:

إنى احضر المساجد مع جيرتى و غيرهم فيامروننى بالصّلاة بهم، و قد صليت قبل أن آتيهم، و ربما صلّى خلفى من يقتدى بصلاتي و المستضعف و الجاهل، فاكره أن أتقدم و قد صليت لحال من يصلى بصلاتي ممّن سمّيت ذلك فمرني في ذلك بأمرك انتهى إليه و أعمل به إن شاء اللّه، فكتب عليه السّلام: صلّ بهم). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 39 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 288

تدلّ على مطلوبية الاعادة، و مفروض السائل هو أن يعيد إماما، و هل كان ما صلّى أو لا فرادى أو جماعة كلاهما محتمل، و إن كان لا يبعد كون ما صلّى فرادى

السادسة: ما رواها يعقوب بن يقطين (قال: قلت لأبى الحسن عليه السّلام جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا، فننزل معهم فنصلى، ثمّ يقومون فيسرعون فنقوم و نصلّى العصر و نريهم كأنّا نركع ثمّ ينزلون للعصر فيقدمونا

فنصلى بهم. فقال: صل بهم لا صلى اللّه عليهم). «1»

هذه الرواية و ان كانت تدلّ على جواز إعادة الصّلاة، بل الأمر بها، لكن هذا في مورد الابتلاء بالتقية و الصّلاة مع العامة، فلا تكون مربوطة بمسألتنا.

السابعة: ما رواها داود (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يكون مؤذّن مسجد في المصر و إمامه، فاذا كان يوم الجمعة صلّى العصر في وقتها، كيف يصنع بمسجده؟ قال: صل العصر في وقتها، فاذا كان ذلك الوقت الّذي يؤذن فيه أهل المصر فأذن و صلّ بهم في الوقت الّذي يصلى بهم فيه أهل مصرك). «2»

تدلّ على جواز إعادة الصّلاة لأنّ مفروض السائل إتيان هذا الشخص صلاة عصره، و مع ذلك قال عليه السّلام (فاذا كان ذلك الوقت الّذي يؤذن فيه أهل المصر فأذن و صلّ بهم) و هل مفروض الكلام ما صلّى الإمام صلاة عصره فرادى أوّلا أو بالجماعة، قد يقال: بأن السائل قال: فاذا كان يوم الجمعة صلّى العصر في وقتها كيف يصنع بمسجده؟ قال عليه السّلام: صل العصر في وقتها، فاذا كان الخ، فقوله (صل العصر) يشمل بإطلاقه إتيان العصر فرادى أو جماعة إماما أو مأموما.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 289

الثامنة: ما رواها عبيد اللّه الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صلّيت و أنت في المسجد و اقيمت الصّلاة فإن شئت فاخرج و إن شئت فصل معهم و اجعلها تسبيحا). «1»

و هل الرواية واردة مورد التقية أى في مورد اقامة الجماعة من قبل العامة، و الحال أنّه صلّى أو لا. «2»

التاسعة: ما

رواها عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلى الفريضة، ثمّ يجد قوما يصلون جماعة، أ يجوز له أن يعيد الصّلاة معهم؟ قال: نعم، و هو افضل. قلت: فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس). «3»

تدلّ على استحباب إعادة الصّلاة. «4»

العاشرة: ما رواها أبو بصير (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اصلى ثمّ أدخل المسجد، فتقام الصّلاة و قد صليت؟ فقال: صل معهم يختار اللّه احبهما إليه). «5»

يحتمل كون هذه الرواية واردة مورد التقية و يحتمل عدمه.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- (أقول: قوله عليه السّلام: فإن شئت فاخرج و إن شئت فصل معهم. يدلّ على عدم كونها واردة مورد التقية لأنّ مع التقية لا يخير الإمام عليه السّلام المكلف بين الخروج و البقاء و إتيان الصّلاة، و أمّا قوله (و اجعلها تسبيحا) أيضا لا يدل على كونها واردة مورد التقية. إلّا أن يقال في مورد التقية بعدم كون صلاته صلاة، بل هو صورة الصّلاة حتّى يجعلها تسبيحا) (المقرر).

(3)- الرواية 9 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- (أقول: و ظاهر قوله عليه السّلام (و هو افضل) كون ما صلّى أولا هو الفرادى، و إلّا لا معنى لأفضلية الثانية من الاولى) (المقرر).

(5)- الرواية 10 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 290

الحادية عشرة: ما رواها حفص البخترى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلى الصّلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال: يصلى معهم و يجعلها الفريضة). «1»

هذه الرواية من حيث المتن متحدة مع الرواية الأولى غير أن في الأولى زيادة و هى (ان شاء) بعد قوله يجعلها الفريضة.

[في ذكر الصور في المسألة]

هذا

كله في الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ بعد ذلك نقول: إن للمسألة صور كثيرة:

الأولى: ان صلّى صلاته الأولى فرادى.

الثانية: ان صلّى صلاته الأولى جماعة و لكن كان إماما.

الثالثة: ان صلّى الأولى جماعة مأموما.

ثمّ في كل هذه الصور الثلاثة صورتين:

الأولى: أن يصلى الثانية في الجماعة إماما.

الثانية: أن يصلى مأموما.

و في كل الصور إمّا أن يريد أن يصلى ثانيا صلاة توافق مع صلاة الامام أو المامومين من حيث نوع الصلاتية، بأنّه يعيد صلاته الظهر بصلوة الظهر أو مخالف لهم، و كذلك تارة موافق معهم من حيث الأدائية و القضائية مثلا صلّى صلاة الظهر الأدائى و يريد إعادتها و الحال أن في الصّلاة الثانية يأتون بصلوة الظهر الأدائى أو يكون مخالفا.

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 291

و في كل الصور تارة يكون الكلام في جواز الاعادة في المرة الأولى أو يقال بالجواز في المرة الثانية و الثالثة و هكذا، و يمكن تصوير صور اخرى.

اعلم أن القدر المتيقن هو شمول الروايات لصورة أتى الشخص صلاته الأولى فرادى، و هل تشمل ما إذا صلّى صلاته الأولى جماعة أم لا؟ «1»

مسألة: هل يجوز الاقتداء بمن يصلى صلاة فات عن الغير قضاء تبرعا

، أو استيجارا أو لا يجوز؟

اعلم بأنا استشكلنا في صحة الاقتداء بصلوة يصلى المصلّى عن الغير و منشأ الإشكال هو مقتضى ما قلنا في مقام دفع الإشكال العقلى على النيابة في الصّلاة عن

______________________________

(1)- (أقول: لم يتعرض سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى لحكم الأقسام و أن الأخبار تشمل غير المورد المتيقن أم لا؟ و أنا أقول: بأنّه يمكن دعوى شمول الاخبار لبعض الصور كما إذا كانت الأولى فرادى أو جماعة و في الجماعة إماما أو مأموما بإطلاق بعض الروايات و ترك الاستفصال

في بعضها كما أنّه لا فرق في شمول الحكم بين ما إذا يعيد صلاته بالجماعة إماما أو مأموما، لأنّ في الروايات ما يدلّ على ذلك.

كما أنّه يمكن أن يقال: بعدم الفرق في شمول الحكم بين أن يكون ما صلّى و يريد إعادته جماعة موافقا مع صلاة أهل الجماعة من حيث شخص الصّلاة، أو مخالفا مثلا صلّى صلاة العصر، ثمّ يعيد عصره في جماعة تكون صلاتهم عصرا أو في جماعة تكون صلاتهم ظهرا، كما أنّه لا فرق بين كونهما متحدين في الأدائية و القضائية أو مخالفين.

و لكن مع ذلك الحكم بشمول الأخبار لغير صورة صلّى صلاته فرادى ثمّ أعادها في جماعة إماما أو مأموما و في خصوص كون صلاته الأولى موافقا مع صلاة يصلى جماعة من حيث الظهرية و العصرية، و من حيث الأداء و القضاء مشكل، لأنّ غير الصورة المذكورة ربما لا يكون متعارفا، فلو فرض إطلاق لبعض الروايات يشمل غير هذه الصور، فينزّل على المتعارف فتأمّل) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 292

الغير، من أنّه لا بد في صيرورة عمل النائب عمل المنوب عنه بحيث يصير عمل النائب مقربا للمنوب عنه، هو أن يجعل نفسه منزلة المنوب عنه، أو فعله منزلة فعل المنوب عنه، و لا يمكن دفع الإشكال العقلى بمجرد إتيان الصّلاة أو ساير العبادات بقصد المنوب عنه بدون هذا التنزيل.

فعلى هذا يكون صلاة النائب، بعد هذا التنزيل، صلاة المنوب عنه، فالنائب عن عمرو إذا صلى، يكون المصلّى على هذا هو عمرو لا النائب، فيصير الاقتداء بهذه الصّلاة مورد الإشكال، لأنّ المتيقن من الجماعة المشروعة، و ما هو المتعارف منها من صدر الأوّل، هو الاقتداء بصلوة الشخص نفسه، لا بصلوة ليس بصلاته، بل هو

صلاة الميت، لأنّ هذا المصلّى في صلاة القضاء تنزّل منزلة الميت، فيكون صلاته صلاته.

نعم لو قلنا في مسئلة النيابة: بأنّه لا حاجة في جعل النائب منزلة المنوب عنه، بل كما هو مقتضى ظاهر بعض الادلة يكفى مجرد كون الصّلاة عنه، و كون النائب قاصدا للقضاء عنه و إن لم يجعل نفسه منزلته، فما يصلى من الصّلاة يكون صلاة نفسه و إن كان يصليها عن المنوب عنه، فيصح الاقتداء بصلاته لأنّ هذه الصّلاة صلاته بحسب الاعتبار.

و لكن الإشكال في أنّه هل يكفى ذلك في دفع الإشكال في النيابة من أنّه كيف يصير عمل النائب مقربا للمنوب عنه بإتيان العبادة عنه و بقصد كونها قضاء عنه كما يكون في قضاء الدين، و أن مجرد أداء الوجه بقصد قضاء دين شخص آخر يعد قضاء دينه و يبرأ ذمته و لو لم يجعل القاضى عنه دينه نفسه منزلة المديون و لا فعله منزلة فعله.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 293

و حيث إن الاكتفاء بهذا المقدار في صيرورة العبادة عبادة المنوب عنه مشكل، فلا بدّ كما قلنا من تنزيل في البين بأن يجعل النائب نفسه أو فعله، منزلة نفس المنوب عنه أو فعله، يكون الاقتداء بمن يقضى الصّلاة عن الغير مشكلا، إذ هذه الصّلاة ليست صلاة هذا الشخص، بل هى صلاة الميت المنوب عنه، لعدم شمول إطلاقات الجماعة له لو كان في البين إطلاقات، لعدم تعارف ذلك، مضافا إلى أنّه بعد كون الصّلاة صلاة الميت، فلم يكن الصّلاة صلاة الإمام حتّى يقتدى بصلاته. «1»

______________________________

(1)- (أقول لو فرض كون ما أفاده مدّ ظله العالى من لزوم تنزيل في البين من جعل النائب نفسه منزلة المنوب عنه أو فعله منزلة فعله، و لكن

مع ذلك يمكن أن يقال: بصحة الاقتداء لو كان في الجماعة إطلاقات إلا أن يقال: بأن الإطلاقات منزلة على التعارف، و لم يكن الايتمام بالصّلاة القاضى عن الغير متعارفا.

و إن كان الأمر كذلك فلو قلنا: بكفاية كون صلاته قضاء عن المنوب عنه، و أن صلاته مع كونها صلاته و مستندا به، تكون قضاء عن المنوب عنه فأيضا صحة الاقتداء مورد الإشكال، لعدم تعارف الايتمام بالإمام الّذي يقضى عن الغير.

و أمّا ما أفاده مد ظله العالى في وجه الإشكال في صحة الاقتداء من باب أن صلاة النائب صلاة المنوب عنه.

فنقول: أمّا أولا فلو فرض لزوم التنزيل، فهل يجعل الميت منزلة الحى أو يجعل الحى منزلة الميت، فإن كان الأوّل أى يجعل الميت منزلة الحى، فلا ينبغى الإشكال إذ المأموم يقتدى بشخص حىّ فى صلاة نفسه، لأنّه على هذا فرض الميت حيّا تنزيلا.

و ثانيا على فرض كون معنى التنزيل جعل الحى منزلة الميت و تكون نتيجة التنزيل أن الميت يكون مشتغلا بالصّلاة حال اشتغال النائب، فعلى هذا يكون شخصا مشتغلا بالصّلاة صلاة نفسه، فلا مانع من الاقتداء.

لكن مع ذلك كله تكون المسألة محل إشكال، و على تقدير الإشكال فيها يمكن أن يستشكل في صحة اقتداء هذا الشخص، فمن يصلى عن الغير لا يجوز له الايتمام كالإمامة، لأنّ الشّك يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 294

مسألة إذا كان الشخص مشتغلا بصلاة الفريضة فأقام صلاة الجماعة فهل يستحبّ أن ينقل نيته إلى النفل للدخول في الجماعة أم لا؟

نذكر بعض الأخبار الواردة المربوطة بالمقام فنقول بعونه تعالى:

الأولى: ما رواها سليمان بن خالد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصّلاة فبينما هو قائم يصلى اذ أذّن المؤذن و أقام الصّلاة؟ قال:

فليصل ركعتين، ثمّ ليستأنف الصّلاة مع الإمام، و لتكن الركعتان تطوعا). «1»

و الظاهر منها أنّه إذا

راى حال اشتغاله بالصّلاة إقامة الجماعة يجعل ما بيده نافلة أى ينقل نيته من الفرض إلى النفل، لا أن ما بيده من الصّلاة تصير نفلا قهرا بمجرد إقامة الجماعة و لو لم ينقل نيته من الفرض إلى النفل.

الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل كان يصلى فخرج الإمام و قد صلى الرجل ركعة من صلاة الفريضة قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى فينصرف و يجعلهما تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول (أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ثمّ يتم صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور ان شاء اللّه). «2»

______________________________

في مشروعية الجماعة في هذه الصّلاة، و لا إطلاق في البين يشملها، و لو كان إطلاق لا بد من حمله على المتعارف فتأمّل) (المقرر).

(1)- الرواية 1 من الباب 56 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 56 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 295

و هذه الرواية صريحة في أنّه يجعل الركعتين نفلا، و جعلها نفلا بأن ينقل نيته من الفرض إلى النفل.

اعلم أنّ المستفاد من الروايتين هو استحباب نقل نية الفرض إلى النفل و جعل الفريضة النافلة، و إتمامها ركعتين تطوعا لدرك الجماعة، و لا يجب ذلك و إن كان ظاهر الروايتين الأمر بذلك.

و مورد هذا الحكم ما إذا كان الشخص في الركعتين الاولتين، فيمكن له جعل صلاته

نافلة إذا كان في الركعة الأولى أو الثانية، أو في التشهّد الأول، فيجعل بالقصد صلاته تطوعا، و يسلّم على رأس الركعتين و يدخل في صلاة الجماعة.

و لو كان في حال القيام من الركعة الثالثة قبل أن يركع فيقيم الجماعة، فهل يستحبّ له أيضا نقل نية الفريضة إلى النافلة بأن يعدل إلى النافلة، و يهدم القيام و يجلس و يسلّم، لأنّ يدخل في الجماعة أم لا؟

لا يبعد استحبابه و إن كان مورد الرواية ما إذا اقيمت الجماعة و هو في الركعتين الاولتين، و لكن بإلغاء الخصوصية يكون الحكم شاملا لهذه الصورة أيضا، لأنّه يفهم أن مصلحة إدراك الجماعة صارت موجبة لاستحباب نقل نية الفرض إلى النفل في المحل الّذي يمكن جعل الصّلاة نفلا، و في حال القيام في الثالثة قبل الركوع يكون كذلك.

ثمّ إنّه بعد فرض استحباب جعل الفريضة نافلة لدرك الجماعة، فهل يستحبّ قطع النافلة لدركها أم لا؟ مثلا كان مشتغلا بصلوة النافلة فاقيمت الجماعة، أمّا قطع صلاة النافلة فلا إشكال في جوازه فيجوز له قطعها، إنما الكلام في أنّه هل يستحبّ قطعها لدرك الجماعة أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 296

ثمّ لو فرض استحباب القطع في هذه الصورة، فلو اشتغل بالفريضة فاقيمت الجماعة فنقل نيته إلى النفل، فحيث صارت الصّلاة نافلة يجوز قطعها، بل يستحبّ قطعها لدرك الجماعة أم لا؟

لا دليل لنا على استحباب القطع لدرك الجماعة إلا رواية فقه الرضا، و هى تدلّ على ذلك لكن الإشكال في سندها.

*** تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء السابع من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على احكام الخلل و قضاء الصّلاة و وجوب المتابعة فى الجماعة و يتلوه الجزء الثامن إن شاء اللّه

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى،

تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

الجزء الثامن

المقصد السادس في صلاة الجماعة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 7

في صلاة الجماعة

اعلم أنّ الناظر إلى كتب السير و التواريخ المتعرضة لسيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، يعلم أن أمر صلاة الجماعة يكون مقرونا بأصل الصّلاة، فشرع الجماعة مقارنا مع تشريع أصل الصّلاة و من راى عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اشتغاله بالصّلاة، راه في الجماعة كما يظهر من القضية المعروفة من رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مشغولا بالصّلاة و خلفه ابن عمّه و امرأته، و هما على عليه السّلام، و خديجة عليها السّلام، يصلّون صلاة الجماعة، و بعد ما هاجر إلى المدينة أيضا أول صلاة صلّيها في قباء- و هو محل قرب المدينة المنورة- صلّيها بالجماعة، فيكون أمر صلاة الجماعة من الوضوح بمثابة أمر أصل الصّلاة، فلا خفاء في أصل مشروعية صلاة الجماعة.

ثمّ اعلم أن التكلم في صلاة الجماعة يقع في طى مقدمة و مقاصد إن شاء الله تعالى:

[المقدمة]

أمّا المقدمة: ففي ماهية صلاة الجماعة.

اعلم أن ماهية صلاة الجماعة و حقيقتها على ما يفهم من لفظها، هى صلاة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 8

تحصل مع الجماعة في قبال صلاة الفرادى، فصلاة الجماعة و إن كان يصلى كل واحد من الإمام و المأموم صلاة، و بهذا الاعتبار تكون صلوات، و لكن باعتبار كون صلاة كل من الإمام و المأمومين مرتبطا بالاخرى، يكون كل صلاة من صلواتهم كبعض الصّلاة، و تعدّ هذه الصلوات المتعددة صلاة واحدة، فنفهم أن في هذه حيث واحدة اعتبارية و حيث أن المقوم لهذه الصّلاة هو الإمام و المأموم ففي ماهيتها يعتبر وجود إمام و يأتي ما يعتبر فيه إن شاء اللّه.

و هل يعتبر

في بقاء ماهية الجماعة مجرد حدوث هذه الصّلاة مع الإمام و ان لم يكن بقاء، أو يعتبر في ماهيتها وجوده إلى اخرها؟

يمكن أن يقال: بعدم اعتبار بقاء ذلك في بقاء ماهية الجماعة، و لأجل هذا قلنا بأن بعض الروايات الواردة في الاستخلاف لو عرض لإمام الجماعة عارض، لا يدل على صيرورة صلاة المأمومين في الآن الفاصل بين طرو العارض لإمام الأوّل و بين استخلاف للإمام الثانى فرادى، بل باقية على الجماعة، غاية الأمر تكون صلاة جماعة بلا إمام في هذا الحال، و هذا غير مضرّ بصدق الجماعة.

و لهذا قلنا: إنّ ما أفاده الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» من دعوى الاجماع على امكان نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و من الجماعة إلى الفرادى، يكون من باب التمسك بروايات الاستخلاف، لأنّه قال: ذكرنا الأخبار المربوطة بمسألة الاستخلاف، و نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و بالعكس في كتابنا الكبير، و لم يذكر في التهذيب غير روايات الاستخلاف، فمراده من الاجماع هو هذه النصوص.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 551؛ التهذيب، ج 3، ح 842- 844.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 9

و الحق عدم دلالتها على ما أفاده من جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس، لأنّه كما قلنا لا يدل هذه الأخبار على صيرورة صلاة المأمومين بعد عروض عارض للإمام و قبل استخلاف شخص اخر، فرادى حتّى يتمسّك بهذه الأخبار على جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس، إذ يمكن أن تكون الجماعة باقية في هذا الحال و لو لم يكن إمام فيها، كما أنّ بعض الأخبار الدالة على جواز تقديم المأموم التشهّد الثانى على الإمام، لا يدل على صيرورة صلاته في هذا الحال فرادى، بل يمكن

بقاء القدوة في هذا الحال و لكن أجاز المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية تقديم التشهّد على تشهد الإمام، كما أنّ بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف لا يدل على عدم بقاء الجماعة، و قد ذكرنا مفصلا هذه الجهة في نية الصّلاة.

و من الخصوصيات الدخيلة في ماهية صلاة الجماعة، هى كون كل جماعة يتشكل منها الجماعة في الجملة، و يأتي تفصيله إن شاء اللّه فلا بدّ فيها من وجود إمام و مأموم.

و من الخصوصيات وجود واحدة مكانية، و زمانية بين الإمام و المأموم، و بين بعض المأمومين مع بعض من اعتبار كونهم في مكان واحد، و عدم فصل بينهم، و عدم حائل و من حيث موقفهم، و من حيث كون زمان صلواتهم واحدا بتفصيل يأتي إن شاء اللّه.

و من الخصوصيات الّتي يقع الكلام فيها إن شاء اللّه هى أنّه هل يعتبر معية بين الإمام و المأموم من حيث أفعال الصّلاة، بأن يكبّرا معا، يسجدان معا، أو يعتبر تأخر ما بين أفعال المأموم و الإمام، و غير ذلك.

و من جملة الخصوصيات هل يعتبر في صدق صلاة الجماعة أن يكون المأموم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 10

و الإمام كلاهما قاصدان للجماعة، أو يعتبر هذا القصد للمأموم فقط؟ يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

إذا عرفت هذه المقدمة نشرع بعونه تعالى في المطالب الّتي ينبغى أن يبحث عنه، فنقول بعونه تعالى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 11

المطلب الأوّل: في الصلوات الّتي شرع فيها الجماعة بنحو الوجوب أو الاستحباب.

اشارة

و فيه جهات:

الجهة الأولى:

الجماعة مشروعة في الصلوات اليومية مسلّما في الجمعة بنحو الوجوب، و في غيرها بنحو الاستحباب.

أمّا وجوبها في الجمعة فللأخبار الدالة على أن الجمعة لا بدّ و أن تنعقد جماعة مع اجتماع شرائطها، و أمّا في غير صلاة الجمعة فقد تجب لعارض كما إذا نذر إتيان صلاة الغداة مثلا جماعة، و مثله العهد و اليمين و لو نذر إتيان صلاة جماعة فلو أتى فرادى لا يصح لأنّ اتيانها فرادى يوجب عدم قدرته على امتثال النذر فلا تكون هذه الصّلاة مقرّبا، فلا تقع صحيحة، و فى غير ذلك فلا تجب الجماعة في الصلوات اليومية من الغداة و العشاءين و الظهر في غير يوم الجمعة، أو فيها مع عدم اجتماع وجوب صلاة الجمعة و العصر، أمّا من العامة فقد حكي عن الظاهرية وجوب الجماعة فيها أيضا، و أمّا عندنا فلا إشكال في استحبابها و عدم وجوبها، غاية الأمر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 12

أن الجماعة فيها من المستحبات الأكيدة و في بعض منها اكد.

الجهة الثانية:

في الصلوات الفرائض غير اليومية هل تجب الجماعة أو لا؟

اعلم أنّة في صلاة الآيات شرعت الجماعة، لكن على وجه الاستحباب لا الوجوب لعدم دليل على أزيد من استحبابها.

الجهة الثالثة:

في مشروعية الجماعة و عدمها في العيدين: اعلم أن الجماعة في العيدين مع اجتماع شرائط وجوبهما فوجوب الجماعة فيهما و إن قيل، لكن ذلك غير مسلم، و فيه كلام، و أمّا مشروعيتها على نحو الاستحباب فلا اشكال فيه.

الجهة الرابعة:

مشروعية الجماعة في صلاة الطواف محل إشكال، بل الأقوى عدمها، لأنّ ما استدل به على مشروعية الجماعة فيها غير تمام. أمّا رواية الّتي رواها حريز عن زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصّلاة في جماعة فريضة هى؟ فقال: فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، و لكنّها سنّة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له- «1» فلا تدلّ على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف، لأنّ قوله عليه السّلام (و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها و لكنه سنّة) بقرينة صدر الرواية لا يشمل إلا فرائض اليومية.

بيانه أن قول السائل (الصّلاة في جماعة فريضة هى) ناظر إلى السؤال عن وجوب صلاة الجماعة و عدمه في خصوص الفرائض اليومية، لا عن مطلق الصلوات، و الشاهد على ذلك جواب الإمام عليه السّلام (الصّلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض) فإن كان سؤال السائل عن مطلق الصلوات، فلا يناسب الجواب بأنّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 13

(الصّلاة فريضة) لأنّ مطلق الصلوات ليس بمفروض، فيكون نظر السائل إلى خصوص فرائض اليومية، فقال عليه السّلام في جوابه (الصّلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها) أى: ليس في كل صلوات اليومية الجماعة فريضة.

فكان في ذهن السائل وجوب الجماعة في الصّلاة الجمعة، فسئل من أن هذا الحكم يكون في مطلق الصلوات اليومية، فقال عليه السّلام

(ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها و لكنه سنة) أى: الاجتماع سنة في مطلق الصلوات اليومية و ليس بمفروض في كله، فلا يكون السؤال عن مطلق الصلوات يومية و غيرها، حتّى يقال: بأن قوله عليه السّلام (و لكنه سنة) يدلّ على مشروعية الجماعة و استحبابها في صلاة الطواف.

فالرواية لا تدلّ على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف. «1»

الجهة الخامسة:

في صلاة الجنازة: إن الجماعة فيها مشروعة و يدل عليه الأخبار، فارجع أبواب الجنازة من الوسائل، فإن فيها ما يدلّ على ذلك.

______________________________

(1)- (أقول ما أفاده مد ظله العالى من أن قوله عليه السّلام (الصّلاة فريضة) يدلّ على عدم كون السؤال عن مطلق الصّلاة في محله، و لكن يوجب ذلك عدم امكان الاستشهاد بالرواية لمشروعية الجماعة في النافلة، و أمّا في الفرائض فيمكن الاستدلال بها، لأنّ من جواب الإمام عليه السّلام من أنّ (الصّلاة فريضة) يكشف عن كون السؤال عن الجماعة في الفرائض، سواء كانت يومية أو غيرها لا خصوص اليومية، فجواب الإمام عليه السّلام بأنّه (ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنه سنة) فتدلّ الرواية على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف، لأنها فريضة أيضا، نعم لو استكشف كون نظر السائل إلى خصوص فرائض اليومية، و يكون الألف و اللام في قوله (الصّلاة فريضة) للعهد و المعهود خصوص اليومية، تمّ ما أفاده مد ظله العالى في بيان مفاد الرواية فتأمّل) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 14

الجهة السادسة: هل الجماعة مشروعة في النوافل أم لا؟

اعلم أن في صلاة الاستسقاء من النوافل شرعت الجماعة فيها، للدليل الوارد فيها، و أمّا في غيرها من النوافل غير صلاة الغدير، فالجماعة فيها غير مشروعة عندنا لعدم دليل على مشروعيتها فيها، و من بدع الثانى تشريعه الجماعة في نوافل شهر رمضان روايات فارجع الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان من الوسائل، مضافا إلى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، مع كمال اهتمامه بصلوة الجماعة، لا يرى منه أن يصلى نافلة بجماعة، بل كان يصليها في البيت، ثمّ يذهب إلى المسجد، لأنّ يصلى الفريضة جماعة، و أمّا في صلاة الغدير، و إن صار محل الكلام،

و لكن مشروعية الجماعة فيها غير معلوم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 15

المطلب الثانى: في قصد الامام الإمامة

اشارة

هل يعتبر في تحقق الجماعة قصد الإمام الإمامة بحيث لو لم يقصدها لا تنعقد الجماعة، أم لا يعتبر ذلك؟

اعلم أن عدم اعتبار قصد الإمام الإمامة في تحقق الجماعة ممّا يكون مسلّما عندنا و إن كان محل الخلاف عند العامة.

و أمّا اعتبار قصد الايتمام على المأموم في صيرورة صلاته صلاة الجماعة فمما لا إشكال فيه، لأنّ ذلك معلوم من الصدر الأوّل إلى الآن، و كون عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على طبقه، و لا يعدّ الشخص داخلا فى الجماعة و مأموما للإمام إلا اذا قصد الجماعة و الايتمام و القدوة به.

[النبوي لا يدلّ على اعتبار نيّة الجماعة من المأموم]

و ما قيل من أنّه يدلّ على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في النبوى المنقول عن طرق العامة (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به الخ) بدعوى أن معنى الايتمام به هو قصد الاقتداء به، مدفوع بأن هذه الرواية ليست فى مقام ذلك، بل الرواية ناظرة إلى جهة اخرى، و هى أن أفعاله لا بد و أن يقع متفرّعا على افعال الإمام، لأنّ في الرواية على نقل بعض

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 16

صحاحهم الستة «1» هكذا (انّما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، و اذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا) و بنقل اخر تكون هكذا (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا و لا تكبروا قبل أن يكبر و إذا ركع فاركعوا و لا تركعوا قبل أن يركع) و هذا يدلّ على ما قلنا خصوصا بنقل إلى مكان قبل منهم، فهذه الرواية غير مربوطة بالمقام. «2»

و على كل حال بعد فرض اعتبار قصد الائتمام على المأموم يقع الكلام في جهة اخرى و

هى أن الجماعة هل تكون وصفا لنفس الصّلاة بتمامها، أو تكون وصفا لأبعاض الصّلاة أيضا؟

و بعبارة اخرى يعتبر في تحقق الجماعة الّتي يشرعها اللّه تعالى أن يكون

______________________________

(1)- صحيح البخارى، ج 1، ص 190؛ سنن ابن ماجه، ج 1، ص 392؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 113؛ سنن ابى داود، ح 1، كتاب الصّلاة، ص 164؛ سنن النسائي، ج 2، ص 90؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 376.

(2)- (أقول: لم لم يتمسّك سيدنا الاعظم مد ظله العالى على اعتبار قصد المأموم الايتمام في تحقق الجماعة بالنسبة إليه بأن وجه اعتبار القصد هو أن الايتمام من العناوين القصدية، لا يتحقق مصداقه الا بالقصد، و لعل من تمسك بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به) لاعتبار قصد الايتمام هو ما قلنا من أنّه يستفاد من هذه الرواية أنّه لا بدّ من وجود إمام يؤتم به، و لا يحصل الايتمام إلا بالقصد.

و أما ما أفاده مد ظله العالى من أنّ اعتبار قصد المأموم الايتمام يستفاد من عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمعنى أن من صدر الأوّل كان العمل على ذلك.

ففيه أنّه أىّ طريق في كون العمل على قصد ذلك، و القدر المعلوم من العمل هو الاجتماع و جعل واحد إماما في الجماعة، و متابعة الجماعة عنه في أفعال الصّلاة، و أمّا كون القصد معتبرا في تحقق ذلك، فلا طريق إليه من عملهم، فتأمّل) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 17

المأموم قاصدا للايتمام و الاقتداء و الدخول في الجماعة من أوّل الصّلاة إلى اخر موضع يتمكن من حفظ الايتمام به، أو لا يلزم ذلك، بل يمكن التبعيض بمعنى أن

يجعل بعض صلواته بالقصد و المتابعة جماعة و بعضها فرادى، مثلا يقصد بركعة منها الجماعة و بما بقيها الفرادى، مثلا يرى الشخص صلاة جماعة متشكلة فيبنى و يقصد أن يأتمّ بالإمام في ركعة واحدة أو ركعتين من صلاته الظهر مثلا و يقصد إتيان ما بقى من صلاته أى ثلاث ركعات أو ركعتين منها فرادى، أو أن الشخص يكون مثلا في الصّلاة فرادى فرأى في أثناء صلاته انعقاد جماعة و قد صلّى ركعة من صلاته، فيقصد في ما بقى من صلاته الاقتداء، أو لا يصح ذلك.

[هل يصح جعل صلاة واحدة بعضها فرادى و بعضها جماعة]
اشارة

و الحاصل هل يصح جعل صلاة واحدة بعضها فرادى و بعضها الجماعة إمّا بالقصد إلى ذلك قبل الشروع في الصّلاة و إمّا أن يبدو له ذلك في أثناء الصّلاة، مثل أن نبى في أول الصّلاة و يقصد الاقتداء إلى اخر الصّلاة، ثمّ في أثنائها يبدو له و يقصد الفرادى أو بالعكس.

فإن قلنا بكون الجماعة وصفا للصّلاة لا لأبعاضها فلا يصح ذلك. و إن قلنا بكونها وصفا لأبعاض الصّلاة فيجوز ذلك. فالكلام يقع تارة في جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و عدمه، و تارة في جواز نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و المهم هو التعرض لصورة الأولى، لأنّ نوع القائلين بالجواز يقولون في الصورة الأولى فنقول:

اعلم أنّه لا يرى التعرض لهذه المسألة في كلمات القدماء رحمه اللّه المقتصرين في كتبهم على ذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم الصّلاة و السلام، غير الشيخ رحمه اللّه مع تأليف بعض كتبه على طريقة القدماء، و لكن صنّف كتاب المبسوط و تعرض فيها للمسائل التفريعية كما قال رحمه اللّه في أوّله ما حاصله: (إنى بعد ما رايت أن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 18

للعامة

كتبا و تعرضوا للتفريعات، كنت أحب أن اصنّف كتابا مشتملة على التفريعات، و لكن ما تمكنت من ذلك إلى الآن فشرعت في ذلك المقصود و صنفت كتابنا المبسوط بنهجهم، حتّى لا يقولون بأن فقه الشيعة لم يكن فيه التفريعات، ففي هذا الكتاب ذكرت التفريعات و استفدت حكمها من النصوص، فإنا مع كوننا من أهل النص و المقتصرين على ما ورد في القرآن و عن النبي و العترة المعصومين عليهم الصلوات و السلام، لا أهل القياس و الاستحسان و الرأي كما هو دأبهم، استفدت الأحكام التفريعية من النصوص).

فكتاب مبسوطه رحمه اللّه يكون على هذا الوجه و تعرض لهذه المسألة فيه، و لم يقل فيه بالجواز مطلقا، و في كتاب مسائل الخلاف في مواضع، و قال فيه بالجواز.

و قد بينا أن ما قال في الخلاف من الإجماع على جواز ذلك، ليس المراد منه إلا ما استفاده من أخبار الاستخلاف، و قد تعرضنا مفصلا في نية الصّلاة لبعض الأخبار المتوهمة دلالتها على جواز ذلك من الأخبار الواردة في الاستخلاف، و جواز تقديم التشهّد للمأموم، و ما ورد في ضمن صلاة الخوف، فان كلها قابلة الحمل على بقاء الجماعة في هذه الفروض، لا صيرورة الصّلاة فرادى، حتّى يتمسّك بها على جواز عدول نقل نية الجماعة إلى الفرادى أو البناء على ذلك من أول الشروع في الصّلاة.

[في ذكر الاقوال في المسألة]
اشارة

و على كل حال اعلم أن الأقوال في المسألة ثلاثة:

القول الأوّل: جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس

مطلقا و هو مختار الشيخ في الخلاف.

القول الثانى: عدم جواز ذلك

مطلقا كما قال به صاحب المدارك و الذخيرة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 19

على نحو المختار، أو على سبيل الإشكال.

القول الثالث: التفصيل

بين ما إذا كان نيته من أول الصّلاة إتيان صلاته بعضها جماعة و بعضها الاخر فرادى، و بين ما إذا كان نيته من الصّلاة الجماعة إلى اخر الصّلاة لكن يبدو له في أثناء الصّلاة أن يقصد الفرادى و يتمّ صلاته فرادى، فلا يجوز في الأوّل و يجوز في الثانى.

أمّا القول الثالث أعنى التفصيل فلا يكون له وجه، لأنّه إن كانت الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة، فلا فرق بين ما إذا قصد الفرادى في أول الصّلاة أو يبدو له ذلك في أثنائها، و كذا إن امكن استفاده صيرورة الصّلاة فرادى من أخبار الاستخلاف، أو من جواز تقديم التشهد، أو من بعض ما ورد في صلاة الخوف فأيضا لا فرق بين كون المصلّى قاصدا لذلك في أول الصّلاة أو يبدو له ذلك في أثنائها.

ثمّ بعد عدم وجه للقول بالتفصيل، فهل نقول بالقول الأوّل أو بالثانى، أمّا وقوع الجماعة في أبعاض الصّلاة في الشرع في الجملة مسلّم، مثل ما إذا اقتدى الحاضر بالمسافر، ففي الزائد على ركعتين يكون صلاة المأموم فرادى، فوقع بعض الصّلاة جماعة و بعضها فرادى (لكن الكلام يكون في ما يمكن حفظ القدوة و الايتمام و أنّه هل يصح مع ذلك قصد الفرادى أم لا؟ فمثل اقتداء الحاضر بالمسافر خارج عن محل الكلام، لأنّ مع تمامية صلاة الإمام لا مجال للمأموم أن يحفظ القدوة، بل محل الكلام هو أنّه هل تحقق الاقتداء المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جماعة و مرتبطا بصلوة الإمام يحصل بجعل المأموم صلاته بالقصد مرتبطا بصلاته ما دام متمكنا، او لا يلزم ذلك،

بل في كل جزء من الصّلاة إذا قصد يصير هذا الجزء جماعة و يترتب عليه آثارها).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 20

[في نقل الاقوال في جواز العدول من الجماعة الى الفرادى]

اعلم أن في صورة شروع المصلّى في صلاته فرادى، ثمّ في الاثناء يعدل نيته بالجماعة، فهو ممّا يكون دعوى كونه على خلاف طريقة المتشرعة، و على ما هو المعهود من الجماعة في الإسلام، غير مجازقة.

أمّا في نقل نية الجماعة إلى الفرادى فقد تعرضنا له في نية الصّلاة مفصلا فراجع، و نذكر هنا أيضا للفائدة، و لربط هذه المسألة بصلوة الجماعة، فنقول بعونه تعالى:

إن الأقوال في المسألة ثلاثة: الجواز مطلقا، و عدمه مطلقا، و التفصيل بين ما إذا قصد الشخص الفرادى من أول الصّلاة، و بين ما إذا كان في أول الصّلاة قاصدا للجماعة و القدوة إلى اخرها، ثمّ يبدو له في أثنائها أن يعدل من الجماعة إلى الفرادى،

[الأدلة على جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

و قبل التكلم في ما هو الحق في المقام نقول: بأنّه استدل على الجواز بامور

منها الإجماع

و قد عرفت في مطاوى كلماتنا أن هذا الإجماع ليس بحجة، لعدم كونه كاشفا عن وجود نص في المسألة، لأنّ الشيخ رحمه اللّه هو أول من تعرض للمسألة و إن ادعى الاجماع و اخبار هم في الخلاف على الجواز، إلا أنّه بعد ما قال (بأنا ذكرنا أخباره في كتابنا الكبير) أى: في التهذيب، و بعد ما لا نرى نقل رواية تدلّ على هذا الحكم إلا أخبار الاستخلاف.

و قد عرفت أن الاستدلال على الجواز بهذه الأخبار، و اخبار جواز تقديم السلام، و أخبار صلاة ذات الرقاع غير تمام، لعدم دلالة هذه الأخبار على صيرورة صلاة المأموم فرادى في صورة عروض عارض للامام فيستخلف غيره، أو في صورة تقديم المأموم سلامه، أو في صلاة ذات الرقاع، فالتمسك بالاجماع، مع عدم تعرض القدماء رحمه اللّه غير الشيخ رحمه اللّه و وضع تعرض الشيخ يكون بالنحو الّذي ذكرنا أى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 21

في كتاب الخلاف و المبسوط فهو لم يتعرض للمسألة في كتابه المعد لنقل الفتاوى المتلقاة، مثل كتاب النهاية، لا يصحّ لأنّ الاجماع ما دام لا يكون كاشفا عن وجود نص لا يكون حجّة.

و منها الأصل

، و الغرض منه إن كان أصالة الإباحة بمعنى إنا نشك في أن العدول من الجماعة إلى الفرادى جائز أم لا؟ فاصالة الإباحة تقتضى جوازها، و إن كان الغرض منه الإباحة الوضعية، فمعناها عدم اشتراط كون الصّلاة جماعة من أولها إلى اخرها في صيرورتها جماعة.

و منها: [عدم وجوب صلاة الجماعة ابتداء و استدامة]

ما يظهر من المحقق رحمه اللّه في المعتبر، و هو أن الجماعة لا تجب ابتداء، فكذلك لا تجب استدامة، و استدل به العلّامة رحمه اللّه في التذكرة.

و منها ما في التذكرة أيضا من دلالة رواية واردة في طرق العامة

، يستفاد منها أن معاذ بن جبل كان يقوم في محلته، ففي يوم اقتدى به رجل، فطالت صلاة معاذ فتخلّف عن الجماعة و أتى بصلاته منفردا، فقال له معاذ: نافقت، فبلغت هذه القصة بالنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمعاذ: إنّك رجل فتّان و لم يقل: إن صلاة هذا الشخص الاذي تمّ صلاته فرادى باطل.

و منها استصحاب جواز الانفراد

، فإن قبل الشروع في الصّلاة كان له أن يصلى فرادى فيستصحب.

و منها التمسك بما ورد من الروايات في باب الاستخلاف

، و جواز تسليم المأموم قبل الإمام، و صلاة ذات الرقاع.

[وجوه عدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

و في قبال ذلك فقد ذكر بعض وجوها لعدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى:

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 22

و منها عدم تاثير قصد الانفراد لو نوى ذلك في الأثناء

، مع فرض قصد الجماعة من أول الصّلاة.

و منها أنّه يجب تكليفا استدامة نية الاقتداء

، فإذا كان ذلك واجبا يحرم قصد الإفراد من باب أن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده.

و منها أنّه يجب استدامة النية وضعا

بمعنى كون ذلك شرطا في صحة الصّلاة.

و منها كون ذلك شرطا في صحة الجماعة

و صيرورة الصّلاة جماعة لا في أصل الصّلاة، فبناء على اشتراط الصّلاة به، تبطل الصّلاة رأسا حتى لو عمل قبل نقل النية من الجماعة إلى الفرادى ما يعتبر في صلاة الفرادى وجودا و عدما من القراءة، و عدم زيادة الركوع و السجود فمع ذلك تبطل الصّلاة بقصده الفرادى، و أمّا بناء على اشتراط الجماعة بها لا تبطل أصل الصّلاة، بل تفسد الجماعة بمعنى عدم ترتب آثار الجماعة فقط لو عمل عمل الفرادى.

[مناقشة المسألة]

إذا عرفت ذلك كله نقول: إن ما ينبغى أن يقال في المقام هو منشأ الإشكال في المسألة، و ما يليق أن يتكلم حوله، و هو أنّ المبنى للمسألة هو ما أشرنا إليه في صدر المسألة من أنّه هل يكون الجماعة وصفا للصّلاة بمجموعها، أو هى وصف لأبعاضها، بمعنى أنّه هل يعتبر في صيرورة الصّلاة صلاة جماعة بحيث يترتب عليها آثارها هو كون المأموم مقتديا و مؤتما بالإمام ما أمكن له الايتمام و الاقتداء، و لا يتخلف عنه مهما أمكن، أولا يعتبر ذلك في صدق الاقتداء و الايتمام المعتبر في الجماعة، بل في كل بعض من أبعاض الصّلاة و جزء من اجزائها إذا تحقق القدوة و الايتمام تصير الصّلاة جماعة بهذا المقدار، و يترتب آثار الجماعة في هذا المقدار.

فإن قلنا بالأوّل: فلا يصح قصد الانفراد و العدول من الجماعة إليه، و إن قلنا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 23

بالثانى فيصح نقل نية الجماعة إلى الفرادى، فما بيّنا هو الميزان في إمكان الالتزام بجواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و عدمه، فالجواز و عدمه متفرع على ذلك، لا على ما استدل به الطرفين، لأنّ تمامية استدلال كل من الطرفين و عدمها مربوط بما قلنا.

فإن قلنا:

بأن الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة لا لمجموع الصّلاة، فلا يبقى مجال لما استدل به القائل بعدم الجواز من عدم تاثير قصد الانفراد لو نواه، لأنّه على فرض كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة يؤثر قصد الانفراد.

و كذلك ما قيل من وجوب استدامة النية تكليفا قول لا وجه له، لعدم وجوب ذلك بناء على كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة.

و كذلك ما قيل من كون بقاء القدوة شرطا في أصل الصّلاة أو الجماعة، لأنّه على فرض كون الجماعة وصفا للأبعاض معلوم عدم اشتراط ذلك.

و إن قلنا بالعكس أى: بكون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا يبقى مجال للاستدلال بجواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى بأصالة الإباحة، لأنّه مع فرض كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا مجال للاصل.

و كذلك لا مجال للاستدلال على الجواز بأن الجماعة لا تجب ابتداءً فلا تجب استدامة، لأنّه مع فرض كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا تصير الصّلاة جماعة إلا ببقاء القدوة إلى اخرها.

و كذلك لا مجال للتمسك على الجواز باستصحاب الانفراد لأنّ مع وصف كون الدليل مساعدا على كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة لا للأبعاض، فلا مجال للاستصحاب.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 24

فيظهر لك ممّا مرّ أنّه لا بد لمن يكون في سدد فهم كون العدول من الجماعة إلى الفرادى جائزا أم لا، من فهم أن الجماعة الّتي شرعت في الشرع، و لا بدّ فيها من أن يقتدى المأموم و يجعل نفسه تابعا للامام هل تكون وصفا لمجموع الصّلاة بحيث لا تتحقق الجماعة و لا يترتب أثرها إلا إذا كان المأموم مقتديا و مؤتمّا بالإمام من أول الصّلاة إلى اخر ما يمكن له ذلك، أو لا تكون كذلك، بل هى وصف لأبعاض بحيث

يكون أثر الجماعة مترتبا في كل جزء من أجزاء الصّلاة يكون المأموم فيه مقتديا بالإمام، و إن لم يكن مقتديا و مؤتما به في غيره من أجزاء الصّلاة.

[ظهور أمرين لك فى المسألة]
اشارة

و ممّا مر منا من أن جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى و عدمه، متفرع على كون الجماعة وصفا لجميع الصّلاة، أو لأبعاض الصّلاة، يظهر لك أمران:

الأمر الأول:

أن هذا النزاع غير متفرع على كون صلاة الفرادى و الجماعة حقيقتان و طبيعتان متغايرتان، او هما حقيقة واحدة و طبيعة فاردة، فإن قلنا بالأوّل فلا يجوز العدول، و إن قلنا بالثاني فيجوز ذلك، كما ربما توهّم كون جوازه و عدمه متفرعا على ذلك.

وجه عدم كون جواز العدول من نية الجماعة إلى الفرادى متفرعا على ذلك، هو ما قلنا: من أن الجماعة إن كانت وصفا لمجموع الصّلاة فلا يجوز ذلك، سواء كانت الفرادى و الجماعة حقيقتان أو حقيقة واحدة، و إن كانت قابلة لكونها وصفا لأبعاض الصّلاة فيجوز ذلك، سواء كانتا حقيقة واحدة أو حقيقتان.

و اعلم بأنّ من يتوهّم كونهما حقيقتين و طبيعتين، إن كان نظره في ذلك إلى أن الجماعة و الفرادى، كالظهر و العصر من كونهما طبيعتين، مع قطع النظر عن اعتبار القصد فيهما فالفرادى و الجماعة ليستا كالظهرية و العصرية.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 25

و إن كان نظره في كون الجماعة و الفرادى طبيعتين هو احتياج كل منهما إلى القصد، بمعنى أن الصّلاة الواقعة خارجا لا تصير منطبقا لعنوان صلاة الجماعة و لا الفرادى إلا بالقصد.

فنقول: إن الجماعة و إن كانت بالنسبة إلى المأموم محتاجة إلى القصد أى:

صلاة المأموم لا تصير جماعة إلا بأن يقصد الجماعة، و لكن الفرادى غير موقوف بالقصد، بمعنى عدم احتياج صيرورة الصّلاة الواقعة خارجا مصداق صلاة الفرادى، إلى قصد الفرادى، بل مجرد قصد الصلاتية تجعلها صلاة فرادى، فكلّما أتى المكلف بصلوة تقع فرادى إذا لم ينو بها الجماعة، لا بمعنى

دخل عدم قصد الجماعة في صيرورة الصّلاة فرادى، بل بمعنى أنّه لا يعتبر في صيرورة الصّلاة فرادى إلا قصد الصّلاة، فعلى هذا لا يمكن أن يقال: بكون الجماعة و الفرادى طبيعتين باعتبار احتياج كل منهما إلى القصد، لما عرفت من عدم احتياج صلاة الفرادى بالقصد، فالحق كون الجماعة و الفرادى طبيعة واحدة.

و لكن مع ذلك يكون للنزاع في جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى مجال باعتبار ما قلنا من أنّه يجوز إن كانت الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة، و لا يجوز إن كانت وصفا لمجموع الصّلاة.

الأمر الثاني:

بعد ما قلنا: من أن منشأ الإشكال في جواز العدول و عدمه هو كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة أو لأبعاضها، يظهر لك أن التفصيل في المسألة بين ما إذا نوى الانفراد في أثناء الصّلاة في أول الصّلاة فلا يجوز العدول، و بين ما إذا يبدو له ذلك في أثنائها فيجوز كما يظهر من بعض المتاخرين، لا وجه له.

أمّا ما ذكر وجها لهذا التفصيل فهو ما يظهر من كلام آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 26

كتاب صلاته، و ظاهر كلامه و إن كان غير واف بما نقول، لأنّ ظاهر كلامه هو عدم شمول الإطلاقات الواردة في الجماعة للصورة الأولى و شمولها للصورة الثانية، و لكن نحن نقول في بيانه: و ربما يكون نظره بذلك أيضا و هو أن في الصورة الّتي يدخل المصلى في الصّلاة ناويا للجماعة من أول الصّلاة إلى اخرها، ثمّ يبدو له نقل نيته من الجماعة إلى الفرادى في أثناء الصّلاة، يجوز ذلك و يشملها الاطلاقات، لأنّ في هذه الصورة يكون عمل المصلي: صلاته بالجماعة منبعثا عن القصد بذلك، فصلاته صارت جماعة لكونه

قاصدا لها من أول الأمر فالصّلاة وقعت من أول أمرها منطبق عنوان الجماعة، لكون المصلّى ناويا للاقتداء و الايتمام و المتابعة، فمع فرض كون المصلى ناويا للجماعة حين الشروع بالصّلاة، فتصير صلاته جماعة و تشملها الإطلاقات الواردة في الجماعة، فمتى يكون باق بهذه النية فهو في جماعة، و متى يبدو له في الأثناء العدول إلى الانفراد فتصير صلاته فرادى قهرا.

و أمّا في الصورة الأولى أى: الصورة التى من نيته الانفراد في الأثناء من أول الصّلاة، فلا تشمل صلاته الإطلاقات، لأنّ في هذه الصورة لا تكون صلاته منبعثا عن قصد الجماعة في تمام صلاته، بل قاصدا للجماعة في بعض الصّلاة فلا تشملها الاطلاقات.

فالفرق بين الصورتين هو كون الداعى إلى الصّلاة في صورة عدم كونه قاصدا للفرادى من أول صلاته هو الجماعة أى: الاقتداء و المتابعة و الايتمام في تمام الصّلاة و ان تبدّل نيته في أثناء إلى الفرادى، إلا أن هذا غير مضر بصدق الجماعة و شمول الاطلاقات لهذه الصّلاة، لأنّ الجماعة صارت سببا لانبعاث المصلّى.

و أمّا فى ما قصد الانفراد من أوّل الصّلاة فلا يكون قصد الجماعة في تمام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 27

الصّلاة سببا لانبعاثه نحو العمل.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه في صورة عدم قصد الانفراد من أول الصّلاة و طرو هذا القصد في أثنائها يكون المصلّى في إتيان ما بقى من الصّلاة غير منبعث عن قصد التبعية و الجماعة.

قلت إن ما بقى من الصّلاة بعد قصد الفرادى و إن يقع فرادى، لكن بعد كون الصّلاة من أول الأمر متصفة بالجماعة، لكون الانبعاث نحو ها بهذا الداعى فصارت الصّلاة جماعة، و يجعل هذا القصد الحاصل أول الصّلاة الصّلاة جماعة و إن يبدو له الانفراد

في أثنائها، فتشمل الإطلاقات الواردة في الجماعة هذه الصّلاة.

فمنشأ التفصيل بين الصورتين هو أن في صورة قصد الانفراد من أول يكون المصلّى منبعثا نحو العمل بقصد الجماعة في بعض الصّلاة، و قصد الفرادى في بعضها، و في هذه الصورة لا تتصف الصّلاة بالجماعة حتّى تشملها الإطلاقات، و أمّا في صورة يبدو له قصد الانفراد في الأثناء، مع فرض كونه من أول الصّلاة قاصدا لإتيان صلاته جماعة إلى اخرها، فحيث أن انبعاث المصلّى نحوها يكون بهذا القصد أى: قصد الجماعة و التبعية من أول الصّلاة إلى اخرها، فتتصف الصّلاة بمجرد الشروع فيها بالجماعة، لأنّه قاصد لها، فتشملها الاطلاقات، و عدم بقائه على هذا القصد و العدول في الأثناء لا ينقلب ما وقع من الصّلاة متصفة بالجماعة عما هى عليها، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه هذا التفصيل. «1»

و أمّا وجه فساد هذا التفصيل و عدم تمامية ما ذكر وجها له، هو أن المعتبر في

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 455.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 28

صيرورة صلاة المأموم جماعة، كما أشرنا إليه، كون المأموم مؤتما بالإمام و تابعا له، فلا تصير صلاته جماعة إلا بتحقق القدوة و الايتمام فما هو المعتبر هو تحقق القدوة و الايتمام في صيرورة الصّلاة جماعة، غاية الأمر أنّه بعد كون الاقتداء من العناوين القصدية لعدم تحققه في الخارج إلا بالقصد، مثل سائر العناوين القصدية الّتي لا يصير الخارج منطبق عنوانها الا بالقصد، لا بدّ في تحقق عنوانه من قصده، فقصد الاقتداء لا موضوعية له أصلا، و لا دخل له في صلاة الجماعة إلا من حيث دخل أمر اخر فيها، و هو الاقتداء و الايتمام، فوجود القصد يكون

مؤثرا من باب تحقق عنوان الاقتداء به، لا من باب موضوعية نفسه، فصدق الجماعة على صلاة يتوقف على تحقق الاقتداء و الايتمام، فإن كان الايتمام محققا فتكون الصّلاة جماعة و إلّا فلا، فلو قصد الشخص الاقتداء من أول الصّلاة إلى اخرها و استمر هذا القصد تصير الصّلاة جماعة، لكن لا من باب أنّه قصد الاقتداء من أول الصّلاة، بل من باب تحقق الاقتداء، و أمّا لو قصد الاقتداء في أول الصّلاة و في الأثناء عدل من هذه النية إلى نية الفرادى، فلم يتحقّق عنوان الاقتداء في مجموع الصّلاة و إن قصد ذلك في أولها، لأنّ تحقّق هذا العنوان موقوف على بقاء هذا القصد إلى الآخر و لو بنحو الاستدامة الحكمية.

فعرفت ممّا قلنا أن مجرد قصد الاقتداء و لو لم يبق هذا القصد لا يكفى في صيرورة تمام الصّلاة متصفة بالجماعة، بل لا بدّ من بقاء القصد إلى الآخر حتّى في مجموع الصّلاة عنوان الاقتداء المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جماعة، و إذا لم يتحقق عنوان الاقتداء في مجموع الصّلاة، بل بقى في بعض الصّلاة في صورة العدول إلى الفرادى في الاثناء، فصيرورة الصّلاة جماعة في مقدارها الّذي كان مع قصد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 29

الاقتداء حتّى تشملها الإطلاقات، و عدم صيرورتها جماعة حتّى لا تشملها الاطلاقات متفرع على ما قلنا من أن الجماعة وصف لخصوص مجموع الصّلاة، أو وصف لأبعاض الصّلاة، فان كان الأوّل فلا تصح قصد الفرادى، و لا تشمل الإطلاقات هذه الصّلاة، و إن كان الثانى تشملها الإطلاقات الواردة في الجماعة.

[في أن التفصيل لا وجه له]

فظهر لك أن التفصيل لا وجه له، لأنّه إن صارت الجماعة قابلة لأن تصير وصفا لأبعاض الصّلاة، فلا فرق بين كون

نية المصلّى من أول الصّلاة العدول من الجماعة إلى الفرادى أو يبدو له ذلك في الأثناء، و إن لم يكن كذلك، بل كانت الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا يجوز قصد الانفراد سواء كان ذلك من نيّته من أوّل الصّلاة أو يبدو له في الأثناء، فيدور هذا النزاع أى جواز العدول و عدمه مدار كون الجماعة وصفا للأبعاض أو لمجموع الصّلاة. «1»

[وجوه التمسك بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

اذا عرفت ذلك نقول: قد يتمسّك بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى بوجوه:

______________________________

(1)- (أقول: اعلم أنّه ليس في الجماعة إطلاقات يمكن التشبث بها في مقام الشّك في دخل قيد و عدمه، حتّى يقال: بأن في صورة كون المصلّى قاصدا للفرادى من أول الصّلاة لا تشملها الإطلاقات و إن يبدو له ذلك في الأثناء تشملها الإطلاقات، لأنّ الإطلاقات الواردة ليست إلا في مقام بيان الثواب على الجماعة لا في مقام بيان هذه الجهات، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ما روى في طرق العامة (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به الخ) لا يكون إلا في مقام بيان لزوم الايتمام به في ما يأتم به و لا يكون في مقام بيان أنّه هل يعتبر كون الايتمام في تمام الصّلاة أو يكفى في البعض، مضافا إلى أنّه إن كان فيه إطلاق من هذا الحيث، فلا فرق بين كون نية الفرادى من الأوّل أو يبدو له في الاثناء، مع أنّه يمكن دعوى دلالته على عدم جواز نقل نية الفرادى، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به) بدعوى دلالته على كون لازم الجماعة بحسب وضعه في الشرع أن يؤتم المأموم بالإمام في الصّلاة لا في أبعاضها فتأمّل)

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 30

الوجه الأوّل [لجواز العدول من الجماعة الى الفرادى]
الآية الشريفة الواردة في صلاة الخوف

، و هى قوله تعالى:

وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وٰاحِدَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كٰانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْكٰافِرِينَ عَذٰاباً مُهِيناً «1»

[في ذكر الروايات فى الباب]

اذا ضمّت هذه الآية الشريفة مع الروايات الواردة في صلاة الخوف و ما نقل من قضية غزوة ذات الرقاع الّتي نذكرها.

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام (إنّه قال: صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأصحابه في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق اصحابه فرقتين، فأقام فرقه بإزاء العدو، و فرقة خلفه، فكبر و كبروا، فقرأ و انصتوا، و ركع و ركعوا، فسجد و سجدوا، ثمّ استمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قائما و صلّوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلم بعضهم على بعض، ثمّ خرجوا إلى أصحابهم، فأقاموا بإزاء العدو، و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه فكبر و كبروا و قرء فانصتوا، و ركع فركعوا، و سجد فسجدوا، ثمّ جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فتشهد ثمّ سلّم عليهم، فقاموا ثمّ قضوا لأنفسهم ركعة ثمّ سلم بعضهم على بعض، و قد قال اللّه لنبيه: فإذا كنت فيهم فأقمت لهم فلتقم طائفة منهم معك، و ذكر الآية، فهذه صلاة الخوف الّتي أمر اللّه بها نبيه، و قال: من صلّى المغرب في خوف بالقوم صلّى

بالطائفة الأولى ركعة، و بالطائفة الثانية

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 102.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 31

ركعتين). «1»

و منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (إنّه قال: إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فيصلى بفرقة ركعتين، ثمّ جلس بهم، ثمّ أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلى ركعة، ثمّ سلموا فقاموا مقام أصحابهم و جاءت الطائفة الاخرى، فكبروا و دخلوا في الصّلاة و قام الإمام، فصلى بهم ركعة، ثمّ سلم، ثمّ قام كل رجل منهم فصلى ركعة، فشفعها بالتى صلّى مع الإمام، ثمّ قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت الإمام ثلاث ركعات، و للاولين ركعتان في جماعة و للآخرين واحدة فصار للاولين التكبير و افتتاح الصّلاة، و للاخرين التسليم). «2»

و منها ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا حضرت الصّلاة في الخوف فرّقهم فرقتين الإمام، فرقة مقبلة على عدوهم، و فرقه خلفه كما قال اللّه تعالى، فيكبر بهم، ثمّ يصلى بهم ركعة، ثمّ يقوم بعد ما يرفع رأسه من السجود فيمثل قائما، و يقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلى كل انسان منهم لنفسه ركعة، ثمّ يسلم بعضهم على بعض، ثمّ يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم، و يجي ء الآخرون و الإمام قائم، فيكبرون و يدخلون في الصّلاة خلفه، فيصلى بهم ركعة، ثمّ يسلم، فيكون للاولين استفتاح الصّلاة بالتكبير، و للآخرين التسليم من الإمام، فإذا سلم قام كل إنسان من الطائفة الاخيرة فيصلى لنفسه ركعة واحدة، فتمت للإمام ركعتان و لكل انسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة و الاخرى

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من

الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 32

واحدانا). «1»

بدعوى دلالة الآية الشريفة و الأخبار المذكورة على كون صلاة الطائفة الأولى و الثانية في ركعة جماعة و في ركعة فرادى، فيستفاد من هذه الكيفية في صلاة الجماعة حال الخوف، جواز كون بعض الصّلاة جماعة و بعضها فرادى، و نقل النية من الجماعة إلى الفرادى، لأنّ الطائفة الأولى في الركعة الثانية يتمون صلاتهم فرادى، و كذلك الطائفة الثانية.

هذا وجه الاستدلال بهذه الأخبار على جواز نقل نية الجماعة بالفرادى.

[في نقل الروايات الدالّة على بقاء الجماعة]

أقول إن الأخبار الواردة في صلاة الخوف مختلفة لسانا، فبعضها يكون ظاهرا في ما ذكر، أى: في صيرورة صلاة المأمومين من الطائفة الأولى و الطائفة الثانية في الركعة الثانية من صلاتهما فرادى، و لكن لسان بعضها ربما لا يساعد ذلك، بل يدلّ على بقاء الجماعة لكل من الطائفتين في كل من ركعتى صلاتهما، فنذكرها مزيدا للفائدة.

منها ما رواها حماد عن الحلبى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الخوف.

قال: يقوم الإمام و يجي ء طائفة من أصحابه، فيقومون خلفه و طائفة بإزاء العدو، فيصلى بهم الإمام ركعة، ثمّ يقوم و يقومون معه فيمثل قائما، و يصلون هم الركعة الثانية، ثمّ يسلم بعضهم على بعض، ثمّ ينصرفون فيقومون في مقام اصحابهم و يجي ء الآخرون، فيقومون خلف الإمام، فيصلى بهم الركعة الثانية، ثمّ يجلس الإمام فيقومون هم، فيصلّون ركعة اخرى، ثمّ يسلم عليهم، فينصرفون بتسليمه. قال: و في

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 33

المغرب مثل ذلك يقوم الإمام و طائفة فيقومون خلفه، ثمّ يصلى بهم ركعة، ثمّ يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و

يصلون الركعتين، فيتشهدون و يسلم بعضهم على بعض، ثمّ ينصرفون فيقومون في موقف اصحابهم و يجي ء الآخرون و يقومون في موقوف اصحابهم خلف الإمام، فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها، ثمّ يجلس فيتشهد، يقوم و يقومون معه، و يصلى بهم ركعة اخرى، ثمّ يجلس و يقومون هم فيتمون ركعة اخرى، ثمّ يسلّم عليهم). «1»

و منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن صلاة الخوف كيف هى؟ فقال: يقوم الإمام فيصلى ببعض أصحابه ركعة، و يقوم في الثانية و يقوم أصحابه و يصلّون الثانية، و يخففون و ينصرفون، و يأتي أصحابهم الباقون، فيصلون معه الثانية، فاذا قعد في التشهّد قاموا فصلّوا الثانية لانفسهم، ثمّ يقاعدون فيتشهدون معه، ثمّ يسلّم و ينصرفون معه). «2»

[فى الروايتين احتمالان]
اشارة

و يحتمل فى الروايتين احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

هو أنّ كلا من الطائفتين تكون صلاتهم من أولها إلى اخرها جماعة، و الشاهد عليه قوله في الرواية الأولى بالنسبة إلى الطائفة الثانية (فينصرفون بتسليمه) و كذلك قوله عليه السّلام في ذيلها (فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها، يجلس فيتشهد، ثمّ يقوم و يقومون معه، و يصلى بهم ركعة اخرى، ثمّ يجلس و يقومون هم فيتمون ركعة اخرى، ثمّ يسلم عليهم) و في الرواية الثانية (ثمّ يقاعدون فيتشهدون

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 34

إن قلت إن صلاة الطائفة الأولى من المأمومين صار في الركعة الثانية فرادى كما هو مقتضى ظاهر الرواية.

قلت: لا ظهور للروايتين في ذلك، بل غاية ما تدلان عليه هو أن الطائفة الأولى من المأمومين في صلاة الخوف بعد ما اقتدى بالإمام فيصلون الركعة الأولى متابعا للإمام في الافعال، و في الركعة الثانية يمثل الإمام قائما و المأمومون يتمون صلاتهم، و يسلم بعضهم على بعض و يذهبون و يجيئون الطائفة الثانية، فعلى الفرض يكون الإمام في الصّلاة بعد، فكما أن المحتمل كون تقديمهم الركعة الباقية من صلاتهم بعنوان الفرادى، يحتمل كونهم باقين في الجماعة و مقتدين بالامام إلى اخر صلاتهم، غاية الأمر سوغ تقديم الأفعال للمأمومين على إمامهم في الجماعة في مورد صلاة الخوف. «1»

الاحتمال الثاني:

كون مفاد هاتين الروايتين، مثل ما يقابلها من الروايات، و هو جواز التبعيض في الاقتداء و الجماعة في الصّلاة، بمعنى كون مفاد هما هو أن ركعة من صلاة كل من الطائفتين في صلاة الخوف تكون فرادى، لأنّ بالنسبة إلى الطائفة الأولى قال في الرواية الاولى من الروايتين

(يسلم بعضهم على بعض) فالظاهر من الروايتين كون صلاتهم بالنسبة إلى الركعة الثانية فرادى، و أمّا بالنسبة إلى الطائفة الثانية و إن تدلّ هاتان الروايتان على أن الإمام يصبروهم ينصرفون معه، لكن هذا لا يدل على بقاء الجماعة حقيقة (بعد كون هذه الصّلاة بهذه الكيفية من

______________________________

(1)- (و أقول: الشاهد على بقاء الطائفة الأولى في الجماعة إلى اخر صلاتهم هو حفظ قدوة الطائفة الثانية ببقاء الإمام جالسا إلى أن تأتي الطائفة الثانية، بالركعة الثانية، و ينصرفون مع الإمام فان كان قصد الانفراد غير مضر لا حاجة إلى ذلك) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 35

فالظاهر من الروايتين كون صلاتهم بالنسبة إلى الركعة الثانية فرادى، و أمّا بالنسبة إلى الطائفة الثانية و إن تدلّ هاتان الروايتان على أن الإمام يصبروهم ينصرفون معه، لكن هذا لا يدل على بقاء الجماعة حقيقة (بعد كون هذه الصّلاة بهذه الكيفية من أن يأتي المأموم ركعة بنفسه بدون كونه في ذلك متابعا للإمام خلاف المرتكز من الجماعة)، بل يمكن أن يكون صبر الإمام إلى أن يتمّ المامومون صلاتهم لأجل حفظ صورة الجماعة، لا أن تكون جماعة حقيقة، فعلى هذا يكون مفاد هاتين الروايتين أيضا جواز قصد الانفراد و قابلية وقوع الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، و لا ظهور للرواية في كون الجماعة باقية للطائفة الثانية حقيقة.

إذا عرفت ذلك نقول إن كان مفاد الروايتين هو الاحتمال الأوّل فتعارضتا بمفاد هما للطائفة الأولى من الروايات، لأنّ مفاد الأولى صيرورة صلاة كل من الطائفتين من المأمومين فرادى في الركعة الثانية، و الثانية دالة على بقاء الجماعة و عدم صيرورة صلاتهم فرادى.

و إن كان مفادها هو الاحتمال الثانى، فلا يكون مفادهما مخالفا مع مفاد الطائفة

الأولى من الروايات فلا تعارض بينهما.

فنقول بعد ذلك بأنا نجيب أولا من الأخبار الواردة في صلاة الخوف، أعنى:

الطائفة الأولى من الروايات المتمسك بها على جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى بأن في الباب بعض الأخبار الدالة على خلافها بناء على حمل الروايتين على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين.

و ثانيا بأنّه لو فرض دلالة هذه الأخبار على جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى، و عدم وجود ما يعارضها في الأخبار الواردة في صلاة الخوف.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 36

نقول: إن تجويز نقل نية الجماعة إلى الفرادى في صلاة الخوف يكون لأجل الضرورة، لأنّه لا يمكن للمسلمين في حال الخوف إتيان صلاة بتمامها في جماعة، فجوز لهم الجماعة بهذا النحو، يكون بعضها جماعة و بعضها فرادى في مورد الخوف، و هذا مورد الاضطرار، فجوز لهم ذلك حتّى يدركوا بعض مراتب فضيلة الجماعة في هذا الحال بهذا النحو.

فلو فرض أن يتعدى إلى غير هذا المورد فقدر المتقين هو صورة الاضطرار بدعوى الغاء الخصوصية، و عدم خصوصية لخصوص الاضطرار الحاصل من الخوف، بل يجرى في كل مورد اضطرارى.

[تكون النتيجة جواز العدول من الجماعة الى الفرادى]

فتكون النتيجة هى جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى في خصوص حال الاضطرار لا مطلقا كما هو مدعى المستدل فافهم. «1»

الوجه الثاني: [جواز تقديم التشهد و السّلام للمأموم]

بعض الأخبار الواردة في جواز تقديم التشهّد و السلام

______________________________

(1)- (أقول: بعد كون ظاهر الطائفة الأولى من الأخبار الواردة في صلاة الخوف هو صيرورة صلاة كل من طائفتى المأمومين في الركعة الثانية فرادى، و عدم كون الروايتين الأخيرتين ظاهرتين على خلاف ذلك، لكون المحتمل كون مفادهما أيضا موافقا للطائفة الأولى، فتكون النتيجة تجويز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى مطلقا سواء كان مضطرا في ذلك أم لا؟ و ما أفاده مد ظله العالى من أن مفاد هذه الأخبار جواز ذلك حال الضرورة فقط، لكون مورد الأخبار موردا للضرورة لأجل الخوف، غير تمام، لأنّ في حال الخوف لا تكون صلاة الجماعة واجبة، يكون تجويز الفرادى في بعض الصّلاة للضرورة لإمكان إتيانهم جميع صلاتهم فرادى، فان دل هذه الأخبار على تجويز قصد الفرادى، فتكون النتيجة جواز ذلك مطلقا لعدم خصوصية في صلاة الخوف و حال الخوف فتأمل و يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه تمام الكلام في الآية و الأخبار الشريفة الواردة في صلاة الخوف.) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 37

للمأموم:

منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّى خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهد، فيأخذ الرجل البول، أو يتخوف على شي ء يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يتشهّد هو و ينصرف، و يدع الامام). «1»

و منها ما رواها عبد اللّه بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد؟ قال: يسلم من خلفه و يمضي

لحاجته إن أحب). «2»

وجه الاستدلال هو تجويز الإمام عليه السّلام و السلام على المأموم قبل الإمام في صورة العذر، كما في الرواية الأولى و مطلقا كما في الثانية، و من المعلوم أن معنى تجويز ذلك تجويز قصد الانفراد لأنّ التقديم خلاف المتابعة و الاقتداء و الكون في الجماعة، فيكشف من ذلك صيرورة الصّلاة من هذا الحال فرادى، فيستفاد من الروايتين جواز قصد الفرادى.

و فيه أولا يكون ذلك في صورة العذر كما هو صريح الرواية الأولى، بل يمكن أن يقال في الثانية أيضا لعدم اطلاق ظاهر له يشمل غير صورة العذر و الاضطرار.

و ثانيا أن مجرد تجويز تقديم التشهّد و السلام لا يدلّ على صيرورة صلاة المأموم فرادى، لعدم ملازمة بينهما لأنّ القدر المتقين وجوب المتابعة في الأفعال، و أمّا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 64 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 64 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 38

في الأقوال فلا، فيكون المأموم في الجماعة ما لم ينصرف من صلاته و إن قدم تشهده و سلامه على الإمام، فلا يتمّ الاستدلال بما ورد في جواز تقديم المأموم و السلام على الإمام، فافهم.

الوجه الثالث:
اشارة

ما ورد في طرق العامة في قضية معاذ عن البنى صلّى اللّه عليه و آله و سلم المذكور في بعض جوامعهم، و نقله الصدوق رحمه اللّه مرسلا، و على الظاهر يكون نقله منهم لا من طرقنا، و هو هذا على ما نقله في الوسائل عن الصدوق رحمه اللّه (قال: و كان معاذ يؤمّ في مسجد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و يطيل القراءة و أنّه مرّ به رجل فافتح

سورة طويلة، فقرأ الرجل لنفسه و صلى، ثمّ ركب راحلته، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فبعث إلى معاذ فقال: يا معاذ إياك أن تكون فتانا، عليك بالشمس و ضحيها و ذواتها). «1»

و أمّا بالنقل الّذي في طرق العامة هكذا.

و هذه الرواية مع قطع النظر عن الإشكال فيها من حيث السند، لا دلالة لها على جواز قصد الانفراد إذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سلم جعل معاذ مورد العتاب من جهة قراءته سورة طويلة، و لا تعرض في المقدار المنقول من الرواية لما فعل الرجل من أنّه قصد الانفراد أو قطع صلاته و استأنفها، و أنّه على فرض قصده الانفراد هل صحت صلاته أم لا، فلا وجه للتمسك على جواز قصد الفرادى بهذه الرواية.

[في ذكر الامور الاربعة فى المقام]
اشارة

ثمّ إنّه يمكن أن يكون نظر القائلين بعدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى، إلى أحد الامور الاربعة:

الأوّل:

أن يكون نظر القائل إلى وجوب إتمام الصّلاة الّتي شرع فيها جماعة

______________________________

(1)- الرواية الّتي رواها فى الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 39

كما شرع، أو إلى حرمة قصد الفرادى، إلى الوجوب و الحرمة التكليفين.

الثاني:

أن يكون ناظرا إلى الحكم الوضعي و شرطية بقاء نية الجماعة، أو مانيعة قصد الانفراد للصّلاة و أنّه إذا فقد الشرط أو وجد المانع تبطل الجماعة و أصل الصّلاة بحيث لو وقعت صلاته على نحو عمل فيها بوظيفة المنفرد و لم يأت عملا مخالفا لوظيفة الفرادى تبطل الصّلاة مع ذلك.

الثالث:

أن يكون كلام القائل بعدم الجواز ناظرا إلى الحكم الوضعى أى فساد الصّلاة أيضا، لكن لا بالنسبة إلى الصّلاة و الجماعة كما هو المفروض من الاحتمال الثانى، بل يقال بأن قصد الانفراد يوجب فساد الجماعة فقط، إمّا لكون بقاء قصد الجماعة شرطا في تحقق الجماعة و صيرورة الصّلاة جماعة، و إما لكون قصد الفرادى مانعا لصيرورة الصّلاة جماعة.

و على هذا لو قصد الفرادى و كان قد عمل بوظيفة الفرادى في ما أتى قبل هذا القصد مثل ما إذا قصد الفرادى في الركعة الثالثة، و في الركعة الأولى و الثانية من صلاته قرء الفاتحة، و لم يزد ركوعا و لا سجودا للمتابعة، و غير ذلك من وظيفة الفرادى، فتفسد بقصد الفرادى الجماعة، و اثرها عدم ترتيب آثار الجماعة على هذه الصّلاة.

و أمّا لو لم يعمل بوظيفة الفرادى، مثل أنّه في المثال قصد الفرادى في الركعة الثالثة و لكن ترك قراءة الفاتحة في الاوّلتين، ففي هذا الفرض تفسد الصّلاة أيضا لأنّ صلاته على الفرض ما وقعت جماعة و ما وقعت فرادى، لإخلاله بما يعتبر فيهما فتبطل صلاته.

الرابع:

أن يكون قصد الفرادى كلا قصد، فلو قصد الفرادى في الأثناء لا يؤثر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 40

هذا القصد في جعل ما بقى من الصّلاة فرادى، و على الفرض لم يبق نية الجماعة، لأنّ مع قصده الفرادى لم تبق استدامة النية بالجماعة فتبطل الصّلاة، لأنها لا جماعة و لافرادى.

[الاستدلالات ترجع الى أحد الوجوه]

ثمّ اعلم أن الاستدلالات الّتي استدل بها على أحد طرفي المسألة يكون ناظرا إلى أحد هذه الوجوه.

فمن يتمسّك على الجواز بالأصل يمكن أن يكون نظره إلى عدم وجوب بقاء نية الجماعة، و لا حرمة قصد الفرادى تكليفا.

كما أن من يتمسّك على عدم الجواز بما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على ما في طرق العامة بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا الخ) يمكن أن يكون نظره إلى حرمة ترك المتابعة حرمة تكليفية في صلاة الجماعة.

كما أن من يتمسّك على الجواز بأن صلاة الجماعة لم تكن واجبة ابتداء فكذلك استدامة، يكون نظره إلى جواز رفع اليد عن الجماعة و قصد الفرادى تكليفا.

و من يتمسّك على الجواز بعدم كون بقاء القدوة شرطا و لا قصد الانفراد مانعا، يكون نظره إلى الوجه الثانى، أى: إلى احتمال شرطية بقاء نية الجماعة أو مانعية قصد الفرادى.

كما أن من يتمسّك على عدم الجواز بعدم مشروعية صلاة مركبة من الجماعة و الفرادى، يكون نظره إلى فساد هذه الصّلاة المركبة من الجماعة و الفرادى، و من يقول بفساد الصّلاة الّتي قصد الفرادى في أثنائها اذا عمل عملا ينافي وظيفة المنفرد، يكون نظره إلى بطلان الجماعة بقصد الفرادى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 41

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا

كون قصد الفرادى كلا قصد، فإن كان الغرض أن بهذا القصد لا تصير الصّلاة خارجة عن كونها صلاة الجماعة، بل باقية بحالها و لو قصد الفرادى، كلام فاسد، لأنّ صيرورة تمام الصّلاة جماعة موقوفة على استدامة نية الجماعة من أولها إلى اخرها، و مع هذا القصد لا تبقى استدامة الحكمية فلا تصير ما بعد قصد الفرادى من الصّلاة متصفا بالجماعة، إنما الكلام في أن ما أتى من الصّلاة بقصد الجماعة قبل أن يعدل إلى الفرادى، هل تتصف بالجماعة حتّى تكون الصّلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى أولا؟

و أمّا التمسك باصالة الإباحة على الجواز فنقول: لا إشكال في عدم وجوب الجماعة استدامة، كما لا تجب ابتداء بالوجوب التكليفى، و لا دليل على حرمة قصد الانفراد بالحرمة التكليفية.

و أمّا كون بقاء القدوة شرطا أو قصد الفرادى مانعا للجماعة فقط، أو للجماعة و لأصل الصّلاة كليهما، أو عدم كونها شرطا أو مانعا، فلا دليل على أحد طرفيها، لا على اعتبار بقاء القدوة أو مانعية قصد الانفراد و لا على عدمهما إلا ما ذكرنا من أنّه لو قلنا بكون الجماعة و القدوة وصفا لمجموع الصّلاة، فيكون بقاء ذلك دخيلا في اتصاف الصّلاة بالجماعة على احتمال، و في صحة أصل الصّلاة على احتمال يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه من أنّه هل يكون قصد الفرادى على تقدير مضريته، مضرّا بالجماعة أى: تبطل الجماعة فقط، أو تبطل الصّلاة أيضا.

و إن كانت الجماعة وصفا للأبعاض فلا يكون بقاء الجماعة إلى الآخر بقصدها دخيلا في صدق الجماعة على الصّلاة، بل في كل جزء من أجزاء الصّلاة إذا كان المصلى قاصدا للجماعة، فصلاته بالنسبة إلى هذا المقدار تكون جماعة، و يترتب على

تبيان الصلاة،

ج 8، ص: 42

هذا المقدار آثار الجماعة و لو لم يكن المصلّى في ما بقى من صلاته ناويا للجماعة.

إذا بلغ الأمر إلى هذا نقول: أمّا من بنى جواز قصد الفرادى و عدمه على كون الجماعة و الفرادى حقيقة واحدة فيجوز، أو كونهما حقيقتين فلا يجوز.

فنقول: أولا بأنهما ليستا حقيقتان، لا من باب كونهما في حدّ ذاتهما مع قطع النظر عن احتياجهما إلى القصد حقيقتان، كما يكون الأمر كذلك في الظهر و العصر، و لهذا لا يجوز العدول من العصر إلى الظهر بمقتضى القاعدة، و التزامنا بجواز العدول في أثناء العصر إلى الظهر يكون بمقتضى دليل خاص وارد فيه.

و لا من باب كونهما حقيقتين من باب احتياجهما إلى القصد حيث إنّه كما قلنا سابقا ليس الفرادى محتاجا إلى القصد، بل خصوص الجماعة يحتاج إلى القصد.

و ثانيا إنّه على فرض كونهما حقيقة واحدة كما هو الأقوى للنزاع في جواز قصد الفرادى و عدمه مجال، أو كما قلنا إن كانت الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة لا يجوز قصد الفرادى و ان كانت الجماعة و الفرادى فردين من حقيقة واحدة، كما أنّه لو كانت الجماعة قابلة لكونها وصفا لأبعاض الصّلاة، تصح قصد الفرادى و ان كانت هى و الفرادى حقيقتين.

[العدول فى الظهرين غير عدول مورد الكلام في المقام]

ثمّ اعلم أن العدول الّذي يقال في الظهرين من عدم جواز العدول من العصر إلى الظهر على القاعدة و جوازه من العصر إلى الظهر بمقتضى الدليل، غير العدول الّذي يكون مورد الكلام في المقام من أنّه هل يجوز العدول من الجماعة إلى الفرادى أم لا.

لأنّ في الأوّل أى: في الظهرين بعد العدول يصير ما تقدم من أجزاء قبل العدول مصداقا للمعدول إليه و إن أتاها بقصد المعدول عنه، فلو تذكر

في الركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 43

الثانية من العصر مثلا عدم إتيان الظهر فبالعدول إلى الظهر تصير الركعة الأولى الواقعة بقصد العصر ظهرا أيضا، و هذا بخلاف العدول في المقام، فإنه لو جوزنا العدول فبعد قصد الانفراد لا يكون ما وقع قبل هذا القصد من أجزاء الصّلاة منطبق عنوان صلاة الفرادى، بل يكون ما أتى قبل العدول من الصّلاة متصفا بالجماعة، و ما يقع من الصّلاة بعد قصد الفرادى يصير متصفا بالفرادى.

ففي العدول من العصر إلى الظهر بعد العدول، يتصف تمام الصّلاة بالظهرية، و في المقام بعد العدول بالفرادى لا ينقلب ما وقع قبل ذلك عما وقع عليه، بل بعض الصّلاة متصف بالجماعة، و بعضها بالفرادى، فتنظير العدول في المقام بالعدول في العصر إلى الظهر، أو من العشاء إلى المغرب في غير محله.

ثمّ بعد ما عرفت تمام جهات المسألة نقول بعونه تعالى: بأنّه بعد كون تمام الملاك في جواز قصد الفرادى و عدمه هو كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة أو كونها وصفا لمجموع الصّلاة، فلا بدّ في اختيار الجواز و عدمه من فهم أن الجماعة وصفا للأبعاض أو للمجموع.

[في انّ الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى مشروعة في الجملة]

اعلم أن الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى مشروعة في الجملة، و هذا على أن الجماعة في الجملة ممّا يكون قابلا لصيرورته وصفا لأبعاض الصّلاة، و لا يلزم في تحقق الجماعة كون الصّلاة بتمامها جماعة، مثل صلاة المأموم المسبوق، فإن الشخص إذا دخل في الجماعة في غير الركعة الأولى من الإمام، فاذا تمت صلاة الإمام فما يبقى من صلاة المأموم يصير فرادى قهرا، و مثل صلاة الحاضر المقتدى بالمسافر فإن صلاته في الركعتين الأخيرتين تصير فرادى، و مثل من يقتدى الصّلاة الثلاثية أو الرباعية بالثنائية،

مثلا يقتدى في صلاة قضاء المغرب أو الظهر أو العصر أو العشاء

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 44

بصلوة غداة الإمام أو يقتدى العشاء بالمغرب، ففي كل هذه الموارد تصير صلاة المأموم بعضها جماعة و بعضها فرادى، و وجود الصّلاة المبعّضة من الجماعة و الفرادى في الجملة كما في هذه الموارد، تدلّ على أن الجماعة قابلة لصيرورتها وصفا لأبعاض الصّلاة في الجملة.

[في البحث فى الآية و الأخبار الواردة فى صلاة الخوف]
اشارة

و أمّا الآية الشريفة الواردة في صلاة الخوف و بعض الروايات الواردة في صلاة الخوف، فهل يمكن أن يقال بدلالتها على كون الجماعة وصفا لأبعاض مطلقا حتّى في غير صورة العذر أو لا؟

أقول: أمّا الآية فكما أشرنا سابقا لا تدلّ بنفسها على أن صلاة المأمومين ركعة كما توهمه العامة، أو ركعتين كما هو الحق عندنا، حتّى يقال بأن الآية تدلّ عل كون صلاة الطائفتين من المأمومين تكون في الركعة الثانية فرادى.

و أمّا الأخبار فكما قلنا سابقا دلالة بعضها على صيرورة الركعة الثانية من صلاة كل من الطائفتين فرادى في صلاة الخوف، ممّا لا إشكال فيه، فدلالة هذا القسم من الأخبار على جواز التبعيض في الصّلاة، بجعل بعضها جماعة و بعضها فرادى، في الجملة واضحة، فتدل على صيرورة الجماعة في مورد الأخبار وصفا لأبعاض الصّلاة، و استفادة جواز ذلك أى: قصد الفرادى في غير صلاة الخوف من الأخبار الواردة في الباب، يمكن أن يكون بأحد النحوين:

النحو الأوّل:

أن يقال: بأن في مورد صلاة الخوف و إن شرعت هذه بهذه الكيفية لأجل الخوف، لكن بناء على عدم وجوب الجماعة فيها فلا ضرورة في إتيان صلاة الخوف ركعتين باتيان ركعة منها في الجماعة و ركعة اخرى منها فرادى، فلا وجه لأن يقال: بأن الحكم أى: التبعيض في الصّلاة بين الجماعة و الفرادى في مورد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 45

صلاة الخوف، يكون من باب الضرورة، فلا يمكن التعدى من المورد إلى غيره، بل على ما قلنا لا ضرورة في الجماعة على هذا النحو، فتدل الأخبار الواردة في صلاة الخوف على جواز قصد الفرادى مطلقا اضطرارا و اختيارا.

و فيه أن من تأمل في وضع تشريع صلاة الجماعة و أهميتها بنظر

الشرع، و التأكيدات الراجعة إليها و أنّه في الصدر الأوّل ما كان يرى إلا الصّلاة في الجماعة، و ما كان العمل الا على الحضور في الجماعات، و لذا لو تخلف أحد عن الحضور صار مورد العتاب، حتّى أن في بعض الأخبار ما يدلّ على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: بأن من لم يحضر الجماعة امر أن يحرق بيته، بل و في بعضها أمر عليا عليه السّلام أن يحرق بيوتهم.

عرف انّ هذا كله دليل على عظم شان صلاة الجماعة في نظر الشارع و المسلمين، حتّى أن العامة، كما في بعض كتبهم مثل ابن رشد في بداية النهاية قسم الموضوعات بثلاثة واجب و سنة و مستحب، و صلاة الجماعة من السنة، و هذا من باب عدم كونها كالمستحبات في نظرهم، بل هى برزخ بين الواجب و المستحب.

و من حيث إن صلاة الجماعة بهذه المرتبة من الأهمية في نظر الشرع فلا يرضى رفع اليد عنها حتّى في موارد الضرورات و طروّ الأعذار (كما ترى في جماعة العراة) و ترى أن في مورد الخوف من العدو، و إن لم تكن الجماعة واجبة، و لكن مع ذلك أهميتها تقتضى تشريعها حتّى في هذا الحال.

غاية الأمر بعد ملاحظة أهمية الجماعة، و أهمية الخوف و الحفظ من العدوّ، فشرع في حال الخوف جماعة بهذه الكيفيّة خصوصا مع أنّه حيث يكون أحد مصالح تشريع الجماعة و حكمتها، هو ظهور جماعة المسلمين و كثرة جمعيتهم و جماعتهم و واحدتهم، فهو في قبال العدو ألزم، خصوصا لو بنى على أن المسلمين حال الخوف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 46

يصلون صلاتهم فرادى فيخرب نظم صفوف المعركة، و ربما ينجر إلى

مغلوبيتهم، فلأجل هذه المصالح شرعت الجماعة في هذا الحال أيضا.

فيظهر لك ان الجماعة في صلاة الخوف، و إن كانت مستحبة و لكن هذا لا ينافى مع كون الضرورة مسوّغة لجعل الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، فلا يمكن التعدى من المورد أى: مورد الخوف إلى غيره، فقدر المتقين من الأخبار هو تجويز قصد الفرادى حال الخوف و الضرورة، و أمّا في غير حال الضرورة فلا دلالة لهذه الأخبار على جواز قصد الفرادى.

النحو الثاني:

و هو ما يأتي بالنظر هو أن يقال: بأن المستفاد من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف، هو اتصاف صلاة الإمام و المامومين بالجماعة في المقدار الّذي يكونون في جماعة، كما يظهر ذلك من التعبير بجملة (أقمت لهم الصّلاة) في الآية الشريفة و التعبيرات المتعددة في أخبار الباب الدالة على صيرورة الصّلاة بالاقتداء في بعضها جماعة.

فمن هنا نكشف أن الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة، و إلّا لا معنى لكون صلاتهم في ركعة في جماعة، و يترتب عليها آثار الجماعة، فيثبت بذلك أن الجماعة كما تصير وصفا لمجموع الصّلاة، كذلك تصير وصفا لأبعاض الصّلاة.

و بعد قابلية اتصاف الصّلاة بصيرورة بعضها فرادى و بعضها جماعة، فيثبت أن قصد الفرادى جائز، لأنّ تمام الملاك في جوازه هو قابلية الجماعة لكونها وصفا للصّلاة و من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 47

يستفاد ذلك. «1»

______________________________

(1)- (أقول: قلت في مجلس البحث بحضرته مد ظله العالى: بأنّه كما أمضيت الكلام فيه سابقا في مقام بيان محل الكلام في جواز قصد الفرادى و عدمه، لا يكون مورد الكلام أنّه هل يوجد في الشرع صلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى لوجود ذلك

في الشرع كما ذكر من صلاة مأموم المسبوق و غيره و ليس محل الكلام أيضا صورة اضطرار المأموم بجعل صلاته فرادى مثل ما إذا قطع اتصاله في الأثناء أو في صورة طروّ عارض للامام، أو في صورة الخوف كما فرض في صلاة الخوف.

و الحاصل أنّه ليس محل الكلام ما إذا لم يتمكن المأموم من حفظ الاقتداء و التبعية للامام إمّا لفقد الإمام، أو لتمامية صلاته، فان في هذه الصور لا إشكال في جواز قصد الفرادى و صحة الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى.

إنما الإشكال و مورد الكلام هو في ما يتمكن المأموم من بقاء الاقتداء و التبعية إلى اخر الصّلاة لوجود إمام يأتم به، ففي هذه الصورة هل يجوز قصد الفرادى في الأثناء اذا كان من أول الصّلاة قاصدا له، أو في أثنائها، أولا يجوز ذلك؟

فبناء عليه أقول: بأن ما أفاده مد ظله العالى في وجه جواز قصد الفرادى مطلقا حتّى في حال الاختيار من استظهار ذلك من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف من إطلاق الجماعة و ترتيب آثارها على الصّلاة الّتي يصلون حال الخوف، مع كون بعض صلاتهم فرادى، غير تمام، لأنّ في مورد يكون التكليف هو إتيان صلاة الخوف، يكون المأموم- كما أفاده في بطلان الاستدلال على جواز قصد الفرادى بالأخبار الواردة في صلاة الخوف بالنحو الأوّل- مضطرا و المورد مورد الاضطرار، فجواز قصد الفرادى، و فرض صيرورة الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، و قابلية الجماعة لأن تكون وصفا لابعاض الصّلاة فى هذا المورد، لا يوجب جواز ذلك مطلقا حتّى في غير حال الاضطرار، و بعد ما قلت ذلك كأنه استرضاه في يوم اللاحق و لم يقل

شيئا.

و لكن بعد عدم تمامية هذا الوجه أى النحو الثانى للاستدلال على جواز قصد الفرادى أقول:

بأنه بناء على صيرورة صلاة الطائفة الأولى من الطائفتين في صلاة الخوف في الركعة الثانية

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 48

ثمّ إن ثبت جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى أو عدمه بالدليل فهو، و لو لم يثبت ذلك و شككنا في جواز ذلك و عدمه.

فتارة يقع الشّك في الجواز التكليفى و عدمه، بمعنى أنّه هل يجوز قصد الفرادى بالإباحة التكليفية، أو يحرم ذلك بالحرمة التكليفية، ففي هذا المقام يكون مقتضى الأصل الجواز، لأنّ مقتضى أصالة الإباحة ذلك.

______________________________

فرادى، و عدم وجوب صلاة الجماعة حال الخوف، فبالنحو الأوّل يتم الاستدلال ببعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف على جواز قصد الفرادى مطلقا، لعدم كون ضرورة على قصد الفرادى، لأنّ الفرض عدم وجوب صلاة الجماعة عليهم حال الخوف، بل لهم أن يصلّوا فرادى، فمع تمكنهم من إتيان الصّلاة فرادى جوز لهم الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى، فهذا دليل على قابلية اتصاف أبعاض الصّلاة بالجماعة حال الاختيار.

و ما أفاده مد ظله العالى من أنّ أهمية الجماعة تقتضى عدم رفع إليه عنها حتّى حال الخوف و إن كانت مستحبة بحسب تشريعه، و بعد مطلوبية الجماعة يكون قصد الفرادى من باب الضرورة، غير تمام، إذ بعد كون الجماعة مستحبا و لو كانت من المستحبات الأكيدة، فلا اضطرار على الصّلاة في الجماعة حتّى يكون الفرادى في الأثناء لأجل الضرورة من باب لزوم الذهاب تجاه العدو، حتّى يجيئون الطائفة الثانية و يصلون، بل كان الممكن لهم الصّلاة فرادى، فمن تجويز إتيان صلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى نفهم جواز قصد الفرادى و قابلية كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة

فتأمّل.

كما أنّه بعد فرض عدم ضرورة في مورد صلاة الخوف بالجماعة في بعض الصّلاة و الفرادى في بعضها كما عرفت، فيتم الاستدلال على جواز قصد الفرادى مطلقا حتّى حال الاختيار بالنحو الثانى الاذيّ أفاده مد ظله العالى من أن إطلاق الجماعة على صلاتهم، مع كون بعضها فرادى شاهد على قابلية اتصاف بعض الصّلاة بالجماعة، فيجوز قصد الفرادى.

و اعلم أن سيدنا و استادنا الاعظم مد ظله العالى تعرض لهذه المسألة في نية الصّلاة و كتبت تقريراته مد ظله العالى و تعرض هنا أيضا و قد أفاد في هذا المقام بعض فوائد لم يتعرضها سابقا) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 49

و تارة يقع الشّك في الجواز و عدمه وضعا بمعنى أنّه هل يكون بقاء الاقتداء و المتابعة ببقاء نيتها شرطا أم لا، أو هل يكون قصد الانفراد مانعا من موانع الصّلاة أم لا، فمقتضى أصالة البراءة هو عدم كون بقاء قصد الاقتداء و المتابعة شرطا و عدم كون قصد الفرادى مانعا، لأنّ ذلك من صغريات الشّك في الأقل و الأكثر أى: في الجزئية و الشرطية و المانعية للمأمور به، و قد بينا في الاصول أن الحق كون ذلك مجرى البراءة، فتكون النتيجة عدم فساد الصّلاة بقصد الفرادى، و صحة الصّلاة لو أتى بعضها جماعة و بعضها فرادى.

و نحن في السابق حينما كتبنا هذه المسألة، اخترنا جواز قصد الفرادى مطلقا، و لكن في حاشيتنا على العروة و رسائلنا انحصرنا الجواز بصورة الضرورة، و في غير الضرورة قلنا بأن الأحوط الترك، و فعلا مع ما بينا من الوجه للجواز مطلقا و ما هو مقتضى الأصل لو وصل الأمر إليه، و هو الجواز أيضا، نقول بالجواز و لكن مع ذلك

لانصرف النظر عن الاحتياط بالترك في غير حال الضرورة. «1»

______________________________

(1)- (أقول و لو بلغت النوبة بالشّك ففي صورة لم يخل المصلّى بوظيفة المنفرد في المقدار الّذي كان قاصدا للجماعة من صلاته، فصح ما أفاده مد ظله العالى من أن مقتضى الأصل عند الشك في مشروعية الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى هو البراءة، لأنّ الشّك في المشروعيّة و عدمها سبب عن كون بقاء الاقتداء من أول الصّلاة إلى اخرها شرطا، أو كون قصد الفرادى مانعا أم لا، و في الشّك في الشرطية و المانعية تجري أصالة البراءة، فتكون النتيجة مشروعية هذه الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى.

و أمّا في ما أخلّ المصلّى في المقدار الّذي يكون ناويا للجماعة من صلاته قبل أن يقصد الفرادى، مثل ما إذا قصد الفرادى في الركعة الثالثة و لم يقرأ القراءة في الأولتين من صلاته، فقد أخلّ بوظيفة المنفرد أو زاد ركوعا، أو سجودا للمتابعة في الأولتين، ففي هذه الصورة لو قصد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 50

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و الحمد للّه أولا و آخرا و الصّلاة و السلام على محمّد و آله.

______________________________

الفرادى و شككنا في مشروعية هذه الصّلاة و عدمها، فإجراء البراءة مشكل، لأنّ في هذه الصورة يكون الإطلاقات الدالة على أنّه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، أو ما يدل على بطلان الصّلاة بزيادة الركن محكمة، لأنّ إطلاقه يشمل كل صلاة خرجت منه صلاة الجماعة بالدليل و على الفرض في المقام يكون شاكا في كون هذه الصّلاة جماعة أم لا، فبحكم (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) أو (بطلان الصّلاة بزيادة ركن فيها) لا بدّ أن نقول بفساد الصّلاة، و مع وجود الدليل اللفظى أى: الإطلاق

لا تصل النوبة بالأصل العملى، و لهذا لا بدّ في صورة الشّك في جواز قصد الفرادى و عدمه من التفصيل بين صورة إخلال المأموم القاصد للفرادى بوظيفة المنفرد و عدمه، فتفسد الصّلاة في الأولى و تصح في الثانية) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 51

المطلب الثالث: في شرائط الإمام

اشارة

اعلم أنّه كما أشرنا سابقا يكون قوام صلاة الجماعة بإمام و مأموم، فلا بدّ من أن نتكلم فيمن يصلح لأن يكون إماما، و من لا يصلح لذلك.

[في ذكر القسمين اللّذين يتصوّران فى الباب]
اشارة

فنقول بعونه تعالى: إن المراجع بالأخبار الواردة عن أهل البيت عليه السّلام يرى أن طوائف من الناس لا يصلحون للإمامة إمّا بنحو الحرمة الوضعية و إمّا بنحو الكراهة، و هم على قسمين:

القسم الأوّل: من لا يجوز الاقتداء به

لعدم كونه من الطائفة الحقة الاثنا عشرية سواء كان كافرا أى: غير منتحل للاسلام، أو كان مقرا بالشهادتين، و لكن يكون من أحد الفرق الضالة، فمنهم من يشهد عليك بالكفر و تشهد عليه بالكفر، و منهم من يقول بان اللّه تعالى جسم، و منهم المجبرة و منهم من لا يؤمن بقدر اللّه، و منهم المخالف و منهم الناصب و منهم من يكون ممّن يتولى عليا عليه السّلام، و لكن يكون غاليا، و منهم من يتولى عليا و الائمة عليه السّلام و لكن لم يتبرأ من أعدائهم، و منهم الواقفة، و منهم المجهول، و منهم عن يقول بقول يونس، و منهم من يقول إنّ اللّه تعالى يكلف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 52

عباده ما لا يطاق، و منهم العثمانية.

و الحاصل من هذا القسم كل من لا يكون اثنا عشريا فإنه لا يصلح للإمامة، و لا يجوز الاقتداء به، و يدل عليه الأخبار، و كل هذه الطوائف منصوص أعنى: ورد النص على عدم جواز إمامتهم، فارجع بعض «1» الأبواب الراجعة إليها في أبواب الجماعة من الوسائل، و لا حاجة إلى ذكرها هنا.

القسم الثاني: هو بعض الطوائف الّتي يكره إما متهم

، أو لا يجوز الاقتداء بهم، مع كونهم مسلما مؤمنا شيعيا اثنا عشريا، أمّا من يكره إمامته منهم فهو المجذوم و المبروص، فإن بعض الأخبار و إن كان بظاهره دالا على عدم جواز الاقتداء بهم، لكن يحمل بقرينة ما يدلّ على الجواز على الكراهة، فارجع الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و العبد فقيل بكراهة اقتداء به، فإن بعض الروايات و إن كان يدلّ على عدم جواز إمامته إلا لمثله، لكن بقرينة بعض اخر من الأخبار يحمل على الكراهة، فارجع الباب 16 من أبواب

صلاة الجماعة من الوسائل.

و المتيمم فيجوز اقتداء المتوضى به على كراهية، فان مقتضى الجمع بين ما يدل على عدم الجواز و ما يدلّ على الجواز الحكم بكراهة الاقتداء به، فارجع الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و المسافر بالحاضر و الحاضر بالمسافر فإن من النهى في بعض الأخبار و الجواز في بعضها لا يستفاد إلّا الكراهة.

______________________________

(1)- راجع الباب 10 و 11 و 12 و 13 و 14 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 53

و المقيّد «1» لا يؤمّ المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحاء (و النهى ورد فيهما و ليس في الأخبار ما يدلّ على جواز الاقتداء بهما و لكن حمل النهى على الكراهة، فارجع الباب 22 من أبواب الجاعة من الوسائل.

و لا يؤمّ الأعمى لصاحب البصر على كراهية، لأنّ هذا تقتضى الجمع بين ما يدلّ على عدم الجواز و ما يدلّ على جوازه، فارجع الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و أمّا الذين لا يجوز الاقتداء بهم فهم طوائف: الأولى ولد الزنا، الثانية المجنون، الثالثة الصبى، الرابعة الاغلف مع تمكنه من الختان و لو خاف على نفسه فاستثنى من عدم جواز الاقتداء به الخامسة المتجاهر بالفسق، السادسة شارب الخمر و النبيذ، السابع عاق احد والديه، الثامنة الفاسق، التاسعة الفاجر، العاشرة من يقارف الذنوب، الحادية عشرة الأعرابى، و الظاهر أن المراد منه ليس مطلق من يكون أعرابيّا و إن كان عالما بالأحكام، بل المراد خصوص من لا يكون عارفا بالأحكام، لأنّ الأعرابى غالبا يكون كذلك، فلا وجه للتعميم، الثانية عشرة المرأة، لا إشكال في عدم جواز اقتداء الرجل بها، إنما الكلام في جواز إمامتها لمثلها و يأتي الكلام في

ذلك إن شاء اللّه.

اعلم أنّه لا يكون شرطية الإيمان و طهارة المولد و البلوغ، و العقل محل الكلام، إنّما المهم هو التعرض لشرطية العدالة، لانها صارت مورد الكلام من حيث مفهومه، و ما يعرف به العدالة، و إن كان في اشتراطها في الجملة عدم كلام عندنا خلافا لاكثر

______________________________

(1)- و المراد منه المحبوس.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 54

العامّة حيث إنهم ذهبوا إلى عدم شرطيتها في إمام الجماعة.

[شرطية العدالة في إمام الجماعة]
[في ذكر الاقوال فى معنى العدالة]
اشارة

فنقول بعونه تعالى إنّه يظهر من الكلمات أقوال ثلاثة في معنى العدالة:

القول الأوّل:

هو أن العدالة عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، كما يظهر ذلك من كلام الشيخ رحمه اللّه في كتاب الشهادة من الخلاف، «1» و استدل عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم، و بأن الاصل في الاسلام العدالة و الفسق خلاف الأصل، فيحتاج إلى الدليل، و بأنا نعلم أنّه ما كان البحث عن ذلك في أيام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لا في أيام الصحابة و لا أيام التابعين، و إنما هو شي ء أحدثه شريك بن عبد اللّه القاضى، و لو كان شرطا ما أجمع أهل الأعصار على تركه.

القول الثاني:

كونها عبارة عن حسن الظاهر.

القول الثالث:

هو كونها عبارة عن الملكة كما يظهر من نوع المتأخرين على اختلاف كلماتهم في هذا المعنى من أنها ملكة راسخة توجب الاجتناب عن المحرمات، أو الاجتناب عن ارتكاب الكبائر و عدم الاصرار على الصغائر، أو بزيادة ترك ما يكون فعله خلاف المروّة.

ثمّ اعلم أن العدالة لغة بمعنى الاستقامة، و الفسق عبارة عن الاعوجاج، فتختلف الاستقامة بالنسبة إلى الأشياء و الاستقامة في كل شي ء على حسبه، فالعدالة في الدين هو الاستقامة على جادته و طريقه.

ثمّ ان المعنيين الأوّليين في العدالة- أى: كونها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، أو كونها عبارة عن ذلك مع زيادة حسن الظاهر- غير مناسب

______________________________

(1)- الخلاف، ج 6، ص 218 و 217، مسئلة 10.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 55

لكونهما معنى العدالة الواقعية، اذ واقع العدالة ليس مجرد حسن الظاهر، أو مجرد ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، و إلّا فلا بدّ من الالتزام بأن من لا يكون في باطنه ما يبعثه على حسن الظاهر أو عدم ظهور الفسق، بل و من يعلم كون باطنه على خلاف ما يظهر و يحسن ظاهره، يكون عادلا، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك، و لا ندرى بأن من عرفها بأنّها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق كالشيخ رحمه اللّه و بعض اخر، أو عرّفها بذلك مع زيادة حسن الظاهر، يكون غرضه كون هذا هو العدالة الواقعية.

كما أن الالتزام بكون العدالة المعتبرة شرعا في مقام الشهادة، و صلاة الجماعة، و بعض امور اخر في نظر الشرع، تكون هى الملكة مشكل، إذ قلّ من يكون واجدا لهذه الملكة لو لم نقل بعدم وجوده حتّى عند المكملين من

الأولياء غير المعصومين عليه السّلام، فلازم اعتبار العدالة بهذه المعنى في هذه الامور، هو تعطيل هذه الامور، لعدم الوصول بتحصيل شرطه أى: العدالة إلا نادرا، فمن هذا ربما يستكشف مع عمومية البلوى بهذه الامور من الشهادة و الجماعة و غيرها، عدم كون هذا المعنى من العدالة معتبرة في هذه الامور.

[في انّ العدالة معتبرة شرعا في بعض الامور]

و على كل حال اعلم أن العدالة في الشرع تكون معتبرة في بعض الامور، و العمدة اعتبارها في مقام تحمل الشهادة، و هو مورد الطلاق، و في مقام أداء الشهادة عند القاضى، و في إمام الجماعة، و كما قلنا يظهر من بعض الفقهاء رحمه اللّه كونها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، و عن بعضهم كونها حسن الظاهر، و عن بعضهم كونها الملكة.

و الذين قالوا بكونها الملكة، تكون عبائر هم مختلفة من حيث أن اثر هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 56

الملكة هل هو الاجتناب عن خصوص الكبائر، أو مطلق المحرمات أو ترك الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، أو مضافا إلى ذلك ترك خلاف المروة.

[في ذكر بعض الاخبار المتعرضة لحقيقة العدالة]
اشارة

فلنذكر بعض الروايات الّتي ذكر انّها متعرضة لحقيقة العدالة، او لما هو أمارة لها، فنقول بعونه تعالى:

الأولى: الرواية المفصلة الّتي تعرضت لهذا الحيث
اشارة

أى: لبعض الجهات الراجعة إلى العدالة، و هى رواية عبد اللّه بن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و عدّ بحر العلوم رحمه اللّه في مصابيح الظلام هذه الرواية صحيحة، و قال صاحب مفتاح الكرامة رحمه اللّه بأنها ليست بصحيحة، و منشأ ما قال في مفتاح الكرامة هو أنّه لا يرى في الكتاب الرجالية أحمد بن يحيى.

و لكنّ الحقّ ما قاله بحر العلوم رحمه اللّه، لأنّه يكفى في رواية المفيد رحمه اللّه عنه و أخذ كتاب أبيه عنه بطريق السماع أو القراءة منه، مضافا إلى أن الصدوق رحمه اللّه قال في حقه في مقام نقل هذه الرواية عنه: (أحمد رضى اللّه عنه) و هذا شاهد على كونه موثوقا به عنده.

و أمّا ما يرى من عدم ذكر توثيق في حقه من أصحاب الرجال، فهو لأجل أن ما هو الأساس للرجال هو رجال الشيخ رحمه اللّه، و فهرست النجاشى رحمه اللّه، أمّا رجال الشيخ رحمه اللّه فما يرى من وضع كتابه لا يكون ما كتبه بصورة كتاب مدون فرغ عنه مؤلّفه، بل يكون نظير مسوّدة لأنّ يكون مصدرا للتاليف، و لهذا لا يذكر فيه إلا اسامى الأشخاص بدون ذكر توثيق أو قدح في حقهم، و لهذا لم يتعرض في ما كتب لتوثيق أحمد، كما لم يتعرض لتوثيق غيره، فترك تعرضه لتوثيقه لا يكون لأجل عدم كونه موثوقا به عنده، بل كان لأجل ما قلنا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 57

و أمّا النجاشى فحيث إن بناء النجاشى كان لذكر الرجال الّتي يكون لهم كتاب فقط لا لمطلق الروات، فعدم ذكر

عن أحمد في كتابه أيضا لا يكون دليلا على وجود قدح فيه، أو عدم وثاقته، بل يكون لأجل عدم كون كتاب له فلم يتعرّض لذكر أحمد لأنّ ذكره كان خلاف وضع كتابه.

فعلى هذا لا يكون ترك ذكر أحمد بن يحيى أو عدم توثيقه دليلا على عدم وثاقته فلا إشكال في الرواية من حيث ضعف السند.

[في ذكر رواية ابن ابى يعفور و هي العمدة]

إذا عرفت ذلك نذكر الرواية لما فيها من الفائدة، فنقول بعونه تعالى:

ان الرواية 1 من الباب 41 من أبواب الشهادات من الوسائل، تكون هذه الرواية.

و هى هذه: روى محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبد اللّه بن أبى يعفور و روى الشيخ رحمه اللّه بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن الحسن بن على عن أبيه عن على بن عقبة عن موسى بن أكيل النميرى عن ابن أبى يعفور (و بين نقل الصّدوق ره و الشيخ اختلاف نذكره إن شاء اللّه) (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال عليه السّلام: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الريا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من

تبيان

الصلاة، ج 8، ص: 58

المسلمين، و ألا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علّة (من جملة فاذا كان، يكون في نقل الصدوق إلى قوله و من يحفظ مواقيت) فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، و ذلك أن الصّلاة ستر و كفارة للذنوب و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصّلاة لكى يعرف من يصلى ممّن لا يصلى، و من يحفظ مواقيت الصّلاة ممّن يضيع، و لو لا ذلك لم يمكن احد أن يشهد على اخر بصلاح، لأنّ من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين (من هنا زيادة بنقل الصدوق) فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلى في بيته فلم يقبل منه ذلك، و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين (إلى هنا) ممّن جرى الحكم من اللّه عز و جل و من رسوله فيه الحرق في جوف بيته بالنار، و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين الا من علّة).

و زاد الشيخ رحمه اللّه و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا غيبة إلا لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و

وجب هجرانه، و إذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره، فإن حضر جماعة المسلمين و إلّا احرق عليه بيته، و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم. «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 59

[في ذكر مفاد رواية ابن ابى يعفور]

أمّا مفاد الرواية فنقول بعونه تعالى: الظاهر من الفقرة الأولى و هو قول السائل (بم تعرف عدالة الرجل) هو أن السائل كان في ارتكازه اعتبار العدالة في مقام الشهادة و يسأل عما يعرف به العدالة، فهذا ظاهر في أن العدالة حقيقة امر اخر و هو يسأل عما يعرف به هذا الأمر، فقهرا يكون جواب الإمام عليه السّلام عما يعرف به العدالة لا عما هو حقيقة العدالة.

و أمّا الفقرة الثانية اعنى قوله عليه السّلام (أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان) فالمراد من الستر هو الحياء كما في لسان العرب، و كذلك العفاف، فيكون المراد أن العادل هو الّذي تعرفوه بالحياء و العفة و كف البطن أى:

لا يملأ بطنه عن كل شي ء و له حالة الكف في بطنه و فرجه و يده و لسانه، فالمراد من هذه الفقرة هو أن العادل من لا يعمل عملا على خلاف ما تقتضيه وضعه و حاله عند الناس، بل يعرف بالحياء و العفاف و يكون كف بطنه و أخواته من باب عفته.

و يستفاد من التعبير بالكف هو ان عفافه و عدم إقدامه بما ينافي الحياء و العفاف لا يكون من باب مجرد تركه و لو كان هذا الترك من باب عدم تمكنه من عدم الإتيان بما ينافي العفاف، مثل من لم تصل يده إلى هذه الامور

و العمل.

بمشتهياتها، بل يكون بحسب وضعه و حاله متكففا عن هذه الأمور و إن وصلت يده بها، و لا يصدر عنه ما لا ينبغى بنظر العرف من باب وجود هذه الحالة فيه، فيكون حاصل هذه الفقرة هو أنّه لا يصدر منه خلاف المروة، و يمكن أن يكون منشأ ما ذهب بعض إلى اعتبار عدم صدور خلاف المروة في العدالة هذه الفقرة.

فلا يستفاد من هذه الفقرة إلا كون العادل مستحييا و متعففا عمّا لا يليق منه بنظر الناس من كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، فلا يكون المعصوم عليه السّلام في هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 60

الفقرة متعرضا إلا عما ينافي عرفا مع كون الشخص متصفا بالعدالة (و أمّا الفقرة الثالث و هو قوله عليه السّلام (و يعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الريا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك) فما يأتي بالنظر بعد التأمل، هو كون هذه الفقرة جزء المعرّف بمعنى: أن مجموع الفقرة الثانية و هو قوله (ان تعرفوه الخ) و هذه الفقرة يكون معرفا واحدا للعدالة، لا أن يكون كل منهما معرفا مستقلا للعدالة، لأنّه لو كانت الفقرة الثانية معرّفا مستقلا و كان المراد منها أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الخ أى: تعرفوه بالستر عن العيوب، و العفة عن فعل المحرمات، و كف بطنه و فرجه و يده و لسانه عن الحرام، فيكون مفادها كون الشخص معروفا بالكف عن جميع المحرمات، فكيف جعل في الفقرة الثالثة الاجتناب عن خصوص الكبائر معرفا، فإن كان مجرد ذلك كاف في المعرفية للعدالة فلا حاجة في معرفة العدالة من

المعروفية بالكف عن المحرمات و الستر عن مطلق العيوب، و أمّا بناء على ما يأتي بالنظر من كون مجموع الفقرة الثانية و الثالثة معرّفا واحدا فلا يأتي هذا الإشكال.

و بناء على هذا لا بدّ من أن يقرأ (و يعرف) فعل المجهول حتّى يكون المراد أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ و يعرف باجتناب الخ أى: و تعرفوه باجتناب الكبائر، فيكون حاصل الفقرتين أن العدالة يعرف بواجدية الشخص لأمرين:

الأوّل تركه ما هو قبيح بنظر العرف و هو ما يعبّر عنه بخلاف المروة.

و الثانى باجتنابه عن الكبائر، و الظاهر من كل الفقرتين هو كون العدالة ملكة، لأنّ الظاهر من قوله (و كف البطن) فى الفقرة الثانية و لا يبعد كون ظاهر قوله (و باجتناب الكبائر) في الفقرة الثالثة، هو كون عدم هذه الامور لا من باب مجرد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 61

تركها و لو كان من باب عدم وصول يده بفعلها، بل كان ذلك الترك لأجل كون رادع في باطنه يترك هذه المشتهيات، كما ينادى بذلك التعبير (بالكف و الاجتناب)، لأنّ مقتضى مادة هذين اللفظين كون استناد الترك لأجل وجود شي ء فيه، و هذا الشي ء هو الّذي يعبر عنه بالملكة، فلا يبعد كون الفقرتين دالة على كون العدالة ملكة في الجملة.

ثمّ إنّه بعد كون الظاهر من قوله (أن تعرفوه الخ) و قوله (و يعرف) هو عرفان الشخص بالأمرين المذكورين في الفقرتين، و هذا يقتضي كون ذلك بالعلم، فمقتضى هذا المعرّف كون معرّف العدالة العلم بكونه ساترا و متعففا عمّا يكون قبيحا بنظر العرف، و العلم بكون الشخص مجتنبا للكبائر، فقال- بعد ذلك في مقام الإمارة على ما ذكر من المعرف في الفقرة الثانية و الثالثة للعدالة-

هذا و هو الفقرة الرابعة من الرواية (و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه الخ).

و المراد أنّه يدلّ على كل ما ذكر في الفقرتين السابقتين من المعرّف للعدالة هو أن يكون ساترا لجميع عيوبه، أعنى: يكون وضعه بنحو لا يرى منه عيب و لو كان له عيب أو عيوب في الباطن، و لكن يكون ظاهره بحيث من يرى به لا يرى فيه عيب، و لو اريد كشف حاله على خلاف ما يرى في ظاهره لا بدّ من كشف ستره و هذا لا يجوز، فهو ممّن لا يرى في ظاهره عيب و لو كان فرضا عيب في باطنه، و لكن حيث يكون في ظاهره مستترا فلا يجوز الورود في وراء ستره و كشف عيبه، و لهذا لا يجوز غيبته و كشف ستره، بل يجب على المسلمين تزكيته و اظهار عدالته بين الناس.

و أمّا الفقرة الخامسة و هى قوله عليه السّلام (و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس الخ) بالمواظبة عليهنّ و حفظ مواقيتهن بحضور الجماعات، و عدم تخلفه عن ذلك، و هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 62

الفقرة جزء الدليل بمعنى أن الدليل على ذلك كله هو أن يكون ساترا لجميع عيوبه الخ، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس الخ.

و وجه جعل ساتريته لعيوبه و تعاهده للصلوات الخمس دليلا على كل ما قال سابقا من كونه معروفا بالستر و العفاف الخ و معروفا باجتناب الكبائر، هو أن المعاصى على ضربين: ضرب منها ما يتحقّق موضوع العصيان بالوجود بأن يوجد شيئا و يكون عصيان المحرمات محققا بذلك، فعصيان نهى الخمر أو القمار أو الزنا أو غيرها من المحرمات يحصل بايجاد هذه الامور، بأن يشرب الخمر

و غيرها نعوذ باللّه، و ضرب منها ما يحصل موضوع العصيان فيه بالعدم و الترك و في الواجبات يكون عصيانه هكذا، حيث إن عصيان أمر الصّلاة و الصوم و الزكاة و غيرها يحصل بترك هذه الامور، و يكون النظر في الفقرة الرابعة و الخامسة من الرواية إلى هذا الأمر.

فمن يكون ساترا لعيوبه بحيث يحرم على المسلمين غيبته، فهو لا يكون معروفا بفعل المحرمات، بل يصير معروفا بخلافه، لأنّه ساتر لعيوبه، فبهذه الفقرة بيّن أن العادل من يكون تاركا للمحرمات بالملازمة، لأنّ لازم كونه ساترا للعيوب أن يعدّ تاركا للمحرمات و المعاصى الّتي يحصل موضوعا بالوجود و لو فرض كونه مقترف مذنب واقعا، و أمّا من يكون متعاهدا للصلوات فهو يعرف قهرا باتيان الواجبات و عدم ارتكاب المحرمات و المعاصى الّتي يحصل بترك الافعال الوجودية، فالفقرة الأولى معرف كون الشخص في الظاهر غير مرتكبا للمعاصى الوجودية، و الثانية على كونه معروفا بعدم كونه مرتكبا للمعاصى العدمية.

و لا تقل: بأن النظر في الفقرتين إن كان إلى هذا، فلم جعل الصّلاة فقط معرفا لكونه تاركا للمعاصى الّتي يتحقّق بترك اشياء، لأنّ ذلك يحصل بايجاد جميع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 63

الواجبات و معروفيته بذلك حتّى يقال ظاهرا بأنّه تارك للمعاصى العدمية.

لأنا نقول: إن وجه الاقتصار في ذلك بخصوص الصّلاة يكون من باب أن غير الصّلاة من الأعمال الواجبة كالصوم و الزكاة و الخمس و الحج و غيرها، ليس يعرف غالبا حتّى يكون هو المعرف، لأنّه من يصوم لا أمارة على كونه صائما أو غير صائم بحيث يعرف بذلك، و كذلك الزكاة و الخمس و الحج لا يتفق لأكثر الناس، فليست هذه الواجبات من الظهور و الوضوح بحيث يمكن

أن يصير معرفا في الغالب على كون الشخص تاركا للمحرمات و المعاصى العدمية، و لكن الصّلاة تكون قابلة لذلك، لأنّ حضور الجماعة للصّلاة أمر ظاهر يعلمه الناس، و من تركها يعرف عدم كونه ممّن يترك المعاصى العدمية، فمن يكون متعاهدا للصّلاة و حاضرا في الجماعة، فهو كما في ذيل الرواية بنقل الصّدوق (يقول الناس في حقه: ما راينا منه إلّا خيرا) فتكون نتيجة الفقرتين هو أنّه من يكون ساترا لعيوبه و لو كان فرضا له عيوب واقعا، و مواظبا على أمر الصّلاة و حضور الجماعة، فهو ممّن يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، هذا ما يأتى بالنظر في مفاد هذه الفقرات من هذه الرواية.

إن قلت: على ما قلت يكون مفاد الفقرة الثانية من الرواية أعنى: قوله عليه السّلام (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) هو كونه صاحب حياء و عفة بحيث لا يصدر منه القبائح العرفية، و بعبارة اخرى لا يصدر منه خلاف المروّة، و الفقرة. الثالثة من الرواية و هو قوله (و يعرف باجتناب الكبائر الخ) أنّه يكون معروفا باجتناب خصوص الكبائر، فلا يكون ترك الصغائر من الذنوب دخيلا في العدالة بمقتضى ما بيّنت في الرواية، لأنّ الفقرة الأولى من الفقرتين الّتي ذكرنا تدلّ على اعتبار عدم صدور خلاف المروة، و الثانية على اجتناب الكبائر من الذنوب، و هذا في غاية البعد، لأنّه كيف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 64

يمكن أن يكون عدم صدور خلاف المروّة دخيلا في العدالة و لم يكن ترك الصغائر من الذنوب دخيلا فيها، فهذا شاهد على عدم كون المراد من قوله (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) هو كونه تاركا للقبائح العرفية و خلاف المروّة، فهذا يبعّد حمل الفقرتين

على معرّف واحد، و هو ترك خلاف المروّة و الكبائر.

نقول: إن ذلك مجرد استبعاد، أو من لا يعرف المصالح المقتضية في الأحكام الشرعية ربما يأتي بنظره أمثال ذلك التوهمات، و لكن بعد كون الرواية ظاهرة قلنا، فلا مجال لهذا الإشكال من أنّه كيف صار عدم صدور القبيح العرفى دخيلا في العدالة و لم يصر ترك الصغائر من الذنوب دخيلا فيها، لأنّ باعتبار الأوّل تدلّ الرواية و لا دلالة لها على اعتبار الثانى، و نحن تابع للدليل، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال في وجه عدم دخل ترك الصغيرة في العدالة: إنّه ربما يكون دخل ترك ما ينافي المروة من باب أن القبائح العرفية توهن الشخص في نظرهم، و يكون الإمامة للجماعة ممّا يليق بأن يكون شخص الإمام غير موهن بنظر العرف، و أمّا الصغيرة فحيث إن ارتكابها قبيح في نظر الشارع و لعل الشارع، اكتفى بترك الكبائر في تحقق العدالة و غمض النظر عن ارتكاب الصغيرة، كما ربما يدلّ عليه قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «1» فهذه الآية تدلّ على ان اجتناب الكبائر يوجب عفو الشارع عن غيرها.

هذا تمام الكلام في هذه الرواية، و هنا روايات اخر نذكرها إن شاء اللّه تعالى فنقول:

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 65

الثانية: ما رواها سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه

(قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و واعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروته، و ظهر عدله، و وجب اخوته). «1»

الثالثة: ما رواها الشهيد ره اللّه في الذكرى عن الصادق ع

(أن رسول اللّه قال:

لا صلاة لمن لا يصلّى في المسجد مع المسلمين إلا من علّة، و لا غيبة إلا لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه، و إن رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذره، و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته). «2»

الرابعة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه ع

(قال: قال امير المؤمنين عليه السّلام: لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا). «3»

الخامسة: و هى ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ع

(فى شهادة المملوك إذا كان عدلا فإنه جائز الشهادة: إن أول من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب، و ذلك أنّه تقدم إليه مملوك في شهادة، فقال: إن اقمت الشهادة تخوفت على نفسى، و إن كتمتها أثمت بربّى، فقال: هات شهادتك، أما إنا لا نجيز شهادة مملوك بعدك). «4»

السادسة: ما رواها احمد بن عامر الطائى عن أبيه (عن الرضا ع عن علي ع

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 23 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 23 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 66

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروته، و ظهرت عدالته، و وجبت اخوته، و حرمت غيبته). «1»

السابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه ع

(قال: ثلاث من كن فيه أو جبت له أربعا على الناس: من إذا حدّثهم لم يكذبهم، و إذا وعدهم لم يخلفهم، و إذا خالطهم لم يظلمهم، وجب أن يظهروا في الناس عدالته، و تظهر فيهم مروته، و أن تحرم عليهم غيبته، و أن تجب عليهم اخوته). «2»

الثامنة: ما قال صاحب الوسائل:

و تقدم حديث جابر عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: شهادة القابلة جائزة على أنّه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت). «3»

هذه بعض الروايات الواردة فيها لفظ العدالة و يكون في الأخبار ما فيه اعتبار العدالة في الشاهد.

التاسعة: ما رواها خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا تصل خلف الغالى و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و الجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا). «4»

و المراد بقوله عليه السّلام (و إن كان يقول بقولك) أى: يكون قائلا بالولاية لكنه غال، و المراد من قوله عليه السّلام (و إن كان مقتصدا) يحتمل أن يكون و إن كان من أهل الولاية، كما ينادى بذلك تفسير الآية الشريفة و (منهم مقتصد).

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 16 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 17 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 10 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 67

العاشرة: ما رواها في عيون أخبار الرضا

بإسناد يأتي عن الفضل شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه (إلى المامون قال: لا صلاة خلف الفاجر). «1»

الحادية عشرة: ما رواها الاعمش عن جعفر بن محمد

في حديث شرايع الدين (قال: و الصّلاة تستحب في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلا بأهل الولاية). «2»

الثانية عشرة: ما رواها عبد اللّه بن سنان

(قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام ما يرد من الشهود؟ قال: فقال: الظنين و المتهم. قال: قلت: فالفاسق و الخائن قال: ذلك يدخل في الظنين). «3»

الثالث عشرة: ما رواها حراج المدائنيّ عن أبي عبد اللّه ع

(إنّه قال: لا أقبل شهادة فاسق إلا على نفسه). «4»

الرابعة عشرة: ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبي

(قال: سئل أبو عبد اللّه عما يردّ من الشهود فقال: الظنين و المتهم و الخصم، قال: قلت: فالفاسق و الخائن، فقال:

هذا يدخل في الظنين). «5»

الخامسة عشرة: ما رواها العلاء بن سيابة

(قال: سألت أبا عبد اللّه عن شهادة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 30 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 68

من يلعب بالحمام، قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، الحديث). «1»

السادسة عشرة: ما رواها محمد بن قيس عن أبى جعفر ع

(في حديث إن عليا عليه السّلام قال: لا أقبل شهادة الفاسق إلّا على نفسه). «2»

السابعة عشرة: ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه ع

(في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا، و اقيم الحد على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا و علموا، و على الوالى أن يجيز شهادتهم إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق). «3»

(هذا بعض الروايات الواردة في عدم جواز إمامة الفاسق أو الفاجر أو عدم قبول شهادته).

الثامنة عشرة: ما رواها علي بن راشد

(قال: قلت لأبى جعفر عليه السّلام إن مواليك قد اختلفوا فاصلى خلفهم جميعا. فقال: لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه). «4»

و لا يبعد كون المراد عن (تثق بدينه) يعنى: من حيث الولاية المعتبرة لا من حيث وثاقته بعد المفروغية عن كونه أهل الولاية. «5»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 18 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(5)- (أقول: و لكن صدر الرواية أعنى: سؤال الراوى، محتمل لكون المراد من الصّلاة خلف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 69

التاسعة عشرة: ما رواها عمر بن يزيد

(أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام لا بأس به في جميع اموره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ ما لم يكن عاقا قاطعا). «1»

العشرون: ما رواها في المقنع

(قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم، فقدّموا خياركم). «2»

الاحدى و العشرون: ما رواها مسعود بن إسماعيل عن أبيه

(قال: قلت للرضا عليه السّلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، اصلى خلفه؟ قال: لا). «3»

الثانية و العشرون: ما رواها محمد بن ادريس في اخر السرائر

نقلا من رواية أبى القسم بن قولويه عن الأصبغ (قال: سمعت عليا عليه السّلام يقول: ستة لا يؤمّون الناس منهم شارب النبيذ و الخمر). «4»

الثالثة و العشرون: و من كتاب أبي عبد اللّه السيارى صاحب موسى و الرضا ع

(قال: قلت لأبى جعفر الثانى عليه السّلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر

______________________________

من تثق بدينه يعنى: من يكون مورد الوثوق من حيث أعماله، و العمل بوظائفه الدينية، لا أن يكون المراد من ذلك كونه وثوقا من حيث كونه من أهل الولاية، لأنّ السائل سئل من أنّه هل يجوز الاقتداء بكلهم، فقال: لا تصلّ إلا خلف من تثق بدينه، و يحتمل أن يكون المراد من اختلاف مواليك، اختلافهم في بعض الامور الراجعة إلى اصول العقائد، فيكون المراد من قوله (صل خلف من تثق بدينه) أى: من يكون به الوثوق من حيث استقامة العقيدة في الاصول، فتأمل) (المقرر)

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 10 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 11 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 70

الصّلاة فيقدّم بعضهم، فيصلى بهم جماعة. فقال: إن كان الّذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللّه طلبة فليفعل). «1»

مع قطع النظر عن ضعف سندها يحتمل دلالتها على أن من يرى أن ليس بينه و بين اللّه طلبة أى تقصير يوجب طلبة من اللّه، فلا مانع من أن يجعل نفسه إماما كى يؤمّ القوم به، فهى غير مربوطة بتكليف المأمومين.

الرابعة و العشرون: ما رواها يونس بن عبد الرحمن

عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن البينة إذا اقيمت على الحق، أ يحلّ للقاضى أن يقضى بقول البنية؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبايح و الشهادات و الأنساب، فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته،

و لا يسأل عن باطنه). «2»

الخامسة و العشرون: ما رواها عبد اللّه بن المغيرة

(قال: قلت لأبى الحسن الرضا عليه السّلام رجل طلق امرأة و أشهد شاهدين ناصبيين؟ قال: كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته). «3»

السادسة و العشرون: ما رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر ع

(قال، لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، الحديث). «4»

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 71

السابعة و العشرون: ما رواها عمار بن مروان عن أبي عبد اللّه ع

(في الرجل يشهد لابنه، و الّا بن لأبيه، و الرجل لامرأته، فقال: لا بأس بذلك إذا كان خيرا، الحديث). «1»

الثامنة و العشرون: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا الحديث). «2»

التاسعة و العشرون: ما رواها إبراهيم بن زياد الكرخيّ عن الصادق جعفر بن محمد ع

(قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا، و أجيزوا شهادته). «3»

الثلاثون: ما رواها علقمة

(قال: قال الصادق عليه السّلام، و قد قلت له: يا ابن رسول اللّه أخبرنى عمن تقبل شهادته، و من لا تقبل؟ فقال: يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام فجازت شهادته. قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال:

يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام، لأنهم المعصومون دون ساير الخلق، فمن لم تره بعينك يتركب ذنبا، أ و لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه، فهو خارج من ولاية اللّه داخل في ولاية الشيطان، «4» و لقد حدثنى أبي عن أبيه عن آبائه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 12 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 13 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 72

قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة أبدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب في النار خالدا فيها، و بئس المصير. قال علقمة: فقلت للصادق عليه السّلام: أن الناس ينسبوننا إلى عظائم الامور و قد ضاقت بذلك صدورنا، فقال عليه السّلام: إنّ رضا الناس لا يملك و ألسنتهم لا تظبط، و كيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء اللّه

و رسله). «1»

الاحدى و الثلاثون: ما رواها إسماعيل بن أبى زياد السكونى

(عن جعفر عن أبيه عليه السّلام إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيا و معه شاهد اخر). «2»

الثانية و الثلاثون: ما رواها عبد الكريم بن أبى يعفور عن أبى جعفر ع

(قال:

تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر و العفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء و التبرج إلى الرجال في أنديتهم). «3»

الثالثة و الثلاثون: ما رواها سماعة

(قال: سألته عن رجل كان يصلى فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى، فينصرف و يجعلها تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول (اشهد ان لا إله الا اللّه واحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلا و صاحبها مأجور

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 19 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 20 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 73

عليها إن شاء اللّه). «1»

هذه جملة من الروايات بعضها مربوط بباب الشهادة، و اعتبار العدالة في الشاهد كما فى بعضها، و بعضها مربوط بباب الجماعة، و ما يكون في باب الجماعة ليس فيه لفظ العدالة، فليس في الروايات الواردة في باب صلاة الجماعة ما يدلّ على اعتبار العدالة، بلفظ (العدالة) بل ما ورد في هذا الباب يكون بتعبيرات اخرى، مثل عدم جواز الاقتداء بالفاجر أو الفاسق، أو المتجاهر بالفسق، أوصل خلف من تثق بدينه، أو عدم جواز الصّلاة خلف العاق، أو شارب الخمر و النبيذ، فالتعبير (بالعدالة) لم يكن واردا في باب صلاة الجماعة، و لكن اعتبار

العدالة في الإمام في صلاة الجماعة مسلّم بحسب الفتوى عندنا.

[التكلم حول رواية ابن ابى يعفور]

ثمّ إنّه ينبغى التكلم حول الرواية الأولى من الروايات المذكورة أى: رواية عبد اللّه بن أبى يعفور و ان امضينا بعض الكلام فيها من حيث السند، و من حيث الدلالة سابقا بعد نقلها.

فنقول بعونه تعالى: إن قول السائل في هذه الرواية (بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين الخ) هل يكون سؤالا عن مفهوم العدالة و حقيقتها، أو يكون سؤالا عن معرف العدالة؟ و بعبارة اخرى هل يكون نظر السائل في سؤاله إلى فهم مفهوم العدالة و أن أىّ شخص يقال إنّه رجل عادل، و بأىّ نحو يكون الشخص واقعا حتّى يكون مصداق العادل، لا بمعنى أن السؤال يكون معرفا منطقيا، لأنّه من المسلّم عدم كون السؤال عن ذلك، لأنّه قال: (بم تعرف) بالتخفيف لا (تعرّف) بالتشديد، بل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 56 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 74

يكون المراد أنّه هل يكون السؤال عن مفهوم العدالة الآتي إذا كان الشخص متلبّسا بها تقبل شهادته و لهم و عليهم، أو يكون السؤال عن الامارة الّتي تكون أمارة للعدالة و كاشفا و مراتا لها،

و بعبارة ثالثة هل السائل يكون ممّن سمع باذنه لفظ (العدالة)، و انها موضوع لبعض الأحكام، لكن حيث لا يدرى حقيقتها، و لم يطلع على مفهومها كان نظره فى هذا السؤال إلى السؤال عن مفهوم العدالة و محققها أولا، بل السائل كان عالما بمفهوم العدالة، و أنها ملكة راسخة ملازمه للتقوى مثلا، و كان ذلك مركوز ذهنه، و لكن غرضه في هذا السؤال كان عن الأمارة الّتي تعرف بها هذه الملكة، و تكون كاشفة عن هذه الملكة، و

جواب الإمام عليه السّلام بقوله (ان تعرفوه بالستر و العفاف) يكون بيان الامارة على العدالة. «1»

إذا عرفت أن في الرواية يحتمل احتمالان نقول: إن الظاهر هو الاحتمال الأوّل، لأنّ قول السائل (بم تعرف العدالة) بحسب الظاهر هو السؤال عن المفهوم العدالة الّتي بها تقبل شهادة الرجل و يكون عادلا.

و بعبارة اخرى بم يتحقّق عدالة الرجل؟ و بم يكون عادلا، فسؤاله يكون عن واقع العدالة، لا ما هو أمارة عليها في مقام الظاهر و مقام الإثبات، فجواب

______________________________

(1)- (أقول: لما ذكر سيدنا الاعظم مد ظله العالى هذين الاحتمالين، قلت بحضرته: إن الظاهر من الرواية هو الاحتمال الأوّل، لأنّ الستر و العفاف غير قابلين لأن يكونا معرفين للعدالة، إذ هما مثل العدالة من الامور الخفية، و كذلك الكف، مضافا إلى أن قوله عليه السّلام بعد الفقرتين:

(و الدلالة على ذلك كله) ظاهر في أن الفقرتين السابقتين على هذه الفقرة تكونان محققين للعدالة، و ما قال بعنوان الدلالة هو الأمارة على العدالة، و هو مد ظله العالى كان موافقا مع هذا، و لهذا قال في اليوم اللاحق) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 75

الإمام عليه السّلام يكون عن ذلك، (فقال أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الخ) و من المعلوم أن قوله (أن تعرفوه) يكون مأخوذا طريقا، و يكون المراد أن من تعرفوه بوجود الستر و العفاف فيه فهو عادل، فما هو موضوع للعدالة هو كون الشخص ذى ستر و عفاف.

و الشاهد على ذلك هو أن الستر و العفاف و كذا الكف غير قابل لأن يصير أمارة على العدالة، إذ هو و اخواته مثل العدالة من حيث كونها أمرا باطنيا، و ليس أمرا ظاهرا حتّى يجعله أمارة على

الأمر الباطنى أعنى: العدالة، و حيث إنّه بيّن في قوله (أن تعرفوه الخ) و (يعرف باجتناب الكبائر الخ) حقيقة العدالة، بيّن لها أمارة أيضا بعد ذلك، و هو قوله (و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساتر العيوب الخ) و ان كانت المعروفية بالستر و العفاف أمارة، فلا حاجة إلى جعل أمارة و دليل عليه بقوله (أن يكون ساترا لعيوبه) و هذا شاهد اخر على أنّ الإمام عليه السّلام بيّن أولا مفهوم العدالة، ثمّ بيّن ثانيا ما هو معرف و أمارة لها.

[في نقل كلام المحقّق الحائرى و المحقّق الهمداني و غيرهما و الاشكال عليهم]

و ممّا قلنا يظهر لك ما في كلام بعض أعاظم المعاصرين (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» في هذا المقام، فنذكر أوّلا حاصل كلامه، و ثانيا ما فيه من الإشكال تتميما للفائدة، فنقول بعونه تعالى: قال رحمه اللّه ما هذا حاصله: و هو أن بعض الصفات يكون له آثار مخصوصة بها، و لهذا يعرف بهذه الآثار وجودها في الشخص كالشجاعة و السخاوة، و لكن بعض الصفات ليس كذلك، و العدالة من جملتها، فإنّ العدالة، و هى الملكة الراسخة الملازمة للتقوى و ليست الملازمة على الإتيان بالواجبات و اجتناب المحرمات من الآثار الغير المنفكة عن العدالة، إذ إتيان

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 517- 518.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 76

الواجبات و ترك المحرمات، كما يكون منشأه تارة هذه الملكة الراسخة في النفس، كذلك يمكن أن يكون منشأه بعض جهات اخرى من الدواعى الدنيوية.

إذا عرفت ذلك نقول: إن ابن أبى يعفور كان عنده مفهوم العدالة- و هى الاستقامة على طريقة الشرع، و الاستواء في قبال الاعوجاج- مبنيا و معينا، و لكن حيث يكون الاطلاع عليها بنفسها غير ممكن له، لأنها أمر نفسانى،

و ليس لها أثر مخصوص غير المنفك عنها حتّى تعرف بهذا الاثر، سئل عما هو طريق و أمارة إليها، فكان السئول عن أمارة العدالة، لا عن مفهومها، و جواب الإمام عليه السّلام بقوله (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) يكون ناظرا إلى ما هو الأمارة عليها، فجعل المعروفية بالستر و العفاف أمارة على العدالة، و حيث تكون هذه العناوين المذكورة من الستر و العفاف الخ ملكة أيضا، و لكنها ملكة تكون أوسع من الملكة العدالة، و هذه العناوين و إن كانت مشتملة على الملكة لأنه لا يقال بالشخص ستير و عفيف إلا إذا كانا هما ملكة له، إلا أنها لا تدلّ على الملكة الخاصّة الّتي هى الديانة إلا بالتعبد من الشرع، و لهذا تكون أمارة على العدالة.

ثمّ إنّه حيث إن معرفة الشخص بالستر و العفاف ممّا لا يتفق لغالب الناس، لأنّ ذلك موقوف إلى معاشرة تامة، فجعل لذلك أمارة اخرى، و هى أن يكون ساترا لجميع عيوبه، و جعل طريقا ثالثا و أمارة اخرى، و هو أن يكون منه التعاهد للصلوات الخمس فمن حضر جماعة المسلمين يحكم بعدالته و أنّه لا يرتكب القبائح الشرعية مع الجهل بأحواله، بل لحضور الشخص في جماعة المسلمين ثلاث فوائد:

إحداها أن ترك جماعتهم من غير عذر يعدّ إعراضا، فهو من أعظم العيوب، فليس التارك لذلك ساترا لعيوبه بل هو مظهر لها، و الثانية أنّه من لم يحضر جماعتهم لا دليل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 77

لنا على أنّه يصلّى، و الثالثة أن حضوره للجماعة دليل على كونه تاركا لما نهى اللّه تعالى عنه، و عاملا لما أمره به.

هذا ما قاله رحمه اللّه فى هذا المقام، و أمّا ما في كلامه

رحمه اللّه من الإشكال يظهر ممّا مرّ منا سابقا في ذيل الرواية، و ما قلنا هناك من أن السؤال يكون عن مفهوم العدالة و جواب الإمام عليه السّلام (أن تعرفوه الخ) يكون بيانا لمفهومها و أنّ مفهومها مركب عن أمرين (أن تعرفوه بالستر الخ) أى: ساترا لقبائح العرفية، و (يعرف باجتناب الكبائر الخ) أعنى: عن القبائح الشرعية الّتي يقال بها الكبائر، ثمّ بعد بيان مفهومها بيّن ما هو أمارة عليها، و هى مركبة عن أمرين (أن يكون ساترا لجميع عيوبه) الخ و يكون منه التعاهد لصلوات الخمس الخ و قلنا: بأن الأوّل اى ساتريته لعيوبه أمارة على تركه المعاصى أعنى: ما يحرم وجوده كالزنا و الكذب و غير هما، و الثانى أى (التعاهد للصلوات الخمس الخ) أمارة على كونه تاركا للمعاصى العدمية أى: ما يحصل عصيانه بالعدم، و هو ما يحرم تركه، أو يجب وجوده كالصّلاة و غيرها، و هذا هو الظاهر من الرواية بعد التأمل، فافهم.

اذا عرفت ما هو مفاد رواية عبد اللّه بن ابى يعفور، يقع الكلام فى جهة اخرى و هو انّ القائلين باعتبار اجتناب الصغائر فى العدالة و عدم الفرق بينها و بين الكبائر فى منافاتها للعدالة قد ذكروا فى رواية ابن ابى يعفور لكون تخصيص الاجتناب عن الكبائر بالذكر مع كونه داخلا فى ما ذكر أوّلا من كفّ البطن و الفرج و اليد وجوها:

الاول: ما ذكرناه سابقا من أن يكون المراد من ذكر اجتناب الكبائر بيان الامارة على العدالة لا بيان ماهيتها، و انّ حقيقة العدالة ما ذكر فيه أوّلا و هو ان يعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 78

فاجتناب الكبائر أمارة شرعية

على العدالة على قراءة قوله عليه السّلام و يعرف بالضم.

الثاني: أنّ التجنّب عن الكبائر يعتبر فيه الفعليّة، و لا تكفى الملكة بدون الاجتناب الفعلى و المراد بما ذكر فى الرواية أولا ملكة كفّ النفس عن المحرمات فلذلك اختصّ اجتناب الكبائر بالذكر، ثانيا مع الوجه.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 78

الثالث: ما ذكره صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّه «1» و هو ان اجتناب الكبائر له ملحوظية فى العدالة شرعا و عرفا نظرا الى ان حرمتها لدى المتشرعة من الضروريات على وجه لا يمكن عادة صدورها من شخص الا بعد الالتفات تفصيلا الى حرمتها الا ان لا يكون مباليا بالدين اصلا بحيث يختفى عليه ضروريات الدين او يغافل عنها حين ابتلائه بمواردها كما لو صار شرب الخمر مثلا لديه من مشروبه المتعارف بحيث لا يلتفت حين شربه الى حرمته و هذا بخلاف صغائر الذنوب فانها ربما تصدر من المتدينين جهلا بحرمتها او غفلة عنها حال الارتكاب بحيث لو علم و التفت إليها تفصيلا لتركه فلا ينافى ذلك صدق اتصافه بكونه ممتنعا عن فعل المحرمات الّذي هو معنى كف البطن و الفرج و اليد.

ثمّ ذكر فى اخر كلامه وجها اخر و هو ان صدور الصغيرة أيضا اذا كان عن عمد و التفات تفصيلى الى حرمتها كالكبيرة مناف للعدالة و لكن الذنوب التى ليست فى انظار اهل الشرع كبيرة قد يتسامحون فى امرها فكثيرا ما لا يلتفتون الى حرمتها حال الارتكاب او يلتفتون إليها و لكن يكتفون فى ارتكابها باعذار عرفيّة مسامحة

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 675.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 79

كترك الامر بالمعروف او النهى عن المنكر او الخروج من مجلس الغيبة و نحوها حياء مع كونهم كارهين لذلك فى نفوسهم فالظاهر عدم كون مثل ذلك منافيا لاتصافه بالفعل عرفا بكونه من اهل الستر و العفاف و الخير و الصلاح و غير ذلك من العناوين المعلق عليها قبول شهادته و هذا بخلاف الزنا و اللواط و شرب الخمر و قتل النفس و نظائرها ممّا يرونها كبيرة فانّها غير قابلة للمسامحة و مانعة عن اتصاف فاعلها بالاستقامة و الاعتدال مطلقا فهذا هو الفارق بين ما يراه العرف صغيرة و كبيرة فان ثبت بدليل شرعى ان بعض الاشياء التى يتسامح فيه اهل العرف و لا يرونها كبيرة كالغيبة مثلا حاله حال الزنا و السرقة لدى الشارع و كونها كبيرة كشف ذلك عن خطاء العرف فى مسامحتهم و ان هذا أيضا كالزنا مناف للعدالة مطلقا ثمّ ذكر فى اخر كلامه مثالا لذلك و قال انّه كمسامحة العرف فى اطلاق الصاع فى الحنطة على الحنطة المدفوعة فطرة المشتملة على شي ء يسير من تراب او تبن و نحوه ممّا يتسامح فيه فحكمهم متبع فى تشخيص موضوعات الاحكام و ان كان مبتنيا على هذا النحو من المسامحات الغير الموجبة لكون الاطلاق اطلاقا مجازيا في عرفهم الا ان يدل دليل شرعى على خطائهم فى مسامحتهم و ان الذنب الفلانى الّذي يستصغره العرف و يتسامحون فى امره ليس كما يرونه بل هو عظيم فى الواقع بحيث لو اطلع العرف على عظمته لرأوا مرتكبه خارجا من حد الاعتدال خروجا بينا غير قابل للمسامحة نظير ما لو دل الدليل فى المثال على ان ما يرونه من التبن المختلط ليس كما يرونه بل هو جسم ثقيل

كقطع الحديد له مقدار معتد به من الوزن غير قابل للمسامحة.

امّا الوجه الاول فقد ذكرنا سابقا ما يتوجّه عليه من الاشكال.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 80

و امّا الوجه الثانى و هو اعتبار فعلية الاجتناب عن الكبائر دون غيرها فهو خلاف ما يفهم من الرواية عرفا فان المفهوم عرفا من قوله رحمه اللّه ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الفرج و اليد.

هو التجنب فعلا لكف الفعلى عن ملكة دون مجرد الملكة بمعنى التهيّؤ له.

و امّا ما ذكره صاحب المصباح رحمه اللّه فهو لا يرجع الى محصّل لان العذر الشرعى على تقدير وجوه لا فرق فيه بين الكبيرة و الصغيرة كالجهل و الغافلة فان ارتكاب عمل جاهلا بكونه حراما او عن غفلة ليس معصية.

و أمّا العذر العرفى فهو لا ينفع بعد كون الفعل منهيا عنه شرعا فالظاهر ان ما بيّناه فى تفسير الرواية لا يرد عليه اشكال.

[في ذكر عدد الكبائر]
اشارة

و امّا تعين الكبائر و عددها فقد ذكرنا ان جماعة من فقهائنا كابن ادريس و غيره قالوا ان المعاصى كلها كبائر و لا صغار الا بالإضافة الى ما هو اكبر منها فاللازم عليهم الجواب عمّا يدل عليه الكتاب الكريم و الروايات من انّها على قسمين كبائر و صغائر و القائلون بانها على قسمين اختلفوا فى انّها ما ذا هى على اقوال:

[القول] الاول:

ان الكبائر هى ما اوعد اللّه تعالى عليه النار فى كتابه.

[القول] الثانى:

انّها ما توعد عليه النار او العذاب اما فى الكتاب العزيز او دلّت عليه السنة النبويّة او اخبار الأوصياء عليهم السلام.

[القول] الثالث:

انّها ما وجب فيها الحد شرعا و توعد عليه العذاب.

[القول] الرابع:

انّ الكبائر هى ما كان على حرمته دليل شرعى واضح.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 81

و قال المحدث الفيض عليه الرحمة ان اخفاء الصغائر من الذنوب من الشارع لمصلحة اقتضت ذلك و هي ان يتجنّب الناس جميع المعاصى و لا يرتكبوها اتكالا على كونها صغائر.

[في نقل كلام بحر العلوم]
اشارة

قال السيّد العلّامة بحر العلوم رحمه اللّه فى المفاتيح ان الكبائر هى ما أوعد اللّه عليه النار فى الكتاب الكريم اما صريحا او ضمنا و لزوما او توعد عليه العذاب دون النار

و القسم الاول و هو ما أوعد اللّه عليه النار

صريحا أربعة عشر:

1- الكفر باللّه العظيم لقوله تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ «1» الى قوله تعالى: أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ. «2»

2- الاضلال عن سبيل اللّه.

3- الكذب على اللّه و الافتراء عليه.

4- قتل النفس التى حرّم اللّه قتلها.

5- الظلم.

6- الركون الى الظالمين.

7- الكبر.

8- ترك الصّلاة.

9- منع الزكاة.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 257.

(2)- سورة البقرة، الآية 257.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 82

10- التخلف عن الجهاد.

11- الفرار من الزحف.

12- اكل الربا.

13- اكل مال اليتيم ظلما.

14- الاسراف.

القسم الثانى: و هو ما وقع التصريح بالعذاب دون النار

أربعة عشر أيضا و هي:

1- كتمان ما انزل اللّه.

2- الاعراض عن ذكر اللّه تعالى

3- اذيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم

6- الاستهزاء بالمؤمنين.

7 و 8- نقض العهد و اليمين.

9- قطع الرحم.

10- المحاربة و قطع السبيل.

11- الغناء لقوله تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1»

12- الزنا

______________________________

(1)- سورة لقمان، الآية 5.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 83

13- اشاعة الفاحشة فى الذين آمنوا

14- قذف المحصنات المؤمنات

القسم الثالث: المعاصى التى يستفاد من الكتاب الكريم وعيد النار عليها ضمنا او لزوما

و هي ستة.

1- الحكم بغير ما انزل اللّه.

2- اليأس من روح اللّه

3- ترك الحج

4- عقوق الوالدين.

5- الفتنة

6- السحر «1»

نقله فى مفتاح الكرامة و قال و ليت شعرى ما ذا يقول فى الاصرار على الصغائر فإنّه كبيرة إجماعا و ليس فى القرآن المجيد وعيد عليه بالنّار و لعلّى أسأله عنه شفاها. «2»

[اشكال صاحب الجواهر على بحر العلوم]

و نقله صاحب الجواهر رحمه اللّه ثم قال و قال رحمه اللّه فى اثناء كلامه انه قد يتعقب الوعيد فى الآيات خصالا شتى و اوصافا متعددة لا يعلم انها للمجموع او للآحاد فلذلك طوينا ذكرها و كذلك الوعيد على المعصية و الخطيئة و الذنب و الاثم و امثالها و

______________________________

(1)- نقل فى الجواهر كلام السيد رحمه اللّه و ذكر جميع الآيات الدالة على الايعاد بالنار او العذاب على كل واحد منها؛ جواهر الكلام، ج 13، ص 310 و 311 و 312 و 313.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 8، ص 298 طبع الجديد.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 84

هذه امور عامه و قد علمت ان الوعيد لا يقتضي كونها كبائر انتهى. «1»

[اعتراض صاحب الجواهر على كلامه]
اشارة

ثمّ اعترض على كلامه بوجوه:

الاوّل:

انّه بناء على ما ذكر من حصر الكبائر فى هذا العدد يلزم ان يكون ما عداها صغائر غير قادح فى العدالة مثل اللواط و شرب الخمر و ترك صوم شهر رمضان و شهادة الزور و نحو ذلك و هو واضح الفساد.

الثاني:

بانّه قد ورد فى السنة فى تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص فيها بانه كبيرة.

الثالث:

بانّه قد ورد فى السنة التوعد بالنار على كثير من المعاصى و بناء على ما ذكر لا بدوان يراد امّا الاصرار عليها او من غير مجتنب الكبائر و كله مخالف للظاهر من غير دليل يدلّ عليه و أيضا فيما رواه عبد العظيم الحسنى رحمه اللّه ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معللا ذلك بان اللّه تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الاوثان و ترك الصّلاة متعمدا او شي ء مما فرض اللّه لان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال من ترك الصّلاة متعمدا فقد برأ من ذمة اللّه و ذمة رسوله فانظر كيف أستدل على كونه كبيرة بما رود فى السنة.

الرابع:

بانّه قد نقل الاجماع على انّ الاصرار على الصغيرة من جملة الكبائر و لم يذكره فى كلامهم.

الخامس:

ثمّ اورد على كلامه الّذي نقله عنه اخيرا من أنّه قد يتعقب الوعيد فى الآيات خصالا شتى و اوصافا متعددة لا يعلم انها للمجموع او للآحاد فلذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 319.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 85

طوينا ذكرها) بانّه اذا كان اجتناب الكبيرة شرطا فى العدالة و غيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتى يعلم اجتناب الكبيرة و لا يكون ذلك الا باجتناب جميع ما يحتمل انه كبيرة.

انتهى ما اعترض به صاحب الجواهر رحمه اللّه على كلامه رحمه اللّه و يرد عليه أيضا ان الكفر باللّه تعالى ليس داخلا فى المقسم فان الكلام فى المعاصى على فرض الاسلام.

و أيضا ان جملة من الامور المذكورة فى كلامه رحمه اللّه داخلة فى ترك الفرائض و المقسم فى المعاصى هو الذنوب و المحرمات الوجودية اى ما يحصل العصيان بفعلها و ايجادها فترك الصّلاة و منع الزكاة و التخلف عن الجهاد و ترك الحج الواجب و الفرار من الزحف و نقص العهد و اليمين و كتمان ما انزل اللّه و كذلك عقوق الوالدين و قطع الرحم كل ذلك من ترك الفرائض فهى خارجة عن المقسم و عدة منها داخلة فى الظلم و هى قتل النفس التي حرم اللّه قتلها و اكل مال اليتيم ظلما و المنع عن مساجد اللّه و الاستهزاء بالمؤمنين و المحاربة و قطع السبيل و قذف المحصنات المؤمنات و السحر و الفتنة و يرد على استدلاله رحمه اللّه على كون الغناء من الكبائر بقول تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

الخ. «1»

انّ الظاهر من لهو الحديث فى الآية الكريمة ما كان من قبيل الاقاصيص و الأباطيل و الحديث اللهوى الّذي يصير سببا للاضلال عن سبيل اللّه و شموله للغناء غير معلوم.

و كيف كان فالآيات الدالة على الوعيد بالنار او العذاب على المعاصى قد

______________________________

(1) سورة اللّقمان، الآية 5.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 86

استقصاها السيد العلّامة اعلى اللّه مقامه و اما الروايات فمن طريق العامة لم نجد الا رواية واحدة و هى ما رواها فى صحاحهم غير صحيح البخارى عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اجتنبوا السبع الموبقات قيل و ما هنّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم الشرك باللّه و السحر و قتل النفس التى حرم اللّه الا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولى يوم الزحف).

و لفظ الترمذي الكبائر بدل الموبقات و رواها الصدوق رحمه اللّه باسناده الى ابى هريرة. «1»

[في نقل الروايات من الخاصّة]

و اما الروايات الواردة من طرق الخاصة ففى الوسائل اورد فى باب 46 من ابواب جهاد النفس سبعة و ثلاثين حديثا و لكن خمسة عشر منها ليس فى تعداد الكبائر و لا دلالة فيها عليها و ذكرنا جملة ممّا يتضمن بيان الكبائر و تعدادها فيما سبق و لكن لم نستوفها.

فمنها ما رواه احمد بن عمر الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «2» قال من اجتنب ما اوعد اللّه عليه النار اذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته و ادخله مدخلا كريما و الكبائر السبع الموجبات قتل النفس الحرام و عقوق الوالدين و اكل الربا

و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم و الفرار من الزحف) و لكن احمد بن عمر الحلبى لا يمكنه ان يروى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام بلا واسطة بحسب طبقته فانه من اصحاب ابى الحسن الرضا عليه السّلام و الظاهر اسقاط الواسطة و هو غير الحلبى الراوى

______________________________

(1)- الرواية 34 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 87

عن ابى عبد اللّه عليه السّلام الرواية الدالة على ان كل ذنب عظيم.) التي ذكرناها سابقا و هو عم احمد بن عمر. «1»

و منها ما رواه ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال وجدنا فى كتاب على عليه الصّلاة و السلام الكبائر خمسة الشرك و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البيّنة و الفرار من الزحف و التعرّب بعد الهجرة. «2»

و منها رواية مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الكبائر القنوط من رحمه اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن مكر اللّه و قتل النفس التى حرّم اللّه و عقوق الوالدين و اكل مال اليتم ظلما و اكل الربا بعد البيّنة و التّعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار بعد الزحف. «3»

و منها ما رواه الصدوق فى العيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام فى كتابه الى المأمون قال الايمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالاركان الى ان قال و اجتناب الكبائر و هى قتل النفس التى حرم اللّه تعالى.

و الزّنا و السرقة و

شرب الخمر و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهلّ لغير اللّه من غير ضرورة و اكل الربا بعد البيّنة و السحت و الميسر و هو القمار و البخس فى المكيال و الميزان و قذف المحصنات و الزنا و اللواط و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و القنوط

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 27 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 88

من رحمة اللّه و معونة الظالمين و الركون إليهم و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و الكذب و الكبر و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستخفاف بالحج و المحاربة لاولياء اللّه و الاشتغال بالملاهى و الاصرار على الذنوب. «1»

و منها ما رواه الصدوق رحمه اللّه عن الاعمش (و كان هو من اكابر المحدثين عند العامة و الخاصة) عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس الّتي حرم اللّه و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا و اللواط و السرقة و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و ما اهلّ لغير اللّه به من غير ضرورة و اكل السحت و البخس فى الميزان و المكيال و الميسر و

شهادة الزور و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و القنوط من رحمة اللّه و ترك معونة للمظلومين و الركون الى الظالمين و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و استعمال التكبر و التجبّر و الكذب و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستحفاف بالحج و المحاربة لاولياء اللّه و الملاهى الّتي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ و جلّ مكروهة كالغناء و ضرب الاوتار و الاصرار على صغائر الذنوب). «2»

و المراد بالكراهة فى الغناء الملاهى اما التحريم او صدر تقية لموافقته لقول العامة فانّهم لا يقولون بحرمه الغناء و الملاهى و القول بالحرمة من متفردات الامامية فمع هذه الروايات لا يمكن القول بحصر الكبائر فى سبع فانّ جملة منها تذل على ان الكبائر هى ما او عد اللّه عليه النار و بعضها يشتمل على تعداد ما يزيد على ثلثين و

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 36 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 89

يمكن القول مع ملاحظة مجموع الروايات بان الكبائر مختلفة بعضها اشد من بعض و اكبرها السبع و يؤيده ما في جملة من الروايات من ان اكبر الكبائر سبع. «1»

[في كلام الشيخ و الصّدوق و الطبرسي]

ثمّ ان الصدوق رحمه اللّه مع انّه روى اكثر الاخبار الواردة في تعداد الكبائر المشعرة بان المعاصى على قسمين قال بان الصغيرة و الكبيرة اضافيان فانه قال على ما ذكره فى الوسائل بعد نقل الاخبار ان الاخبار فى الكبائر ليس مختلفة لان كل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة الى ما هو اصغر منه و كل كبير صغير بالنسبة

الى الشرك باللّه. «2»

و حكى عنه الشيخ رحمه اللّه فى التبيان «3» القول به مع انه قال فى المبسوط بكونها على قسمين «4» و ذكرنا سابقا بان ابن ادريس رحمه اللّه «5» قال ان جميع الذنوب كبائر و لا صغائر عندنا ألا بالإضافة الى ما هو اكبر منها و نقل عن الشيخ فى المبسوط القول بانّها على قسمين و قال لم يذكره غير شيخنا و لم يذكره هو فى غير المبسوط من كتبه.

و ذكر الطبرسى رحمه اللّه فى مجمع البيان ان اصحابنا يقولون بان المعاصى كلها كبائر لكن بعضها اكبر من بعض و ليس فى الذنوب صغيرة و انما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو اكبر منه و يستحق عليه العقاب اكثر) «6» و لكن القول به خلاف ما يستفاد من الروايات و دلّ عليه الكتاب الكريم فان قوله تعالى

______________________________

(1)- الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- ذيل الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- تفسير التبيان، ج 3، ص 184.

(4)- المبسوط، ج 8، ص 217.

(5)- السرائر، ج 2 ص 118.

(6)- مجمع البيان، ح 3، ص 70.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 90

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» يدلّ على انّ السيّئات المكفّرة غير الكبائر الا ان يحمل على ان المراد من السيّئات المكروهات كما احتملناه سابقا و لكنّه مشكل لا يساعد عليه دليل و على القول بان المعاصى على قسمين فالامر أيضا مشكل من جهة تمييز الكبائر عن الصغائر و ان المناط ما ذا هو فان قلنا ان المناط فى الكبيرة الوعيد بالنار او العذاب كما

تدل عليه جملة من الاخبار لزم ان يكون ارتكاب جملة من الذنوب التى لم يوعد عليها النار او العذاب غير موجب للفسق و هو مما لا يمكن القول به أيضا.

[التقابل بين العدالة و الفسق]

فان مقتضى التقابل بين العدالة و الفسق عدم اجتماعها فى مورد واحد فمن ارتكب الصغيرة لا يمكن ان يقال انه ليس بفاسق لان الفسق هو الخروج عن طاعة اللّه تعالى و العصيان لامره و نهيه و المفروض ان الفعل الصادر عنه منهى عنه شرعا فيلزم اجتماع العدالة و الفسق فى مورد واحد و على اى تقدير فالمسألة فى غاية الاشكال و القول بعدالة من أرتكب شيئا ممّا نهى اللّه تعالى عنه و ترتيب أثار العدالة من قبول شهادته او الاقتداء به فى الصّلاة لا يمكن.

[فى القول بانّه لا صغائر مخالف للكتاب]

و قد انجرّ الكلام الى البحث عن تعداد الكبائر و انّها ما ذا هي و كم هي بمناسبته لما كان محلا للبحث و الكلام و هو مسئلة العدالة و حقيقتها و كان مورد البحث خبر ابن ابى يعفور و ان اجتناب الكبائر المذكور فيه هل هو داخل فى ماهية العدالة و متمّم للمعرف الاول الّذي ذكر فيه او أمارة شرعية و البحث فى الكبائر و عددها من مقدمات تلك المسألة و قد ذكرنا ان جماعة من فقهائنا كالصدوق رحمه اللّه و شيخ الطائفة فى التبيان على ما حكى و ابن ادريس رحمه اللّه و الشيخ الطبرسى رحمه اللّه فى مجمع

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 91

البيان بانه لا صغائر بقول مطلق بل كل ذنب كبير بالنسبة الى ما دونه و صغير بالنسبة الى ما هو اكبر منه و قلنا ان هذا القول خلاف مفاد الآيات و الاخبار الكثيرة الواردة من طرق الخاصة و كذلك ما روى من طريق العامة و ان كان قليلا فان قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ يدل

على تغاير السيئات المكفرة لما يكون الاجتناب عنه سببا للتكفير و اذا كان جميع المعاصى كبائر لزم اتحاد المكفّر و المكفّر و يمكن توجيه هذا القول و تتميمه بوجه لا يكون منافيا لما يستفاد من الآيات و الروايات بان يقال ان كون عمل معصية و ذنبا مقول بالتشكيك و له أفراد و مصاديق مختلفة بالشدة و الضعف فالذنوب لها افراد متفاوتة بعضها اشدّ و اكبر من بعض و هذا يقتضي ان يكون كل واحد من الذنوب، كبيرا بالإضافة الى ما هو دونه و صغيرا بالإضافة الى ما هو اكبر منه و لازمه ان تكون عدة منها اكبر من جميعها بحيث لا يكون فوقها ما هو اكبر منها و مقتضاه ان تكون تلك الذنوب بعينها كبائر بقول مطلق اذ ليس ما هو اكبر منها حتى تتصف بكونها صغائر بالإضافة إليها و كذلك يقتضي ان تكون عدة منها صغائر بقول مطلق و هي ما كان فى اضعف مراتب العصيان بالنسبة الى ما فوقها فليس اضعف منها حتى تتصف بانّها كبائر بالإضافة إليها و فما بينهما من الذنوب كبائر بالنسبة الى ما دونها و صغائر بالنسبة الى ما هو أكبر منها و بهذا يتمّ كلام القائلين بكونهما اضافيين و كان ينبغى ان يجعل هذا الكلام متمما لكلامهم

[في ما اتفقت الروايات على عددها من الكبائر]

و بهذا يمكن رفع التنافى بين الروايات الواردة فى تعداد الكبائر ففي بعضها انها خمس و فى بعضها انها سبع و فى بعضها عشر و بعضها مشتمل على عشرين و بعضها على ما يزيد على ثلثين فيقال ان ما اتفقت الروايات على عددها من الكبائر يكون اشدّ الكبائر و اكبرها و هى كبائر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 92

بقول مطلق.

فمنها

الكفر باللّه العظيم.

و منها عقوق الوالدين.

و منها الفرار من الزحف و هى كبائر بالاعتبار العقلى أيضا فأنّ الكفر من أعظم الظلم لانّه ظلم فى حقّ الخالق المكون المفيض للحياة و المنعم بجميع النعم و مقوّمات الحياة.

و كذا عقوق الوالدين فانّه ظلم و تعد على حقوق الوالدين الّذين ربّياه صغيرا و تحمّلا المتاعب و الشدائد فى تغذيته و تربيته فحقهما من اعظم الحقوق بعد حق اللّه سبحانه و تعالى كما نطق به القرآن الكريم.

و كذلك الفرار من الزحف فأنّ الفرار من العدو يوم الزحف ربما يصير سببا للانكسار جيش المسلمين و غلبة الكفار عليهم و يورث و هنا على الاسلام قال سبحانه تعالى وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ. «1»

و على هذا القياس سائر ما ذكر فيها من الكبائر السبع و يقرب منها ما عدّ فى الروايات من الكبائر و ان كانت دونها فى القبح و وجه ذكرها فى الاخبار دون غيرها لعله لشدّة الابتلاء بها بين الناس و كثرة الاهتمام بشأنها.

و ليعلم ان كل عنوان من عناوين الذنوب أيضا مقول بالتشكيك على مصاديقه و له مراتب متفاوتة بالشدّة و الضعف كالسرقة و الظلم و اكل مال اليتيم فمن

______________________________

(1)- سورة الانفال، الآية 16.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 93

اخذ درهما من يتيم ظلما ليس كمن اخذ جميع ماله و ليس غصب ضيعته كاخذ تفاحة مثلا غصبا و حكى فى الجواهر عن استاده كاشف الغطاء انّه قال ان الكبيرة ما عده اهل الشرع كبيرا عظيما و ان لم يكن كبيرا فى نفسه كسرقة ثوب ممّن لا يجد غيره مع الحاجة و الصغيرة ما لم يعدوه كبيرا

كسرقته ممن يجد). «1»

[في الوجه التام في بيان الكبائر]

و امّا الكبائر الّتي يكون الاجتناب عنها سببا لتكفير غيرها من السيئات بمقتضى الآية الكريمة فهى ما دلّت الاخبار على كونها كبائر و ما يعدّ فى عرف المتشرعة من الكبائر مما لم يذكر فيها. (و قال سيدنا ادام اللّه ظله ان هذا الوجه فى بيان الكبائر تام عنده).

و يؤيد ما ذكرنا من حمل اختلاف الروايات فى عدد الكبائر على اختلاف المعاصى فى الشدة و الضعف و كون بعضها اشدّ قبحا و اكبر بالنسبة الى ما هو دونه ما فى رواية محمد بن مسلم بعد ذكر السبع الكبائر قال فقلت و الزنا و السرقة قال عليه السّلام ليست من ذلك). «2»

فالزنا و السرقة مع أنّهما فى عرف المتشرعة من الكبائر و عدّهما فى جملة من الروايات منها:

قال الامام عليه السّلام انهما ليستا من ذلك فالمراد عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق و انها دون السبعة المذكورة فى القبح.

[يمكن ارجاع الروايات الدالّة على كون عدد الكبائر ثمانية او عشرة الى السبع]

و اكثر الروايات الواردة فى تعداد الكبائر تدلّ على انها سبع و فى بعضها

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 321.

(2)- الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 94

عدها ثمانة و فى بعضها عشرة من غير ذكر العدد و يمكن ارجاعهما الى السبع.

و لنذكر موارد الاختلاف فى الروايات.

ففي رواية ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ان الكبائر سبع: «1»

قتل النفس

و الشرك باللّه

و قذف المحصنة

و اكل الربا

و الفرار من الزحف

و التعرّب بعد الهجرة

و حقوق الوالدين

و اكل مال اليتيم ظلما

قال انّ التّعرب و الشّرك واحد و فى الرواية 35 من الباب 46 الّتي رواها محمد بن مسلم قال اكبر

الكبائر الشرك باللّه

و عقوق الوالدين و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلما و الربا بعد البيّنة و قتل المؤمن)

فعدّها ثمانية و بناء على كون التعرب و الشرك واحدا.

كما فى رواية ابى بصير المتقدمة تكون سبعة (و المراد من التعرب بعد الهجرة

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 95

المذكور فى الاخبار فى عداد الكبائر الرجوع الى البادية بين الاعراب و الكفار بعد المهاجرة الى المدينة للدخول فى الاسلام و تعلم الاحكام و هو قد كان فى عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مساوقا للرجوع من الاسلام الى الكفر و لا مصداق له فى هذه الاعصار).

و فى الرواية 4 من الباب 46 عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اكبر الكبائر فى كتاب على عليه السّلام سبع: الكفر باللّه و قتل النفس و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البينة و اكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة) و لم يذكر فيها قذف المحصنة.

و فى رواية احمد بن عمر الحلبى الكبائر السبع: قتل النفس و عقوق الوالدين و اكل الربا و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم ظلما ذكر التعرب و اسقط الشرك «1» و فى رواية ابى الصامت الكبائر سبع الشرك باللّه و قتل النفس و اكل مال اليتيم ظلما و عقوق الوالدين و قذف المحصنات و الفرار من الزحف و انكار ما انزل اللّه. «2»

و فى رواية عبد الرحمن بن كثير انها سبع: الشرك باللّه و قتل النفس

و اكل مال اليتيم و عقوق الوالدين و قذف المحصنة و الفرار من الزحف، و انكار حقّنا). «3»

و فى هاتين الروايتين لم يذكر الربا فى عداد الكبائر.

و فى خبر ابى الصامت ذكر السابع منها إنكار ما انزل اللّه.

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 20 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- الرواية 22 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 96

و في خبر ابن كثير السابع انكار حق أهل البيت عليه السّلام و المظنون فيهما ان الراوى عن الامام عليه السّلام قد نسى السابع و ذكر مكانه فى إحداهما انكار ما انزل اللّه.

و فى الاخرى انكار حقهم عليه السّلام.

و في رواية 6 باب 46 محمد بن مسلم الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا و كل ما أوجب اللّه عليه النار و يحتمل فى هذه الرواية أيضا ما ذكرناه فى الروايتين المتقدمتين و لعل الراوي عن محمد بن مسلم نسى السابع و ذكر مكانه (كل ما اوجب اللّه عليه النار) فان ما اوجب اللّه عليه النار ليس ذنبا مستقلا برأسه.

و في رواية مسعدة بن صدقة الكبائر القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و قتل النفس الّتي حرم اللّه و عقوق الوالدين و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار بعد الزحف) فعد فيها عشرة و

الثلاثة الأوّل يجمعها الكفر باللّه.

و في مرسل ابن ابى عمير قال وجدنا فى كتاب على عليه السّلام الكبائر خمسه الشرك باللّه و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البينة و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة فغد ستة مع الشرك و اسقط قتل النفس و قذف المحصنة. «1»

[عدد الكبائر فى رواية عبد العظيم الحسنى عشرون ذنبا]

و في رواية عبد العظيم الحسنى عليه السّلام المتضمنة لسؤال عمرو بن عبيده أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكبائر ذكر عشرون ذنبا). «2»

______________________________

(1)- الرواية 27 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 97

و فى رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام ثلث و ثلاثون. «1»

و فى رواية الاعمش «2» عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اربع و ثلاثون.

و الّذي يظهر بعد التأمل و الدقة فى هاتين الروايتين انهما واحدة الا أنّه فى إحداهما الاشتغال بالملاهى من الكبائر «3» و فى الاخرى «4» انّ الاشتغال بالملاهى الّتي تصدّ عن ذكر اللّه مكروهة.

و الظاهر صدورها تقية فانّ العامة لا يقولون بحرمة الغناء و الملاهى و القول بحرمتها من متفردات الامامية.

و فى رواية الاعمش عد الاصرار على صغار الذنوب من الكبائر و فى رواية فضل بن شاذان (الاصرار على الذنوب).

[في البحث عن الاصرار على الصغيرة]
اشارة

و امّا الاصرار على الصغيرة و كونه من الكبائر ففي بعض الكلمات انّه لا دليل عليه و لكن فى رواية الاعمش المتقدّمة قد عده من الكبائر.

و يدلّ عليه أيضا ما رواه ابو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا و اللّه لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الاصرار على شي ء من معاصيه. «5»

و رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا صغيرة مع الاصرار

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 36 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- و

هي رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام عليه السّلام.

(4)- و هي رواية الاعمش.

(5)- الرواية 1 من الباب 48 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 98

و لا كبيرة مع الاستغفار. 1

اذا عرفت ما بيّنا لك من معنى الكبيرة و الصغيرة و الجمع بين كونهما امرين اضافين فيكون ذنب كبيرة باعتبار كونه اعظم من ذنب اخر و صغيرة باعتبار كونه اصغر من ذنب اخر.

و بين كون الذنوب على قسمين كبيرة و صغيرة وجه الجمع هو ان بعض الذنوب كبيرة مطلقا و هو ما لا ذنب اعظم منه و هو ما ورد فى بعض الاخبار بانه اكبر الكبائر و بعض الذنوب صغيرة مطلقا لا بالنسبة و هو ما لا ذنب أصغر منه.

و حيث أنّ بعض الذنوب ليس من القسم الاول و لا كالقسم الثانى فهذا القسم يقال بانه كبيرة و صغيرة لكن بالإضافة فصغيرة بالإضافة الى القسم الاول و هو ما لا ذنب اكبر منه و كبيرة بالنسبة الى القسم الثانى و هو ما لا ذنب اصغر منه.

و قد عرفت أيضا تعداد الكبائر و ما قيل فى الضابط فيها.

و يكون من جملة الكبائر الإصرار على الذنب أيضا كما يدل عليه بعض الروايات مثل قوله عليه السّلام فى رواية لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الاصرار. «2»

فبعد ذلك نقول بعونه تعالى بان من بين الروايات ما تعرّض لاعتبار اجتناب الكبائر فى تحقق العدالة هو رواية ابن ابى يعفور المتقدمة ذكرها و لم اجد فى غيرها تعرّضا لذلك.

فنقول يستفاد من قوله عليه السّلام فيها و يعرف باجتناب الكبائر كون ذلك معرّفا

______________________________

(2)- الرواية 3 من الباب 48 من ابواب

جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 99

للعدالة بقول بعض و كونه جزء مفهوم العدالة على ما فسّرنا الرواية سابقا.

[يقع الكلام في محقّق الاصرار]

فالإصرار على الصغيرة أيضا من الكبائر و يعتبر فى العدالة الاجتناب عنه أعنى ترك الاصرار فيقع الكلام.

أولا فى انّه بم يتحقّق الإصرار لا يخفى تحققه بتكرار صغيرة خاصة مع عدم تخلّل التوبة بينها مثل ان يخلق لحية مكررا و لم يتب بعد كل حلق كما انه لا يبعد تحققه باتيان صغائر مختلفة مع عدم التوبة بعد كل منها لصدق الاصرار بذلك أيضا.

و هل يتحقق الاصرار بمجرد صدور صغيرة من الشخص مع عدم تعقبها بالتوبة أم لا.

لا يبعد صدق الاصرار بذلك

لان هذا مقتضى ظاهره الرواية 4 من الباب 48 من ابواب جهاد النفس من الوسائل و هى ما رواها جابر عن ابى جعفر عليه السّلام فى قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار).

و مع ذلك لا حاجة فى صدق الاصرار بمجرد ذلك بان يقال بأنّه بعد ما يكون مفروض الكلام ما ذا ارتكب الشخص الصغيرة الواحدة مرة واحدة و لم يتب بعد بأنّه يصدق الاصرار من باب ان التوبة بعد ما كانت واجبة فورا فهو بتركه التوبة يصرّ على الصغيرة.

حتى يقال اشكالا عليه بانه لا يجب فى الصغيرة التوبة لان قوله تعالى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 100

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» الخ يدلّ على ان اجتناب الكبائر يوجب ان يكفر عن غيرها و هو الصغائر فعلى هذا لا يتحقّق الاصرار بصغيرة واحدة و

لو لم يتب.

و أن كان يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنّ غاية ما يدلّ عليه الآية الشريفة هو ان الصغيرة مكفرة باجتناب الكبيرة و هذا لا ينافى مع تحقق الاصرار به لو لم يتب بعدها كما هو ظاهر الرواية المتقدمة.

فان قلت بانه مع كون الصغيرة مكفرة فلا ذنب حتى يكون مع تركه الندم و التوبة بعدها اصرار على الذنب.

قلت انّ كونها مكفرة لا ينافى مع كونها ذنبا فانّها ذنب مكفّر و قد قال عليه السّلام بأنّ به يتحقق الاصرار فتأمل.

تتمة في ما اذا تبيّن للمأموم بعد الفراغ من صلاة الجماعة كون الامام على غير طهر
اشارة

او تبيّن كفره او تبيّن كون صلاته على غير القبلة او تبيّن كونه غير ناو للصّلاة أصلا او تبيّن فسقه فهل يجب على المأموم اعادة صلاته أو لا.

اعلم أنّ مقتضى الروايات فى غير الفرض الاخير اى صورة تبيّن فسقه هو عدم وجوب الإعادة على المأموم فارجع الباب 36 و 37 و 39 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و أمّا الصورة الأخيرة فمقتضى الفتوى عدم وجوب إعادة صلاة على المأموم لو تبيّن بعد الصّلاة فسق الإمام ثمّ أنّه قد وقع الكلام فى أنّه بعد مفروغيّة صحة

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 101

الصّلاة فى هذه الصورة هل تكون صلاة المأموم بلا أمام غاية الأمر حكم الشارع بصحة صلاته كما قيل به.

او تكون مع الإمام لان المأموم صلّى محرزا لوجود الامام و لكونه واجدا لشرائط الإمامة و يكفى ذلك.

[في ان مقتضى قاعدة الاجزاء صحّة صلاة المأموم]

أعلم ان مقتضى ما بيّنا فى الاصول فى مبحث الاجزاء هو أن لسان الأمارة و الاصل أن كان فردية مفادهما للمأمور به بمعنى أن لطبيعة المأمور به يكون فردان فقهرا يقتضي الإتيان بما هو فرد بمقتضى الأمارة او الأصل للاجزاء خلافا لمتأخرى الاصحاب فعلى هذا نقول أنّ فى كل هذه الصور بعد كون مقتضى دليل اعتبار العدالة مثلا فى الامام مثل قوله عليه السّلام صلّ خلف من تثقه بدينه هو كون مجرد الوثوق بدينه فردا فلو كشف خلاف ذلك بعد الصّلاة فمقتضى القاعدة هو الاجزاء و عدم وجوب الإعادة على المأموم و هكذا فى سائر الصور المذكورة فعلى هذا تكون صلاة المأموم واجدا للشرط و مع الامام و بما قلنا يظهر لك أنّه لا حاجة فى عدم وجوب اعاده الصّلاة على المأموم لو كشف فسق

الإمام بعد الصّلاة الى أتعاب النفس فى وجه عدم وجوب الإعادة بما ذكر فى كلماتهم فافهم و بعد ما رأوا عدم دليل خاص على عدم وجوب إعادة فى صوره تبيّن فسق الامام تمسّكوا و تشبثوا ببعض امور اخر و لكن نحن غير محتاجين الى ذلك لأنّ مقتضى القاعدة هو الأجزاء ثم لو تنزّلنا عن ذلك فنقول أنّه لا يبعد عدم وجوب الإعادة على المأموم لو تبيّن فسق الامام بعد الصّلاة من باب تنقيح المناط و أنّه لا خصوصية لتبيّن عدم كون الإمام على الطهارة او على غير القبلة او كونه كافرا او غيرنا فى عدم وجوب الاعادة فبعد ورود الدليل على عدم وجوب الاعادة على المأموم فى هذه الصّور نقول به فى صورة تبيّن فسق الامام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 102

بإلقاء الخصوصية.

فقد تحصل ممّا ذكر ما هو محقّق العدالة و ما هو أمارة عليها هذا تمام الكلام فى العدالة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 103

[المطلب الرابع] الكلام فى شرائط الجماعة

اشارة

و هي أمور:

الأوّل من شرائط الجماعة: عدم الفصل بين المأموم و بين الامام

و بين بعض المأمومين و بعض اخر اذا كان الواسطة بين الامام و بين بعض المأمومين بعضا اخر.

الثانى من شرائط الجماعة: عدم الحائل بين الامام و المأموم
اشارة

و كذا بين بعض المأمومين مع بعض اخر الّا النساء.

أعلم أنّ منشأ الحكمين هو رواية زرارة الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه فى الفقيه و الكليني رحمه اللّه فى الكافي و الشّيخ فى التهذيب عن الكافى و بين نقل الصّدوق رحمه اللّه و الكافى و كذلك نقل الشّيخ رحمه اللّه و الكافى مع أنّه نقل عن الكافى اختلاف.

و كلّ من الصّدوق رحمه اللّه و الكافى نقلا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة و على ما قال الصّدوق رحمه اللّه فى المشيخة هو يروى عمّن يكون صاحب الكتاب.

و حيث انّه روى عن زرارة فلا يكون موافقا لبنائه من نقل الرواية عن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 104

صاحب الكتاب لانّ زرارة ليس له كتاب فهو و كذا الكلينى نقلا عن كتاب حماد بن عيسى و و المراجع بالوسائل يرى ان مؤلفه رحمه اللّه نقل هذا الرواية بوضع لا يكون موافقا مع الكافى فى نقله عن الكافى و كذا عن الصدوق مع التقطيع الواقع فيها منه رحمه اللّه).

[في نقل الرواية عن الفقيه]

فنحن نذكر الرواية عن الفقيه أولا ثم عن الكافى ثانيا فنقول بعونه تعالى.

ان الصدوق رحمه اللّه فى الفقيه فى ص 386 قال و روى زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام أنّه قال ينبغى للصفوف ان تكون تامّة متواصلة بعضها الى بعض و لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان اذا سجد. «1»

و قال ابو جعفر عليه السّلام ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و أىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك

لهم بصلوة و ان كان (بينهم) سترا (شبرافى) او جدارا فليس تلك لهم بصلاة الا من كان حيال الباب.

قال و قال هذه المقاصير انّما احدثها (احدئها فى) الجبّارون فليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلاة قال و قال ايّما امرأة صلّت خلف امام و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس لها تلك بصلوة قال قلت ان جاء انسان يريد ان يصلّى كيف يصنع و هي الى جانب الرجل قال يدخل بينها و بين الرجل و تنحدر هى شيئا هذا بنقل الفقيه. «2»

______________________________

(1)- الفقيه، ج 1، ص 386، ح 1143.

(2)- الفقيه، ج 1، ص 386، ح 1144.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 105

[في نقل الرواية كما في الكافي]

و اما الرواية بنقل الكلينى رحمه اللّه فى فروع الكافى ص 707 على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن هريز عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال ان صلّى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة (امام بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم). فان كان بينهم سترة او جدار فليست تلك لهم بصلوة الا من كان من حيال) الباب.

قال و قال هذه المقاصير لم يكن فى زمان أحد من النّاس و انّما احدثها الجبّارون ليست لمن صلّى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلاة.

قال و قال ابو جعفر ينبغى ان يكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين صفين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان. «1»

ثم اعلم انه كما ترى يكون بين الكافى و الفقيه اختلاف من حيث النقل فنتكلم فيما هو

مفاد الرواية بنقل الفقيه بعونه تعالى.

انّ الرواية مشتملة على فقرات و هل صدر هذه الفقرات من ابى جعفر عليه الصلاة و السلام مرة واحدة او مرات متعددة كل محتمل.

[ظهور الرواية فى الاستحباب لا ينكر]

و على كل حال الظاهر من الفقرة الاولى و هو قوله عليه السّلام (ينبغى للصفوف ان تكون تامة متواصلة بعضها الى بعض و لا يكون بين الصفين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان اذا سجد) هو استحباب كون الصفوف متواصلة تامّة و عدم كون بين الصفين ما لا يتخطّى اما ظهور هذه الفقرة فى الاستحباب فهو ممّا لا

______________________________

(1)- الفروع من الكافى، ج 3، ص 385، ح 4.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 106

ينكر لظهور لا ينبغى فى ذلك و قوله عليه السّلام و لا يكون بين الصّفين الخ.

المراد منه كما يدل عليه الصدر هو ان لا يكون بين الصفين ما لا يتخطا و قدر ذلك سقط جسد الانسان اذا سجد فظاهر ذلك اعتباره بين موقف كل صفّ مع موقف الصف المتاخّر هذا بحسب الظاهر مفاد هذه الفقرة و دلالتها على الاستحباب مما لا ينكر لظهور لا ينبغى فى الاستحباب مضافا الى عدم فتوى بلزوم هذا اى لا يلزم هذا المقدار من التواصل بين الصفين بحيث لا يكون فصل اصلا بين الصفين.

امّا الفقرة الثانية و هو هذا (و قال ابو جعفر عليه السّلام ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس لك لهم بصلوة) و ظاهر هذه الفقرة النهى عن كون الفصل بين الامام و بين المأموم

بما لا يتخطّى و كذا بين بعض الصفوف مع بعض اخر و من و الواضح كون الظاهر من الفصل و متعلّق النهى هو الفصل بحسب الطول لا الارتفاع و بعبارة اخرى عدم كون الفصل بحسب المسافة بما لا يتخطّى لا الفصل بحسب الارتفاع.

و أعلم أن ظاهر هذه الفقرة ينافى الفقرة السابقة لان الظاهر من السابقة عدم كون الفصل بما لا يتخطى مستحبا و الظاهر من هذه الفقرة هو النّهى عن الفصل بما لا يتخطّى و ظاهرها عدم جواز ذلك فينا فى استحباب عدم الفصل مع حرمته و هل يمكن رفع التعارض بين الفقرتين.

أمّا بحمل الفقرة الثانية بتأكد الاستحباب بمعنى ان الفقرة الاولى تدلّ على استحباب عدم الفصل بما لا يتخطّى و تدلّ الثانية على تأكد استحباب ذلك او بحمل الفقرة الاولى على الفصل و البعد بين الامام و المأموم او بين الصفّين و الثانية على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 107

الفصل بالحائل و هذا الحمل فى غاية البعد اذا الظاهر من كلّ الفقرتين هو بيان عدم الفصل و البعد بما لا يتخطّى او بحمل الاولى على كون الاعتبار بعدم الفصل بما لا يتخطّى بين موقف الصفّ المتقدّم و موقف الصفّ المتأخّر و بين الامام و المأموم و هو عبارة عن كون مسجد المتأخّر خلف موقف المتأخر خلف موقف المتقدّم و حمل الثانية على اعتبار الفصل بين مسجد المتأخر و موقف الصفّ المتقدم فيكون النهى عن عدم الفصل بين محل سجود الصف المتأخر و موقف الصفّ المتقدم بما لا يتخطّى فتكون النتيجة أن عدم كون الفصل بين موقف الصفّ المتأخّر مع موقف الصفّ المتقدّم بما لا يتخطّى يكون مستحبا و عدم الفصل بما لا يتخطّى بين

مسجد الصفّ المتأخّر و موقف المتقدّم يكون لازما و هذا الحمل بعيد لا شاهد عليه.

[في انّ ظاهر الفقرة الاولى بطلان الجماعة]

و اعلم ان ظاهر قوله عليه السّلام فى صدر هذه الفقرة (ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام) هو بطلان الجماعة ان كان بين المأمومين و الامام الفصل بما لا يتخطّى لا بطلان اصل الصّلاة لان مفاد قوله عليه السّلام (فليس ذلك الامام لهم بامام) بنفسه هو هذا و هذا لا ينافى مع عدم بطلان اصل الصّلاة لو لم يخلّ بوظائف الفرادى.

و لكن ظاهر قوله عليه السّلام فليس ذلك لهم بصلوة فى ذيل هذه الفقرة اعنى قوله (و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام فى) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلوة) هو بطلان اصل الصّلاة أيضا لا خصوص الجماعة اذا تحقق الفصل بين الصفّين بما لا يتخطّى لانّ ظاهر قوله عليه السّلام (فليس تلك لهم بصلوة) فى حدّ ذاته هو هذا و لازم ذلك بطلان الجماعة لو حصل الفصل بما لا يتخطّى بين صف المأمومين و الامام فقط.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 108

و بطلان اصل الصّلاة حصل ذلك بين كل صفّ لاحق مع الصفّ السابق و اما الفقرة الثالثة من الرواية و هو قوله عليه السّلام (و ان كان بينهم (سترا) او (جدارا) فليس تلك لهم بصلوة الا من كان بحيال الباب).

[ما الصادر من المعصوم عليه السّلام]

اعلم ان الصادر من المعصوم عليه السّلام ان كان (و ان كان سترا و جدارا) كما فى نقل الفقيه تكون هذه الفقر جملة مستقلّة.

و اذا كان الصادر (فان كان بينهم سترة (أو جدارا) كما فى الكافى تكون هذه الفقرة تفريعا على الجملة السابقة و على فرض كونها تفريعا قد يقال بانّ المراد من الفقرة السابقة

عليها ليس الفصل بالبعد بل المقصود بحسب الارتفاع الّذي يعم الفقرة الثالثة فيكون المراد من الفقرة الثانية هو مطلق البعد بالارتفاع لا بالسعة سواء كان حائلا او لا.

و المراد من الفقرة الثالثة يكون خصوص البعد بحسب الارتفاع الّذي يكون حائلا و لكن ان كان الصادر هو (و ان كان سترا فليس تفريعا على الفقرة الثانية و غير مربوطة بها) و على كل حال ما نرى فى هذه الفقرة هو التعرّض للستر على نسخة الفقيه و السترة على نسخة الكافى و التعرّض للجدار و انّه ان كان بينهم ستر و جدار فليس تلك لهم بصلوة.

و هل الحكم بعدم كون الفاصل بينهم سترا او جدارا و مانعيتهما يكون من باب كونهما مانعين عن المشاهدة حتى لو فرض كون جدار غير مانع عن المشاهدة مثل ما اذا كان الجدار مشبكة او من الزجاج لا يكون مانعا أو لا يكون كذلك بل يكون مانعية الستر و الجدار من باب كونهما مانعين عن تحقق الواحدة المعتبرة فى الجماعة و لهذا لو فرض جدار مشبكة او من الزجاج يكون مانعا لمنافاتهما مع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 109

هذه الواحدة.

[ذكر المستثنى و المستثنى منه]

ثم ان هذه الفقرة تشتمل على المستثنى و المستثنى منه امّا المستثنى منه فهو ما ذكرنا من قوله عليه السّلام (و ان كان بينهم ستر و جدار فليس تلك لهم بصلوة) و المستثنى و هو قوله (الا من كان بحيال الباب بنقل الفقيه او (ما كان من حيال الباب بنقل الكافى او (ما كان حيال الباب بنقل التهذيب) فيقع الكلام فى مفاد المستثنى فنقول لا نرى تعرّضا فى كلمات الفقهاء رحمه اللّه لهذه الجهة الّا ما ننقل من كلام الشيخ رحمه اللّه

فى المبسوط إن شاء اللّه تعالى ثمّ لا نرى تعرّضا لها فى كلام المتأخرين الّا ما حكي عن البهبهانى رحمه اللّه حيث قال بان المراد من حيال الباب هو من يكون فى حيال الباب و بين صفّ المأمومين و بين بعض الصوف مع بعض الآخر بما لا يتخطّى فيرجع كلامه الى أن من يكون في حيال الباب تصحّ صلاته و أمّا من يكون فى يمين الباب او يساره فليس تلك لهم ففرض رحمه اللّه كون باب للمقصورة خلف الامام و هو مفتوح فالمأمومون على أقسام ثلاثة فبعضهم واقع في حيال الباب المفتوح قبال المأموم و خلف الامام و بعضهم واقع فى يمين الباب لا يشاهدون الامام الواقع المقصورة و بعضهم فى يساره كذلك.

فمن كان بحيال الباب فحيث انه يشاهد الامام لان الباب مفتوح فصلاته صحيحة لعدم وجود الحائل بينه و بين الامام حائل فصلاته لما تكون صلوه و استر فى كلامه العلّامة الحائرى رحمه اللّه و هل يمكن الالتزام بما قاله الوحيد البهبهانى رحمه اللّه و الرواية ظاهرة فى ذلك أم لا.

اعلم انّه كما قلنا لم يتعرّض لهذا الفرع اىّ حكم من كان بحيال الباب و ما

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 110

المراد منه فى الرواية على ما تفحصنا الّا الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «1» و هو لم يتعرّض للرواية بل تعرض لفرع يظهر منه كون من كان بحيال الباب هو من يكون بحيال باب واقع فى طرف يمين الصفّ او يساره و لم يفرض ذلك فى باب واقع فى طرف القبلة خلف الامام و قدام المأموم و لا باب واقع خلف القبلة و الصفوف و من كلامه فى هذا الفرع يظهر صحّة صلاة

من كان واقع فى يمين الشّخص الواقع بحيال باب المقصورة او يساره على خلاف ما استظهره الوحيد البهبهاني رحمه اللّه و يظهر من وضع بيان الشيخ رحمه اللّه كون الصّلاة بحيال الباب و يطيل الصفّ الى محلّ اخر غير المسجد من حيال الباب متعارفا فى زمانه و انّ صلاة كل من كان بحيال الباب و من يتّصل بعد ذلك صحيح لاتّصالهم ببعض اهل صفّهم و عدم حائل بينهم و بينهم و لكن لا تصحّ صلاة كلّ من يكون قدامهم الواقعين فى دار اخرى لاجل وجود الحائل و هو الجدار بينهم و بين الصف الّذي يكون فى عرضهم فى المسجد.

[المراد من الباب، الباب الواقع فى اليمين او اليسار]

اذا عرفت ما بيّنا لك لا يبعد كون المراد من قوله عليه السّلام (الّا من كان بحيال الباب) هو من يكون بحيال الباب الواقع فى اليمن او فى يسار المسجد لا ان يكون المراد من الباب الواقع فى قبلة المسجد او فى مقابل القبلة.

اقول و لا ان يكون المراد باب المقاصير امّا باب المقاصير فقد يقال انّه المراد من باب قوله عليه السّلام بعد ذلك (و هذه المقاصير) فيقال انّه عليه السّلام بعد ما بين صحّة صلاة كل من بحيال بابها دفعا لتوهّم السّائل قال و امّا هذه المقاصير احدثها الجبّارون و لا تصحّ صلاة من خلفها و لكن لا يمكن حمل قوله عليه السّلام (الّا من كان بحيال الباب) على من يكون فى حيال باب المقصورة.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 156 و 157.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 111

(امّا أولا فلعدم معلوميّة كيفيّة وضع المقاصير و انّ بابها واقع في اىّ طرف منها و غير معلوم كون بابها خلف الامام الواقع فيها قدام المأمومين.

و ثانيا البدعة

ظهرت فى زمان معاوية عليه لعنة اللّه و كان منشأ ذلك خوفه من ان يقتل و مقتضى ذلك ان يكون بابها منسدّا كى يحفظ نفسه و بعد كون الباب منسدّا لا وجه لصحّة صلاة من كان بحيال الباب المسدود فعلى هذا هذا الفقرة اى قوله و هذا المقاصير الخ تكون فى مقام انّ ما ترى من الصّلاة خلف المقاصير مع عدم رويتهم الامام انّما يكون ممّا احدثها الجبارون فلا توهم ان ما قلت فى الفقرة السابقة عدم الصلاة ان كان الساتر بينهم ينافى مع ما يرى من الصّلاة خلف المقاصير مع وجود الستر لان ما ترى يكون من محدثات الجبابرة و بدعتهم).

اما كون النظر فى قوله الّا من كان بحيال الباب هو الباب الواقع فى الخلف اى مقابل القبلة.

فلا وجه له امّا أوّلا فلعدم تعارف كون باب المساجد فى قبال القبلة و ثانيا للخصوصية له.

و امّا كون النّظر الى الاعم من الباب الواقع فى دبر القبلة و فى يمين القبلة و ياسرها فيوجب المناقضة لان لازم ذلك صحة صلاة كل من يكون فى حيال الباب الواقع فى يمين القبلة او يسارها بلغ ما بلغ و عدم صحة صلاة كل من يكون فى الصف الواقع فى موضع يكون فى حيال الباب الا خصوص من يكون حيال الباب بناء على ما الزم به البهبهانى رحمه اللّه فيوجب حمل الباب على الاعم من الالتزام بعدم لصحة صلاة مجموع الصف الواقع فى حيال الباب من اليمين او اليسار و الالتزام بعدم صحّة صلاة الصفّ الواقع فى الخلف فى طرفى الباب الّا من كان بحيال الباب اذا كان الباب فى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 112

خلف القبلة و لا يمكن

الالتزام بذلك.

فعلى هذا القول بانّه لا يبعد كون قوله عليه السّلام الّا من كان بحيال دالّا على صحة صلاة كل من يكون فى يمين من بحيال الباب او يساره لانّه بعد كون قوله عليه السّلام الّا من كان بحيال الباب هو الباب الّذي فى يمين الصف او يسار فصحة صلاة كل من بحياله مع كون الحائل بين بعضهم و بين الصفّ المتقدّم عليهم لانّ كلّ من يكون بحيال الباب مع استطالة الصفّ بعد الباب الى خارج المسجد لا يرى الصفّ المتقدّم فصحّة صلواتهم يكون من باب انّهم يتّصلون ببعض اهل صفّهم الّذين لا يكون بين هذا البعض و الصّفّ الواقع قدامهم حائل.

فمن هذا يستفاد عدم مضريّة الحائل بين المأموم الواقع فى الصفّ اللّاحق و بين الصفّ الواقع فى قدامه اذا كان هذا المأموم متّصلا ببعض اهل صفّه الّذي لا يكون بين هذا البعض و صفّه المتقدّم حائل يمنع من المشاهدة.

فنقول انّ من يكون فى يمين من يكون بحيال الباب او يساره فهو و ان كان بينه و بين الصفّ المتقدّم حائل يمنع عن المشاهدة لهم و لكن هو متصل و يرى من يكون حائلا بينه و بين الصفّ المتقدّم و هو من يكون بحيال الباب.

فتلخص من كلّ ما ذكرنا عدم اعتبار عدم الحائل بين كلّ اهل الصفّ اللّاحق و الصفّ المتقدّم و لا بينهم و بين الامام بل يكفى عدم الحائل بين بعضهم و بين الامام و الصفّ المتقدّم و بين الصفّ الاوّل و بين الامام اذا كان البعض الاخر يرى هذا البعض الّذي لا يكون حائل بينهم و بين المأموم او الصّفّ المتقدّم.

ثمّ أنّه يمكن اين يقال فى توجيه قوله عليه السّلام ألّا من

كان بحيال الباب بأن الملحوظ فى صلاة الجماعة هو جهة واحدة و أعتبر فيها نحو اتحاد بحيث تعدّ عملا واحدا مع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 113

كونها قائمة بالمتعددين فحيث أنّهم يصلّون و يكون بينهم ربط فى صلاتهم و يكون الامام فيهم بمنزلة أمير لهم و هم يتبعونه و يأتى كل واحد منهم صلاته موافقا له و تابعون فيرى بينهم واحدة مع هذه الابهه و حيث أن المعتبر فيها واحدة خاصّة فكل ما يكون منافيا مع هذه الواحدة لا بدلهم من تركه كى يحفظ واحدتهم فعلى هذا نقول يمكن أن يقال بأنّ سياق هذه الرواية يشعر بكون مفادها ناظرا الى هذه الجهة و كون الحكم فى الفقرة الاولى بأنّه ينبغى كون الصفوف متواصلة و عدم الفصل بينها بما لا يتخطّى بقدر مسقط جسد الانسان ناظرا الى ذلك.

فعلى هذا اذا صلّى جماعة ثمّ بعد الفراغ من الصّلاة تبيّن فقد بعض شرائط صلاة الجماعة مثل كون الصّلاة بلا امام او كون الامام فى مكان عال او كون الفاصلة بين الامام و المأموم غير مفتغر او وجود حائل بين الامام و المأموم او بين الصفوف بعضها مع البعض و بالجملة كل ما كان مخلا للواحدة المعتبرة فى حقيقة صلاة الجماعة يحكم ببطلان أصل الصلاة و وجوب الإعادة و لا يقاس بفقد بعض شرائط نفس الامام من الطهارة و الاسلام و غير ذلك.

كما قلنا بصحّة صلاة المأموم بعد كشف الخلاف لانّ فى هذا المورد الواحدة المعتبرة فى الجماعة محفوظة و لو لم يكن فى البين نصّ فقاعدة الاجزاء حاكمة بخلاف ما نحن فيه.

[الكلام فى ما يقتضيه النصوص]

و الكلام فى هذه الجهة يقع تارة فى صورة عدم اخلاله بما هو وظيفة الفرادى و

تارة بقع فى صورة اخلاله بما هو وظيفة الفرادى مثل ما اذا ترك القراءة او زاد ركنا او اخذ فى شكّه بقول الامام و رجع إليه.

و فى كل من الصورتين يقع الكلام تارة فيها بحسب ما يقتضيه النص و اخرى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 114

فيما تقتضيه القاعدة اما الكلام فيما يقتضيه النصوص.

فنقول ان لسان النصوص الواردة يكون مختلفا فمن بعض الروايات الواردة فيما اذا تبين كون الامام كافرا او على غير القبلة او على غير طهر يستفاد صحّة صلاة المأموم.

و يمكن ان يقال بدلالة قوله ابى جعفر عليه السّلام فى رواية زرارة الواردة فى الحائل الّتي تقدم الكلام فيها فى المسألة السابقة فى احد فقراتها و هو قوله عليه السّلام (اذا صلى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بامام) على صحة اصل الصّلاة و عدم وقوعها جماعة بناء على كون هنا فعلى قوله عليه السّلام فليس ذلك الامام لهم بامام و فى قبال ذلك يستفاد من بعض النصوص عدم صحة اصل صلاة المأموم أيضا و لزوم استينافها لو انكشف بعد الفراغ عنها كونها فاقدا لشرط من شرائط المعتبرة فى صلاة الجماعة مثل ما ورد فى رحلين صليا معا ثم بعد الفراغ عنها يدعى كل منهما انه ائتم و اقتدى بالآخر و هى الرواية 1 من الباب 29 من ابواب صلاة الجماعة فقال على عليه السّلام (صلاتهما فاسدة و ليستأنفا) و ما ورد فى بعض فقرات رواية زرارة الواردة فى بيان مانعية الحائل و الفصل بأزيد ممّا لا يتخطّى فقال ابو جعفر عليه السّلام فيها (اذا صلى قوم بينهم و بين الامام ستره او جدار فليس تلك لهم

بصلوة) و كذا قال عليه السّلام فيها (و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام و بينهم و بين الصفّ الّذي تقدّمهم قدر لا يتخطى فليس تلك لهم بصلوة) بناء على كون المراد من نفى الصلاتيه نفى اصل طبيعة الصلاة لا خصوص و صفّ الجماعة هذا حال الروايات فما نقول فى المقام يمكن انّ يقال بالنسبة الى غير رواية زرارة بأنّه لا تعارض بين الروايات لان بعضها يدل على صحة صلاة المأموم لو انكشف عدم كون الامام على طهارة او على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 115

كونه على غير القبلة. (و على كونه كافرا.

و بعضها يدلّ على لزوم الاستيناف على المأموم و هو رواية السكونى فيما لو صلّى رجلان و ادعى كل منهما المأموميّة للاخر فهو فى هذا المورد الخاص فمورد وجوب الاستيناف غير مورد عدم وجوب الاستيناف و يمكن ان يقال بان مفاد الطائفة الاولى و هى ما دل على عدم وجوب اعادة الصّلاة على المأموم لو انكشف بعد الصّلاة الاخلال ببعض الشروط هو كون منشأ عدم وجوب الاعادة من باب ان ما يتقوّم به الجماعة و هو وجود الامام و من يكون متبوعا فى هذه الصّلاة و حافظا للاجتماع و كالرئيس و الامير لهم موجود على الفرض و انما فقد بعض شرائطه لانه فى جميع صور المنصوصة يكون الصّلاة مع الامام غاية الامر هي فاقده لبعض الشرائط فمن شرائطها ان يكون مسلما و على الطهارة و على القبلة فهو اى ففيما انكشف كونه كافرا فاقدا الشرط الاول و فيما انكشف كونه على غير طهارة فاقدا للشرط الثّاني و فيما انكشف كونه على غير القبلة فاقدا للشرط الثالث و الا فالجماعة تكون مع الامام

فى كل الفروع.

و المفاد الطائفة الثانية فهو وجوب الاعادة و الاستيناف فيما تداعى المأمومية كل من الرجلين هو كون ذلك لاجل عدم كون الجماعة مع الامام و كونها فاقدة لمقوّمها لا لبعض الشرائط فيقال بانه يستفاد من مجموع الطائفتين.

ان فى كل مورد انكشف بعد الفراغ من صلاة الجماعة كون الجماعة فاقدة لمّا هو مقومها نحكم باستيناف الصّلاة و هو عدم وجود امام لها اصلا و هو مفاد الطائفة الثانية اىّ رواية السكونى و انّه فى كل مورد انكشف بعد الصّلاة كونها فاقدة لشرط من شرائط الجماعة مع تحقق ما هو مقوم لها فيقال لعدم طهارة الامام او كونه على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 116

غير القبلة او كونه كافرا بصحة صلاة المأموم و هو مفاد الطائفة الاولى فعلى هذا لا خصوصية لمّا ذكر فى النصوص من تبيين كون الامام كافرا او على غير طهر او على غير القبلة بل يتعدى الى غيرها مما يكون من الشرائط مع تحقق ما هو مقوّم الجماعة بإلقاء الخصوصية.

و اما فى خصوص رواية زرارة فيحتمل ان يكون المراد من قول ابى جعفر عليه السّلام فى بعض فقراتها (فليس تلك لهم بصلوة) هو نفى اصل الصلاتية أعم من الجماعة و الفرادى فعلى هذا يعارض مع قوله عليه السّلام في فقرتها الاخرى (فليس ذلك الامام لهم بامام).

و أمّا مقتضى القاعدة فكما قلنا فى اخر بحث العدالة فى صورة تبين كون الامام فاسقا هو الاجزاء على ما قلنا فى الاصول من أنّه اذا كان لسان الأمارة و الاصل الفرديّة لمدلولها فيوسّع موضوع الدّليل الاوّل بايجاد فرد اخر له مثلا كون ما بين المشرق و المغرب قبلة يوجب كون الاستقبال المذكور بحكم الاستقبال الى

الكعبة و له فردان. هذا تمام الكلام فى شرائط الجماعة.

الثالث من شرائط الجماعة: عدم تقدّم المأموم على الامام

قال صاحب المدارك بعد قول المصنّف (لا يجوز ان يقف المأموم قدّام الامام) هذا قول علمائنا و وافقنا عليه اكثر العامة لانّ المنقول من فعل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليه السّلام امّا نقدم الامام او تساوى الموقفين فيكون الاتيان بخلافه خروجا عن المشروع و لانّ المأموم يحتاج مع التقدم الى استعلام حال الامام بالالتفات الى ما ورائه و ذلك مبطل.

و مقتضى العبارة جواز المساواة بينهما فى الموقف و به قطع أكثر الاصحاب و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 117

حكى فيه العلّامة فى التذكرة الاجماع. «1»

و يدلّ على جواز التساوى مضافا الى دعوى الاجماع صحيحة محمّد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام قال الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم أن يمينه فان كانوا اكثر من ذلك قاموا خلفه «2».

و حسنة زرارة عن الصادق عليه السّلام قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجلان يكون جماعة فقال نعم و يقول الرجل عن يمين الامام. «3»

و دلّت الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الامام و قول ابن ادريس فى السرائر «4» باعتبار تأخر المأموم مطلقا و كذا قول صاحب الحدائق «5» بوجوب التأخر اذا كانوا متعدّدين و المساوا اذا كان واحدا مخالف للشهرة.

و اعلم انّ بعض العامّة أعتبر فى الجماعة أمرا اخر و هو تتميم الصّفوف و عدم تشكيل صفّ قبل تماميّة الصّف المتقدّم و لا دليل عليه.

و امّا قول بعض متأخرينا من اعتبار متابعة الامام فى الافعال بل الاقوال نتكلم فيها إن شاء اللّه.

الرابع من شرائط الجماعة: عدم علوّ الامام على المأموم
اشارة

من الامور المعتبرة فى الجماعة عدم علوّ الامام على المأمومين يعنى مكانه أمّا

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 4 ص 330.

(2)- الرواية 1 من الباب 23 من

ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(4)- السرائر، ص 61.

(5)- الحدائق الناصرة، ج 11 ص 114.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 118

مساو لمكان وقوف المأمومين او أخفض.

و الدليل عليه ما رواه عمّا الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلّى بقوم و هم فى موضع أسفل من موضعه الّذي يصلّى فيه فقال ان كان الامام على شبه الدكان او على موضع أرفع من موضعهم لم تجر صلاتهم فأن كان أرفع منهم بقدر إصبع او أكثر او أقلّ اذا كان الارتفاع ببطن مسيل فان كان أرضا مبسوطة او كان في موضع منها ارتفاع فقام الامام على الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الارض مبسوطة ألا أنّهم فى موضع منحدرة قال لا (فلا) بأس.

قال و سئل فان قام الامام أسفل من موضع من يصلّى خلفه و قال لا بأس قال و أن كان الرّجل فوق بيت او غير ذلك و كانا كان او غيره و كان الامام يصلّى على الارض أسفل منه جاز للرّجل أن يصلّى خلفه و يقتدى بصلاته و أن كان أرفع منه بشي ء كثير و يقع البحث أوّلا فى سند هذا الرواية و ثانيا فيما يستفاد من منها مع «1» كون المتن مظطربا.

أمّا سندها فمورد الوثوق و كونه فطحيا لا يفرّ بذلك لانّ كتابه الّذي صفّه فى الفقه مورد الوثوق عند الاصحاب و كان مرجعا لهم و لم يضر منه قول يخالف مع مذهب أهل البيت فى زمان حياة امام الفطحيّة أعنى عبد اللّه الأفطح و صرف الوثوق كاف لنا فى الاخذ بقول الراوي و لا يلزم كون الخبر

صحيحا أعلائيّا بمعنى كون تمام رواته مذكى بتذكية عدلين كما قال صاحب المدارك و الّا لا يمكن لنا العمل بأخبار الآحاد فى الكتاب الّتي بأيدينا.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 119

كما أنّه لا يمكن طرحها من جهة اضطراب المتن بل لا بدّ من الأخذ بمقدار المتيقن و هو ان الامام اذا قام على الدكان و او السقف و المأمومين على الارض ليست صلاتهم بصحيحة و لا يخفى أنّ مثل الدّكان و السقف ملحوظة فيها ثلاثة أمور:

الأوّل: كونهما مشتملان على البناء.

الثاني: كون ارتفاعهما عن الارض دفعيّا.

الثالث: كون ارتفاعهما بحسب الوضع أزيد من مقدار إصبع بكثير.

أمّا الامر الاوّل فلا مدخلية له بنظر العرف لانّه لا فرق بنظرهم فى كون الارتفاع من جهة البناء او من جهة اخرى مثل علوّ نفس الأرض.

و أمّا الثّاني و الثّالث فقابلان للبحث و ان كان لا يبعد دعوى عدم الدخالة للثاني عند العرف بل المدار نفس الارتفاع.

و أعلم أنّ هنا ثلاثة شروط:

الأوّل: فان كان أرفع منهم بقدر إصبع.

الثاني: اذا كان الارتفاع ببطن مسيل.

الثالث: فان كان أرضا مبسوطة.

و جزاء واحد و هو (لا بأس)

[فى ما يستفاد من الشرط و الجزاء]

و يستفاد من الشرط و الجزاء أنّه اذا كانت الارض منحددة مثل كونها بطن مسيل و كان موضع الامام ارفع بمقدار إصبع او ازيد او اقل لا بأس بهذه الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 120

و كذا يمكن أن يقال ان كانت الارض مبسوطة و الارتفاع بمقدار إصبع او أزيد او أقل لا بأس بها.

و لا يبعد أنّه يكون الشرط فى الرواية هو قوله عليه السّلام فان كان أرفع منهم بقدر إصبع او اكثر او أقلّ فى مقابل قوله (أن

كان الامام على شبه الدكان او على موضع أرفع من موضعهم لم تجر صلاتهم) فعلى هذا تشمل الرواية مقدار القريب من الاصبع و لا فرق فيه بين انحدار الأرض و انبساطها دفعيا كان او تدريجا و كان علوّها من جهة نفس الارض او من فعل صانع كما يستفاد ذلك من كلام الشّيخ فى النهاية حيث قال و لا يجوز أن يكون الامام على موضع مرتفع من الارض مثل دكان او سقف او ما أشبه ذلك فان كان أرضا مستويا لا بأس بوقوفه عليه و ان كان أعلى من موضع المأمومين بقليل. «1»

لانّه فرض الصّحّة فى صورة قلّة الارتفاع و لم يذكر قيد الانبساط و لانحدار فتلخص ما هو الملاك قلّة الارتفاع بمقدار إصبع او أزيد او أقل و كثرتها لا غيرها لصحّة صلاة المأمومين و بطلانها و أمّا العامة فيقولون بالكراهة كما عرفت أنّهم لا يقولون بكون البعد أيضا فادحا و أن كان كثيرا و ان نقل عن الشافعى من أنه لا بدّ ان لا يكون أزيد من ثلاثمائة زراع.

______________________________

(1)- النهاية، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 121

المقصد السابع في احكام الشكوك

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 123

المقصد السابع: في احكام الشكوك

المقصد الثاني من المقاصد الّتي نتعرّض فى الخلل في حكم الشك فنقول قد بينا لك فى اوّل بحث الخلل على سبيل المقدمة.

بان السهو المصطلح و هو السهو الّذي يعرض للشخص ثمّ يذهب سهوه و يتوجّه بسهوه و ذهوله عن الواقع

و الشك و هو الترديد.

واقعان تحت جامع واحد و هذا الجامع هو السهو و الذهول عن الواقع لان فى كل من القسمين صار الذهول عن الواقع موجبا لفعل او لترك فمن يترك جزءا من اجزاء مركب يتركه لاجل

طرو السهو و ذهوله عن الواقع سواء طرأ بعد هذا الذهول له الشك و الترديد و بعبارة اخرى ابتلى بالجهل البسيط و لم يدر بما هو الواقع او انه بعد ذهوله عن الواقع و ترك الجزء لاجل ذهوله التفت الى ما تركه و تذكر تركه و توجه بسهوه كما هو الحال فى السهو المصطلح لان منشأ الترك فى كل منهما ذهول الواقع و غروبه عن ذهنه و لهذا كل من القسمين واقعان تحت جامع واحد و هو السهو و لهذا يصح ان يقال ان الكلام فى الخلل يقع فى احكام السهو و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 124

من هنا يظهر لك ان ما يظهر من كلام بعض الفقهاء رحمه اللّه كصاحب المدارك رحمه اللّه بل و صاحب الجواهر رحمه اللّه من عدم كون جامع بين السهو و الشك ليس فى محله لما ذكرنا من وجود الجامع بينهما.

[في انّ الكلام في الشّك يقع في موردين]

اشارة

اذا عرفت ذلك نقول ان الكلام فى الشك يقع في موردين:

المورد الاول في الشكوك المنصوصة و هي خمسة
الاول منها الشك بين الاثنتين و الاربع
اشارة

فحكمه وجوب البناء على الاربع و جعل الركعة المردّدة بين الثانية و الرابعة الركعة الرابعة و يتشهد و يسلم بعدها و يتمّ الصّلاة ثمّ يصلّى بعد الصّلاة ركعتين و قائما و هذا الحكم من متفردات الامامية و لا يقول به العامة بل بنائهم على الاقل بمقتضى عدم الاتيان بالزائد على الاثنين.

[في ذكر الروايات الدالّة في المقام]

و الدال على حكمها روايات:

الاولى: ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اذا لم تدر اثنتين صلّيت أم اربعا و لم يذهب وهمك الى شي ء فتشهد و سلّم ثم صلّ ركعتين و اربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ثمّ نتشهد و تسلم فان كنت انّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الاربع و ان كنت صلّيت اربعا كانتا هاتان نافلة. «1»

الثانية: ما رواها ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يدرى ركعتين صلى أم اربعا قال يتشهد و يسلم ثم يقوم فيصلّى ركعتين و اربع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 125

سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثمّ يتشهد و يسلّم و ان كان صلّى اربعا كانت هاتان نافلة و أن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام أربعة و ان تكلّم فليسجد سجدتي السهو. «1»

الثالثة: ما رواها زرارة عن أحدهما عليه السّلام فى حديث قال قلت له من لم يدر في أربع هو أم فى ثنتين و قد أحرز الثنتين قال يركع ركعتين و اربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد و لا شي ء عليه. «2»

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي

او أربعة قال يسلّم ثمّ يقوم فيصلّى ركعتين بفاتحة الكتاب و يتشهد و ينصرف و ليس عليه شي ء «3».

الثاني منها الشك بين الاثنين و الثلاث و الاربع
اشارة

فحكمه على المشهور أنّه يجب على المصلّى البناء على الاكثر و اتمام الصّلاة ثمّ الاتيان بركعتين قائما و ركعتين جالسا و أن حكي عن الصّدوق رحمه اللّه التخيير بين ما قلنا و بين ركعة قائما و ركعتين جالسا فنذكر الاخبار الواردة فى الباب.

[في ذكر الروايات الدالّة في الباب]

الاول: منها ما رواه الصّدوق رحمه اللّه باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي

ابراهيم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم اربعا فقال يصلّى ركعة من قيام ثمّ يصلّى ركعتين و هو جالس. «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 126

الثاني: منها ما رواه ابن ابى عمير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى او ثلاثا أم اربعا قال يقوم فيصلّى ركعتين من قيام و يسلّم ثم يصلّى ركعتين من جلوس و يسلّم فان كانت اربع ركعات كانت الركعتان نافلة و الّا تمّت الاربع. «1»

الثالث: منها قال و قد روي أنّه يصلّى ركعة من قيام و ركعتين و هو جالس «2» قال صاحب الوسائل قال ابن بابويه ليست هذه الاخبار بمختلفة و صاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ فهو مصيب و عن فقه الرضوى قال و ان شككت فلم تدر اثنتين صلّيت او ثلاثا او اربعا فصل ركعة من قيام و ركعتين من جلوس.

لا يمكن التمسك لما قاله الصدوق رحمه اللّه برواية

فقه الرضوى لمّا قلنا من أن انتسابه الى جنابه عليه السّلام لم يثبت.

و كذا لا يمكن التمسّك برواية ابي ابراهيم لانّ فى النسخ المصححة ذكر لفظ عليه السّلام بعد ابى ابراهيم و ان كان فى الوسائل حذف لفظ عليه السّلام و هذا موجب لعدم الاعتماد و على هذه الرواية.

فلم يثبت فى المقام ما يدل على فتوى الصدوق من كونه مخيرا بين الركعتين من قيام و ركعتين من جلوس و بين ركعة قائما و ركعتين جالسا.

و الاحوط تقديم الركعتين قائما ثمّ ركعتين جالسا.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 127

الثالث منها الشكّ بين الاربع و الخمس
اشارة

و حكمه وجوب البناء على الاربع و وجوب سجدتي السهو لدلالة روايات:

[في ذكر الروايات الدالّة فى المورد]

الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا كنت لا تدرى اربعا صلّيت او خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلم بعدهما. «1»

الثانية: ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا لم تدر خمسا صلّيت أم اربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس ثمّ سلّم بعدها. «2»

قدر المتيقن من صور الشك بين الاربع و الخمس هو الشكّ بينهما بعد اكمال الركعة.

و منها الشك بينهما قبل الركوع من الركعة المرددة بين الرابعة و الخامسة قد قال بعض في هذه الصورة بانّه يجلس فينقلب شكّه الى الثلاث و الاربع فيعمل عمل الشاك بينهما و يزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام.

و منها الشك بينهما فى حال الركوع يمكن ان يقال في وجه صحّة الصّلاة في ما نحن فيه: بأن يعمل عمل الشّك بين الثلاث و الأربع من إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس بعد الصّلاة، و عمل الشك بين الأربع و الخمس من إتيان سجدتى السهو و يتم الصّلاة بأن يأتي بما بقي من الركعة من السجدتين و التشهد و السلام، ثمّ يعمل عمل الشكين و تصح الصّلاة.

أمّا عمل الشّك بين الثلاث و الأربع لأنّه بعد كونه حال الركوع شاكا في أن ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 128

بيده هل هي الرابعة أم الخامسة، فيشك قهرا في أن الركعة السابقة هل كانت الثالثة أو الرابعة،

فيعمل عمل الشّك بين الثلاث و الاربع لأجله، و أمّا عمل الشّك بين الاربع و الخمس فحيث إنّه في حال الركوع يشكّ في أن ما بيده هل هى الرابعة أم هى الخامسة فبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم الزيادة، و يأتي بما بقي من الركعة و يعمل بعد الصّلاة عمل هذا الشك، فتصح صلاته، لأنّ نقص المحتمل منجبر بصلوة الاحتياط، و زيادة المحتملة مدفوع بالاصل.

و فيه أنّه كما قلنا لا مورد لعمل الشّك بين الثلاث و الاربع، لأنّ بالركعة المحتملة لا بد أن تجبر نقص الصّلاة و فيما نحن فيه يكون الشّك في الزيادة أيضا لا في النقص فقط، و أمّا عمل الشّك بين الأربع و الخمس و تصحيح الصّلاة به، فكما قلنا مضافا إلى احتمال خصوصية فى مورد النص، و هو ما إذا شك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين نقول كما بينا سابقا بأنّه نفهم من الدليل الدال على الحكم بالصحة في بين الاربع و الخمس بعد إكمال السجدتين اعتبار الاستصحاب فى مورده، و الحكم بعدم وقوع زيادة و لا يدل الاستصحاب على لزوم إتيان ما بقي من الركعة كما في ما نحن فيه، لأنّه لو جرى الاستصحاب يحكم بعدم زيادة ما وقع من الركعة و لا يمكن إثبات لزوم ما بقى من الركعة، إلا على القول بالاصول المثبتة و لم نقل بها. «1»

[الرابع منها في حكم الشكّ بين الثلاث و الاربع]

فيظهر لك مما مرّ بطلان الصّلاة في هذه الصورة أى: في ما شك بين الثالثة

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّه يمكن اجراء استصحاب عدم إتيان الركعة الرابعة، فيأتى بما بقى من اجزاء الركعة بامره المتعلّق به من أول الأمر لا بالاستصحاب حتّى يقال: بأن استصحاب عدم إتيان الركعة الرابعة

لا يثبت أن ما مضى كانت الثالثة و ما في ركوعه هى الرابعة، نعم لو قلنا:

بعدم اجراء الاستصحاب في الركعات مطلقا يشكل ذلك. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 129

و الرابعة حال الركوع و مثل هذه الصورة ما إذا شك بين الأربع و الخمس بعد الركوع، أو في السجدة الأولى أو بين السجدتين، نعم في السجدة الأخيرة كلام ربما يقال:

بالفرق بين الشّك فيها و في غيرها من أبعاض الركعة، هذا تمام الكلام في هذه المسألة

من الشّكوك المنصوصة الشّك بين الثلاث و الأربع، و الكلام فيه في مقامين:

الأوّل في أنّه هل يصح الصّلاة بالبناء على الاكثر و إتيان نقص المحتمل من الركعة مفصولة؟ الثانى في كيفية إتيان نقص المحتمل هل هو الركعة عن قيام متعينا، أو التخيير بين الركعة عن قيام و ركعتين عن جلوس؟ فنذكر أخبار الباب حتّى يظهر لك الحق في كلا المقامين، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الأولى: ما رواها أبان عن عبد الرحمن بن سيابة و أبى العباس جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا (إلى أن قال) و إن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين و انت جالس). «1»

تدلّ بظاهرها لو كنّا و هذه الرواية على البناء على الأربع و الانصراف و ركعتين بعد الصّلاة لانه قال (فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس).

الثانية: الرواية 4 من الباب المذكور،

الثالثة: الرواية 5 من الباب المذكور،

الرابعة: الرواية 6 من الباب المذكور،

الخامسة: الرواية 3 من الباب المذكور، و هى تدلّ على إتيان ركعة عن قيام لجبر نقص الركعة المحتملة بناء على حملها على إتيان ركعة مفصولة كما هو مذهب

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الخلل من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 130

أهل الحق، و أمّا لو حملت على إتيان ركعة موصولة فتكون تقية، لأنّ المخالفين يقولون كذلك، لأنّ بنائهم البناء على الاقل.

السادسة: ما رواها جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال، في من لا يدرى ثلاثا صلّى أم أربعا، و وهمه في ذلك سواء، قال: فقال: إذا اعتدال الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار، و إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس الحديث). «1»

أمّا الرواية و ان كانت مرسله من حيث السند، لأنّ جميل يروى عن بعض أصحابنا، و البعض غير معلوم، و لكن مرسلات الجميل بحكم المسندات مثل ابن أبى عمير و بعض اخر و تدلّ على النبإ على الأكثر و التخيير في مقام الاحتياط و جبر نقص المحتمل بين إتيان ركعة عن قيام، و بين إتيان ركعتين عن جلوس، فلو دلت الروايات غير الرواية الخامسة على تعيين ركعتين من جلوس، و تدلّ الرواية الخامسة على تعيين ركعة عن قيام، و لكن هذه الرواية أى، الرواية السادسة تجمع بين الطائفتين و يرفع عن ظهور كل منهما في التعيين بسببها، فيحكم بالتخيير.

هذا ما من الأخبار، فيظهر لك بأن الحق في المقام الأوّل هو الحكم بالبناء على الأكثر كما هو مختار الفقهاء، و أن الحق في المقام الثانى هو التخيير في مقام الاحتياط و جبر نقص الركعة المحتملة بين ركعة عن قيام و بين ركعتين عن جلوس كما هو المشهور (فارجع في كشف فتوى الفقهاء مفتاح الكرامة) فافهم.

[الخامس منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث]
اشارة

من الشّكوك المنصوصة الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 8، ص: 131

اعلم أن في المسألة بعض الأخبار إمّا يدلّ بظاهرها على بطلان الصّلاة و على خلاف ما افتى به المشهور، و هو ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن رجل لم يدر أ ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال: يعيد. قلت: أ ليس يقال: لا يعيد الصّلاة فقيه؟ فقال: إنما ذلك في الثلاث و الأربع). «1»

فإن بظاهرها تدلّ على الإعادة في الشّك بين الاثنتين و الثلاث، فإن أمكن حملها على الشّك في صلاة المغرب، أو على صورة طروّ الشّك قبل إكمال السجدتين فهو، و إلّا فلا بدّ من طرحها لإعراض الأصحاب عنها، و مثلها الرواية 6 من الباب 8، فانّها مطروح لكونها معرضا عنها.

و إمّا يمكن حملها على ما أفتى به المشهور من صحة الصّلاة و جبر نقص المحتمل مفصولة، لكن ليس لها ظهور قوي في ذلك بحيث يمكن الاتكال به بنفسه على ما هو مختار المشهور، و هى الرواية 1 من الباب المذكور، و هى ما رواها حريز عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث قال: قلت له: رجل لا يدرى اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال: إن دخل الشّك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الاخرى و لا شي ء عليه و يسلّم. «2»

يحتمل كون المراد من قوله (ثمّ صلّى الاخرى) يعنى: يصلّى ركعة مفصولة، و الشاهد العطف بلفظ (ثمّ) و يكون المراد من قوله (مضى في الثالثة) يعنى مضى في الثالثة الاعتقادية بنظره قبل طروّ الشك، لأنّه دخل فيها بتخيل كونها ثالثتها ثمّ طرأ الشك في أن ما مضى هل الثالثة حتّى تكون ما بيده الرابعة، أو أن ما مضى كانت

______________________________

(1)-

الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 132

ثانية حتّى تكون ما بيده الثالثة، فعلى هذا تدلّ الرواية على البناء على الأكثر و إتيان ركعة مفصولة لجبر نقص المحتمل في صلاته.

و يحتمل أن يكون المراد من قوله (ثمّ صلّى الاخرى) إتيان ركعة موصولة و كان قوله (مضى في الثالثة) يعنى يبنى على اليقين و الأقل، و يجعل ما بيده ثالثة، يأتى بالرابعة، فعلى هذا توافق مع قول العامة فلا يمكن العمل بها و تطرح لموافقتها للتقية.

و الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسى عن العلاء قال: قلت، لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صلّى ركعتين و شك في الثالثة، قال: يبنى على اليقين، فإذا فرغ تشهد و قام قائما فصلّى ركعة بفاتحة القرآن. «1»

لا يبعد دلالتها على الصحة و البناء على الأكثر و إتيان ركعة مفصولة، و قوله (يبنى على اليقين) لا ينافى ذلك، لأنّ بعد كون المستفاد من ساير الأخبار الواردة في الشكوك، هو أن البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل موافقا للاحتياط و طريق اليقين ببراءة الذمة، فالمراد بقوله (يبنى على اليقين) هذا.

و لكن مع ذلك حيث إن سند الرواية من حيث إنّه روى في قرب الاسناد ليس بحيث يمكن التعويل عليها مستقلا، لعدم تسلم كون ما في أيدينا من قرب الاسناد بعينه هو قرب الاسناد، مضافا إلى عدم ظهور قوى لمتنها في أنّه يبنى على الأكثر و يجبر النقص المحتمل بمفصوله، لاحتمال كون المراد بالبناء على اليقين هو ما يقوله العامة، فلا يمكن جعل الرواية مدركا للمسألة

أعنى: للحكم بالبناء على الأكثر في الشك بين الاثنين و الثلاث. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- أقول: و لكن دلالة الرواية على ذلك واضحة و إن كان الإشكال يكون من حيث السند،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 133

هذا حال المسألة من حيث الروايات، و قد عرفت عدم وجود خبر يدلّ على البناء على الأكثر في الشّك المذكور و جبر النقص المحتمل مفصولة بعد الصّلاة. و قال بذلك في الذكرى لأنّه قال لم نقف فيه على رواية بالخصوص.

[عمدة الحكم بالبناء على الاكثر في هذه المسألة امور ثلاثة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأن العمدة في المسألة في الحكم بالبناء على الأكثر و إتيان النقص المحتمل مفصولة، هى امور ثلاثة:

الامر الأوّل: الشهرة

، فإن المشهور بين الفقهاء من القدماء رحمه اللّه و كذلك المتأخرين هذا الحكم، و لم يوجد من القدماء مخالف إلّا ما عن الصّدوق على بن بابويه رحمه اللّه من التخيير بين البناء على الأقل و بين البناء على الأكثر، و أمّا محمد بن على بن بابويه رحمه اللّه ففي الهداية ذكر رواية عمار «1» الدالة بإطلاقها على البناء على الأكثر، و أمّا في المقنع فلم ينقل الا رواية عبيد بن زرارة الدالة بظاهرها على وجوب الإعادة في مفروض الكلام، «2» و لكن مجرد النقل غير دال على كون فتواه ذلك.

و على كل حال لا إشكال في اشتهار الفتوى بذلك، كما أن المشهور أيضا هو أن ما يجب احتياطا بعد الصّلاة من الصّلاة الاحتياط هو ما قلنا في الشّك بين الثلاث و الأربع من التخيير بين ركعة من قيام و بين ركعتين من جلوس.

الأمر الثانى: أن يقال بدلالة رواية عمار

، و هى الرواية 3 من الباب 8 من أبواب الخلل من الوسائل، و هى هذه: عن عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شي ء من السهو في الصّلاة، فقال: ألا اعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على

______________________________

مع إمكان أن يقال: بأن ضعفها منجبر بالشهرة الموافقة لها. (المقرر)

(1)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 134

الأكثر، فاذا فرغت و سلمت، فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك كنت نقصت. كان ما

صلّيت تمام ما نقصت.

فهذه الرواية تدلّ على البناء على الأكثر و جبر نقص المحتمل بعد الصّلاة.

الأمر الثالث: أن يقال في وجه تصحيح الصّلاة في الفرض و البناء على الأكثر:

بأن ما نحن فيه من الشّك بين الثلاث و الأربع إما لأجل أنّ من يشكّ بعد إكمال السجدتين في أن الركعة الّتي مضى عنها هل تكون الركعة الثانية، أو تكون الثالثة، يشكّ في الحال في أن الركعة الّتي يقوم إليها هل هى الثالثة أم هى الرابعة، و إمّا من باب أنّه بعد ورود النص على أن الشاك بين الثلاث و الأربع يبنى على الأربع، و يأتي بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مفصولة، نفهم أن الوجه في هذا الحكم ليس إلا من باب الشّك بين النقص بركعة، و عدم نقص الركعة و ليس لخصوص كون الشك بين الثلاث و الأربع خصوصية، فلهذا يجرى الحكم المذكور في الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن في المقام اشكالا لا نرى توجه الفقهاء رحمه اللّه به و تعرضهم له، و هو أنّ بعد كون الشّك بين الاثنتين و الثلاث تارة يقع في حال القيام بمعنى أن في حال القيام يشكّ في أن ما مضى عنه من الركعة كانت ثانية أو كانت ثالثة، و تارة يشكّ بعد إكمال السجدتين و قبل القيام، و في هذه الصورة تارة بعد الإتيان بالتشهد طرأ له الشك، و تارة قبل التشهّد يشكّ في أن الركعة الّتي مضى عنها هل كانت ثانية أم ثالثة.

فيأتى الإشكال في ما إذا طرأ الشّك بعد إكمال السجدتين، و في الحال يشكّ في أنّه هل أتى بالتشهد أم لا؟ فإن كان هذا الجلوس بعد الركعة الثانية يجب التشهّد و إن كان بعد الركعة الثالثة مضى محل التشهد، و لا مجال

هنا لاجراء قاعدة التجاوز، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 135

الشبهة مصداقية بالنسبة إليها.

ففي هذه الصورة كيف يمكن الحكم بصحة الصّلاة بالبناء على الأكثر و إتيان نقص المحتمل بعد الصّلاة، لأنّ في الصّلاة احتمال نقص اخر و هو التشهد، و هذا الإشكال يجرى بالتمسك برواية عمار في هذه الصورة أعنى: صورة الشّك في إتيان التشهد و عدمه في ما نحن فيه، فهل يقال بمقتضى ذلك: ببطلان الصّلاة في صورة الشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشّك في إتيان التشهّد الأوّل، أو يكون وجه لتصحيح الصّلاة مع ذلك بالبناء على الأكثر أى: على الثلاث؟

قد يقال: بأنّه بعد كون النصوص دالة على البناء على الثلاث في هذا الشك، فلازمه عدم الاعتناء بالشّك في التشهد، لأنّ معنى البناء على الثلاث كون الركعة التي مضى عنها ثالثة، و لازمه كون الركعة السابقة عليها ثانية، فعلى البناء قد مضى عن محل التشهّد و لا يجب التشهد، بل و لا يجوز بعد البناء لأنها على هذا ثالثة.

و فيه أن دليل البناء على الأكثر لا يثبت ذلك، و وجهه أن لسان النصوص الدالة على البناء على الأكثر ليس لسان الأمارة، بل هذا حكم ثابت في حال الشك، و ليس مفادها إلا جرى العملى على هذا النحو. «1» إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه على ما قلنا من الإشكال فلا يشمل ما دل على البناء على الأكثر لهذه الصورة، لأنّ ما دل على البناء على الأكثر يكون لسانه تصحيح الصّلاة من حيث احتمال نقص الركعة لا

______________________________

(1)- أقول: و لا يبعد كون لسانها لسان الأمارة، لأنها ناظرة إلى الواقع، لأنّ مفادها هو تعليم الطريق لحفظ الواقع و براءة الذمّة على كل

حال، و هو أنّه إذا بنى على الأكثر و أتى بالنقص المحتمل مفصولة، فان كانت الصّلاة محتاجة بها تصير جبرا لها، و إلا تصير نافلة، و على كل حال يحفظ الواقع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 136

من أجل احتمال نقص التشهد. إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى.

و قد يقال في المورد بأنه يحتاط فيأتى بالتشهد في هذه الصورة احتياطا و تصح الصّلاة.

و لكن نقول: بأنّه لا يبعد في المقام القول بصحة الصّلاة و البناء على الثلاث و عدم وجوب التشهد، لأنّه يكون مجرى البراءة، فالمكلف بعد شكه في أن هذا الجلوس هو الجلوس بعد الركعة الثانية أو بعد الثالثة، فيشك في أنّه يجب عليه التشهد أم لا، فتجرى أصالة البراءة و مقتضاها عدم وجوب التشهد.

هذا كله في الشّكوك المنصوصة.

المورد الثاني فى الشكوك غير المنصوصة
اشارة

و هنا بعض شكوك اخر يكون الكلام في أنّه هل يبنى فيها على الأكثر من باب استفادة حكمها من الشّكوك المنصوصة أو لا، بل تبطل الصّلاة فيها (بناء على عدم اجراء الاستصحاب في الركعات.)

[في ذكر بعض شكوك اخر من الشكوك الغير المنصوصة في حال القيام]
اشارة

فنقول بعونه تعالى:

منها الشّك بين الثلاث و الأربع حال القيام

، فيشك في أن ما بيده الثالثة أو الرابعة، فهل يبنى فيه على الأربع مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع بعد الاكمال و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الخمس و الست حال القيام

، فهل يهدم القيام و تصح مثل الشّك بين الأربع و الخمس بعد الإكمال السجدتين أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 137

منها الشّك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام

، فهل يهدم القيام، فيرجع شكه إلى الثلاث و الأربع و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع

فيتم صلاته و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الاربع و الخمس و الست حال القيام

فهل يهدم القيام أم لا؟

اعلم أنّه في الفرضين الأولين تصح الصّلاة، ففي الشّك بين الثلاث و الأربع حال القيام يكون مثل الشّك بين الثلاث و الأربع حال الجلوس بعد الإكمال، لأنّ الشاك في هذا الحال شاك في أن ما بيده هل هى الثالثة أم الرابعة فيتمها رابعة، لأنه بالنسبة إلى الركعات التامة يكون شاكّا بين الاثنتين و الثلاث مضافا إلى أن دليل الدال على وجوب البناء على الأربع في الشّك بين الثلاث و الأربع بعد الإكمال يشمله بإلغاء الخصوصية، و على كل حال يبنى على الأكثر و يأتي بركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس، سواء كان من الشّك بين الاثنتين و الثلاث، أو الثلاث و الأربع، لأنّ عملهما على ما بينا سابقا من حيث صلاة الاحتياط و جبر نقص المحتمل، يكون واحدا.

و في الشّك بين الخمس و الست حال القيام حيث إنّه يجب هدم القيام على كل حال، لأنّه إن كان ما بيده خامسة يجب هدمه، و إن كان سادسة يجب هدمه أيضا، و بعد الهدم تصح الصّلاة، غاية الأمر يسجد سجدتى السهو إن قلنا بوجوبه في مثل المورد.

و أمّا في الثلاثة الأخيرة فقد يقال فيها: بوجوب هدم القيام، و رجوع شكه إلى أحد من الشّكوك الصحيحة المنصوصة المتقدمة، و لكن الحق فساد ذلك، لأنّه لا وجه لهدم القيام و لا موجب له، و مع عدم هدم القيام ليست من صغريات

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 138

احد الشكوك الصحيحة:

هذا كله في الشّكوك الغير المنصوصة الّتي يطرأ للمصلى حال القيام،

[في ذكر طرو بعض الشكوك بعد اكمال السجدتين]
اشارة

و هنا بعض الشّكوك المتصورة غير الشكوك المنصوصة، و لكن لا حال القيام، بل بعد إكمال السجدتين حال الجلوس.

منها الشّك بين الأربع و الخمس و الست بعد الإكمال

، فهل هو مثل الشّك بين الاربع و الخمس بعد الإكمال أم لا؟

و منها الشّك بين الثلاث و الأربع و الخمس بعد الإكمال

، فهل يعمل فيه عمل الشّك بين الثلاث و الأربع، و الأربع و الخمس و تصح الصّلاة أم لا؟

و منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و الخمس بعد الإكمال

السجدتين، فهل يعمل فيه عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و عمل الشّك بين الأربع و الخمس و تصح صلاته أم لا؟

لا يبعد الصحة في كل الصور بالنحو المذكور، ففي الفرض الأوّل يعمل عمل الشك بين الاربع و الخمس، لأنّه لا فرق في الشّك في الزيادة بين كون المحتمل الخمس، أو كان الخمس و الست، و في ساير الصور تصح بعمل العملين عمل كل شك مع عمل الشك بين الأربع و الخمس، و تصح الصّلاة في كل الصور، فافهم.

هذا تمام الكلام في الشّك في الركعات، و بعد ذلك يقع الكلام في بعض شكوك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 139

أخر إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى:

اعلم أنّه كما بينا سابقا يكون الشّكوك المربوطة بالصّلاة على أقسام، فبعضها يوجب بطلان الصّلاة كالشك الّذي يكون أحد طرفيه الركعتين الأولتين فما لم يكن الاوليان متيقن الوجود فالشك موجب لبطلان الصّلاة، و بعضها لا يوجب البطلان و تصح معه الصّلاة، و لكن يوجب التلافى، كالشكوك الّتي يبنى فيها على الأكثر أو الأقل، و لكن يجب سجدتى السهو كالشك بين الأربع و الخمس، و بعضها لا اعتبار به و قد بينا بعض صوره كالشك بعد التجاوز، و الشك بعد الفراغ، و الشك بعد الوقت.

و قد بقى بعض الشّكوك الّتي لا اعتبار به بمعنى أنّه لا يعتنى به و يصح مع طروه الصّلاة، و لا يفسدها و نتعرض له إن شاء اللّه.

[في حكم كثير الشك]
اشارة

منها أنّه لا حكم للسهو مع كثرته، لا إشكال في الحكم في الجملة و لا أجد مخالفا بل عدّه بحر العلوم رحمه اللّه من المسلمات، بل الضروريات، فعندنا يكون من المسلمات في الجملة، و ما ارى تعرضا له

في كلمات العامة من حيث اختصاص كثرة السهو بحكم خاص، و بعد كون هذا الحكم في الجملة من المسلمات و يكون الخلاف في بعض فروعه نتعرض لاخبار الباب إن شاء اللّه فنقول:

[في ذكر الروايات الواردة في كثير الشك]

الأولى: ما رواها حريز عن زرارة و أبى بصير جميعا (قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتّى لا يدرى كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد. قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك. قال: يمضى في شكه، ثمّ قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصّلاة فتطيعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصّلاة، فانّه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 140

زرارة: ثمّ قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فاذا عصي لم يعد إلى أحدكم). «1»

الثانية: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة، فيشك في الركوع، فلا يدرى أركع أم لا، و يشك في السجود، فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال: لا يسجد و لا يركع و يمضى في صلاته حتّى يستيقن يقينا الحديث). «2»

اعلم أن مورد هاتين الروايتين هو السهو المساوق للشك للتصريح فيهما بذلك.

الثالثة: ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فانّه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان). «3»

الرابعة: ما رواها ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك). «4»

و أمّا بعض الروايات الّتي توهّم دلالته على ما نحن فيه مثل ما رواها صاحب الوسائل في

ذلك و هى الرواية 4 من الباب المذكور، فلم يكن مربوطا بالمقام، و روى رواية بظاهرها ربما تعارض مع الرواية المذكورة، و هى غير معمول بها و معرض عنها.

[في ذكر بعض الفروع فى المقام]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأن الكلام في الجهات الراجعة إلى المسألة يقع في فروع:

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 140

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 141

الفرع الأوّل:
اشارة

هل هذا الحكم مخصوص بالسهو المساوق للشك، و بعبارة اخرى السهو الّذي منشأ للجهل البسيط، فإذا كان الشخص مبتلى بكثرة الشّك فلا حكم له، أو يكون هذا الحكم لمن كثر سهوه بالسهو المصطلح المساوق للجهل المركب، فمن يكون كثير السهو و ينسى كثيرا فلا حكم له، أو يعم الحكم لهما؟

اعلم أن الظاهر من كلام الفقهاء رحمه اللّه هو اختصاص هذا الحكم بالشّك أى بالسهو المساوق للشك، و قد يقال بتعميم الحكم للشك و للسهو المصطلح، و هو مختار المحقق الثانى رحمه اللّه و بعض اخر، و قد أصرّ بذلك صاحب الذخيرة رحمه اللّه، و لا يرى قائل بذلك قبل المحقق الثانى رحمه اللّه و إن تخيّل ذلك، لكن ليس كذلك، بل اكتفى القدماء بنفس ما في النص، و هذا لا يدل على انهم تعدّوا الحكم عن كثير الشّك إلى كثير السهو.

و ما قيل في وجه تعميم الحكم لكل من الشّك و السهو المصطلح عندهم هو أن يقال: بأنّه بعد كون الوارد في بعض الروايات المربوطة بالباب لفظ (السهو) و لفظ السهو و إن كان موضوعا لخصوص معناه المصطلح، و استعماله في الشّك

يكون مجازا و لكن يحمل لفظ (السهو) في هذه الروايات على كل من القسمين بعموم المجاز، لاستعمال السهو في الشّك كثيرا في الروايات.

[كل من السهو المصطلح و الشك فرد من السهو]

و لكن نقول: بأنّه على ما بينا في أول مبحث الخلل من أنّ كلا من الشّك و السهو المصطلح سهو، لأنّ السهو هو الذهول عن الواقع، و ذهول الواقع يصير تارة سببا لترك ما ينبغى فعله، أو فعل ما ينبغى تركه، و لا يلتفت إلى ذلك الساهى، بل يعتقد خلافه حال السهو، ثمّ بعد ذهاب السهو و التفاته يتوجه بأن ذهوله عن الواقع صار سببا لترك ما يلزم فعله، أو فعل ما يلزم تركه، فيكون نسيانه هذا مساوقا مع الجهل المركب، لأنّ حال السهو يعتقد على خلاف الواقع لأجل سهوه، و غروب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 142

الواقع عن نظره، ففي هذا القسم لا يلتفت الساهى إلى سهوه إلا بعد ذهاب السهو و التفاته.

و تارة السهو و ذهول الواقع يصير سببا للتردد و الشك، بمعنى أن غروب الواقع عن نظره يصير سببا للترديد و الشك، و هذا السهو مساوق مع جهل البسيط، و لازمه التردد و السهو، ففي هذه الصورة يكون الساهى حال سهوه ملتفتا بسهوه، و لأجل سهوه يشكّ في ما هو الواقع.

فالقسم الأوّل هو ما اصطلح عليه السهو عندهم، و القسم الثانى الشك، فظهر لك ممّا مر أن كلا من السهو المصطلح و الشك فرد من السهو، لأنّ منشأ كل منهما هو السهو و غروب الواقع، فليس استعماله في كل واحد منهما استعمالا في المعنى المجازى كما تخيّل، و لهذا من قال بتعميم حكم كثرة السهو لكل من القسمين قال بصحة ذلك بعموم المجاز أى: استعمال اللفظ في الجامع بين

معنى الحقيقى و المجازى، بل السهو موضوع لذهول الواقع، سواء كان هذا الذهول مساوقا للسهو المصطلح أو للشك.

إذا عرفت ذلك نعطف عنان الكلام إلى أنّه هل يكون عدم الحكم لكثرة السهو مختص بالسهو المساوق للشك أو بالسهو المصطلح، أو بكليهما.

فنقول: بأنّه يمكن أن يقال في وجه التعميم: بأن السهو على ما قلت أعم فيشمل كلا من القسمين.

و فيه أن أخبار الباب لا يشمل إلا السهو المساوق للشك، بيانه أن السهو المصطلح إذا عرض للشخص فسهى الواقع، فلا يلتفت الساهى بسهوه حال السهو، فلا معنى لتوجيه الخطاب إليه بأنّه (فامض في صلاتك و لا تعتن بسهوك) لأنّ سهوه مانع من التفاته بذلك، فإن توجه إليه الأمر بالمضىّ أو عدم الاعتناء بالسهو فلا بدّ و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 143

أن يتوجه نحوه بعد ذهاب سهوه و التفاته بأنّه لأجل السهو و ذهول الواقع سها عن الشي ء الفلانى لازم الترك فاوجده للسهو، أو لازم الوجود فسهى و تركه، فيقال له امض في صلاتك أو لا يضرّ سهوك.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّه لو كانت الرواية 3 و 4 الواردة فيها لفظ السهو ناظرتين إلى السهو المصطلح المساوق للجهل المركب و أنّه لا يعتنى به، فلا يمكن كونهما ناظرتين به و أنّه فامض في صلاتك إذا كثر عليك السهو حال السهو، لأنّه حال السهو غير ملتفت بالسهو، فالأمر بالمضىّ لو كان شاملا له فلا بد من توجهه به بعد سهوه.

فاذا كان كذلك نقول: بأنّه لا تشمل الروايتان لهذا السهو.

أمّا أوّلا فلأنّه بعد كون الأمر بالمضىّ في الروايتين بكثير السهو فيشمل السهو المساوق للشك، لأنّ الساهى الّذي صار سهوه عن الواقع سببا لطرو الشك له، فهو حال الشّك يلتفت بسهوه،

و حيث إنّه يلتفت بسهوه، و لكن مردد و شاك في الواقع، فيصح أن يقال له، و يأمر به في صورة كثرة شكه بأنّه امض في صلاتك، و لكن من يكون ساهيا بالسهو المصطلح، فلو توجه به التكليف بالمضى فلا يتوجه به إلا بعد ذهاب سهوه، لأنّ في هذا الحال يمكن أن يقال له: امض في صلاتك.

فاذا كان الأمر كذلك، نقول: بأن ما يسهو فيه بالسهو المصطلح، و كثر سهوه فيه إمّا ان يكون ممّا ينبغى تركه فيفعله و يوجده سهوا، و إمّا ان يكون ممّا ينبغى فعله فيتركه سهوا، فإن كان السهو صار سببا لوجود ما كان اللازم تركه، فإن كان الحكم الثابت له ثابتا حال العمد و السهو كليهما، و بعبارة اخرى يجب تركه حال العمد و السهو، فلا يشمله الروايتين، لأنّ الروايتين أعنى 3 و 4 من الروايات المتقدمة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 144

تكونان ناظرتين إلى السهو و أن الحكم الثابت للسهو لا يكون في مورد كثرة السهو، فلا يرتفع بهما ما ثبت لا بعنوان السهو، فإن كان الحدث مثلا ممّا يجب تركه في الصّلاة مطلقا أى: في حال العمد و السهو، فليس حكما ثابتا له بعنوان السهو، حتّى يقال: ليس هذا الحكم في صورة كثرة السهو فمثل هذا الحكم الثابت لا بعنوان السهو غير داخل في الروايتين.

و إن كان حكما ثابتا لأحد التروك بعنوان السهو، فان كان هذا الحكم حكما توسعيا موافقا للامتنان مثل أنّه دل الدليل على أن الكلام إذا صدر عن المصلّى سهوا فلا تبطل به الصّلاة، فأيضا هذا الحكم ممّا لا يمكن أن يقال بعدمه في صورة كثرة سهوه، لأنّ معنى ذلك هو أنّه إذا سها و

تكلم المصلّى لا تبطل به الصّلاة، و لكن إذا كثر في سهوه و كثيرا يسهو و يتكلم، فليس هذا الحكم و معنى عدم كون هذا الحكم هو بطلان الصّلاة في صورة كون المصلّى كثير السهو في التكلم، و هذا على خلاف الامتنان، لأنّ لازم ذلك كون لسان (إذا كثر في سهوه فليمض في صلاته) التضييق لا التوسعة، و الحال أن لسانه التوسعة لا التضييق، و أمّا إن كان حكما ثابتا للسهو لما بعد الصّلاة مثلا قال: إذا سها و ترك التشهد، أو سجدة واحدة، يجب قضائهما بعد الصّلاة، أو يجب سجدتى السهو في بعض موارد السهو، فهذا المورد لا يشمله الروايتين، لأنّ فيهما قال عليه السّلام: يمضى في صلاته، و هذا حكم متعلق بالمصلّي حال الصّلاة، فلا نظر له بالتكاليف الثابتة للسهو المصطلح بعد الصّلاة، لأنّ الأمر (بامض في صلاتك) أو (يمضى في صلاته) لا يناسب إلا حال الصّلاة، و لا يقال بعدها (فليمض في صلاته أو امض في صلاتك) نعم لو كان حكم ثابت حال السهو لبعض ما يجب تركه بعنوان السهو المصطلح حال الصّلاة و كان لسانه التضييق، فكان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 145

الممكن أن يقال: بأن الروايتين بلسانهما ناظران إليه و أن هذا الحكم لا يكون في صورة كثرة السهو، و لا يكون حكم كذلك الثابت للسهو المصطلح بعنوان السهو حتى يكون لهذا الكلام مجال.

هذا كله في ما كان شي ء ممّا ينبغى تركه فيوجده المصلّى سهوا، فقد عرفت عدم مجال لكون الروايتين المتقدمتين ناظرتين به، و أمّا في ما ينبغى فعله فيتركه فنقول أيضا: بأن الروايتين لا يشملها لأنّ هذا الشي ء الّذي يكون المطلوب وجوده و يتركه المصلّى سهوا، إما يكون

شيئا ثبت له الحكم بالايجاد مطلقا في حال العمد و السهو، و ليس له حكم ثابت بعنوان السهو، فكما قلنا لا معنى لكون ما دل على عدم السهو مع كثرته ناظرا إليه، لأنّ ما دل على عدم الحكم في صورة كثرة السهو ناظر إلى الاحكام الثابتة على السهو و أن هذه الاحكام لا يكون مع كثرة السهو لا إلى الأحكام الثابتة على الاعم من العمد و السهو، فلو ترك الركوع نسيانا، و كان كثير السهو في ذلك يعنى ينساه كثيرا، فلا مجال للتمسك بما دل على عدم الاعتناء بالسهو لمن كثر سهوه في عدم بطلان الصّلاة بترك الركوع، لأنّ جزئية الثابتة له ليست حكما ثابتا للسهو حتّى لا يكون هذا الحكم في صورة كثرة السهو، بل حكم ثابت لأعمّ من حال العمد و السهو.

و إمّا يكون حكما ثابتا له بعنوان السهو بعد الصّلاة، مثلا من ترك القراءة نسيانا يسجد سجدتى السهو فأيضا لا تكون الروايتان المتقدمتان ناظرتين به، لما قلنا من أن قوله (فليمض في صلاته) مورده يكون في حال الصّلاة، لأنّ في هذا الحال يصح أن يقال (فليمض) لا بعد الصّلاة، و سجدتى السهو حكم ثابت بعد الصّلاة، و إن كان حكما ثابتا لما ينبغى فعله حال السهو و موافق للامتنان و التوسعة،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 146

مثلا دل الدليل على أنّه لو نسي السورة و مضى محله لا بأس به، فلا معنى لكون من كثر سهو فليمض ناظرا به، لأنّ لازم ذلك كون لسان الدليل الدال على عدم الاعتناء بالسهو مع كثرته موجبا لعدم الحكم الثابت للسهو، و هو عدم بطلان الصّلاة بترك هذا الجزء، فلازمه بطلانها بتركه إذا كان كثيرا ما يتركه

سهوا، و لازم ذلك كون كثير السهو في الضيق، و هذا خلاف ادلته فلا يبقى مورد يمكن لشمول قوله (إذا كثر السهو فليمض في صلاته) لصورة سهو المصطلح أعنى: في صورة فعل ما يكون المطلوب تركه، أو ترك ما يكون المطلوب فعله سهوا.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا تشمل روايات الباب حتّى ما فيه لفظ (السهو) إلا السهو المساوق مع التردد و الشك، فلو كان المصلّى كثير الشّك في صلاته فليمض في صلاته.

و أمّا ثانيا فيمكن دعوى كون ظاهر قوله عليه السّلام (إذا كثر عليه السهو فليمض في صلاته) هو السهو المساوق للشك بدعوى أن ظاهره هو أن في حال السهو يمضى في صلاته، و لا يمكن ذلك الا في السهو المساوق للشك، لأنّ في السهو المصطلح لا يمكن الأمر به بالمضى مع كثرة السهو، فتأمل و العمدة، هو الوجه الأوّل، فافهم. فظهر لك أن هذا الحكم ليس الا في من كثر شكه لا في من كثر سهوه المصطلح المقابل للشك.

الفرع الثاني:
اشارة

روى محمد بن على بن الحسين (الصدوق رحمه اللّه) باسناده عن محمد بن أبى عمير عن محمد بن أبي حمزه أن الصادق عليه السّلام قال: إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو. «1»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 147

[في ذكر الاحتمالات المتصورة في (كل ثلاث)]
اشارة

فيقع الكلام في أن الضابط الّذي ذكر عليه السّلام في الرواية من أن الرجل إذا كان يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو، ما المراد منه و بعبارة اخرى ما المراد من قوله (يسهو في كل ثلاث) حتّى يقال: بأن مع تحققه تحقق موضوع كثرة الشك، فنقول: إن هنا احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد من السهو (في كل ثلاث) السهو في اليوم و الليلة في ثلاث صلوات.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد من قوله (في كل ثلاث) الشّك في كل ثلاث صلوات ثلاث مرات، فيكون المراد أنّه يشكّ ثلاث مرة في تسع صلوات.

الاحتمال الثالث:

أن يكون المراد من (كل ثلاث) كل ثلاث شك فيه سواء كان ثلاث جزء من الأجزاء، أو في ركعة ثلاث أو في ثلاث مرّات في ثلاث صلوات في كل واحدة مرة.

الاحتمال الرابع:

ان يكون المراد من ثلاث، ثلاث صلوات و يقال: إن في ذلك احتمالين: الأوّل أن يكون المراد من (كل ثلاث) العام المجموعى، فيكون المراد أنّه يسهو في كل ثلاث صلوات مرة، الثانى أن يكون أفراد العام ثلاث أفراد، فلو شك في كل واحد من هذه الثلاثة فتحقق موضوع كثير السهو، و يمكن فرض بعض احتمالات اخر في المقام.

إذا عرفت ذلك فأىّ احتمال من الاحتمالات أقربها؟ فنقول بعونه تعالى: بأن الظاهر أن محمد بن أبى حمزة الراوى للرواية عن الصادق عليه السّلام يكون عالما بأمرين، و هذان الامران معهودان عنده:

الأوّل أن للسهو في الصّلاة بعنوانه بعض الأحكام المجعول من قبل الشارع.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 148

الثانى أن هذه الاحكام المجعولة للسهو في الصّلاة تزيل إذا كان الشخص كثير السهو أى كثير الشك.

[في ذكر الرواية في الباب]
اشارة

و حيث إن الراوى يعلم بهما قال عليه السّلام (إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو) لأنّه كان في مقام بيان ضابط لكثير السهو، و لو لم يكن الراوى معهودا بحكم للسهو، و عدم كون هذا الحكم مع كثرته، لا يفهم من هذه الرواية شي ء، و بعد كون الراوى عالما بالأمرين فما هو المعهود به و عالم به هو كون الصّلاة من حيث السهو بمعنى الشّك محكوما ببعض الأحكام، و أن هذا الحكم يزيل بكثرة الشك، فيكون تميز لفظ الثلاث في قوله عليه السّلام في الرواية (إذا كان الرجل يسهو في كل ثلاث) هو الصّلاة، فيكون المراد أنّه إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو، و عدم ذكر الصّلاة بعد قوله (ثلاث) يكون من باب معلومية كونها هو تميز ثلاث لمعهودية

كون السهو للصّلاة، و كون عدم حكم لكثرة السهو في الصّلاة، فاكتفى عليه السّلام بالمعهودية و لم يذكر (صلوات) بعد لفظ (ثلاث) فنفهم بمقتضى المعهودية الّتي بيناها كون المراد هو أنّه إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو.

[في ذكر الاحتمالان في الرواية]
اشارة

فإذا كان تميز ثلاث (صلوات) فيكون للرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد (من كل ثلاث صلوات) هو أن الرجل إذا شك في كل ثلاث صلوات بنحو يكون المجموع من ثلاث صلوات فردا واحدا، فيكون المراد أنّه إذا شك في كل ثلاث صلوات يعنى: في كل ثلاث صلوات يشك، لا في كل واحد من الصلوات الثلاثة، بل في مجموعها يشك.

و هذا الاحتمال لا يمكن الاخذ به و الالتزام به، أمّا أولا فلأنّه على هذا لم يبين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 149

الحد و الضابط، لأنّه لا يستفاد من الرواية إلا أنّه إذا شك في كل ثلاث صلوات فهو ممن كثر عليه السهو، فهل يكون محقّق كثرة السهو، الشّك في ثلاث صلوات مرة واحدة، فبمجرد أنّه في ثلاث صلوات شك مرة تحقق موضوع كثرة السهو أو مرتين أو مرات، و بعبارة اخرى لا بدّ في تحقق موضوعه في أن يشكّ مرّات عديدة في كل ثلاث صلوات شكا، أو في يوم و ليلة يشكّ في كل ثلاث صلواته كما هو مقتضى لفظ (كل) لأنّ ظاهر لفظ (كل) كون الشّك في كل ثلاث صلوات من صلواته، فلا يتحقّق الموضوع إلى اخر العمر، و مع ذلك بعد الترديد في كون الموضوع لتحقق كثرة السهو أىّ من الاحتمالات فلا تعيّن الرواية الحد المحقق لكثرة السهو و الحال أن الرواية في مقام ذلك.

و ثانيا أنّه يبعد ذلك الاحتمال انّ جعل الشّك في كل صلوات ثلاثة مرة موضوعا لكثرة السهو لا خصوصية فيه بالنظر، لأنّه على تقدير كون المحقق لكثرة السهو الشّك في كل ثلاث صلوات فيقال: بأنّه أىّ خصوصية في ثلاث صلوات صار الشك فيه محققا لموضوع كثرة السهو، و ما الفرق بينه

و بين كون الشّك في كل صلاتين مرة أو أربع صلوات مرة (اللهم إلا أن يقال بأن هذا تعبد صرف، فتأمّل)

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد من كل ثلاث صلوات بناء على ما قلنا من كون تميز (ثلاث) صلوات هو وقوع الشّك في كل من ثلاث صلوات بمعنى أنّه إذا شك المصلّى في الصّلاة الأولى شكّا و في الثانية شكّا أيضا و في الثالثة شكّا أيضا، فهو شك في كل ثلاث صلوات و تحقق موضوع كثرة الشّك فإذا كان تحقق الشّكوك في ثلاث صلوات متواليات، لا مجرد وقوع الشّك و لو على التناوب مثلا شك في هذا اليوم في صلاة و في يوم اخر في صلاة و في يوم ثالث في صلاة، فبهذا لا يصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 150

الشخص كثير الشك، لأنّ الشّك بهذا النحو يتفق غالبا للأشخاص فلا بدّ من تواليه.

و هذا الاحتمال، و إن كان اقرب بحسب الاعتبار من الاحتمال الأوّل و لكن ما يبعّده هو لفظ (كلّ) لأنّه إن كان المراد من الرواية هذا الاحتمال، فلا حاجة إلى لفظ (كل) لأنّه إن قال عليه السّلام (في ثلاث صلوات) يفيد هذا المفاد أعنى: المحتمل في الاحتمال الثانى، و لا حاجة إلى لفظ (كل) لأنّه إذا قال (إذا كان الرجل ممّن يسهو في ثلاث صلوات) يكون معناه أنّه إذا سها في ثلاث صلوات في كل واحد منها فهو ممن كثر عليه السهو بلا حاجة إلى لفظ (كل).

إن قلت: إن الإتيان بلفظ (كل) يكون لبيان ان الشّك لا بدّ و أن يقع في كل واحد من الصلوات الثلاثة.

أقول: إن (ثلاث صلوات) بدون لفظ (كل) تقيد ذلك، لأنّه لو قال (إذا كان الرجل ممن يسهو في

ثلاث صلوات) يفيد كون الشّك في كل واحد من هذه الثلاثة بدون حاجة إلى إتيان لفظ (كل).

إن قلت: إن لفظ (كل) جاء به لإفادة أن الشّك إذا وقع في كل جزء من أجزاء هذه الصلوات الثلاثة، تحقق موضوع كثرة السهو، فإن كان الكلام بدون لفظ (كل) يفيد الجملة أن الشّك إذا كان في ثلاث صلوات و لا دلالة له على أن هذا الشّك الواقع في كل من ثلاث صلوات، بل لا بدّ و أن يقع في شي ء واحد، أو اشياء مختلفة و لفظ (كل) يدلّ على أن الشّك إذا وقع في كل جزء من ثلاث صلوات تحقق الموضوع، فلو شك في الصّلاة الأولى في سجودها و في الثانية و الثالثة في سجودها أيضا موضوع كثرة السهو، كذلك لو شك في الأولى في سجودها و في الثانية في الركعة و في الثالثة في التشهّد مثلا تحقق الموضوع أيضا، فيكون المراد إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 151

جزء من كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو.

قلت: هذا أيضا غير تمام، لأنّ لازم ذلك كون لفظ (كل) مفيد الاستيعاب للأجزاء لا للأفراد، و الحال أن لفظ (كل) لدلالته على استيعاب الحكم للافراد، فالأخذ بالاحتمال الثانى مشكل.

[يمكن ان يقال في توجيه الرواية وجها آخرا]

و يحتمل عدم كون ما نقل محمد بن أبى حمزه عن الصادق عليه السّلام عين كلام الإمام عليه السّلام «1».

______________________________

(1)- (أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى: بأنّه يمكن أن يقال في ما هو مفاد الرواية نحوا أخر، و هو أن يقال كما بين سيدنا الاعظم مد ظله العالى يكون الراوى لهذه الرواية أعنى: محمد بن أبى حمزه معهودا بأمرين:

الأوّل جعل بعض الاحكام للشك في الصّلاة،

الثانى عدم هذا البعض من الاحكام لمن كثر سهوه في الصّلاة سواء كانت كثرة سهوه في الأفعال، أو في الركعات، كما يظهر من بعض روايات المتقدمة الواردة في كثير السهو من الفرض من كونه كثير السهو في السجود و غيره، فما هو المعهود عند هذا الراوى هو كون كثير الشّك في الأجزاء و الافعال و الركعات من الصّلاة، لا حكم له من حيث شكه، و بعد ذلك نقول: بأنّه قال عليه السّلام في الرواية (إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث) و لم يذكر متعلق ثلاث و بعبارة اخرى لم يبين عليه السّلام تميز ثلاث و بعد عدم ذكر متعلقه نقول:

بتعميم هذه الجملة أى (في كل ثلاث لكل ثلاث) لكن لا التعميم بحيث يشمل كل ثلاث حتّى غير أجزاء الصّلاة و أفعاله و ركعاته من الأشياء و الأفعال، بل باعتبار المعهودية الّتي بيّنا يكون متعلق ثلاث و تميزه صلوات، أو الجزء، أو الفعل، أو الركعة، فيكون المراد من كل ثلاث اجزاء، أو ثلاث ركعات، أو ثلاث صلوات باعتبار وقوع الشّك فيها و كونها ظرفا للشك، و الا فالشك يكون في جزء أو فعل أو ركعة من الصّلاة حقيقة، فيحصل كثرة الشّك بالشّك في ثلاث صلوات، أو ثلاث أجزاء أو ثلث ركعة من ركعات الصّلاة، و لفظ (كل) يكون لإفادة أن محقّق كثرة يكون كلّ جزء من الأجزاء و كل ركعة من الركعات، و كل صلاة فتكون النتيجة أنّه لو شك في ثلاث

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 152

و بعد اللتيا و الّتي يشكل الحكم بظهور الرواية في شي ء من هذا الحيث.

و اعلم أنّه لو كان ظاهر الرواية هو كون محصل كثرة السهو، السهو في ثلاث

______________________________

صلوات أىّ صلاة كانت أو في ثلاث أجزاء في صلاة واحدة، أو فى ثلاث ركعات في صلاة واحدة أىّ جزء كان و أى ركعة كانت، أو ثلاث مرات شك في أشياء مختلفة في صلاة واحدة، أو ثلاث صلوات، فهو ممّن كثر سهوه.

و بعد ما قلت ذلك قال مد ظله العالى في الجواب: بأنّه هل يمكن الالتزام بأن النظر في الرواية يكون إلى هذا الاحتمال بهذا النحو أم لا؟ و هل يناسب التعبير بلفظ (كل) بناء على ذلك أم لا؟

يشكل ذلك لأنّه لو لم يكن لفظ (كل) فلفظ (ثلاث) يفيد ذلك، فإن قال (إذا كان الرجل يسهو في ثلاث) يفيد إطلاق ثلاث بناء على تعميمه للأجزاء و الركعات و الصّلاة ما قاله من شموله لكل جزء و كل ركعة و كل صلاة، و لكن كما قلت لفظ (كل) يفيد الشمول لأفراده، فكما أنّه إذا قال (أكرم كل زيد) يفيد تعميم الحكم لكل من يكون مسمى بزيد، كذلك إذا قال (كل ثلاث) و كان المراد كل ثلث صلوات مثلا يشمل باعتبار لفظ (كل) لكل صلاة، و لا خصوصية لصلاة فيشمل صلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء مثلا، أو الفريضة و النافلة، أو لو كان ثلاث اجزاء يشمل باعتبار كل جزء كان، أو لو شمل للركعة يشمل باعتبار لفظ (كل) كل ركعة كانت، و لهذا أتى بلفظ (كل) و بناء على التعميم المذكور لا نحتاج في تحقق موضوع كثرة السهو وقوع ثلاث شك في ثلاث صلوات، بل يحصل بوقوع ثلاث شك في صلاة واحدة و لو قلنا بأن تميز ثلاث في الرواية يكون صلوات فقط، إمّا باعتبار أن المعهود وقوع الشّك في الصّلاة عند

السائل، فلهذا يكون المراد في كل ثلاث صلوات، و إمّا باعتبار أن لفظ (في) ظاهر في الظرفية فيكون المراد وقوع الشّك (في ثلاث) يكون ظرفا للشك، فبناء عليه و لو أنّه يقع الشّك في الجزء، أو الفعل، أو الركعة من الصّلاة، و لكن ظرف الشّك الصّلاة، فإذا قال (في كل ثلاث) يكون المراد كل ثلاث صلوات، لأنّ الصّلاة ظرف الشّك فأيضا يصح إتيان (كل) و يناسب ذلك، لأنّه ربما جاء بلفظ (كل) لإفادة تعميم ثلاث صلوات لكل ثلاث صلوات و عدم اختصاصه بوقوع الشّك في صلوات خاصة.

و لكن على هذا تدلّ الرواية على أن كثرة الشّك يحصل بوقوع الشّك ثلاث مرات كل مرة في صلاة، فبعد تحقق الشّك في كل من ثلاث صلوات متواليات يحصل موضوعه، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 153

صلوات، فهو لا يدل على كون الضابط منحصرا به، و يمكن بإلغاء الخصوصية بأنّه كما يحصل بالشّك في ثلاث صلوات يحصل بثلاثة شكوك في صلاة واحدة، لعدم فرق في نظر العرف بينهما.

ثمّ إنّه لو التزمنا بكون مفاد الرواية هو كون محقّق كثرة الشّك وقوع الشّك في ثلاث صلوات، فهل يلزم في ذلك كون الشّك واقعا في صلوات مختلفة، بمعنى أنّه يشك مثلا في صلاة الصبح، ثمّ يشكّ شكا فى صلاة الظهر، ثمّ يشكّ شكا في صلاة العصر، فبعد ذلك يتحقّق موضوع كثرة الشك، أو لا يلزم كون وقوع شكوك ثلاثة في ثلاث صلوات مختلفة، بل يتحقّق بالشّك ثلاث مرّات في ثلاث صلوات متحدة، مثلا شك في صلاة الصبح في أنّه صلّى ركعة واحدة أو اثنتين، ثمّ لأجل كون هذا مبطلا لها أعادها ثانيا، ثمّ شك هذا الشّك في الصّلاة الثانية، ثمّ أعاد الثانية

مرة ثالثة لبطلان الثانية بهذا الشك، ثمّ في المرة الثالثة شك هذا الشك، فهل يتحقّق بهذه الثلاثة في ثلاث صلوات و إن كانت هذه الصلوات صلاة واحدة، و هى الفجر يعيدها لأجل الشّك أو لا، بل لا بدّ من وقوع الشّك في ثلاث صلوات مختلفة كالفرض الأوّل.

[الظاهر تحقّق موضوع كثرة الشك بكل منهما]

الظاهر تحقق موضوع كثرة السهو بكل منهما، و لا يلزم اختلاف الصلوات الثلاثة الّتي يقع الشّك فيها، في محققية موضوع كثرة الشك، و الدليل على ذلك الرواية الأولى من الروايات المتقدمة الّتي ذكرناها حين ذكر الأخبار الواردة في كثرة الشك، و هى ما رواها زرارة و أبو بصير جميعا قالا: قلت له: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدرى كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد. قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد تشك. قال: يمضى في شكه الخ.

فقوله (قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك) يدلّ على أنّه يشك اذا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 154

أعاده، فهذه العبارة ظاهرة في أنّه يشكّ في صلاة، ثمّ يعيدها فيشك فيه، ثمّ يعيدها فيشك فيه و كل ما أعاد شك، و في هذه الصورة (قال: يمضى في شكه) فهذا شاهد على تحقق موضوع كثرة الشّك بثلاث شكوك في ثلاث صلوات و إن كانت هذه الصلوات الثلاثة صلاة واحدة أعادها ثلاث مرات، لأجل طروّ الشّك فيها.

[لا يلزم في تحقّق كثرة الشك وقوع الشك فى صلوات متعددة]

ثمّ إن الرواية الثانية من الروايات المتقدمة، و هى ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة، فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال: لا يسجد، و لا يركع، و يمضى في صلاته حتّى يستيقن يقينا الحديث) «1» تدلّ على أنّه لا يعتبر في محققية كثرة الشك كون وقوع شكوك في صلوات متعددة، كما يحتمل كون ظاهر رواية محمد بن أبى حمزة «2» اعتبار ذلك، بل يكفى وقوع هذه الشّكوك الثلاثة في صلاة مثلا يشكّ في الركعة الأولى

من صلاة في ركوعها، و في ثانيتها في ركوعها، و في ثالثتها في ركوعها أيضا، فبذلك يحصل موضوع كثرة الشك، لأنّ في رواية عمار المتقدمة مع فرض وقوع الشك مكررا في الركوع صلاة، أو في سجودها يتحقّق كثرة الشك، لأنّ فيها (قال فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا. فقال: لا يسجد و لا يركع).

إن قلت: إن الرواية بظاهرها تدلّ على تحقق موضوع كثرة الشّك بشك واحد في صلاة واحدة، و لا يعتبر تعدد الشّك في تحققها على خلاف ما كان مفاد رواية محمد بن أبى حمزة، و ربما يساعد العرف على تعدد الشك.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 155

قلت: إن الرواية غير ظاهرة في ذلك، لأنّ السائل بعد فرض كثرة الوهم أولا بقوله (في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة) قال (فيشك في الركوع الخ) فلا يكون فرضه صورة شك واحد، بل ربما يكون في مقام بيان ما وقع شكه فيه من الركوع و السجود، لا في مقام بيان وقوعه و في السجود مرة أو مرات، فمن هذا الحيث لا ظهور للرواية حتّى يقال: بدلالتها على كفاية شك واحد في جزء من أجزاء صلاة واحد في تحقق كثرة الشك.

الفرع الثالث:

هل يكون كثرة الظن في الصّلاة مثل كثرة الشك؟ فكما أن كثرة الشّك يزيل الأحكام الثابتة للشك الموجبة لتكليف على المكلف، كذلك كثرة الظن.

اعلم أنّه تارة يكون الشخص كثير الظن و يكون كثرة ظنه بطرف لا يكون ضيقا عليه، بل يسهل له الأمر، مثل من يكون

كثير الظن في أنّه أتى بالأكثر، أو على ما يوجب صحة صلاته، مثلا يظن في الأوليين بالأولى أو بالثانية، بحيث لو لا الظن و العمل به، كان اللازم عليه إمّا إتيان شي ء، أو يلزم فساد صلاته لو لا اعتبار الظن، أو إتيان صلاة الاحتياط لو لا ظنه، مثل ما يظن في الشّكوك الصحيحة بالأكثر، ففي هذه الصورة لا وجه لعدم اعتبار كثرة الظن تمسكا بالروايات الواردة في كثرة الشك، لأنّ لسان هذه الروايات رفع الضيق و الكلفة، و الظن في هذه الصورة موافق لرفع الضيق، فلا وجه للتمسك بها على عدم الاعتناء بكثرة الظن في هذه الصورة موافق لرفع الضيق، فلا وجه للتمسك بها على عدم الاعتناء بكثرة الظن في هذه الصورة.

و تارة يكون كثير الظن و ظنّه يذهب إلى ما يوجب عليه من إتيان عمل أو فساد صلاة، مثلا صار كثير الظن في أنّه لم يركع، أو على الأقل في الصحيحة، فهل يمكن أن يقال: بكون هذا القسم من كثير الظن مثل كثير الشّك من حيث الحكم و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 156

وجوب المضى أو لا؟

اعلم أن بعض الروايات الواردة في كثير الشّك باعتبار ما في ذيله بأنّه (لا تعودوا الشيطان) يمكن أن يقال: بشموله لكثرة الظن، لأنّ العمل به أيضا يوجب ذلك حتّى نحن قلنا: بأنّه في صورة كون منشأ حصول القطع الوسواس، فلا مانع من النهى عن العمل به، و قلنا: بأن القطع المتعلّق بالأحكام الكلية لا يمكن الردع عن العمل به، للزوم التناقض لا القطع المتعلّق بالموضوع، و على كل حال هذا القسم من كثير الظن نقول بعدم اعتبار ظنّه. «1»

الفرع الرابع:

هل الحكم بالمضى و عدم الاعتناء بالشّك مع كثرته

يختص بما إذا لم يكن طروّ ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو همّ أو غير ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواس، أو يعمّ حتّى هذه الصورة؟

منشأ عدم الشمول هو أن يقال: إمّا بانصراف إطلاق أخبار الباب عمّا كان منشأه عروض عارض، و إمّا بأنّه يستفاد ممّا في بعض الأخبار الواردة في المسألة من الأمر بالمضى، و أنّه لا تعدّدوا الشيطان، أن الحكم يكون في صورة كان منشأ كثرة الشّك الوسواس و إغواء الشيطان، فلا يشمل ما إذا كان لأجل عروض عارض اخر على الشخص.

الفرع الخامس:
اشارة

هل الحكم بعدم الاعتناء و المضى في صورة كثرة يكون على

______________________________

(1)- أقول: و هل يمكن القول بانصراف أدلة اعتبار الظن في الصّلاة عن كثير الظن، لكون أدلته منزلة على المتعارف، و كثير الظن خارج عن المتعارف أو لا؟ و إن قلنا بذلك: فتكون النتيجة كون كثير الظن محكوما بالحكم الثابت للمصلّى مع قطع النظر عن الظن، لا بعدم الاعتناء مثل كثير الشك، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 157

سبيل الجواز بمعنى أنّه كما يجوز لكثير الشّك عدم الاعتناء بالشّك و عدم العمل الّذي يقتضي الشّك لو لا كثرته، كذلك يجوز له العمل حتّى مع كثرة الشّك الاعتناء بالشك، كما نسب إلى بعض.

أو لا يجوز له الاعتناء بشكه؟ فلو صار المصلّى كثير الشّك في ركوع صلاته لا يجوز له أن يركع، و بعبارة اخرى هل يكون عدم الاعتناء على سبيل الرخصة أو يكون على سبيل العزيمة؟

اعلم أن المصلّى تارة يشكّ كثيرا في فعل لا تكون زيادته مبطلة (لو لم يأت بها بقصد الجزئية) كالقراءة و نظائرها، فلا يبعد أن يكون إتيانه خصوصا بعنوان الاحتياط و الرجاء بلا مانع، لأنّ مع

فرض إتيانه احتياطا أو بقصد القربة المطلقة لا تصير زيادة و لا مبطلا للصّلاة.

و تارة يشكّ كثيرا في فعل تكون زيادته مبطلة كالركوع و السجود، ففي أمثال ذلك هل يجوز الإتيان، أو لا يجوز إتيانه في صورة كثرة الشّك فيه؟

فنقول: اعلم أنّه على ما ترى كان في بعض روايات الباب الأمر بالمضى قال (إذا كثر عليه السهو فليمض في صلاته) ففي الأمر بالمضى احتمالان:

الأوّل: أن يكون الأمر إرشادا بشرطية المضى، بمعنى أنّه يشترط مع كثرة الشك المضى في الصّلاة، فلو لم يمض فتبطل الصّلاة بفقد شرطها و هو المضى، و هذا الاحتمال بعيد في الغاية.

الثانى: أن يكون الأمر هو الأمر التكليفى، فيجب المضى تكليفا، فعلى هذا الاحتمال لو لم يمض فقد فعل فعلا حراما، و لكن لو أتى بالجزء أو الفعل الّذي صار

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 158

كثير الشّك فيه، لا يوجب إبطال الصّلاة. «1»

و من جمله الشّكوك الّتي لا اعتبار بها شك الإمام مع حفظ المأموم، و شك المأموم مع حفظ الإمام و يمكن عدّ هذا الشّك من جملة الشّكوك الّتي لا اعتبار بها، و يمكن جعلها من جملة الشّكوك الّتي جعل لها الأمارة الّتي يعمل بها، و هى الأخذ بما يقوله المأموم مع شكّ الإمام و بما يقوله الإمام مع شك المأموم.

[من الشكوك الّتي لا اعتبار بها شكّ الامام مع حفظ المأموم و شك المأموم مع حفظ الامام]

ثمّ اعلم أنّه ما نرى تعرضا للقدماء من الفقهاء رحمه اللّه لهذه المسألة إلا عن الشيخ رحمه اللّه في النهاية حيث قال (و لا سهو على من صلّى خلف الإمام يقتدى به، و كذلك لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه الخ) و قال في المدارك و الذخيرة: إن الأصحاب قطعوا بأنّه لا شك على الإمام مع حفظ

المأموم و بالعكس، و في كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب و في المفاتيح و الرياض: لا خلاف فيه.

هذا كله بالنسبة إلى المسألة عند الأصحاب رحمه اللّه.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرة الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى في مجلس البحث: بأنّه مع الأمر بالمضى نفهم عدم جزئية الجزء الّذي فيه صار كثير الشّك في هذا الحال، لأنّه مع فرض كون المكلف مأمورا بإتيان الجزء المشكوك مثلا الركوع، فشك فيه كثيرا، فلا معنى للأمر بالمضى في هذا الحال من الشارع إلا بإلقائه جزئية الركوع، لأنّه لو كان مكلفا بإتيان الركوع و يكون جزءا، كيف يأمر بالمضى، فمن الأمر بالمضى نكشف عدم جزئية الجزء المشكوك، فاذا كان كذلك، فلو أتى في هذا الحال بالركوع الّذي صار كثير الشّك فيه مثلا فتصير زيادة تبطل به الصّلاة، فلأجل هذا لا يجوز مع كثرة الشّك الإتيان به، و بعد ذلك لو كشف خلافه و أنّه لم يأت به فبناء على مبنى سيدنا الاعظم مد ظله العالى من كون الأمارات و الاصول في ما يكون لسانه جعل الفرد للطبيعة مجزيا نقول: بعدم وجوب إعادة الصّلاة، و بناء على قول من يقول بعدم الإجزاء فكلّ ما يقول في ساير موارد كشف الخلاف يقول هنا أيضا، و بعد ما قلت ذلك صار مورد قبوله مد ظله، و اختاره في يوم اللاحق، اللهم احفظه و أيده. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 159

[في ذكر الروايات المربوطة بسهو الامام و المأموم]
اشارة

و أمّا الأخبار:

الأولى:

ما رواها ابن ابى عمير عن حفص بن البخترى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة). «1»

و هل المراد من السهو هو السهو المصطلح المقارن بجهل المركب، أو السهو المقارن للشك و جهل البسيط، أو كليهما؟

الثانية:

ما رواها إبراهيم بن هاشم في نوادره (إنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام يصلى بأربع نفر أو خمس، فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثا، و يسبح ثلاثة على أنهم صلّوا أربعا، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الاعادة و الأخذ بالجزم). «2»

و هذه الرواية روى الكليني رحمه اللّه عن على بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فهما رواية واحدة، و لم يذكر في نوادر إبراهيم بن هاشم أنّه عمن يرويها، و على ما رواها الكليني ينقل يونس الرواية عن رجل لم

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 160

الثالثة:

ما رواها الشّيخ باسناده عن سعد عن احمد بن محمد عن موسى بن القاسم و أبى قتادة عن على بن جعفر، و باسناده عن محمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن موسى بن القاسم عن على بن جعفر عن أخيه (قال: سألته عن الرجل يصلّى خلف الإمام لا يدرى كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: لا).

«1»

الرابعة:

ما رواها هذيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يتكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبى؟ فقال: نعم، ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه، فهو مثله). «2»

[في توضيح المسألة]

هذا كله الروايات الّتي يمكن كونها مربوطة بالمسألة و لتوضيح المطلب نذكر لك مقدمة، و هى أن المعنون عند علماء الاسلام من العامة و الخاصة، يكون مسائل ثلاث بالنسبة إلى السهو المساوق للجهل المركب من حيث سجود السهو في الجماعة على ما ذكره الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «3»:

الأولى: إذا سها خلف من يقتدى به تحمل الإمام عنه سهوه، و كان وجوده كعدمه، و في هذه المسألة لا يكون خلاف تقريبا لا بين الخاصة و لا العامة إلا ما عن مكحول الشامى فإنّه قال: إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو.

الثانية: إذا ترك الإمام سجود السهو عامدا أو ساهيا و فيها خلاف في الجملة.

الثالثة: إذا لحق المأموم مع الإمام ركعة، أو ما زاد عليها، ثمّ سها الإمام بقي عليه، فاذا سلم الإمام و سجد سجدتى السهو لا يلزمه أن يتبعه.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الخلاف، ج 1، ص 463، مسأله 206 و ص 264 مسأله 208.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 161

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا بالنسبة إلى السهو المقارن للترديد و الشك، فلم أر تعرضا في كلمات القدماء ره لهذا أى: للشك الإمام مع حفظ المأموم و بالعكس إلا ما قلنا من ان الشيخ رحمه اللّه تعرض له في النهاية، و إن كان كلامه أيضا غير سليم عن الإشكال، لأنّ ما يستفاد من

ذيل كلامه بأنّه مع الاتفاق في السهو يحتاط كل منهما بالاعادة، ما وجه ذلك، و لكن له عبارة في المبسوط «1» يدلّ على تعرضه لهذه المسألة، و إلّا ما عن المحقق رحمه اللّه «2» في المعتبر في ذيل تعرضه لمسألة سهو المأموم و الإمام السهو المصطلح، قال كلاما يظهر منه تعرضه لهذه المسألة، و لكن في غاية الاختصار، و على كل حال يصير الانسان متعجبا في أنّه كيف لم يتعرض أحد من القدماء رحمه اللّه لهذه المسألة.

[في الكلام في اخبار الباب]

إذا عرفت ذلك نقول: أما أخبار الباب فالرواية الأولى من الروايات المتقدمة أعنى: رواية الحفص بن البخترى، و إن كان المحتمل كون المراد من عدم السهو أى: سجدة السهو على الإمام و المأموم لاستعمال السهو في سجدتى السهو، و لكن لا يبعد كونها ظاهره في السهو أعنى: الذهول عن الواقع، فهل المراد على هذا مطلق السهو، سواء كان سهوا مساوقا مع الجهل المركب، أو سهوا مساوقا لجهل البسيط و الشك و التردد، أو يختص بالثاني؟

فإن قلنا باختصاص السهو فيها بالسهو المساوق للترديد و الشك، فيكون مفادها عدم حكم لشك كل من الإمام و المأموم مطلقا سواء حفظ كل منهما سهو الاخر أم لا، و لا يمكن الالتزام بذلك إلا أن يقال، كما قال بعض: بأن اطلاق هذه

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 124.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 394- 395.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 162

الرواية يقيد برواية يونس أعنى: الرواية الثانية، لأنّ فيها قيد الحكم بصورة حفظ المأموم في شك الإمام و عدم سهو الإمام في صورة سهو المأموم، و هذا مشكل. «1»

و امّا الرواية الثالثة، أى: رواية على بن جعفر، فنسخ التهذيب مختلفة من حيث متنها، ففي بعضها

قال: سألته عن الرجل يصلى خلف الإمام (مع الألف و اللام)- و في بعضها إمام (بدون الألف و الام) فإن كان ما صدر هو مع اللام، فيكون المراد بحسب الظاهر أن السؤال يكون عن رجل يصلّى خلف الإمام لا يدرى كم صلّى يعنى: لا يدرى هذا الرجل كم صلّى هل عليه سهو؟ قال: لا.

[الكلام في المستفاد من الاخبار الواردة في الباب]

و يستفاد من وضع السؤال كون السائل في مقام السؤال من أنّه هل تكون خصوصية للجماعة من هذا الحيث أى: حيث الشّك أم لا. فقال عليه السّلام: لا، فيكون مفاد الرواية أنّه إذا شك المأموم- سواء كان شاكّا بأحد الشّكوك مثلا شاك بين الاثنتين و الثلاث أو الثلاث و الأربع، أو غير ذلك، أو كان شاكّا بحيث لا يدرى راسا في أنّه كم صلّى صلى ركعة أو ركعتين، أو ثلاثا، أو أربعا- فلا يعتنى بشكه، فهذه الرواية تدلّ على المسألة، لأنّ موضوعها الشّك بقرينة لفظ (لا يدرى) و فرض السائل هو السؤال عن حيث شك المأموم في الجماعة، و أن للجماعة خصوصية أم لا.

و أيضا يستفاد من الرواية أن الرجل المأموم لا يدرى، و لكن الإمام مشتغل بعمله و بصلاته، فيستفاد من ذلك كون الإمام حافظا، و لا أقل من أن متيقّن الرواية هذه الصورة أى: صورة حفظ الإمام، ففي هذه الصورة قال (لا سهو عليه) فتدل الرواية على عدم حكم الثابت للشك مع قطع النظر عن ذلك، لمن يكون مأموما في

______________________________

(1)- (أقول: لا مانع من تقييد اطلاقها بها، فافهم) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 163

صورة حفظ الإمام.

و كذلك إن كان الصادر من المعصوم عليه السّلام (امام) نكرة لا (الامام) لأنّ احتمال كون المراد على فرض كون الحديث (خلف إمام)

هو أن قوله بعد ذلك (لا يدرى كم صلّى) أى لا يدرى الإمام كم صلّى بعيد، و ما يقال من أنّه مع تنكير لفظ (امام) يكون (لا يدرى) صفة لامام، فيكون المراد أن الإمام لا يدرى كم صلّى، فالرواية غير مربوطة بالمقام، ليس بتمام، لأنّ لفظ الحديث إن كان (مع الإمام) حيث يكون الألف و لامه للعهد الذهنى، فيكون بحكم النكرة، و على كل حال يكون المراد أنّه حال صلاته خلف امام شك هذا المأموم، لأنّ الظاهر كون السؤال راجعا إلى رجل صلّى خلف إمام و عما وقع عليه من الشك، و أنّه لا يدرى كم صلّى، فهذه الرواية أدلّ بالمقصود من الرواية الأولى، فافهم.

[الكلام في رواية هذيل]

و أمّا الرواية الرابعة أعنى: رواية هذيل، فيمكن دعوى دلالتها على أن رجوع المأموم بالامام كان أمرا مسلما عند السائل، و لهذا قال عليه السّلام باجزاء الرجوع بصاحبته في مقام الطواف، كما أنك ترجع إلى الإمام إذا صليت خلفه و وقع لك الشك، نعم يستفاد من الرواية كون الرجوع في كل من الموردين أى: مورد رجوع المأموم بالإمام، و رجوع الشخص بصاحبه، من باب حصول الظن للشاك منهما.

و اعلم أن الرواية كما نقلنا هكذا كما أن في نسخة من لا يحضره الفقيه المصححة الحاضرة عندنا، هو أن الهذيل يروى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هكذا (في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف، يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: نعم، ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله) فليس الراوى أبى هذيل كما في الوسائل، لأنّ المسمّى بالهذيل على ما تتبعنا يكون نفرين: أحدهما الهذيل بن حيان،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 164

و الاخر الهذيل بن صدقة، و

لا يرى توثيق في حقهما، و لكن حيث إن الراوى عنه في هذه الرواية هو ابن مسكان، فلا يبعد كفاية ذلك في توثيقه لأنّ ابن مسكان روى عنه، ثمّ ان بعد لفظ (عدد) في متن الرواية يكون لفظ (صاحبته) لا (صاحبه) كما في الوسائل، و كذلك بعد (صاحبته) يكون (الطواف) لا (الصلوات) كما في الوسائل، لأنّه أمّا أولا لأنّ في النسخة المصححة من الفقيه كما قلنا يكون (الطواف) و ثانيا في فهرست الوسائل عنون هذا الباب الّذي فيه هذه الرواية و هو الباب 24 من أبواب الخلل، قال في ذيل الفهرست (و جواز الاعتماد على الغير في عدد الطواف) و لا يكون في الباب غير هذا رواية مربوطة بالطواف، و ثالثا ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 66 من أبواب الطواف و نقل (في الطواف) لا في (الصلوات) فهذا كله دليل على أن اللفظ هو (الطواف).

إذا عرفت ذلك نقول: إن متنها لا يخلو عن الإشكال باعتبار قوله (يجزيه عنها و عن الصبى) فما المراد من قوله و (عن الصبى) لأنّ السؤال يكون عن الرجل يتكل بقول صاحبته أي المرأة الّتي تصاحبه في الطواف، و ليس سؤال عن الصبى في البين فلا بد من حمل قوله (و عن الصبى) إلى أنّه هل يجزيه أى: الرجل الاتكال و الاعتماد و السؤال عن صاحبتها و عن الصبى، يعنى يعتمد على صاحبته و على الصبى في عدد الطواف، ثمّ بعد ما سئل أجاب عليه السّلام (نعم ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله) يعنى كما أنك في مقام الشّك حال الجماعة تعتمد على الإمام، فهو أى هذا الرجل مثله أى: مثل من يأتم خلف الإمام

من هذا الحيث، و بعد اللتيا و الّتي لا يبعد كون مفاد ذيل الرواية أن رجوع المأموم بالإمام في مقام الشّك في الجملة كان أمرا مفروغا عنه، و لهذا تشبه المعصوم عليه السّلام مورد الشّك في الطواف به، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 165

و أمّا الرواية الثانية أعنى: مرسلة يونس، فهى تدلّ على حكم شك كل من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر و إن لم يكن ذيله و هو قوله (فاذا اختلف الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم)، لأنّه لو لم يجز في صورة الاختلاف الرجوع، فلا بدّ من عمل الشّك لا الإعادة مطلقا، فهى بذيلها مخالف مع هذا، فافهم.

و قد ظهر لك أن المستفاد من الرواية الثالثة و الرابعة على تقدير دلالتها، هو رجوع المأموم في الشّك بالإمام، و من الرواية الأولى و الثانية حكم كل من الإمام و المأموم.

هذا كله في روايات الباب و مفادها.

[في ذكر بعض الفروع في ما نحن فيه]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في فروع:

الفرع الأوّل:

هل الحكم برجوع كل من الإمام و المأموم بالآخر، يكون في مورد يحصل الظن لأحدهما من قول الآخر، فلو شك أحدهما و يكون الآخر حافظا، و لكن لا يحصل الظن للشاك من قول الآخر الحافظ، لا يعتبر قوله له و لا يرجع إليه، أولا يختص بصورة حصول الظن من قول الحافظ منهما للشاك منهما؟

قد يقال: بأن مقتضى الرواية الرابعة أى رواية الهذيل، هو اعتبار قول الإمام من باب حصول الظن منه لا مطلقا، لأنّ سياقها من اعتبار قول المصاحب في الطواف، في صورة شك الرجل في الطواف، و تنظير هذا المورد بصورة رجوع من يأتمّ خلف الإمام بالإمام، يدلّ على أنّه كما أنّ الظن الحاصل من قول الإمام حجة للمأموم، كذلك حجة للرجل قول صاحبته في الطواف، و لكن مع ذلك لا وجه لتخصيص الحكم بصورة حصول الظن، لإطلاق سائر الأخبار من رجوع الشاك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 166

إلى الحافظ مطلقا سواء حصل الظن له أم لا. «1»

الفرع الثاني:

هل يكون خصوصية للحافظ منهما، الّذي هو المرجع عند شك الآخر، من حيث الرجولية و البلوغ و غير هما، مثلا يعتبر أن يكون الحافظ رجلا أو بالغا، فلا يكفى قول غير الرجل و لا الصبى حتّى بناء على مشروعية عبادته، أولا يعتبر ذلك؟

اعلم أن إطلاق الروايات يشمل كل من يكون حافظا من الإمام و المأموم لشك الآخر، سواء كان الشاك أو الحافظ رجلا أو امرأة، أو بالغا أو صبيا مميزا، لعدم اختصاص في لسان الدليل بأحد من الرجل و المرأة و البالغ و الصبى المميز بناء على شرعية عبادته، فافهم.

الفرع الثالث:

لا إشكال في أن الشاك منهما يرجع إلى الحافظ القاطع منهما، و هذا هو المتقين من الأدلة، و هل يرجع الظان إلى القاطع أم لا، مثلا يكون أحد من الإمام أو المأموم ظانّا بأنّه صلّى ثلاثا و الآخر قاطع بأنّه صلّى أربعا، فهل يرجع هذا الظان إلى القاطع أم لا؟

اعلم أنّه لا وجه لرجوع الظان بالقاطع، لأنّ أخبار الباب ناظرة إلى السهو المساوق للترديد و الشك، و الظان له أحكام أخر، فليس هو شاك حتّى يرجع إلى

______________________________

(1)- أقول: و لكن لا يبعد اختصاص مرجعية أحد من الإمام و المأموم للاخر بما إذا حصل الظن، أمّا أولا فلأنه لو أفادت الرواية الرابعة على ما أفاد مد ظله العالى الاختصاص، فيقيد بها ساير الأخبار على فرض إطلاقها، و ثانيا مع فرض حصول الظن غالبا من الحافظ بحسب المتعارف، فالإطلاقات إن كانت فتنزّل على المتعارف، و هو صورة حصول الظن للشاك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 167

القاطع في شكه. «1»

الفرع الرابع:

هل يرجع الشاك من كل من الإمام و المأموم بالآخر إذا كان حفظه ناقصا لا تامّا أى لا يكون في مقام الحفظ قاطعا، بل يكون ظانّا، و بعبارة اخرى هل يرجع الشاك منهما إلى الظان منهما أم لا؟

اعلم أنّه يرجع الشاك منهما إلى الظان منهما، لأنّه قال في رواية زرارة بعد أنّه يرجع الإمام إلى المأموم (إذا حفظ عليه سهوه) و المراد من حفظ سهوه هو أن الحافظ يشتغل بإتمام العمل على طبق حفظه، و حفظه هذا يوجب له العمل بوظيفة يعملها من الإتيان، أو عدم الإتيان و الشاك يرجع إليه في حفظه و يعمل بوظيفته و من المعلوم أن الحافظ تارة يقطع، فيعمل بما يعمل في صلاته،

و تارة ظان، فهو مع ظنه حيث يكون له وظيفة باعتبار ظنه يعمل بوظيفته، و لا يكون متحيرا و شاكا، فهو باعتبار حجية ظنّه حافظ لسهوه، فالحفظ أعم من أن يكون حفظا تامّا أعنى: قاطعا، و من أن يكون حفظا ناقصا أعنى: ظانا، و بعد كونه في كلا الصورتين حافظا، فيرجع إليه الشاك، لأنّه مأمور بالرجوع به إذا حفظ عليه سهوه، و على الفرض يكون الظان حافظا كالقاطع، فيرجع الشاك منهما إلى الظان، كما يرجع إلى القاطع منهما.

الفرع الخامس:

إذا كان كل من الإمام و المأموم شاكّا بشكين، و لكن تكون:

بين الشكين رابطة فهل يصح رجوع كل منهما إلى الآخر في ما هو حافظ له أم لا؟

مثلا إذا شك الإمام بين الثلاث و الاربع، و المأموم بين الاثنتين و الثلاث، فهل يرجع

______________________________

(1)- أقول: نعم، لو لم نقل باعتبار الظن في أفعال الصّلاة، أو في الأولتين، فيكون الظان فيهما بحكم الشاك، و لا يبعد لزوم رجوعه إلى الاخر في الجماعة، بمعنى أنّه يرجع هذا القسم من الظان بالقاطع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 168

كل منهما إلى الآخر في نفي ما يكون مقطوعا بعدمه فينفي الإمام احتمال الأربع بقطع المأموم بعدم الأربع لأنّه شاك بين الاثنتين و الثلاث، فيقطع عدم إتيان الأربع، و كذلك ينفي المأموم احتمال الاثنتين بقطع الإمام، لأنّ الإمام بعد كونه شاكا بين الثلاث و الأربع فهو قاطع باتيان الاثنتين فيرجع إليه المأموم بما ينفى الإمام، و تكون النتيجة انّهما يبنيان على الثلاث في المثال المذكور، لأنّ الإمام الشاك لا بدّ من رجوعه إلى المأموم الحافظ و المأموم بعد كونه شاكّا بين الاثنتين و الثلاث متيقن بعدم إتيانه الرابعة، فهو حافظ بعدم إتيانها فيرجع

الإمام الشاك به و يبنى على الثلاث و كذلك حيث أن المأموم شاك بين الاثنتين و الثلاث فيرجع إلى الإمام في حفظه، لأنّ الإمام بعد كونه شاكّا بين الثلاث و الأربع فهو متيقن في إتيان الثالثة فهو حافظ في ذلك، فيرجع المأموم إليه و يبنى على الثلاث، فهل يصح ذلك أم لا؟

اعلم انّه يظهر لك بعد التوجّه بما قلنا في ما هو المراد من الحفظ في قوله (إذا حفظ عليه المأموم الخ) من أن المراد من الحفظ هو الحفظ الّذي يمكن الحافظ مع قطع النظر عن رجوعه إلى الآخر العمل على طبق حفظه، و لا يكون مرددا و معطلا، كما ترى في القاطع و الظان، فهما حافظان، و معنى كونهما حافظين هو انّهما يعملان بما حفظا بلا انتظار شي ء و في هذا الفرع ليس كذلك، لأنّهما على الفرض شاكّان، فهما مع كونهما متيقنين و قاطعين من حيث، و لكن مع ذلك حيث يكونان فعلا شاكين فلا يمكن لهما العمل على طبق حفظهما، فلا يكون أحدهما حافظا لأمر يعمل على طبق حفظه حتى يرجع الآخر إليه، فالإمام الشاك بين الثلاث و الأربع مع كونه متيقنا بالثلاث، و لكن لأجل شكه لا يمكن له العمل على طبق قطعه، و لهذا لا يمكن له البناء على الثلاث و كذلك المأموم الشاك بين الاثنتين و الثلاث.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 169

إن قلت: إنّه في مفروض الكلام إذا شك كل منهما فيكون كل منهما بعد الرجوع إلى الآخر حافظا بحيث يعمل على طبق حفظه، فيرجع المأموم مثلا إلى الإمام و بعد الرجوع يعمل المأموم على طبق ما تيقن الإمام و، كذلك الإمام يرجع إلى المأموم و يعمل على طبق يقين

المأموم، فهما بعد الرجوع يعملان عملا على طبق حفظ الاخر، فيصدق عليهما انّهما حافظان لسهو الاخر.

أقول: إن هذا يوجب الدور لأنّ حفظ الإمام على الفرض يتوقف على رجوعه إلى المأموم، و رجوعه إلى المأموم لا يصح إلّا مع كونه حافظا و لا يكون هو حافظا إلا بعد رجوعه بالإمام، فيتوقف حفظ كل منهما على الآخر، و هذا دور، فقد ظهر لك أنّه في ما نحن فيه لا يجوز رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر.

الفرع السادس:

إذا شك الإمام و شك بعض المأمومين بعين ما شك الإمام، و بعض اخر منهم حافظون لشكه و شكهم، مثلا يصلى الإمام بأربع نفر، فشك الإمام بين الثلاث و الأربع و نفران من المامومين شكّا أيضا بين الثلاث و الأربع، و نفران منهم حافظان للشك و يعلمان مثلا بأن ما بيد الإمام و المأمومين هى الركعة الثالثة، فيقع الكلام أولا في أنّه هل يرجع الإمام إلى بعض المامومين الحافظ للسهو أو لا؟

و ثانيا على فرض جواز رجوعه إلى الحافظ منهم، هل يصح لبعض الآخر من المأمومين الشاك مثل الإمام بين الثلاث و الأربع أن يرجع إلى الإمام في هذا الشّك أم لا؟

أمّا الكلام في الأوّل و هو رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين، فنقول: إنّه يرجع إليهم، لأنّه لو فرض أنّه كان المأموم منحصرا بواحد من النفرين الحافظين لسهو الإمام و لا يكون لهذا الإمام مأموم غيره، فيكون هذا المأموم هو المرجع له،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 170

و لا سهو للإمام معه، فهكذا مع وجود غيره أيضا يؤثر هذا المأموم أثره من أنّه يرجع إليه و إن كان بعض الاخر من المأمومين شاكا، فمجرد وجود الحافظ للسهو في المأمومين

يكفى لرجوع الإمام إليه، فلا سهو للإمام في الفرض مع حفظ بعض المأمومين.

ان قلت: إن رواية يونس تدلّ على أن رجوعه إليهم يكون في صورة اتفاق المأمومين، لأنّه قال فيها (باتفاق منهم) و مع كون بعض المأمومين شاكا، لا اتفاق لهم حتّى يرجع الإمام في صورة شكه إليهم.

نقول: بأنّه غير معلوم كون متن الحديث (باتفاق منهم) لأنّ في بعض النسخ يكون عوض (باتفاق) (باتقان منهم) فلا يعلم من هذه الرواية اعتبار اتفاقهم في الحفظ لسهو الإمام. «1»

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه إن كان متن الحديث (باتفاق) يكون الاتفاق مقابل (في اختلافهم) كما فرض في ذيل الرواية، فمعناه كونهم غير مختلفين في الحفظ، فيكون المراد أنّه إذا اتفقوا بمعنى: أنّهم لا يختلفوا في الحفظ بأن يقول بعضهم: بأن الإمام في ركعة فلانية مثلا و بعض الاخر بأنه في ركعة اخرى، فاذا كان بعضهم شاكّا مثل الإمام، فلا يكون لهم نظر، فلا يعدون مخالفا لبعض الآخر حتّى يقال: إن بينهم الخلاف، نعم لو اعتبرنا الاتفاق فليس في ما نحن فيه اتفاق لهم في الحفظ.

و أمّا ما أفاد مد ظله في وجه رجوع الإمام في هذا الفرض إلى بعض المأمومين من أنّه لو كان المأموم منحصرا بواحد من البعض الحافظ في فرض الكلام، يصح رجوع الإمام، فكذلك يجوز في المقام أيضا لأنّ موضوع الرجوع موجود، لأنّه كان في صورة واحدة المأموم مقوما الرجوع به، فكذلك مع زيادة بعض اخر من المأمومين يصح الرجوع و إن كان بعض اخر شاكا، فليس كلامه مد ظله بتمام بنظري القاصر، لأنّ مع واحدة المأموم و فرض حفظه فالمقوم لرجوع الإمام.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 171

هذا تمام الكلام في جواز رجوع الإمام في

هذا الفرض إلى بعض المأمومين و عدمه.

و امّا الكلام في الثانى أعنى: لو فرضنا أن الإمام في هذا الفرع رجع إلى من هو حافظ لسهو الإمام من المأمومين، فهل يرجع بعض اخر من المأمومين الشاك مثل الإمام- بعد رجوع الإمام إلى البعض الحافظ لسهوه- إلى الإمام فكما أن الإمام مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع رجع إلى الحافظين من المأمومين على الثلاث باعتبار أنهم يقولون أن ما بيدك الثالثة، فهل يرجع المأمومين الشاكين إلى الإمام فيبنون على الثلاث أيضا أم لا؟ «1»

______________________________

في السهو هو هذا الواحد، و أمّا إذا كان أكثر فكل منهم مقوم لموضوع الرجوع، فمع شك بعضهم لا يكون الموضوع محقّقا، إلا أن يقال: بكفاية صرف وجود حافظ بين المأمومين، و هو ما قلنا من عدم لزوم اتفاقهم، بل يكفى عدم وجود مخالف لما يحفظه البعض من سهو الإمام، فتأمّل و على كل حال جواز رجوع الإمام في هذا الفرض إلى بعض المامومين الحافظ لسهو الإمام مشكل. (المقرر)

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى إجمالا: بأنّه لو فرضنا جواز رجوع الإمام في الفرض إلى الحافظ من المأمومين فنقول: بأنّه لو قلنا بأن كلا من الإمام و المأموم يرجعان إلى الآخر إذا حصل للشاك منهما الظن من قول الآخر كما يشعر أو يدل على ذلك رواية الهذيل، ففي المقام بعد رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين إن لم يحصل له الظن، فلا يمكن له البناء على قولهم حتّى يقال: إن الشاك منهم يرجع إليه، لأنّ اعتبار قولهم له يكون في صورة حصول الظن من قولهم له، و إن حصل له الظن فيصح للشاك من المأمومين الرجوع إليه، لأنّه كما أفاد مد ظله يكون

المراد من قوله (إذا حفظ) هو الحفظ الّذي يصح للحافظ العمل و البناء على طبق حفظه قطعا كان أو ظنّا، و في الفرض يكون هذا الإمام حافظا بعد رجوعه إلى الحافظ من المأمومين، لأنّه حصل له الظن، و يعمل على طبق هذا الظن، و إن قلنا: بأنّه يرجع كل منهما إلى الآخر الحافظ.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 172

فصل: [في توضيح (لا سهو في سهو) او (و لا على السهو سهو)]
اشارة

ورد في بعض الروايات أعنى: في رواية حفص بن البخترى المتقدمة، «1» و رواية يونس المتقدمة، «2» أنّه (و لا على السهو سهو) و (لا سهو في سهو) «3»، و ما نرى تفسيرا و بيانا من القدماء رحمه اللّه لهذه الجملة، و اكتفى في مقام النقل و الفتوى بنقل عين ما روى عن المعصوم عليه السّلام و هو (لا سهو في سهو) و لكن العلّامة في المنتهى على ما حكي ذكر قوله (سهو في سهو) و قال في مقام بيان المراد من هذه الفقرة من الرواية: بأن المراد أنّه لا سهو في الاحتياط الّذي يوجبه السهو، كمن شك بين الاثنتين و الأربع فإنه يصلّى ركعتين احتياطا، فلو سها فيهما و لم يدر صلّى واحدة أم ثنتين لم يلتفت إلى ذلك، ثمّ بعده يظهر من بعض المتاخرين مثل بعض شراح المتون بيانات و احتمالات في هذه الجملة بعد حمل السهو فيها على التجوز، من جهة كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار.

[المراد من جملة (لا سهو في سهو) ما هو]

منها أن المراد من قوله (لا سهو في سهو) اى: لا سهو في موجب السهو بالكسر.

و منها أنّه (لا سهو في سهو) أى: لا سهو في موجب السهو بالفتح و غير ذلك.

______________________________

لسهو الشاك، سواء حصل الظن للشاك منهما من قول الحافظ للسهو أم لا، فيصح في مفروض الكلام رجوع المأموم الشاك إلى الإمام الشاك الّذي رجع إلى الحافظ من المأمومين في صورة حصول الظن له من قول الحافظين للسهو، لأنّ مع حصول الظن له يعمل على ظنه، فهو أيضا حافظ باعتبار ما قلنا في المراد من الحفظ، فتأمّل. (قلت ما قلت و لم يقل مد ظله العالى شي ء و تمّ البحث، و في يوم

اللاحق عطف عنان الكلام إلى مسئلة اخرى) (المقرّر).

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 173

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه كما تلونا لك في أوّل الخلل، و في بعض المباحث الراجعة إلى الخلل أن السهو عبارة عن غروب الواقع عن نظر الشخص و غفلة الشخص عما هو الواقع، سواء كان هذا السهو و الغافلة عن الواقع مقارنا مع الجهل المركب، و اعتقاد الشخص على خلاف الواقع، أو كان مقارنا مع الجهل البسيط المساوق للشك و الترديد، ففي كل منهما يكون المنشأ في الغافلة عن الواقع هو السهو، ففي القسم الأوّل أى: في السهو المساوق للجهل المركب، يكون السهو في الصّلاة سببا لفعل ما ينبغى تركه، أو ترك ما ينبغى فعله، لاعتقاده على خلاف ما هو الواقع، و لجهله المركب، فالساهى في هذه الصورة غير ملتفت بسهوه، و لكن بعد ذهاب سهوه يتوجه أن سهوه السابق صار سببا لفعل ما لا يجوز فعله، أو لترك ما يلزم فعله.

و أمّا الساهى في صورة كون سهوه مقارنا لجهل البسيط، فهو في حال سهوه يكون ملتفتا بسهوه و ذهوله عن الواقع، و لهذا يشكّ في ما هو الواقع، فمن هذا الحيث فرق بين السهوين، و كذلك فرق بينهما من حيث أن الاحكام الثابتة في للسهو يكون لخصوص السهو المقارن للشك من البناء على الأكثر، أو سجدة السهو في الشّك بين الأربع و الخمس، و البطلان و غير ذلك، فهذه الاحكام أحكام ثابتة للسهو أى:

للشك، فاذا سها المصلّى و شك بين الاثنتين و

الثلاث يبنى على الثلاث و يأتي بركعة مفصولة، فهذا الحكم حكم مترتب على السهو المقارن للشك، و أمّا في السهو المصطلح أى: السهو المقارن للجهل المركب، فكل حكم يكون في مورده، و بعد توجهه بسهوه في الآن الثانى، فهو حكم مترتب على نفس إتيانه بما لا ينبغى إتيانه، أو على ترك ما ينبغى فعله، فالحكم بوجوب سجدتى السهو في صورة ترك السجدة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 174

الواحدة أو التشهّد نسيانا، أو غير ذلك، فهو حكم مترتب على عدم إتيانهما، لا حكم مترتب على سهو هما.

[في ذكر الامور مربوطة بما نحن فيه]
اشارة

و بعبارة اخرى السهو المساوق للجهل المركب ليس موضوعا لأحكام في الصّلاة، بخلاف السهو المساوق للشك و الترديد، إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أمران:

الامر الأوّل:

أن المراد هنا من قوله (لا سهو في سهو) أو (لا سهو على السهو) هو أنّه لا سهو في ما يوجبه السهو، و ما يوجبه السهو على ما عرفت، ليس إلا السهو المقارن للشك، لأنّه كما قلنا، ليس للسهو المساوق للجهل المركب حكما متفرعا عليه، و عارضا على المصلّى بعنوان السهو بحيث كان هذا القسم من السهو موجبا له، بل كل حكم ثبت للمصلى في صورة طروّ هذا القسم من السهو له، فهذا الحكم حكم متفرع على ترك ما ينبغى فعله، أو فعل ما ينبغى تركه من ترك جزء أو شرط مثلا ايجاد مانع، فكل حكم ثبت و طرأ للمصلى بعنوان السهو يكون في السهو المقارن للشك من وجوب الإعادة أو البناء على الأكثر و غير ذلك.

فاذا كان كذلك، فنقول: بأنّه يكون المراد من قوله (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) أنّه لا شك في ما يوجبه الشك، و مورد ذلك يكون صلاة الاحتياط الواجب على المكلف باعتبار طروّ الشّك له، و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس، فانهما وجبا و طرأ للمصلى باعتبار شكه، فالشك صار علة للبناء على الأكثر و إتيان ركعة المحتملة عدم إتيانها مفصولة، و كذلك سجدتى السهو في بين الأربع و الخمس، فيكون المراد أنّه لا شك فيهما، بل يبنى على الاكثر في صلاة الاحتياط، و في سجدتى السهو في هذا المورد، فظهر لك في الأمر الأوّل ان المراد من

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 175

(لا سهو في سهو)

هو عدم الشّك في ما يوجبه الشك، و هو صلاة الاحتياط، و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس.

الأمر الثاني:

أنّه قد ظهر لك ممّا مرّ من أن السهو هو غروب الواقع و ذهوله، سواء كان هذا السهو مساوقا للجهل المركب، و هو السهو المصطلح عند الفقهاء رحمه اللّه و سواء كان هذا السهو مساوقا للجهل البسيط و الشك و الترديد، فاستعمال السهو في الشك ليس مجازا كما تخيله بعض، كما ترى، فصاروا في مقام حمل السهو في بعض الأخبار على الشّك إلى أنّه تجوز و مصححه هو كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار، لأنّه على ما قلنا يكون الشّك قسما من السهو، لأنّ السهو و ذهول الواقع كما يصير سببا للجهل المركب و اعتقاد خلاف الواقع كذلك يصير سببا للجهل البسيط و الشك، فليس استعمال السهو في الشّك استعمالا مجازيا، و ليس وجه حمل السهو في قوله (لا سهو في سهو) في الشّك من باب كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار بل منشأه ما قلنا من أن السهو الّذي يكون منشأ لطرو الأحكام، هو السهو المساوق للشك و الترديد فقط، لا السهو المصطلح المقارن للجهل المركب، فلاجل هذا حيث أن الرواية تكون في مقام نفى السهو عن السهو، فيكون في مقام نفى حكم الثابت للسهو، و ليس حكم ثابت الا للسهو المساوق للشك (فافهم، فان هذا من لطائف الكلمات).

ثمّ إن في المقام إشكالا يرى تعرضه في بعض الكلمات نتعرض له و لجوابه.

أمّا الإشكال فهو أنّه على ما ترى من جملة ما في رواية حفص بن البخترى المتقدمة قوله (قال: ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا

على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة) و قال في مرسلة يونس المتقدمة (ليس على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 176

الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو، و لا سهو في نافله الخ) فترى أن المعصوم عليه السّلام جعل (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) في عداد امور أخر كلّها مدخول لفظ (لا) أو (ليس) و بعد كون النفى الوارد على الامور المذكورة في رواية حفص بن البخترى نفي لحكم الشّك و اثبات حكم خاص له من رجوع المأموم إلى الإمام مثلا في قوله (ليس على المأموم سهو) و رجوع الإمام إلى المأموم في قوله (ليس على الإمام سهو) فكيف تقول: بأن قوله (و لا على السهو سهو) على نفى الشّك عن صلاة الاحتياط مثلا و أنّه يبنى على الأكثر فيها، مع كون سياق (ليس على الإمام سهو) مع (و لا على السهو سهو) واحدا.

[عمدة الاشكال يكون فى مرسلة يونس]
اشارة

و عمدة الإشكال يكون في مرسلة يونس، فان المنفيات فيها مختلفة، فبعضها نفي السهو عنه، و يكون حكمه مع النفي بطلان الصّلاة، و هو الشّك في الفجر و المغرب و الأولتين من كل صلاة، و بعضها نفى السهو عنه و مع ذلك يقولون فيه: بالتخيير بين البناء على الأقل و الأكثر و هو الشّك في النافلة، فمع كون الامور الّتي قال بعدم السهو فيها، مختلفة من حيث الحكم، لأنّ حكم بعضها البطلان و حكم بعضها الصحة و

الرجوع إلى الغير، فلم تقولون: بأن المراد من نفى السهو عن السهو في قوله (و لا سهو في سهو) هو صحة صلاة الاحتياط مع الشّك فيها، و البناء على ما يكون نافعا للمصلّى، مثلا إن كانت صلاة الاحتياط ركعة واجبة و شك في أنّه صلّى واحدة أو اثنتين فيبنى على أنّه صلّى واحدة، و إن كانت وظيفته بحسب شكه ركعتين و شك في أنّه صلّى واحدة أو اثنتين يبنى على أنّه صلّى اثنتين، مع أنّه ليس في الرواية إلا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 177

نفي السهو.

و بعد ما يكون النفي الوارد في هذه الرواية مختلفا ففي بعضه تبطل الصّلاة مثل (و لا في الفجر سهو) و في بعض تصح الصّلاة مع الشك، فما الوجه في حمل نفى السهو في (لا سهو في سهو) على صحة الموجب للسهو أعنى: صلاة الاحتياط، أو سجدتى السهو الموجب في الشّك بين الأربع و الخمس.

فعلى هذا يكون هذه الفقرة مجملة، و لا وجه لحملها على عدم الشّك و صحة السهو فيه، و البناء على ما يكون بنفع المصلّى، بل لا بدّ من أن يقال: بأن في كل منها هو حكم البناء على الأكثر، و أن هذا الحكم ليس في هذا الموارد، و أمّا أن حكمها الصحة أو الفساد في فرض عدم كون حكم البناء على الأكثر، فلا يستفاد من الرواية، بل لا بدّ لفهم ما هو الوظيفة فيها إلى دليل اخر.

[في ذكر الجواب عن الاشكال]

أمّا الجواب فنقول بعونه تعالى: بأن في الموارد الّتي نفى السهو فيها، يكون الحكم و الوظيفة معلوما باعتبار دلالة نفس هذا الدليل الّذي نفى فيه السهو عنه، أو بدليل اخر، مثلا في كثير السهو، فالحكم الثابت للسهو أى للشك

منفي مع كثرة الشك، و لكن عيّن في أدلته تكليف كثير الشّك و أنّه يمضى في صلاته، و كذلك في الركعتين الاولتين و الفجر و المغرب، فان السهو فيها منفي بمقتضى مرسلة يونس، و لكن الوظيفة في صورة السهو، أعنى: الشّك فيها عيّن الشارع في روايات اخرى بأنه يعيد الصّلاة فيها و أنّ فرض اللّه لا تحتملان السهو، و لا بدّ من إعادة الصّلاة في صورة الشّك فيهما، و كذلك في شك الإمام و المأموم فنفى السهو عنهما، و لكن عيّن تكليفهما بالرجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظ الآخر سهوه، و كذلك في النافلة فإن فيها و إن لم يكن دليل في البين إلا قوله (و لا سهو في نافلة) و لكن من المعلوم أن أمر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 178

النافلة ليس أضيق من الفريضة، فبعد كون البناء على الأكثر في النافلة مع الاحتياط، فلا بدّ و أن يكون المراد عن عدم السهو فيها عدم حكم للشك فيها، فقهرا يكون نتيجته خيار المصلّى فيها بين البناء على الأقل و الأكثر. «1»

[في المراد من قوله (لا فى سهو)]

فيبقى الكلام- بعد معلومية حكم كل من شك كثير الشك، و شك كل من الإمام و المأموم، و الشك في الفجر و المغرب و الأولتين من كل صلاة، و الشك في النافلة- في هذه الفقرة من الرواية و هى قوله (لا سهو في سهو) أو (لا على السهو سهو) فهل نقول: بأن هذه الفقرة من حيث اقترانها بامور يكون الحكم فيها مختلفا، من حيث الصحة و الفساد، مع نفي السهو عنها لا تفيد إلا نفى الحكم الثابت للسهو المقارن للشك من البناء على الأكثر كما أنّ ساير الفقرات، لو كنا و هذه

الرواية لا تفيد إلّا نفى الحكم الثابت للسهو المقارن للشك من البناء على الأكثر. و أمّا بعد نفى هذا الحكم ما هو الحكم و التكليف في السهو في السهو، و ساير الامور المنفية عنه السهو، هل البطلان و إعادة الصّلاة، أو الصحة، فليست الرواية و هذه الفقرات متعرضة له، بل لا بدّ من فهم ذلك من دليل اخر، أو نقول: بأن مفاد (لا سهو في السهو) هو صحة موجب السهو، و أن المصلّى تكون وظيفته البناء فيه على ما ينفعه؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا لك سابقا من أن لفظ السهو كما يشمل السهو المساوق للجهل المركب، كذلك يشمل السهو المقارن للجهل البسيط و الشك و الترديد، لأنّ في

______________________________

(1)- أقول: ما أفاد مد ظله العالى من أنّه لا يمكن الالتزام بالفساد في النافلة إذا شك فيها بمقتضى قوله (لا سهو في نافلة) تمام، و لكن لم أفهم وجه تخيير المصلّى فيها بين الأقل و الأكثر، فإن كان قوله (و لا سهو في نافلة) دال على عدم الفساد بالشك، فلا بدّ من البناء فيها على الأقل لاستصحاب عدم إتيان الركعة الثانية، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 179

كلا القسمين يكون المنشأ للترك أو الفعل أو للشك، ذهول الواقع، و بعد ذلك تعرف أن مصحح إطلاق السهو على ما يوجبه السهو، هو كون وجوب ذلك لأجل السهو أى:

الشك في الصّلاة، فقوله (لا سهو في سهو) يكون معناه أنّه لا يكون السهو المقارن للشك و علة للشك في السهو أى: في ما يوجبه السهو الّذي يكون علّة للشك، و ليس حمل السهو على الشّك من باب استعمال اللفظ في المعنى المجازى، كما قلنا، بل يكون استعمالا حقيقيا، و

وجه حملنا السهو في هذه الفقرة على السهو المسبّب للشك، هو ما قلنا من أن هذا القسم من السهو يوجب بعض الاحكام، و ليس السهو المصطلح بما هو سهو موجبا لأحكام، فمن كل ذلك يظهر لك أن المراد من هذه الفقرة هو ما قلنا من أنّه لا يكون السهو المقارن للشك في ما يوجبه السهو المقارن للشك، و ما أوجبه هذا القسم من السهو، هو صلاة الاحتياط و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس.

فاذا عرفت ذلك نقول: بأنّه بعد كون المستفاد من الروايات هو كون الركعتين الأولتين فرض اللّه و هما لا تحتملان السهو و الأخيرتان فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و هما تحتملان السهو، و يكون البناء فيهما بحسب ما شرّع فيهما على الأكثر و تدارك نقص المحتمل فيهما مفصولة، حتّى لو كانت الصّلاة ناقصة يتدارك بما يأتي به مفصولة، و لو لم تكن ناقصة تصير المفصولة نافلة، و وجه جعل ما يتدارك به النقص مفصولة هو أنّه لو أتى به متصلة يمكن وقوع الزيادة في الصّلاة، لاحتمال كون الصّلاة غير محتاجة به، ففي الركعتين الأخيرتين لا تفسد الصّلاة بالسهو المقارن للشك، بل يبنى فيهما على الأكثر و يأتي بصلوة الاحتياط مفصولة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن مقتضى ما قلنا من أن طروّ السهو المقارن للشك في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 180

الأخيرتين باعتبار كونهما فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مقتض لعدم بطلانهما بالشك، و كون الوظيفة فيهما البناء على الاكثر و جبر النقص المحتمل بصلوة الاحتياط فعلى هذا نقول: إن قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) يكون المراد عدم مجي ء السهو المقارن للشك

في ما يوجبه السهو المقارن للشك، و بعبارة اخرى لا شك في صلاة الاحتياط، و لا يمكن كون الحكم فيها البطلان، لأنّ صلاة الاحتياط شرعت لجبر نقص المحتمل في الأخيرتين غير موجب الشك للبطلان، فيهما فكيف يمكن ما جعل لأجلهما يوجب الشّك فيه بطلانه، فلا إشكال في عدم بطلان الصّلاة الاحتياط بالشّك فيها، و بعد عدم بطلانها بالشك، فمعنى عدم السهو فيها عدم حكم السهو فيها، و حكم السهو في موجبها، و هو وقوع الشّك في الأخيرتين هو الصحة و البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، و بعد كون المراد من عدم السهو فيها عدم هذا الحكم فيها فيكون معناه أنّه يبنى على الأكثر بدون لزوم تدارك نقص المحتمل فيها بصلوة اخرى، فإن كانت الصّلاة الاحتياط الّتي شك فيها ركعتين، و شك في أنّه أتى ركعة منها أو كلا ركعتيه فيبنى على الأكثر، و إن كان الشّك في الصّلاة الاحتياط الّتي تجب ركعة واحدة، و شك فيها بأنّه هل صلّى ركعة واحدة أو أزيد، فيبنى على الأقل (لأنه لو لم يبن على الأقل و بنى على الأكثر فلازمه بطلان صلاة الاحتياط، و الحال أن صلاة الاحتياط على ما قلنا لا تبطل بطروّ السهو المقارن للشك فيها، لانها جعلت لجبر نقص المحتمل في الأخيرتين و الشك غير مبطل لهما، ففي ما جعلت لجبر نقص المحتمل فيهما بطريق أولى) فظهر لك ممّا مرّ ما هو المراد من قوله (لا سهو في سهو) أو (لا على السهو سهو) بحسب ظاهره، فافهم.

[في ذكر احتمالات اخر فى المورد]

ثمّ إن في قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) احتمل بعض احتمالات اخر: منها كون

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 181

المراد من كل من السهوين

المذكورين، هو السهو المساوق للجهل المركب، و السهو المقارن للجهل البسيط، و الترديد، و منها كون المراد من كل منهما هو السهو المصطلح المساوق للجهل المركب، و منها كون المراد منهما السهو المقارن للشك، و منها كون المراد من السهو الأوّل أحد القسمين، و من السهو الثانى قسما اخر، فبالأول يراد السهو المصطلح، و بالثانى الشك، أو بعكس ذلك، و كل هذه محتملات في الرواية.

[اذا شك في انّه هل شكّ شكا يوجب الاحتياط او لا؟]
اشارة

و على كل حال يكون أحد الاحتمالات في هذه الرواية كون المراد من السهو الثانى في قوله (لا سهو في سهو) هو نفس السهو، فيكون المراد أنّه لا سهو أى لا شك في شك، فلو شك المصلّى في شك فتارة يكون شكه في فعل من الأفعال، أو قول من الأقوال مثلا يشكّ في أنّه هل شك في الركوع أم لا، أو هل شك في القراءة أم لا، فإن طرأ هذا الشّك في الشّك قبل مضى محله، فيلاحظ إن كان شاكّا وجدانا في إتيانه و عدمه فياتى به، و إن طرأ بعد مضى المحل، فلو كان شاكّا فعلا فلا يعتد به لمضى محله، و كون الشّك بعد المحل، و تارة يكون شاكّا في أنّه هل شك شكّا يوجب الاحتياط أم لا، فله صور:

[في ذكر الصور في المسألة]
الصورة الأولى:

ما إذا شك في أنّه هل شك شكّا يوجب الاحتياط أم لا و هو في الصّلاة، فلا إشكال في أنّه في هذه الصورة تلاحظ حالته الفعلية فإن كان شاكا وجدانا فيبنى على ما يلزم أن يبنى عليه في هذا الشك، ثمّ الإتيان بعد بوظيفة هذا الشك، كما أنّه لو لم يكن شاكّا فعلا فلا شي ء عليه كما أنّه لو شك في الركعات بأنّه شك شكّا يوجب إبطال الصّلاة مثل ما شك في أنّه هل شك في الاوليين أم لا فأيضا يلاحظ حالته الفعليّة.

الصورة الثانية:

أن يشكّ بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل شك شكّا يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 182

صلاة الاحتياط عليه أم لا، مع فرض علمه بأن هذا الشّك حدث بعد الصّلاة، فلا إشكال في أنّه لا يعتنى بهذا الشّك لقاعدة الفراغ، فتصح صلاته، و لا يجب عليه صلاة الاحتياط.

الصورة الثالثة:

ما إذا شك بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط مثلا هل يجب عليه إتيان ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس من باب حدوث سببه، و هو الشّك بين الثلاث و الأربع أو لا يجب عليه من باب عدم حدوث سببه فيشك بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل شك شكّا يوجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و لكن يشكّ في أن هذا الشك الّذي طرأ عليه، هل حدث بعد الفراغ أم صار حادثا حال الصّلاة، و هذا بقاء ذاك الوجود السابق، و بعبارة اخرى بعد الفراغ في أنّه هل شك حال الصّلاة شكّا أوجب عليه صلاة الاحتياط، و كان هذا الشّك بقاء الشّك السابق، أو هذا الشّك أى: الشّك في وجوب صلاة الاحتياط عليه حدث له بعد الفراغ.

اعلم أن بعض الأعاظم (العلّامة الحائرى) في صلاته «1» تعرض لهذه المسألة، و قال ما حاصله: هو أنّه إذا شك هذا الشك، قد يقال بصحة الصّلاة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط، لأنّ الأصل عدم تحقق موجب الاحتياط، و لا يعارضه أصالة عدم تحقق الشّك بعد الفراغ، لأنّ اثر هذا الاصل ليس إلا عدم كون الصّلاة محكومة بالتمامية من جهة اخرى، و المفروض تحقق أصل الصّلاة و إنما الشّك يكون من جهة احتمال احتياجها إلى الاحتياط، و هذه الجهة مرفوعة بالأصل، لأنّ مقتضى الاصل

عدم وجوبه، و بعبارة اخرى نقص الصّلاة من جهة الاحتياط مرفوع بالاصل، و من

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى، ص 388.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 183

جهة اخرى غير محتمل.

و لكن فيه ان أصل المذكور أى: اصالة عدم تحقق موجب الاحتياط لا يثبت تمامية الصّلاة، لأنّ محرز تمامية الصّلاة إمّا صلاة الاحتياط و إمّا قاعدة الفراغ، و كلتاهما مدفوعتان بالأصل، أمّا صلاة الاحتياط فلأن الأصل عدم تحقق موجبها، أو الاصل عدم وجوبها، و أمّا قاعدة الفراغ فالاصل عدم حدوث الشّك بعد الفراغ، و استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الفراغ عن الصّلاة أعنى: أصالة تأخر الحادث، فلا يترتب عليه إلّا كل اثر يكون مرتبا على عدم حدوث الحادث في ما قبل العلم بحدوثه، و لا يثبت به الاثر المترتب على تأخر الحادث، فلا يثبت بهذا الأصل كون الشّك بعد الفراغ حتّى يكون مورد قاعدة الفراغ.

فإذا يكون ما به يحرز تمامية الصّلاة، و هو صلاة الاحتياط أو قاعدة الفراغ، مدفوعتان بالأصل كما عرفت فلم يبق للمكلف ما يكون حجة على فرض نقص الصّلاة في الواقع، مع فرض اشتغال ذمته بإتيان أربع ركعات، فمقتضى الاحتياط إتيان صلاة الاحتياط للقطع بفراغ الذمّة بإتيانها، فلو شك بعد الفراغ في أنّه هل شك بين الثلاث و الأربع و يشك في أنّه هل شكه حدث بعد الصّلاة أ و لم يحدث بعدها، بل حدث في أثناء الصّلاة و هذا الشّك وجود بقائى للشك السابق، بمقتضى الاشتغال بالصّلاة أربع ركعات، من إتيان عمل الشّك بين الثلاث و الأربع حتّى يقطع بفراغ الذمة، هذا حاصل كلامه رحمه اللّه في هذا المقام.

[ان الشكّ بعد الفراغ في انّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا؟]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: ان الشّك بعد الفراغ في أنّه هل يجب

عليه صلاة الاحتياط أم لا، مع تردد الشاك بين كون الشّك حادثا بعد الفراغ، و بين كونه سابقا على الفراغ، و كون هذا الشّك بقاء الشّك الأوّل،

يتصور على ثلاثة اقسام:
اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 184

الأوّل:

أن يشكّ بعد الفراغ و يحدث الشّك بعد الفراغ، لكن يحتمل و يشك في أنّه هل شك حال الصّلاة قبل الفراغ منها شكّا يوجب الاحتياط و صار زائلا بالقطع بأحد طرفى الشك، ثمّ كان هذا الشّك الحادث بعد الفراغ هو الشّك الحادث حال الصّلاة أم لا، فيشك في أن هذا الشّك هل هو شك حادث، أو بقاء الشّك السابق الزائل بالقطع.

الثاني:

أن يشكّ بعد الفراغ في وجوب صلاة الاحتياط، و لكن يكون شاكا في حال هذا الشّك في أن هذا الشّك هل حدث بعد الفراغ أم هو شك حال الصّلاة في ما يوجب صلاة الاحتياط، ثمّ غفل عن شكه، ثمّ تبدل غفلته بالشّك بعد الفراغ عن الصّلاة.

الثالث:

أن يشكّ بعد الفراغ في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و يشك في أن شكه هذا هل بقاء وجود شك طرأ له حال الصّلاة فاستدام شكه إلى هذا الحال أم شكه هذا حدث بعد الفراغ من الصّلاة.

[في ذكر الوجوه الثلاثة في المورد]
اشارة

إذا عرفت هذه الصور يظهر لك أن في عبارة بعض الاعاظم المتقدم ذكره، قصور في إفادة الصورة الّتي تكون محل الكلام، و لا يستفاد من كلامه إلا الصورة الأخيرة، ثمّ بعد ذلك نقول: بأن في المسألة وجوها:

الوجه الأوّل:

صحة الصّلاة في كل هذه الأنحاء الثلاثة المتصورة المتقدمة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط.

الوجه الثاني:

صحة الصّلاة و لزوم الإتيان بصلوة الاحتياط في جميع الانحاء المتقدمة.

الوجه الثالث:

التفصيل بين الانحاء المتقدمة الثلاثة، فيقال في القسم الأوّل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 185

أى: صورة الشّك في حدوث الشّك بعد الفراغ و حدوثه قبل الصّلاة، ثمّ زواله بالقطع بأحد طرفى الشك، ثمّ طروّ الشّك بعد الفراغ، و في القسم الثانى، و هو صورة الشّك في أنّه هل حدث الشّك بعد الفراغ أو حدث حال الصّلاة ثمّ غفل عن الشّك و فرغ عنها، ثمّ تبدل غفلته بالشك: بأنّه لا يعتنى بالشك، و يتم الصّلاة، و لا يجب على الشاك صلاة الاحتياط، و يقال في القسم الثالث من هذه المسألة، و هو صورة كون المصلى بعد الفراغ شاكا فى أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و يكون شاكا فى أن شكه هذا هل شك حادث بعد الفراغ، أو وجود بقائى للشك قبل الفراغ و هذا الشك بقاء الشّك السابق: بأنّه تصح الصّلاة و يجب على الشاك صلاة الاحتياط لتحصيل القطع بفراغ ذمته عن الاشتغال بأربع ركعات.

[في ذكر التفصيل بين الاقسام الثلاثة]

أمّا وجه صحة الصّلاة في الأولين و عدم احتياج إلى صلاة الاحتياط فنقول:

بأن في كل من هذه الأقسام الثلاثة إن أمكن اجراء قاعدة الفراغ و أمكن احراز تمامية الصّلاة ببركتها فلا إشكال في صحة الصّلاة، و عدم مجال لاجراء قاعدة الاشتغال، لعدم مجال لقاعدة الاشتغال مع قاعدة الفراغ، و لا تكون قاعدة الاشتغال في مرتبة قاعدة الفراغ حتّى يقع بينهما التعارض، بل قاعدة الفراغ واردة أو حاكمة عليها، فلا بدّ من حساب أن قاعدة الفراغ تشمل أىّ نحو من الأنحاء المتصورة المتقدّمة و لهذا نقول في القسمين الأولين: إنّه تجري قاعدة الفراغ، لكون الشّك حادثا بعد الصّلاة في هذين الموردين و الشك السابق الّذي يكون مشكوكا في أثناء

الصّلاة، يكون مشكوك الحدوث و الأصل عدمه.

و أمّا في القسم الثالث، فحيث إن حدوث الشّك بعد الفراغ مشكوك، و قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يكون الشّك حادثا بعد الفراغ، فلا تجرى قاعدة الفراغ،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 186

و أصالة عدم حدوث الشّك قبل الفراغ لا يثبت كون الشّك حادثا بعد الفراغ، و بعد عدم احراز تمامية الصّلاة، بقاعدة الفراغ فتصل النوبة إلى الاشتغال و مقتضى الاشتغال هو لزوم احراز تمامية الصّلاة، و حيث إنّه يعلم إحراز التمامية بصلوة الاحتياط، فالاشتغال يقتضي إتيان صلاة الاحتياط حتّى يقطع بفراغ ذمّته عن أربع ركعات، لأنّ صلاة إن كانت ناقصة فنقصها يجبر بالاحتياط، لأنّ الشّك على فرض طروه حال الصّلاة لا يقتضي الا صلاة الاحتياط، فباتيان صلاة الاحتياط تفرغ الذمّة و الاشتغال يقتضي إتيانها للقطع ببراءة ذمته عن التكليف المتعلّق بأربع ركعات، فافهم.

[في ذكر وجه آخر لصحّة الصّلاة]

و ربّما يأتي في النظر البدوى وجها اخر لصحة الصّلاة و وجوب إتيان عمل الشك بعد الصّلاة بصلوة الاحتياط في مفروض الكلام، مضافا إلى ما قلنا من اقتضاء قاعدة الاشتغال ذلك بعد عدم مجال لاجراء قاعدة الفراغ، و هو أنّ الدليل الدال على وجوب البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط لجبر نقص المحتمل في الشك المتعلّق بالأخيرتين مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع يدلّ على تمامية الصّلاة باتيان صلاة الاحتياط، لأنّ هذا الدليل يدلّ على أنّه متى يطرأ الشّك للمصلّى بين الثلاث و الأربع، فتكون الوظيفة البناء على الأربع، و إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس و بها يحرز تمامية الصّلاة، لأنّ صلاة الاحتياط شرعت لجبر نقص المحتمل، فلو فرض نقص في الصّلاة من حيث الركعة، فهو يتدارك بصلوة الاحتياط، و

إطلاق هذا الدليل يشمل صورة طروه بعد الصّلاة، فكما أنّه لو شك في أثناء الصّلاة يكون تكليفه هذا، كذلك لو شك بعد الفراغ بين الثلاث و الأربع يكون تكليفه هذا باعتبار هذا الدليل، غاية الأمر أن في مورد قاعدة الفراغ لا يعمل بإطلاق الدليل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 187

الدال على البناء على الأكثر و إتيان نقص المحتمل مفصولة، لأنّ مقتضاها أن كل شك حدث بعد الفراغ لا يعتنى به فلو شك بعد الفراغ في أنّه هل صلّى ثلاثا أو اربعا لا يعتنى بهذا الشّك لأجل قاعدة الفراغ، فنقول في محل الكلام: حيث إنّه لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ لعدم احراز كون الشّك حادثا بعد الفراغ فبمقتضى الدليل الدال على البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، الشامل لصورة طروّ الشّك بعد الصّلاة بالإطلاق أو العموم لا بدّ من أن يأتي بصلوة الاحتياط في مفروض الكلام، و يحرز بها تمامية الصّلاة و أنّه أتى بأربع ركعات تامة.

و ان أبيت عن شمول الدليل الدال على البناء على الاكثر في الشّك بين الثلاث و الأربع، و غيره من الشّكوك المنصوصة الآمرة فيها بالبناء على الأكثر لصورة الشك بعد الفراغ في حد ذاته، و قلت بانحصار مورده بطروّ الشّك في أثناء الصّلاة.

فنقول: إن ملاكه موجود بعد الصّلاة، لأنّ بعد الصّلاة لو شك فيكون شاكا فى نقص الصّلاة و عدمه، و بعد كون ملاكه متحدا مع طرو الشك حال الصّلاة و بإلغاء الخصوصية، نقول بكون الشّك بعد الفراغ مثل الشّك قبل الفراغ، و بعد عدم جريان قاعدة الفراغ، فيكون المورد محكوما بحكم الشّك في الأثناء الّذي مر فيه بالبناء على الأكثر، و جبر نقص المحتمل بعد الصّلاة.

[في ذكر عدم جريان قاعدة الفراغ في المورد]

فتحصل أن

في ما نحن فيه بعد عدم جريان قاعدة الفراغ تصح الصّلاة، و لا بدّ من إتيان صلاة الاحتياط و أنّ بها يحرز التمامية بمقتضى قاعدة الاشتغال، لأنّ بهذا النحو تحصل البراءة، و بمقتضى الادلة الدالة على البناء على الأكثر في الركعات في مورد الشّكوك المنصوصة، فافهم.

[كون المورد من الشبهة المصداقية لقاعدة الفراغ]

و لكن إذا تأمّلت حقّ التأمل يظهر لك أن الحكم بصحة الصّلاة في ما نحن فيه،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 188

و وجوب العمل بوظيفة الشّك من صلاة الاحتياط بهذا الوجه، غير وجيه، إذ يكون ذلك تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّه لو فرض شمول أدلة الدالة على أن في الشكوك المنصوصة في غير الشّك بين الأربع و الخمس، يبنى على الاكثر، و يأتي بصلوة الاحتياط، لصورة طروّ الشّك في الركعتين الأخيرتين بعد الفراغ من الصّلاة كما عرفت بيانه، لكن بعد فرض تخصيص عموم هذه الادلة بقاعدة الفراغ و أن كل شك حدث بعد الفراغ لا يعتنى به، فان كان الشّك في ما نحن فيه حادثا بعد الفراغ يكون المورد مصداق المخصّص أعنى: قاعده الفراغ، و إن كان حادثا قبل الفراغ و هذا الشّك يكون بقاء الشّك السابق يكون المورد مصداق عموم الدال على البناء على الأكثر و جبر نقص المتحمل بعد الصّلاة، و حيث يكون المصلّى شاكّا في أن هذا الشك شك حادث بعد الفراغ أو بقاء شك السابق على الفراغ، فيكون هذا الفرد مشكوك الفردية للعام و للمخصص.

فإن قلنا بعدم كون المورد محكوما بحكم قاعدة الفراغ من باب عدم احراز كون الشّك حادثا بعد الفراغ و إنّ المورد محكوما بحكم عموم الدال على البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، فيكون هذا من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية،

و قد بينا في الاصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.

فالوجه في عدم بطلان الصّلاة في ما نحن فيه، و احراز تمامية الصّلاة بصلوة الاحتياط، هو ما قلنا من أنّه بعد عدم امكان اجراء قاعدة الفراغ فقاعدة الاشتغال يقتضي براءة الذمّة عن التكليف بأربع ركعات تامة، و حيث إن الصّلاة إن كانت ناقصة يجير نقصها بصلوة الاحتياط، لأنّ منشأ الشّك في تماميتها ليس إلا طروّ الشك له حال الصّلاة بين الثلاث و الأربع الّذي يوجب صلاة الاحتياط، فبإتيان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 189

صلاة الاحتياط يحرز التمامية، فقاعدة الاشتغال تقتضى صلاة الاحتياط.

[الكلام فى (لا سهو فى سهو)]

هذا تمام الكلام في هذه المسألة، و قد عرفت ان المسألة تتمّ بما بينا في حكمها، و لا مجال للتمسك بصحة الصّلاة فيها بقوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) بأن يقال: إن المراد من كل من لفظى (السهو) في هذه العبارة هو نفس الشك، فيكون المراد أنّه لا شك في الشك، و حيث إن في ما نحن فيه يشكّ في أن شكه هذا هل يكون بقاء الشّك السابق، أو يكون شكّا حادثا، فيكون شاكا في شكه، و قوله (لا سهو في سهو) بعد كون معناه أنّه لا شك في شك، فيقال بعدم الاعتناء بهذا الشك، لأنّه شك في الشك.

و لانّا نقول كما قلنا: بأن الظاهر من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) أنّه لا سهو يكون لأجل السهو، و باعتباره، و هو يكون ما جعل لجبر نقص المحتمل في الشك في الركعات أعنى: صلاة الاحتياط، و يحتمل في هذا الكلام ما احتمل من كون المراد من كل من السهوين نفس الشك، و لكن هذا

خلاف ظاهره، فلا وجه للاستدلال بصحة الصّلاة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط في ما نحن فيه بقوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) فافهم.

إذا عرفت حكم الفروع المتقدمة الّتي ربما يتوهم استفادة حكمها من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) فلنرجع إلى ما كنّا بسدده، و هو التكلم في مفاد (لا سهو في سهو) و قد عرفت ممّا قلنا في صدر البحث بأن الظاهر من هذه الفقرة، هو أنّه لا سهو جاء من قبل السهو، و حيث أن السهو المصطلح أى: السهو المقارن للجهل المركب لا يصير سببا لوجوب عمل، فليس مورده إلا السهو المقارن للشك، فيكون المتيقن منه أنّه إذا شك في صلاة الاحتياط في ركعتها فلا يعتنى به،

[في ذكر الفروع المربوطة بما نحن فيه]
اشارة

إذا فهمت ما تلونا عليك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 190

فهنا فروع:

الفرع الأوّل:

و هو أنّ المتيقّن من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) على ما قلنا في بيان مفاده، هو ما إذا شك في ركعة الاحتياط، مثلا لا يدرى واحدة صلّى أم اثنتين، فبعد كون مفاده أنّه لا شك في ما جاء من قبل الشّك فصلاة الاحتياط جاء من قبل الشّك باعتبار ان ركعة واحدة أو ركعتين منها عين الصّلاة و بها يجبر نقص المحتمل في الصّلاة، فالمتقين شموله لهذا الفرع.

الفرع الثانى:
اشارة

هل قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) كما يشمل الشّك في ركعة صلاة الاحتياط و لا يعتنى بهذا الشك، يشمل الشّك في أجزاء صلاة الاحتياط غير الركعة أم لا؟ مثلا إذا شك في أنّه هل أتى بركوعها أو سجودها أو غير هما أم لا، هل يقال بشمول (لا سهو في سهو) له فلا يعتنى بالشّك فيها أو لا يمكن أن يقال بذلك؟

اعلم أن الشّك في جزء من الأجزاء تارة يكون بعد مضى المحل مثلا يشكّ في إتيان ركوع صلاة الاحتياط و عدمه بعد الدخول في السجود، فلا يعتنى بهذا بلا حاجة إلى الاستدلال في هذه الصورة بقوله (لا سهو في سهو) بل لأجل أن أدلة قاعدة التجاوز يشمل أجزاء صلاة الاحتياط إمّا بالإطلاق أو بإلغاء الخصوصية، و أن صلاة الاحتياط على تقدير نقص الصّلاة عين الصّلاة.

و تارة يشكّ في جزء من أجزائها قبل مضى محله، مثلا حال القيام يشكّ في أنّه هل ركع، و هذا القيام هو القيام بعد الركوع، أ و لم ركع و هذا القيام هو القيام قبل الركوع، ففي هذه الصورة هل نقول: بعدم الاعتناء بالشّك من باب شمول (لا سهو في سهو) لأجزاء صلاة الاحتياط أيضا، أم نقول: بإتيان الركوع،

لعدم شمول (لا سهو في سهو) للمورد، و يكون محل تداركه باقيا فيأتى به.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 191

[في ان اطلاق (لا سهو في سهو) هل يشمل الشكّ في الاجزاء أيضا]

قد يقال: بأن اطلاق (لا سهو في سهو) يشمل الشّك في الأجزاء أيضا، فلا يعتنى به، و لكن شموله للشك في الأجزاء مشكل، أمّا أولا فلأن مفاد (لا سهو في سهو) هو أنّه لا شك في ما جاء من قبل السهو و أن الشّك مقتض لمجيئه، و من الواضح أن في الشّك في الركعة في مواردها لا يدرى الشاك أن الصّلاة تامة أو ناقصة، فجاء من قبل شكه تكليفا يعلم معه بتمامية صلاته، و لو كان نقص فيها فيتدارك به، و هو صلاة الاحتياط، فصلاة الاحتياط باعتبار ركعتها شرعت لجبر نقص الركعة، فالركعة تكون جابرة لنقص المحتمل، ففي الحقيقة تكون الركعة ما جاء من قبل (فلا سهو في سهو) أى لا شك في ركعة صلاة الاحتياط، فعلى هذا لا يشمل لأجزاء ركعة صلاة الاحتياط، لانها ليست ما جاء من قبل السهو.

إن قلت: كما قلت في وجه اعتبار الظن في أفعال الصّلاة: بأنّه بعد اعتباره في الركعة نفهم كونه حجة في أجزاء الركعة، كذلك نقول في المقام، فإنه بعد عدم سهو في ركعة صلاة الاحتياط، فكذلك في أجزائها.

نقول: بأنّه في الظن في الأفعال حيث كان الظن أمارة على الواقع، فقلنا بعد كون الظن أمارة في الركعة، فيكون أمارة في أجزائها لأنّ من يظن مثلا بإتيان ركعة، فيظن باتيان قراءتها و ركوعها و سجودها، فله ظنون متعددة فمعنى اعتبار الظن في الركعة اعتبار هذه الظنون لأنه إمّا أن تقول: عدم الحجية يكون من باب أن هذه الظنون اجتماعها، دخيلة في الأمارية بمعنى أن الظن بوجود القراءة مجتمعا مع

القطع بوجود الركوع و السجود، فلم يكن أمارة و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و كيف يمكن الالتزام بأن اجتماع الظن مع الظن يوجب حجيته، و أمّا في صورة اجتماعه مع القطع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 192

لا يكون حجة.

و إمّا أن تقول: بعدم دخل في اجتماع هذه الظنون، فتكون الظن بالجزء أمارة و حجة كالظن بالركعة، فوجه حجية الظن في الأفعال مثل الظن في الركعات كان من باب أمارية الظن، و قلنا بعدم فرق في أماريته بين الأفعال و الركعة.

و أمّا في المقام فيكون الشّك محكوما بعدم الاعتناء، و ليس في الشّك حيث كشف و أمارية، فيمكن أن يامر في الأجزاء بالاعتناء به، مع أمره بعدم الاعتناء في الركعة، و لا مجال لأن يقال: بأنّه بعد عدم الاعتناء بالشّك في الركعة، فكذلك أجزاء الركعة، لأنّ وجه عدم الاعتناء بالشّك في ركعة صلاة الاحتياط يكون ظهور (لا سهو في سهو) حيث أن الركعة منها جاءت من قبل السهو، و أمّا الركوع و السجود و القراءة منها ما جاءت من قبل الشك.

و ثانيا أن ظاهر (لا سهو في سهو) هو عدم السهو في صلاة الاحتياط، لانها عين الصّلاة الّتي شك فيها، و عينها لم تكن إلا نفس ركعة صلاة الاحتياط لا أجزاء ركعتها. «1»

______________________________

(1)- (أقول: إن كان نظره مد ظله العالى إلى انّ الظاهر من قوله (لا سهو في سهو) ما قاله أولا و ثانيا ففيه أنّه لا يستفاد من هذا الكلام أنّه لا سهو في ما هو عين السهو، حتّى يقال: إن الركوع ليس مثلا عين الركعة المحتملة السابقة من الصّلاة و غاية ما يستفاد هو أنّه لا سهو جاء من قبل السهو، و

كما أن ركعة صلاة الاحتياط جاء من قبل السهو، فكذلك قراءتها و ركوعها و غير هما من أجزاء الركعة، و إن كان نظره مد ظله العالى إلى أنّ شمول إطلاق (لا سهو في سهو) لأجزاء من صلاة الاحتياط مشكل، فهو يدور مدار الاستظهار من هذا الكلام، و لو استظهر منه أنّه لا سهو فيما جاء من قبل السهو، فان كان لا يبعد دعوى شموله للأجزاء و لكن يمكن الإشكال فيه، فمع الشك يكون المرجع القواعد الثابتة مع قطع النظر عن قوله (لا سهو في سهو). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 193

الفرع الثالث:

هل يشمل قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) ما إذا شك في سجدتى السهو الواجبتان في الشّك بين الأربع و الخمس أم لا؟

وجه الشمول هو دعوى شمول إطلاق قوله (لا سهو في سهو) لأنّ سجدتى السهو في مورد الشّك بين الاربع و الخمس بعد اكمال السجدتين جاء من قبل الشك، و وجه عدم الشمول- مضافا إلى ما قلنا في وجه عدم الشمول في الفرع الثانى من الوجهين- هو أن سجدتى السهو لم يكن وجوبهما في هذا المورد من جهة جبر زيادة المحتملة بهما، و لا يكون وجوبهما باعتبار، وجب صلاة الاحتياط بهذا الاعتبار بل سجدتى السهو ربما يكون وجوبها لأجل تنبه المكلف الشاك بأنك لم شككت فوجبتا باعتبار عدم توجهه حتّى طرأ له الشك، و احتمال زيادة ركعة في الصّلاة في الشّك بين الأربع و الخمس مدفوع بالاستصحاب، لا أنّه على فرض الزيادة كانت سجدتى السهو جابرة لها، فمن هنا يظهر لك أن سجدتى السهو ما وجبت لأجل الجبر بها، بخلاف صلاة الاحتياط، فما جاءتا لأجل الشك، فلا وجه لأن يقال: بعدم الاعتناء

بالشك فيهما من باب (لا سهو في سهو).

الفرع الرابع:

لو شك في سجدتى السهو الواجبتان لأجل السهو المصطلح أى: لأجل السهو المقارن للجهل المركب، مثلا ترك التشهّد فوجب عليه سجدتى السهو، فوقع شك فيهما، مثلا شك في أنّه هل سجد سجدة واحدة من السجدتين، أو سجدهما، فهل يعتنى بهذا الشّك أو لا يعتنى بدعوى شمول (لا سهو في سهو) له؟

اعلم أنّه لا مجال لأن يقال: بعدم الاعتناء من باب (لا سهو في سهو) لأنّه كما قلنا يكون المراد من السهوين في هذه الفقرة هو الشك، لأنّ الظاهر منها هو أنّه لا سهو في ما جاء من قبل السهو، و سجدتى السهو في صورة سهو المصطلح ما جاء من

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 194

قبل السهو، بل جاء من قبل ترك شي ء، أو زيادة شي ء سهوا.

و أمّا لو سها في سجدتى السهو سهوا مقارنا للجهل المركب مثل أنّه ترك سهوا احد واجباتهما، فهل يجب فيه سجدتى السهو، أو يجب إعادة سجدتى السهو الّتي وقع فيها السهو، فهو كلام اخر لا نكون فعلا بصدده، فافهم. «1»

[في ذكر فرع تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه فى العروة]

ثمّ اعلم أن السيّد رحمه اللّه في العروة تعرض لفرع، و هو ما ذكره في ذيل المسألة 9 من المسائل الّتي تعرضها في الشّكوك المتعلقة بالركعات، و هو هذا الفرع (و إن علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه طرأ له حالة تردد بين الاثنتين و الثلاث و أنّه بنى على الثلاث و شك في أنّه حصل له الظن به، أو كان من باب البناء في الشك، فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه و إن كان أحوط) و قلنا في حاشيتنا عليها في هذا المقام عند قوله: و إن كان احوط (بل هو قوى جدا).

وجه ما ذهب إليه السيّد رحمه اللّه

من عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه، يكون بحسب الظاهر أنّه يشكّ في أنّه هل وجب عليه صلاة الاحتياط من باب احتمال كون بنائه على الأكثر من باب عمل الشك، لا من باب حصول الظن له بالأكثر و حيث إنّه شاك في وجوب صلاة الاحتياط، فأصالة البراءة عن الوجوب، تقتضى عدم

______________________________

(1)- (أقول ما أفاده مد ظله العالى من الوجوه في عدم شمول (لا سهو في سهو) الفرع الثانى و الثالث لم يكن خال عن الإشكال، لأنّه لو كان مفاد (لا سهو في سهو) هو أنّه لا شك في ما جاء من قبل الشك، فكما أن ركعة صلاة الاحتياط جاء من قبل الشك، كذلك أبعاضها، و كذلك سجدتى السهو الواجبة في الشّك بين الأربع و الخمس، و أمّا ما أفاده من الوجه الأوّل و الثانى في الفرع الثانى و وجه اخر في الفرع الثالث، فهو اعتبارات لا تصير منشأ الظهور، نعم يمكن أن يقال في الفرعين بأنا نشك في شمول الإطلاق، و بعد الشّك يكون المرجع القواعد الثابتة، فتأمّل). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 195

الوجوب فلا يجب عليه صلاة الاحتياط.

و لكن نقول: بأن مقتضى الاشتغال هو اشتغال الذمّة بأربع ركعات، و حيث إنّه شاك في أن شكه هل صار سببا للبناء على الأكثر أم كان البناء على الأكثر من باب حصول الظن، فهو مع هذا الشّك يكون مكلفا بإتيان صلاة الاحتياط كى يقطع ببراءة الذمّة عما اشتغل به نفسه، فلا مجال لاجراء البراءة، بل يكون مقتضى الاشتغال اليقينى البراءة اليقينية، و هى لا تحصل إلا بإتيان صلاة الاحتياط.

[هل يمكن اجراء قاعدة الفراغ فى المقام]

إن قلت: إن قاعدة الفراغ في المورد تحكم بتمامية الصّلاة، و عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ، و على

الفرض هذا الشّك حدث بعد الفراغ، لأنّه بعد الفراغ في أنّه هل البناء على الأربع كان من أجل الشّك الطارئ له حال الصّلاة، أو كان من باب حصول الظن له بالأربع، فهو شاك فعلا في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا من باب أنّه يشكّ في أن شكه السابق حال الصّلاة زال و تبدل بالظن و كان بنائه على الأربع لأجل حصول الظن، أ و لم يزل شكه و كان البناء على الأربع لأجل كون الوظيفة في الشّك بين الثلاث و الأربع البناء على الأربع، و على الفرض هذا الشك حدث بعد الصّلاة، و بعد كون الشّك حادثا بعد الفراغ من الصّلاة، فيكون المورد مورد قاعدة الفراغ، و مع قاعدة الفراغ تكون قاعدة الاشتغال محكومة.

قلت: لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في المورد، لأنّ قاعدة الفراغ باعتبار التعليل المذكور في بعض رواياتها الدالة عليها من أنّه (لأنّه حين ما يتوضأ اذكر منه حين ما يشك) تجري في كل مورد يكون الشّك في أنّه هل كان المصلى المتوضّئ ملتفتا حتّى يجي ء بالعمل على وجهه المعهود، و على نهجه الصحيح، أو صار غافلا، و من باب عدم الالتفات أتى على غير وجهه الصحيح، فيحكم بالصحة، لأنّه حين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 196

العمل أذكر منه حين ما يشك، و أمّا في كل مورد نعلم بأنّه أتى بأجزاء العمل و المركب على وجه صحيح لالتفاته و توجهه حين العمل، و مع ذلك يكون البناء على الإتيان قابلا لكونه لجهة، و قابلا لأن يكون لجهة اخرى فيشك في أن إتيانه بما أتى به ملتفتا و متوجها يكون من أىّ جهة من الجهتين، فلا وجه هنا لإجراء قاعدة الفراغ،

و المورد يكون كذلك، لأنّ الشاك لا يكون شاكا في أنّ بنائه على الأربع هل كان على وجه صحيح، أو وجه فاسد حتّى يقال نحمله على وجهه الصحيح، بل الشاك يعلم بأن بنائه على الأربع يكون على الوجه الصحيح، لأنه إن كان بنائه على الأربع من باب بقاء شكه بين الثلاث و الأربع، فيكون على وجه الالتفات و نهج صحيح، و إن كان من باب تبدل شكه بالظن بالأربع فبنى على الأربع لأجل الظن، فأيضا يكون ملتفتا و كون ذلك وجها صحيحا، و لكن يشكّ مع ذلك في جهة اخرى، و هى أنّه هل بنى على الأربع لأجل الشك، حتّى يكون الواجب عليه صلاة الاحتياط، أو بنى لأجل الظن حتّى لا يجب عليه صلاة الاحتياط، ففي هذه الصورة لا تجرى قاعدة الفراغ، و بعد عدم إجرائها مقتضى لزوم البراءة اليقينية، هو إتيان صلاة الاحتياط.

[في ان الاقوى فى المورد هو وجوب صلاة الاحتياط]

ان قلت: إن في الفرض بالنسبة إلى أصل الصّلاة لا إشكال في الصحة، غاية الأمر يشكّ في وجوب صلاة الاحتياط، و الاصل عدم وجوبها.

نقول: إن الأصل لا يثبت تمامية الصّلاة، و محرز التمامية يكون قاعدة الفراغ، فهى لا تجرى، أو صلاة الاحتياط فلا بدّ من اتيانها، فتلخص ممّا ذكر أن الأقوى في موردنا هو وجوب صلاة الاحتياط، لأنّ الاشتغال يقتضي البراءة اليقينية. «1»

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث: لا مانع من إجراء قاعدة.

الفراغ في المورد، كما ذكره في (إن قلت) و أجاب عنه في قوله (قلت) و لكن نقول: بانّا لو نأخذ بالتعليل الوارد في بعض روايات قاعدة الفراغ من (أنّه حين العمل أذكر منه حين ما يشك) فمفاده أنّه لا بدّ في مورد إجراء القاعدة

من احتمال ذكره حين العمل في مقابل علمه بكونه غافلا حين العمل، و بعبارة اخرى تجري القاعدة في ما لا يكون غافلا حين العمل، لا أنّه يعتبر فيها ألا يكون أذكريته مفروغا عنها، و يكون الشّك من جهة اخرى، فلا ينافى التعليل مع ما في موردنا من علمه بذكره حين العمل، لكن يشكّ في أن وجه جريه على العمل و ذكره، هل كان لأجل الشّك أو الظن، و لهذا ترى أن سيدنا الاعظم مد ظله العالى في الفرع السابق أعنى: في ما شك بعد الفراغ في وجوب صلاة الاحتياط، و لكن يشكّ في أن شكه حدث بعد الفراغ، أو قبل الفراغ قال: بأنّه إن كان يعلم بأنّه شك في الصّلاة ثمّ قطع بعده بالأكثر و تمّ الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ يشكّ في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، فلا إشكال في إجراء قاعدة الفراغ، مع أنّه إن كان ما أفاده هنا تمام، فلا وجه لقاعدة الفراغ، لأنّ جريه على العمل و البناء على الأكثر كان في حال الذكر و القطع، و على ما أفاده تجري القاعدة في كل مورد يكون المورد قابلا لأن يكون عمله على وجه الذكر و على وجه الغافلة، و في صورة القطع بالأكثر لا يكون كذلك، و مع ذلك قال باجراء قاعدة الفراغ، و ليس هذا إلّا من باب عدم اعتبار ذلك في قاعدة الفراع، ففي المورد لا يبعد إجراء قاعدة الفراغ، و عدم وجوب صلاة الاحتياط و إحراز التمامية بقاعدة الفراغ، لأنّ الشّك حدث بعد الفراغ و في الشّك الحادث تجرى القاعدة، و هى حاكمة على الاشتغال، فافهم.

و أمّا ما قال آية اللّه الحائرى؛ في هذه المسألة من

أن الشّك يحتمل كونه حادثا و يحتمل كونه سابقا على الفراغ، و هذا الشّك بقائه (إلى اخر ما قاله)، فهو خارجة عن الفرض، و لم يتم كلامه، لأنّ الفرض حدوث الشّك بعد الفراغ، لأنّ بعد الفراغ يعلم بأنّه شك و أنّه بنى على الأكثر، غاية الأمر لا يدرى أن بنائه على الأكثر هل كان من باب حكم الشّك أو كان من باب زوال و حصول الظن له بالأكثر، فالشك يكون حادثا بعد الفراغ. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 199

المقصد الثامن في صلاة الاحتياط

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 201

المقصد الثامن: في صلاة الاحتياط

و ممّا قلنا لك قد ظهر حكم بعض المسائل المتعلقة بصلوة الاحتياط، فالمناسب أن نذكر بعض أحكامها هنا في طى مسائل إن شاء اللّه.

المسألة الأولى: هل يجب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط أم لا؟.

اعلم أنّه بعد ما كانت الصّلاة في نظر المسلمين من الصدر الأوّل هي مع تكبيرة الافتتاح، بحيث لا يأتي بنظرهم تشريع صلاة بدونها، و كلما رأوا أمرا وجوبيا، أو استحبابيا متعلقا بصلوة، رأوا كونها مع تكبيرة الاحرام، فالمعهود بنظرهم هو كونها من أجزاء الصّلاة، فإذا قال الصادق عليه السّلام، بعد مضى أكثر من قرن من صدر الاسلام: (بأنه يبنى مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع على الأربع و يسلّم، و يأتي بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس) فلا يأتي بنظر السائل، و من يستمع هذا الكلام من الإمام عليه السّلام إلا كون هذه الصّلاة أى صلاة الاحتياط مع التكبيرة أيضا، لأنّ السائل مثل سائر المسلمين لم يكن معهودا بصلوة بلا تكبيرة الإحرام، فمن هنا نفهم كون المعتبر في صلاة الاحتياط تكبيرة الاحرام (فمن هذا البيان تعرف.

أوّلا أنّ ترك الإمام عليه السّلام كان لأجل معهودية السائل به، و إلّا لكان المناسب أن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 202

يسأل عن اعتبار تكبيرة الاحرام فيها و من عدمه.

و ثانيا مع هذه المعهودية لا يمكن التمسك بالإطلاق في الروايات، و عدم تقييد بها لعدم اعتبارها فيها) فيجب فيها تكبيرة الإحرام.

المسألة الثانية: هل يتعين فيها فاتحة الكتاب، أو يتخير بينها و بين التسبيحات؟

وجه التخيير هو أن يقال: بعد كون تشريع صلاة الاحتياط بعنوان البدلية للركعة الثالثة، أو الرابعة، أو كليهما فكما يكون المصلّى مخيرا بين الفاتحة و التسبيح في مبدلها، أى: في الركعتين الأخيرتين، فكذلك في بدلها أعنى: صلاة الاحتياط.

و أمّا وجه تعين الفاتحة فهو التصريح في الروايات الواردة في صلاة الاحتياط بذلك، قال (بفاتحة الكتاب) و ظاهرها التعيين.

و أمّا ما قيل في وجه التخيير بينها و بين ثلاثة تسبيحات فنقول: بأنّ صلاة الاحتياط و إن جعلت لتدارك نقص

المحتمل في الأخيرتين، و لكن لا يوجب ذلك كونها مثلهما في جميع الأحكام بعد التصريح في روايتها باتيانها بفاتحة الكتاب.

المسألة الثالثة: لا يعتبر فيها السورة لعدم ذكر في روايتها منها

، بل يمكن أن يقال: بأن التصريح فيها: بأنها يصلى ركعة أو ركعتين مثلا بفاتحة الكتاب، فيه دلالة على أن الواجب فيها الفاتحة لا السورة.

المسألة الرابعة: لا دلالة على استحباب القنوت فيها

لعدم إطلاق لدليل القنوت يشمل المورد و لا ذكر في روايات صلاة الاحتياط منه.

المسألة الخامسة: هل يكون الفصل بينها و بين أصل الصّلاة بأحد المبطلات و القواطع

، موجبا لفسادها، و لزوم إعادة الصّلاة، أولا؟ مثلا إذا تكلم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 203

بكلام ادمى عمدا، أو استدبر عمدا أو سهوا أو حدث عمدا أو سهوا بينها و بين الصّلاة، فهل يكون مضرّا بحيث لا ينجبر بصلوة الاحتياط جبر نقص المحتمل، و يجب إعادة الصّلاة، أو لا يكون مضرا.

اعلم أنّه تارة نتكلم في أن قول أبى عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن أبى يعفور بعد الأمر في الشّك بين الاثنتين و الأربع بأنّه (يتشهد و يسلم، ثمّ يقوم فيصلى ركعتين و اربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلم، فإن كان قد صلّى أربعا كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلم فليسجد سجدتى السهو) «1» هل يدلّ هذا الكلام يعنى و ان تكلم فليسجد سجدتى السهو، على مفسدية المبطلات لو اوقعت بين أصل الصّلاة و بين صلاة الاحتياط أم لا يدل؟

قد يقال: بأن الأمر بسجدتى السهو إن تكلم، ربما يكون في مقام بيان حكم ما إذا تكلم في أثناء الصّلاة أو أثناء صلاة الاحتياط، لا بين صلاة الاحتياط و أصل الصّلاة، حتّى يقال: بأن المستفاد من ذلك كون الكلام العمدى مبطلا لها، فالأمر بسجدتى السهو في صورة تكلمه ناسيا.

و لكن نقول: لا يبعد كون الظاهر من قوله و (إن تكلم فليسجد سجدتى السهو) هو التكلم بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، فهذا الكلام يدلّ على كون الكلام العمدى مبطلا لها، و لا فرق بينه و بين سائر المبطلات.

و تارة نتكلم في مضرية المبطلات بينها و بين أصل الصّلاة،

مع قطع النظر عن هذه الفقرة من الرواية، فنقول: إنا إن نجعل نفسنا مقام من يسأل عن حكم الشّك في الأخيرتين، أو يسمع كلام الإمام عليه السّلام في هذا المقام من أنّه يبنى على الأكثر، و يعمل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 204

عملا لو كانت الصّلاة تامة، كان العمل بهذا العمل أى: صلاة الاحتياط نافلة و إن كانت ناقصة واقعا، نرى أن وضع صلاة الاحتياط يكون بنحو فيها حيثية كونها بدلا عما نقص عن الصّلاة و جابرة له، و نحن إذا راجعنا الادلة نرى أن لها المعرضية لكونها متمما للصّلاة، ففيها اعتبار المتممية.

فعلي هذا لا بدّ و أن يؤتى بها على وجه يقبل لصيرورتها متمما بحيث لو نقص الصّلاة كانت هى متممة نقصها، و في صيرورتها قابلة للتميمية لا بدّ و ان يكون وزانها وزان نفس الصّلاة، و حالها حال الركعة المتصلة، فكما أن القاطع لو وجد بين ركعاتها، تبطل الصّلاة كذلك لو وقع بينها و بين صلاة الاحتياط، فلأجل هذا نقول بكون الحدث و نظائره مبطلا لها لو وقع بينها و بين الصّلاة. «1»

المسألة السادسة: لو تذكر المصلّى بعد الفراغ من الصّلاة، النقص في الصّلاة

اشارة

من حيث الركعة فتارة يتذكر نقص الصّلاة بعين ما شك فيه مثلا شك في الصّلاة بين الثلاث و الأربع، و بعد الفراغ من الصّلاة يتذكر نقص صلاته بركعة أعنى: يعلم أنّه ما أتى إلا ثلاث ركعات، و نقص من صلاته الركعة الرابعة.

______________________________

(1)- أقول: و لكن ما أفاده مد ظله العالى قابل للإشكال فيه، إذ مجرد كونها في معرض المتممية للصّلاة، و جابرة لنقص المحتمل، لا يوجب كونها في حكم أصل الصّلاة من جميع الجهات، و إلّا إن كان ما قاله

مد ظله العالى تماما، فلم لم يقل بذلك في تكبيرة الإحرام، و أمّا رواية ابن أبى يعفور فمع احتمال كونه في مقام بيان حكم ما إذا تكلم في أثناء صلاة الاحتياط، نقول كما قال بعض: يحتمل كون ذلك حكما تعبديا إن كان مورده بيان حكم ما إذا تكلم ناسيا بين الصّلاة و صلاة الاحتياط.

فعلى هذا لا دليل على مبطلية المبطلات، و إن كان الاحوط في صورة وقوع أحد القواطع، إتيان صلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصّلاة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 205

و تارة يتذكر نقصها بغير ما شك فيه، و في كل منهما تارة يتذكر بعد الفراغ من الصّلاة قبل إتيان صلاة الاحتياط، و تارة يتذكر بعد صلاة الاحتياط.

[في ذكر الصور في المسألة]
اشارة

و تارة في أثناء صلاة الاحتياط، و تارة بين الاحتياطين، فالكلام يقع في صور:

الصورة الأولى:

أنّه يشكّ في الصّلاة مثلا بين الثلاث و الأربع، ثمّ بعد الفراغ من الصّلاة أتى بوظيفة الاحتياط، من إتيان ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، ثمّ بعد صلاة الاحتياط يتذكر نقص الصّلاة بالركعة، أعنى: بعين ما كان شاكّا فيه، ففي هذه الصورة لا إشكال في صحة الصّلاة، و تتميم نقصها بما أتى بها من صلاة الاحتياط، لشمول إطلاق أدلّة صلاة الاحتياط للمورد، لانها تدلّ على أنّه مع الشك في الأخيرتين في الصور المنصوصة، غير الشّك بين الأربع و الخمس، يبنى على الأكثر و يأتي بعمل الشّك من صلاة الاحتياط، فإن كان نقص في الصّلاة يكون هى جابرة للنقص، و إن كانت الصّلاة تامة تكون هى نافلة، فهذه الأدلة تشمل المورد فعلى هذا لا شي ء عليه في هذه الصورة.

و لا وجه لعدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص، و متمما للصّلاة في هذه الصورة إلّا توهّم أن مورد صلاة الاحتياط، يكون هو صورة بقاء الشّك إلى الآخر مثلا من شك بين الثلاث و الأربع و بقى شكه إلى الاخر، فيكون تكليفه البناء على الأربع و إتيان صلاة الاحتياط، و أمّا من تذكر نقص صلاته و لو بعد إتيان صلاة الاحتياط، فلا تكون صلاة الاحتياط متممة لصلاته و جابرة لها.

و هذا توهّم فاسد، لأنّه كيف يمكن حمل الإطلاقات على هذه الصورة «1».

______________________________

(1)- (أقول: إنّه مضافا إلى شمول الإطلاقات على ما أفاده مد ظله العالى، تدلّ على ذلك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 206

الصورة الثانية:
اشارة

ما إذا تذكر النقص المحتمل بعد الفراغ من الصّلاة مع عدم صدور فعل من المصلّى قبل صلاة الاحتياط، مثلا شك بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، ثمّ بعد الفراغ قبل أن يصلى صلاة

الاحتياط، تذكر نقص الصّلاة بركعة و أنّه لم يأت بالركعة الرابعة، فهل يجب صلاة الاحتياط أعنى: ركعة أو ركعتين مفصولة، و بها تجبر نقص الصّلاة أولا، بل يجب ضمّ ركعة موصولة، ثمّ إتيان سجدتى السهو لأجل سلام زائد بعد الركعة الثالثة من الصّلاة، لأنّ مع نقص الصّلاة وقع السلام بعد الركعة الثالثة و يكون زائدا، فلأجله يجب سجدتى السهو.

اختار السيّد رحمه اللّه في العروة الثانى، و نحن أمضينا ما اختاره، و يظهر من بعض أعاظم معاصرينا أن السّلام وقع في غير محله في ما نحن فيه عمدا، فتبطل الصّلاة به، فلا يمكن إلحاق ركعة موصولة بها.

اعلم أن السّلام في المورد يكون من أجل السهو، لأنّ الغافلة عن كون الركعة الّتي فرغ عنها هى الثالثة، و اعتقاده بكونها هى الرابعة، صار علة لإتيان السلام، فيكون منشأه الغافلة عن الواقع و السهو عن الواقع، فعلى هذا لا يكون السّلام مبطلا، و لا فرق بين المورد و بين ما إذا اعتقد مثلا بعد التشهّد الأوّل، كون التشهّد التشهّد

______________________________

رواية عمار، و هى الرواية 3 من الباب 8 من أبواب الخلل من الوسائل، على ذلك حيث قال عليه السّلام فيها (ألا اعلمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟

قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على الأكثر، فاذا فرغت و سلّمت، فقم، فصل ما ظنت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) بالصراحة و بالخصوص، لأنّ فيها فرض خصوص صورة تذكر النقص و أن الشاك إذا تذكر نقص الصّلاة، كان ما صلّى من صلاة الاحتياط تمام ما نقص

فيه، فلا إشكال في هذه الصورة.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 207

الثاني، فسلّم، ثمّ تذكر كون التشهّد التشهد أوّل، و وقوع السّلام في غير محله، فكما أن في هذه الصورة يكون إتيان السّلام سهوا أى: لأجل سهوه أمرا اخر، و هو كونه في التشهد الأوّل لا الثانى، كذلك يعتقد في المقام كون الركعة الركعة الرابعة، فيسلّم، فكما أن في الأوّل يقال بوقوع السّلام سهوا، كذلك في الثانى أى: في ما نحن فيه، و بعد كون السّلام سهوا و عدم كونه مبطلا، فيقيم و يضيف بصلاته ركعة اخرى، و تصح صلاته و يسجد سجدتى السهو لأجل السّلام الواقع عنه سهوا في غير محلّه.

[في ذكر وجه صحّة الصّلاة في هذه الصورة]

و يمكن أن يقال في وجه صحة الصّلاة في هذه الصورة باتيان ركعة موصولة بالصّلاة: بأنا نفهم ذلك من أدلة تشريع صلاة الاحتياط، لأنّه بعد دلالتها بأنّه لو شك بين الأقل و الأكثر في الأخيرتين من الصّلاة يبنى على الأكثر و يأتي بصلوة الاحتياط مفصولة، حتّى يتدارك بها نقص المحتمل في الصّلاة، فإمّا أن الشارع جعل حكم صورة تذكر النقص قبل إتيان صلاة الاحتياط، حكم صورة بقاء الشّك من إتيان صلاة مفصولة مع تكبيرة الاحرام، و إمّا جعل الحكم في هذه الصورة عدم الاعتناء بالسلام الواقع سهوا، و أنّ الحكم ضمّ ركعة على الصّلاة أو ركعتين (باعتبار اختلاف النقص من ركعة أو ركعتين) موصولة، و هو المطلوب.

أمّا كون حكمه هو إتيان ركعة أو ركعتين مفصولة فلا وجه له، لأنّ مورد أدلة جبر النقص بالصّلاة المفصولة أعنى: صلاة الاحتياط، هو ما إذا بقى الشّك إلى ان يصلّى صلاة الاحتياط، و ليس هذا موردها، لتذكر النقص قبل صلاة الاحتياط، فلا بد من ضم ركعة موصولة و

فصل السّلام لا يكون مضرا، لأنا نفهم من أدلة صلاة الاحتياط عدم مضرية السّلام، و عدم كونه مانعا، لأنّه بعد كون صلاة الاحتياط على نحو إن كانت الصّلاة تامة، كانت نافلة و تمّت الصّلاة بالسلام، و خرج عنها بها،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 208

و تقع صلاة الاحتياط نافلة، و إن كانت الصّلاة ناقصة، تكون صلاة الاحتياط متممها، ففي هذه الصورة لا يكون السّلام مانعا.

فمن هنا نفهم أن في صورة نقص الصّلاة لم يكن السّلام مانعا، فنقول: بأن ما نحن فيه حيث يتذكر المصلّى نقص الصّلاة، فلا يكون السّلام مانعا و مضرا و يعلم النقص، فلا بدّ من إتيان ما نقص من الركعة، مثل ما إذا لم يسلّم و علم النقص بالركعة.

فتلخص أن من أدلة الاحتياط من جعل صلاة الاحتياط متممة في صورة نقص الصّلاة، نفهم أن مع نقص الصّلاة ليس السّلام مانعا، و على الفرض في موردنا يعلم بنقص الصّلاة، فلا يكون السّلام مانعا، فعلى هذا يكون مقتضى القاعدة، بعد عدم مانعية السلام، وجوب إتيان ما نقص من الصّلاة من الركعة موصولة، و كون المورد مثل ما إذا تذكر نقص الصّلاة بعد التسليم بركعة أو ازيد حكما، لأنّه بعد عدم مانعية السّلام الواقع سهوا، فمقتضى القاعدة الحاق ما نقص من الركعة بالصّلاة.

[ما قال المحقّق الحائري من المقتضى للعلم الاجمالى ليس في محلّه]
اشارة

و ما اخترنا في المقام هو مختار كل من تعرض للمسألة على ما ذكره في مفتاح الكرامة، فلا يناسب تعبير بعض الاعاظم رحمه اللّه (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» بقد يقال في مقام كون مسئلتنا في حكم ما لو تذكر نقص الصّلاة بعد السّلام بركعة، كما أن ما ذكره بأن (مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط، و الاستيناف، للعلم الإجمالي بوجوب أحد

هما) محل إشكال، لأنّ أطراف الاحتمال ثلاثة:

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة في الباب]
الاحتمال الأوّل:

ضمّ ركعة موصولة بما أتى من الصّلاة.

الاحتمال الثاني:

الاستيناف أى: استيناف الصّلاة.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 383.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 209

الاحتمال الثالث:

إتيان صلاة الاحتياط أى: جبر ما نقص مفصولة لا موصولة.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه في المورد]

ثمّ إنّه رحمه اللّه بعد ما قال في صدر كلامه «1»: بأن مورد من تذكر نقص الصّلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد، الوارد فيه الأخبار بوجوب الحاق ما نقص، هو ما إذا صدر عن المصلّى التسليم بزعم الفراغ أى: باعتقاد تمامية الصّلاة من باب الجهل المركب، ثمّ بعد الفراغ يظهر نقص الركعة، فمورده وقوع السّلام من باب السهو المصطلح المقابل للشك، و لا يشمل هذه الأخبار المورد لأنّ السّلام في هذا المورد ليس وقوعه بزعم تمامية الصّلاة، بل يكون منشأه الشّك و البناء على الأكثر، و بعد تلخيص كلامه في قوله (فإن قلت و قلت مكرّرا) و ما قال بعده: بأنّه يكون السّلام في المورد من باب السهو المقارن مع الجهل المركب، مثل ما يسلم سهوا بزعم الفراغ، قال: لأنّ في هذا المورد بعد ما يشكّ و يبنى على الأكثر فهو يزعم بقاء شكه إلى اخر العمل بالشك، أى: إلى أن يفرغ عن صلاة الاحتياط، فهو بزعم ذلك يسلّم، ثمّ بعد الفراغ إذا تذكر نقص الصّلاة، فهو يتذكر أن تركه السّلام كان من باب السهو المقارن للجهل المركب، فلا يكون فرق بين الموردين، غاية الأمر في ما يسلم بزعم الفراغ من الصّلاة، يزعم الفراغ فيسلم، فيكشف كون الواقع على خلاف ما اعتقده، و فيما نحن فيه يسلم بزعم بقاء شكه إلى أن يفرغ عن صلاة الاحتياط، و بعد ما يسلم يتذكر كون الواقع على خلاف ما زعمه، ففي كليهما يكون منشأ السلام، هو السهو المقارن للجهل المركب، لا الجهل البسيط و الترديد و الشك، هذا حاصل كلامه. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص

383.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 383.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 210

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه بعد عدم كون المورد على ما قال مورد الأخبار الوارد فيمن يسلم بزعم الفراغ موضوعا، فلا حاجة إلى إتعاب النفس بجعل المورد مصداقا للسهو المصطلح، و أن المصلّى يسلم في ما نحن فيه بزعم بقاء الشك، بل يكون حكم المسألة ضمّ ركعة موصولة و عدم مانعية السّلام من باب ما قلنا في أول الخلل، و في طى بعض المباحث السابقة مكر را: بأن السهو أعم من كونه مقارنا للجهل المركب، أو للجهل البسيط و الترديد و الشك، ففي كليهما يكون المنشأ ذهول الواقع و السهو عن الواقع، و قلنا: بأن في الأخبار دلالة على ذلك من إطلاق السهو على كلا الموردين أعنى: السهو المقارن للجهل المركب، و البسيط كليهما، فكذلك نقول: إن هذا السّلام وقع سهوا و إن كان منشأه الشّك و البناء على الأكثر.

ثمّ إنّه بعد كل ما قال، قال: بأنّه يكفى هنا ضمّ ركعة موصولة، و إن كنا و ما قال في أوائل كلماته قبل فإن قلت من أن (مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط، و الاستيناف، للعلم الإجمالي بوجوب احدهما) فيكون نظره رحمه اللّه إلى الاحتياط بما قاله. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لكن من كلامه بعد ذلك، من أن هذا السّلام لا يكون مانعا، لأنّه وقع من باب السهو و زعم بقاء شكه إلى أن يعمل بعمل الاحتياط، و بعد كون السّلام غير مانع و عدم شمول أدلة تدارك المنقوص بالمنفصل للمورد، لأنّ ظاهرها الشّك المستمرّ إلى بعد صلاة الاحتياط، فيأتي بركعة موصولة و تصح الصّلاة، ثمّ إنّه يكون السّلام في المورد على ما قاله

رحمه اللّه بزعم الفراغ، لأنّه على ما اختاره رحمه اللّه من أن صلاة الاحتياط صلاة منفردة، فإن و جبت على الشخص فيكون تكليفا منفردا، فهو بعد الشّك و البناء على الأكثر يسلّم بزعم الفراغ، ثمّ بعد الفراغ يتذكر كونه جاهلا بالجهل المركب، لعدم فراغه من الصّلاة، لتذكره بنقصها.

نعم يرد عليه ما أفاده مد ظله العالى من كون لسان أدلة صلاة الاحتياط كونها متمما للصّلاة، لا صلاة مستقلة، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 211

[ما قاله المحقّق الحائري رحمه اللّه من الجمع لا وجه له]

و أمّا ما قاله رحمه اللّه «1» من أن مقتضى العلم الاجمالي هو الجمع بين عمل الاحتياط و استيناف الصّلاة، فليس في محله، لأنّ المنشأ العلم الإجمالي ليس هو العلم بطبيعة الصّلاة، لأنّ العلم بها يكون تفصيليا لا إجماليا، فمنشأ العلم الإجمالي هو أنّه بعد ما يعلم بأنّه دخل في الصّلاة، و الحال بعد السّلام يعلم نقصها بركعة أو ركعتين، فمع هذا العلم بالنقص و توجهه بأنّه لا يجوز إبطال العمل و قطع الصّلاة، فأمره يدور بين ضمّ ركعة موصولة، أو استيناف الصّلاة بعد شكه في مانعية السّلام لأن يلحق الركعة الناقصة من الصّلاة بها و عدم مانعية، فحيث يشكّ في مانعية السلام الّذي صدر منه، مع عدم جواز إبطال العمل، فهو يعلم إجمالا بأنّه إمّا يجب عليه ضمّ ركعة موصولة، أو استيناف الصّلاة، لا إتيان صلاة الاحتياط و نقص المتقين مفصولة.

فما قاله رحمه اللّه من الجمع بين عمل الاحتياط أى: صلاة الاحتياط، و الاستيناف لا وجه له، بل لو كان العلم الإجمالي في البين فإنه حيث يكون مسببا عن مانعية السلام الصادر منه سهوا، لأنّه إن كان السّلام مانعا فيجب استيناف الصّلاة، و إن لم يكن مانعا فيجب ما نقص

موصولة، فالعلم الإجمالي مسبب عن مانعيّة و عدمه، فيجب إمّا ركعة موصولة أو استيناف الصّلاة بمقتضى العلم الإجمالي. «2» و تلخص أن في هذه الصورة يضمّ ما يعلم نقصه من الركعة بالصّلاة، لعدم مانعية بالبيان الّذي قلنا.

ثمّ إنّه لا فرق في ما قلنا من أنّه لو تذكر نقص الصّلاة قبل صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 383.

(2)- (أقول: و يحتمل كون نظره رحمه اللّه من الجمع بعمل الاحتياط و استيناف الصّلاة، هو ضم الركعة الناقصة موصولة و استيناف الصّلاة، لا أن يكون غرضه الجمع بين صلاة الاحتياط و استيناف الصّلاة، و لكن هذا خلاف ظاهر كلامه رحمه اللّه) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 212

و بعد الفراغ من الصّلاة، بين أن يكون تذكر النقص بأزيد من المشكوك، أو مساوله، أو أنقص، فلا فرق بين ما إذا شك في ما يوجب شكه إتيان ركعة، فتذكر بعد نقص الصّلاة بركعة، و بين ما إذا شك بما يوجب إتيان ركعة بعنوان صلاة الاحتياط، فتذكر نقص الصّلاة بركعتين، و بين ما إذا شك بما يوجب ركعتان، ثمّ قبل أن يأتى بهما و بعد الفراغ، تذكر نقص الصّلاة بركعة واحدة، ففي كل الصور يضم ما تذكر نقصه من الركعة موصولة بالصّلاة، لما قلنا من عدم مانعية السّلام و علمه بنقص صلاته، فلا بدّ من إتمامها باتيان ما يعلم بنقص منها، و لا مجال لاتيان ما نقص مفصولة، لعدم شمول أدلّة جعل صلاة الاحتياط للمورد.

الصورة الثالثة:

ما إذا تذكر نقص الصّلاة بعد إتيان صلاة الاحتياط بأزيد من المشكوك، مثلا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و تمّ الصّلاة و أتى بعمل الاحتياط من الإتيان بركعة من قيام،

أو ركعتين من جلوس، ثمّ بعد إتيان صلاة الاحتياط تذكر نقص الصّلاة بركعتين.

فهل نقول: بوجوب استيناف الصّلاة من رأس، أو نقول: بتتميم ما نقص من الصّلاة بضم الصّلاة الاحتياط به، مثلا في المثال المتقدم يضم ركعة اخرى، فبهذه الركعة و الركعة الّتي أتى بها بعنوان صلاة الاحتياط، يتم نقص الصّلاة، لأنها ناقصة بركعتين، فركعة منهما تداركت بصلوة الاحتياط، و ركعة اخرى بما يأتي بها موصولة بعد صلاة الاحتياط، أو نقول: باتيان ركعتين في المثال و القاء ما أتى من صلاة الاحتياط، فيأتى بما يتذكر نقص الصّلاة به.

يمكن أن يقال: بأن الاوجه هو الاحتمال الثالث، فيأتي المكلف في هذه الصورة بما نقص من صلاته، مثلا بركعتين في المثال بعد صلاة الاحتياط، و ما وقع من صلاة الاحتياط بين ركعتى الاوليين من الصّلاة، و الأخيرتين منها أى: هاتان الركعتان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 213

اللتان يأتى بهما بعد صلاة الاحتياط، لا تفسد الصّلاة، لوقوعها سهوا بزعم كون التكليف باعتبار بقاء شكه، هو إتيانها، ففي الحقيقة وقعت صلاة بين صلاة، و لا يضر وقوعها بينها.

إن قلت: يمكن إتمام الصّلاة بنحو اخر أعنى: على الاحتمال الثانى، بأن يكمل النقص مع ركعة بصلوة الاحتياط، ففي المثال المتقدم بعد ما أتى بركعة من قيام مثلا أو ركعتين جلوس، ثمّ تذكر بعد إتيانها نقص ركعتين، يأتي بركعة اخرى، فبمجموع صلاة الاحتياط و هذه الركعة يتمم نقص الصّلاة، لأنّ صلاة الاحتياط جابرة لنقص ركعة، و ركعة اخرى جابرة لنقص ركعة اخرى.

قلت: يستفاد من أدلة جعل صلاة الاحتياط في موارد جعلها كونها في كل مورد جابرة لتمام نقص المورد، مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع تكون ركعة من قيام، أو ركعتان من جلوس

جابرة لنقص الركعة، و لا يستفاد من أدلتها كونها جابرة لبعض النقص، فلا يمكن أن يقال في المورد: بكون صلاة الاحتياط جابرة لبعض النقص، و يجبر بعض النقص بركعة اخرى، فافهم.

فعلى هذا أقرب الاحتمالات هو الاحتمال الثالث، و لكن مع ذلك لا يطمئن الانسان بالاكتفاء بهذا النحو في هذه الصورة، فالأحوط استيناف أصل أيضا. «1»

______________________________

(1)- أقول: إن قلنا بمانعية تكبيرة الافتتاح و الركوع و السجود الواقع في صلاة الاحتياط في هذا الفرض و أن زيادتها تفسد الصّلاة و إن وقعت سهوا، و ليست كالسلام الّذي لم تكن زيادته السهوية مبطلا للصّلاة، فلا يقبل المورد لأن يقال بتتميم الصّلاة باتيان ما تذكر نقصه بعد صلاة الاحتياط، و لا بمجموع صلاة الاحتياط و ركعة اخرى، لأنّ بعد حدوث المانع لا يمكن ضمّ النقص بالصّلاة، فلا وجه للأخذ بالاحتمال الثانى و الثالث، بل يجب استيناف الصّلاة ..

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 214

الصورة الرابعة:
اشارة

ما إذا تبين نقص الصّلاة في حال الاشتغال بصلوة الاحتياط، و كان النقص المتيقن موافقا مع المشكوك من حيث الكيفية و الكمية كليهما، مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع، فبنى على الأربع و أتم الصّلاة، و شرع في صلاة الاحتياط بركعة عن قيام، ففي أثناء صلاة الاحتياط تذكر نقص الصّلاة بركعة، أو يكون النقص المتيقن موافقا مع المشكوك كيفا، مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع، و أتم الصّلاة و شرع في صلاة الاحتياط بركعتين من جلوس، فتذكر في أثناء هذه الصّلاة الاحتياط نقص الصّلاة بركعة، فما تذكر نقصه موافق مع صلاة الاحتياط كمّا لأنّ احتمال النقص في الشّك كان بركعة و تذكر النقص يكون بركعة أيضا، و مخالف مع صلاة الاحتياط كيفا،

لأنّ ما تذكره ركعة من قيام، و صلاة الاحتياط الّتي هو فيها تكون ركعتين من جلوس.

[الاحتمالات في المسألة أربعة]

فما نقول في هذه الصورة أى: صورة تذكر النقص في أثناء صلاة الاحتياط؟

فهل نقول في المقام: بأنّه يكون في حكم من زعم الفراغ فيلغى ما بيده من صلاة الاحتياط، و يأتى بما تذكر نقصه من ركعة أو أزيد فيقال في وجهه: إنّه سلّم و شرع في صلاة الاحتياط بزعم بقاء شكه، فهو ساه في ما أتى به فيلغى ما وقع زائد سهوا و يأتي بما بقى من الصّلاة و تصح صلاته، فهذا احتمال الأوّل مع وجهه.

أو نقول: بأنّه يتم الصّلاة الاحتياط الّتي بيده، و بها تتمّ الصّلاة و يقال في وجه ذلك: إنّه لا يلزم استمرار الشّك إلى ما بعد صلاة الاحتياط، بل يكفى استمراره إلى

______________________________

و إن لم نقل بمانعيتها فيكون مجال لأن يقال في هذه الصورة: بالاحتمال الثانى أو الثالث، و يمكن أن يقال: بالاحتمال الثانى إلا أن يقال بما قاله مد ظله العالى من أن بصلوة الاحتياط لا يجبر بعض النقص، بل في كل مورد جعلت يجير بما جعلت تمام نقص المحتمل، فالأوجه الاحتمال الثالث على هذا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 215

الشروع في صلاة الاحتياط، كما أن المناسبة تقتضى ذلك، لأنّ صلاة الاحتياط مسب عن الشّك فيكفى في وجوبها بقاء الشّك إلى زمان الشروع فيها، لأنّه مع بقاء الشك يجب عليه الشروع، فيكفي في صيرورتها واجبة على المكلف بقاء الشّك إلى زمان لا بدّ و أن يشرع في صلاة الاحتياط.

أو نقول: بالتفصيل بين ما إذا كان ما تذكر نقصه من الركعة موافقا مع المشكوك كمّا و كيفا مثل ما إذا تذكر نقص ركعة و كان

ما شرع فيه من صلاة الاحتياط ركعة أيضا، و بين ما إذا كان ما تذكر نقصه مخالفا مع المشكوك كيفية مثل ما إذا و شرع في ركعتين من جلوس، ففي الاثناء تذكر نقص الصّلاة بركعة، فيقال:

بكون الوظيفة في الصورة الأولى هو إتيان باقى صلاة الاحتياط من باب كونها عين ما نقص من صلاته كمية و كيفية، و يقال في الصورة الثانية: ببطلان الصّلاة و لزوم استينافها، لأنّ ما بيده من صلاة الاحتياط غير قابلة لأنّ يجبر بها نقص الصّلاة، لمخالفتها مع ما نقص من الصّلاة كمية و كيفية.

أو نقول: ببطلان الصّلاة مطلقا بلا فرق بين اختلاف ما تذكر نقصها مع الشكوك كميّة و كيفية، و بين صورة عدم اختلافها، و يقال في وجه ذلك: بأنّ الاشتغال بالصّلاة يقتضي البراءة عنها، و لا تحصل البراءة لا بضم ما نقص بعد الغاء صلاة الاحتياط لعدم اغتفار ما فصل أعنى: صلاة الاحتياط، و لا بنفس ما بيده من صلاة الاحتياط، لعدم كونها جابرة في هذه الصورة، فلا بدّ من استيناف الصّلاة من راس، فالاحتمالات في المسألة أربعة، فما نقول في المقام؟

اعلم بأنا قلنا في حاشيتنا على العروة عند تعرض السيّد رحمه اللّه لهذه المسألة: بأنّ (الاقرب التفصيل بأن النقص المتبين إن كان هو الّذي جعلت هذه الصّلاة جابرة له

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 216

شرعا، فالواجب إتمامها و إن خالفته في الكم و الكيف، كالركعتين من جلوس مع تبين النقص بركعة، بل و كذا إذا امكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث قبل أن يركع في الثانية منهما و أمّا في غير ما ذكر فالواجب قطعها و إتمام الصّلاة، و لا يترك الاحتياط بالاعادة فيهما خصوصا

الثانى) أمّا وجه ما قلنا من إتمام الصّلاة الّتي بيده إن كانت موافقة مع النقص المتبيّن و إن كانت مخالفة معه كما و كيفا، هو أن مقتضى إطلاق أدلة الاحتياط شمولها للمورد، لأنّه لا يستفاد من أدلتها إلّا بقاء الشّك إلى أن يشرع في صلاة الاحتياط، و لا يعتبر استمرار الشّك إلى أن يتم صلاة الاحتياط، فمتى شك و استمر الشك إلى زمان لا بدّ و أن يأتي بصلوة الاحتياط، فتحقّق ما هو موضوع لوجوب صلاة الاحتياط، و يستفاد ذلك من إطلاقات ادلة وجوب صلاة الاحتياط، و عدم تقييدها ببقاء الشّك إلى حصول صلاة الاحتياط في الخارج، فيجبر بها نقص المحتمل إذا استمر الشك إلى ان يشرع في صلاة الاحتياط.

فعلى هذا نقول: بأنّه في ما نحن فيه حيث استمر الشك إلى أن الشاك شرع في وظيفته من الصّلاة الاحتياط، و على الفرض تيقن بنقص الصّلاة بما هو موافق للمشكوك، مثلا شك بين الثلاث و الأربع، و سلّم و شرع في صلاة الاحتياط، فتبين له نقص صلاته بركعة، فما بيده من الصّلاة الاحتياط جابرة لنقص الصّلاة، لأنها جابرة لنقص المحتمل في صورة بقاء الشّك إلى الشروع فيها، و في الفرض شرع فيها، فتجبر بها نقص المتقين، لأنّ وجه تشريعها في مواردها هو كونها متممة النقص.

و لا فرق في الاكتفاء بها في هذه الصورة أى: الصورة الّتي يتقن نقص الصّلاة فيها بين كون صلاة الاحتياط موافقا لمّا نقص كمّا و كيفا مثل ما إذا شرع في ركعة من قيام في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 217

الشّك بين الثلاث و الأربع فتبيّن نقصها بركعة، و بين ما إذا شرع في ركعتين من جلوس، لكونه مختارا في الشّك بين

الثلاث و الأربع بين أن يأتي بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، لأنّ ركعتين من جلوس جابرتان لنقص الركعة بمقتضى النص.

بل يمكن أن يقال: بأنّه في ما إذا كان ما يعمل باعتبار الشّك أكثر ممّا تبين نقصه، لكن تذكر النقص حال الصّلاة الاحتياط قبل الركوع من الركعة الزائدة، يكتفى بها، مثلا إذا شك بين الاثنتين و الأربع فشرع بعد السّلام في ركعتين من قيام مفصولة بعنوان صلاة الاحتياط المشروعة في هذه الصورة، و قبل أن يدخل في ركوع ركعة الثانية من صلاة الاحتياط، تذكر نقص صلاته بركعة فله أن يهدم القيام و يجلس و يتشهد و يسلم، و يكتفى بها عن النقص المتيقن، لأنّ الركعة الّتي أتى بها جابرة للنقص، و أمّا ما زاد من القيام و القراءة، فليس مبطلا لوقوعه سهوا، و باعتقاد كونه الوظيفة، و هل يوجب سجدتى السهو للزيادة السهو أم لا، فهو كلام اخر.

فتلخص أنّه على هذا يكتفى بما بيده من صلاة الاحتياط، و إتيان ما نقص بعد ذلك.

و إن لم نقل: بأن أدلة الاحتياط يشمل المورد فهل يقال: بإلغاء ما بيده من صلاة الاحتياط، و إتيان ما نقص، و عدم مضرية ما وقع من صلاة الاحتياط سهوا، مثل ما إذا تذكر النقص بعد الفراغ من الصّلاة قبل صلاة الاحتياط، أو نقول:

بعدم كون المورد مثل ما تبين النقص بعد الصّلاة، فيجب استيناف الصّلاة من راس.

[لا يبعد شمول الاطلاقات للمورد]

لا يبعد شمول إطلاقات أدلة صلاة الاحتياط للمورد، و كفاية استمرار الشّك إلى أن يشرع المكلف في صلاة الاحتياط، و لا يعتبر استمرار الشّك إلى اخر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 218

صلاة الاحتياط.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إن رواية عمار الواردة في تعليم صلاة الاحتياط بنحو الكلى يستفاد منها اعتبار بقاء الشّك إلى إتيان تمام صلاة الاحتياط، لأنه قال عليه السّلام فيها: (ألا اعلمك شيئا إذا فعلته، ثمّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت، لم يكن عليك شي ء؟ قلت:

بلى. قال: اذا سهوت فابن على الأكثر فاذا فرغت و سلمت، فقم، فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك كنت نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) «1» فقوله (و إن ذكرت أنك كنت نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) يدلّ على أن الشّك لا بدّ من استمراره إلى بعد صلاة الاحتياط، و بعدها لا يضرّ العلم بالنقص فبالمفهوم يدلّ على أنّه لو تذكر قبل تمامية صلاة الاحتياط، فلا تكون صلاة الاحتياط جابرة للنقص.

قلت: إن الرواية تكون في مقام بيان أن صلاة الاحتياط إذا كانت الصّلاة تامة واقعا، تكون نافلة، و إذا كانت ناقصة تكون متممة للنقص، فقوله (و ان ذكرت انك كنت نقصت) يكون مقابله، و بعبارة اخرى مفهومه المذكور في الرواية قوله (فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء) لا مقابله تذكره النقص قبل تمام صلاة الاحتياط.

فهذه الرواية- مضافا إلى نقلها على انحاء ثلاثة كما يظهر للمراجع بكتب الأخبار- لا دلالة لها بحسب النقل المتقدم على ما توهّم من دلالتها على استمرار الشك إلى أن يتمّ صلاة الاحتياط.

و أمّا غيرها من الأخبار

الواردة في موارد خاصة في جعل صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 219

في بعض الشكوك، فلا دلالة له على اعتبار استمرار الشّك إلى ان يتم الشاك صلاة الاحتياط، بل يكتفى استمرار الشّك إلى الشروع في صلاة الاحتياط.

[في نقل كلام الاصفهاني و ردّة]

و أمّا ما قاله آية اللّه الاصفهاني رحمه اللّه في حاشيته على العروة في هذا الموضع من التفصيل بين ما إذا شرع في الصّلاة الاحتياط الّتي تكون موافقة مع ما تبين نقصه من الصّلاة كمّا و كيفا مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأكثر و سلّم، و شرع في ركعة من قيام، فتبين بعد الشروع فيها قبل تماميتها نقص الصّلاة بركعة، بأن في هذه الصورة يتم صلاة الاحتياط، و تصح الصّلاة، و لا يجب استينافها، و بين ما إذا تبين النقص في أثناء صلاة الاحتياط الّتي تكون مخالفة مع ما نقص كمّا و كيفا مثل ما إذا شرع في الشّك في الثلاث و الأربع بعد البناء على الأكثر و التشهد و التسليم، في ركعتين من جلوس بعنوان صلاة الاحتياط، ففي هذه الصورة يلغى ما بيده من صلاة الاحتياط، و يجب استيناف الصّلاة من رأس.

فان كان نظره إلى أن أدلة صلاة الاحتياط تشمل صورة بقاء الشّك إلى الشروع في صلاة الاحتياط و إن لم يستمر إلى اخرها، فلا وجه للتفصيل بين ما إذا وافق ما تبين مع المشكوك كمية و كيفية، و بين ما خالفها كمية و كيفية كما قلنا، و تصح الصّلاة، و إن لم تشمل أدلة الاحتياط لما إذا زال الشّك بعد الشروع في صلاة الاحتياط فأيضا لا وجه للتفصيل، بل لا

بدّ من أن يلتزم إمّا بإلغاء صلاة الاحتياط و إتيان ما نقص و إمّا باستيناف الصّلاة في كل من الصورتين.

[في توجيه كلام الاصفهاني]

و يمكن أن يكون نظره رحمه اللّه في التفصيل إلى جهة اخرى، و هى «1» أنّنا نفهم من أدلة الاحتياط كونها جابرة للنقص على تقدير النقص في الصّلاة، و في فرض نقص

______________________________

(1)- هذه الجهة أنا قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 220

الصّلاة يتمّ بها النقص و لا يمكن كونها متممة للنقص إلّا بأنه على تقدير النقص، تكون تكبيرة الإحرام الواقعة في أوّلها غير مانعة من ضمّها و وصلها بالصّلاة، و صيرورتها متممة للنقص، كما قلنا بذلك في ما إذا تبين نقص الصّلاة بعد السلام، من أن المستفاد من أدلة الاحتياط، عدم كون السّلام الواقع مانعا في صورة نقص الصّلاة و احتياجها بركعة أو ركعتين، فكذلك يقال: بأن تكبيرة الاحرام من صلاة الاحتياط و إن كانت مبطلة في حدّ ذاتها، لكونها زيادة مبطلة سواء وقعت عمدا أو سهوا، لكن بعد دلالة دليل صلاة الاحتياط بكونها متممة في صورة النقص، من عدم كون زيادة تكبيرة الاحرام مفسدة للصّلاة، و إلّا فكيف تكون صلاة الاحتياط جابرة للنقص، فلهذا نقول: بأنّه إذا تبين نقص الصّلاة بعد الشروع في صلاة الاحتياط بما يكون موافقا كمية و كيفية مع المشكوك، فيتم ما بيده من صلاة الاحتياط بعنوان النقص الحاصل في الصّلاة، لا بعنوان الصّلاة الاحتياط، و أمّا اذا خالف ما بيده من صلاة الاحتياط كمية و كيفية مع ما تبين نقصه من الصّلاة، فلا يمكن الاكتفاء بعنوان النقص المتبيّن، لاختلافها مع ما تبيّن نقصه من الصّلاة. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لكن إن كان النظر إلى هذه الجهة، ففيما

كبّر لصلاة الاحتياط و قبل الشروع في القراءة بعدها لو تبيّن النقص، يصح أن يقال: بأن التكبير ليس مانعا، و يأتي بما بقى من يقصد الركعة الناقصة موصولة و يأتي بالقراءة، أو التسبيح مخيرا بينهما، لأنّه على هذا تكون هذه الركعة هى الركعة الرابعة الموصولة، و فيها كان المصلّى بالخيار بين القراءة و التسبيح أو يحتاط باتيان القراءة، و أمّا إذا تبين النقص بعد اتيانها التكبير و القراءة و الركوع و السجود مثلا من صلاة الاحتياط، فأيضا يكتفى بما وقع، و يأتي بما بعده من بقية الركعة، أو الركعتين الّتي تبين نقصها من الصّلاة، فما مضى وقعت قهرا متممة للنقص، و كذلك ما بقى من الركعة أو الركعتين.

إمّا من باب أن المستفاد من أدلة صلاة الاحتياط هو أن كلّ ما أتى به بعنوان صلاة الاحتياط،.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 221

[نقل جهة للفرق بين السلام و تكبيرة الاحرام]

و هل يمكن أن يقال في تكبيرة الاحرام ما قلنا في السلام، فكما أنّه لو تبين نقص الصّلاة بعد السلام، قبل أن يصلى صلاة الاحتياط، قلنا: بأنا نفهم من أدلة تشريع صلاة الاحتياط، عدم كون السّلام الزائد مانعا، كذلك نقول: نفهم في ما نحن فيه بعدم كون تكبيرة الاحرام الواقعة في أول صلاة الاحتياط مانعة لأن يصير ما بيده ركعة موصولة للصّلاة، و متمّمة لنقص المتبين بعد الشروع في صلاة الاحتياط، أولا يمكن أن يقال بذلك؟

الأقوى عدم جريان ما قلنا في السّلام في تكبيرة الاحرام.

أمّا أولا فلأن السّلام يكون عمده مبطلا لا سهوه بخلاف تكبيرة الإحرام فإن عمدها و سهوها مبطل للصّلاة، لكونها ركنا من أركان الصّلاة.

و أمّا ثانيا فلأن تكبيرة الإحرام تكون جزءا لصلاة الاحتياط على ما قلنا، فصلاة الاحتياط مع هذا الجزء جابرة

للنقص المحتمل، فاذا تبين نقص الصّلاة بعد الشروع فيها، فلا يمكن أن يقال: بأن هذه الصّلاة مع هذا الجزء، جزء موصولة

______________________________

النقص، و بعد تبين النقص يأتي بما بقي من النقص لأجل الأمر المتعلّق بأربع ركعات، فما بيده من الصّلاة صارت متممة النقص بعضه بدليل صلاة الاحتياط، و بعضه بعنوان بقاء الأمر بطبيعة الصّلاة أربع ركعات موصولة.

و إمّا من باب أنّه و إن لم تشمل المورد أدلة الاحتياط بلسانه، إلا أنّه بعد فهم عدم مانعية تكبيرة الاحرام الواقعة زائدة من هذه الأدلة يقال: إنّ ما وقع من الركعة أو الركعتين و ما تقع جزء للصّلاة، لفرض عدم مانعية التكبيرة، و احتياج الصّلاة بما وقع و يقع من الركعة أو الركعتين، غاية الأمر قصد بما وقع صلاة الاحتياط، و هذا القصد لا يكون مضرا، لأنّ وضع صلاة الاحتياط، و ما نرى هو كونها متممة للنقص، على تقدير النقص و قد خطر ببالى أن يكون القريب كون الحكم فيما نحن فيه هو التفصيل من الاحتمالات الاربعة، و يمكن كون نظر آية اللّه الاصفهانى؛ إلى هذا، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 222

الشروع فيها، فلا يمكن أن يقال: بأن هذه الصّلاة مع هذا الجزء، جزء موصولة للصّلاة، لأنّه في هذه الصورة لا بدّ من ضم ركعة بدون هذا الجزء لا مع هذا الجزء فعلى هذا لا يمكن أن يقال بالتفصيل المتقدم، لأجل هذه الجهة الّتي قلنا في صورة تبين النقص بعد السّلام في وجه عدم مانعية السلام، لأن يضم ما نقص بالصّلاة موصولة، فافهم. «1»

ثمّ إنّه قد ظهر لك ممّا مرّ منّا أنّه يعتبر في وجوب صلاة الاحتياط بقاء الشّك إلى أن يشرع في صلاة الاحتياط، فلو زال

الشّك بعد الفراغ من الصّلاة قبل أن يشرع في صلاة الاحتياط، مثلا شك في الصّلاة بين الثلاث و الأربع و بنى على

______________________________

(1)- (أقول: إن ما قال مد ظله العالى أولا و ثانيا في وجه الردّ للتفصيل ليس بتمام، لأنّه يقال:

كما أنّه يستفاد من أدلة صلاة الاحتياط اغتفار السّلام الواقع في غير محله، لوجود النقص في الصّلاة، كما اختار ذلك في صورة تبين النقص بعد السّلام قبل صلاة الاحتياط، فإنه قال مد ظله العالى في وجه ضم ما تبيّن نقصه موصولة بوجهين: الأوّل بأن السّلام وقع سهوا، فلا يضرّ وجوده، فيضم ما نقص من الصّلاة بها، و الثانى بأنّه يستفاد من أدلة صلاة الاحتياط كون السّلام غير مانع، لأنّه مع فرض النقص يتمّ بصلوة الاحتياط النقص، فعلى هذا نقول في ما نحن فيه: بأنّه كما قلت في تذكر النقص بعد السّلام بالوجه الثانى، بضم ما نقص من الركعة موصولة ليس السّلام مانعا، كذاك ليست تكبيرة الاحرام مانعا، و قولك أنها مانع في صورة السهو أيضا نقول: يستفاد من الأدلة عدم مانعيتها، و أمّا ما قال مد ظله من أن التكبيرة جزء لا مانع، نقول بأنها و إن جعلت جزءا لصلاة الاحتياط، و لكن حيث أن صلاة الاحتياط يتم بها النقص المحتمل، ففي صورة النقص لا بدّ و أن لا يكون وجودها مضرا، فكل ما تقول في صورة نقص الصّلاة من حيث حكمها، نقول به في صورة تبين نقص الصّلاة، فتامل.

و لكن مع ذلك الاحوط استيناف الصّلاة بعد إتمام ما بيده لأجل النقص المتبين من الصّلاة، و قال سيدنا الاعظم مد ظله العالى: بأن رعاية الاحتياط إتمام ما بيده بعنوان صلاة الاحتياط، استيناف الصّلاة، هذا كله

في هذه المسألة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 223

الأربع ثمّ سلم، و بعد السّلام تيقن عدم نقص الصّلاة فلا يجب صلاة الاحتياط.

و هل يكون الأمر في سجود السهو المسبب عن الشّك هكذا أم لا؟ مثلا شك في الصّلاة بين الأربع و الخمس، فبنى على الأربع و سلم، ثمّ بعد السّلام تيقن كون ما أتى به من الصّلاة أربع ركعات فزال شكه، فهل يجب سجدتى السهو الواجب في هذا الشك أم لا؟ لا يبعد وجوبهما، لأنّ وجوبهما ليس دائرا مدار استمرار الشّك إلى أن يشرع فيهما، بل وجوبهما مسبب عن نفس حدوث السهو الّذي صار موجبا للترديد و الشك و ان زال هذا الشك، فعلى هذا يجب سجدتى السهو و إن ارتفع الشك، فافهم.

مسئلتان متعلقتان بصلوة الاحتياط.
المسألة الأولى:

لو زاد في صلاة الاحتياط ركعة أو ركنا، أو نقص كذلك و لا يقبل التدارك، فبعدها يجب رفع اليد عما بيده من صلاة الاحتياط لبطلانها لأجل الزيادة أو النقيصة المبطلة، فهل يجب عليه إعادة صلاة الاحتياط أو تبطل الصّلاة، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، أو يجب إعادة صلاة الاحتياط أوّلا، و إعادة الصّلاة بعدها أيضا.

المسألة الثانية:

لو نسي صلاة الاحتياط، و دخل في فريضة مترتبة عليها، مثلا صلّى الظهر فشك فيها بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ بعد أن يعمل عمله أى: يأتي بصلوة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، شرع في صلاة العصر نسيانا، فهل يجب عليه رفع اليد عن هذه الصّلاة المترتبة أى:

العصر، و الإتيان بصلوة الاحتياط، و تصح الصّلاة الّتي شك فيها أو لا، بل لا بدّ من إعادة أصل الصّلاة الّتي شك فيها، أو يجب إتيان صلاة الاحتياط بعد رفع اليد عن الصّلاة المترتبة الّتي بيدها، ثمّ استيناف أصل الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 224

اعلم أن بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» تعرض للمسألتين في صلاته و هى المسألة السادسة و الثامنة من المسائل الّتي تعرض لها في بحث صلاة الاحتياط اى: في الفصل الثالث.

[في ان حكم المسألتين واحد]

و اعلم أنّه و إن كان فرق بين هاتين المسألتين من جهة، إلا أنّه مع قطع النظر عن هذا الفرق يكون حكمهما واحدا، أمّا الفرق فهو أنّه قد يقال في المسألة الثانية يجب العدول من الصّلاة المترتبة بيدها إلى صلاة الاحتياط إن بقى محل العدول، مثلا في المثال المتقدم إذا نسى صلاة الاحتياط و دخل في صلاة العصر فتذكر نسيان صلاة الاحتياط حال القراءة في الركعة الأولى يعدل من صلاة العصر إلى صلاة الاحتياط و يتم الصّلاة بعنوان صلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بالعصر بعد ذلك، و لكن فيه أنّه لا يكون المورد مورد العدول، لأنّ مورد العدول كما قلنا في محله هو ما إذا شرع في الصّلاة المترتبة على صلاة قبل أن يأتي بما يكون مقدما عليها بحسب الترتيب، مثلا قبل أن يأتي بصلوة

الظهر يشرع في العصر، ثمّ في أثنائها يتذكر عدم إتيان الظهر بتمامه فيعدل عن العصر إلى الظهر، و في المقام إن كان الغرض العدول من العصر مثلا إلى صلاة الاحتياط، فلا دليل لنا يدلّ على جواز العدول إليه، و إن كان النظر العدول من العصر مثلا إلى الظهر الّذي شك فيه فأيضا لا وجه للعدول منه إليه، لأنّ مورد العدول من اللاحقة إلى السابقة ما تذكر في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة راسا، و في المقام مع فرض شكه في الظهر بين الثلاث و الأربع فهو أتى ببعض صلاته مسلّما، فلا مجال للعدول منها إليها، فافهم.

إذا عرفت عدم كون وجه للعدول من الصّلاة المترتبة إلى صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 388 و 389.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 225

و لا الى أصل الصّلاة فنقول: بأن المسألتين متحدتان من حيث الحكم، لأنّ منشإ الاشكال فيهما هو أنّه بعد عدم قابلية ما أتى من صلاة الاحتياط الّتي زاد فيها أو نقص في المسألة الأولى، و عدم قابلية ما بيده من الصّلاة المترتبة في المسألة الثانية، لأن تصيرا صلاة الاحتياط، فيقع الفصل المخلّ بين أصل الصّلاة، و بين صلاة الاحتياط، و بعبارة اخرى ينافي في هذا الفصل الحاصل بينهما للفورية المطلوبة و المشروطة في صلاة الاحتياط، فكل ما يبغى أن يقال في إحدى المسألتين ينبغى أن يقال في المسألة الاخرى، لكون الامثال واحدا على ما عرفت، فاذا كان الأمر هكذا، فهل نقول: بكفاية إتيان صلاة الاحتياط، أو نقول: باستيناف أصل الصّلاة، أو نقول: بالجمع بينهما؟

ما يأتي بالنظر البدوى هو ثالث الوجوه بأن يقال: بأنّه بعد كون المتقين من كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص المحتمل في

الصّلاة ما إذا لم يفصل بينه و بين الصّلاة ما يخلّ بالفورية، ففي ما نحن فيه أى: في المسألتين، يعلم المكلف إجمالا، إمّا بوجوب صلاة الاحتياط عليه و إمّا بوجوب استيناف اصل الصّلاة بناء على عدم كون صلاة الاحتياط جابرة مع الفصل، فيجب عليه بمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بصلوة الاحتياط ثمّ استيناف أصل الصّلاة.

[نقل كلام المحقّق الحائري ره]
اشارة

و قال بعض الاعاظم المتقدم رحمه اللّه «1» المتعرض للمسألتين: بأن بعد كون الأمر وجوب الاستيناف و وجوب صلاة الاحتياط، فمقتضى الاحتياط الجمع بينهما إلا أن يوجد أصل شرعى يوجب جواز الاكتفاء بصلوة الاحتياط، و تقرير الاصل المحتمل من وجوه:

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 387.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 226

[الوجهين الأول و الثاني]
الوجه الأوّل:

استصحاب وجوب صلاة الاحتياط الثابت قبل هذا الفصل، بأن يقال: إن بعد الصّلاة قبل طروّ هذا الفصل كانت صلاة الاحتياط واجبة فتستصحب هذا الوجوب.

الوجه الثاني:

الاستصحاب أيضا لكن لا استصحاب الوجوب، بل يقال:

بأن صلاة الاحتياط كانت جابرة للنقص المحتمل قبل طروّ الفصل الطويل، و نشك فعلا فى كونها جابرة فيستصحب هذا، و يقال: إنّه جابرة فعلا أيضا.

[الاشكال على كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]

و استشكل على الاصل الثانى بان ما هو الجابر مصداق صلاة الاحتياط، و هو لم يوجد حتّى يستصحب، و مفهوم صلاة الاحتياط ليس جابرا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 226

و استشكل رحمه اللّه على الأصل الأوّل بأن المستصحب تارة يكون حكما كليا متعلقا بالطبيعة غير متعلق بموضوع خارجى، مثل ما إذا كان حكم كلّى على وجوب الاجتناب عن الماء المتغير، فلا اشكال في أن في هذه الصورة إذا ذهب قيد الحكم لا يمكن أن يقال: باسراء الحكم الثابت للماء المقيد بالتغير لغير المتغير، لأنّ هذا من قبيل إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع اخر.

نعم لو تعلق الحكم بموضوع خارجى واجد للوصف، ثمّ بعد تعلق الحكم عليه زال هذا الوصف، يمكن استصحاب الحكم الثابت قبل زوال الوصف، مثلا إذا تعلق وجوب الاجتناب بالماء الخارجى الّذي يكون متغيرا، فقال المولى مثلا (اجتنب عن هذا الماء المتغير) ثمّ بعد زمان زال التغير عنه نشك في بقاء الحكم المتعلّق به حال التغير، يجرى استصحاب وجوب الاجتناب، لحكم العرف بأن معروض الوجوب هو هذا الموجود الخارجى و هو باق فيستصحب الحكم، و ما نحن فيه يكون من القسم الأوّل لأنّ مفروض الوجوب في صلاة الاحتياط هو طبيعة صلاة الاحتياط المقيدة بخصوصية خاصة، و هى تقيدها بكونها متصلة بالصّلاة، فبعد تعلق الأمر بها

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 227

في حال اتصافها

بهذه الخصوصية، فاذا لم تكن هذه الخصوصية، لا مجال لاستصحاب الوجوب، لأنّ الموضوع المقيد غير المطلق فلا يسرى الحكم منه إليه، لعدم امكان سراية حكم ثابت على موضوع خاص بموضوع اخر.

هذا حاصل ما قاله في وجه الإشكال في الأصلين، و فيه أنّه لو لم يستشكل في جريان الاستصحابين من جهة اخرى فلا يرد ما قاله رحمه اللّه عليهما، لأنّه، كما قلنا في مسئلة اجتماع الأمر و النهى، ليس الخارج معروض الوجوب بل الخارج ظرف السقوط و الامتثال، فعلى هذا يتعلق الحكم بالطبيعة، فأينما وجد فرد منها فهو فرد لها فعلى هذا نقول: بعدم فرق بين ما إذا تعلق الحكم بالطبيعة أو بشي ء موجود خارجا، لأنّ في كل منهما إن كان الحكم العارض على المعروض في حال إن كان هذا الحال دخيلا في نظر العرف في موضوعية الموضوع، فلا مجال لإجراء الاستصحاب، و إن لم يكن دخيلا بنظره فيجرى الاستصحاب، و في المقام يكون متعلق الحكم من قبيل الأوّل أعنى: تعلق الحكم بالطبيعة، لأنّ مفاد الدليل هو وجوب صلاة الاحتياط في الشك بين الثلاث و الأربع مطلقا، فطبيعة صلاة الاحتياط واجبة إذا حصل هذا الشك، و بعد ما لا يعلم أن الوجوب المتعلّق بها مقيد بكونها متصلة بالصّلاة، و كذا جابريتها عن النقص المحتمل هل يكون في صورة الفورية و عدم الفصل، أو ليس مقيدا بذلك، فيستصحب الوجوب و يستصحب كونها جابرة للنقص المحتمل.

نعم لا مجال للاستصحاب في المقام أصلا، لأنّ منشأ الشّك في وجوب صلاة الاحتياط أو جابريتها فى هذا الحال، ليس إلا من باب أنّه هل الوجوب أو جابريتها مشروط بالفورية أو لا يشترط بذلك أو يقال: بأن الفصل بين الصّلاة و بين صلاة

الاحتياط مانع أم لا؟ فيكون من صغريات الشّك في شرطية شي ء أو جزئيته أو مانعيته للمأمور به، و الحق عدم الشرطية و الجزئية و المانعية بمقتضى البراءة، فتكون

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 228

النتيجة وجوب صلاة الاحتياط في المسألتين، و بها تصح الصّلاة و لا حاجة إلى استينافها.

و وجه ما قلنا من أن المورد مورد البراءة لا الاستصحاب، هو أنّه مع وجود الأصل السببى لا تصل النوبة إلى الأصل المسببى، فنقول: إن في المورد يكون الشك في بقاء وجوب صلاة الاحتياط، و كذا في كونها جابرة للنقص المحتمل، مسببا عن شرطية الفورية، أو شرطية عدم الفصل، أو مانعية الفصل بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، فبعد كون الأصل جاريا في السبب أعنى: سبب الشك، و هو كون ذلك شرطا أو عدم كونه مانعا أم لا، و هو أصالة البراءة، فلا مجال لإجراء الاستصحاب أعنى: الأصل المسببى، فافهم. «1»

الوجه الثالث «2»: [تقريرا للاستصحاب التعليقي]
اشارة

من وجوه تقرير الأصل هو أن يقال: باجراء الاستصحاب

______________________________

(1)- أقول: و بعد ما سألت عن سيدنا الاستاد مد ظله و استشكلت عليه: بأنّه كيف يجرى الاستصحاب على النحو الأوّل، و أنّ كلام بعض الأعاظم؛ تمام، و هو في الحقيقة تفصيل في الاستصحاب بين كون المستصحب حكما كليا أو جزئيا، فلا يجرى في الأوّل إلا في النسخ و هذا التفصيل أحد أقوال الاستصحاب، قال مد ظله: نحن أيضا نقول بذلك، و لكن لا يصل الأمر بالاستصحاب في المقام حتّى نتكلّم في أنّه هل يجرى أم لا، لأنّ المورد كما قلنا مورد أصالة البراءة فلو فرض الاستصحاب في الحكم الكلي فلا يجرى في المقام، لكون أصالة البراءة حاكمة عليه لكون أصل السببى حاكما على المسببى. (المؤلّف)

و أنا أقول: إن

هذا الاستصحاب و لو يجرى لا يكفى لرفع الاشتغال بأصل الصّلاة، لأنه و لو استصحب وجوب صلاة الاحتياط لكن هذا لا يثبت كونها جابرة عن النقص المحتمل في الصّلاة، و لا يأتى هذا الإشكال في القسم الثانى من الاستصحاب المذكور في كلام بعض الأعاظم رحمه اللّه. (المقرّر).

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 387.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 229

التعليقى في المقام و بيان استصحاب التعليقى من وجهين:

الوجه الأوّل:

فملخص كلامه رحمه اللّه و حاصل تقريبه أن يقال: بأن صلاة الاحتياط كانت بحيث لو وقعت بعد تسليم الصّلاة الّتي شك فيها، يتدارك بها النقص المحتمل في الصّلاة شرعا، و لو شكّ في الزمان اللاحق في أنّه هل يكون هذا الأثر الشرعى الثابت لوجودها الخارجى سابقا و بعد التسليم، باق لها أم لا؟ نظير استصحاب النجاسة المعلقه على الغليان الخارجى.

و قال: و فيه أنّه لا مجال لهذا الاستصحاب، لأنّه ليس هذا اى كون صلاة الاحتياط يتدارك بها النقص المحتمل أثرا شرعيا، لأنّ تدارك النقص بها من فوائدها الواقعية لا من الآثار الشرعية.

الوجه الثاني:

أن يقال في تقريب الاستصحاب التعليقى، بعد الإشكال في الوجه الأوّل على ما عرفت: إن صلاة الاحتياط لو وقعت بعد التسليم و مع حفظ الفورية، كانت بحيث يتقبلها الشارع مصداقا للمأمور به، فنستصحب ذلك، و نقول:

بتقبلها الشارع فعلا لو وجد في الخارج، هذا هو الوجوه الاربعة في إجراء الاستصحاب. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و الّذي ينبغى أن يقال في المسألتين- على ما أفاده سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى عند التعرض لبعض المسائل الراجعة بصلوة الاحتياط، من كون طروّ أحد المنافيات و ما يبطل الصّلاة بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، موجبا لبطلان الصّلاة و سقوط الاحتياط، و لهذا قال: بكون الحدث المتخلل بين الصّلاة و صلاة الاحتياط موجبا لبطلان الصّلاة، و سقوط الاحتياط خلافا لما قال العلّامة الحائرى؛، و ما قاله مد ظله العالى هو الحق- هو أنّه تبطل الصّلاة و تسقط صلاة الاحتياط عن قابلية صيرورتها جابرة لنقص المحتمل، لأنّه على الفرض تخلل بين الصّلاة و بين.

صلاة الاحتياط ما يبطل الصّلاة من الركوع و السجود، و لا أقل من تكبيرة الاحرام، ففي المسألتين لا بدّ

من استيناف أصل الصّلاة.

نعم لو أغمضنا عن ذلك و قلنا: بعدم بطلان الصّلاة و سقوط صلاة الاحتياط بواسطة تخلل بعض المنافيات، فيكون كلامه مد ظله العالى من ان المرجع البراءة لا الاستصحاب كلاما تماما، و العجب أنّه مد ظله العالى كيف لم يقل بما قلنا من لزوم استيناف الصّلاة في المقام، كما أن العجب من العلّامة الحائرى رحمه اللّه من أنّه كيف لم يقل بأن المرجع في المقام هو أصالة البراءة لكون الشك في الشرطية أو المانعية لا الاستصحاب، فإنه على مبناه من كون صلاة الاحتياط صلاة:

مستقلة و لا يضرّ تخلل منافيات الصّلاة بينها و بين الصّلاة كان اللازم أن يقول في المقام بوجوب صلاة الاحتياط و صحة الصّلاة، و عدم شي ء عليه غير صلاة الاحتياط، من باب أن الشّك يكون في اعتبار الفورية أو مانعية الفصل، و في المقامين تجري البراءة، فافهم و تأمّل جيدا.

و الحمد للّه و الصّلاة على رسوله و على آله و نرجوا منه أن يرزقنا خير الدنيا و الآخرة إن شاء اللّه. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 231

المقصد التاسع في بعض الفروع مربوطا بانقلاب الظن و الشّك

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 233

بعض الفروع يكون مربوطا بانقلاب الظن و الشّك

ثمّ إن بعض الفروع يكون مربوطا بانقلاب الظن بالظن، أو الشّك بالشك، أو احد من الظن و الشك بالآخر لا يكون التعرض لها خاليا عن الفائدة فنتعرض لها في طى مسائل:

[في ذكر المسائل المربوطة بالباب]

المسألة الأولى:

ما إذا حصل له الظن حال الصّلاة، ثمّ انقلب بظن اخر حال الصّلاة، مثلا ظن بكون الركعة الركعة الثالثة، ثمّ قبل السّلام تبدل ظنّه بالظن بكون هذه الركعة الركعة الرابعة، فيراعى الظن اللاحق.

المسألة الثانية:

ما إذا شك ثمّ انقلب شكه بالظن، أو ظن ثمّ انقلب بالشّك قبل الفراغ، فيراعى حالته اللاحقة أي حالته الفعلية.

المسألة الثالثة:

ما إذا ظن قبل الفراغ، ثمّ انقلب بظن اخر بعد الفراغ، فيراعى أيضا حالته الفعلية أعنى: ما يقتضي الظن اللاحق.

المسألة الرابعة:

ما إذا شك قبل الفراغ، ثمّ انقلب شكه بشك اخر قبل الفراغ، فيراعى الشّك اللاحق اى حالته الفعلية.

المسألة الخامسة:
اشارة

ما إذا شك المصلّى قبل الفراغ، ثمّ بعد الفراغ منها انقلب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 234

شكه بشك اخر (و الفرض انقلاب الشّك باعتبار السابق بشك اخر لا بحسب حاله الفعلى، مثلا شك قبل الفراغ بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ بنى على الثلاث و أتى بركعة اخرى و تمّ الصّلاة ثمّ بعد الفراغ انقلب شكه باعتبار ملاحظة السابق إلى الشّك بين الثلاث و الأربع.

فهل نقول، كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة «1» و نحن وافقناه: بأن الشّك الأوّل قد زال، و الشك الثانى حدث بعد الفراغ، فتصح الصّلاة بدون احتياج إلى صلاة الاحتياط، أو سجدتى السهو، أو نقول: بأنّه لا مجال لإجراء قاعدة الفراغ هنا في مورد الانقلاب، و عدم كون المورد مورد الشّك قبل الفراغ أيضا.

و اعلم أن محلّ الكلام يكون فعلا في ما لا يوجب انقلاب الشّك للعلم بالنقيصة، أو الزيادة أو لأحدهما.

[نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]

اعلم أنّه يظهر من بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمة اللّه في صلاته) «2» اختيار الثاني في مورد انقلاب الشّك في ما لا يوجب الانقلاب العلم بالنقيصة، أو الزيادة، أو لأحدهما، بل لا بدّ من إتيان ما يشك في إتيانه و عدم إتيانه من الركعات بعد السّلام الواقع من المصلّى متّصلا لا منفصلا.

و حاصل ما قاله هو أنّه لا يكون المورد مورد إجراء قاعدة الفراغ، لأنّ أدلتها تكون منصرفة إلى الشّك الحادث بعد الفراغ المتحقّق بتخيل كون السّلام هو الجزء الأخير واقعا، لا الجزء الأخير بناء بواسطة تخيل الأمر بالبناء على الأكثر و بزعم بقاء الشّك و لا أقول: بكون أدلة قاعدة الفراغ منصرفة بمورد يكون الفراغ الفراغ

______________________________

(1)- العروة الوثقى، فصل الشك فى الركعات، ص 621، مسأله 15.

(2)-

كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 235

الواقعى، لعدم كون المراد منها ذلك، و إلّا يلزم أن يكون الشّك بين النقص و التمام بعد السّلام من الشبهة المصداقية لقاعدة الفراغ، بل مرادنا كما قلنا: هو أن المصلّى إذا أتى بالجزء الأخير من الصّلاة بتخيل كونه الجزء الأخير، ثمّ شك بعده في الصحة و الفساد من باب الشّك في وجود ما يعتبر فيها، يكون مورد قاعدة الفراغ.

و أمّا إذا أتى بالجزء الأخير أى: السّلام من الصّلاة من باب البناء لأجل العارض له، و تخيل بقاء هذا الشّك إلى أن يفرغ من الصّلاة، فأدلّة قاعدة الفراغ منصرفة عنه، و بعد عدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ، نقول: بأنّ المفروض ليس داخلا في الشّك قبل الفراغ و حال الصّلاة حتّى يقال: يوجب هذا الشّك الثاني إتيان ما يقتضيه من صلاة الاحتياط، لعدم تحقق موضوعه، لأنّ لسان دليل الدال على وظيفة الشاك بين الثلاث و الأربع، أو غيره من البناء على الأكثر مصرح بأن ذلك من جهة حفظه الصّلاة من الزيادة و النقيصة، فالزيادة لا تضر لوجود السّلام، و النقيصة جابرة بالركعة المفصولة تعبدا، و مورد هذا الدليل ينحصر بما إذا لم التسليم المحتمل لكونه مانعا عن لحوق الزيادة.

و أمّا في ما نحن فيه فلما حصل الشّك بعد السّلام المحتمل كونه في محله، فلا تكون الزيادة مضرة قطعا، و لو كانت الصّلاة ناقصة، فيتدارك نقصها واقعا من دون حاجة إلى التعبد، بل لا دليل على تداركها بالركعة المفصولة، و لا يكون من الشبهات المصداقية لقاعدة الفراغ و للشك قبل الفراغ، و إلا يلزم أن يكون الشّك بين النقص و التمام بعد السّلام من الشبهة

المصداقية لقاعدة الفراغ، و للشك قبل الفراغ و لا يمكن الالتزام به، و ذكر بعض توال فاسدة اخرى.

ثمّ قال: إن الشّك قبل الفراغ ليس له عنوان خاص في الأدلة، فكل شك لا يشمله الأدلة الشّك بعد الفراغ، تجري عليه حكم الشّك قبل الفراغ.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 236

و قال في الجواب: بأنّه كما لا يشمل المورد قاعدة الفراغ، لكون المنصرف إليه منها هو الفراغ المحقّق بتحقّق اخر جزء الصّلاة، بتخيل كونه الجزء الآخر منها واقعا لا بزعم بقاء الشك، فكذلك لا يشمل الشّك قبل الفراع لما ذكر من أن مورد أدلتها يكون كل مورد تحفظ الصّلاة بالبناء على الأكثر من النقص و الزيادة، و هذا يكون فيما لم يوجد السّلام، و أمّا بعد وجوده فلا تضر الزيادة، و لا يجبر النقص المحتمل بالركعة المفصولة، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه في المقام. «1»

إذا عرفت ذلك نقول: بأن صور انقلاب الشّك بشك اخر و إن كانت كثيرة لو انضم الشّكوك الصحيحة المنصوصة، إلى الشّكوك الغير المنصوصة و الشكوك الباطلة، إلّا أنا نتكلم في صورة انقلاب الشّكوك الخمسة المنصوصة بعضها مع البعض الآخر، و ربّما يظهر من بيان حكم هذا القسم حكم بعض أقسام اخر، و من بيان حكم صور الانقلاب يظهر لك ما هو الحق في المقام، و هل يتم ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه أو ليس بتمام، فنقول بعونه تعالى: إن صور انقلاب الشّكوك الخمسة المنصوصة بعضها ببعض تبلغ عشرين صورة من ضرب أربعة في خمسة، فنقول:

[الكلام في بعض الصور]
الصورة الأولى:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس، ثمّ بعد السّلام تبدل و انقلب شكه إلى الاثنتين و الأربع.

الصورة الثانية:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس، ثمّ انقلب بعد السّلام بين الثلاث و الأربع.

الصورة الثالثة:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس فسلّم، ثمّ انقلب إلى بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 373.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 237

ففي هذه الصور الثلاثة يكون الشّك الأوّل ممّا لا حكم له لزواله، و الشك الثانى أيضا لا يعتنى به، لكونه حادثا بعد الفراغ، و لا يرد عليها ما أورده بعض الأعاظم رحمه اللّه من انصراف أدلة قاعدة الفراغ عن الفراغ البنائى، لأنّ في هذه الصور، بعد كون شكه حال الصّلاة بين الأربع و الخمس فسلامه على كل حال، سواء كانت الركعة المشكوكة الركعة الرابعة أو الخامسة، فقد وقع في محله و بتخيل كونه الجزء الأخير من الصّلاة واقعا، لأنّه لو كانت الركعة المشكوكة الرابعة فالسلام في محله، و إن كانت الركعة المشكوكة الخامسة فأيضا بعد أمر الشارع بعدم الاعتناء بالشّك و احتمال الزيادة، فقد وقع السّلام في محله و بتخيل أنّه الجزء الأخير من الصّلاة أيضا، فعلى كل حال كان السّلام هو الجزء الأخير من صلاته، فعلى هذا يكون الشّك المنقلب إليه شكا بعد الفراغ، فلا يتم كلامه رحمه اللّه «1» في هذه الصورة، و كذلك لو انقلب شكه بين الأربع و الخمس بعد السّلام بأحد الشّكوك المبطلة، لما قلنا فلا يعتنى به لكونه بعد الفراغ الواقعى.

الصورة الرابعة:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس فسلم، ثمّ انقلب إلى بين الاثنتين و الثلاث فهو يعلم بأن تسليمه وقع في غير محله، فيعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث من ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس مفصولة، و لا مجال لما قاله رحمة اللّه «2» أيضا من ضم ما نقص موصولة، لأنّه في هذه الصورة يعلم بوقوع السّلام في

غير محله، فما تحقق الفراغ، فيكون من انقلاب الشّك بشك اخر قبل السلام، فلا بدّ من رعاية حالته الفعلية، و حيث إن حالته الفعلية هو الشّك بين الاثنتين و الثلاث،

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 374.

(2)- كتاب الصّلاة لمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 375.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 238

فلا بدّ له من البناء على الأكثر و إتيان ركعة اخرى أى: الرابعة، ثمّ يتشهّد و يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الخامسة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشك بين الأربع و الخمس.

الصورة السادسة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فسلم، ثمّ انقلب بين الأربع و الخمس.

الصورة السابعة:

ما اذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فانقلب بين الأربع و الخمس.

ففي هذه الصور أعنى: الخامسة و السادسة و السابعة حيث إن الشاك يعلم بعدم نقص في صلاته، و يحتمل زيادة ركعة، فلا يجب عليه عمل من صلاة الاحتياط، لأنّ الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى بعد الفراغ الواقعى مسلّما، نعم هنا كلام من حيث وجوب سجدتى السهو عليه و عدمه، قد يقال: بوجوبه لأنها تجبان في الشّك بين الأربع و الخمس، و لكن الظاهر عدم وجوبهما لأنّه بعد كون الشّك بين الأربع و الخمس حادثا بعد الفراغ، فلا يعتنى بهذا الشك، فلا يترتب عليه ما هو اثره من سجدتي السهو.

الصورة الثامنة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الأكثر و أتى بالرابعة و سلم، ثمّ انقلب بالشّك بين الأربع و الخمس بحسب حاله السابق (أعنى: مع قطع النظر عن ضم الركعة بعد شكه الأوّل: فلو نظر إلى حاله السابق شاك فعلا بين الأربع و الخمس لا باعتباره الفعلى، لأنّ بحسب حاله الفعلى بعد كون شكه السابق فعلا بين الأربع و الخمس فباعتبار حالته الفعلى شاك بين الخمس و السّت، لأنّه بعد شكه الأوّل أتى بركعة، فقولنا بأنّه انقلب بالشّك بين الأربع و الخمس باعتبار حالته

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 239

السابقة، و مع قطع النظر عما عمل بعد الشّك السابق) فصلاته باطلة في هذه الصورة لأنّه عالم بأنّه زاد في صلاته ركعة أو ركعتين، لأنّه إن كان ما أتى اربعا فقد زاد ركعة، لأنّه أتى بعد شكه ركعة، و إن كان ما أتى به خمسا فقد زاد ركعتين في صلاته، فتبطل صلاته، ففي هذه الصورة لا يتمّ كلامه رحمه اللّه «1»

من ضم ما نقص موصولة:

الصورة التاسعة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بركعة بعنوان الركعة الرابعة، فسلم، ثمّ انقلب إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع بحسب حاله الأوّل، لا بحسب حاله الفعلى (كما بينا في الصورة السابقة) فتبطل الصّلاة أيضا لأنّه يعلم إمّا بنقصان صلاته أو بزيادة فيها، لأنّه بعد ما أتى بركعة، فإن كان ما أتى به ركعتين فالصّلاة ناقصة بركعة، و إن كان ما أتى به أربع ركعات فزاد في صلاته ركعة، فتبطل صلاته، فليس كلامه رحمه اللّه في هذه الصورة بتمام.

الصورة العاشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث، و أتى بالركعة الرابعة، و سلم، ثمّ بعد السّلام انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع، فأيضا تبطل الصّلاة، لأنّ وظيفته كانت البناء على الأربع و إتمام الصّلاة، و جبر النقص المحتمل مفصولة، و هو أتى بالركعة الرابعة المحتملة نقصها موصولة فتبطل الصّلاة

الصورة الحادية عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة بعد البناء و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فأيضا تبطل الصّلاة، لأنّ وظيفته السّلام و عمل هذا الشّك من ركعتين عن قيام و ركعتين عن جلوس، لا ضم ركعة موصولة، ففي كل هذه الصور الّتي قلنا ببطلان الصّلاة على ما هو الحق، لا يجرى ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من صحة الصّلاة، و ضم

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 373.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 240

ركعة موصولة.

الصورة الثانية عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع ثمّ بنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الثالثة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع ثمّ انقلب شكه بعد ما بنى على الأربع و سلم بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الرابعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

ففي كل هذه الصور اى الصورة الثانية عشرة و الثالثة عشرة و الرابعة عشرة يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث أعنى: إتيان ركعة عن قيام، أو ركعتين عن جلوس مفصولة، و تصح الصّلاة، و وجه ذلك أنّه بعد انقلاب شكه في كل هذه الصور بين الاثنتين و الثلاث فهو يعلم بوقوع سلامه في غير محله يقينا، فهو يعلم بعدم كونه بعد الفراغ، و يعلم بكون شكه حال الصّلاة و قبل الفراغ، فيجب عليه البناء على حكم الشّك بين الثلاث و الأربع فكما أنّه لو لم يسلم، و انقلب شكه من إحدى هذه الصور بالشك بين الاثنتين و الثلاث كان عليه أن يعمل بحالته الفعلية أى: العمل بحكم الشك بين الاثنتين و الثلاث، كذلك في هذه الصور لعلمه بوقوع السّلام في غير محله، و كون الشك قبل الفراغ، ففي هذه الصور لا يجرى ما قال بعض الاعاظم رحمه اللّه من ضمّ ما احتمل نقصه من الركعة موصولة، و الإشكال في كونه مورد إجراء قاعدة الفراغ، و في كونه مورد قاعدة الشّك قبل الفراغ، لما قلنا من العلم بعدم الفراغ، لعلمه بوقوع السلام في غير محله، هذا كله أربعة عشر صورة و قد عرفت عدم مجال لما قاله رحمه اللّه بل الحق فيها ما قلنا لك.

الصورة الخامسة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الاربع فبنى على الأربع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 241

و سلم ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الأربع.

الصورة السادسة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه إلى الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

الصورة السابعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع.

الصورة الثامنة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين الثلاث و الأربع.

الصورة التاسعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الأربع.

الصورة العشرون:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع.

فما نقول في هذه الصور الستة الأخيرة، هل نقول كما قال بعض: بأن الشّك الأوّل قد زال، و الشك الثانى يكون بعد الفراغ، فلا يجب عليه صلاة الاحتياط، و لا تبطل صلاته؟ أو نقول كما قال بعض الاعاظم ره: من أنّه بعد وقوع السّلام بعد البناء على الأكثر فلا يكون السّلام الجزء الأخير من الصّلاة حتّى يكون الصور مورد إجراء قاعدة الفراغ، و لا يكون مورد شمول الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من ضمّ نقص المحتمل بحسب الشك الثانى موصولة لا مفصولة؟ أو نقول: بأنّه لا بدّ من عمل الشّك اللاحق لا الشاك الزائل، فيعمل في الصورة الأولى من الصور الستة، عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع، و هكذا في سائر الصور؟

[الكلام فى الصور المذكورة]

اعلم أن في كل هذه الصور باعتبار الشّك الزائل و الشك الحادث جامعا باعتبار ايجاب الشّك الزائل و كذا الشّك الحادث لصلاة الاحتياط، و كما قلنا سابقا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 242

شرعت صلاة الاحتياط لأن يجير به النقص المحتمل، و لا تقع الزيادة في الصّلاة، لأنّه إن كان في الصّلاة نقص واقعا فيجبر بصلوة الاحتياط، و إن كانت الصّلاة تامة، فلا تضر هذه الصّلاة بها، بل تقع نافلة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن السّلام الواقع بعد البناء يكون باذن الشارع، من باب حكمه في صورة طروّ أحد الشّكوك بالبناء على الأكثر و اتمام الصّلاة، و جبر النقص المحتمل، فبعد ما سلّم سلاما بنائيا تبدّل شكه في هذه الموارد الستة المذكورة إلى شك اخر.

فنقول: بأن في الصورة التاسعة عشرة و الصورة العشرين أعنى:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فانقلب شكّه بعد الصّلاة بالشّك بين الاثنتين و الأربع، و بين الثلاث و الأربع، فلا اشكال في صحة الصّلاة، و وجوب العمل الشّك اللاحق أى: عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع في اوليهما، و عمل الشّك بين الثلاث و الأربع في ثانيتهما، لأنّ الشّك اللاحق ليس الا الشّك السابق، غاية الأمر الشّك السابق كان ذو اطراف، و طرفيها هما الشّك اللاحق الباقى بعد الصّلاة، فما ذهب من الشّك الأوّل لا أثر له، و ما بقى منه لا بدّ من ترتيب أثره، فمن شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع شاك في أنّه هل صلّى اثنتين أو صلّى ثلاثا أو صلّى رباعا.

فاذا تبدل شكه بعد الصّلاة بالثنتين و الأربع فشكه بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع هو بقاء الشّك الأوّل لا أنّه ذهب شكه السابق المعلق أحد اطرافه بالاثنتين، و أحد اطرافه بالأربع و كان هذا حدوث شك اخر.

و كذلك من شك حال الصّلاة بين الاثنتين و الثلاث و الأربع ثمّ تبدل بعد الصّلاة بالشّك بين الثلاث و الأربع، فالأربع مشكوك عند الشاك، فشكه بين الثلاث و الأربع فعلا، عين شكّه السابق، غاية الأمر في الشّك السابق كان الشاك شاكا فى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 243

الثلاث أيضا و في الأربع و في الحال لم يكن شاكّا إلّا في اربع، فشكه بالنسبة إلى الركعة الرابعة هو عين شكه السابق و بقائه، لا شك حادث بعد الصّلاة، و بعد كون الشك المنقلب إليه في هاتين الصورتين هو الشّك السابق الحادث حال الصّلاة، فيكون الشّك حادثا قبل الفراغ مسلّما، فلا بدّ من ترتيب أثره أى: العمل الّذي أمر الشارع عند

طروّ الشّك أى ركعة، أو ركعتين مفصولة، فلا يترتب في الصورتين أثر على كون الفراغ المورد لقاعدة الفراغ، هو الفراغ بزعم كون السّلام الجزء الأخير لا الجزء البنائى، لأنّ في الصورتين لا إشكال في كون الشّك السابق قبل الفراغ، و على ما بينا يكون الشّك اللاحق بقاء الشّك السابق، فيكون موردا للشك قبل الفراغ الّذي حكمه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، أو ركعتين من قيام مفصولة، فافهم.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إن لكل من الشّكوك الخمسة بخصوصيتها جعل الشارع حكما خاصا غير مربوط بالآخر منها، فكل شك حدث في الأثناء، و بقى إلى الشروع في صلاة الاحتياط كما قلت، أو إلى تمامية صلاة الاحتياط، فيجب عمله، و إن زال لا حكم، و على الفرض الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى شك اخر حادث بعد الفراغ، لأنّ الأوّل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و الثانى الشّك بين الاثنتين و الأربع، أو الشّك بين الثلاث و الأربع، فالشك الأوّل شك مستقل زال، و اللاحق شك اخر حادث، و لا ربط لأحدهما بالآخر، فلا وجه لما قلت من وجوب عمل الشك اللاحق.

قلت: كيف يمكن أن يقال: بأن من يشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع شاك في أنّه صلّى ركعتين أو ثلاث ركعات، أو أربع ركعات، ثمّ تبدل شكه بأنّه هل صلّى ثلاثا أو أربعا إنّه بالنسبة إلى شكه في الركعة الرابعة في شكه اللاحق يكون شكّا اخر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 244

لا بقاء شك الأوّل بالنسبة إلى الرابعة، و لا ينبغى أن يخفى ذلك على من له أدنى ربط بالفضل و العلم فضلا عن الأفاضل،

فإن من يراجع الوجدان السليم، يفهم أن الشاك بالنسبة إلى الثلاث ذهب شكه، و بالنسبة إلى الرابعة شكه باق، و كذلك في ما تبدل بالشك بين الاثنتين و الأربع، و بعد كون الشّك اللاحق هو بقاء الشّك السابق لا شك اخر حادث، فلا إشكال في وجوب عمل الشّك اللاحق، لأنّ هذا الشّك حدث مسلّما قبل الفراغ، و باق بعد الفراغ فلا مجال لأن يقال: إن الشّك الأوّل زال و الثانى حادث بعد الفراغ، كما قال السيّد رحمه اللّه، و لا يجرى ما قاله بعض الأعاظم رحمه اللّه «1» من عدم كون مورد الانقلاب مورد إجراء قاعدة الفراغ، و لا قاعدة الشّك قبل الفراغ أعنى:

البناء على الأكثر في هاتين الصورتين، لما قلنا من حدوث الشّك مسلما قبل الفراغ، و كون هذا الشّك اللاحق بقاء الشّك الأوّل.

و أمّا في ما شك بين الاثنتين و الأربع، أو الثلاث و الأربع، و هى الصورة التاسعة عشرة و الثامنة عشرة فأيضا نقول: بأنّه يجب عمل الشّك اللاحق من صلاة الاحتياط من إتيان ركعتين عن قيام و ركعة عن قيام بناء على ما احتملنا من التخيير بين إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس بعد الركعتين عن قيام في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و إن كان الحكم بذلك في هاتين الصورتين أشكل من الصورتين الأولتين من الصور الستة، لأنّ هذا أيضا بقاء الشّك الأوّل من حيث الشّك في وجود الثلاث و الأربع في الأولى من الصورتين، و بالنسبة إلى الرابعة بالنسبة إلى الصورة الثانية، و لا وجه لأنّ يقال: بإتيان ما احتمل نقصه في الشك اللاحق زائدا على ما احتمله في الشّك السابق موصولة، مثلا يقال في

ما شك

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 245

بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ تبدّل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبالنسبة إلى الثلاث الّذي زاد الشّك اللاحق على السابق يأتي بركعة موصولة بالصّلاة، أو شك بين الثلاث و الأربع و سلّم، و تبدّل شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، بأنّه يأتي بركعتين موصولة، لأنّ الشّك بالنسبة إليهما لا يكون من صغريات الشّك بعد الفراغ، و لا من صغريات الشّك قبل الفراغ، لأنه لا يمكن الالتزام بذلك.

[توضيح المطلب و دفعه]

و نقول لتوضيح المطلب، و ما ينبغى أن يقال في المقام، و دفع هذا التوهم: في الصورتين المذكورتين.

إمّا أن يقال: بأن الشّك بالنسبة إلى الشّك الثانى يكون بعد الفراغ، و الشك الأوّل قد زال، فلا يجب عليه لا عمل الشّك الأوّل و لا الشّك الثانى، لأنّ الأوّل زال و الثانى بعد الفراغ.

و فيه أن في الصورتين لا تجري قاعدة الفراغ، لا لما قاله بعض الاعاظم (آية اللّه العظمى الحائرى)، بل الوجه في عدم جريانها هو أنّ مورد قاعدة الفراغ هو ما إذا وقع الفراغ من الصّلاة بمقتضى وضع تكوينى المصلّى لا التشريعى، فإذا فرغ من الصّلاة بحسب حاله التكوينى فيكون مورد إجراء قاعدة الفراغ.

و أمّا إذا تحقق الفراغ بأمر الشارع فهو خارج عن منصرف إليه أدلة قاعدة الفراغ، ففي صورة تحقق الفراغ بأمر الشارع بالبناء على الأكثر فهو و لو سلّم و لكن لم يتحقّق بهذا السلام ما هو موضوع لقاعدة الفراغ.

فعلى هذا لا مجال لأنّ يقال: بأن الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى حادث بعد الفراغ، مضافا إلى أنّه كما قلنا في الصورتين السابقتين بأن الشّك

بالنسبة إلى مقدار يكون الشّك الثانى موافقا للشك الأوّل، يكون الشّك الثانى بقاء الشّك الأوّل، لأنّ من كان شاكّا بين الاثنتين و الأربع، ثمّ تبدّل شكه بعد السّلام بالشّك بين الاثنتين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 246

و الثلاث و الأربع فشكّه بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع هو بقاء الشّك الأوّل، و هكذا لو شك بين الثلاث و الأربع فشكه اللاحق بالنسبة إلى الشّك بين الثلاث و الأربع بقاء الشك الأوّل، غاية الأمر في الشّك الثانى زاد في شكه طرف اخر، و هو الاثنتين في الصورة الأولى، و الثلاث في الثانية.

و إمّا أن يقال: بأن في الصورتين أمّا بالنسبة إلى المقدار الّذي يكون اللاحق موافقا للشك السابق، فيعمل عمله مفصولة، لأنّ بالنسبة إليه يكون الشّك اللاحق بقاء الشّك الأوّل، و في المقدار الزائد لا يعتنى به، لأنّ الشّك بالنسبة إلى المقدار الزائد يكون بعد الفراغ، ففي الصورة الأولى، و هى ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ تبدل شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع مفصولة، و لا يعتنى بمقدار الزائد، أى: الشّك بين الثلاث و الأربع، لأنّ بالنسبة إلى ذلك يكون الشّك بعد الفراغ، و بالنسبة إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع يكون قبل الفراغ، و هكذا في ما شك بين الثلاث و الأربع و سلم ثمّ، تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فهذا الشّك اللاحق بالنسبة إلى الثلاث و الأربع يكون حكمه عمل الشّك بين الثلاث و الأربع مفصولة، لأنّه بقاء الشّك الأول، و بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع يكون الشّك بعد الفراغ لحدوثه بعد الفراغ.

و فيه أنّه لا يمكن القول

بذلك، لأنّه كما قلنا ليس هنا مورد قاعدة الفراغ، لأنّ مورده ما حصل الفراغ بوضع التكوينى لا بحكم الشارع، فلا مجال لإجراء قاعدة الفراغ، و بعد عدم كون الصورتين مورد قاعدة الفراغ لما عرفت

[في ذكر احتمالات ثلاثة]
اشارة

، فيحتمل في المقام احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

أن يقال، بأنّه يلزم إتيان المحتمل موصولة فيأتى في الصورتين- بعد تبدل الشّك فيهما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- ركعتين موصولة،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 247

لأنّه مع هذا الشّك يحتمل نقص ركعة أو ركعتين من صلاته، فبعد عدم كون مورد هما مورد قاعدة الفراغ، و لا الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من ضم نقص المحتمل موصولة، و تصح الصّلاة.

الاحتمال الثانى:

أن يقال، بأنّه في الصورتين يأتي بما يحتمل نقصه في اللاحق في المقدار الّذي يكون بقاء الشّك الأوّل، مفصولة من جبر النقص بصلوة الاحتياط، و في المقدار الّذي يكون الشّك اللاحق أزيد من السابق، موصولة ففيما شك بين الاثنتين و الأربع و تبدل بالاثنتين و الثلاث و الأربع، يأتي بركعتين من قيام مفصولة، لكون الشّك الثانى بالنسبة إلى احتمال نقص الاثنتين بقاء الشّك الأوّل، و لا إشكال في كون طروّ هذا الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من عمل هذا الشّك و هو إتيان ركعتين من قيام مفصولة، و أمّا بالنسبة إلى المقدار الزائد في الشّك اللاحق و هو الشّك في الثلاث و الأربع فيأتى بركعة واحدة يحتمل الشاك نقصها موصولة، لعدم كون الشّك اللاحق بالنسبة إليه مورد الشّك قبل الفراغ و لا مورد الشّك بعد الفراغ.

و هكذا في ما شك بين الثلاث و الأربع و سلم، ثمّ تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيأتى بركعة مفصولة، لكون الشّك بالنسبة إليه هو بقاء الأوّل الحادث قبل الفراغ، و يأتي بركعتين موصولة، لعدم كون الشّك اللاحق بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع مورد قاعدة الفراغ و لا مورد الشّك قبل الفراغ، فياتى موصولة.

و اعلم أنّه لا يمكن الالتزام لا بالاول و لا بالثانى في الصورتين، أمّا

الأوّل أى القول بإتيان كلّ ما يقتضي الشّك اللاحق موصولة، فلانه مع فرض كون اللاحق بالنسبة إلى المقدار الّذي كان شاكّا في شكه السابق، و هو احتمال نقص ركعتين في الشك بين الاثنتين و الأربع، و احتمال نقص ركعة في الشّك بين الثلاث و الأربع، هو

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 248

بقاء الشّك الأوّل، فكيف يمكن بإتيان ما احتمل النقص في الشّك اللاحق أى: بين الاثنتين و الثلاث و الأربع موصولة، لأنّ بالنسبة إلى ما يكون الشّك اللاحق بقاء الشك الأوّل، يكون الشّك اللاحق قبل الفراغ، و بعد الفراغ يكون بقاء السابق، لا الحادث بعد الفراغ.

الاحتمال الثالث:

أى، إتيان احتمال النقص في الشّك اللاحق بالنسبة إلى ما يكون بقاء الشّك الأوّل مفصولة و إتيان مقدار الزائد موصولة، مثلا إذا تبدّل بين الثلاث و الأربع بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فيأتى ركعتين موصولة باعتبار الشّك بين الاثنتين و الأربع المتجدد بعد السلام، و إتيان ركعة مفصولة باعتبار كون احد أطراف الشّك اللاحق الثلاث و الأربع الّذي هو بقاء الشّك السابق الحادث قبل الفراغ.

ففيه أنّه في ما شك بين الاثنتين و الأربع ثمّ تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فبعد ما قلنا من أنّه يجب إتيان ركعتين عن قيام أولا مفصولة، ثمّ ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام على الكلام فيه، فلا بدّ في ما نحن فيه أن يأتي أولا ركعتين مفصولة لأجل احتمال نقص الركعتين، ثمّ ركعة موصولة، و كيف يمكن ضم الركعة موصولة بالصّلاة مع الفصل بالركعتين المفصولتين (و أمّا لو شك بين الثلاث و الأربع، ثمّ تبدل بعد السّلام بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فأيضا لا يمكن ذلك،

لأنّه لو أتى بركعتين موصولة باعتبار الشّك اللاحق الّذي أحد اطراف بين الاثنتين و الأربع فيقطع بلغوية ركعة اخرى مفصولة لأجل طرفه الآخر، و هو الثلاث و الأربع الّذي يكون بقاء الشّك السابق، لأنّه إن كان ما صلّى هو الركعتان، فهو أتى بركعتين موصولة، و لا حاجة إلى صلاة الاحتياط، و إن كان ما صلّى ثلاثا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 249

فأيضا تكون الركعة المفصولة لغوا، لأنّه قد زاد في صلاته ركعة و بطلت صلاته، لأنّه بعد وقوع السّلام الأوّل في غير محله و غير مبطل، فهو أتى بركعتين آخرتين في صلاته و بعد فرض احتياج الصّلاة بركعة، فهو زاد ركعة في صلاته).

[في انّ الحقّ فى الصورتين عمل الشك اللاحق]

إذا عرفت عدم امكان الالتزام بالوجه الأوّل و الثانى فنقول: بأنّ الحقّ في الصورتين عمل الشّك اللاحق أى: عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع مفصولة، لأنّه كما قلنا ليس موردنا مورد إجراء قاعدة الفراغ، لعدم كون هذا الفراغ و السّلام محقّقا لموضوع قاعدة الفراغ، فيكون الشّك قبل الفراغ، فيكون المورد مثل ما شك، ثمّ تبدل بشك اخر قبل السلام، فلا بدّ من عمل الشّك الثانى في هذا الحال، فيأتى بصلوة الاحتياط ركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس، و تصح الصّلاة. «1»

و أمّا الصورة التاسعة عشرة و الصورة العشرون- و هما ما إذا شك بين الثلاث و الأربع ثمّ تبدل بعد السّلام إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع، و ما إذا شك بين

______________________________

(1)- أقول: و لا بدّ من أن يقال في وجه ما اختاره مد ظله العالى مضافا إلى ما أفاده من عدم كون مورد الصورتين مورد قاعدة الفراغ- بأنّه يكون المورد مورد الشّك قبل الفراغ، و يأتي وجهه

في الصورتين الّتي نتعرض لهما بعدا، و يمكن ان يقال: بكون المورد مورد الشّك قبل الفراغ لعدم ورود ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من عدم كون الشّك في بعض صور الانقلاب لا مورد قاعدة الشك بعد الفراغ، و لا مورد الشّك قبل الفراغ، لأنّ ما قاله في وجه عدم كون الشّك قبل الفراغ من أن مورد أدلة الشّك قبل الفراغ، و البناء على الأكثر هو كل مورد لا يمكن حفظ الصّلاة من الزيادة الا بجبر النقص المحتمل مفصولة، و هو في ما لا يسلّم المصلّى، فهذا الكلام و إن فرض تماميته لا يجرى في الصورتين، لأنّه لو أتى النقص المحتمل في الشّك اللاحق موصولة، لا تكون مأمونة من الزيادة، لاحتمال كون النقص في الصّلاة ركعة أو ركعتين، فلو أتى ثلاث ركعات موصولة ركعتين لأجل احتمال الشّك بين الاثنتين و الأربع و ركعة لأجل كون الشّك بين الثلاث و الأربع أيضا، فلا يمكن إتيان ما احتمل نقصه موصولة، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 250

الاثنتين و الأربع فسلّم، و قبل الشروع في صلاة الاحتياط تبدل شكه إلى الشّك بين الثلاث و الأربع- فقد يقال في الصورتين: بأن الشّك الأوّل قد زال و الشك الثانى حدث بعد الفراغ، فتصح صلاته و لا شي ء عليه، و لكن الحق عدم كون مورد الشكين مورد إجراء قاعدة الفراغ،

[في بيان عدم جريان قاعدة الفراغ باحد النحوين]
اشارة

و بيان عدم جريان قاعدة الفراغ بأحد النحوين:

النحو الأوّل:

ما بينا في وجه عدم إجراء قاعدة الفراغ و يظهر ذلك من عبارة صاحب مصباح الفقيه «1»، و هو أن قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يرى المصلّى بحسب وضعه الطبيعى و التكوينى نفسه فارغا عن الصّلاة و اتيا بالجزء الأخير أى:

السلام باعتقاد كونه الجزء الأخير، لأنّ لسان قوله (كلما مضى من صلاتك و طهورك فامضه كما هو) مثلا هو أن ما مضيت فيه باعتقاد أنك جئت بأجزائه و شرائطه بوصفه المعتبر فيه، ثمّ بعد الفراغ عنه شككت فيه، فامضه كما هو، فمن شرع في الصّلاة مثلا و حال الصّلاة يعتقد أنّه يأتي بأجزائها و شرائطها من التكبير إلى التسليم على وجهها و على نحو صار مطلوبا، و سلّم باعتقاد كونه الجزء الأخير من الصّلاة، و يرى نفسه بأنّه به يفرغ من الصّلاة، فسلّم، ثمّ بعد السّلام حدث له شك في صحة هذه الصّلاة و فسادها من باب الشّك في وجود جزء أو شرط أو ركعة مثلا، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بهذا الشك.

فمورد قاعدة الفراغ ما إذا تحقق الفراغ بحسب وضع تكوينى المصلّى، و بزعم يكون السّلام اخر أجزاء الصّلاة، و بعبارة اخرى كما قلنا عند البحث عن قاعدة الفراغ بأنّه يكون موضوع قاعدة الفراغ نظير الشك، فكما أن في الشّك السارى يكون الشخص قاطعا و معتقدا بشي ء في زمان، ثمّ في الزمان اللاحق يشكّ في ما

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 575.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 251

تيقّن به في الزمان السابق، و يتبدل يقينه بالنسبة إلى المتيقن في نفس الزمان تعلق به اليقين مشكوكا، كذلك في قاعدة الفراغ، فمن يشتغل بفعل مركب كالصّلاة معتقدا حين اشتغاله

به بحسب وضعه التكوينى إتيانه كما ينبغى، و على وجه ينبغى، أتمه، و بعد الفراغ عنه، يشكّ في صحة ما أتى به و فساده، فمقتضى أدلة قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بهذا الشك، فيكون موضوع القاعدة كموضوع الشّك السارى، و امر في خصوص هذا الشّك السارى بعدم الاعتناء بالشك.

فتحصل لك أن مورد قاعدة الفراغ ما إذا أتى المصلّى بحساب وضعه الطبيعى بالصّلاة، و سلّم بزعم كونه جزئها الأخير، ثمّ بعد السّلام يشكّ في صحّتها و فسادها، و أمّا إذا أتى بالجزء الأخير، و سلّم لا بزعم الفراغ، و كونه الجزء الأخير من الصّلاة، بل مع شكه في كون هذا السّلام اخر أجزائها أم لا، سلّم بمقتضى أمر الشارع بالسّلام، كما يكون الأمر كذلك في تمام موارد الشّكوك الآتي أمر الشارع فيها بالسّلام، و جبر النقص المحتمل مفصولة، فلا يكون السّلام الواقع من المصلّى باعتقاد أنّه الجزء الأخير، فلا يشمل هذا المورد دليل قاعدة الفراغ.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن في الصورتين المذكورتين لا مجال لدعوى اجراء قاعدة الفراغ، لأنّ الفراغ فيهما لم يتحقّق بزعم كونه فارغا عن الصّلاة، لأنّ الشاك بين الاثنتين و الأربع و بين الثلاث و الأربع لم يسلّم بعنوان كون هذا السّلام هو الجزء الأخير من الصّلاة، و بزعم أن به يفرغ من الصّلاة، بل السّلام وقع منه من باب أمر الشارع بأن يسلم في هذا الحال، و يعمل عمل الشّك بعد الصّلاة، فالمصلّى مع شكه في أن هذا السّلام الجزء الأخير، و أن به يفرغ من الصّلاة أم لا، يسلّم مع ذلك لأمر الشارع به، فبهذا السّلام لا يتحقق موضوع قاعدة الفراغ كما قلنا سابقا عند الكلام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 252

في

الصورة السابعة عشرة و الثانية عشرة.

و قد ظهر لك ممّا بينا في وجه عدم شمول أدلة قاعدة الفراغ لما نحن فيه إنّا نقول: بعدم جريان القاعدة من باب كون الفراغ في ما نحن فيه لا بزعم الفراغ و بتخيل كون السّلام الجزء الأخير، بل من باب أمر الشارع بأن يسلّم في هذا الحال مع كون المصلّى شاكّا في كون هذا السّلام الجزء الأخير أم لا، لا من باب تخيله بقاء الشك الّذي طرأه قبل هذا السلام.

النحو الثانى:

ما يظهر من كلام آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في صلاته «1» و قد ذكرنا كلامه سابقا، و هو أن قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يكون وقوع السّلام من المصلّى من باب تخيله كون هذا السّلام هو السّلام الواقعى لا السلام البنائى، فإذا سلم بتخيل كون هذا السّلام هو الجزء الأخير من الصّلاة واقعا لا بناء يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ، و كل شك حدث بعده يكون الشّك بعد الفراغ، و أمّا لو سلم من باب البناء على الأكثر من باب طروّ الشّك له، و سلّم بتخيل بقاء هذا الشك، فليس مورد قاعدة الفراغ فبناء على هذا لا مجال لجريان قاعدة الفراغ في الصورتين، لكون وقوع السّلام بتخيل بقاء الشك، و حيث لم تبق الشّك و زال، فلا يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ.

و الفرق بين ما قلنا في وجه عدم اجراء قاعدة الفراغ في الصورتين و بين ما قاله بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) هو أنّه على ما قلنا لا تجرى قاعدة الفراغ لكون الفراغ لا من باب اعتقاد الفراغ بحسب وضع التكوينى، بل من باب امر الشارع بأن يسلّم فعلا، فلو انقلب بعد الفراغ شكه أو ارتفع

شكه فأيضا لا مجال

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 253

لجريان قاعدة الفراغ لعدم وقوع السّلام بزعم كونه الجزء الأخير و واقعا بعد ساير أجزاء الصّلاة بحسب وضعه التكوينى، بل السّلام وقع من باب أمر الشارع مع كونه شاكا في أنّه هل هو الجزء الأخير من الصّلاة أم لا.

و أمّا على ما اختاره بعض الاعاظم رحمه اللّه في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ، فلا بد أن يقال في وجه اخراج المورد عن موضوع قاعدة الفراغ: بأن الشاك حيث تخيل بقاء الشّك و سلّم، ثمّ صار هذا التخيل خلاف الواقع، لأنّ شكه زال و تبدل بشك اخر، فلا يكون هذا السّلام محقّق موضوع قاعدة الفراغ، فهو يقول بعدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ من باب عدم بقاء ما تخيله من بقاء الشك، فعلى مبناه لو بقى هذا الشك فيكون السّلام الواقع بناء محقّق موضوع قاعدة الفراغ، و أمّا على مختارنا، فلو فرض بقاء الشّك لا يكون هذا السّلام محقّق موضوع قاعدة الفراغ، لأنا قلنا بأن وجه عدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ هو كون السّلام من باب البناء على الأكثر و أمر الشارع بالسلام، سواء بقى هذا الشّك أو زال، و سواء تبدل بشك اخر أو لا.

[الحقّ ما اخترنا في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ]

إذا عرفت الفرق بين الوجهين نقول: بأنّ الحق هو الوجه الأوّل أعنى: ما اخترنا في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ في صورة وقوع السّلام في حال الشّك في كونه الجزء الأخير من الصّلاة.

أمّا أولا: فلأن أدلة قاعدة الفراغ لا تشمل كل مورد وقع السّلام بأمر الشارع من باب البناء على الأكثر، مع كون المكلف شاكّا في كون هذا السّلام هو الجزء الاخير،

سواء بقى هذا الشك الّذي أمر معه الشارع بأن يسلّم الشاك، و يجبر النقص المحتمل مفصولة، أو لا يبقى هذا الشك، فلا يكون عدم شمول القاعدة لهذا المورد مبنيّا على زوال الشك، بل و لو لم يزل الشّك لا يكون المورد مورد قاعدة الفراغ، فلا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 254

يتفرع عدم شمول قاعدة الفراغ للمورد على ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من أن حيث وقع بتخيل بقاء الشك، و بعد السّلام انكشف له عدم كون السّلام في محله، لانكشاف عدم بقاء شكه لزواله و تبدله بشك اخر.

أمّا ثانيا: فلأن الالتزام بأن السّلام يقع مراعى، فاذا بقى الشّك و استمر إلى الشروع في صلاة الاحتياط أو إلى الفراغ من صلاة الاحتياط (على الكلام في ذلك) ينكشف كون هذا السّلام هو السّلام الّذي محقّق لقاعدة الفراغ، و أمّا لو سلم و زال الشك، فلا يكون هذا السّلام موضوع قاعدة الفراغ، مشكل، فافهم.

إذا عرفت ممّا مرّ أن في هاتين الصورتين لا تجرى قاعدة الفراغ و لا تكون موردها، فما نقول في المقام؟ هل نقول: بأنّه يأتي بما يحتمل نقصه من الصّلاة موصولة، مثلا في ما تبدل الشّك بين الاثنتين و الأربع إلى الشّك بين الثلاث و الأربع يأتي بركعة بعد السّلام موصولة، و فيما تبدل الشّك بين الثلاث و الأربع إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع يأتي بركعتين موصولة، و تصح الصّلاة باتيان ما احتمل موصولة، أو نقول:

بأن هذا الشّك الثانى حادث قبل الفراغ، لعدم تحقق موضوع قاعدة الفراغ بهذا السلام الواقع منه، فحكمه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، ففي ما انقلب الشّك بين الاثنتين و الأربع إلى الشّك بين الثلاث و الأربع

يأتي بركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس مفصولة، و فيما تبدل الشّك بين الثلاث و الأربع إلى الشّك بين الاثنتين و الاربع يأتي بركعتين عن قيام مفصولة.

الحقّ الثانى لأنّه بعد كون السّلام بامر الشارع من باب الشّك الطارئ له فلم يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ، فلم يفرغ عن الصّلاة بعد، فشكه وقع قبل الفراغ، فلا بد من عمل الشّك اللاحق من البناء على الأكثر و عمل الشّك بعد الصّلاة، و لا وجه لأن يقال: بأن مورد الشّك قبل الفراغ هو ما إذا سلّم بعد الشّك لأنّ في ادلته

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 255

أمر بالبناء على الأكثر، ثمّ السلام، ثمّ عمل الشّك مفصولة، و في المقام بعد ما سلّم شك على الفرض فليس مورد ادلته.

لأنّا نقول: بأنّه لا دخل لهذه الخصوصية أي: وقوع السّلام بعد الشّك و بناء النقص المحتمل مفصولة. «1»

______________________________

(1)- أقول: و لكن يشكل جبر النقص المحتمل في الصورتين مفصولة كما قال سيدنا المعظم مد ظله العالى، لما قاله بعض الاعاظم؛: من أن مورد الشّك قبل الفراغ، اى مورد ادلّه الشّكوك حكمها البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، هو ما إذا كان جبر النقص موصولة موجبا للزيادة في الصّلاة على فرض عدم نقص فيها واقعا، فلا بدّ حفظا لوقوع الزيادة في كما علمه المعصوم عليه السّلام من جبر النقص المحتمل مفصولة حتّى تكون الصّلاة المفصولة جابرة للنقص على فرض النقص و لم تكن زيادة فيها على فرض عدم نقص فيها، و أمّا إذا لا يصير اتصال النقص المحتمل في الصّلاة موصولة موجبا للزيادة فيها على فرض تمامية الصّلاة فليس موردا للشك قبل الفراغ، و في الصورتين يكون كذلك، لأنّه بعد انقلاب

الشّك بعد السّلام لو أتى المصلّى بما احتمل نقصه من الصّلاة، من ركعة أو ركعتين موصولة فلا يوجب زيادة في الصّلاة لأنّ واقعا إن كانت ناقصة بركعة أو ركعتين فالسلام وقع في غير محله و يتم نقصها بركعة او ركعتين موصولة، و إن لم تكن ناقصة واقعا فحيث إنّه سلّم بعد تمامية الصّلاة بركعاتها فلا يوجب إتيان ركعة أو ركعتين زيادة في الصّلاة، لأنّ بالسلام فرغ عن الصّلاة و تحقق الانصراف إلا ان يكون نظر سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى، إمّا إلى أن المستفاد من أدلة قبل الفراغ هو أنّه ما لم يقع السّلام بعنوان اخر الأجزاء بوضع التكوينى و حالة طبيعى المصلّى، فيكون هو في الصّلاة، و بعد كونه في الصّلاة فيشمله أدلة الشّك قبل الفراغ، لأنّ مفادها أنك إذا شككت في الأخيرتين فابن على الأكثر، غاية الأمر إذا كان بعد الفراغ، لا يعتنى بالشّك بمقتضى قاعدة الفراغ و على الفرض لم يكن موردنا مورد إجراء قاعدة الفراغ، أو أن يقال: بأنّه و إن كان مورد أدلة الشّك قبل الفراغ ما إذا كان الشاك بعد البناء على الأكثر مأمورا بالسلام، لأنّ مفادها أنّه سلّم، ثمّ تأتى بركعة أو ركعتين. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 256

صور انقلاب الشّكوك المنصوصة بعضها إلى بعض اخر

4 و 5

إلى 2 و 3 يعلم الشكاك بوقوع السّلام في غير محله فيعمل عمل 2 و 3 و 5 اشكال.

و إلى 3 و 4 و إلى 2 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 تجري قاعدة الفراغ لوقوع في محله يقينا.

2 و 3 و 4

إلى 2 و 3 يعمل عمل الشاك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 2

و 4

و إلى 3 و 4 محل الكلام من حيث كونها مورد جريان قاعدة الفراغ و عدمه

و إلى 4 و 5 يعلم بعدم نقص في صلاته و احتمال الزيادة لا يضرّ و في وجوب سجدتى السهو و عدمه كلامه و لكن لا يجب على التحقيق لحدوث هذا الشك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 257

بعد الفراغ

3 و 4

و إلى 2 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 محل الكلام من حيث اجراء قاعدة الفراغ و عدمه فيها

و إلى 2 و 3 يعمل عمل الشّك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 4 و 5 تصح الصّلاة لعلمه بعدم نقص في الصّلاة و احتمال الزيادة لا يضرّ و لا تحب سجدتى السهو على الاقوى.

2 و 3

إلى 2 و 4

و إلى 3 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 (بحسب حاله الأوّل في كلها).

فهذا الشاك في الصورة الاولى بحسب حاله الفعلى شاك بين 3 و 5 لأنّه ان أتى ركعتين فعلى الفرض لم يأت بعد البناء إلا ركعة فصلاته ناقصة بركعة و إن كان ما أتى اربع ركعات فحيث إنّه أتى بعد بنائه السابق ركعة فقد زاد ركعة فى صلاته فتبطل صلاته لعلم الإجمالي بالنقص او الزيادة و في الصورة الثانية يكون بحسب حاله الفعلى شاكّا بين الاربع و الخمس فتصح الصّلاة لعدم احتماله النقص و الزيادة محتملة و في الصورة الثالثة اعنى ما إذا انقلب الشّك بين 2 و 3 بالشّك بين 2 و 3 و 4 فهو بحسب حاله الفعلى شاك بين 3 و 4 و 5 وجهان في هذه المورد

تبيان الصلاة،

ج 8، ص: 258

و إلى 4 و 5 فتبطل لعلمه زاد فى صلاته ركعة مسلما لأنّه إن كان ما أتى به اربع فحيث إنّه أتى ركعة بعد شك الأوّل فقد زاد ركعة.

2 و 4

و إلى 3 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 محل الكلام من حيث اجراء قاعدة الفراغ و عدمه

و إلى 2 و 3 يعمل عمل الشّك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 4 و 5 تصح الصّلاة و لا شي ء عليه لعلم بعدم نقص في صلاته و احتمال الزيادة لا يضرّ و لا تجب سجدتى السهو على الأقوى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 259

المقصد العاشر في سجدتى السهو

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 261

في سجدتى السهو

[لا خلاف في وجوب سجدتي السهو فى الجملة]

لا خلاف في وجوب سجدتى السهو في الجملة بين العامة و الخاصة و لا اشكال في تشريعها من صدر الاول، و لا اشكال في ان موجب وجوبها يحصل في الصّلاة لا في غيرها، و لهذا يحمل كل رواية أمر فيها بها بانّها واجبة بالصّلاة لا بغير الصّلاة، فقوله عليه السّلام في رواية سفيان بن السمط (تسجد سجدتى السهو في كل زيادة تدخل عليك او نقصان يحمل على وقوع النقص او الزيادة في الصّلاة) كما فهم سفيان بن السمط هذا أيضا.

و امّا ما قاله العامة من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سجد سجدتى السهو فهو كلام في غير محله كما تحقق في محلّه، و بعض الروايات الواردة في طريقنا ممّا يدلّ على ذلك محمول على التقية لكونها موافقا لهم، و الرواية الّتي رواها زرارة «1» يدلّ (انه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يسجد سجدتي السهو قط و لا فقيه) و المراد من الفقيه الائمة عليه السّلام، فلا مجال لهذه النسبة به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اذا عرفت ذلك نقول:

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 3 من ابواب الخلل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 262

[اقوال العامّة في الشكّ فى الركعات تكون ثلاثة]

اشارة

و اعلم ان العامة اوجبوا سجدتى السهو فى السهو المقارن للشك الحاصل في الركعات و تفصيله ان اقوالهم في الشّك في الركعات تكون ثلاثة:

القول الاوّل:

البناء على الاقل في ما اذا شك المصلّى في عدد الركعات مطلقا سواء كان يعرضه شك واحد او اكثر، ففي كلها يبنى على الاقل و يسجد سجدتي السهو.

القول الثاني:

البناء على الاقل اذا شك في عدد الركعات في المرة الاولى، و اذا شك ثانيا يتحرى، فان حصل له الظن فيبنى عليه و الّا يبنى على الاقل و يسجد سجدتي السهو على كل حال.

القول الثالث:

عدم الاعتناء بالشّك مطلقا في المرة الاولى و ما بعدها، و لازم هذا القول هو البناء على الاكثر و يسجد سجدتي السهو، و بهما يتلافى النقص، فترى انهم و ان اختلفوا في حكم الشّك في الركعات و لكن متفقون على وجوب سجدتي السهو في الشّك في الركعات مطلقا.

هذا بالنسبة الى السهو المقارن للشك فانهم اوجبوا فيه سجدتى السهو اذا كان الشّك في عدد الركعات.

و امّا فتواهم فى السهو المقارن للجهل المركب بالنسبة الى وجوب سجدتى السهو و عدمه، فانهم يقسمون افعال الصّلاة بثلاثة: فرض و سنة و رغائب.

ففي الاول، لا يجب سجدتي السهو بل اما يأتي به او يبطل الصّلاة.

ففي الثاني، و هو ما يكون اهمية في استحبابهم يجب.

ففي الثالث، و هو بعض المستحبات الغير المهمة لا يجب سجدتى السهو.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 263

[حمل الاخبار الواردة في طرقنا على التقيّة]

فقد تحقّق لك ان العامة في أي مورد تجبون سجدتي السهو، و من هنا يظهر لك ان بعض الروايات الواردة في طرقنا صدرت تقية مثل الرواية الدالة على انّه (لو شك بين النقص و الزيادة تجب سجدتي السهو) «1» الّتي رواها سماعة، و مثل الرواية التي رواها «2»، و مثل الرواية الّتي رواها سهل بن اليسع. «3»

و قوله أم نقصت أم زدت في الرواية الّتي رواها عبيد اللّه بن الحلبي. «4»

بناء على حمل الروايات على الشّك في انّه هل نقص أم لم ينقص او هل زاد أم لم يزد، لا على العلم الاجمالى بانّه نقص او زاد، لانّ كلام العامة في وجوب سجدتي السهو في الشّك لا على العلم الاجمالى بين النقص و الزيادة.

و مثل الرواية الّتي رواها على بن يقطين «5» بان هذه الروايات الدالة على وجوب سجدتي السهو

يجمل على التقية لكونها موافقة مع قول العامة، كما عرفت من وجوبهم سجدتي السهو في الشّك في الركعات).

و يأتي الكلام فى هذه الاخبار بعد ذلك عند التعرض لخصوصيات المسألة إن شاء اللّه.

و امّا حال سجدتى السهو عندنا فلا تجبان في السهو المقارن للشك بلا خلاف إلا في مورد واحد، و هو في الشّك بين الأربع و الخمس، و أوجبوهما عند السهو

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 264

المقارن للجهل المركب في موارد

[في ذكر موجبات سجدتي السهو]

اشارة

فنقول موجبات سجدتى السهو امور:

الأوّل:

كما قلنا في الشّك بين الأربع و الخمس كما هو المشهور.

الثانى:

في نسيان التشهّد الأوّل كما هو المشهور أيضا.

الثالث:

في نسيان سجدة واحدة على ما هو المشهور أيضا.

الرابع:

في التكلم ناسيا كما هو المشهور أيضا.

الخامس:

السّلام في غير محله.

السادس:

في القيام في موضع القعود و بالعكس و هو محل الخلاف.

السابع:

في القراءة موضع التسبيح و بالعكس.

الثامن:

في كل زيادة و نقيصة، و لا شهرة على هذه الأخيرة و إن كان قائل بوجوبها، أو بالاحتياط فيهما.

[في بعض الخصوصيات الراجعة الى السجدتي السهو]

اشارة

هذا كله في موجبات سجود السهو عند العامة و الخاصة، و أمّا في كيفيتهما فلا خلاف بين العامة و الخاصة في كون المعتبر سجدتين، و لكن خلاف في خصوصياتهما الاخرى.

أحدها:

في اعتبار التشهّد و السلام فيهما و عدمه فالعامّة بعضهم يقولون بعدم تشهد و سلام فيها، و بعضهم بأن لها التشهّد لا السلام، و بعضهم بالعكس، و بعضهم بأنه إن شاء تشهد و سلم، و إن شاء لا، و بعضهم بأنّه إن سجد قبل السّلام لم يتشهد، و إن سجد بعد السّلام يتشهد.

و من مراجعة أقوالهم في هذا الباب ربما يستفاد أن قوله عليه السّلام في بعض الروايات (يتشهد تشهدا خفيفا) يكون نظره عليه السّلام إلى أنّه لا تطل التشهّد حتّى يصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 265

للفساد، لأنهم يفهمون أنك تشهدت، و الحال أن بعضهم مخالف لذلك، كما أنّه لا يبعد كون الرواية «1» الدالة على عدم تشهد فيها، صادرة على وجه التقية لأنّ بعضهم لا يقولون بالتشهد و أمّا ما هو الحق عندنا فيأتى الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الثانية:

يظهر من العامة وجوب تكبيرة الاحرام قبلهما، و ليس في طرقنا ما يدل على ذلك و لا وجه لاعتبارها فيهما لانها افتتاح الصّلاة، فلا وجه لاعتبارها فيهما.

الثالثة:

يظهر من بعض العامة أن فيهما أربع تكبيرات عند الخفض إلى السجدة الأولى و الرفع عنها، و الخفض إلى الثانية و الرفع عنها، و ليس في طرقنا ما يدل على ذلك.

الرابعة:

لا يرد ذكر في كلمات العامة عن الذكر فيهما و لكن في طرقنا ورد ما يدلّ عليه، و يأتي إن شاء اللّه هذا كله يكون بعض جهات راجعة إلى السجدة السهو نتعرض لها إن شاء اللّه.

فالكلام في سجدتى السهو يقع في جهتين الجهة الأولى في موجباتهما، و الجهة الثانية في كيفيتهما.

أمّا الكلام في الجهة الأولى فموجباتهما على ما قيل أو ينبغى أن يقال امور و لكن قبل التعرض لما هو المختار في هذه الموارد نذكر الأخبار المربوطة بموجبات سجدتى السهو، ثمّ المختار فى كل مورد فنقول بعونه تعالى: بأن الأخبار المربوطة بالباب بعضها تعرضت لوجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للجهل المركب،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 266

و بعبارة اخرى تعرضت لوجوبهما في وجود ما يلزم عدم وجوده، أو عدم ما يلزم وجوده، و بعضها لوجوبهما في ما إذا طرأ للمصلّى السهو المقارن للجهل البسيط أعنى: الشك، و في هذا القسم تعرض بعضها لما يكون أحد طرفى الشّك أقوى من طرفه الآخر، و بعبارة اخرى يكون أحد طرفيه الظن و الاخر الوهم، و بعضها تعرض لوجوبها في الشّك المساوى طرفاه.

[في ذكر الاخبار المربوطة بالقسم الاوّل]

اشارة

أمّا الروايات المربوطة بالقسم الأوّل أى: وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للجهل المركب، فكما قلنا سابقا ورد في موارد:

المورد الأوّل:
اشارة

وجوبهما للتكلم الصادر سهوا، و يدل عليه روايات:

[الرواية] الأولى:

ما رواها ابن ابى يعفور (الواردة في الشّك بين الاثنتين و الأربع، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فيها: و إن تكلم فليسجد سجدتى السهو). «1»

[الرواية] الثانية:

ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (و فيها قال: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر قبل أن يقدّم شيئا، أو يحدث شيئا، فقال: ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلم بشي ء). «2»

[الرواية] الثالثة:

ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصّلاة (يقول: أقيموا صفوفكم) قال: يتم صلاته، ثمّ يسجد سجدتين). «3»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 23 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 267

[الرواية] الرابعة:

ما رواها سعيد الأعرج (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الخ و فيها قال: و سجد سجدتين لمكان الكلام) «1». «2»

فهذه روايات أربعة دالة على وجوب سجدة السهو للتكلم ناسيا في الصّلاة، و لا بدّ من حمل الأخيرة منها على التقية.

و هنا بعض الروايات يستدل به على عدم وجوبهما للتكلم ناسيا.

منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته تكلم او لا يتكلم، و لا شي ء عليه). «3»

و منها ما رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلم و هو يرى أنّه قد أتم الصّلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصل غير ركعتين؟

فقال: يتم ما بقى من صلاته و لا شي ء عليه). «4»

و يمكن حمل الروايتين على عدم وجوب إعادة الصّلاة على المصلّى، فقوله عليه السّلام فيهما (لا شي ء عليه) من حيث الاعادة و اتيان الصّلاة، و هذا لا ينافي وجوب شي ء اخر عليه و هو سجدتى السهو.

و اعلم أن وجوب السجدة في: التكلم ناسيا يكون مورد وفاق الاصحاب تقريبا.

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- و اعلم أن هذه الرواية من جملة

الروايات الّتي ذكر فيها سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هذه الروايات على خلاف اصول المذهب، و غير معمول بها لصدورها تقية كما قلنا سابقا، فلا يعتني بها. (المقرر)

(3)- الرواية 5 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 268

و هنا روايتان آخران دالّتان على أن من تكلم ناسيا كبّر تكبيرات، و هما رواية عقبة بن خالد «1» و مرسلة الصدوق «2»، و هما لا تدلان على عدم وجوب سجدتي السهو، بل غاية ما تدلان عليه أن من تكلم ناسيا في الصّلاة يكبر تكبيرات، و لازم ذلك وجوبهما عليه أيضا لو لم تكن الروايتان ممّا أعرض عنهما الاصحاب.

المورد الثاني:
اشارة

وجوبهما لمن نسي التشهّد الأوّل حتّى دخل في الركوع، و هذا لحكم ممّا لا يكون مخالف له بين الأصحاب و يدلّ عليه روايات:

[الرواية] الاولى:

الرواية 3 من الباب 7 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] الثانية:

الرواية 4 من الباب المذكور،

[الرواية] الثالثة:

الرواية 5 من الباب المذكور،

[الرواية] الرابعة:

الرواية 6 من الباب المذكور، بناء على حملها على التذكر بعد الركوع من الثالثة،

[الرواية] الخامسة:

الرواية 1 من الباب 8 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] السادسة:

الرواية 1 من الباب 9 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] السابعة:

الرواية 3 من الباب المذكور،

[الرواية] الثامنة:

الرواية 2 من الباب 26 من أبواب الخلل من الوسائل،

و هذا الحكم ممّا قامت الشهرة عليه، كما يظهر للمراجع إلى كلمات الاصحاب.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 269

المورد الثالث [لوجوب سجدتى السهو]

: وجوب سجدتى السهو لمن ترك سجدة واحدة نسيانا، و دليل هذا الحكم ليس إلا الشهرة، و هى تكفى لنا لأنّ كون الحكم مشهورا عند القدماء رحمه اللّه دليل على وقوفهم على نص يدلّ على الحكم لم يصل إلينا،

و لا وجه للتمسك لهذا الحكم بما رواه سفيان بن السمط بتوهّم أنّ في ذيلها قال: و من ترك سجدة فقد نقص، لأنّ هذه الزيادة ليست جزء الرواية، بل كلام الشيخ، و اشتبه الأمر على صاحب الوافى، و صاحب ترتيب التهذيب حيث جعلها جزء الرواية، لأنّ الشيخ رحمه اللّه في مقام ذكر وجه لما قال في المقنعة من وجوب سجدتى السهو لنسيان سجدة واحدة قال فى التهذيب، و هو الشرح على المقنعة في صفحة 179 المطبوع: (فأمّا الّذي يدلّ على وجوب سجدتى السهو على من ترك سجدة لم يذكرها الا بعد الركوع حسب ما ذكره رحمه اللّه ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سجدة السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان، و من ترك سجدة فقد نقص الخ).

فيظهر لمن له أدنى بصيرة بأن جملة (و من ترك سجدة فقد نقص) كلام الشيخ رحمه اللّه إذ هو في مقام ذكر الدليل لكلام المقنعة من وجوبهما لنسيان سجدة واحدة،

ذكر رواية سفيان الدالة بإطلاقها على المورد، و لهذا قال الشيخ رحمه اللّه (و من ترك سجدة فقد نقص) فهذا استفادته من الرواية، لا أنّه جزء الرواية، و الشاهد على ذلك أنّه رحمه اللّه ذكر الرواية في الاستبصار بدون هذه الضميمة، و توجه صاحب الوسائل بعدم كونها جزء الرواية، و لهذا لم ينقل- حين نقل رواية سفيان بن السمط في الباب 32 من أبواب الخلل- هذه الزيادة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 270

و لا بالرواية الّتي رواها معلى بن خيس «1»، لأنّ الظاهر منها كون المنسى السجدتين معا لا السجدة الواحدة، و لهذا لو تذكر نسيانهما بعد الركوع امر بإعادة الصّلاة. و لا بالرواية 7 من الباب المذكور.

فلمّا قلنا لم يصل بأيدينا رواية تدلّ على هذا الحكم و تكفى الشهرة.

و في قبال هذه الشهرة بعض الروايات ربما يستدل أو يتوهم دلالته على عدم وجوب سجدتى السهو في نسيان سجدة واحدة، مثل الرواية الّتي رواها عمّار و الرواية مفصلة نذكرها بعد ذلك بتمامها. «2»

و مثل ما رواها أبو بصير (قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلواته، فاذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو). «3»

المورد الرابع: [لوجوب سجدتى السهو]

من الموارد الّتي تجب سجدتي السهو للسهو المصطلح في السلام الواقع في غير محله نسيانا، و هذا الحكم مشهور عند الفقهاء رحمه اللّه.

و أمّا ما يدلّ عليه من الأخبار فهي الرواية الدالة على سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لكن تعالى شانه الشريف عنه «4»، فلا يمكن التعويل على أمثال هذه الروايات.

و الرواية الّتي هى فقرة من فقرات رواية عمار

نذكرها بتمامها ان شاء اللّه، فيها (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- عن رجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظن أنها أربع، فلما سلّم

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 14 من أبواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 26 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من أبواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 11 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 271

ذكر أنّها ثلاث، قال: يبنى على صلاته متى ما ذكر، و يصلّى ركعة، و يتشهد، و يسلم، و يسجد سجدتى السهو، و قد جازت صلاته). «1»

و ما رواها العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى ركعة من صلاته حتى فرغ منه، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: يقوم، فيركع، و يسجد سجدتين «2». «3»

و هل وجوب سجدة السهو في السّلام في غير محله يكون من باب خصوصية في زيادة السلام، أو يكون ذلك من باب كون السّلام في غير محله نسيانا موجبا لهما من باب كونه من أفراد الكلام الصادر نسيانا، فهو بحث اخر.

المورد الخامس [لوجوب سجدتى السهو]
اشارة

من الموارد الّتي قيل فيه بوجوبهما في السهو المقارن للجهل المركب، هو وجوبهما للقيام في موضع القعود و بالعكس، و في وجوبهما فيهما خلاف بين الأصحاب، و يدلّ على هذا الحكم روايتان.

[في ذكر الروايات المربوطة بهذا المورد]
الاولى:

ما رواها الكلينى عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن عمار (قال: سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام؟ قال: يسجد سجدتين بعد التسليم و هما المرغمتان ترغمان الشيطان). «4»

الثانية:

ما رواها عمار بن موسى الساباطى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 11 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل كون وجوب السجدة في الرواية الثانية و الثالثة من باب نفس الشّك كما يكون كذلك في الشّك بين الأربع و الخمس، و لا ظهور لهما في كون وجودهما مسببا عن زيادة السلام، و على هذا تكونان غير معمول بهما. (المقرّر).

(4)- الرواية 1 من الباب 32 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 272

السهو أ يجب فيه سجدتا السهو فقال إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرات، فعليك سجدتا السهو). «1»

و تمام الرواية نذكرها إن شاء اللّه عند التعرض للمورد السادس، و هو ما إذا قرء سهوا في موضع التسبيح أو بالعكس.

[في ذكر كلام مفتاح الكرامة]

اعلم أن المحكي عن بعض القدماء (على ما في مفتاح الكرامة) مثل علم الهدى رحمه اللّه في الجمل و به قال في الغنية ابن زهرة و به قال في السرائر ابن ادريس رحمه اللّه، و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: إنهما تجبان لنسيان السجدة و التشهد، و للشك بين الأربع و الخمس، و للسلام ناسيا في غير موضعه، و للتكلم ناسيا، و قال: بأن في أصحابنا من قال: إن من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه، كان عليه سجدتا السهو، و كذا نقل انهما تجبان للكل زيادة و نقصية

و حيث إن الشيخ رحمه اللّه نقل أن في أصحابنا من قال بوجوبهما للقيام في موضع القعود و

بالعكس لو تلافاه، فإن كانت الروايتان المتقدمتان مقيدتين بصورة التلافى، فتعارضهما الرواية الّتي رواها سماعة (قال: من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدر أ زاد أم نقص منها). «2»

كما أن المحقّق ردّ في المعتبر وجوبهما فى القيام موضع القعود و بالعكس بهذه الرواية، لأنّه لو قام في موضع القعود و بالعكس ثمّ تلافاه فاذا قام في موضع القعود مثلا ثمّ جلس فلا بجب عليه سجدتا السهو بمقتضى رواية سماعة، لأنّه حفظ سهوه و

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 32 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 23 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 273

لهذا نقل في مفتاح الكرامة أن استاده (اى بحر العلوم رحمه اللّه أو البهبهانى رحمه اللّه) صار بصدد الجمع بين الروايتين بأنّه يحمل ما دل على وجوبهما في القيام موضع العقود أو العكس على ما إذا وقع القيام في موضع القعود أو عكسه ساهيا لا عامدا مثل ما إذا سها التشهد أو السجود، فبزعم إتيانهما قام عمدا.

و اعلم ان هذا موجب لحمل الروايتين على موردنا در و هو الخصوص ما إذا وقع القيام موضع القعود أو العكس سهوا و عن غفلة، لا بزعم كونهما في محلهما من باب سهوه و تخيله اتيان السجدة أو التشهّد و الحال أنّه لم يأت بها، (و يأتي بعد ذلك الكلام في رواية سماعة ان شاء اللّه عند التعرض لمسألة وجوبهما لما إذا لم يدر أزاد أم نقص) و على كل هل تجب سجدتى السهو في هذا المورد أم لا؟

اعلم أن الظاهر من الروايتين المتقدمين و إن كان وجوبهما فى القيام موضع العقود و بالعكس

مع الإشكال في الرواية الثانية من حيث ما في فقرتها الاخرى من وجوبهما في ما قام فى موضع العقود إذا تكلم، و من حيث كون بعض فقراتها ممّا لا يعمل بها، و يأتي تمام الخبر إن شاء اللّه في المورد السادس من الموارد الّتي تدلّ بعض الروايات على وجوب سجدتى السهو فيه، إلا أنّه يستفاد من بعض الروايات عدم وجوبهما في هذا الموضع، و هو بعض الأخبار الواردة في نسيان التشهّد الأوّل و تذكره قبل الدخول في ركوع الثالثة نذكرها ان شاء اللّه في المورد السابع، و هو المورد الّذي يقع الكلام في وجوبهما و عدمه لكل زيادة و نقيصة، فلا بدّ من حمل الروايتين على الاستحباب.

[في القيام في موضع القعود يمكن وقوعه في مواضع اربع]
اشارة

ثمّ اعلم بان القيام في موضع القعود في الصّلاة يمكن وقوعه في مواضع اربع:

الموضع الاول:

القيام في موضع القعود للتشهد الأوّل نسيانا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 274

الموضع الثاني:

القيام في موضع القعود للتشهد الثاني نسيانا، و هل القعود في الموضعين واجب مستقل في مقابل التشهد، او يكون شرطا للشهد، يظهر من العامة ان القعود واجب مستقل بعد الركعة الثانية و الرابعة، و لهذا يوجبونه حتّى من لم يجب منهم، و امّا عندنا فالجلوس شرط في التشهد.

الموضع الثالث:

القيام في موضع الجلوس الواجب بين السجدتين من كل ركعة نسيانا، فان الجلوس واجب خلافا لابى حنيفة و نسيان هذا الجلوس و القيام موضعه نادر، لانه يتفق نسيان الجلوس بان يرفع المصلّى رأسه من السجدة الاولى و بدون تحقّق جلوس ما يهوى الى السجدة الثانية و لكن القيام في هذا الموضع نسيانا نادر.

الموضع الرابع:

القيام نسيانا موضع الجلوس بعد السجدة الثانية من الركعة الاولى و الثالثة المسمّى بالجلسة الاستراحة، و وجوب الجلسة الاستراحة محل خلاف عندنا و عند العامة، فهذه أربعة مواضع يمكن ان ينسى المصلّى فيقوم المصلّى في موضع الجلوس.

و هل وجوب سجدتى السهو في القيام موضع القعود و القعود موضع القيام على تقدير وجوبهما يكون من باب وقوع النقص في الصّلاة او من باب وقوع الزيادة فيها، فمن قام في موضع القعود يجب عليه سجدتي السهو من باب وقوع نقص في الصّلاة لاجل تركه القعود نسيانا او لاجل زيادة القيام في غير موضعه نسيانا.

و هل يكون وجوبهما في خصوص فرض عدم احدهما و وجود الآخر أم لا مثلا يجب سجدتي السهو اذا نسى القعود و قام في موضعه او العكس او لا يلزم ذلك،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 275

بل بمجرد ترك القعود و ان لم يتحقّق القيام يجب سجدتى السهو كل محتمل. (و ان كنا قائلا بوجوبهما في هذا المورد كان اللازم بيان حكم هذه الفروع و لكن بعد عدم وجوبهما في هذا المورد اصلا بل استحبابهما فلا حاجة الى اطالة الكلام).

المورد السادس [لوجوب سجدتي السهو]
اشارة

من الموارد الّتي تجب سجدتى السهو في السهو المساوق للجهل المركب أعنى: السهو المصطلح هو وجوبهما للقراءة سهوا في موضع التسبيح، و للتسبيح نسيانا في موضع القراءة، على ما يظهر من رواية واحدة، و هى الرواية الّتي رواها عمّار الساباطى، و هى مشتملة على فقرات، و من جملة فقراتها هى الفقرة الّتي يستفاد منها هذا الحكم حيث إنّ عمار يروى أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ قال: اذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت،

أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبح فقرات، فعليك سجدتا السهو). «1»

[في ذكر رواية عمار الساباطي]

و نحن نذكر تمام الرواية الآن إن شاء اللّه تتميما للفائدة، لأنّ صاحب الوسائل ره كما هو دابه، قطعها، و نقل فقراتها متفرقة، كما ترى أن الفقرة المذكور نقلها في الباب 32 من أبواب الخلل و ذكر الشيخ رحمه اللّه هذه الرواية في أبواب الزيادات من التهذيب في أحكام السهو في صفحة 237.

و هى هذه عنه عن احمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقه عن عمار بن موسى الساباطى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال: إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 276

ممّا يتمّ به الصّلاة سهو. و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقوم (يقدم خ ل) شيئا، أو يحدث شيئا؟ قال: ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلم بشي ء.

و عن الرجل إذا سها في الصّلاة فينسى أن يسجد سجدتى السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر. و عن الرجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظن أنها رابع، فلما سلم ذكر أنّها ثلاث، قال: يبنى على صلاته متى ما ذكر، و يصلى ركعة، و يتشهد، و يسلم، و يسجد سجدتى السهو، و قد جازت صلاته. و سئل عن الرجل نسى الركوع، أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: لا، قد أتم الصّلاة. و عن الرجل يدخل مع الإمام

و قد صلّى الإمام ركعة أو أكثر فسهى الإمام، كيف يصنع الرجل؟ قال: إذا سلم الإمام فسجد سجدتى السهو فلا يسجد الرجل الّذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته، و اتمها سلم و سجد الرجل سجدتى السهو. و عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتّى يصلى الفجر، كيف يصنع؟ قال: لا يسجد سجدتى السهو حتى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها. و عن رجل سها خلف الإمام، فلم يفتتح الصّلاة؟ قال: يعيد الصّلاة، و لا صلاة بغير افتتاح. و عن رجل و جبت عليه صلاة من قعود، فنسى حتّى قام و افتتح الصّلاة و هو قائم، ثمّ ذكر؟ قال: تقعد و يفتتح الصّلاة و هو قاعد، و كذلك إن وجبت عليه الصّلاة من قيام، فنسى حتّى افتتح الصّلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و هو يقوم، فيفتتح الصّلاة و هو قائم و لا يعتدي بافتتاحه و هو قاعد).

المورد السابع [لوجوب سجدتي السهو]

وجوبهما لكل زيادة و نقيصة، و ما يدلّ على ذلك من الأخبار، مثل الرواية الّتي رواها ابن أبى عمير عن بعض اصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: تسجد سجدتى السهو في كل زيادة تدخل عليك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 277

أو نقصان). «1»

اعلم أن وجوبهما في هذا الموضع محل خلاف و المشهور عدم وجوبهما فيه، فهل نلتزم بوجوبهما فيه أم لا؟ اعلم أن الظاهر من الرواية المتقدمة وجوبهما، لأنّ الظاهر من الأمر أعنى: تسجد، هو الوجوب، و لكن المستفاد من غير واحد من الروايات عدم وجوبهما في بعض مواضع وقعت زيادة أو نقيصة في الصّلاة، و هذه الروايات على نحوين:

قسم منها يدلّ على أنّه لو

زاد في صلاته أو نقص منها من حيث قراءة أو جهر، أو إخفات، أو زيادة قيام، لا شي ء عليه و تمّت صلاته مثل الروايتين اللّتين قال فيهما لو قرء الجهر في موضع الاخفات، أو العكس قال: إن كان ناسيا لا شي ء عليه، و في الاولى قال: لا شي ء عليه و قد تمّت صلاته، و هما تدلّان على عدم وجوب سجدتي السهو فى النقص في كيفية القراءة بناء على صدق نقيصة الجزء على ترك الجهر و العكس. «2»

و مثل الرواية الّتي فيها قال في مورد ترك القراءة: (تمت صلاتك إذا كانت نسيانا) «3»، فتدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو في نقص القراءة.

و مثل الروايات الّتي تدلّ على عدم شي ء عليه بترك القنوت نسيانا فتدلّ على عدمها عليه، «4» فبناء على شمول رواية سفيان لمطلق النقص و الزيادة نقص المستحبات و زيادتها فتدل هذه الروايات بمقتضى قوله فيها (بعدم شي ء عليه) على

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 و 2 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 و 2 من الباب 27 من ابواب القراءة من الوسائل.

(4)- الروايات الواردة من الباب 15 من ابواب القنوت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 278

عدم وجوبهما في نقص القنوت المستحب).

و مثل الرواية الّتي تدلّ على عدم شي ء أى: عدم الاعادة و عدم السجدة عليه، في ترك ذكر الركوع ناسيا. «1»

و لكن في دلالة هذه الطائفة من الأخبار إشكال من حيث إن ما ورد فيها من أنّه لا شي ء عليه أو تمّت صلاته يكون ناظرا إلى عدم وجوب إعادة الصّلاة، و أن الصّلاة صارت تامة، و لا تدلّ على عدم وجوب

سجدتى السهو عليه فى هذا المواضع، فهذه الأخبار لا تنافي رواية سفيان بن السمط، فافهم.

و قسم منها ما يدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو مع فرض وقوع زيادة أو نقصان نسيانا في الصّلاة، و لا يرد عليه الإشكال المتقدم في القسم الأوّل، من عدم ظهور قوله (لا شي ء عليه أو تمت صلاته) فى عدم وجوب سجدتى السهو عليه، لانّ الظاهر من هذا القسم على ما ترى، هو عدم وجوب سجدتى السهو، و هي روايتان اللّتان وردتا في نسيان التشهد لأنّ فيهما قال في نسيان التشهد: (بأنه لو تذكر نسيانه قبل الركوع، فليجلس، و إن ذكر بعد الركوع يسجد سجدتى السهو) «2»، فهما ظاهرتان في عدم كون سجدتى السهو لو تذكر نسيانه قبل الركوع.

و لا وجه لأن يقال: بانّها لا تدلان على ذلك إذ غايته عدم تعرض لو تذكر قبل الركوع من وجوب السجدة و عدمه عليه.

لأنّا نقول: بعد التصريح بوجوبهما لو تذكر نسيانه بعد الركوع، يكشف عن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 و 3 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 279

عدم وجوبهما لو تذكر قبل الركوع، و تدلّان أيضا على عدم وجوب سجدتى السهو في القيام في موضع القعود، لانه مع فرض قيامه و عدم جلوسه للتشهد لو تذكر قبل الركوع نسيان التشهد، لم يجب سجدتى السهو (و أيضا تدلّان على عدم وجوبهما لترك تسبيحات الأربع، أو القراءة بناء على التخيير في الثالثة و الرابعة بينهما و لا في ترك أبعاضها، لأنّه مع اتفاق تذكر نسيان التشهّد بعد التسبيح، أو أثنائها كثيرا ما و مع ذلك لم يتعرض و لم يفصّل

بين التذكر قبل قراءة التسبيح و بعده، بين عدم وجوب سجدتى السهو و وجوبهما، بل قال بقول مطلق لم يجب سجدتى السهو، فمن عدم الفصل، نكشف عدم وجوبهما لترك التسبيح، بل لترك القراءة أيضا).

و مثل روايتين اللّتين فى التشهد أيضا و هما تدلّان على عدم وجوب سجدتى السهو لو تذكر نسيان التشهّد قبل الركوع، كما بينا في الروايتين السابقتين (و كذلك تدلّان على عدم وجوبهما في القيام موضع القعود، و في ترك التسبيح، أو القراءة على ما بينا في الروايتين السابقتين). «1»

و مثل الرواية المذكورة فى هذا الباب، بناء على حملها على كون تذكر نسيان التشهد قبل الركوع، فدلالتها على هذا الحمل تكون على عدم وجوب سجدتى السهو في هذه الصورة، أوضح من غيرها من الروايات، للتصريح فيها بعدم سجدتى السهو في نسيان التشهد. «2»

و مثل رواية محمّد بن على بن أبى حمزه الدالة على عدم وجوب سجدتى السهو لو تذكر نسيان التشهّد قبل ركوع الركعة الثالثة، و أنّه لو تذكر نسيانه

______________________________

(1)- الرواية 1 و 3 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 280

بعد الركوع قضاها، و يسجد سجدتى السهو. «1»

فهذا كله الروايات الدالة على عدم وجوب سجدتى السهو في صورت وقوع الزيادة من حيث القيام في موضع القعود، و كذلك من جهة التسبيح، أو القراءة الزائدة أحيانا.

إذا عرفت ذلك ترى أن هذه الطائفة من الروايات تعارض مع رواية سفيان بن السمط الدالة على وجوب سجدتى السهو في كل زيادة و نقيصة، ففي مقام رفع التعارض و الجمع بين الطائفتين هل نقول بتقييد رواية سفيان، أو تخصيصها بهذه الطائفة

من الروايات، فتكون النتيجة استحباب سجدتى السهو لكل زيادة أو نقيصة و يبعد الثانى لأنّ تخصيص رواية سفيان بما يقابلها من الأخبار يكون تخصيصا مستهجنا لا يساعد معه العرف، ففي هذا المورد تكون سجدتا السهو مستحبين و إن كان الاحتياط بإتيانهما فيه حسن لأهمية أمر الصّلاة و مطلوبية رعاية الجهات الراجعة إليها.

[القسم الثانى: ما ورد في وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للشك]

اشارة

و أمّا القسم الثانى أعنى: ما ورد في وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للشك، فهذه الروايات إمّا وردت في ما شك، و يكون مساوى الطرفين أي:

المصطلح، و إمّا يكون في ما يكون الظن بأحد طرفيه، و هى موارد:

المورد الأوّل:
اشارة

في الشّك بين الأربع و الخمس و يدلّ عليه روايات:

[الرواية] الاولى:

ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت لا تدرى أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتى السهو بعد تسليمك، ثمّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 281

سلّم بعد هما). «1»

[الرواية] الثانية:

ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر خمسا أم أربعا فاسجد السجدتى السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعد هما). «2»

[الرواية] الثالثة:

ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا). «3»

و في هذه الرواية كلام من حيث قوله فيها (أم نقصت أم زدت) يأتي إن شاء اللّه.

و الحكم بوجوب سجدتى السهو فى الشّك بين الأربع و الخمس يكون مشهورا عند الاصحاب

المورد الثاني:

وجوب سجدتى السهو في ما ظن بالتمام سواء كان في بين الثلاث و الأربع، أو في غيره.

و يدلّ عليه ما رواها اسحاق بن عمار (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدا في كل صلاة: فاسجد سجدتين بغير ركوع، أ فهمت؟

قلت: نعم). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 282

المورد الثالث:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع و ذهب وهمه إلى الأربع، و الدال عليه من الروايات، الرواية الّتي رواها حماد عن الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: إذا كنت لا تدرى ثلاثا صليت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلم، ثمّ صل ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بام الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث، فقم فصل الركعة، و لا تسجد سجدتى السهو، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد و سلم، ثمّ اسجد سجدتى السهو). «1»

المورد الرابع:

وجوبهما لما إذا شك و ذهب وهمه إلى الثالثة، و الدال عليه الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم (أنّه روى: إن ذهب وهمك إلى الثالثة، فصل ركعة، و اسجد سجدتى السهو بغير قراءة الخ). «2»

و في هذه الموارد الثلاثة الأخيرة روايات ثلاثة دالة على وجوب سجدتى السهو في صورة الشّك إذا ذهب الوهم إلى التمام، أو إلى الرابعة، أو إلى الثالثة، و لكن هذه الروايات غير معمول بها، فلا تجب سجدتا السهو في هذه الموارد.

المورد الخامس:

في الشّك بين الاثنتين و الأربع، و الخبر الدال عليه الرواية التي رواها أبو بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين، فقم و اركع ركعتين، ثمّ سلّم، و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمّ سلم بعد هما). «3»

و الرواية الّتي رواها بكير بن أعين عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: رجل شك، فلم يدر أربعا صلّى أم اثنتين و هو قاعد؟ قال: يركع ركعتين و أربع سجدات، و

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 10 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 283

يسلّم، ثمّ يسجد سجدتين و هو جالس). «1»

و الروايتان غير معمول بهما، فلا تجب سجدتى السهو فى الموردين.

المورد السادس:

في الشّك بين الاثنتين و الثلث و الأربع، و الخبر الدال عليه الرواية الّتي رواها سهل بن اليسع عن الرضا عليه السّلام (فى ذلك (أي في هذا الشّك على نقل الصدوق) أنّه قال: يبنى على يقينه، و يسجد سجدتى السهو بعد التسليم، و تشهدا خفيفا). «2»

و هذه الرواية غير معمول بها أيضا لإعراض الأصحاب عنه إلّا ما نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه من عمل ابن بابويه عليها، فافهم.

المورد السابع:

في الشّك بين الاولى و الاثنتين و الثالثة، و الخبر الدال على ذلك الرواية الّتي رواها عنبسة (قال: سألته عن الرجل لا يدرى ركعتين ركع أم واحدة أو ثلاثا قال: يبنى صلاته على ركعة واحدة يقرأ بفاتحة الكتاب، و يسجد سجدتى السهو). «3»

و هذه الرواية غير معمول بها، فلا يمكن التعويل عليها.

المورد الثامن:

في ما لم يدر كم صلّى، و الدال عليه الرواية الّتي رواها على بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل لا يدرى كم صلّى واحدة أم اثنتين أو ثلاثا؟ قال: يبنى على الجزم، و يسجد سجدتى السهو، و يتشهّد تشهدا خفيفا). «4»

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 24 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 284

و الرواية غير معمول بها أيضا.

المورد التاسع:
اشارة

وجوب سجدتى السهو لما إذا لم يدر أزاد أم نقص، و ما على هذا روايات قد أفتى على ذلك ابن بابويه، و نحن نذكر ما يدلّ على ذلك حتّى يظهر لك ما هو الحق في المقام، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى:
اشارة

ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إذا لم تدر اربعا صليت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهّد فيها تشهدا خفيفا). «1»

اعلم أن في هذه الفقرة من الرواية أعنى: قوله عليه السّلام (أم انقصت أم زدت) احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد أنك لا تدرى نقصت من الأربع أم زدت على الخمس أم لا، فإن كان هذا مفاد الرواية، فلازمه صحة الصّلاة في صورة الشك بين الخمس و الست، مع أنّه يعلم بزيادة ركعة، لأنّ الشاك بين الخمس و أزيد يعلم الخمس، و لا يمكن الالتزام بمفادها، كما أنّه في صورة الشّك بين الأربع و أنقص منه، فإن كان طرف النقص هو الثلاث فلا بدّ من العمل بالشّك بين الثلاث و الأربع لا وجوب سجدتى السهو فقط، و إن كان طرف الأربع الثلاث و الاثنتين و الواحدة، فتبطل الصّلاة في بعضها، لا أن تصح و يوجب سجدتى السهو، فعلى هذا الاحتمال لا يمكن العمل بهذه الفقرة.

الاحتمال الثانى:

أن تكون هذه الفقرة في مقام حكم مستقل غير مربوط

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 285

بالحكم الأوّل، و هو أنّه إذا لا تدرى أربعا صليت أم خمسا فهو حكم، و الثانى إذا لا تدرى نقصت من صلاتك ركعة أم لا؟ و الثالث إذا لا تدرى زدت في صلاتك ركعة أم لا، فتجب عليك في كلها سجدتى السهو، و هذا خلاف الظاهر.

الاحتمال الثالث:

أن يكون النظر في هذه الفقرة إلى العلم الإجمالى، فيكون المراد أنّه إذا تعلم بوقوع الصّلاة على غير وصفها من حيث الركعات، و لكن لا تدرى نقصت منها ركعة، أو زدت عليها ركعة، فيكون المفروض صورة العلم الإجمالي بوقوع الزيادة، أو النقيصة من حيث الركعة في الصّلاة، فمع العلم الإجمالي بأحدهما لا وجه لصحة الصّلاة و وجوب سجدتى السهو، فإن كان هذا هو المراد من هذه الفقرة، فلا يمكن العمل بها.

الاحتمال الرابع:

أن يكون المراد من هذه الفقرة مطلق الشّك في نقص الصّلاة و عدمه، أو الشّك في الزيادة و عدمها، لا خصوص الشّك في نقص الركعة و عدمها، أو الشّك في زيادة الركعة و عدمها، و بعبارة اخرى يكون مفادها مثل مفاد رواية سفيان بن السمط الدالة على وجوب سجدتى السهو لكل زيادة و نقيصة فيكون المراد من الرواية أنك إذا لا تدرى أربعا صليت أم خمسا، أو نقصت في صلاتك، أو زدت، فعليك سجدتى السهو، فتدل على هذا على وجوبهما في مطلق النقص او الزيادة (هذا بناء على حملها على صورة العلم بمطلق النقص، أو العلم بالزيادة، و أما بناء على حملها على الشّك في النقيصة و عدمها، أو الزيادة و عدمها، أو على صورة العلم الإجمالي باحدهما، فقيل أيضا بدلالتها على وجوبهما في مورد العلم بخصوص نقص في الصّلاة، او الزيادة فيها بالاولوية القطعيّة).

و اعلم أن هذا الاحتمال و إن كان يأتي في الرواية و لكن يكون خلاف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 286

ظاهرها، لأنّ الظاهر كون المراد من قول (أم نقصت أم زدت) باعتبار الفقرة السابقة، كون الشّك أو العلم في نقص الركعة، و زيادة خصوص الركعة، فعلى أى حال تكون الرواية

مجملة باعتبار طروّ هذه الاحتمالات فيها، و عدم ظهور عرفى يمكن الاتكال عليه في أحدها و إن كان بعض الاحتمالات أرجح من بعض اخر، فافهم.

الرواية الثانية:

ما رواها زرارة (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه عليه السّلام إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، سماها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم المرغمتين). «1»

و يحتل فيها ما احتمل في الرواية الاولى، و لا يبعد كون الشّك في زيادة الركعة، أو نقصها، لا مطلق الزيادة، لأنّ الزيادة لا بدّ و أن يكون من جنس المزيد عليه، فالمناسب كون النقيصة أو الزيادة بالركعة.

الرواية الثالثة:

ما رواها الفضيل بن يسار أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السهو؟

(فقال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، و إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها). «2»

الرواية الرابعة:

ما رواها سماعة (قال: قال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، إنما السهو على من لم يدر أزاد أم نقص منها). «3»

و يحتمل في الروايتين الاحتمالات المتقدمة فى الرواية الاولى، و لكن لا ظهور

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 287

معتد به في أحدها، فتصير هذه الروايات الأربعة مجملة من حيث الدلالة، فلا يمكن التعويل عليها.

و قد عرفت ممّا بينا وجوب سجدتى السهو في مواضع خمسة:

الأوّل: للسجدة الواحدة المنسيّة.

الثانى: للتشهد الأوّل المنسىّ.

الثالث: الكلام ناسيا

الرابع: للسلام الزائد ناسيا

الخامس: في الشّك بين الأربع و الخمس.

و أمّا في القيام موضع العقود و لكل زيادة و نقيصة، فلا تجبان و إن كان الاحتياط فيهما لا ينبغى تركه، فافهم.

[الكلام في كيفية سجدتي السهو و الامور المربوطة بما نحن فيه]
اشارة

و أمّا الكلام في الجهة الثانية أعنى: في كيفية سجدتى السهو فيقع فى طى أمور.

الأمر الأوّل:

لا خلاف بين الخاصّة و العامة في كون السجدتين فيها و ينادى به الأخبار أيضا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 287

الأمر الثاني: هل يجب فيها تكبيرة الإحرام

كالصّلاة أم لا؟ قال العامة:

باعتبارها فيها، و لكن الحق عدم اعتبارها، لأنّ رواياتنا خالية عن اعتبارها فيها، و إن شككنا في اشتراطها فيها فالمرجع البراءة

الأمر الثالث: هل يجب فيهما التشهّد و التسليم أم لا؟

اعلم أن أقوال العامة مختلفة في هذا الأمر كما قلنا في صدر المبحث، فبعضهم قال بعدم اعتبارهما فيهما، و بعضهم بأن لهما التشهّد لا السلام، و بعضهم بالعكس، و بعضهم بأن له الخيار إن شاء تشهد و سلم، و إن شاء لا يأتى بهما، و بعضهم بأنّه إن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 288

سجد قبل السّلام لم يتشهد، و إن تشهد بعده يتشهد.

و أمّا عندنا فالمشهور وجوبهما فيهما، و يدلّ على اعتبار التشهّد الرواية الّتي رواها الحلبى (و فيها قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فتشهد فيهما تشهدا خفيفا). «1»

و يدلّ على وجوب السّلام فيهما الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت لا تدرى أربعا صليت أم خمسا، فاسجد سجدتى السهو بعد تسليمك، ثمّ سلم بعدهما). «2»

و أمّا ما في خبر عمار المفصلة الّتي قدمنا ذكرها و فيه قال: (و ليس عليه أن يسبح فيهما و لا فيهما تشهد بعد السجدتين) فلا يعبأ به، لكونه موافقة مع التقية.

الأمر الرابع: هل يكون محلهما قبل السّلام أو بعد السلام.

اعلم أن المشهور عندنا كون محلهما بعد تسليم الصّلاة، و يدلّ على ذلك رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة «3»، و رواية عبد سنان المتقدمة «4».

و أمّا ما ورد في طرقنا من الأخبار الدالة على كون محلهما قبل التسليم «5» أو الدالة على كون محلهما قبل التسليم إذا وجبتا لنقص فى الصّلاة، و بعد التسليم إذا وجبتا لزيادة في الصّلاة «6» فلا بدّ من طرحها لكونها موافقة مع العامة، لأنّ فيهم من يقول: بكون محلهما قبل السلام، و فيهم من يقول: بأنّه إن نقصت فقبل التسليم، و إن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الخلل من

الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 2 و 3 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(6)- الرواية 4 و 6 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 289

زدت فبعده.

الأمر الخامس: هل يجب فيهما ذكر أم لا؟

اعلم أنّه لا يرى في كلمات العامة تعرضا له أصلا، و أمّا عندنا فالمسألة ذات أقوال فبعضنا قال: بعدم وجوبه، و بعضنا قال: بوجوب الذكر، و هم بين من يقول:

بذكر خاص، و من يقول بعدم اعتبار ذكر خاص.

و أمّا رواياتنا في هذه الجهة، فليس فيها ما يكون مربوطا بهذا الأمر إلّا رواية واحدة، و هى ما رواها الصّدوق في الفقيه باسناده عن الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: تقول في سجدتى السهو (بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) اللهم صل على محمد و آل محمد خ ل) قال: و سمعت مرة اخرى يقول (بسم اللّه و باللّه السّلام عليك أيها النبي و رحمه اللّه و بركاته). «1»

و اعلم أنّه ليس في نقل التهذيب و الكافي، ما في الفقيه (اللهم صل على محمد و آل محمد بنحو خ ل) و أيضا يكون في نسخة و سمعته مرة تقول و في نسخة و سمعته مرة يقول، و أيضا يكون على نسخة (و السلام عليك) و في نسخة (السلام عليك) بدون لفظة واو.

و على كل حال هل نقول في المقام بأنّه يعتبر الذكر فيهما، و في مقام الذكر يلزم اختيار أحد الذكرين المذكورين في الرواية إمّا (بسم اللّه

و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) أو (اللهم صل على محمد و آل محمد) على اختلاف في النسخ و إمّا (بسم اللّه و باللّه السّلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته) على اختلاف الفاظ هذا الذكر باعتبار اختلاف النسخ، و بعبارة اخرى يكون المكلف مخيرا بين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 290

أحد الذكرين، و لا يجوز غيرهما، أو ليس كذلك بل يكون مخيرا في اختيار أى عبارة مشتملة على معنى الذكرين، فيكفى كلما يفيد معنى (بسم اللّه و باللّه و الصّلاة على محمد و آل محمد) أو (السلام عليه و عليهم).

لا يعبد عدم خصوصية في هذه الالفاظ، و الشاهد عليه اختلاف الفقرتين، و الفرض كفاية كل منهما، و لكن الأحوط الاقتصار على خصوص أحد الذكرين المذكورين في هذه الرواية.

الأمر السادس: هل تكون سجدتى السهو شرطين في صحة الصّلاة

بحيث لو تركهما تفسد الصّلاة، أو ليس كذلك، بل هما واجبتان مستقلتان شرّعتا في موارد خاصّه.

الحق هو الثانى، لأنّ ظاهر الادلة كونهما واجبتان مستقلتان و ان كانتا مسببتان عن بعض الامور الواقعة في الصّلاة، و الشاهد على ذلك ما في رواية عمار المفصلة المذكورة سابقا الدالة على أنّه لو نسيهما يأتي بهما متى تذكر بدون تعرض لبطلان الصّلاة في هذه الصورة، مضافا إلى أنا لو شككنا فى شرطيتهما أو جزئيتهما للصّلاة و عدمها، فيكون المرجع البراءة، فالحق هذا و إن كان ذهب إليه بعض أصحابنا و نقل في الخلاف الاجماع على الأوّل و أنّه مقتضى الاحتياط، و لكن اجماعات الشيخ رحمة اللّه في الخلاف، و ما يقول فيه يكون بحسب وضع كتابه في محيط العامة و جميع المسلمين، فلا يكون

إجماعه مثل نقل اجماعه في غير الخلاف، مضافا إلى أنه رحمة اللّه لم يقل بذلك في ساير كتبه.

الامر السابع: [هل يعتبر في سجدتي السهو قصد موجبها او لا؟]
اشارة

هل يعتبر في سجدتى السهو (مضافا إلى قصد العبودية فيهما) قصد السبب الموجب لهما أم لا؟ مثلا إذا تكلم نسيانا و وجب عليه سجدة السهو، هل يجب أن يقصد حين إتيانهما بأنّه (أسجد سجدتى السهو لأجل الكلام الصادر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 291

سهوا) أو لا يجب قصد ذلك.

قد يقال: باعتبار ذلك، لظهور ادلة موجباتهما في ذلك، مثلا قوله (تجب سجدتى السهو لكل زيادة و نقيصة) ظاهر في كون سجدتى السهو لهما، و لا يصدق كونهما لهما إلا بأن يقصد هما،

و لكن هذا كلام غير تمام، لأنّه لا يستفاد من أدلتهما إلا كون وجوبهما لتلك الموجبات، لا لزوم قصد ما يوجبهما، فعلى هذا لو شككنا في اعتبار هذا القصد، فيكون المرجع البراءة، لكون الشّك في دخل شي ء و عدمه في المامور به، و الاصل في هذا المقام عدم اعتباره لاصالة البراءة.

ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار هذا القصد في سجدتى السهو، فلا بد من أن يقصد كل سبب يوجبهما حين إتيانهما، أمّا إذا قلنا بعدم اعتبار ذلك فلا يجب ذلك، فلو حصل له أكثر من موجب واحد مثلا تكلم، و نقص التشهّد الأوّل و ترك سجدة واحدة نسيانا، فيجب على الأوّل أن يقصد حين إتيان كل من سجدتى السهو القصد باحدها، فياتى سجدتي السهو ثلاث مرات، مرة بقصد الكلام نسيانا، و مرة بقصد التشهد المنسى، و مرة بقصد السجود المنسيّ، و أمّا على الثانى فلا يجب الا إتيان سجدتى السهو مرات ثلاثة بدون أن يقصد حين إتيان كل منها أحد الموجبات، فلو أتى بها ثلاث مرات امتثل الامر

المتعلّق بها و إن لم يقصد أحد الموجبات بعينه.

ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار قصد الموجب لسجدة السهو في امتثال الأمر المتعلّق بها، فلا يكون ما نحن فيه لو تعدد الموجب من صغريات باب تداخل الاسباب و المسببات، لأنّه على هذا و إن كان السبب متعددا يكون المسبب متعددا لأنّ كلا من الموجبات على هذا يوجب سجدتى السهو غير ما يوجبها الاخر، فلو تكلم يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 292

سجدتى السهو المقيد باتيانهما بقصد التكلم، و لو نقص سجدة يجب عليه سجدة السهو المقيد بكون امتثاله بقصد سجدة المنسية، فكل سبب موجب لمسبب خاص، فلا يجرى في المسألة النزاع المعروف بتداخل الاسباب و المسببات.

و أمّا لو قلنا بعدم اعتبار قصد الموجب في امتثال سجدتي السهو، فنقول بعونه تعالى: إن المسألة ذات أقوال ثلاثة: قول بالتداخل، و قول بعدمه، و قول بالتفصيل بين ما اذا تحقق سبب واحد مكررا فالتداخل، و بين ما إذا وجد أسباب مختلفة، فمقتضى القاعدة عدم التداخل، قال المحقق الخونساري رحمه اللّه بأن الأصل التداخل.

اعلم أن منشأ القول بالتداخل هو أنّه بعد كون متعلق الطلب صرف وجود الطبيعة فهو غير قابل للتكرر، فلو طلب المولى الطبيعة عند حصول أسباب مختلفة، فلا يدعو هذا الطلب الا الطبيعة، و هى تحصل بمجرد وجودها و صرف تحققها في الخارج، فيسقط الأمر المتعلّق بها عند وجود كل سبب قهرا، مثلا إذا قال المولى (إذا نمت فتوضأ و إذا بلت فتوضأ) فلا يدعو الأمر المتعلّق بالوضوء عند وجود النوم إلا صرف طبيعة الوضوء و كذلك الأمر المتعلّق بالوضوء عند وجود البول، فعلى هذا لو وجد كل منهما يكفى وضوء واحد لحصول الطبيعة به، بل لا يمكن بقاء

الأمر بعده، لتحقّق الامتثال بوضوء واحد، فلو توضأ بعد ذلك فلا يكون امتثالا.

و أمّا منشأ القول بعدم التداخل فهو أن يقال: إن علل الشرعية سواء كانت عللا اصطلاحيا أو معرفات، تقتضى كل واحد منها حدوث المعلول المرتبط به عند حدوث كل علّة و سبب، ففي المثال إذا قال المولى (إذا نمت فتوضأ) يكون ظاهره حدوث وضوء عند حدوث النوم، و كذا قوله (إذا بلت فتوضأ) يكون ظاهره حدوث وضوء عند حدوث البلل، و لازم ذلك أنّه لو حدث سبب واحد، يجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 293

وضوء واحد و إذا حدث كل من السببين فيجب وضوءان: وضوء للنوم و وضوء للبول، فهل نقول بالأول أو بالثانى؟

اعلم مقدمة أنّه إذا ورد من قبل المولى أمر مطلق بشي ء ثمّ أمر مطلق بهذا الشي ء مثلا قال المولى (أكرم زيدا) ثمّ قال بعد ذلك (أكرم زيدا) قبل امتثال الأوّل، فلا اشكال عندهم في كون الأمر الثانى تاكيدا للامر الأوّل، لا باعثا إلى اكرام مجدد غير ما صار الأمر الأوّل باعثا له، كما لا إشكال في أنّه إذا أمر المولى بشي ء على عنوان مثلا قال (أكرم عالما) ثمّ أمر بعنوان اخر قبل امتثال الأوّل مثلا قال (أكرم عالما هاشميا) فأيضا يكفى في امتثال كل منهما مجرد ايجاد الطبيعة في مورد يجمع العنوان، فإذا أكرم عالما هاشميا تحقق الامتثال و ليس كل ذلك إلا من باب أن الأمرين لا يدعوان إلا إلى إيجاد طبيعة الاكرام و صرف وجودها باكرام واحد و ايجاد طبيعة الاكرام.

[الحق التداخل اذا تعدد اسباب سجدتي السهو]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الحق التداخل، لأنّه بعد كون مفروض الكلام ما إذا يكون تمام الموضوع لتعلق الحكم عند حدوث كل سبب من السببين، أو الأكثر

بالطبيعة هو نفسها، بدون دخل قيد اخر، فاذا كان متعلق الحكم هو الطبيعة و على الفرض لا يدعو الأمر و الطلب إلا بايجادها فاذا وجد احد من السببين فلا يقتضي وجوده إلّا وجوب ايجاد الطبيعة، و كذلك لو وجد السببين أو أكثر، فلا يقتضيان أيضا الا مجرد ايجاد الطبيعة و معنى (الصرف) في الكلمات أى: صرف وجود الطبيعة ليس إلا هذا أعنى: مجرد الطبيعة، و يكون تحقق الامتثال بمجرد ايجاد صرف الطبيعة، لأجل ما قلنا من أن تمام الموضوع في تعلق الأمر ليس إلا هى بنفسها بدون تقييد بأمر اخر.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 294

و على هذا لا بدّ و أن يقال: بأنّه إذا حدث سبب واحد، فهو يصير علّة لحدوث مسببه و هو صرف الطبيعة، و إذا حدث بعده سبب اخر قبل امتثال الأمر الأوّل فحيث إنّه لا يقتضي إلا صرف الطبيعة، فقهرا يكون السبب الأوّل مؤثرا في حدوث المسبب أعنى: صرف الطبيعة، و الثانى له التأثير في بقاء ما حدث بالسبب الاول، لا لحدوث مسبب اخر، لعدم كون المسبب إلا ما صار السبب الأوّل سببا له، فلا يمكن حدوث مسبب اخر بسبب الثانى، لأنّ كلا من السببين لا يطلبان إلا الطبيعة فبمجرد حدوث صرف وجودها يسقط الأمر المتعلّق بها عند السببين.

[في الاشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه بعد ظهور الأمر في حدوث المامور به عند كل سبب، فلا بد من التصرف في المتعلق، و عدم كون المطلوب منه صرف الوجود و إن أبيت عن كون اللازم التصرف في المتعلق، لظهور الأمر في إحداثه عند حدوث كل سبب، فلا أقل من الدوران بين حفظ ظهور كل سبب في حدوث المسبب، و بين ظهور المسبب في كونه مجرد

الطبيعة و صرف وجودها، فلا وجه لتقديم ظهور المسبب في كون مجرد طبيعتها تمام الموضوع في متعلقيته للطلب، و التصرف في السبب بأنّه مع التعدد يكون الأوّل سببا للحدوث، و ما يوجد بعده من الأسباب سببا لبقاء ما أحدثه السبب الأوّل من طلب ايجاد الطبيعة عنده.

قلت: المنشأ الّذي نلتزم لأجله بالتداخل هو أنّه لا يمكن التصرف في المسبّب الّذي ظاهره كون صرف وجوده مسببا و معروضا للحكم لعدم إمكان رفع اليد عن إطلاق المسبب في كون نفس الطبيعة معروض الحكم بدون تقييدها بشي ء، لأنّ تقييد المسبب في المقام في صورة تقدم سبب اخر غير معقول، مثلا إذا قال: إذا بلت فتوضأ، ثمّ قال: إذا نمت فتوضأ، فالظاهر منهما كون المطلوب صرف وجود

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 295

طبيعة الوضوء و الصرف غير مقتض، بل غير قابل للتكرر، و لا يقبل التقييد لان تقييد كل منهما بغير ما تعلق به الاخر ليس له معنى معقول صحيح، مثلا يكون المسبب في قوله: إذا نمت فتوضأ هو الوضوء المقيد بكونه غير الوضوء الّذي أوجبه المولى في قوله: إذا بلت فتوضأ، و كذلك المسبب في قوله: إذا بلت فتوضأ هو الوضوء المقيد بكونه غير الوضوء الّذي مطلوب في قوله: إذا نمت فتوضأ، و هذا معنى لا نتعقله و أنّه كيف يكون كل منهما مقيد بغير ما تعلق به الاخر، و بعد عدم إمكان تقييد المسبب كما عرفت في كل من السببين، فلا بدّ من التصرف في السبب و أنّه لا يوجب كل منهما حدوث المسبب إذا اجتمعا، نعم إذا حدث سبب واحد يقتضي حدوث المسبب، فمن هذه الجهة نقول: إن الحق هو التداخل.

و ما قيل: من أن متعلق الطلب

ليس صرف الوجود، بل يكون مطلق الوجود فنقول بعدم التداخل، لأنّ المطلق يكون في ضمن كل فرد فلو حدث سببان فكلّ منهما يقتضي وجود فرد من الطبيعة، و ليس متعلّق الوجوب صرف الطبيعة حتّى يقال بعدم قابلية الصرف للتكرر، بل المطلق يكون متعلق الوجوب، و هو قابل للتكرر.

ليس في محله كما أشرنا سابقا، لأنّه مع فرض كون تمام الموضوع لمعروضية الحكم نفس الطبيعة بدون قيد و شرط، فلا يكون الأمر داعيا و باعثا إلى غيرها، بل يبعث نحوها و الطبيعة توجد بصرف وجودها، فبمجرد وجودها يسقط الأمر، و لا يبقى مجال لامتثال الأمر بايجاد فرد اخر منها، فنجد كل من الأمرين المتعلّق بطبيعة الوضوء مثلا عند تحقق سببين متعلقين بصرف وجود الطبيعة، فبمجرد وجود الصرف يسقط الأمرين، و حصل الامتثال، فتحقق ممّا ذكر أن الحق في ما إذا تعدد الشرط و اتّحد الجزاء هو التداخل، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 296

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه في ما نحن فيه أعنى: في صورة تعدد موجب السهو، لا يبعد كون المطلوب تعدد سجدتى السهو، لأنّ ظاهر بعض أدلتهما ربما يكون ذلك، مثلا قوله (تسجد لكل زيادة تدخل عليك) لا يبعد دلالتها على كون نشو السجدة من هذا السبب، أو هو يتحقّق بقصد الموجب حين إتيانهما، و إن أبيت عن ذلك فالاحوط وجوب سجدتى السهو لكل سبب يوجبهما، فعلى هذا و لو قلنا بالتداخل على القاعدة، نحتاط هنا لأجل ما قلنا من أن المترائى من بعض أدلتها كون المعتبر فيهما قصد السبب، و بعد اعتبار القصد يخرج عن موضوع مسئلة التداخل، لأنّ معنى اعتبار القصد كون المطلوب في كل سبب فرد خاص من الطبيعة، لا صرف وجود

الطبيعة، فافهم.

الأمر الثامن: لو تكلم سهوا في الصّلاة

فقد تقدم وجوب سجدتى السهو عليه، فلو تكلم بكلام طويل مثلا جملة أو كلمتين، فهل يجب سجدتى السهو الواحدة لتمام هذا الكلام، أو يجب سجدتى السهو لكل كلمة، بل لكل حرف من الكلمة، و هكذا لو قلنا بوجوبهما لكل زيادة و نقيصة فيجب سجدتى السهو الواحدة للزيادة، أو للنقيصة و إن طال، أو لا تجب الا سجدة واحدة.

لا يبعد كون المرجع في ذلك العرف، لأنّه بعد عدم تعيين من قبل الشارع مع عموم الابتلاء به فلا بد أن يكتفي الشارع بما يحكم به العرف، و لا يبعد كون العرف حاكما بوجوب سجدتى السهو الواحدة لكلام واحد و إن طال، لأنه يعده كلاما واحدا، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 297

الكلام في الشّك في النافلة
اشارة

اعلم أن المشهور بين أصحابنا تخيير الشاك في النافلة بين الأقل و الأكثر، و في الامالى إنّه من دين الامامية ألا سهو في النافلة، كما أنّ المشهور كون الأفضل البناء على الأقل.

[في ذكر الاخبار فى الباب]
اشارة

و ما يمكن أن يقال دليلا له روايات:

الرواية الاولى:

ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام (قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال: ليس عليك شي ء). «1»

اعلم أنّه كما قلنا سابقا يكون المراد من السهو، هو ذهول الواقع سواء كان مقارنا للجهل المركب أعنى: السهو المصطلح، أو مقارنا للجهل البسيط و الشك، فلا يبعد شمول قول السائل و المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية لكلا القسمين من السهو، و أنّه في النافلة إذا عرض السهو مطلقا- لعدم ذكر من خصوص السهو المقارن للجهل المركب او الجهل البسيط- ما الحكم، و ما الوظيفة؟ فقال عليه السّلام (ليس عليك شي ء)

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 298

فيكون المراد أن السهو لا يوجب شيئا في النافلة (أعنى: لا يوجب ما يوجب السهو من الإتيان، أو سجدتى السهو، أو البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة، و بعبارة اخرى لا يكون من الشارع تكليف و وضع عليه من إتيان الجزء أو الركعة موصولة أو مفصولة، أو قضاء جزء، أو سجدتى سهو، و إعادة صلاة في النافلة في صورة السهو).

[الرواية] الثانية:

ما رواها الكلينى (قال: و روى أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل). «1»

و يستفاد من هذه الرواية أنّه يبنى على الأقل و بعد دلالة الرواية السابقة و بعض روايات أخر على عدم شي ء عليه، أو على أنّه يبنى على الأكثر، يكون النتيجة هو التخيير بين الأقل و الأكثر، لأنّ مفاد الرواية الاولى هو عدم شي ء عليه فلو كان اللازم عليه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، أو البناء على الأقل و إتيان النقص المحتمل موصولة، لا يناسب أن يقول (لا شي ء عليه) فمفاد

الاولى هو البناء على الأكثر بدون شي ء عليه، فيجمع بينهما و بين الثانية بالتخيير بين الأقل و الأكثر.

[الرواية] الثالثة:
اشارة

ما رواها ابراهيم بن هاشم (في نوادره إنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام يصلى، إلى أن قال: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو، و لا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 299

سهو في نافلة الخ). «1»

[في ذكر اشكال و دفعه]

و إن استشكل في دلالة الرواية على عدم كون الرواية دالة على عدم ترتب شي ء على السهو في النافلة من الإتيان و غير ذلك، لأنّه بعد ما نرى من أن نفى السهو في هذه الرواية عن بعض المذكورات مثل (و ليس في المغرب سهو، و لا فى الفجر سهو و لا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهوه) ليس معناه عدم الاعتناء بالسهو، بل معناه البطلان، فيحتمل أن يكون قوله (و لا سهو في نافلة) معناه فساد النافلة بالسهو فيها.

نقول: إنّه لا وجه لهذا الإشكال، لأنّ المراد من نفى السهو، هو نفى الحكم الثابت للسهو من صحة الصّلاة، و البناء على الأكثر و جبر النقص مفصولة، و لو لا الدليل من الخارج من عدم السهو فى المغرب و الفجر و الاولتين، و أنّه تبطل بالشك فيها لم نقل بهذه الرواية ببطلانها بالشّك فيها، فعلى هذا يكون المراد من نفى السهو في النافلة، هو نفى الحكم الثابت للسهو في الفريضة، و مقتضى الامتنان من نفى السهو فيها من الشارع هو هذا، لأنّه في الفريضة إذا شك المصلّى

في الأولتين تفسد، و إذا شك في الأخيرتين يبنى على الأكثر و يجبر النقص المحتمل مفصولة، فنفى السهو في النافلة هو البناء على الأكثر و عدم شي ء عليه، لا موصولة و لا مفصولة، و لا وجوب سجدتى السهو فمفاد هذه الرواية على هذا هو البناء على الأكثر بدون وجوب شي ء عليه مفصولة، غاية الأمر نقول بالتخيير بين الأقل و الأكثر بمقتضى الجمع بينها و بين الرواية الثانية.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 300

[الرواية] الرابعة:

ما رواها الحسن الصيقل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، و هذه الرواية تدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو في نسيان التشهّد في النافلة. «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 301

ختام فيه مسائل متفرقة (فروع العلم الاجمالي)

[في البحث فى الفروع الّذي تعرض له السيد اليزدي ره]
اشارة

اعلم أن السيّد رحمه اللّه في العروة الوثقى «1» ذكر في ذيل هذا العنوان مسائل تبلغ إلى الخمسة و الستين، و قد تعرض بعض من تأخر عنه في صلاته (آية اللّه العظمى الحائرى رحمه اللّه) «2» لبعضها، و نحن نتعرض لبعض مسائلها لا لكلها خوفا من الاطناب.

فنقول بعونه تعالى: قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة إذا كان في الركعة الرابعة مثلا، و شك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما، بنى على الثانى، كما أنّه كذلك إذا شك بعد الصّلاة.

اعلم أنّه كما يظهر من العبارة تارة يطرأ للمصلى هذا الشّك بعد الفراغ من الصّلاة، و اخرى في اثناء الصّلاة في الركعة الرابعة منها، فإن كان الشّك بعد الفراغ بمعنى أنّه بعد الفراغ شك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما، بنى على كونه بعد الاكمال، و تصح صلاته، لأنّ الشّك يكون في صحة الصّلاة و عدمها بعد الفراغ فتجرى قاعدة الفراغ، لأنّ مورد القاعدة على

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 646.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 421.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 302

ما بينا في محله يكون في صحة المركب و عدمه، و في ما نحن فيه يكون كذلك.

و أمّا إن طرأ الشّك فى الركعة الرابعة البنائية لأنّه حسب الفرض بعد ما شك بين الاثنتين و الثلاث، بنى على الثلاث و اشتغل

بالرابعة، ففي أثنائها شك في أن شكه الّذي بين الاثنتين و الأربع هل كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما- فهل نقول: بأنّه يبنى على كون الشّك بعد الإكمال كما قال السيّد رحمه اللّه أو لا؟

ما يمكن أن يكون وجها لما اختاره السيّد رحمه اللّه هو أن يقال بأنّه بعد كون هذا الشك في الركعة الرابعة، فهو قد تجاوز عن المشكوك و دخل في غيره لأنه لا يدرى أن شكه الّذي بين الانثتين و الثلاث هل حصل قبل إكمال السجدتين حتّى تفسد الصّلاة، أو بعد هما، فيكون الشّك فى وجود سجدتين صحيحين أم فاسدتين، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بهذا الشك.

و قال العلّامة الاصفهانى رحمه اللّه فى حاشيته على العروة: إنّه يشكل ذلك و اقتصر على مجرد الإشكال و أنّه يحتاط بالاتمام، و عمل الشك، ثمّ اعادة الصّلاة.

و يمكن أن يكون وجه الإشكال فيها هو احتمال وقوع الشّك في الاولتين، لأنه بعد ما يشكّ في أن شكه هل كان قبل الإكمال أو بعده، و لأجل عدم كون الأولتين محرزا بالوجدان، و للشك في وقوع الشّك فيهما فتفسد الصّلاة.

[في ذكر اشكال فى المورد]

إن قلت: بأنّه بعد فرض كونه في الرابعة و إتيانه بالسجدتين، فهو يشكّ في أنّه هل وقعت سجدتاه متصفتان بوصف الصحة أم لا، فيكون مقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بهذا الشك.

لا يقال: إن قاعدة التجاوز كما بين، يكون موردها ما إذا شك في وجود شي ء و عدمه من الأجزاء و الشرائط، و في المقام يعلم بإتيان الجزء و هو السجدتان، و كذا ساير اجزاء الركعتين الاولتين، و لكن يشكّ في أنّه هل طرأ له الشّك قبل الإكمال

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 303

حتى لا يقبل الأجزاء الصحة، فيكون

الشّك في الصحة لا فى الوجود، فليس مورد قاعدة التجاوز.

لأنّا نقول: مورد أدلة قاعدة التجاوز و إن كان الشّك في الوجود، لكن يمكن القول بشمولها لما إذا شك في صحة الجزء أو الشرط من باب إلغاء الخصوصية في دليلها، بل بالأولوية القطعية إذا كان مشكوك الوجود محكوما بالوجود بمقتضى هذه القاعدة، فالشك في الصحة أولى بذلك.

[في جواب الاشكال لا وجه للتمسك بقاعدة التجاوز]

قلت: إنّه لو تم ما قال من شمول القاعدة لما إذا كان الشّك في صحة الجزء أو الشرط بعد التجاوز عنه، و لكن مع ذلك في ما نحن فيه لا وجه للتمسك بقاعدة التجاوز، و الحكم ببركتها بكون الشّك بعد الإكمال لأنّ عدم وقوع الشّك في الأولتين ليس شرطا في صحة الأجزاء، فليس شرطا في صحة السجدتين حتّى يقال: بأن مقتضى قاعدة التجاوز هو وقوعهما متصفتان بوصف الصحة بل وجود الشّك قبل الاكمال مانع من أن يلحق الأجزاء السابقة المتصفة بالصحة التأهلية باللاحقة، أو عدم الشّك قبل الإكمال شرط، فلا يكون شك في السجدتين حتّى لا يعتنى به لقاعدة التجاوز، فعلى هذا حيث يكون الشّك في كون الشّك واقعا في الأولتين، و ليس ما يدل على عدم الاعتناء به فتفسد الصّلاة، لعدم احراز هما بالوجدان.

[في كلام العلامة الحائري رحمه اللّه]

و يظهر من العلّامة الحائرى رحمه اللّه «1» في صلاته فساد الصّلاة في ما نحن فيه لوجه اخر، و هو أنّه قال: بأن احتمال المضى على الشّك قبل الإكمال و إن كان خلاف الاصل، لكن لا يثبت بهذا الاصل كون الشّك حادثا بعد الإكمال، و يكون مراده أنّه بعد ما شككنا في أن الشّك هل حدث قبل الإكمال أو بعده، فبمقتضى أصالة تاخر

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 421، مسأله 2.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 304

الحادث أعنى: استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد إكمال السجدتين و إن كان ينفي حدوث الشّك قبل الإكمال، و لكن هذا الاصل لا يفيد لاثبات كون الشك حادثا بعد إكمال السجدتين إلا على القول بالاصول المثبتة، و إذا لم يثبت كون الشّك حادثا بعد الإكمال، فليس المورد مورد الدليل الدال على

البناء على الأكثر في الشّك بين الاثنتين و الثلاث، لأنّ مورد هذا الدليل إذا حدث الشّك بعد الإكمال فتفسد الصّلاة، و لكن مقتضى الاحتياط العمل بقواعد الشك، ثمّ إعادة الصّلاة، هذا حاصل كلامه. «1»

و هل يستفاد من الأدلة اعتبار كون الشّك حادثا بعد الإكمال في مورديته للبناء على الأكثر أولا يستفاد ذلك، بل غاية ما يكون مفاد الأدلة هو عدم كون السهو في الأولتين و أنهما لا تحتملان السهو، و بالاستصحاب يثبت ذلك، إذ استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال يثبت عدم وقوع السهو في الأولتين، و لا يلزم أزيد من ذلك من إحراز حدوث الشّك بعد الإكمال، لعدم دلالة للأدلة الدالة على البناء على الأكثر على ذلك أصلا، فيكفى في كون المورد موردا

______________________________

(1)- أقول: و قد يقال: بأنّه كما أن في المقام يقال بأن استصحاب عدم حدوث الشّك في الأولتين يجرى، و يكون أثره كون الشّك بعد الإكمال، كذلك يجرى استصحاب اخر، و هو استصحاب بقاء الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشك، لأنّ للركعة وجودا اعتباريا و واحدة اعتبارية، فيستصحب هذه الركعة إلى زمان حدوث الشك، فيكون أثره وقوع الشّك فى الأولتين، و يقع التعارض بينهما.

لكن الحق كما يكون استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال مثبتا كذلك هذا الاستصحاب يكون مثبتا، لأنّ به لا يثبت كون الشّك في الأولتين، فيكون الاستصحابان مثبتين فلا تصل النوبة إلى تعارضهما حتّى يسقطان بالتعارض. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 305

للبناء على الأكثر عدم حدوث الشّك قبل الإكمال، و هذا يثبت بالاستصحاب. «1»

______________________________

(1)- (أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى: بأنّه يستفاد من بعض الأدلة الواردة في عدم السهو في الأولتين و أن السهو في

الآخرتين، اعتبار حدوث الشّك في الآخرتين، حتّى يصير الشك موردا للادلة الدالة على البناء على الأكثر، فعلى هذا يتم ما قاله العلّامة الحائرى؛ و لم يقل بعد ذلك شيئا، و لعله صار مرضيا له.

ثمّ اعلم أنّه لو فرض كون المورد مورد إجراء قاعدة التجاوز و أن ببركتها يقال بعدم وقوع الشك في الأولتين، و لكن هذا لا يثبت كون الشّك حادثا بعد الإكمال، كما لم يثبت ذلك بالاستصحاب، إلا أن يقال بكون قاعدة التجاوز من الأمارات، فتأمّل.

ثمّ إن ما أفاده مد ظله العالى من أن هذا الشّك لو عرض بعد الفراغ لا يعتنى به لقاعدة الفراغ، يكون مخالفا مع ما اختاره مدّ ظله العالى في بعض الفروع السابقة من أن السّلام إذا لم يقع بعنوان كونه اخر أجزاء الصّلاة، بل وقع من باب البناء على الأكثر، لم يكن الفراغ المحقق بهذا السلام البنائى موضوعا لقاعدة الفراغ، لانصراف أدلة قاعدة الفراغ إلى ما إذا وقع الفراغ بالسلام الواقع باعتقاد كونه اخر أجزاء الصّلاة، فعلى هذا يشكل ما اختاره في المقام من أنّه لو حدث بعد الفراغ الشك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث هل حدث قبل إكمال السجدتين المتحقق بهما تمامية الركعة، أو بعد اكمالهما لا يعتنى به، لكون الشّك بعد الفراغ، لأنه بعد كون المصلّى في هذه الصّلاة شاكّا بين الاثنتين و الثلاث، و بنى على الثلاث، و أتى بالرابعة، و سلّم بناء فليس هذا السلام الواقع في اخر الصّلاة موضوعا لقاعدة الفراغ، لأنّه سلام بنائى، لا بعنوان أنّه اخر أجزائها،

و بعد ما قلت بمحضره الشريف قال: بأنّه يمكن تصحيح ما قلنا هنا من أن هذا الشّك لو حدث بعد الفراغ لا يعتنى

به، لكونه بعد الفراغ، بدون أن ينافي مع ما قلنا من انصراف أدلة قاعدة الفراغ عن الفراغ الحاصل بناء بأن نقول: أن منشأ الانصراف في ما قلنا هو أنّه في صورة وقوع السلام بعد البناء على الأكثر، لم يحصل الفراغ من ناحية ما شك فيه، بل يحصل الفراغ في الحقيقة بعد وقوع صلاة الاحتياط التي أوجبها الشّك الواقع في الصّلاة، فعلى هذا نقول: بأنّه من غير ناحية الشّك الطارئ حال الصّلاة تحقق الفراغ، فيشمله أدلة قاعدة الفراغ، ففي المقام نقول: بأن.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 306

و لا فرق في كون الشّك موجبا للبطلان، أو للبناء على الأكثر بين ما حدث هذا الشّك في حال القيام من الركعة الرابعة البنائية، و بين حدوث هذا الشك بعد الإكمال فلو رفع راسه و شك في أن الركعة الّتي كانت بيدها هل كانت الثانية أو الثالثة، و شك فى هذا الحال في أن هذا الشّك هل حدث فى الآن أى: بعد الإكمال، أو حدث قبل الإكمال، فيكون حكمه حكم ما إذا حدث هذا الشّك بعد البناء على الثلاث و الدخول في الرابعة البنائية فإن قلنا بالبطلان نقول في كليهما، و إن قلنا بصحة الصّلاة، و لزوم إتمامها بالبناء على الثلاث، و ضم ركعة، ثمّ جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة فأيضا نقول في كليهما، لأنّه لو بنى على كون الشّك مصداقا للشك بين الاثنتين و الثلاث بعد الإكمال فنقول في كلتا الصورتين، و إن لم نقل فلا نقول في كلتيهما.

إذا عرفت ما بينا لك يظهر أنه إن كان وجه الحكم في المسألة هو البناء على كون الشك بعد الإكمال لكون المورد مورد قاعدة التجاوز بالبيان المتقدم بأن يقال نشك في

أنّه هل وقعت السجدتان صحيحتين و واجدتين للشرط أولا، لأنّه لو حدث قبل الإكمال فلم تقعا صحيحتين و إن حدث الشّك بعد الإكمال وقعتا صحيحتين و

______________________________

السلام الواقع ليس محققا للفراغ من ناحية الركعة، لأنّه مع الشّك بين الاثنتين و الثلاث لم يحصل الفراغ من هذا الحيث الا بعد صلاة الاحتياط، و أمّا بالنسبة إلى غير هذه الجهة فالشك الطارئ يكون بعد الفراغ، لأنّ السّلام بالنسبة إلى هذا الشّك وقع في محله، و بعنوان اخر أجزاء الصّلاة، فبالنسبة إلى كون الشّك السابق قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية أو بعده يكون بعد الفراغ، و يشمله أدلة قاعدة الفراغ.

و لكن كما قلت بحضرته مد ظله العالى: إن قلنا: بكون منصرف أدلة قاعدة الفراغ هو الفراغ الواقع بعد السلام الواقع بعنوان كونه اخر أجزاء الصّلاة، فهذا السّلام لم يقع كذلك، فلم يحصل موضوع أدلة قاعدة الفراغ، فكل شك وقع بعد السلام البنائى لم يكن محكوما بعدم الاعتناء، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 307

واجدتين للشرط، و مقتضى القاعدة- بعد دلالتها على عدم الاعتناء حتّى بالنسبة إلى الشّك في الشرائط المؤثرة في الصحة- هو عدم الاعتناء بالشك.

فلا يكون تماما لما قلنا من أن عدم وقوع الشّك في الأولتين ليس شرطا للسجدتين، أو وجود الشك مانع عنهما حتّى يقال بعد المضى عنهما بأنّه لا يعتنى بالشك في صحتهما و فسادهما من باب الشكّ في وجود ما يعتبر في صحتهما و عدم وجوده.

[استصحاب تأخر الحادث لا يكون مفيدا]

و إن كان الوجه هو استصحاب تأخر الحادث، و بعبارة اخرى اصالة عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال، فهو غير مفيد.

أمّا أولا فلأن هذا الاصل و إن كان يثبت به عدم وقوع الشّك في الأولتين، و

يترتب عليه كل أثر مترتب على هذا العدم، إلا أنّه لا يثبت به كون الشّك حادثا في الأخيرتين حتّى يكون موردا للبناء على الأكثر إلا على القول بالاصول المثبتة.

و ثانيا لو فرض عدم كون ذلك مثبتا بأن يقال: مجرد إثبات عدم وقوع في الأولتين كاف في ثبوت موضوع حكم البناء على الأكثر، لعدم اعتبار إثبات كون الشك حادثا في الأخيرتين، فنقول: إنّ هذا الاستصحاب يعارض مع استصحاب بقاء الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشّك فينتج كون الشّك واقعا في الأولتين، فتبطل الصّلاة.

إن قلت: إن هذا لا يثبت كون الشّك متصفا بكونه حادثا في الأولتين.

نقول: إن استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال لا يثبت كون الشك متصفا بوجوده في الأخيرتين.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 308

فتحصل أن هذين الوجهين لا يثبتان كون الشّك بعد الإكمال.

إذا عرفت ذلك نقول: إن المراد ممّا يدلّ على لزوم حفظ الركعتين الأولتين من السهو و لزوم إحرازهما ليس كون ذلك شرطا في الصّلاة، أو السهو فيهما مانعا من موانع الصّلاة، لأنّ المصلّى لو صلّى و شك، فكلما يشكّ في أنّه هل أتى بركعتين أو أزيد، فهما محزران و لو وقع نقص فقد وقع في الأخيرتين، فإحراز هذا الشرط ممكن في الصّلاة و حاصل و متحقق، لأنّه بعد ما يأتي المصلّى بعد الأولتين ركعتين آخرتين، فلو وقع نقص في صلاته فهذا النقص غير واقع في الأولتين، بل هما محزران، فهذا الشرط أى إحرازهما متحقق، بل المراد من لزوم حفظهما و إحرازهما، و عدم السهو فيهما، هو لزوم كون المصلّى حافظا فيهما و عدمه كونه ساهيا و مبتلى بالسهو حالهما، و معنى ذلك كون الحافظية إمّا شرط في الركعة الاولى و الثانية

أو السهو مانع لهاتين الركعتين.

فما يعتبر بعنوان الحفظ، أو عدم السهو ليس معتبرا على سبيل الشرطية أو المانعية في الصّلاة، بل هو شرط أو مانع في الركعة، و بعبارة اخرى من شرائط الركعتين الأولتين أو من موانعهما كون المصلّى حافظا لهما، أو عدم وقوع السهو منه فيهما، فان كان ذلك معتبرا في نفس الركعة في الأولتين فيقول: بأنّه بعد ما شك بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ بنى على الثلاث و شرع في الركعة الرابعة و شك في أن شكه هذا هل حدث قبل الإكمال أو بعد الإكمال، فيكون شكه في أنّه هل أتى بما هو شرط فى الركعة الثانية من لزوم حفظها عن السهو، أو هل ترك مانعها أي: السهو فيها، أولا، فيكون شكه راجعا إلى أنّه هل أتى بالركعة الثانية صحيحة و على ما هى عليه أولا، ففي هذا المورد يجرى قاعدة التجاوز، و يكون موردها، لأنّه بعد ما قلنا من أنها كما تشمل الشّك في نفس الجزء، تشمل لما إذا كان الشّك في أن الجزء هل وقع صحيحا و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 309

واجدا للشرط أم لا بطريق الاولى، ففي المقام نقول: يكون مجرى قاعدة التجاوز لأنّ الشك يكون في أن جزء الصّلاة أى: الركعة الثانية هل وقعت صحيحة أم لا، فببركة قاعدة التجاوز نحكم بوجودها صحيحة، و لا يعتنى بهذا الشك، فلا وجه لبطلان الصّلاة، فيكون الشّك بعد الإكمال كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة و نحن وافقنا معه فى هذه المسألة. «1»

[في ذكر كلام السيد اليزدي ره]

قال السيّد رحمه اللّه في العروة:

الاولى: إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر فإن كان قد صلّى الظهر، بطل ما

______________________________

(1)- (أقول: اعلم أن ما

افاده مد ظله العالى لا يفيد لكون الشّك بعد الإكمال أمّا أولا فلأن إجراء قاعدة التجاوز في الركعة محل إشكال، لأنّ مورده الشّك في وجود الجزء أو الشرط، لا لوجود الركعة على ما هى عليه، و إلا ففي الركعتين الأخيرتين لا بدّ أن يقال بتعارض (ابن على الأكثر) مع قاعدة التجاوز لو شك في الركعة بعد مضى محله، مثل ما إذا شك في الرابعة بعد ما يكون في التشهّد الأخير، و لا يقال به، فتأمّل و هذا الوجه إن لم يتم و قلنا بجريان قاعدة التجاوز كما أفاده مدّ ظله العالى فاقول: و أمّا ثانيا فلأن إجراء قاعدة التجاوز فى الركعة الثانية، و كون اثرها عدم الشّك حادثا فيها، لا يثبت كون الشّك حادثا في الركعة الثالثة و بعد الإكمال، لعدم كونها أمارة حتّى يكون مورد البناء على الأكثر.

إن قلت: إن مجرد عدم حدوث الشّك في الأولتين كاف لكون الشكّ محكوما بالبناء على أكثر.

قلت: على هذا يكفى استصحاب عدم حدوث الشكّ فى الأولتين، إلا أن يقال بتعارض هذا الاستصحاب باستصحاب بقاء الركعة إلى حدوث الشك، كما ذكرنا سابقا.

و على كل حال بعد كون ظاهر بعض الأخبار اعتبار حدوث الشّك في الأخيرتين، لكون الشك موضوعا للبناء على الأكثر، فلا يثبت ذلك لا بالاستصحاب، و لا بقاعدة التجاوز، فتبطل الصّلاة، و الاحتياط إتمامها ثمّ عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ إعادة أصل الصّلاة، فتأمّل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 310

بيده، و إن كان لم يصلها، أو شك في أنّه صلاها أو لا عدل به إليها.

الثانية: إذا شك في أن ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل، و مع علمه بعدم الإتيان بها أو الشّك

فيه، عدل بنيته إليها إن لم يدخل في ركوع الرابعة، و إلا بطل أيضا. «1»

قال مدّ ظلّه «2»: إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر، و علم بعدم إتيان الظهر، فيعدل إلى الظهر، و تصح الصّلاة، لأنّه إن افتتح ما بيده من الصّلاة ظهرا فهذه النية لا تنافيه، و إن افتتحها عصرا فبالعدول يجعلها ظهرا، و كذا في ما يشكّ أن ما بيده مغربا أو عشاء و لم يمض محل العدول أى: لم يدخل في الركعة الرابعة على قول، أ و لم يدخل في الركوع من الركعة الرابعة على ما هو المعروف بين المقار بين من عصرنا، ففي هذه الصورة أيضا يعدل إلى المغرب.

ثمّ إنّه لو دخل في موضع لا يمكن العدول إلى المغرب مثل ما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة فهنا مسألتين:

الاولى: أن يعلم بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء، عدم إتيان المغرب، فلا يكون مورد العدول لمضى محله، فهل يتمها عشاء، ثمّ يأتي بعدها بالمغرب، أو تبطل ما بيده، فلا بد من إتيان المغرب و العشاء؟

______________________________

(1)- (أقول للمسألتين صور ثلاثة، لأنّه إما أن يعلم بعدم إتيان الظهر أو المغرب، و يشكّ أن ما بيده ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء، و إمّا أن يعلم بإتيان الظهر أو المغرب و إمّا أن يكون شاكا في إتيانهما، و تعرض سيدنا الاستاد مد ظله العالى حين المذاكرة للصورة الاولى كما فى المتن.

(المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 645.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 311

وجه إتمام ما بيده عشاء هو أنّه و إن كان في هذا الحال متذكرا لعدم إتيان المغرب، فلا يراعى في ما بقى شرطية الترتيب، لوقوعها قبل المغرب، لكن يقال: يستفاد من

بعض الأدلة الدالة على أنّه لو وقع العشاء قبل المغرب نسنايا، و بعد الفراغ تذكر عدم إتيان المغرب تصح العشاء، و يأتي بالمغرب بعدها، أن شرطية الترتيب ساقطة في ما لا يمكن جعل المرتب أى: العشاء مغربا بإلغاء الخصوصية بين ما يكون عدم إمكان حفظ الترتيب لأجل السهو عن إتيان المغرب، أو لأجل عدم إمكان حفظه لأجل مضى محل العدول و إن كان عالما به.

وجه بطلان العشاء الّذي بيده هو أنّه بعد عدم إمكان العدول منه إلى المغرب لا يمكن إتمامه عشاء لأنّه فاقد للترتيب المعتبر فيه، لأنّ ما مضى منه و إن سقطت شرطية الترتيب بالنسبة إليه، إلا أنّ ما بقى منه فاقد لهذا الشرط مع كونه متذكرا بهذا الشرط، فتبطل هذه الصّلاة.

لا يعبد الأوّل أى: صحة هذه الصّلاة بإتمامها عشاء.

الثانية: لو شرع في العشاء و قبل مضى محل العدول شكّ بين الاثنتين و الثلاث في هذه الصّلاة فتذكّر عدم إتيانه المغرب، فتكون هذه المسألة من حيث الحكم مثل المسألة السابقة بعد عدم إمكان العدول منه إلى المغرب، لأنّه لو عدل إلى المغرب يلزم وقوع الشّك في ركعات المغرب، و تبطل الصّلاة، فليس محل العدول، لأنّ كل مورد يمكن أن تقع الصّلاة صلاة يعدل إليها، يكون محل العدول و إلّا فلا، لأنّه إذا لم يمكن العدول فقابلية وقوع ما بيده عشاء أو عدم قابليته و بطلانه مبنىّ

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 312

على الوجهين المتقدمين في المسألة السابقة، فافهم. «1»

[في ذكر المسألة السادسة و العشرون من العروة]

قال السيّد رحمه اللّه في العروة «2»: السادسة و العشرون: إذا صلّى الظهرين، و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إمّا ترك ركعة من الظهر، و التى بيده رابعة العصر، أو أن ظهره

تامة و هذه الركعة ثالثة العصر، فبالنسبة إلى الظهر شك بعد الفراغ، و مقتضى القاعدة البناء على كونها تامة، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الاربع، و مقتضى البناء على الأكثر الحكم بأن ما بيده رابعتها و الإتيان بصلوة الاحتياط بعد إتمامها، إلا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معا، لأنّ الظهر إن كانت تامة، فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة، فلا يكون الظهر تامة، فيجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين، نعم الاحوط الإتيان بركعة اخرى للعصر، ثمّ إعادة الصلاتين، لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات، و كذا الحال في العشاءين إذا علم أنّه إمّا صلّى المغرب ركعتين، و ما بيده رابعة العشاء، أو صلاها ثلاث ركعات و ما بيده ثالثة العشاء.

و نحن علقنا في حاشيتنا على العروة في هذه المسألة في قوله (لأن الظهر) بأن (الحكم بتمامية الظهر ظاهرا لا يستلزم الحكم بنقص العصر و أن ما بيده ثالثتها، و ليس

______________________________

(1)- أقول: كما قلت، لم يتعرض مد ظله العالى لصورة الشّك في أن ما بيده عصر أو ظهر، أو عشاء أو مغرب مع علمه بإتيان الظهر و المغرب، أو مع الشّك في إتيانهما أمّا في صورة علمه بإتيانهما فتبطل الصّلاة الّتي بيده لأنّه لا يدرى بأىّ عنوان أتى به، فإن أتاه بقصد الظهر، فلا تقع عصرا فلا يدرى ما أتى به في الخارج صار معنونا بعنوان العصر أم لا، و أمّا لو كان شاكّا في إتيانهما فحيث إن الشّك في وجود الظهر أو المغرب في الوقت فمقتضى الاشتغال وجوب إتيانهما و كونهما محكومين بالعدم، فلا بدّ من العدول إليهما، و تقع ما بيده

ظهرا أو مغربا بلا اشكال، فافهم. (المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 653.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 313

الواجب عند الشك في الثلاث و الأربع هو الالتزام بعدم النقص و أنها اربع، بل إتمامها على ما بيده كائنا ما كان مع جبر النقص المحتمل فيها بصلوة الاحتياط فلا تدافع بين القاعدتين، و لا بينهما و بين العلم الإجمالي و العمل بهما متعين.

[مراد السيد عدم الجمع بين العلم الاجمالي و اعمال القاعدتين]

أعلم أن حاصل ما قال السيّد رحمه اللّه هو أنّه في مفروض الكلام لا يمكن مع هذا العلم الإجمالي اعمال القاعدتين أى: قاعدة الفراغ و البناء على الأكثر معا، لأنّ الظهر إن كانت تامّه فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة فلا تكون الظهر تامة، فيجب إعادة كل من الصلاتين لعدم ترجيح فى البين، فهو تخيل أن إجراء القاعدتين مخالف مع العلم الإجمالي، و لكن الحق ما قلنا من عدم كون العلم الإجمالي منافيا مع إجراء القاعدتين و لا تدافع بينهما.

بيانه أن في العلم الإجمالي تارة نقول: بأن مع العلم الإجمالي لا تجري الاصول في الأطراف من باب المناقضة، و بعبارة اخرى إجراء الأصل في كل طرف مناقض مع العلم الإجمالي فعلى هذا لا يجرى الاصل و لو لم يوجب المخالفة مع العلم الإجمالي، حتى لو كان الأصل في بعض الأطراف أو تمامه موافقا مع العلم الإجمالي لا يجرى هذا الأصل، لأنّه مناقض مع العلم الإجمالي، فعلى هذا المبنى لا يدور عدم إجراء الأصل في الأطراف و عدمه مدار عدم استلزام مخالفته مع العلم و استلزامه لذلك.

و تارة نقول: بأن الأصول لا تجرى في أطرافه إذا صار إجرائها موجبا للمخالفة العملية له، و بدون ذلك لا مانع من إجرائها كما اختاره الشّيخ

الانصارى رحمه اللّه في الرسائل، و هذا هو الحق، لأنّه لا وجه لعدم إجراء الأصل في خصوص كل طرف من الأطراف بنفسه إلا إذا صار موجبا للمخالفة العملية للعلم الإجمالى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 314

إذا عرفت أنّ الحقّ هو عدم مانع من إجراء الاصول فى أطرافه إلّا إذا صار موجبا للمخالفة العملية له، و أمّا لو لم يكن موجبا لذلك، فلا مانع من اجراء الاصول، نقول: ان في المورد لا يوجب إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و لا قاعدة البناء على الأكثر في العصر موجبا لمخالفة عملية للعلم الإجمالي بنقص الركعة في أحدهما، لأنّ إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأكثر في العصر، و جبر النقص موصولة غير مخالف مع العلم، نعم لو التزمنا بقاعدة الفراغ في الظهر، و عدم نقص في العصر، و عدم إتيان ركعة مفصولة، كان إجراء القاعدتين مخالفا مع العلم الإجمالي في البين، و لكن على ما قلنا لا يوجب إجرائهما للمخالفة القطعية مع العلم الإجمالي.

[في ذكر اشكالين و رفعهما]

و أماما قد يقال، كما قال السيّد رحمه اللّه من أن إجراء قاعدة الفراغ في الظهر لازمه وقوع النقص في العصر، فيجب إتيان ركعة موصولة، فليس في محلّه لعدم كون لسان قاعدة الفراغ لسان الأمارة، بل هو من الاصول و ليست مثبتها حجة.

إن قلت: إن قاعدة الفراغ جارية في الظهر، و لكن لا مجال في المقام للبناء على الأكثر في العصر، و جبر النقص المحتمل مفصولة للعلم التفصيلى بفساد هذه الصّلاة إمّا لنقص ركعة منها، و إمّا لفقد الترتيب المعتبر فيها لو حصل نقص الركعة في الظهر، فبالبناء على الأكثر لا تصح هذه الصّلاة، لأنّه إن كانت الركعة الناقصة منها، فلا مورد للبناء

على الأكثر و إن كانت من الظهر، فتبطل هذه الصّلاة لعدم إمكان حفظ الترتيب في الأجزاء الباقية منه من التشهّد و السلام، فتبطل هذه الصّلاة، و لا بدّ من إعادتها.

و بهذا البيان عرفت ان العلم الاجمالى ينحل بالعلم التفصيلى و الشك البدوى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 315

العلم التفصيلى ببطلان العصر، لانه بعد عدم امكان اجراء قاعدة البناء على الاكثر فلا يمكن اتيان ركعة موصولة لاحتمال كونها زيادة في الصّلاة فيقطع ببطلان صلاة العصر بهذا الحال اما لنقص فيها او لفقد شرط الترتيب.

قلت: بان مقتضى اجراء قاعدة الفراغ في الظهر يكفي فى صحة العصر من حيث شرطية الترتيب، لانّ معنى الترتيب وقوع العصر بعد الظهر و العشاء بعد المغرب، و بعد ما قلنا بصحة الظهر لقاعدة الفراغ، فالعصر واقع بعده واجدا لشرطية الترتيب، و بعد واجديته للترتيب فيحتمل فيه النقص و هو متدارك بركعة مفصولة فتصح العصر بذلك، و لا يوجب البناء على الاكثر في العصر مع اجراء قاعدة الفراغ في الظهر منافات مع العلم الاجمالى.

ان قلت على ما قلت يثبت بقاعدة الفراغ الجارية في الظهر كون العصر واجدا لشرط الترتيب، و هذا لا يساعد الّا مع كون قاعدة الفراغ من الامارات، و يصح ان يقال بانّها يثبت كون النقص بركعة واقعا فى العصر، لانّ لازم كون الظهر تامة كون النقص فى العصر فبضم ركعة موصولة بالعصر يصح العصر أيضا كالظهر، و لا مجال للبناء على الاكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة.

قلت انا لا نقول بكون قاعدة الفراغ من الامارات حتّى يقال بانّها يثبت لوازمها و من جملة لوازمها كون النقص المتعلّق به العلم الاجمالى واردا بالعصر.

و لا نقول باثبات شرطية الترتيب المعتبر فى العصر

بقاعدة الفراغ الجارية في الظهر لاجل كون ذلك من لوازمها حتّى يرد علينا ما قلت.

بل نقول بانّه بعد كون الترتيب المعتبر في العصر هو وقوع العصر بعد الظهر الصحيح فبعد اجراء قاعدة الفراغ نحكم بوقوعها تامة و خصوصا على مختارنا في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 316

الاجزاء تدلّ على ان هذه الصّلاة ان كانت ثلاث ركعات واقعا فيكون مثل اربع ركعات فببركتها تقع الظهر صحيحة، فالعصر الواقع بعده تقع واجدة للشرط.

إن قلت: بأنّه بعد ما سلّم للعصر قبل أن يأتي بالنقص المحتمل على ما قلت من اجراء قاعدة البناء على الأكثر، فهو يقطع تفصيلا ببطلان صلاته إمّا لنقص فيها، و إما لنقص في الظهر، فهو يعلم تفصيلا ببطلان هذه الصّلاة، لأنّه إمّا نقص من الظهر ركعة فالعصر فاقد لشرطية الترتيب، و إمّا نقص من نفس العصر ركعة، فبطلت صلاته على كل حال.

قلت لو تأمّلت في ما قلنا يظهر لك عدم مجال لهذا الإشكال لأنا إن قلنا بتمامية العصر بالسلام، و عدم وجوب ركعة مفصولة، صح ما قلت من علمه التفصيلى، و أمّا بعد ما قلنا من أنّه يبنى على الأكثر، فهو مع أنّه سلم، و لكن ما حصل فراغ الذمّة من العصر إلا بإتيان ركعة مفصولة، و بعد إتيانها لا يعلم تفصيلا بوقوع عصره فاسدا و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الإجمالي.

فتلحض ممّا مر أنّه في المسألة قد يقال بما قال السيّد رحمه اللّه: من أنّه مع العلم الإجمالي بنقص ركعة يوجب عدم اجراء كل من قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأكثر في العصر، فنقول: بأنّه لا ينافى إجرائهما لأنّ منشأ عدم إجرائهما هو لزوم المخالفة للعلم الإجمالي، لعدم إجرائهما لمخالفة قطعية

للعلم الإجمالي إلا إذا قلنا بأن نفس العلم مانع من إجراء الاصول في أطرافه و لو لم يلزم مخالفة قطعية، و نحن لم نقل بذلك.

و قد يقال: بأنّه بعد إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، فيكون لازمه وقوع النقص في العصر، كما اشار إليه السيّد رحمه اللّه في ذيل كلامه، فيكون أثر ذلك لزوم اتيان ركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 317

موصولة في العصر لا مفصولة.

و فيه أنّه لا يثبت بقاعدة الفراغ لوازمه حتّى بناء على كونها أمارة، لأنّ أماريتهما لا تلازم مع كون مثبتها حجة (أقول: لم يبين مد ظله العالى وجهه) فلا وجه لضم ركعة موصولة بالعصر.

و قد يقال: بلزوم إعادة العصر للعلم التفصيلى بفسادها إمّا لأجل فقد الترتيب، و إمّا لنقص ركعة منه.

و فيه كما عرفت عدم حصول هذا العلم، لأنّ مع البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة كيف يحصل العلم التفصيلى بفساد العصر.

[في انّ الحقّ فى المسألة ما اخترنا]

و يبقى احتمال اخر، و هو ما اخترنا في حاشيتنا، و هو الحق من أن إجراء القاعدتين لا يوجب لمخالفة قطعية مع العلم الإجمالي، فيجرى قاعدة الفراغ في الظهر، و يكون في العصر وجدانا شاكا بين الثلاث و الأربع فيبنى على الأربع و يأتي بركعة مفصولة كى لا تقع زيادة في الصّلاة إن كان ما أتى به أربعا واقعا، و يجبر بها النقص ان كانت الصّلاة ناقصة بركعة، و لا تقل: إن مع إجراء قاعدة الفراغ في الظهر لا بدّ من ضم ركعة موصولة في العصر، لما قلنا من أن ضمها موصولة يوجب احتمال الزيادة، و الشارع علّم طريقا على أن تأمن الصّلاة من النقيصة و الزيادة و هو البناء على الأربع و جبر النقص المحتمل أى

الركعة مفصولة، فالحق ما اخترنا في حاشيتنا على العروة، فتأمل جيّدا.

ثمّ إنّه ربما يستشكل على ما اخترنا بأنّه إن كانت قاعدة البناء على الأكثر حكما واقعيا، فلا يوجب مع العمل بها المخالفة القطعية للعلم الإجمالي و أمّا بناء على كونها حكما ظاهريا، كما هو الحق لجعلها في مورد الشك، فما نصنع مع العلم الاجمال بنقص الركعة واقعا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 318

و نقول جوابا عن ذلك: بأنّه على ما اخترنا في الإجزاء من أن الأحكام الظاهرية سواء كانت أمارة أو اصلا مجزية عن الواقع إذا كان لسانها لسان الفردية فالطهارة المستصحبة أو الثابتة بالأمارة، تكون فردا للطهارة و هكذا، فنقول: بأن الصّلاة البانية فيها على الأكثر بمقتضى (ابن على الاكثر) و إتيان محتمل النقص منها مفصولة، فرد للصّلاة، ففي المقام من يأتي مع الشّك بين الثلاث و الأربع بركعة مفصولة و بهذا النحو أتى بالصّلاة بحكم (ابن على الأكثر) لا أنّه لم يأت بها، و لكن الشارع تقبل غير الصّلاة مقام الصّلاة، فعلى هذا لا يبقى مع البناء على الأكثر العلم بنقص ركعة من إحدى الصلاتين واقعا. «1»

[في الكلام السيّد اليزدي رحمه اللّه في العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: السابعة و الخمسون إذا توضأ و صلّى ثمّ علم أنّه إمّا ترك جزء من وضوئه، أو ركنا من صلاته فالأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصّلاة، لكن لا يبعد جريان قاعدة الشّك بعد الفراغ في الوضوء، لأنها لا تجري في الصّلاة حتّى يحصل التعارض، و ذلك للعلم ببطلان الصّلاة على كل حال. «2»

و الحق هذا أى: إعادة الصّلاة فقط للعلم التفصيلى ببطلانها إما لعدم كونها واجدة لشرطية الطهارة لنقص في وضوئه و إمّا لفقد ركن من نفس صلاته فصلاته فاسدة على كل حال.

قال السيّد رحمه

اللّه: الثامنة و العشرون إذا علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات، و قبل السّلام من العصر شك في أنّه هل صلّى الظهر أربع ركعات، فالتى بيده رابعة العصر، أو أنّه نقص من الظهر ركعة، فسلّم على الثلاث، و هذه الّتي بيده خامسة

______________________________

(1)- (أقول: لا فرق في ذلك بين القول بالإجزاء كما هو مختاره مد ظله العالى، و عدمه.

(المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 663.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 319

العصر، فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الأربع و الخمس، فيحكم بصحة الصلاتين، إذ لا مانع من اجراء القاعدتين فبالنسبة إلى الظهر يجرى قاعدة الفراغ، و الشك بعد السلام فيبنى على أنّه سلّم على أربع، و بالنسبة إلى العصر يجرى حكم الشكّ بين الأربع و الخمس فيبنى على الأربع إذا كان بعد اكمال السجدتين، فيتشهد، و يسلم، ثمّ يسجد سجدتى السهو، و كذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السّلام من العشاء أنّه صلّى سبع ركعات، و شك في أنّه سلّم من المغرب على ثلاث، فالتى بيده رابعة العشاء، أو سلّم على الاثنتين، فالتى بيده خامسة العشاء، فإنه يحكم بصحة الصلاتين و إجراء القاعدتين. «1»

[صحّة كلام السيّد اليزدي ره في هذه المسألة]

و ما قاله حق في المقام و وافقنا معه رحمه اللّه، و وجهه واضح، لعدم مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الظهر و المغرب و عدم مانع من البناء على الأربع في العصر و العشاء لكون الشّك وجدانا بين الأربع و الخمس، و ليس في البين علم إجمالى بنقص أو زيادة في أحدهما بل يحتمل النقص في الظهر و المغرب، و الزيادة فى العصر و العشاء، فتجرى القاعدتين بلا إشكال، فافهم. «2»

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 654.

(2)- أقول:

و هنا كلام من آية اللّه العراقى؛ في الإشكال في إجراء قاعدة البناء على الأكثر و ذلك لأنّ التعبد بالأربع إنما يجي ء في مورد يشكّ في الاربع في ظرف صحة صلاته و في المقام لا يشكّ فيه على فرض الصحة، للجزم بوقوعها رابعة، و إنما شكه فيها من جهة الشّك في فسادها الناشئ عن وقوع الاولى ثلاثا أم خمسا الموجب لبطلان الثانية أيضا لفقد الترتيب، و على أى حال يعلم حينئذ إجمالا بخلل في التعبد بالأربع في هذه الصّلاة إمّا لعدم الشك، أو لعدم الأثر و مع هذا العلم لا يبقى مجال لشمول أدلّة التعبد بالأربع و ذلك ظاهر، كما أنّه لا مصحح لها من جهة اخرى بعد سقوط أصالة الاقلّ عن الاعتبار، كما أن أصالة الفراغ في السابقة أيضا لا تجري في تصحيح هذه الصّلاة، لعدم رفع العلم الإجمالي الوجدانى بالزائد كما لا يخفى. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 320

[في ذكر المسألة التاسعة و العشرون من العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: التاسعة و العشرون لو انعكس الفرض السابق بأن شك- بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السّلام من العصر- في أنّه صلّى الظهر أربع، فالتى بيده رابعة العصر، أو صلاها خمسا، فالتى بيده ثالثة العصر فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الأربع، و لا وجه لإعمال قاعدة الشّك بين الثلاث و الأربع في العصر، لأنّه إن صلّى الظهر أربعا، فعصره أيضا أربعة، فلا محل لصلاة الاحتياط، و إن صلّى الظهر خمسا، فلا وجه للبناء على الأربع في العصر و صلاة الاحتياط، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين، نعم لو عدل بالعصر إلى الظهر، و أتى بركعة اخرى و أتمها، يحصل له العلم بتحقق

ظهر صحيحة مرددة بين الاولى إن كان في الواقع سلم فيها على الأربع، و بين الثانية المعدول بها إليها إن كان سلم فيها على الخمس، و كذا الحال في العشاءين إذا شك- بعد العلم بأنّه صلّى سبع ركعات قبل السّلام من العشاء- في أنّه سلم في المغرب على الثلاث حتّى يكون ما بيده رابعة العشاء، أو على الأربع حتّى يكون ما بيده ثالثتها الخ.

و نحن قلنا في هذه المسألة في حاشيتنا على العروة عند قوله (و لا وجه لإعمال قاعدة الشّك بين الثلاث و الأربع) بأنّه (بل الوجه هو العمل بها، لأنّ استلزام صحة الظهر لكون العصر أربعا بحسب الواقع، لا يوجب استلزامه في الحكم الظاهرى، مع أن الموضوع لصلاة الاحتياط هو احتمال النقص لا النقص و هو متحقق بالوجدان) و الفرض أنّه مع فرض أن قاعدة الفراغ الجارية في الظهر لا يثبت كون العصر أربعا، فالمصلّى في هذا الفرض في عصره شاك وجدانا بين الثلاث و الأربع، و لا ينافي كون تكليفه هذا ان مع فرض كون الظهر أربعا يكون العصر أربعا، لأن في تمام موارد الشكوك المنصوصة يحتمل كون الصّلاة تامّه، كما يحتمل كونها ناقصة، فمع الشّك في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 321

النقص و عدمه يكون التكليف البناء على الأكثر، ففي المقام مع الشكّ وجدانا بين الثلاث و الأربع في عصره تكون الوظيفة البناء على الأربع، و جبر النقص المحتمل بصلوة الاحتياط، و لا وجه لفساد صلاة عصره أصلا.

[لا وجه لما قاله السيّد اليزدي رحمه اللّه من العدول من العصر الى الظهر]

و كذلك لو شك قبل سلام العشاء مع علمه بإتيانه سبع ركعات، في أنّه هل أتى مغربه ثلاث ركعات حتّى يكون ما بيده رابعة العشاء فيكون شكّه في العشاء بين الثلاث و الأربع

فتصح صلاته، و يعمل عمل هذا الشك، و لا تصل النوبة إلى ما قال السيد رحمه اللّه من العدول من العصر إلى الظهر، و من العشاء إلى المغرب.

و قال السيّد رحمه اللّه: السابعة و العشرون لو علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات، و لكن لم يدر أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة و زاد في الاخرى، بنى على أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات عملا بقاعدة عدم اعتبار بعد السلام، و كذا إذا علم أنّه صلّى العشاءين سبع ركعات، و شك بعد السلام في أنّه صلى المغرب ثلاثة و العشاء أربعة، أو نقص من إحداهما و زاد في الاخرى، فيبنى على صحّتهما «1».

و وجهه واضح كما أشار إليه لأنّ قاعدة الفراغ في كل من الصلاتين جارية و مقتضاها عدم نقص و لا زيادة في كل واحد منهما، و لا مانع من إجرائها، لأنّه يكون شاك في وقوع الزيادة فى إحداهما و النقيصة في الاخرى.

و قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة و العشرون إذا صلّى الظهر و العصر، و علم

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 654.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 322

بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة، فإن كان بعد الإتيان بالمنافى عمدا و سهوا أتى بصلوة واحدة بقصد ما في الذمّة و إن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة، ثمّ سجد للسهو عن السّلام في غير المحلّ، ثمّ أعاد الاولى، بل الأحوط ألا ينوى الاولى، بل يصلى أربع ركعات بقصد ما فى الذمّة لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّه محسوبة ظهرا.

[في كلام السيّد اليزدي رحمه اللّه]

و ما قال فى المسألة فى صورة تذكره قبل فعل المنافى من أن الأحوط أن لا ينوى الاولى أى:

الظهر، وجهه بعض الأخبار الدالة على أنّ بعد صلاة العصر لو تذكر أنّ الظهر غير مأتى به يعدل من العصر إليه ففي المسألة بعد إتيان ركعة في الثانية، فعلى فرض عدم صحة الظهر صارت هذه الصّلاة ظهرا فلهذا لا يقصد في أربع ركعات يأتي بعدها الظهر أو العصر.

و لكن نحن قلنا: بأن هذه الرواية غير معمول بها، فلا يكون مورد العدول من اللاحقة إلى السابقة إلا في الأثناء مع بقاء محل العدول، ثمّ إنّه في صورة العلم بالنقص بعد الإتيان بالمنافى، يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة لأنّ مقتضى العلم ليس إلا وجود النقص في إحدى الصلاتين، لأنّه كما يعلم بنقص إحدى الصلاتين، يعلم بتمامية الاخرى، لأنّ الفرض وجود النقص في إحداهما فقط، فبإتيان الأربع بقصد ما في الذمّة تحصل البراءة (بناء على عدم اعتبار الترتيب بين الظهر و العصر في هذا الفرض، و إلّا فلو قلنا باعتباره، فلا بد من إعادة كل من الظهر و العصر، و يأتي الكلام فيه في طى المسألة ان شاء اللّه).

و أمّا لو تذكر النقص بعد السلام من العصر قبل فعل المنافى، فيحث إنّه يعلم بوجود النقص إمّا في ما بيده من صلاة العصر، و إمّا في الظهر، فلا بد من إضافة ركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 323

إلى الثانية، ثمّ سجدتى السهو للسلام الواقع في غير محله، ثمّ إعادة الظهر لاقتضاء العلم الإجمالي لذلك و هذا إذا لم نقل بشرطية الترتيب بين الظهر و العصر في هذه الصورة.

و أمّا لو قيل بوجوب إعادة العصر، لأجل العلم التفصيلى ببطلانه إمّا لأجل نقص فيها بركعة، و إمّا لفقده شرط الترتيب، و يقال بذلك في صورة تذكر النقص بعد فعل

المنافى.

فنقول: بعد كون الترتيب شرطا ذكريا يكون معنى شرطيته أنّه لا يجوز الدخول في العصر مع التوجّه و العلم بعدم إتيان لظهر، و أمّا لو تخيل إتيان الظهر، و دخل في العصر بزعم إتيانه الظهر، ثمّ انكشف عدم اتيان الظهر، فإن انكشف في أثناء العصر، و يكون محل العدول يعدل منه إلى الظهر، و ان انكشف بعد العصر، فيصح العصر، و يأتي بعده بالظهر، و لا يضرّ فقد الترتيب و صحة العصر في هذه الصورة مسلمة، فكذلك في محل الكلام، لأنّ دخوله في العصر كان بزعم أنّه أتى بالظهر الصحيح، فانكشف بعد سلام العصر نقص في أحد من الظهر و العصر فلا يعتبر في هذا العصر ترتبه على الظهر.

إن قلت: إنّ في صورة تذكر النقص بعد سلام العصر قبل المنافى، كيف يأتي بركعة بقصد الرابعة من العصر، مع فقد هذه الركعة للترتيب، لاحتمال وقوعها بعد الظهر الغير الصحيح.

نقول: هذا كلام فاسد و في غير محله، لأنّه إمّا يكون النقص بركعة فى الظهر واقعا، فيعلم في هذه الصورة بعدم وجود نقص في صلاة العصر، فوقع سلامها في محله، و على هذا الفرض كانت صلاة عصره تامّة و لا يعتبر فيها الترتيب لوقوعها في حال يزعم إتيانه بالظهر الصحيح، و إن كان النقص بركعة واقعا فى العصر واقعا،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 324

فهو في هذه الصورة يعلم بوقوع ظهره صحيحة تامّه فصلاة عصره واجدة للترتيب و هذه الركعة على هذا واجدة لشرطية الترتيب، فالحكم ما قلنا في المسألة.

و مثل هذه المسألة في الحكم المسألة الخامسة و العشرون من الفروع الّتي تعرض لها السيّد رحمه اللّه في العروة و هو ما إذا صلّى المغرب و العشاء، ثمّ بعد

سلام العشاء يعلم بنقص ركعة فى المغرب أو في العشاء، فراجع.

[فى المسألة الثالثة و الخمسون من العروة]
اشارة

و قال السيّد رحمه اللّه: المسألة الثالثة و الخمسون، إذا شك في أنّه صلّى المغرب و العشاء أم لا قبل أن ينتصف الليل، و المفروض أنّه عالم بأنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها، فيحتمل أن يكون الصلاتان الباقيتان المغرب و العشاء، و يحتمل أن يكون اتيا بهما و نسي اثنتين من صلوات النهار، وجب عليه الإتيان بالمغرب و العشاء فقط، لأنّ الشّك بالنسبة إلى صلوات النهار بعد الوقت، و بالنسبة إليهما في وقتهما، و لو علم أنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا صلاتين، أضاف إلى المغرب و العشاء قضاء ثنائية و رباعية، و كذا إن علم أنّه لم يصلّ إلّا صلاة واحدة. «1»

اعلم أن في الصورة الاولى من المسألة أى: ما إذا علم قبل أن ينتصف الليل بأنه ما صلّى في هذا اليوم و الليلة صلاتين، و لا يدرى هل هما العشاءان، أو يكون المتروك من الفجر و الظهر و العصر، فحيث إن إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت بالنسبة إلى صلاة الفجر و الظهر و العصر يكون بلا معارض، و يكون الشّك بالنسبة إلى المغرب و العشاء في الوقت، فمقتضى الاستصحاب عدم إتيانهما، بل لا حاجة إليه، لأن مقتضى الاشتغال اليقينى هو لزوم إتيانهما فيجب أن يأتي بهما، و لا يصير إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت في الفجر و الظهر و العصر موجبا للمخالفة القطعية للعلم

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 662.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 325

الإجمالي في البين.

و من هنا يظهر لك الفرق بين ما إذا يعلم إجمالا ترك صلاتين من الصلوات الخمس من اليوم و

الليلة بعد مضى وقت كل منها، و بين مفروض المسألة، لأنّ في تلك الصورة يكون الشّك بالنسبة إلى كل من الصّلوات شكّا بعد الوقت، و إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت في كل منها مناف مع العلم الإجمالي، فلا بدّ من اتيان ركعتين، و ثلاث ركعات و رباعيتين.

[اجراء قاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة الى الثلاثة بلا مانع]

و أمّا في فرض المسألة فيكون اجراء قاعدة الشّك بعد الوقت بالنسبة إلى الفجر و الظهر و العصر بلا مانع، و يكون بالنسبة إلى المغرب و العشاء شكّا في الوقت «1».

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى في مجلس البحث لصورة ما إذا علم أنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا صلاتين، مع كون هذا الشّك قبل انتصاف الليل، و في الفرض أيضا كما قال السيّد رحمه اللّه يأتي العشاءين و يضيف إليهما ثنائية و رباعية، لأنّ مع العلم الإجمالي بعدم إتيان ثلاث صلوات من الخمسة، فيأتى بالمغرب و العشاء لكون الشّك فيهما في الوقت، و حيث يعلم بفوت صلاة اخرى من الفجر و الظهر و العصر يأتي ثنائية و رباعية، فإن كان ما فات هو الفجر فأتى بثنائية، و إن كان واحدا من الظهر و العصر فبإتيان رباعية تحصل البراءة.

و أمّا إن علم أنّه لم يصلّ إلا صلاة واحدة، فقال السيّد رحمه اللّه: بأن هذه الصورة مثل السابقة، يعنى:

يضيف بالمغرب و العشاء ثنائية و رباعية و لكن كما أفاد سيدنا الاعظم مد ظله العالى في حاشيته على العروة (فى هذا الفرض يجب الإتيان بالخمس) لأنّ في هذا الفرض يعلم إجمالا بعدم إتيان أربع من خمس صلوات، فلا بدّ من إتيان المغرب و العشاء، و حيث إنّه يعلم بعدم إتيان صلاتين من الفجر

و الظهر و العصر، فلا بدّ من إتيان ثنائية و رباعيتين، و لا يكفى ثنائية و رباعية، لأنّ المحتمل كون ما علم به إجمالا، هو كلا من الظهر و العصر، لا الفجر و واحد من الظهرين، كما أنّه.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 326

[في المسألة الرابعة و الخمسون من العروة]

قال السيّد رحمه اللّه: المسألة الرابعة و الخمسون، إذا صلّى الظهر و العصر، ثمّ علم إجمالا أنّه شك في إحداهما بين الاثنتين و الثلاث، و بنى على الثلاث، و لا يدرى أن الشك المذكور في أيهما كان، يحتاط باتيان صلاة الاحتياط، و إعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة.

اعلم أن وجه ما قال السيّد رحمه اللّه- بأنّه يأتي بصلوة واحدة بقصد ما فى الذمة، لا بقصد الظهر- هو ما اختاره من جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة حتّى بعد الفراغ عن المعدول عنه، فعلى هذا في الفرض بعد إتيان صلاة الاحتياط تقع هذا العصر ظهرا لأنّها أربع مكان اربع.

و لكن قلنا في محله بأنّه يكون محل العدول في أثناء الصّلاة لا بعد الفراغ، فتقع ما تراه عصرا صلاة العصر و لو تذكر عدم إتيان الظهر بعدها، يجب إتيان الظهر، فلا وجه لأن يقصد في مقام إتيان صلاة واحدة ما في الذمّة بل ينويها ظهرا.

و أمّا وجه ما اختاره و اخترنا من إتيان صلاة الاحتياط، ثمّ إتيان صلاة واحدة، فهو أنّه إن كان الشّك في العصر فصلاة الاحتياط في محلها، و أمّا إن كان الشك في الظهر، فحيث إنّه حصل الفصل بصلوة العصر بين صلاة الظهر و صلاة الاحتياط، فلا مورد لصلاة الاحتياط لاخلال الفصل، فلا يجبر بصلوة الاحتياط النقص المحتمل، فلا بد- بمقتضى العلم الإجمالي بوقوع الشّك في إحدى الصلاتين- من إتيان

صلاة الاحتياط بعد العصر، ثمّ إتيان صلاة الظهر، و الترتيب غير معتبر

______________________________

يحتمل كون المتروك الفجر و إحداهما، فمع العلم الإجمالي، و عدم وجود معين لا بدّ من إتيان خمس صلوات، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 327

فى مثل المقام، كما قلنا في بعض الفروع السابقة. «1»

[فى المسألة الثلاثون من العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: الثلاثون إذا علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات، و لا يدرى أنّه زاد ركعة في الظهر أو العصر، فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمة، و إن كان قبل السلام، فبالنسبة إلى الظهر يكون من الشّك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر من الشّك بين الأربع و الخمس، و لا يمكن إعمال الحكمين، لكن لو كان بعد إكمال السجدتين عدل إلى الظهر، و أتم الصّلاة، و سجد للسهو، يحصل له اليقين بظهر صحيحة إمّا الاولى أو الثانية. «2»

اعلم

أن للمسألة صورتين:
الاولى:

أن يحدث العلم بوقوع الزيادة بركعة في إحدى الصلاتين بعد سلام

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالى على ما أفاده دام تاييده في فرع من الفروع المتعلقة بصلوة الاحتياط سابقا من أنّه لو أتى في صلاة الاحتياط ما يبطلها، أو شرع في صلاة مترتبة قبلها- مثلا شك في الظهر بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع، و قبل أن يأتي بصلوة الاحتياط شرع نسيانا في صلاة العصر، ثمّ في أثنائها تذكر عدم إتيانه صلاة الاحتياط، فاختار مد ظله أنّه يرفع إليه عن هذه الصّلاة و يأتي بصلوة الاحتياط- لا يضرّ الفصل الحاصل بين صلاة الظهر و صلاة الاحتياط بصلوة الاحتياط الباطلة، أو بالعصر، لأنّ منشأ الشّك في كون صلاة الاحتياط جابرة في هذه الصورة هو الشك في أنّه هل الفورية شرط أو الفصل مانع فيها أم لا، و حيث أن الشّك يكون في الشرطية أو المانعية، و المرجع في الشّك في الشرطية و المانعية هو أصالة البراءة، فتكون النتيجة عدم مضرية الفصل الواقع، لا بدّ من أن يلتزم مدّ ظلّه في

هذه المسألة بكفاية صلاة احتياط واحدة بقصد ما في ذمته للشك بين الاثنتين و الثلاث و لا يجب إتيان أربع ركعات بعد ذلك، إذ الشّك إن كان واقعا في الظهر، فهذه الصّلاة الاحتياط الواقعة بعد صلاة العصر جابرة لاحتمال النقص و لا يضر فصل صلاة العصر، و إن كان الشّك واقعا في العصر فهذه الاحتياط كاف لها، و لم يجب هذا الإشكال سيدنا الاعظم مد ظله العالى. (المقرر)

(2)- العروة الوثقى، ص 655.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 328

العصر، ففي هذه الصورة بعد عدم إمكان إجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين، لتعارض قاعدة الفراغ في كل منهما مع قاعدة الفراغ في الاخرى، للعلم الإجمالي بوقوع زيادة ركعة في إحداهما، فالحق ما قال السيّد رحمه اللّه من أنّه يجب عليه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي ليس إلا وقوع الزيادة في إحداهما، فبطلت إحداهما بزيادة ركعة، فلو أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، لا بقصد خصوص الظهر أو خصوص العصر، تحصل براءة الذمّة من الاشتغال الثابت بالعلم الإجمالي.

و لا مجال لدعوى العلم التفصيلى ببطلان العصر إمّا لزيادة ركعة فيها، و إمّا لزيادة ركعة في الظهر، و معها ما وقعت العصر بعد الظهر، فالعصر فاقد للترتيب، لما قدّمنا من عدم اعتبار الترتيب في أمثال المقام لأنّ دخوله في العصر كان بزعم أنّه أتى بالظهر قبله.

الثانية:

ما إذا حدث العلم الإجمالي بزيادة ركعة في إحداهما قبل سلام العصر.

فهل نقول في المقام بإجراء كل من قاعدة الفراغ، و قاعدة الشّك بين الأربع و الخمس في الظهر و العصر، لأنّ الشّك في الظهر بعد الفراغ، و في العصر يكون المصلّى وجدانا شاك بين الأربع و الخمس كما

قلنا بإجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و قاعدة البناء على الأربع بالنسبة إلى العصر في ما إذا علم إجمالا بنقص ركعة في إحدى الصلاتين.

أو نقول: بعدم إجراء القاعدتين في المقام أصلا، بل لا بدّ من إعادة كل من الصلاتين بمقتضى العلم الإجمالي.

أو نقول: بأنّه يتم ما بيده من العصر بعد قصد العدول من العصر إلى الظهر، و سجدتى السهو للشك بين الأربع و الخمس في ما بيده من الصّلاة وجدانا، ثمّ إتيان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 329

أربع ركعات بقصد العصر بعد ذلك.

[اجراء القاعدتين يوجب للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالي]

اعلم أنّه لا يمكن الالتزام بالاحتمال الأوّل في المقام أى: إجراء كل من القاعدتين، لأنّ إجرائهما يوجب للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالى، لأنّ فى مفروض الكلام يعلم المكلف بزيادة ركعة في إحدى الصلاتين، فإجراء قاعده الفراغ في الظهر، و البناء على الأربع فى العصر الّذي اثره الحكم بتمامية الظهر و العصر، و عدم زيادة فيهما يوجب المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بزيادة ركعة في إحداهما، و هذا بخلاف ما إذا علم إجمالا بنقص ركعة في إحداهما، فإن قاعدة الفراغ في الظهر و البناء على الأربع في العصر و إتيان ركعة مفصولة، لا يوجب للمخالفة القطعية للعلم الإجمالي بوقوع نقص ركعة في إحداهما.

نعم لو قلنا: بأن بالسجدة السهو الواجبة في الشّك بين الأربع و الخمس تجبر الزيادة المحتملة فيمكن الالتزام بإجراء القاعدتين، و عدم لزوم إجرائهما لمخالفة قطعية مع العلم الإجمالي، و يأتي ان شاء اللّه بيانه بعد ذلك.

و أمّا الاحتمال الثالث أى: العدول من العصر إلى الظهر، و إتمام ما بيده ظهرا ثمّ سجدتى السهو، ثمّ إتيان أربع ركعات بقصد العصر بعد عدم إمكان إجراء القاعدتين، فان كنا ملتزمين بالعدول في مثل الفرض

رجاء فكان وجها صحيحا، لأنّ بعد العدول يقطع تفصيلا بوقوع ظهر صحيحة عن الزيادة، لأنّ إحدى الصلاتين الّتي أتى بهما خال عن الزيادة مسلما، و بعد ذلك يأتي بصلوة العصر (و أماما قال السيّد رحمه اللّه: من وجوب سجدتى السهو بعد العدول من باب أنّه شاك بين الأربع و الخمس في ما بيده من الصّلاة، فلا وجه له لإمكان أن يقال بعدم الحاجة إلى سجود السهو، لأنّه بعد العدول فزيادة الركعة غير محتملة في صلاة الظهر الواقعية من هاتين الصلاتين، لأنّه إن كانت الصّلاة الاولى أربع ركعات فهى الظهر، و ليست

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 330

زيادة فيه، و إن كانت الزيادة واقعة في الاولى، فالثانية تصير ظهرا بعد العدول، فهى أيضا تكون الزيادة فيها غير محتملة، فلا موجب لسجود السهو) و إن لم نقل بالعدول في المقام، لعدم محل للعدول مع الشّك في وجود السابقة، فلا وجه له، و يأتي الكلام في ذلك بعد ذلك في ذيل المسألة ان شاء اللّه.

و أمّا الاحتمال الثانى أى: عدم إجراء القاعدتين، و وجوب إعادة كل من الصلاتين من باب العلم الاجمالي بوقوع الزيادة في إحداهما، فنقول: قد بينا في حكم الشك بين الأربع و الخمس من البناء على الأربع و إتيان سجدتى السهو بعد الصّلاة، بأن وجه وجوب سجدتى السهو في هذا الشّك يمكن أن يكون أحد الامرين: إمّا أن يكون وجوبهما لأجل نفس هذا الشّك أى: الشّك بين الأربع و الخمس، و بعبارة اخرى أوجبهما لأجل طروّ هذا الشك، و أنك لم شككت و لم تواظب حتّى لا تبتلي بالشك.

و إمّا أن يكون وجوبهما لأجل جبر الزيادة المحتملة، و أنّه لو فرض كون الصّلاة خمس ركعات

فبسجدتى السهو تجير هذه الزيادة الواقعة في الصّلاة، فكما أن بصلوة الاحتياط يجبر النقص المحتمل، كذلك سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس تجبر الزيادة المحتملة، و نحن قوينا الاحتمال الأوّل.

فإن قلنا بالاحتمال الثانى، ففي المقام يمكن أن يقال: بأنّه لا مانع من إجراء القاعدتين و عدم لزوم مخالفة قطعية للعلم الإجمالي، لأنّه بعد البناء على الأربع في العصر، لأجل كونه شاكّا وجدانا بين الأربع و الخمس، و إتيان سجدتى السهو، فلو وقعت زيادة ركعة فرضا في العصر، فزيادتها منجبرة بسجدتى السهو، كما أن نقص الركعة في صورة العلم الإجمالي بنقص ركعة في إحدى الصلاتين حيث كانت منجبرة بصلوة الاحتياط، و لم يكن اجراء القاعدتين منافيا مع العلم الإجمالي بنقص

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 331

ركعة في إحداهما، فلا يوجب في ما نحن فيه إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأربع في العصر موجبا للمخالفة القطعية مع العلم الإجمالي، لأنّ الزيادة إن حصلت فى العصر فبسجدتى السهو تجبر هذه الزيادة، فعلى هذا لا ينافى إجراء القاعدتين مع العلم الإجمالي.

فإن أمكن أن يقال بذلك الاحتمال الثانى، فيمكن أن يقال باجراء القاعدتين، و إن قلنا بالاول فلا، بل لا بدّ إمّا أن يقال: بأن مقتضى العلم الإجمالي هو بطلان كل من الصلاتين، أو أن يقال: بأنّه يعدل رجاء من العصر إلى الظهر، فيتم ما بيده ظهرا ثمّ يأتي بعده بأربع ركعات بقصد العصر.

[في ذكر كلام العلّامة العراقي]

اعلم أن ما قال العلّامة العراقى رحمه اللّه في حاشيته على العروة، من أن في الفرض يعلم تفصيلا ببطلان صلاة العصر إمّا لنقص ركعة منها، و إمّا لفقدها شرطية الترتيب، لأنّه لا يخلوا إمّا أن تقع الزيادة في الظهر فالعصر باطل

لفقدها الترتيب، و إن وقعت في العصر فهو باطل أيضا لوقوع الزيادة فيها، فيقطع تفصيلا بطلان العصر يكون في محلّه لو قلنا بعدم محل للعدول في المقام، و أمّا لو قلنا بأنّه يعدل رجاء من العصر الّذي بيده، و يتمّه ظهرا فكيف يقطع ببطلان ما بيده من العصر تفصيلا كما قال السيّد رحمه اللّه، و ثمرة هذا العدول هو العلم التفصيلى بوقوع ظهر صحيح منه، لأنّه إن وقعت الزيادة واقعا في العصر، فما نواه ظهرا وقع امتثالا لصلاة الظهر، و الثانية افتتحها بقصد العصر صارت باطلة، و إن وقعت الزيادة في الصّلاة الاولى أى:

الظهر، فهى و إن صارت باطلة إلا أنّه بعد العدول من الثانية أى: ما بيده من العصر إلى الظهر تصير هذا العصر ظهرا فبعد العدول من العصر إلى الظهر رجاء و إتمامه ظهرا يعلم بإتيان ظهر صحيح، و يأتي بعده صلاة العصر (و يمكن استفادة جواز العدول في الفرض رجاء من ادلة العدول من اللاحقة إلى السابقة، لأنّ المستفاد منها

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 332

هو أنّه مع بقاء اشتغال الذمّة بالسابقة يعدل من اللاحقة إليها، و على الفرض إمّا أن يكون مورد العدول من باب وقوع الزيادة في الظهر و بطلانها، فيكون محل العدول من العصر إلى الظهر و إمّا وقع الظهر صحيحة فصار العدول بلا أثر).

و على فرض جواز العدول فكما قال السيّد رحمه اللّه يكون محله ما إذا حدث العلم الإجمالي بزيادة ركعة بعد إكمال السجدتين، فهو لا يدرى أن ما فرغ منه من الركعات كانت رابعة بناء على فرض وقوع الزيادة في الظهر، أو يكون خامسة بناء على وقوع الزيادة في العصر.

و قال العلّامة الحائرى رحمه اللّه «1»

على ما في صلاته و العلّامة الاصفهانى رحمه اللّه على ما فى حاشيته على العروة فى هذا المقام: بأنّه لا خصوصية لجواز العدول في كونه بعد إكمال السجدتين، لأنّه على كل تقدير، سواء كان بعد الاكمال أو قبله، يجوز العدول رجاء و يقطع بوجود ظهر صحيح بعد العدول، و لكن تقييد السيّد رحمه اللّه بكون ذلك بعد إكمال السجدتين يكون في محله، و وجهه هو أن مورد الشّك بين الأربع و الخمس بحسب أدلته، هو ما إذا حدث الشّك بعد إكمال السجدتين و أن في هذا الحال لا يدرى أن صلاته بحسب ركعاتها التامّة كانت أربعا أو خمسا، و ليس قبل الإكمال ما يدلّ على كونه محكوما بالبناء على الأربع، و إتيان ما بقى من الركعة كما أوفينا في محله، لأنّه لو حدث هذا الشّك بعد الركوع أو في السجود، فلا دليل لنا يدلّ بأنّه (ابن على الأربع) و تتمّ ما بقى من الركعة بعنوان الأربع، فافهم.

و قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة عشرة إذا علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه ترك سجدتين، و لكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين، وجب عليه الاعادة،

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 432.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 333

و لكن الاحوط قضاء السجدة مرتين، و كذا سجود السهو مرتين أوّلا، ثمّ الاعادة، و كذا يجب الاعادة إذا كان ذلك في أثناء الصّلاة، و الأحوط إتمام الصّلاة و قضاء كلّ منهما و سجود السهو مرّتين، ثمّ الإعادة. «1»

[في نقل كلام الشيخ في المبسوط و المحقّق في الشرائع]

أمّا إذا علم بعد الفراغ بترك السجدتين، و لكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين، فنقول: تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «2» و

حيث إنّه رحمه اللّه كان مختاره في أن ركعتين الأولتين لا تحتملان السهو و أن السهو في الاولتين موجب للبطلان سواء كان السهو مساوقا للجهل المركب أي: السهو المصطلح، أو مساوقا للجهل البسيط أى: الشك، و سواء كان السهو في الركعة من الاولتين، أو في الاجزاء، فعلى هذا كان لازم ذلك بطلان الصّلاة لو علم بترك السجدتين إمّا من الركعة الاولى أو الثانية، أو بترك سجدة في الاولى و سجدة في الثانية، أو كان طرف الاحتمال الثانية و الثالثة، ففي كل صورة يكون طرف الشّك ركعتين الأولتين أو إحداهما فتبطل الصّلاة، لوقوع السهو في الاولتين، و كما ترى المحقق رحمه اللّه مع عدم التزامه بذلك تعرض للمسألة، و قال في الشرائع «3»: بأن الأخذ بجانب الاحتياط أرجح، و هل مراده من الاحتياط هو قضاء السجدتين و سجدتى السهو مرتين، ثمّ إعادة الصّلاة، أو مجرد إعادة الصّلاة.

ثمّ فى المقام هل نقول في المسألة: بأنّه يجب قضاء السجدة مرتين و كذا سجود السهو مرتين، ثمّ إعادة الصّلاة، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي ذلك، إذ بعد العلم الإجمالي بأنّه إمّا ترك السجدتين من ركعة واحدة مثلا من الركعة الثالثة أو الرابعة، و

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 649.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 120- 121.

(3)- الشرائع، ج 1، ص 105.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 334

إمّا ترك كل واحد من السجدتين من ركعة مثلا ترك واحدة منهما في الركعة الثالثة و واحدة منهما في الركعة الرابعة، فيعلم إجمالا إمّا بوجوب إعادة الصّلاة عليه، لأنّ على فرض تركهما في ركعة بطلت صلاته، فيجب عليه إعادة الصّلاة و إمّا بوجوب قضاء السجدة مرتين، لأنّه لو ترك كل واحد منهما في ركعة صحت الصّلاة و

يجب عليه قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين.

أو نقول: بأنّه يكفى في الفرض إعادة الصّلاة فقط، و لا يجب قضاء السجدة و لا سجدتى السهو، لأنّه بعد العلم الإجمالي بأحد الامرين إمّا تركهما في ركعة و إمّا تركهما في ركعتين، يكفى إعادة الصّلاة، لأنّه بعد ما يكون أحد طرفى العلم الإجمالي ترك السجدتين في ركعة واحدة، فلا يعلم بصحة الصّلاة، و على فرض كون الشّك في صحة الصّلاة، فلا تصل النوبة إلى لزوم قضاء السجدة، لأنّ قضاء السجدة متفرع على صلاة صحيحة، و بعد كون الصحة مشكوكة، فلم يكن مورد لقضاء السجدة، فليس قضاء السجدة في مرتبة إعادة الصّلاة حتّى يكون الدوران بينهما، فيوجب العلم الإجمالي وجوب قضائهما و وجوب إعادة الصّلاة.

و فيه أن لزوم قضاء السجدة و إن كان مورده الصّلاة الصحيحة، و لا يكون واجبا مع فرض بطلان الصّلاة إلا أن في محل الفرض لا مورد لهذا الكلام، إذ في فرض العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا تقدم و لا تاخر بينهما و لا طولية لاحدهما على الاخر، بل هو بعد الصّلاة يعلم بوجوب أحدهما، و كل واحد منهما طرف للعلم في عرض واحد، و العلم الإجمالي يقتضي الاحتياط بإتيان كل من طرفيه و هما قضاء السجدة و سجدتى السهو و إعادة الصّلاة.

أو نقول: بوجوب قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين، و لا يجب إعادة الصّلاة، و وجهه ما ذكرنا فى الاحتمال الثانى لأنّه بعد كون وجوب قضاء

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 335

السجدة في طول صحة الصّلاة، لكون مورد مطلوبته فرض وجود صلاة صحيحة، ففي صورة الشّك في صحة أصل الصّلاة لا يكون القضاء أى: قضاء السجدة في عرضه، فقاعدة الفراغ

بالنسبة إلى أصل الصّلاة بلا معارض، فتكون النتيجة وجوب قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين.

و فيه ما قلنا فى الجواب عن وجه الاحتمال الثانى بانّه في مقام العلم الاجمال لا تقدم و لا تاخر بينهما، فهو يعلم إجمالا إمّا بوجوب قضاء السجدة و سجدتى السهو مرتين و إمّا بوجوب إعادة الصّلاة.

[في ذكر صور للمسألة]
اشارة

ثمّ نقول لمزيد الفائدة: بأن للمسألة صورا:

الصورة الاولى:

أن يعلم بترك سجدتين معا إمّا من الاولى أو الثانية، و إمّا إحداهما من الركعة الاولى، و الاخرى منهما من الثانية، و الحال أنّه في حال الجلوس من الركعة الثانية، فهو لا يعلم أن هذا هو الجلوس قبل السجدتين أو الجلوس بعد هما، فما مضى في الفرض عنهما و لم يتحقّق التجاوز عنهما، فالشّك فيهما بالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية يكون الشّك فى محله، فقاعدة التجاوز بالنسبة إلى كل من السجدتين من الركعة الاولى تجري بلا معارض، و بالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية لا تجري لكون الشّك قبل التجاوز، فيأتى بالسجدتين في الركعة الثانية، و تصح الصّلاة، و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الاجمال.

الصورة الثانية:

ما إذا علم إجمالا بترك السجدتين إمّا معافى ركعة، أو أحدهما في ركعة و الاخرى في ركعة اخرى، مثلا يعلم بتركهما، و لا يدرى أنّه تركهما معافى الركعة الاولى أو الثانية، أو ترك واحدة منهما في الاولى و الاخرى منهما في الثانية و حدث هذا العلم قبل مضى محل السهوى أى: قبل دخوله في ركوع الركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 336

الثالثة، فحدث العلم بتركهما إمّا معافى الاولى، أو معافى الثانية، و إمّا إحداهما في الاولى و إحداهما في الثانية.

[في نقل كلام المحقّق العراقي ره]
اشارة

قال بعض أعاظم معاصرينا (العلّامة العراقي رحمه اللّه) في الفرض: بأنّه يجب قضاء سجدة واحدة و سجدتى السهو، و تصح الصّلاة، لأنّ قاعدة التجاوز في كل واحدة من السجدة الاولى و الثانية من الركعة الاولى، و السجدة الاولى و الثانية من الثانية لا تكون معارضة مع الاخرى حتّى يقال: بأن مع العلم الإجمالي بترك السجدتين من هذه السجدات الأربع تكون قاعدة التجاوز في كل سجدة منها معارضة مع الاخرى، فتسقط بالتعارض، فيكون أثره قضاء السجدة و إعادة الصّلاة، لأنّ إجراء قاعدة التجاوز في غير السجدة الاولى من الركعة الاولى يكون موقوفا على إجراء قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الركعة الاولى، لترتب غيرها من الثلاثة عليها فى الوجود، إذ مورد جريان قاعدة التجاوز في كل جزء هو وجود الاثر فيها بمعنى أنّه لو لا هذا الجزء المشكوك وجوده، أو صحته كانت الصّلاة باعتبار الأجزاء السابقة على هذا الجزء واجدة للصحة التأهلية، و لو فرض عدم قابلية الصّلاة للصحة مع قطع النظر عن هذا الجزء لكون وجود بعض أجزائها السابقة مقطوع العدم أو مشكوك الوجود و العدم، فلا تصل النوبة إلى إجراء قاعدة التجاوز في الجزء

اللاحق، فحيث يكون رتبة السجدة الاولى من الركعة الاولى مقدمة على السجدات الثلاثة الاخرى، فقاعدة التجاوز فيها غير معارضة مع قاعدة التجاوز في هذه الثلاثة، فتجرى فيها قاعدة التجاوز، و يحكم بوجودها بلا معارض.

و بعبارة اخرى وجود طبيعة السجدة متقومة بوجود السجدة الاولى من كل ركعة، و متى لا توجد الاولى لا توجد الطبيعة، فلو فرض وجود سجدة فهى تصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 337

الاولى قهرا، لأنّ الاولى هى الّتي يوجد صرف وجود الطبيعة بها، فلو فرض وجود سجدة ثانية، و لم تجد الاولى فالثانية هى الاولى، لأنّه لا يعقل الثانية وجودها بلا وجود الاولى، فمع الشّك في الاولى، و بعبارتنا مع الشّك في وجود أصل الطبيعة لا تصل النوبة إلى الوجود الثانى أى: السجدة الثانية، بل ترتيب الأثر على الثانية موقوف على الوجود الاولى، و بتعبيرنا على وجود الطبيعة، و بعد كون رتبة الاولى مقدمة على الثانية، و لم تكن الثانية في عرض الاولى، فكيف تكون قاعدة التجاوز في الثانية معارضة مع قاعدة التجاوز في الاولى.

فتصل من ذلك كله أن قاعدة التجاوز تجري في السجدة الاولى من الركعة الاولى بلا معارض.

و إذا صارت السجد الاولى محكومة بالوجود فنقول: بأن السجدة الثانية من الركعة الثانية لا تكون موردا لقاعدة التجاوز فى عرض السجدة الاولى من الثانية، لأنّ قاعدة التجاوز في السجدة الاولى غير معارضة مع قاعدة التجاوز فى الثانية بعين ما قلنا في السجدة الاولى مع الثانية في الركعة الاولى، لأنّ في مرتبة الشّك في السجدة الاولى لا أثر للسجدة الثانية حتّى تجري فيها قاعدة التجاوز، لأنّ مع في وجود الطبيعة يكون الشّك في الوجود الثانى من الطبيعة بلا أثر، لأنّه لو لم يوجد

الاولى أى: الطبيعة، فالثانية بلا أثر، لأنّ الثانية تتصف بالجزئية في طول الاولى، فلو فرض مفروغية المصلّى عن الاولى تصل النوبة إلى امتثال الثانية، و لو شك فيها يكون مجرى قاعدة التجاوز، و أمّا مع الشّك في الاولى فلا لتقدم رتبة الاولى على الثانية، بل لو فرض وجود الثانية بلا وجود الاولى، فتصير هى الاولى قهرا لأنّ وجود الأوّل من الطبيعة ينطبق على الاولى، و بعد عدم إجراء قاعدة التجاوز في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 338

الثانية من الركعة الثانية في عرض السجدة الاولى من الركعة الثانية، فنقول بأن قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الركعة الاولى و الاولى من الركعة الثانية تتعارضان ليس بينهما ترتب، فتتعارض قاعدة التجاوز في الثانية من الاولى مع قاعدة التجاوز في الاولى من الثانية باعتبار العلم الإجمالي في البين.

و حيث لا تجرى قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الاولى، و الاولى من الثانية للتعارض و في الثانية من الثانية لأجل عدم إحراز الأثر، فهذه السجدات الثلاثة مع الشّك محكومة بالعدم- بعد عدم امكان الحكم بوجودها ببركة قاعدة التجاوز- للعلم الإجمالي بعدم إتيان السجدتين، و بعد كونها محكومة بالعدم فبالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية لا بدّ من أن يرجع من حال القيام، و يجلس، و يأتي بهما لعدم مضى محلهما السهوى، لعدم دخوله في الركوع من الركعة الثالثة، ثمّ يتم الصّلاة، و يأتي بسجدة واحدة بعنوان قضاء السجدة الثانية من الركعة الاولى. «1»

فتحصل أنّه على ما قال رحمه اللّه في الفرض ينهدم القيام، و يأتي بالسجدتين، يأتي بما بقى من الصّلاة، ثمّ يأتي بقضاء السجدة الثانية من الاولى، و السجدة الأوّل من الاولى صارت محكومة بالإتيان ببركة قاعدة التجاوز

الغير المعارضة مع شي ء، و لا يوجب ما قاله مخالفة قطعية للعلم الإجمالي.

[في ردّ كلام العراقي ره]

و فيه أن ما قال من أن قاعدة التجاوز في رتبة تشمل السجدة الاولى من الركعة الاولى لا تشمل السجدة الثانية من الاولى، و الاولى و الثانية من الثانية حتى يقع التعارض بين قاعدة التجاوز فيها مع قاعدة التجاوز السجدة الاولى من

______________________________

(1)- روائع الامالي في فروع العلم الاجمالي، ص 100 و 101.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 339

الركعة الاولى، غير تمام، لأنّ معنى عدم الاعتناء بالشّك في وجود جزء إذا تجاوز عنه، هو أن هذا الجزء لو خلى و طبعه محكوم بالإتيان.

و بعبارة اخرى الصّلاة من حيث هذا الجزء واجدة لما تصير واجدة له بوجوده، و هو أنّه لو ضمّ عليه الأجزاء السابقة عليه و اللاحقة به وجدت الصّلاة.

و بعبارة اخرى كل جزء من أجزاء الصّلاة أو شرائطها إذا أتى بها يكون واجدا للصحة التأهلية، بمعنى قابلية هذا الجزء للانضمام بأجزاء السابقة، و قابلية الأجزاء اللاحقة لانضمام بها بحيث لو حصل كل جزء في محله على ما هو عليه يأتلف منه المركب، و يحصل امتثال الأمر المتعلق بالمركب أى: الصّلاة، فعلى هذا فرض الترتيب بين الأجزاء- بحيث يعتبر وجود القراءة مثلا بعد تكبيرة الاحرام، و السورة بعد الحمد، و السجود بعد الركوع، و السجدة الثانية بعد الاولى، و الركعة الثانية بعد الركعة الاولى، و هكذا- لا يوجب ترتب بين هذه الأجزاء من حيث شمول قاعدة التجاوز، بل لسان قاعدة التجاوز بحسب إطلاقه أو عمومه يشمل الشك في كل جزء بعد المضى عنه بوزان واحد، و في عرض واحد، لا بنحو الترتب بحسب ترتب كل جزء على الجزء الاخر، فلو شك في حال

القيام من الركعة الثالثة في أنّه هل سجد في الركعة الاولى أو في الركعة الثانية أم لا، فقاعدة التجاوز عن كل منهما يقتضي كون كل من السجدات محكوما بالإتيان في عرض واحد، لا أنّه تجري قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الاولى، ثمّ بعد إجرائها فيها يحقق الموضوع و الأئر لقاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الاولى، و السجدتين من الثانية، ففي المقام بعد العلم الإجمالي بعدم إتيان السجدتين إمّا من الاولى أو الثانية و إمّا إحداهما من الاولى و إحداهما من الثانية- بعد مضى محل الشّك أى: بعد القيام إلى الثالثة، قبل الدخول فى ركوعها- ففي كل من هذه السجدات الاربعة تجري قاعدة التجاوز في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 340

عرض واحد، غاية الأمر بعد العلم الإجمالي بعدم إتيان اثنتين منهما يقع التعارض بين قاعدة التجاوز في كل منهما مع الاخرى، و لا يكون شمول دليل قاعدة التجاوز للسجدة الثانية من الاولى، و الاولى و الثانية من الثانية في طول شمول دليل القاعدة للسجدة الاولى من الركعة الاولى، حتّى تكون قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الاولى بلا معارض، فلا يتم ما قاله رحمه اللّه، فافهم.

[فى المسألة الخامسة عشرة من العروة]
اشارة

و قال السيّد رحمه اللّه: الخامسة عشر: إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، أو أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة، أو ركوع هذه الركعة، وجب عليه الإعادة، لكن الأحوط هنا أيضا إتمام الصّلاة، و سجدتا السهو في الفرض الأوّل، و قضاء السجدة مع سجدتى السهو في الفرض الثانى، ثمّ الإعادة، و لو كان ذلك بعد الفراغ من الصّلاة فكذلك. «1»

[المفروض في المسألة صورتان]
اشارة

اعلم أن المفروض في المسألة صورتان:

الصورة الاولى:

أنّه بعد ما دخل المصلّى في السجدة الثانية من ركعة يعلم إجمالا بأنه إمّا ترك القراءة من هذه الركعة، أو ركوع هذه الركعة، فقال السيّد رحمه اللّه:

بوجوب إعادة الصّلاة، ثمّ قال: الاحوط إتمام الصّلاة و سجدتا السهو، و إعادة الصّلاة.

أمّا وجه ما قال من إعادة الصّلاة فلأنه بعد العلم الإجمالي بأحدهما لا تجرى قاعدة التجاوز في كليهما، بل تسقط بالتعارض قاعدة التجاوز في كل منهما مع الاخر، فلا يكتفى بهذه الصّلاة، لأنّه على فرض كون المتروك هو الركوع بطلت صلاته، و على فرض كون المتروك هو القراءة وجب عليه سجدتى السهو، لأنّ

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 649.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 341

السيد رحمه اللّه يقول: بوجوبهما لكل زيادة و نقيصة سهوية، فيدور أمره من وجوب سجدتى السهو عليه، و بين وجوب إعادة الصّلاة، فاكتفى أوّلا بإعادة الصّلاة فقط، لا بوجوب الإتمام ثمّ سجدتى السهو ثمّ الإعادة أمّا عدم وجوب الاتمام لعدم كون المضى في هذه الصّلاة مع العلم الإجمالي واجبا، و أمّا عدم وجوب سجدتى السهو، فلأن وجوبهما موقوف على فرض تحقق صلاة صحيحة، فإذا أتى بصلوة صحيحة و وقع فيها زيادة أو نقيصة سهوية يجب عليه سجدتى السهو.

ثمّ قال بعد ذلك الأحوط إتمام الصّلاة و سجدتى السهو، ثمّ الاعادة، و هذا الاحتياط مستحب، لأجل رعاية احتمال وجوب الإتمام، و وجوب سجدتى السهو، و لو مع عدم تحقق صحة الصّلاة، و الإعادة واجب لأجل العلم الإجمالي.

و لكن نحن قلنا في حاشيتنا (الاقوى صحة الصّلاة في الفرض الأوّل و لزوم الاحتياط المذكور في الفرض الثانى، و لا ينبغي تركه في الأوّل أيضا)، لأنّه على مختارنا لا تجب سجدتى السهو في

كل زيادة و نقيصة، ففي نسيان القراءة لا تجب سجدتى السهو و على هذا لا ينجز العلم الإجمالي، لأنّ شرط تنجيزه هو أن يوجب في كل طرف لإثبات تكليف و إلّا فالأصل في طرفى الآخر يصير بلا معارض ففي الفرض بعد عدم أثر لو كان المتروك القراءة، لعدم بطلان الصّلاة بتركها السهوى و لا وجوب سجدتى السهوى على تركه السهوى فلا أثر لإجراء القاعدة أى: قاعدة التجاوز فيها، فيكون قاعدة التجاوز في الركوع بلا معارض، و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الإجمالي نعم ينبغى الاحتياط و لا يجب.

و لا فرق بين طروّ هذا العلم الإجمالي، على مختارنا، في السجدة الثانية، أو في السجدة الاولى، لأنه على ما قلنا سابقا في محله بمجرد الدخول في السجدة الاولى مضى محل السهوى من الركوع، و لهذا فلو علم بتركه بعد دخوله في السجدة الاولى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 342

تبطل الصّلاة، و لكن السيّد رحمه اللّه حيث اختار بأن المصلّى متى لم يدخل في السجدة الثانية لم يمض محل السهوى من الركوع، فرض طروّ العلم الإجمالي في السجدة الثانية.

ثمّ إنّه لا فرق في ما قلنا و لا في ما قال السيّد رحمه اللّه في هذه الصورتين طروّ العلم الإجمالي بعد تجاوز المصلّى عن محل السهو، أو بعد الفراغ من الصّلاة.

الصورة الثانية:

ما إذا علم إجمالا بعد الدخول في السجدة الثانية بأنّه إمّا ترك سجدة من الركعة السابقة و إمّا ترك ركوع هذه الركعة، فقال السيّد رحمه اللّه بوجوب إعادة الصّلاة عليه.

و وجهه ما قلنا من أنّ مقتضى العلم الإجمالي هو ترك أحدهما و أثره وجوب الإعادة، و لا يجب قضاء السجدة، و سجدتى السهو، لأنها متفرع على وجود

صلاة صحيحة، و فى الفرض مع احتمال ترك الركوع ما احرز صحة الصّلاة الّتي بيده، فيجب إعادة الصّلاة فقط، و وجوب الاتمام غير معلوم، لعدم معلومية وجوب المضى فى هذه الصّلاة، و الأحوط إتمام الصّلاة، و قضاء السجدة، و سجدتى السهو، ثمّ إعادة الصّلاة، و وجهه هو رعاية احتمال وجوب إتمام الصّلاة، و احتمال وجوب قضاء السجدة، و سجدتى السهو استحبابا، و ما يجب هو إعادة الصّلاة.

و لا فرق في الحكم بين طروّ هذا العلم بعد مضى محل السهوى من الركوع، و بين طروه بعد الفراغ من الصّلاة.

و على مختارنا لا فرق بين طروّ هذا العلم في السجدة الثانية، أو في السجدة الاولى، لأنّ بالدخول فيها مضى محل السهوى من الركوع.

[فى المسألة السادسة عشرة من العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: السادسة عشرة، لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 343

سجدتين من الركعة السابقة، أو ترك القراءة، وجب عليه العود لتداركهما و الإتمام، ثمّ الإعادة، و يحتمل الاكتفاء بالإيتان بالقراءة و الإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت بدعوى أنّ وجوب القراءة عليه معلوم، لأنّه إمّا تركها، أو ترك السجدتين، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها، و يكون الشّك بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الّذي هو القنوت و أمّا إذا كان قبل الدخول في القنوت، فيكفى الإتيان بالقراءة، لأنّ الشّك فيها في محلها، و بالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز، و كذا الحال لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهد، أو ترك سجد واحدة أو التشهد، و أمّا لو كان قبل القيام فيتعين الإتيان بهما مع الاحتياط بالإعادة. «1»

اعلم أن العلم الإجمالي إمّا يطرأ

بعد الدخول في القنوت، و إمّا قبله.

أمّا لو طرأ بعد الدخول في القنوت، فقد يقال: بأنّه بعد تعارض قاعدة التجاوز فى السجدتين مع قاعدة التجاور في القراءة، لعدم إمكان إجرائها في كليهما للعلم الإجمالي، فكل من السجدتين و القراءة محكومة بالعدم، و حيث لم يمض محل السهوى منهما، لأنّه لم يدخل بعد في الركوع، فيجب عليه أن يجلس، و يأتي بالسجدتين، ثمّ القراءة، ثمّ يتم الصّلاة، و الاحوط استحبابا إعادة الصّلاة، لأجل احتمال وقوع زيادة السجدتين في هذه الصورة.

[الحقّ ان العلم الاجمالى ينحل الى علم تفصيلى و شك بدوي]

و لكن يمكن أن يقال، بل هو الحق: بأن العلم الإجمالي في المقام ينحل بالعلم التفصيلى و الشك البدوى، لأنّه يعلم تفصيلا بوجوب القراءة عليه إمّا لعدم إتيانها، و إمّا لأجل وقوعها في غير محلها، لأنّه لو ترك السجدتين وقعت القراءة في غير

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 650.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 344

محلها، فيعلم تفصيلا بوجوب القراءة عليه، فلا تجري فيها قاعدة التجاوز، فتكون قاعدة التجاوز في السجدتين بلا معارض للمضى عن السجدتين و دخوله في الغير، و هو القيام، لا أن يكون الغير هو القنوت كما قال السيّد رحمه اللّه.

و أمّا لو كان قبل الدخول فى القنوت، فلا إشكال في وجوب الإتيان بالقراءة، لعدم مضى محله، فلا تجرى فيها قاعدة الفراغ، و يكون الشّك بالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز لدخوله في الغير و هو القيام، فافهم. «1»

[فى المسألة التاسعة عشرة من العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: التاسعة عشرة، إذا علم أنّه إمّا ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة فان كان جالسا، و لم يدخل في القيام، أتى بالتشهد و أتم الصّلاة و ليس عليه شي ء، و إن كان حال النهوض إلى القيام، أو بعد الدخول فيه، مضى و أتمّ الصّلاة و أتى بقضاء كل منهما مع سجدتى السهو، و الأحوط إعادة الصّلاة أيضا، و يحتمل وجوب العود لتدارك التشهّد و الإتمام، و قضاء السجدة فقط

______________________________

(1)- أقول لم يتعرض مد ظله العالى لفرعين آخرين من هذه المسألة، و هو ما إذا علم إجمالا بأنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهد، أو علم إجمالا بأنّه إما ترك سجدة واحدة أو التشهد، فان كان قبل القيام إلى الثالثة، فيجب عليه الإتيان بالسجدتين و التشهّد في الصورة الاولى، و

السجدة الواحدة و التشهد في الصورة الثانية، لأنّ الشّك فيهما قبل التجاوز.

و لو علم بعد الدخول في القيام فقال السيّد رحمه اللّه: بأن ذلك يوجب الإتيان بالتشهد فقط في كل من الصورتين، لأنّه يعلم تفصيلا بوجوب التشهّد عليه إمّا لتركه، أو لترك السجدة أو السجدتين الموجب لعدم وقوع التشهّد في محله، فينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلى و الشك البدوى.

و لكن هنا إشكال من جهة أنّه بعد علمه التفصيلى بعدم سقوط أمر التشهّد و لزوم إتيانه، فما تحقق التجاوز الموضوع لقاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين في الصورة الاولى، و السجدة في الثانية، فمع عدم التجاوز فمقتضى كون الشّك في شي ء لم يتجاوز محلّه هو إتيان السجدتين في الصورة الاولى، و السجدة في الثانية، ثمّ التشهد، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 345

مع سجود السهو، و عليه أيضا على الأحوط الإعادة أيضا. «1»

[للمسألة صورتان]
اشارة

اعلم أن للمسألة كما قال رحمه اللّه صورتين:

الصورة الاولى:

أن يعلم إجمالا بترك السجدة من الركعة السابقة، و التشهد حال الجلوس، فحيث لم يمض محل إتيان التشهد، و لم يتجاوز عنه بل يكون فيه في شي ء لم تجزه فتكون قاعدة التجاوز في السجدة الواحدة من الركعة الرابعة بلا معارض، و مثل حال الجلوس ما إذا طرأ العلم الإجمالي بترك أحد الامرين إذا نهض إلى القيام إلى الثالثة، لعدم تحقّق التجاوز إلا بالقيام لا بالنهوض إلى القيام، كما قال السيّد رحمه اللّه.

الصورة الثانية:

ما إذا طرأ العلم الإجمالي إمّا بترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد في حال القيام في الركعة الثالثة.

قد يقال، كما قال السيّد رحمه اللّه أولا: بأنّه مضى و يتمّ الصّلاة، و يأتي بقضاء كل من السجدة و التشهد مع سجدتى السهو.

و وجهه هو أنّه يعلم بترك أحدهما و مضى محل تداركهما، فلا بد من قضاء كل منهما بعد الصّلاة بمقتضى العلم الإجمالي مع سجدتى السهو.

و قد يقال: بوجوب العود لتدارك التشهد، و الإتمام، و قضاء السجدة فقط مع سجود السهو، ذكر هذا القول السيّد رحمه اللّه على سبيل الاحتمال، و قال: بأن الأحوط الإعادة أيضا، و نحن قلنا في حاشيتنا بأن (هذا هو المتعين، و لكن لا تجب الاعادة على الأقوى) و وجه كون ذلك القول هو المتعيّن هو أن المصلّى في هذه الصورة يشك في وجود التشهّد كما يشكّ في وجود السجدة من الركعة السابقة، و حيث إنّه لا

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 651.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 346

يمكن الحكم له بإتيان كل منهما بقاعدة التجاوز لكون قاعدة التجاوز في كل منهما معارضة مع قاعدة التجاوز في الاخر، فيكون كل من السجدة و التشهّد محكوما بالعدم، غاية الأمر حيث مضى المحل

السهوى من السجدة من الركعة السابقة لدخوله فى الركوع من الركعة اللاحقة لا يمكن تداركها بل يجب قضائها، و لكن التشهّد حيث لم يمض محل السهوى لعدم دخوله في ركوع الركعة الثالثة يكون محل تداركه باقيا فيجب ان يجلس و يتشهّد ثمّ يأتى بما بقى من الصّلاة.

و بعبارة اخرى، بعد عدم اجراء قاعدة التجاوز في السجدة و التشهد للتعارض للعلم الاجمالى بترك احدهما، فمقتضى استصحاب عدم اتيان التشهّد هو وجوب اتيانه، لانّ مفاد الادلة كما عرفت في محله هو انّه لو ترك التشهّد الأوّل و تذكر تركه قبل ركوع الركعة الثالثة يجب العود الى الجلوس و اتيان التشهّد، و ان كان التذكر بعد ركوع الركعة الثالثة يجب قضاء التشهّد و بعد عدم اتيانه بحكم الاستصحاب فيكون الواجب عليه اتيانه لتذكر تركه قبل الركوع فيجلس و ثمّ يتم الصّلاة و يأتى بقضاء السجدة الواحدة مع سجدتي السهو.

[في اشكال و دفعه]

ان قلت: ان استصحاب عدم اتيان التشهّد أيضا معارض مع استصحاب عدم اتيان السجدة فلا تجرى الاستصحابين حتّى يقال بان التشهّد محكوم بالعدم بحكم الاستصحاب، فلا بد من اتيانه قبل مضى محله السهوى للعلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة فى احدهما، فلا يجوز ترك التشهّد لا بالوجدان و لا بالاصل حتى يكون مورد الادلة الدالة على اتيانه لو تذكر تركه قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة.

قلت: ان هذا يصح بناء على الالتزام بكون نفس العلم موجبا لعدم اجراء الاصول في اطرافه و لو لم يوجب لمخالفة تكليف منجز في البين الثابت بالعلم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 347

الاجمالى، و لكن المبنى فاسد، بل نحن قوينا في محله بان الاصول لا تجرى في اطراف العلم الاجمالى اذا صار اجرائها موجبا للمخالفة

القطعية للتكليف المنجز الثابت بالعلم الاجمالى، و فى المقام لا يوجب اجراء الاستصحابين مخالفة عملية للعلم الاجمالى، لانّ العلم الاجمالى يقتضي بحكم العقل اتيان كل من السجدة و التشهد، و نحن نقول بذلك، غاية الامر اتيان التشهّد اداء لعدم مضى محله السهوى و اتيان السجدة قضاء لمضى محله السهوى.

ان قلت: ان هذا يصح في ما يعلم اجمالا اما بترك السجدة الواحدة من الركعة السابقة، و امّا بترك التشهّد مع احتمال ترك كل منهما أيضا، و في هذه الصورة يصح ما قلت: من أن إجراء الاستصحاب لا يوجب لمخالفة عملية للعلم الإجمالي، و أمّا لو علم بترك أحدهما مع العلم بوجود أحدهما أيضا ففي هذه الصورة لا مجال لاجراء استصحاب عدم كل منهما، للعلم الإجمالي بوجود أحدهما، و مع العلم بوجود أحدهما فيعلم بانتقاض الحالة السابقة، فيكون كل من الموردين من قبيل الشبهة المصداقية لقوله (لا تنقص) فلا يشمل عموم لا تنقص للموردين.

قلت: أولا هذا خارج عن فرض الكلام، لأنّ المفروض صورة علم بترك أحدهما فقط، لا العلم بعدم أحدهما، مع العلم بوجود أحدهما، و ثانيا قلنا نحن: إنّ الأصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي في ما يوجب لمخالفة عملية. «1»

______________________________

(1)- أقول في جوابه مد ظله العالى عندى تامل، لأنّ الإشكال ليس من حيث العلم الإجمالي، بل من حيث كون إجراء الاستصحاب في الموردين من قبيل التمسك بعموم (لا تنقص) في الشبهة المصداقية، فتأمّل و لكن يمكن أن يقال في المقام: بأنّه يجلس، و يتشهد، و يتم الصّلاة، و يقضى السجدة كما اختاره مد ظله العالى، لا من باب استصحاب عدم إتيانه، بل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 348

ثمّ إنّه على ما قلنا لا يرى وجها

لاحتياط السيّد رحمه اللّه بالإعادة في صورة الرجوع إلى الجلوس، و التشهد، و إتمام ما بقي من الصّلاة، فافهم.

و أمّا لو علم ترك أحدهما بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فقد مضى محلّ السهوى من السجدة و التشهد، فلا بدّ من قضاء كل منهما مع سجدتى السهو بعد الفراغ عن الصّلاة للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

[فى المسألة الحادية و العشرين من العروة]
اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: الحادية و العشرون، إذا علم أنّه إمّا ترك جزء مستحبا كالقنوت مثلا، أو جزء واجبا سواء كان ركنا أو غيره من الأجزاء الّتي لها قضاء كالسجدة و التشهد، أو من الأجزاء الّتي يجب السهو لأجل نقصها، صحت صلاته و لا شي ء عليه، و كذا لو علم أنّه إمّا ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة، لعدم الاثر لترك الجهر و الاخفات، فيكون الشّك بالنسبة إلى الطرف الاخر بحكم الشّك البدوى. «1»

اعلم أنّه إذا علم إجمالا بأنّه إمّا ترك جزء واجبا، أو جزء مستحبا كالقنوت، فتارة يعلم بذلك قبل المضى من الجزء المستحبى- مثلا حال القيام في الركعة الثانية بعد القراءة، يعلم إجمالا بأنّه إمّا ترك السجدة من الركعة الّتي قام عنها، أو القنوت- فحيث إنّه لم يمض محل القنوت فيأتى به، و تكون قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة بلا معارض.

[فى الاشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه لا تجري قاعدة التجاوز للمستحبات.

قلت: لا فرق بين كون الجزء المشكوك وجوده بعد التجاوز عنه جزء واجبا

______________________________

من باب الاشتغال به فذمته مشغولة به، و ما مضى محل إتيانه، فلا بدّ من إتيانه، و لا أصل به يحرز الإتيان، لعدم إجراء قاعدة التجاوز فيه لما عرفت. (المقرّر).

(1)- العروة الوثقى، ص 652.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 349

أو مستحبا في شمول قاعدة التجاوز لأنّ عمومها أو اطلاقها يشمل كل منهما (خصوصا مع كون المذكور في بعض روايات قاعدة التجاوز الأذان و الاقامة مع كونهما مستحبين، فيكون الشّك في القنوت في شي ء لم يجزه، و يكون الشّك في السجدة بعد التجاوز، فيكون مورد قاعدة التجاوز و تجري فيها القاعدة بلا معارض.

و تارة يعلم بذلك بعد مضى محل

تدارك كل منهما- مثل ما إذا دخل في السجود من الركعة الثانية، فعلم إجمالا إمّا بترك السجدة الواحدة من الركعة الاولى و إمّا بترك القنوت في الركعة الثانية بناء على استحباب قضاء القنوت لو تذكر في السجود تركه، أو علم إجمالا بترك أحدهما في الركوع أو بعده بناء على استحباب إتيان القنوت بعد الركوع لو تذكر نسيانه في محله، ففي هذا الفرض مضى محلهما، و تجاوز عن كل من السجدة و القنوت، فهل يكون للعلم الإجمالي أثر حتّى لا تجري قاعدة التجاوز في كل من السجدة و القنوت أولا؟

[حيث لا يكون العلم الاجمالى منجزا لا مانع من اجراء قاعدة التجاوز]

لا يخفى عليك أن في المورد حيث لا يكون العلم الإجمالي منجزا على كل حال، لأنّه لو كان المعلوم بالاجمال هو القنوت فلا تنجيز له لأنّ معنى التنجيز مصححية المثوبة و العقوبة، و في أحد طرفي العلم الإجمالي ليس هذا، لأنّ القنوت يجوز تركه فبعد عدم تنجيز العلم الإجمالي تجري قاعدة التجاوز في كل من السجدة و القنوت، لأنّ الاصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي لاستلزامه لمخالفة التكليف الثابت بالعلم الإجمالي، و في المقام ليس تكليف منجز في البين لأنّ معلوم الترك إن كان هو القنوت، فلا يكون التكليف به منجزا، فلا يكون إجراء قاعدة التجاوز في كل منهما موجبا لمخالفة عملية للتكليف الثابت بالعلم (بل أقول: يمكن أن يقال: بأنّه لو قلنا بأن الاصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي للزوم المناقضة و إن لم يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 350

لمخالفة عملية فأيضا يجرى الأصل هنا، لأنّ المناقضة تلزم إذا كان العلم يقتضي تكليفا منجزا على خلاف الترخيص الثابت بالأصل، و هنا ليس كذلك، فتأمل) «1».

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثمان من

كتاب تبيان الصّلاة

و هو اخر جزء منه و نشكره عزّ و جل لتوفيقنا بنشر

هذا السفر العلمي العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين.

______________________________

(1)- أقول: ثمّ إن سيدنا الاستاد مد ظله العالى عطف عنان الكلام إلى بيان مطلب اخر، و هو أنّه يمكن أن يقال: بإجراء الاصول في أطراف العلم الإجمالي و إن كان العلم الإجمالي يثبت تكليفا، مثل ما إذا علم إجمالا بوجوب الواحد المردد بين الشيئين، فإنه لا مانع من إجراء الاصل المخالف في كل من الشيئين، مثلا إذا علم بوجوب الاجتناب عن المردد بين الإنائين، فلا مانع من إجراء اصالة الحلية في كل من الإنائين و محذور منافات ذلك مع العلم الإجمالي ليس إلا في الشبهة البدوية، لأنّ إجراء الأصل إن كان توجب المناقضة في أطراف العلم الإجمالي يوجب ذلك في الشبهة البدوية أيضا، غاية الأمر في الاوّل يوجب بناء على ما قيل للعلم بالمناقضة، و في الشبهة البدوية احتمال المناقضة، و احتمال المناقضة كالعلم بها.

و إن تمّ ما أفاده مدّ ظله العالى في هذا الموضع، فلا بدّ من ألا يفتى في بعض الفروع المتقدمة من مسائل العلم الإجمالي بالاحتياط، و على كل حال في المسألة- أى: في ما إذا دار الأمر بين ترك السجدة الواحدة و ترك القنوت- بعدم لزوم الاحتياط، و أنّه تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة، لأنّ العلم الإجمالي لا يوجب التنجيز في المقام.

و لم يتعرّض مدّ ظله للصورة الاخرى من المسألة، و هى ما إذا علم إجمالا إمّا بترك الجهر أو الإخفات، أو بعض الأفعال الواجبة مثل ترك السجدة الواحدة، فإنّ في هذه الصورة لا يتنجز العلم، لعدم أثر لترك الجهر أو الإخفات، و لا بدّ من

تأثير العلم في عدم إجراء الاصول في أطرافه من كونه منجزا على كل تقدير، فافهم. (المقرّر)

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.